مجلة البيان للبرقوقي/العدد 13/اكتشاف مصري

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 13/اكتشاف مصري

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 10 - 1913



حول اكتشاف الدكتور رياض

(هذه أولى رسائل الدكتور أحمد رياض مكتشف (الفتوغرافية المخية) التي وعد أن يشرح بها اكتشافه وينشرها في مجلة البيان - وقد وعدنا كذلك أن سيتحف البيان في كل عدد من أعداده مبحثاً من مباحث العلوم الطبيعية والفلسفية النافعة فنشكر له الشكر كله هذه الهمم الكبار أكثر الله من أمثاله العاملين

1

تاريخ الأثير

شاهد العلماء في جميع مباحثهم عن الكائنات وأصلها أن الطبيعة لا تجيز العدم، وأن كلمة (فراغ) إنما هي كلمة نظرية لا تطابق الواقع.

ولما وجدوا أن بعض التغيرات التي تطرأ على بعض الأجسام من حركة تؤثر في أجسام أخرى على بعد منها من غير وجود الهواء بين الاثنين قالوا أنه لا بد من وجود مادة غير الهواء تتحرك حركة مستمرة بين الأجسام فتحدث التجاذب والتنافر بينهما، وهي السب في التوافق المشاهد أحياناً بين عملي جسمين غير متماسين.

وقد ضرب العلماء لتفسير هذه الحقيقة أمثالاً كثيرة، منها أن سفينتين على سطح البحر لا يمكن تأثير إحداهما على الأخرى إلا بتوسط المادة وما فيها من طاقة. وذلك بأن تتحرك إحداهما فتحدث أمواجاً متسلسلة في الماء يضرب آخرها السفينة الأخرى فتتحرك حركة في اتجاه مماثل. أو بأن تقذف مادة من أحدهما على الأخرى فتحدث فيها تغيراً. ومن غير هذين لا يمكن تأثير أية سفينة في البحر على أخرى فيه بعيدة عنها. وكذلك لا يمكن تأثير أي جسم على آخر بعيد عنه إلا بواسطة مادة تتحرك بين الاثنين فتصل بينهما. فإن لم يكن الهواء هو الواسطة في النقل فلا بد من وجود مادة أخرى تقوم بهذا العمل.

ولما كان التجاذب بين القطبين المتضادين، والتنافر بين القطبين المتجانسين في الكهرباء والمغناطيس واقعين بدون وجود الهواء بين الأجسام، فلا بد من أن هناك مادة كفيلة بهاتين الظاهرتين.

وقد سموا هذه المادة بالأثير نسبة إلى استمرار حركتها، وقالوا أن هذا الأثير موجود بين ذرات الأجسام، وفي جميع أنحاء العالم حتى فيما وراء القبة السماوية المكونة من غازات علمت للعام والخاص، وأنه هو البيئة التي فيها تسبح الكواكب وبدونه ما كانت تستطيع حركة.

وقد تغلغل بعضهم إلى القول بأنه هو أصل كهرباء الجو وافلوفيا المغنطيس بعدما أثبت ذلك ببراهين شتى.

وعندما انتهى هذا الاكتشاف إلى مسامع علماء علم النفس جعلوه أساساً لحركة الأعصاب التموجية، ونسبوا غليه نقل الرسائل من الجسم والحواس إلى المخ، وكانت نتائج أبحاثهم على هذا الفرض كلها معقولة.

وفي حداثة هذا الاكتشاف كان كل فريق من العلماء يعتقد أن هناك أنواعاً كثيرة للأثير، وأن الأثير الذي يحرك الضوء غير الأثير الذي ينقل الرسائل إلى المخ، إلى حد أنهم كانوا يتكلمون عن أثير الضوء وأثير الكهرباء وأثير الجسم كأنها أسماء تدل على أشياء مختلفة.

ومن ذلك أن الفيلسوف (اسحق نيوتن) قال أن هناك نوعاً من الأثير يتغير الضغط عليه فيسبب جاذبية الأرض، وأن هذه الجاذبية لا تترتب على غير ذلك. ولا أصل لها ألا هذا التغير في الضغط على الأثير ولكنه ترك هذه الفكرة حبراً على ورق ولم يذكرها في مؤلف له، وإنما نقلت هذه الفكرة عن الذين أطلعوا على بعض كتابته الخصيصة، أو عمن حادثوه من العلماء المعاصرين له.

وكان أتباع نيوتن لا يذكرون الأثير في تفسير جميع الظاهرات لطبيعية مثل تجاذب الأجسام وتنافرها، لشكهم في حقيقة ما فرضه أستاذهم من وجود جوهر يملأ العالم يسمى بالأثير.

أما العلماء الحديثون فيعتقدون أن الأثير هو جوهر متجانس في جميع أنحاء الكون، وأن أعماله هي التي تتغير على حسب الوسط الذي يعمل فيه أو على حسب مقدار تكثفه، وقد أثبت وجوده إثباتاً محسوساً في كيفية نقل الضوء. والذي اكتشف هذه الحقيقة هو العالم (هيوجينس). وقد أثبت غيره وجود الأثير من ظاهرات التشعع والضياء بأن أشعة الضوء لا تسير في مستقيمات بل هي مجموعة أقواس صغيرة جداً.

وأهم ما وصلوا إليه من هذا القبيل هو إثباتهم أن الضوء ليس بمادة بل عمل ناشئ عما في المادة من طاقة، وأن الهواء ليس بناقل الضوء من محل إلى آخر، وذلك بأنهم أحضروا ينبوع ضوء تخرج منه حزمة من الأشعة تمر داخل عدسات مرتبة بشكل معروف في علم الضوء، فتنقسم إلى حزمتين تضيء إحداهما أي لوحة إذا وقعت عليها مفردة، وتفعل الأخرى كذلك وحدها، وأما إذا وقعتا كلتاهما معاً على اللوحة وجد بينهما على اللوحة نقط غير مضاءة. ولا شك في أن عدم الضياء ناشئ من اتحاد ضياء الأولى بالثانية.

فاستنتجوا من هذه التجربة أن الحزمة الأصلية كأية حزمة ضوئية أخرى تتكون من حزمتين متضادتين في التأثير، فإذا سمينا إحداهما موجبة كانت الثانية سالبة.

ما دام لا يوجد في العالم بأسره مادتان إذا اتحدتا أعدمت إحداهما الأخرى فإنه لا يكون الضوء المكون من شيئين متضادين مادة أبداً لأن السلب والإيجاب من عوارض المادة.

وعلى أثر هذه التجربة ونتائجها قال (فريزنيل) أن الضوء هو نتيجة تنازع مادتين إحداهما الأثير. ووافقه على روح فكرته العالم المشهور (نيومان) ولكنه اختلف عنه في اتجاه التنازع. وقد عملت بعد ذلك تجارب كثيرة لإثبات هذه الحقيقة فأسفرت عن نجاح تام.

أما عدم قدرة الهواء على نقل الضوء فهذه فكرة واقعية أثبتوها بقولهم أن الهواء لا يستطيع أبداً نقل شيئين عملهما متناقض كما هي الحال في الضوء إنما يقدر فقط على نقل تذبذبات متجانسة كما هي الحال في الصوت.

ومن جهة أخرى ترى سرعة الضوء تساوي ملايين عدة من سرعة التموجات العادية التي يقوم بنقلها الهواء مهما كبرت سرعته في نقلها ولذلك لا يكون الهواء أبداً ناقلاً للضوء، وإنما يقوم بذلك غيره وهو ما أطلقنا عليه لفظة الأثير.

وقد شوهد أن سرعة الضوء تزيد إذا مر داخل أجسام غير الهواء وسببه أن هذه الأجسام تتحرك ذراتها حركة مستقلة بأكثر من سرعة حركة الهواء، فلذلك تعجل من سير الضوء وقد تنقص سرعته إذا كانت سرعة حركتها أقل من الهواء، وللأثير طاقة تقاس (في حال قيامه بنقل الضوء) بمقدار الحرارة التي تمتصها الأجسام من أشعة الضوء. لأن هذه الحرارة ناشئة من مقدار عمله. وله مرونة وكثافة محدودة أثبتت بتجارب شتى، وتوجد في كثير من الكتب العلمية الراقية التي تبحث في هذا الموضوع.

ومما روي عن (فاراداي) العالم المعروف إزاء هذا الاكتشاف أنه قال أن كل ما يشاهد من عمل في مناطق تأثير المغناطيس الكهربائية يحمله على القول بأن الأثير هو أصل قوى التجاذب والتنافر ومن غيره لا تكون.

وقال (تلفر بريستون) في كتاب له أن الأثير موجود بشكل غاز، وأنه مكون من جزيئات لكل مادة ولكنه لم يثبت ذلك غير أن بعض الفلاسفة استنتج من قيامه بالتجاذب والتنافر بين الأجسام أنه مكون من جزيئات.

والفكرة الغالبة أنه مادة متصلة متجانسة موجودة ككتلة واحدة مالئة للكون وقد بنيت جميع الاختراعات والاكتشافات الحديثة على حقيقة أن الأثير هو أصل كل حركة وتأثير وهو موجد العلاقة بين الأجسام، وأن له طاقة لا نهاية لها وأن أغلب الأجسام تحسن توصيله، بمعنى أنه يمكنه اختراقها والتجوال بين ذراتها. وفي فلسفة النشوء والتكوين أن العالم مكون من مادة وقوة أو مادة وطاقة وأن تحول الطاقة وانتقالها من نقطة إلى أخرى هو سبب كل ما في هذا الوجود من حركة، مهما كان نوعها وأن الأثير هو الموصل للحركة والتأثير الناشئين عن عمل الطاقة من جسم إلى جسم.

فالأثير إذن موجود في كل موضع، وداخل أي جسم وفيه تنتقل ذرات الجسم من نقطة إلى أخرى داخله لتكوين الحرارة أو للمغطسة أو للتكهرب كما هو معلوم في علم الطبيعة والكيمياء الطبيعية.

ومن ذلك أن الأثير موجود داخل جسم الإنسان، وكل حركة داخل الجسم تحدث فيه ذبذبة ينشأ عنها أمواج فيه تخترق الجسم إلى الخارج.

أما عمل المخ فليس إلا حركات تتحركها ذراته بنظام فتؤدي إلى العلم والشعور بصور ومعان والفضل في هذا الشعور للخلقة أو الطبيعية ويثبت حركة ذرات المخ احتياجه إلى التغذية ومرضا احتقان المخ وفقر الدم فيه، لأن التغذية لا تكون إلا لتعويض ما فقده من طاقة على العمل.

وعلى حقيقة تحرك ذرات المخ بنيت فنون كثيرة منها قراءة الضمير وتفسيره أن تذبذب المراكز المخية المنوطة بالتخيل يحدث ذبذبة في الأثير كما قلنا ينشأ عنها أمواج فيه تخترق الجسم حتى إذا وصلت إلى مخ ساكن مستعد لقبول الرسائل الخارجية تحدث في ذراته ذبذبة تؤدي إلى نفس المعنى المنقول لأن الطبيعة واحدة وخلقة المخ واحدة. وهذا مشاهد كثيراً في حياتنا العادية حيث يطرأ على فكر الإنسان شعور بما يفكر فيه غيره بدون قرينة أو أفكار متداعية فيسميه الإنسان إلهاماً ولكن الحقيقة ما ذكرت.

هذا هو الأثير وهذه بعض أعماله ومن لم يعتقد وجوده وأعماله فإنه لا مشاحة غير مستعد لقبول أية حقيقة

(يتبع)