مجلة البيان للبرقوقي/العدد 14/لماذا لا نتزوج
مجلة البيان للبرقوقي/العدد 14/لماذا لا نتزوج
من الأخطار التي تحدق بالمجتمع الحاضر أحجام الشبان والشواب عن الزواج، فقد قلت نسبته اليوم في البلد الغربية، وفي مصر وغيرها من الأقطار عما كانت عليه منذ عشرين أو ثلاثين عاماً، وقد سئل في سبب ذلك كثيرون من مشهوري الفرنسيين والانجليز، وكثيرات من مشهوراتهم زفيهم فتيان وآنسات وكهول وعجائز. فآثرنا أن نأتي بآراء هؤلاء الأفاضل والفضليات في هذه المسألة الحيوية الخطيرة.
قالت مدام ساره برنارد الممثلة الذائعة الصيت.
أني على يقين من أن سبب قلة النسبة الحاضرة للزواج راجع إلى تغير في العادات والآداب والأطوار عما كانت عليه قديماً، فلما كنت فتاة لم يكن يسمح للآنسات من الحرية والإباحة عشر معشار ما ينعمن به اليوم، ولم نكن نعرف في شبيبتنا الأكل في المطاعم والفنادق بأن لا وسيلة للقاء إلا بالتزوار، وأحسن سبيل للخلاص من عناء الزيارة في المنزل، أن يسرعوا إلى الزواج ولكن تغيرت الحال في هذه الأيام، فإن الفتيات ينعمن في كثير من الوجوه بالحرية التي للرجال، نعم قد يصادف أن يكون الآباء على غيرة شديدة فلا يسمحون لفتياتهم بالخروج إلا مع الوصيفات، ولكن أغلب الوصيفات قد أصبح في هذه الأيام أقبل للخداع عما كن عليه في السنين الماضية. فنشأ من ذلك أن الفتى والفتاة قد أصبح لهما الآن من الحرية أكثر من أمس، فهما يستطيعان أن يلتقيا كل يوم بالطبع، فلا يكاد يمضي عليهما وقت كبير حتى يشعرا بأنه من الغبن أن يتخليا عن شيء من هذه الحرية، ويضحيا تلك العادات الطائشة التي لهما.
وكلما تدبرت هذه المسألة من وجوهها، ورأيت هذه التغيرات الكثيرة التي عدت على العادات التي كنا نأخذ بها منذ خمسة عشر أو عشرين سنة، لا يسعني إلا أن أرى أن نسبة الزواج الآخذة في القلة لم تصر إلى مثل هذه الحال إلا لأن امتزاج الرجال بالنساء اليوم قد أصبح مستهاناً فيه، ومباحاً أكثر من قبل أضعافاً مضاعفة.
وقال المستر أرثر بور شير وهو من الشبان:
إن في رأيي أن سبب قلة الزواج راجع بأجمعه إلى خطأ المرأة، فإن المرأة العصرية هي بلا ريب أقل صبراً ورزانة من جدتها أو جدة جدتها، وهي أبداً تميل إلى عادة من اسوأ العادات وأقبحها وهي الماعبة، وأكبر شيء يعجز عن احتماله كل رجل هو أن تنتقده المرأة وتسخر منه، فإذا لم يجد الرجل من النساء سخرية ودعابة فإني لا أرى هناك ما يمنعه من الزواج، فإن أوثق ما يرتبط به زوج وزوجة هو اتفاق اخلاقهما.
وقالت مسز هنري دودنيت الروائية المشهورة
ليس منشأ قلة الزواج خطأ أحد الفريقين أو كليهما، وإنما يرجع إلى شجاعة هذا العصر وإخلاصه، وفوق ذلك إلى روح المصادقة النامية بين الجنسين، وليست كما يظن البعض دليلاً على الأثرة والانحطاط، وإنما هي برهان جليّ على تقدم (الإِدياليزم) أي المثل الأعلى.
لقد كانوا يظنون في الماضي أن اختلاف الجنس وتساوي المركز في المجتمع خير قاعدة يؤسس عليها الزواج، ولكن المحبين اليوم والحبائب يطلبون أكثر من ذلك، ويظهرأن الجيل الحاضر يريد زواجاً لا انحلال له.
وتغير مركز المرأة في المجتمع له مساس كبير بالموضوع من الوجهة الاقتصادية، على أني أقدم العامل الأول وهو المثل الأعلى على العامل الثاني وهو السبب الاقتصادي، فإن الأول أبدي والثاني عرضي.
وقالت الآنسة هيلدة تريفلان:
أني أرى السبب الأكبر ف الإحجام عن الزواج هو غلاء المعيشة ويلي ذلك حب الملاهي والملذات، وهذا من أكبر معالم الفتيان والفتيات اليوم، وهناك سبب ثالث كسابقيه في أهميته، وهو اكتساب المرأة تلك الحرية لكبيرة التي رخصتها لها سنن المجتمع الحاضر، وأرى أن هناك شعوراً عاماً بين الشبان والشواب وهو أن الزواج لا ينبغي أن يفهم من معناه اليوم القيام بما ينتظره العالم من كل فتى أو فتاة، وأعرف كثيرات من الفتيات العوازب كما أعرف كثيرين من الفتية العزّابن يجدون في العزوبية والبقاء عليها كل الرضا، ويخال لي أن العزبة حال راضية، فلما وجد كل من الفريقين أن من الممكنات أن يكون سعداء ناعمي البال وهم وحدان عزاب فضلوا ما عدّوه السعادة العزبية المحققة على السعادة الزوجية المحتملة.
وأرى أنه ما دامت النساء يتمتعن بنصيبهن الحاضر من الاستقلال، فلا بد من أن تظل نسبة الزواج أقل مما كانت عليه في تلك الأيام التي كانت تعيش فيه الفتاة عيشة النسك والاعتزال.
وقال الآنسة فانبروج:
إن تساؤلنا لم لا يتزوج اليوم إلا القليلون ليبدو لي من أصعب المسائل التي يشق على فرد محاولة الجواب عليها، وأنا أميل إلى الظن بأن السبب الهام في قلة نسبة الزواج يرجع إلى الترخيص للنساء بهذه الحرية التي لهن اليوم.
لقد وضعت مسز جراندي في الأيام الماضية طريقة صعبة وهي أن المرأة ينبغي أن يكون لها وقت فراغ طويل، ولايجب عليها أتلعب شيئاً من الألعاب إلا ما كان منها هادئاً، وأن تتعلم الخياطة والتطريز وتشتغل بهما في كل يوم، ولا ينبغي لها أن تخرج وحدها إلا نادراً، فنتج من ذلك أن الفتاة العانس رأت نفسها سجينة ما بقيت على عزبتها. فوجدت أن السبيل الوحيدة التي تستطيع بها أن تنال قسطاً أكبر من الحرية. هي أن تتزوج.
أما اليوم فقد سمح للنساء بحرية أكبر من قبل. ورياضات أكثر. فنشأ ولا ريب من ذلك أن كثيرات منهن يشعرن بأنهن سعيدات مستقلات وهن في العزوبة. ومن الغبن أن يخاطرن بسعادتهن وحرّيتهن في سبيل الزواج.
وقالت مسز ويليمسن الروائية المشهورة:
أرى أن إحجام الناس عن الزواج كثيراً راجع إلى هذا الغلاء الآخذ في الأزدياد حتى لقد أصبح الحب في كوخ أغلى من قبل وأكثر نفقة، وقد زادت الحاجيات عن ذي قبل، ولذلك يعوز الفقير لخطبة الفتاة الحسناء شجاعة أكبر مما كانت في تلك الأيام التي كان الروائيون فيها يختمون رواياتهم بعرس أو خطبة. وفضلاً عن ذلك فإن النساء قد سنحت لهن فرص العمل عن قبل. وازدادت الأجور عما كانت في السنين المنصرمة. فلا حاجة بالنساء إلى أن يتزوجن لغرض الزواج ليس غير. وإذا كان الناس يتزوجون اليوم أقل من قبل فلعلهم يرون في الزواج حالاً أسعد مما رأى آباؤهم.
وقال المستر تمبل ثيرستون الروائي المشهور، وهو من الشباب:
من الخطأ الفادح أن نلقي سبب قلة الزواج على أحد الفريقين، وإذا كان هناك شجار في هذا الموضوع بين الجنسين، فلا بد أن يكون من الأثنين، ولعل النساء يعرفن رجالهن أكثر مما عرفن، والرجال يعرفون نساءهم أكثر مما عرفوا، ومن المحتمل أن يكون هناك شيء من المثل الأعلى في الحياة متلجلجاً في صدور الرجل والنساء، ومنشؤه شدة الصحف اليومية، وليس في عصبة الرجال من رجل، ولا في جماعة النساء من امرأة، لا يكونان بالزواج السعيد أسعد حالاً وأنعم عيشاً، ولذلك نحن نؤمل أن تكون قلة النسبة عرضية لا تلبث أن تزول، وقد أصبحت هذه الأيام الحاضرة أيام حقائق، ولكن لا يسعني إلا أن أظن أننا لن نسمع بعد شيئاً عن قلة الزواج، إذا لم يتشبث الخطيبان بالحقائق جد التشبث، واعتقدا ما هو حق اليوم كما كان من قبل، وهو أن الزواج يقضي في السماء، ولا دخل في قضائه للأرض.
وقالت مسز بي رينولدز من مشهورات الكتاب الروائيين وهي من العجائز:
أن هناك أسباباً كثيرة لقلة نسبة الزواج الحاضرة، فمنها الروح الجديدة السارية بين الناس لطلب السعادة، والسعادة من الكلمات التي أسيء استعمالها جد الإساءة مثل كلمة الحب، وإذا تكلمنا اليوم عن السعادة كشيء ينبغي لنا اقتناؤه، فلا نقصد بذلك كلمة اللهو، ذلكم اللهو الذي يشترى بالمال ويتمتع بع في العطلة والفراغ، والزواج الذي يلازمه دخل قليل هو على نقيض هذه السعادة، إذ يستلزم الجهد والسعي والاستقامة وتضحية النفس، وكلها من الأشياء التي يكرهها هذا العصر ويدعي أنه يحتقرها ويزري بها.
وهناك سبب آخر يعمل في أذهان المبصرين والعقلاء، ذلك أن الجيل الذي تقدمنا - آباؤنا وأجدادنا وجداتنا_كانوا يتزوجون دون تفكير أو استبصار، فكان من ذلك أن بلغت الأسرة عشرة أفراد أو أثني عشر فرداً، على حين أن دخل الأسرة لا يكفي لتعليم أربعة منهم تعليماً نافعاً، ونحن لا نزال نذكر نتيجة ذلك، ولهذا نريد أن نكون أحزم من آبائنا وأبعد نظراً ونريد فوق ذلك أن نكون أحراراً مستقلين، لنستطيع أن نكفل عيشنا ونضمن لأبنائنا ما يستعينون به على جهادهم في هذا العالم، فكان من المستحيل أن نتزوج ونحن في ربيع العمر وحداثة السن، فأما أن ننتظر حتى يتهيأ لنا أمرنا، ونأخذ للزواج عتاده، وأما أن نعجل بالزواج فنهبط في المجتمع، وننزل من مكانتنا التي درجنا فيها، ولا يستطع المقاومة والمصارعة إلا القليلون الأشداء.
وفي الغالب ترى الأنتظار يقلل من رغبتنا التي غالبتنا في زمان الصبا، ويضعفها، ويذهب بها، ونصبح أكثر انزواء عن الزواج وإشفاقاً منه، واعتياداً للعزوبة والعمل تبع أهوائنا، ويأخذ تأثير الزواج في الضعف ما انتظرنا حتى ينتهي غالباً بالرفض.
وقالت مدام كلارت:
أظن أن قلة الزواج ترجع كثيراً إلى فكرة الجيل الحاضر واختلافها عن فكرة أجدادهم وجداتهم، فإن لهذا الجيل أفكاراً أكبر، ومطامع اوسع وأكثر تبايناً، وأشد طماعة مما كان عليه آباؤهم. وكلما فكروا في الجهاد الذي لقيه آباؤهم في السنين الأولى من حياتهم الزوجية، وكيف كانوا يقتّرون ويقتصدون ويحرمون أنفسهم حتى من ضروريات الحياة، لكي يكفلوا لأبنائهم وسائل التربية الصحيحة، ساءل كل نفسه أيليق بمثلي الزواج، أن لي الآن دخلاً صغيراً، فهل يحق لي أن اسأل امرأة يدها لتعيش معي عيشة التضحية التي عاشتها أمي في الأعوام الأولى من زواجها؟. .
ويذكر كيف كانت والدته وهو صغير تشتغل في الدار أبداً وتعمل، تصلح جوارب زوجها، وترقع أثواب أطفالها، وتجدد أخلاق ثيابها. فيقول بلى أني لأوثر أن أتزوج، ولكن يظهر أن الزواج لا يليق بي أو بحياتي.
ويذكر بعد ذلك السؤال الذي يريد لو يلقيه على الفتاة الجميلة فلا يستطيع عليه إقداماً. وتمضي السنون عليه فيفقد ذلك الميل الذي كان يشعر به وتفقد فتاته الجميلة رونق الشباب.
فإذا نظرنا إلى المسألة من هذه الجهة فمن ذا الذي يستطيع أن يقول أمصيباً كان في بقائه على العزوبية أم مخطئاً.
أما أنا فلا أستطيع أن أجيب عليه ولا أرى لي فيه رأياً.