مجلة البيان للبرقوقي/العدد 29/اسمعوا أيها الأطباء

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 29/اسمعوا أيها الأطباء

ملاحظات: بتاريخ: 5 - 1 - 1917



نحن نحترمكم أيها الأطباء ونؤمن بضرورة صناعتكم، وكثيراً ما لزمنا الفراش ثم أبللنا على أيديكم، وكانت لنا نساء وصبية وأفراخ نخاف عليهم الموت فآمنتمونا من خوفنا بحقائبكم ومشارطكم وسماعاتكم وأدوات طبكم، وكنا نصر على أن لا تظهر أزواجنا وفتياتنا وقريباتنا على الغرباء، فاضطررنا إلى أن نأذن لكم في دخول مقاصيرنا وخدورنا ومخادعنا لثقتنا بنفعكم، واطمئناننا إلى عونكم، ولكن ماذا تقولون يا سادة إذا كنا قد سمعنا اليوم عنكم كلاماً سيئاً، وقرأنا في حقكم نقداً مؤلماً، ورأينا لكم اليوم عدواً رهيباً، لا من السوقة، ولا من العاديين، ولا من المتفلسفة الكاذبين، عدواً يستحق الإعجاب والإكبار، عدواً يهاجمكم جميعاً على كثرة عديدكم، ويثب إليكم في وجوهكم، وأنتم قوةٌ لا يستهان بها.

أتعرفون من هو هذا العدو الجديد؟ هو اكبر كتاب إنجلترة في هذا العصر، هو فيلسوف من مشورى الفلاسفة، وروائي من خيرة الروائيين، هو برناردشو صاحب رواية الإنسان والإنسان الأعلى، وقيصر وكيلو بطره، ورجل الأقدار وغيرها، وقد اجترأ على أن يضع عنكم رواية مسرحية، تمثل غي دور التمثيل، وتقدم لتفكهة الجماهير، هي رواية ورطة الطبيب ولم يكتف بذلك بل وضع عنكم كتاباً صغيراً شرحاً لروايته، ونقد المسائل كثيرة تخصكم.

فماذا أنتم صانعون يا سادتي الأطباء؟ أتظلون صامتين، مادامت عياداتكم حافلة بالمرضى، وجيوبكم ممتلئة بالفوزيتات والجراثيم والعدوى والإهمال والطبيعة تعمل لصالحكم، أم نراكم غاضبين من هذا الرجل الذي يريد أن يفقدكم ثقة الناس بكم. وتاركين المشرط ساعة واحدة، تتمسكوا بدله القلم فتدافعوا عن أنفسكم وصناعتكم الشريفة وتحطموا حجج شو وسفسطاته، وتخرجوا من المعركة منتصرين مبتهجين. هذا ما هو خليق بكم يا سادة.

والآن. نحن نقتصر على أن نقتطف شذرات من الكتاب، وإذا أحببتم نقلناه برمته. وإذا شئتم عربنا الرواية بجملتها.

اسمعوا الآن ماذا يقول برناردشو

الطب وضمائر الأطباء

أسمع أصواتاً مغضبة تتمتم أمثالاً قديمة في نبل صناعة الطب وشرف أهلها. وضمائرهم، وأنا أجيب هؤلاء أن صناعة الطب لا تظفر بالمكانة العالية، بل إن لها مكانة مذمومة ممقوتة، وأنا لا أعرف رجلاً واحداً أوتى نصيباً من العقل والخبرة لا يشعر بأن متعبة المرض اليوم تسلمك إلى أيدي صناعة أنت في أعماق نفسك تشك فيها كل الشك، لأنها تستعمل أشد أنواع القوة والفظاعة سعياً وراء المعرفة والعلم والتحقيق، وتبرر ذلك بحجج واهية كما قد تبرر أنت إحراق لندن بأسرها لاختبار نوع جديد من المطافئ، ثم لا تكتفي بذلك بل إنها لتزعج الناس ثم تواسيهم وتهدئ روعهم بأكاذيب من السخافة والحمق.

هذه هي حال صناعة الطب اليوم، وقد نستحقها وقد لا نستحقها، ولكن هذا هو مكانها وحسب، والأطباء الذين لم يعرفوا ذلك بعد، في غفلة من أمرهم. أما عن شرف الأطباء وضمائرهم فيهم قد أصابوا منهما ما أصاب بقية الناس، لا زيادة ولا نقصان، وهل تظن أحداً من الناس يستطيع أن يدعي الإخلاص والبعد عن الغرض في أمر له فيه الفائدة المادية الكبرى وإنه لفوق احتمال الطبائع البشرية أن تقدم إلى طبيباً أدفع إليه ثمن فحصه على شريطة أنه إذا أخطأ موضع الداء أو غلط في الدواء لا يمكن أن يمسك إليه شيء، ومن الخطأ العلمي أن تعتقد أو تذهب إلى أن الأطباء لا يعمدون إلى عمل عمليات جراحية لا لزوم لها ولا حاجة، ويختلقون أمراضاً لا توجد بالمريض، ويمدون في عمر المرض ما شاءوا، ثم لا تنسى هذه الحقيقة النفسية الغريبة، وهي أن مرضاً خطيراً أو موتاً يعلن عن الطبيب كما يعلن الشنق عن المحامي الذي كان يدافع عن المشنوق. تصور أن ملكاً أو فرداً من الأسرة المالكة تألم يوماً من حنجرته أو من معدته، فإذا وصف الطبيب له دواء بسيطاً مثل أقراص من النعناع أو مكمدات باردة، فلن ترى أحداً يحفل به، وأن يذكر الناس كلمة عنه، ولكنه إذا فتح له ثغرة في حنجرته أو قتله، أو استأصل عضواً داخلياً من أعضائه، وجعل الأمة بأسرها متلهفة ليالي وأياماً، هذا والمريض يعاني الأمرين، بين الحياة والموت، فقد ضمن السعادة إلى الأبد، فإن كل غني ينسى أن يستدعيه إذا ظهرت أعراض المرض نفسه في أهل بيته، يعد في نظر الناس أنه لم يؤد الواجب لمريضه.

والعجيب بعد هذا أن يترك على الأرض ملك أو أمير حياً إلى الآن.