مجلة البيان للبرقوقي/العدد 19/كشكول البيان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 19/كشكول البيان

ملاحظات: بتاريخ: 31 - 7 - 1914



السفور في الآستانة

بينما نحن نتجادل اليوم ونتشائم في مسالة الحجاب والسفور. وبينما يشتد فريق الأحرار من كتابنا في نقد الحجاب وتسفيه آراء أنصاره. وبينما يرد فريق المحافظين على الأولين تسفيههم. ويرمونهم بالمروق. ويقرفونهم بفقدان النخوة والرجولة. حتى أصبحت مسألة الحجاب والسفور مسألة كلامية، سبابية، ولا يراد بها الاهتداء إلى الصواب - نقول بينما كل ذلك يجري في هذه البلاد. ويقع في أنهار صحفها: ومجلاتها. إذ بنا نشهد الآستانة. دار الخلافة الإسلامية، قد بدأت تنفذ مبادئ السفور وتعمل على تحقيقها. وإذ بنا نرى أنصاره يتكاثرون في كل يوم ويزدادون. ونسمع أن السيدات التركيات والفتيات شرعن يرفعن الحجاب. ويسفرن للرجال. ويشتغلن بالأعمال العمومية. وقد كان من همة وزراء الدولة الإنشاء المتعلمين. وخلوص نفوسهم من قيود الجمود الشرقي. وسلاسل البقاء على القديم. إن بدأت تركيا تظهر في مظهر تطور اجتماعي جديد. وإصلاح داخلي طريف. فالمصطافون اليوم النازلون بالآستانة يرونها في شكل لم يعهد من قبل. يرون النظافة سائدة في الطرق. ويبصرون خطوط الترام تخترقها. من طرف إلى طرف. ويشيدون المدينة بعد الغروب مضاءة بالمصابيح الكهربائية.

وقد مدوا حديثاً أسلاك التليفون واشتغلت جماعة الفتيات والسيدات التركيات بإدارته. سافرات غير منتقبات. وعاملات التليفون اللاتي انتخبن يعرفن ثلاث لغات ضرورية. التركية والفرنسية واليونانية. وترأسهن سيدة إنكليزية.

وقد رأست منذ أيام السيدة الفضلى زوجة جمال باشا وزير البحرية. معرضاً للشفقة في الآستانة. قامت به بعض السيدات التركيات. ودهون لمشاهدته جمعاً من الأتراك والأوروبيين وهذه هي المرة الأولى التي وقع فيها حادث مثل هذا في تركيا.

وإليك ما كتب المسيو جورج ريمون وهو كاتب صحفي مشهور يراسل مجلة (اللاستراسيون) الفرنسية من الآستانة. وكان بين الذين دعوا لمشاهدة معرض الشفقة.

لقد صادف معرض الشفقة إعجاب الكثيرين من رجال تركيا وارتياحهم. وأصاب سخط الأكثرين ونعرتهم. ولكنه على أية حال خطوة جديدة في سبيبل المستقبل. وقد أصبح ف تركيا الآن فريقان. كل منهما أحر من الآخر استمساكاً برأيه وأشد منه تعصباًَ لمذهبه. ففريق يدعو إلى وجوب إحداث تغيير تام في حال المجتمع التركي. ولاسيما في مسألة الحجاب. والفريق الثاني هو فريق المستمسكين الجامدين على الآداب القديمة. وهم رجال العهد القديم.

وإذا كانت أمثال هذه المسألة لا تجد إلا قليل أهمية في نظر الفرنسيين. فإن لها لأهمية كبرى في تركيا. لأن الحجاب لم تسنه العادة وحدها بل الدين معها. وللدين قوة هائلة في تلك البلاد. بل الدين هو وحدة الذي تقوم عليه في تركيا القوة الاجتماعية. وإن التغييرات التي أدخلها أنور باشا في تراقيه على لباس الجنود والسماح للسيدات التركيات بالظهور سافرات. أهم كثيراً في حياة الشعب التركي من كل الحوادث السياسية الكبرى.

وليس ثم أمة قوية أو على الأقل قابلة للحياة. دون أن يكون لها حياة اجتماعية. ولا تتفق الحياة الاجتماعية لبلد يعيش نساؤه محتجبات مختمرات. وإن الآراء التي يراها الأتراك في مركز المرأة عندهم قد جعلتهم في معزل عن بقية العالم. وكانت هي السبب الأكبر في تلك الظنون والأحكام المتسرعة التي يحكم بها الغربيون على الأتراك. والتي لا يزال الأتراك أنفسهم يشكون منها ويتألمون. ولكن بدأ بعض أهل النظر الثاقب يفهمون سر سوء التفاهم الواقع بين التركي والغربي. وهو حالة المجتمع التركي. لأن المجتمع وحالة المرأة والأخلاق والآراء العامة. قبل السياسة والجرائد والتجارة وغيرها. عليها تنهض المخالفات. وتشتد الروابط والصلات. وبها يزول سوء التفاهم. على أن الحجاب في تركيا مقصور على النساء في المدن.

أما في بلاد الريف وفي القرى فلا تحتجب المسلمات عن الرجال. إلا قليلاً أو لا تحتجب بنة. وقد رأيت بعيني النساء المسلمات يحاربن جنباً لجنب مع أزواجهن وأخواتهن ورجال قبيلتهن يحملن الماء على خط النار يشجعن الجند. ويسقين المقاتلين. وهن ممتشقات السيف. متنكبات البندقية. غير خاشيات ظهور وجوههن. ولا يزال أنصار الحجاب يحتجون بالأخطار التي تهدد الأخلاق من جراء رفع الحجاب. وتسئ إلى عاطفة قوية. تعتمد في مظاهرها على أنانية الذكر. وغيرته على حق امتلاكه. ورغبته في أن لا يعدو أحد على هذا الحق.

كل ذلك لا ريب فيه. ولكن كل تقدم لا يشتري إلا بثمن مجهودات كبار. ويعوزه شيء من التضحية. حتى تجتني منه الفائدة المطلوبة. وليس يكفي تركيا البحارة المهرة. والجند الأنجاد الشجعان. بل يجب أن يكون لها كذلك. مجتمع يستطيع أن يسير في نهج واحد مع مجتمعات الأمم الأخرى، وبدون ذلك لا تستطيع تركيا آخر الدهر. أن ترفع ذلك الحاجز الذي يحول بينها وبين أمم الغرب.

ولنعد إلى معرض الشفقة. فقد كانت سيداته على جمال رائع وتودد جذاب. وقد قال لي يوماً القائد عزيز بك بهاته النساء يعرف الإنسان الأمة. وبهن يستطيع الحكم عليها ونحن برؤيتنا النساء التركيات. لا نستطيع إلا أن نقدر تركيا حق قدرها - انتهى تعليق الكاتب.

مأساة أخرى في البحر

غرق إمبراطورة أيرلندا

لا تزال قصيدة الشارع بيرون في روعة الأوقيانوس وعظمته وأخطاره. حقيقة إلى يومنا هذا. وإن كثرت المخترعات وتعددت المبتدعات. وأنشئت السفن الضخمة. وجاءت التيتانك وتولت. واهتمت غرف التجارة في إنجلترا وغيرها بحوادث الغرق. واخترعت أحزمة الحياة. وأنطقة النجاة. وسنت البنود الشديدة لمعاقبة قواد السفن الغريقة وملاحيها. وأدخلت المواعد الصارمة على قوانين الملاحة ومعاهداتها. فلا يزال للأوقيانوس. كما يقول بيرون سلطانه، وإذا اصطلحت أمواجه. وأجيال ثلوجه على سفينة وإن كبرت. فلا عاصم لها منه ولا نجاة لها من شره.

ذهبت التيتانك. وهي في أول عهدها بالبحر. فراغ العالم غرقها. واستشهد فيها خلق كثير من ملوك المال. وملكات الجمال. وأرباب القلم. وغيرهم من مختلف الطبقات. فضاعت في اليم ثروة عظيمة. وغرقت أرواح كثيرة. ثم قامت على أثر تلك الكارثة العظمى ضجة كبرى يراد بها تحذير القوم بناء السفن العظيمة. ولكن لم يجد التحذير نفعاً. فإن هناك اليوم آلات سفن أضخم من تلك وأعظم. حمولة كل منها خمسون ألف طن. ولا يزالون ينشئون غيرها وهم يؤملون الآن أن تحسب غرفة التجارة حساباً للصعوبات التي لاقتها سفينة الإمبراطور والمشقات التي عانتها سفينة فوترلاند حتى كادت تروح مطعماً للحيتان في طريقها إلى نيويورك وعودها منها. وهما من السفن الثلاث الكبرى الموجودة اليوم. وهم ينصحون بالإمساك عن تشييد غيرهما من ضخم السفائن. لأن راحة المسافرين لا تزداد بالسفر على ظهورها ولا يجد المسافرون في ركوبها إلا قسطاً من الرفاهية لا حاجة بهم إليه. ولا يرونه من الضرورة في شيء بينا الخطر يتفاقم كلما كبر حجم السفينة وازداد.

وقد حدث في الأوقيانوس الأطلانطي مأساة أخرى. هي في هولها وجلالها لا تقل عن كارثة التيتانك ولا فولترنو أو غيرهما. وكيف وقد ذهبت فيها نفوس لا تقل عددها عن عدد غرقى التيتانيك. وذلك أنه في ليلة الثامن والعشرين من مايو المنصرم. عند قم نهر سانت لورانس. أعظم أنهار كندا. خرجت سفينة من أجمل سفن شركة الكنديان باسبيك وهي تلك المسماة إمبراطورة أيرلندا. من ثغر كويبك من الثغور الشرقية لكندا. تريد العودة إلى إنجلترا. فأراد القدر إلا أن تصدم بقارب فحم من قوارب النرويج يسمى (ستورستاد) وذلك حوال الساعة الثانية إلا ربعاً بعد منتصف الليل. وعلى أثر اصطدامها هوت إلى قاع البحر بأصحابها. فغرق منهم أكثر من ألف نسمة.

وقعت هذه المأساة على مسافة قريبة من الشاطئ على بعد خمسة أميال أو ستة. إزاء قرية هناك تدعى (رموسكي) لا يزيد عدد سكانها عن 3900 نفس. واقعة على الشاطئ الجنوبي لمدخل نهر سانت لورانس. فلما بلغ نبأ كارثتها السفن المجاورة. هرعت سفينتان إلى نجدتها فلم تجد للإمبراطورة أثراً. وإذا بأمبراطورة أيرلندا الجميلة قد ابتلعها الأقيانوس في بضع دقائق فهوت إلى أعماقه بأكثر أهلها. ولم تستطيع السفينتان أن تنقذ في أثناء ذاك الموقف الجليل. إلا أولئك الذين قدر لهم أن يسرعوا إلى النزول في قوارب وزوارق كانت في رفقة الإمبراطورة. وأولئك الذين سبحوا فوق أديم الماء. وكان البحر لحسن حظهم هادئاًَ ساعتئذ ساكناً. ولكن كان الماء صقيعاً متجمداً. فكان مجموع من أنقذتا ثلاثة وأربعمائة شخص. كلهم في حال رهيبة مخزنة. قد فقدوا متاعهم وسلبوا كل شيء كان في حوزتهم فيهم الجريح والمرضوض. والمخلوط من الرعب والممرور.

أما ستورسناد القارب النرويجي المشؤوم فبعد أن بقر بمقدمة بطين الإمبراطورة استطاع النجاة والفرار من الغرق. فأنزل إلى اليمن زوارقه فنجى من نجى من غرقى الإمبراطورة ومن ثم نفذ في البحر سرباً يريد ثغر مونتريال.

وأن تفاصيل الكارثة التي قصها القبطان (كاندال) ربان إمبراطورة أيرلندا. وقد كان بين الذين كتبت لهم السلامة. وتلك التي ألقاها القبطان (أندرسن) ربان قارب ستورستاد. يختلف بعضها عن بعضصثر جد الخلاف. ولكن التحيق وحده كفيل بمعرفة أيهما الجاني الأثيم.

وقد جر غرق هذه السفينة العظيمة على شركة سفن الكانديان سايفيك خسارة فادحة. إذ كان يبلغ طولها 165 متراً. تحمل 14191 طناً. جمعت إلى حسن الرواء. وفخامة الأثاث. سرعة المسير. وصلابة التركيب. وكانت تقطع المسافة بين ليفربول وبين كويبك في ستة أيام.

وقد قدرت الشركة قيمتها بنحو عشرة ملايين من الفرنكات. وكانت فوق ذلك تحمل خمسة ملايين من الجنيهات.

ولكثرة هذه المآسي منذ كارثة التيتانك عرضت على شركات السفن وغرف التجارة مئات من الاقتراحات والابتكارات وكلها تدور حول العمل على إنقاص أخطار البحار وأهواله. ولعل أحسن هذه الاختراعات. اختراع يتألف من حزام الحياة. وسترة من الخيش الذي لا ينفذ منه الماء. تعم البدن كله. ولهذه السترة أكما تنتهي بقفازتين. وفي رأسها فرجة تقفل إذا كان الجو رديئاً مربداً. فإذا أقفلت نفذ الهواء من أنبوبة فوق الرأس صنعت بحيث لا يستطيع الماء أن ينفذ إليها.

وقد يستطيع المسافران يسبح في البحر أياماً ويأخذ معه زاده. حتى تلتقطه إحدى السفن السيارة. ويستطيع أن يحمل من الطعام والشراب ما يكفيه أسبوعاً.

وكيفية الاشتمال في هذه السترة أن يقف الغريق في شكل دلو هو بمثابة قاع للسترة. وهذا الدلو يأخذ مقداراً من الماء حتى يستطيع الغريق في سترته أن يحفظ توازن. للسترة كذلك مصباح متحرك. يدعو على نوره السفن إلى نجدته. ليلاً ونهاراً. ويتصل بالسترة عدة حال. ليعوم عليه رجلان أو ثلاثة رجال. إن لم يقدر لهم أن يظفروا بالسترة.

وهذه السترة من اختراع رجل ألماني يدعى جسناف هنريك وهو يعلن للملأ اختراعه وأنه سيمنع كل أهوال الغرق وأخطاره.

مقتل ولي عهد النمسا

راع العالم نبأ فاجعة كبرى. رمى بها الغدر شيخاً مرزواً كريماً،. جد ملوك أوروبا بأسرها وعميدهم. فرانسوا جوزيف. إمبراطور النمسا. وملك المجر. إذ أصيب في ولي عهجه ووارثه الأرشيدوق فرانسو فرديناند. بن أخيه الأرشيدوق شارل لويس. وحفيد الملك فرديناند الثاني من والدته. وقد سلبه الموت من قبل ولي عهده الأول. الأرشيدوق رودلف. وذلك عام 1889. وكان هذا شهوانياً يميل إلى ملذاته. ويجنح إلى مسارته امتصت الشهوات عصاة قوته حتى لم تكن تصدق الأمة النمساوية أنه سيلبث حياً حتى يخلف والده على عرش الإمبراطورية.

والإمبراطور فرانسوا جوزيف اليوم في الحول الرابع والثمانين. ولد في اليوم الثامن عشر من شهر أغسطس. عام 1830. قضي هذا العمر الطويل في نصب ورهق. وفواجع وأشجان. جلس على عرش الإمبراطورية النمسوية. منذ اعتزله الإمبراطور فرديناند الثاني في ديسمبر عام 1848. وكذلك مضى على تبوئه أريكة العرش ست وستون سنة.

وكان قبل هذه الفاجعة مريضاً. وكانت أوربا تضرع إلى الله أن يتم عليه نعمة الشفاء. أصيب بنزلات صدرية مزمنة. وكان في مرضه أغرب المرضى حالاً. وأعجبهم أمراً. لم يرض أن يلزم فراشه إلا أياماً معدودات. لم يشأ أن يهجر جلساته. أو يترك إلى حين عمله. وقد كان جوابه مازحاً مبتسماً لابنته الأرشيدوقة ماري فاليري. وكانت نصحت له أن يتخلى عن حضور جلساته.

(لئن كنت أجش الضوت أبحه. فلست بالأصم)

ولم يحدث مرضه أدنى تغيير في شهوته للطعام. ولا في تودده للناس وتلطفه. والمطلع على التقارير التي تجيء من ويانة منبئة عن النظام الذي يتبعه الشيخ المريض في تقضية ساعات نهاره. يري أن الإمبراطورة يأوى عادة إلى فراشه الساعة الثامنة من المساء وينهض منه الساعة الرابعة صبحاً. فإذا استيقظ استحم بماء فاتر. ثم تزين. وحلق لحيته. حتى إذا أقبلت الساعة الخامسة جلس إلى مكتب عمله. وفي الساعة السادسة يتناول فطوره الأول. حساء وقطعة من الشواء البارد. فمقداراً من اللبن أو الكاكاو. وقد استبدل اللبن والكاكاو منذ مرضه بالشاي الروسي. وإذا جاءت الساعة السابعة استقبل طبيبه الخصيص به. وفي خلال ضحوة النهار يتناول لبناً مغلياً. مع شيء من الخبز الأسود. وفي منتصف الساعة الثانية عشرة يجلس إلى طعام الغداء. وهو يتألف من الحساء واللحم والخضر. ثم يستريح بعد الظهيرة. وفي الساعة السادسة من المساء يقدم له طعام خفيف. مقدار من السمك. مع مقدار من النقل.

وتفصيل الفاجعة الكبرى هو أن الأرشيدوق كان يرأس بعض الاستعراضات العسكرية في ضواحي (الديزيه) من بلاد البوسنة بصفته من كبار القواد والمفتش العام للجيش النمسوي. وكان في رفقته في تلك الرحلة زوجته الدوقة هو هنبرج. وقد انتهت الاستعراضات يوم الأحد الثامن والعشرين من شهر يونيو الماضي. فأراد الأمير أن يختم رحلته في البوسنة والهرسك بزيارة سراجيفو عاصمة الأولى في ذلك اليوم.

وأنه وزوجته في طريقهما إلى دار المحافظة في سراجيفو إذ اعترض السيارة التي نقلهما عامل من صفافي الحروف يدعى كابرينوفتش. وقذف عليهما قنبلة من الديناميت. أنفاها ولي العهد بأحد ذراعيه فسقطت على الأرض. وانفجرت فأصابت شظاياها السيارة التي كانت في أثر سيارة الأرشيدوق فأصيب الكولونيل موريزي ياور المحافز بجراح غير بالغة. وأصيب كذلك ستة من السابلة.

وواصلت مركبة الأرشيدوق وزوجه مسيرها إلى دار المحافظة حيث استقبلا بالحفاوة والإجلال. وقد حاولوا عبثاً أن ينصحوا للأرشيدوق بتغيير الطريق في عودته. وكان قد أجمع أمره على الذهاب إلى زيارة المستشفى الحربي. لعيادة الجرحى الذين أصابتهم القنبلة. وكذلك كانت تدفعه الأقدار المحتومة إلى موضع الكارثة.

فلما دنت السيارة التي تقله وزوجه من ملتقي شارع فرانسوا جوزف بشارع رودلف. على مسافة غير بعيدة من دار المحافظة. انبرى من أول صف من صفوف الجمهور لمحتشد. فتى ناشئ يكاد يظن غلاماً صغيراً. وتقدم إلى الأمام فصوب نحو الأمير وقرينته. رصاصتين من مسدس (برونيتج) فأصابت الأولى بطن الأرشيدوقة. من ناحية جنبها الأيمن. وأصابت الثانية الأرشيدوق في عنقه فقطعت وريده، فأسرعت السيارة بها إلى دار المحافظ. وحاولوا إسعافهما فلم يجد الإسعاف نفعاً. بل لم يلبثا أن لفظا أنفاسهما الأخيرة.

والقاتل مثل الأثيم الأول كابرينوفتش من الصرب يدعى جاريللو برنزيب أحد طلبة المدارس. لا تتجاوز سنة الحول التاسع عشر.

وقد أثارت هذه الحادثة على الصربيين - إذ كان الأثيمان منهم - حنقاً شدايداً. ومظاهرة أشد. وقامت الفلاقل. وارتفعت الهزاهز والفتن. في كثير من القرى الصربية في بوسنة والهرسك وقتل من الصرب وجرح خلق كثير في سراجيفو وموسطار وغيرهما وسطا المتظاهرون على الحوانيت التي يملكها التجار الصربيون على أن الحكومة الصربية نفسها احتجت احتجاجاً رسمياً على هذه المظاهرات وأعلنت استياءها وانكارها لجناية كابرينوفتش وجريمة برنزيب.

والذي يزيد الأسى على الأرشيدوق القتيل هو أنه مات في الحول الخمسين من عمره دون أن يتولى العرش. ويعتلي الأريكة. وقد نضج في العشر السنين الأخيرة. وتجلت مواهبه وظهرت كفاءته وذكاءه. ونحن. وإن كنا لا نستطيع أن نعرف ماذا كانت تكون خططه. لو كان وثب إلى العرش. نتابع آراء أهل السياسة والنظر ونرى فيه كما رأوا رجلاً ذا شخصية قوية وإرادة. وفكرة عالية في حكم إمبراطوريته. ولم يكن يعرف أحد من الناس خطة الأرشيدوق السياسية. إذا كان الأرشيدوق سراً مغلقاً ولغزاً معمي كان يفكر في صمت ويعيش في سكون ويمضي في خفاء. وكان ذهنه يسير إلى الرقي والتطور. سيراً حثيثاً في كل يوم.

ولما نعي النعاة للإمبراطور فرانسوا جوزيف ولي عهده. وهو في أحد بلاد الريف يصطاف معتزلاً ضوضاء العاصمة وجوها المعتكر كعادته في صيف كل عام. وقع منه النعي كما تقع الصاعقة واندفع في بكاه ودموعه. وهو يصيح: يا للهول. يا للهول. لم يتركوا لي شيئاً بعد في هذا العالم!.

وغادر الإمبراطور المحزون. مصطافه في صباح اليوم التالي عائداً إلى العاصمة. وكان ينتظره في المحطة فتاه ولي العهد الجديد. وكا هذا موجعاً لوفاة الأرشيدوق حزيناً لمصاب الإمبراطور يري الناظر إلى وجهه ساعة استقبال الإمبراطور. بقية دمع في محجريه فلما نزل من القطار. اعتد على ذراع الفتى. ومشى حتى بلغ المركبة. وكانت الجماهير تهتف له في الطريق وتضج بالتحية وإظهار عواطفهم نحوه وإخلاصهم إليه.

وأعجب ما في أمر هذا الشيخ. أنه ينعم الآن. وكان من قبل على حافة القبر. بصحة جيدة وحال طيبة. وتلك لعمري من معجزات القدر. وعجائبها القضاء.

قيمة الإعلانات منذ تقدمت الصحافة في ممالك العالم المتحضر. ارتفع قدر الإعلانات. واستمدت من الصحافة منها كذلك قوام أمرها. ومصدر ثروتها. وقد تمت قيمتها اليوم نمواً عظيماً وعلت أجورها في الغرب علواً كبيراً. حتى لنكاد نظنها نحو الشرقيين باهظة فادحة ونحن موردون للقرء. ما يتقاضاه بعض صحف الغرب ومجلاته الكبرى. من الأجور حتى يعلموا إلى أي حد ارتقى الغرب. وإل أي حد نحن في الرقي نمت إليهم.

ذلك أن أجرة نشرة واحدة للإعلان الذي يستغرق صحيفة واحدة من الصحف والمجلات الآتية أسماؤها هي كما يأتي بحساب الجنيهات الإنكليزية.

350 في صحيفة الديلي ميل وبين 75 و100 في صحيفة البانش الهزلية و40 في مجلة ستراند و15 في مجلة المجلات الأسبوعية الذائعة في أمريكا تصدران من فيلادلفيا. وعدد النسخ التي تطبع منهما مليونان في كل أسبوع و100 في مجلة ما نساي الأمريكية و50 في مجلة المجلات الأميركية و8 شلنات ونصف شلن للسطر الواحد في البتي بارزيان و150 في مجلة الاستراسيون الفرنسية الأسبوعية.

وهذا الاختلاف في قيمة الأجور يتبع الاختلاف في مقدار ذيوع هذه الصحف. وشيوع هذه المجلات. ومقدار السرعة التي تصل بها نسخها إلى مختلف أنواع الأرض.

وقد عرضت إحدى المجلات الإنكليزية المشهورة على جماعة من كبار السياسيين والاقتصاديين والدينيين والفلاسفة والمفكرين والصحفيين والحكوميين هذه الأسئلة الثلاثة الآتية:

[1] ما هو أهم عيوب الطريقة المتبعة في نشر الإعلانات؟.

[2] هل لديكم أي اقتراح لتحسينها.

[3] ما رأيكم العام في قيمة الإعلانات؟.

فرد عليها جمع عظيم منهم فكان أحسن جواب على هذه الأسئلة مارد به ماكس نوردو وقد شهدت بذلك المجلة نفسها واضعة الأسئلة. قال ذلك الفيلسوف الناضج:

إنه ليدهشنا الذين يستطيعون إخراج الاستنتاجات المنطقية من بين ثنايا الحقائق البينة الجلية قليلون جداً.

كلنا يسلم بأن تطور المدنية يفضي بنا إلى الديمقراطية وفي كل مكان تحد الحكم للجماهير.

وفي كل مكان ترجح الجماهير بالطبقات. فكيف لا تصدم كل فرد من تلك الحقيقة التي تدل على أن الإعلان وليد الديمقراطية. ونتيجتها المحتمة. وعاقبتها الإجبارية؟.

وأنت لا تحتاج في المجتمع الأوتوقراطي. أو الشعب الأرستقراطي إلا إلى أن تلقت إليك أنظار الفرد أو تلك الفئة القليلة التي ينبسط سلطانها. وتجري قوانينها على المجتمع كله. كما قال ذلك الفرنسي المتملق إن عين لويس الرابع عشر. هي التي أخرجت كل حسنات الصناعة. وبدائع الفنون وفي مجتمع كهذا. لا يغني الإعلان ولا يفيد. بل حسبه أن يسر الملك ويرضيه. ورعاية الملك لكل شيء تذهب برعاية الشعب ولكنك في المجتمع الديمقراطي. لا تستمد من رعاية أي فرد. مهما كان عظيماً. ولا من أي بيئة من البيئات. إلا الفائدة النزرة التافهة. ومن ثم وجب عليك أن تسترعي أنظار الملايين ولا سبيل إلى ذلك إلا الإعلان.

ولاشك في أن أولئك الذين يذهبون إلى نظرية السبرمان. تلك النظرية الطائشة الحمقاء يرون الإعلان من أخلاق العامة وشؤون الغوغاء والسوقة. ولكن أخلق بهم أن يكونوا في النقد عادلين ثابتين. ليعيبوا إذن على الكنائس صخب أجراسها. وضوضاء نواقيسها. لأنها إعلان عن الفرائض الدينية. ولينكروا قاعات المتاحف الباريسية ومعارض الفنون الجميلة لأنها إعلان عن أهل الفنون. وبدائع أعمالهم. وقد يكون أدل على الأرستقراطية وأتم على النبل أن لا تدق للكنائس والبيع أجراس. بل ينتظروا حتى يجيء المؤمنون المتقون إلى الكنيسة من أنفسهم. وإن لا تعرض حسنات العبقرية على الجمهور. بل تترك في حجرة المصور حتى يجيء فيشهدها نقادة جهبذ. ولكن من ذا الذي يجرأ على أن يمتدح هذه الطريقة المبتكرة اليوم؟.

من المستطاع أن تنشر الإعلانات بطريقة ثقيلة. منحطة. سوقية، ومن الهين أن تكتب بأسلوب جميل صادق مهذب، تستطيع الإعلانات أن تسترعي الغرائز السافلة، وتستدعي الغش والمين، كما تستطيع أن تلفت الذهن، والعقل، والعواطف.

وللإعلان بالطريقة الصائبة الجميلة يجب أن تكون ملماً بروح الفرد. وروح الجماعات ينبغي أن تكون رجلاً مهذباً أميناً. طيباً. صادقاً. ويجب أن تكون على شيء من الفن فهل يتيسر هذا كله!.

وصفوة القول. إن كل من يرضي بالديمقراطية يجب أن يرضي بالإعلان. ولا يسأل إلا أن يراعي في الإعلانات الطريقة المحمودة.

وإليك جواب برناردشو. الفيلسوف الإنجليزي العظيم على هذه الأسئلة:

[1] إن الإعلان يطالب برخصة للكذب. لا نبررها اللياقة. ولا تتشفع لها الأخلاق.

[2] استئصال شأفة النظام التجاري الحاضرة بجملة أصوله وفروعه.

[3] الإعلانات هي كل ما في التجارة.

شراب الجعة في ميونيخ

ميونيخ هي أكبر مركز في العالم لصناعة الجعة. منها يستمد شراب الجعة في كل أنحاء الدنيا وأطراف الأرض. من الجعة حاجاتهم. وفي شهر مايو من كل عام يظهر في ميونيخ نوع جديد من الجعة يسمونه جعة البوك وهي ألذ مطعماً من النوع العادي. وأعذب مساغاً. فإذا أقبل شهر مايو الجميل. أقبل أهل ميونيخ على هذه الجعة مسرعين مخفين. وقد قرأنا في إحدى الإحصائيات أن عدد الذين زاروا حدائق الجعة. وهي من أعظم حدائق العالم العربي في شهر مايو الماضي على 12000 زائر في اليوم.

وقد تناولوا ما يزيد عن 6600 جالون من الجعة. نصف هذا المقدار من جعة البوك والنصف الباقي من الجعة السوداء. أما معدل المأكولات التي تتناول على الجعة كل يوم في تلك الحدائق. فعشرون عجلاً. وأربعة خنازير. و36000 قطعة من قطع اللحم البقري. وكثير من القول التي تقدم مع الجعة - ولما كانت هذه الحدائق واحدة من بين كثيرات أمثالها في ميونيخ. فمن المحتمل أن يكون معدل الجعة في ميونيخ كلها. عشرين ألف طن كل يوم.

ومن أعجب العجب بعد هذا أن يقال أن البفاريين والمونيخيين قد أقلوا من شراب الجعة. في صيف هذا العام.

معيشة المقاصير والحرم في تركيا

كتب القائد عزت فؤاد باشا في إحدى المجلات الألمانية مقالاً في حياة الحريم. جاء فيها بملحوظات قيمة عن أسباب عدول أغنياء الأتراك وأكابرهم عن المعيشة التي كانوا عليها منذ عدة سنين. وهي تعدد الحرم. وهي تلك المقاصير التي يفرد فيها التركي زوجاته.

وسرياته. وجواريه. فقال إن الحريم لم يعد بعد موجوداً. وإن تعدد الزوجات في تناقص وهبوط. وإن كان الشرع يبيح من الزوجات رباع. ومن الجواري والسريات ما شاء الرجل. وشاءت ثروته. ذلك لأن اتخاذ هذه الحرم يستلزم تكاليف كثيرة. ويتطلب نفقات كبيرة. وفي كثير من الأحوال يضيع دخل الرجل كله في مصاريف حريمه.

وقد جاء الكاتب بمثال لذلك استخلصه من حال حميه. وكان له أربع أزواج. وخمسمائة من الجواري والحظيات في حريمه. فقال إنه عند وفاته. في سن الأربعين لم يترك شيئاً. وقد كان ورث ثروة لا تقل عن مليونين من الجنيهات. ومنشأ كل هذه التكاليف أن كل زوجة وكل حظية لابد لها من خدم وخول. ومنذ انقطع الاتجار بالرقيق في تركيا قل معه اتخاذ الحظيات والزوجات المتعددات. وقد كانت حياة المقاصير. ومعيشة الحرم. أحد الأسباب التي عطلت رقي تركيا. لأنها كانت تمتص جزءاً كبيراً من المال. كان أحق به أن يصرف في سبيل رقي التجارة. التي تركت لليونانيين والأرمن والسوريين.

عبادة الديكة

الديكة من معبودات اليابانيين. وقد كان من تقديسهم لها أن احتفظوا بتأريخ نوعها منذ ألف عام قبل مولد المسيح. ويزين الديكة في اليابان أذناب وريش نهاية في الطول. حتى ليظن من يقع عليها أنها إحدى الشواذ. فقد يبلغ طول الريش نحواً من عشرة أقدام. وفي متحف طوكيو ثلاثة أنواع من الريش تتراوح في طولها بين ثلاثة عشر وخمسة عشر قدماً.