مبسوط السرخسي - الجزء الرابع عشر2
[ 94 ]
للجار الملاصق فاما الجار المحاذي فلا شفعة له بالمجاورة سواء كان أقرب بابا أو أبعد وانما يعتبر قرب الباب في التقديم في الشفعة على ماروى أن رجلا جاء إلى رسول الله ﷺ فقال ان لى جارين فالى أيهما أبر قال ﷺ إلى أقربهما منك بابا وهذا لان اطلاعه واطلاع أولاده على ما يدخل منزله من النعمة أكثر فهو بالهدية أحق وهذا تأويل ماروى أن النبي ﷺ كان يقول في الهدايا ابدؤا بجارنا اليهودي فاما في الشفعة فالمعتبر هو القرب واتصال أحد الملكين بالآخر وذلك في الجار الملاصق دون الجار المحاذي فان بين الملكين طريقا نافذا وذكر عن على وابن عباس رضي الله عنهما قال لاشفعة إلا لشريك لم يقاسم وهذا قول أهل المدينة وليس يأخذ به أهل الكوفة الا أنه قد رجع إليه ابن أبى ليلى فانه كان في الابتداء يقضى بالشفعة للجار حتى كتب إليه أبو العباس المهدى يأمره بان لا يقضى بالشفعة الا لشريك لم يقاسم فأخذ بذلك لانه كان عاملا له ونحن أخذنا يقول عمر رضى الله عنه فقد أثبت الشفعة للجار حين قال لبنى عذرة أنتم شفعاؤنا في أموال اليهود في حديث طويل وأخذنا بالآثار المشهورة عن رسول الله ﷺ فان الحديث متى صح عنه كان حجة على كل صاحبي رضوان الله عليهم (والحاصل) أن الشفعة عندنا على مراتب يقدم الشريك فيها في نفس المبيع ثم الشريك في حقوق المبيع بعده ثم الجار الملاصق بعدهما وعن ابن أبى ليلى والشافعي لا تجب الشفعة الا للشريك في نفس المبيع لحديث أبى هريرة رضى الله عنه ان النبي ﷺ قضى بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة وحديث أبى موسي رضى الله عنه أن النبي ﷺ قال الشفعة فيما لم يقسم وادخال الالف واللام في الكلام للمعهود فان لم يكن فللجنس وليس هنا معهود ينصرف إليه فكان للجنس فيقتضى أن جنس الشفعة فيما لم يقسم وفي رواية انما الشفعة فيما لم يقسم وانما لتقرير المذكور ونفيه عما عداه قال الله تعالى انما الله إله واحد فهو تنصيص على نفى الشفعة بعد القسمة والمعنى فيه أن هذا تملك المال بغير رضا المتملك عليه فيختص به الشريك دون الجار كالمتملك بالاستيلاد وملك أحد الجارين متميز عن ملك الآخر فلا يستحق أحدهما ملك الآخر بالشفعة كالجار المقابل وهذا لان حق الاخذ بالشفعة لدفع ضرر مؤنة القسمة لانه لو لم يأخذ طالبه المشترى بالقسمة فيلحقه بسببه مؤنة القسمة فالشرع مكنه من الاخذ بالشفعة ليدفع به ضرر مؤنة القسمة فيما لا طريق له لدفع ذلك الا بان يخرج عن ملكه
[ 95 ] بالاخذ بالاستيفاء والملك فيه وهذا لا يوجد في حق الجار ولهذا لا يوجب الشفعة فيما لا يحتمل القسمة لانه لا يدفع بالاخذ مؤنة القسمة عن نفسه ولهذا لا يوجب الشفعة في المنقولات أيضا لانه متمكن من دفع مؤنة القسمة هناك ببيع نصيبه والبيع والشراء في المنقول معتاد في كل وقت فاما العقار فيتخذر لاستيفاء الملك فيه وليبقى ميراثا بالعاقبة فهو يحتاج إلى الاخذ بالشفعة لدفع ضرر مؤنة المقاسمة عن نفسه * وحجتنا في ذلك ماروينا من الاخبار ولا يعارضها مارووا فيها بيان ان للشريك شفعة ونحن نقول به وتخصيص الشئ بالذكر عندنا لا يدل على أن الحكم فيما عداه بخلافه ثم المراد بالشفعة بسبب الشركة فيما لم يقسم والمراد بيان أن مع الشريك الذي لم يقاسم لا مزاحمة لاحد في الشفعة الشفعة بل هو مقدم وبه نقول واللفظ المذكور في حديث أبى هريرة رضى الله عنه فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق دليلنا أنه علق نفى الشفعة بالامرين جميعا فذلك دليل على انه إذا وقعت الحدود ولم تصرف الطرق بأن كان الطريق واحدا أن تجب الشفعة وعندكم لا تجب ثم معنى هذا اللفظ فلا شفعة بوقوع الحدود وصرف الطرق وكان الموضع موضع اشكال لان في القسمة معنى المبادلة فربما يشكل انه هل يستحق بها الشفعة فبين رسول الله ﷺ أنه لا يستحق الشفعة بالقسمة والمعنى فيه أنه متصل بالملك اتصال تأبيد وقرار فيثبت له حق الاخذ بالشفعة كالشريك * وتحقيق هذا الكلام أن استحقاق الشفعة بالمجاورة دون الشركة فان الشركة تتحقق في المنقولات ثم لا تجب الشفعة الا في العقار فلابد من معنى يظهر به الفرق بينهما وليس ذلك الا أن الشركة في العقار تفضي إلى المجاورة لانهما إذا اقتسما كانا جارين والشركة في المنقولات لا تفضي إلى المجاورة لانهما إذا اقتسما لا يبقى بينهما مجاورة في الملك فإذا كان باعتبار الشركة التى تفضى إلى المجاورة يستحق الشفعة فتحقيقه المجاورة أولى وهذا لان المقصود دفع الضرر المتأذى بسوء المجاورة على الدوام ولهذا لا يثبت لجار السكنى كالمستأجر أو المستعير لان جواره ليس بمستدام ولهذا لا يثبت في المنقول وضرر التأذى بسوء المجاورة على الدوام باتصال أحد الملكين بالآخر على وجه لا يتأتى الفصل به والناس يتفاوتون في المجاورة حتى يرغب في مجاورة بعض الناس لحسن خلقه وعن جوار البعض لسوء خلقه فلمكان انه يتأذى بالجار الحادث يثبت له حق الاخذ بالشفعة لا لدفع ضرر مؤنة المقاسمة فان ذلك لا يحتاج إليه في المنقولات ولا شفعة فيما إذا باع أحد الشركاء نصيبه وهنا بالاخذ تزداد مؤنة المقاسمة على الباقين وانما يندفع عنهم
[ 96 ] سوء مجاورة المشترى ولهذا لا تثبت للجار المقابل لان سوء المجاورة لا يتحقق إذا لم يكن ملك أحدهما متصلا بملك الآخر ولا شركة بينهما في حقوق الملك على أنا نقول حق الاخذ بالشفعة له ليترفق به من حيث توسع الملك والمرافق وهذا في الجار الملاصق يتحقق لامكان جعل احدى الدارين من مرافق الدار الاخرى أولا يتحقق ذلك في الجار المقابل لعدم إمكان جعل احدى الدارين من مرافق الدار الاخرى بطريق نافذ بينهما حتى إذا كانتا في سكة غير نافذة تثبت الشفعة للكل لامكان جعل بعضها من مرافق البعض بأن تجعل الدور كلها دارا واحدة ولكن مع هذا الشريك مقدم عندنا لان سبب الاستحقاق القرب والاتصال وذلك في حقه أقوى لوجود الاتصال بكل جزء من المبيع بجزء من ملكه ثم بعده للشريك في الطريق لزيادة الاتصال في حقه على الجار وقوة السبب توجب الترجيح ولان الشريك يدفع بالاخذ ضرر سوء المجاورة ومؤنة المقاسمة عن نفسه وقد بيننا أن الحاجة إلى دفع ضرر مؤنة المقاسمة لا يصلح علة للاستحقاق فتكون علة للترجيح لان الترجيح أبدا بما لا يكون علة الاستحقاق ألا ترى أن الاخ لاب وأم مع الاخ لاب إذا اجتمعا يترجح الاخ لاب وأم في العصوبة بسبب قرابة الام والعصوبة لا تستحق بقرابة الام ثم الترجيح يقع بها فهذا مثله وتفسير ما قلنا في منزل مشترك بين اثنين في دار هي في سكة غير نافذة إذا باع أحد الشريكين نصيبه من المنزل فالشريك في المنزل أحق بالشفعة فإذا سلم فالشركاء في الدار أحق بالشفعة من الشركاء في السكة لانه أميز قربا للشركة بينهم في صحن الدار فان سلموا فاهل السكة أحق بالشفعة في الشركة في الطريق فان سلموا فالجار الملاصق وهذا الذي على ظهر هذا المنزل وباب دراه في سكة أخرى وقد روى عن أبى يوسف أن مع وجود الشريك لاشفعة لاحد سواء سلم أو استوفي لانهم محجوبون لحق الشريك وقد ثبت حقه سواء استوفي أو سلم ولكن في ظاهر الرواية الشريك مقدم وقد ثبت حق الجار مع الشريك لتقرر السبب في حقه الا أن حق الشريك كان مقدما فإذا سلم كان للجار أن يستوفى كحق غرماء الصحة مع غرماء المرض في التركة فانه إذا استحق أسقط حقهم بالابراء كانت التركة لغرماء المرض بديونهم لان سبب استحقاقهم ثابت ولهذا قلنا ينبغى للجار أن يطلب الشفعة إذا علم بالبيع مع الشريك تمكن من أخذه فان لم يطلب بعد علمه حتى يسلم الشريك فلا حق له بعد ذلك وان كان فناء منفرج من الطريق الاعظم راجعا عن الطريق أو زقاق أو درب غير نافذ
[ 97 ] فيه دور فبيعت دار منها فأصحاب الدور شفعاء جميعا لانهم شركاء في النفاء والطريق فان سلم هؤلاء الشفعة فالجار الملاصق أحق منهم بالشفعة وقد قال بعض أصحابنا فناء الدار مملوك لصاحب الدار والاصح أنه حقه وليس بمملوك له لان ملكه في الدار والدار ما أدير عليه الحائط والفناء اسم لصحن وراء ذلك يكون معد الايقاف الدواب وكسر الحطب وغير ذلك فان كان ذلك في سكة غير نافذة فهو حق أصحاب السكة بمنزلة الطريق الخاصة لهم أو ملك مشترك بينهم وفي هذا الشركة الجار الملاصق والمقابل سواء ولهذا كانت الشفعة عندنا على عدد الرؤس دون مقادير الانصباء والدور. وقال الشافعي على مقدار النصب وبيانه في دار بين ثلاثة نفر لاحدهم نصفها ولآخر ثلثها ولآخر سدسها باع صاحب النصف نصيبه وطلب الآخران الشفعة قضى بالشفعة في المبيع بينهما نصفين عندنا وعند الشافعي رحمه الله أثلاثا بقدر ملكيهما وان باع صاحب السدس ملكه وطلب الآخر ان الشفعة قضى بينهما أخماسا عنده وان باع صاحب الثلث نصيبه قضي به بين الآخرين أرباعا عنده بقدر ملكيهما وعندنا يقضى به نصفين فكذلك على أصلنا إذا بيعت دار ولها جاران أحدهما جار من ثلاث جوانب والآخر من جانب آخر واحد وطلبا الشفعة فهى بينهما نصفين فالشافعى رحمه الله استدل بحديث عمر رضى الله عنه لما أجلى يهود من وادى القرى قال لبنى عذرة أنتم شفعاؤنا في أموال اليهود الحديث إلى أن جعل الوادي بين بنى عذرة وبين الامارة نصفين فقد اعتبر مقدار النصيب ولم يقسم بين المسلمين وبين بنى عذرة وان هذا رفق من مرافق الملك فيكون على قدر الملك كالربح أو ثمرة تستحق بالملك فيكون على قدر الملك كالاولاد والالبان والاثمار في الاشجار المشتركة يوضحه المنفعة أن التي تستحق بسبب الملك يعتبر بالغرم الذي يلحق المالك بسبب الملك وذلك بقدر الملك فإذا كان الحائط مشتركا بين اثنين أو ثلاثا وأشهد عليهما فيه فسقط وأصاب مالا أو نفسا كان الضمان عليهما أثلاثا بقدر الملك فهذا مثله وهذا على أصله مستقيم فان حق الشفعة عنده لدفع ضرر مؤنة المقاسمة وحاجة صاحب الكثير إلى ذلك أكثر من حاجة صاحب القليل لان مؤنة القسمة عنده على الشركاء بقدر الملك فكذلك ما شرع لدفع هذه المؤنة * وجه قولنا انهما استويا في سبب الاستحقاق فيستويان في الاستحقاق * وبيان ذلك أن سبب استحقاق الشفعة اما الجواز أو الشركة وقد استويا في أصل ذلك فان صاحب القليل شريك كصاحب الكثير وجار الاتصال ملكه بالمبيع كصاحب الكثير (ثم تحقيق
[ 98 ] هذا الكلام) أن علة الاستحقاق أصل الملك لاقدر الملك. ألا ترى أن صاحب الكثير لو باع نصيبه كان لصاحب القليل أن يأخذ الكل بالشفعة كما لو باع صاحب القليل نصيبه كان لصاحب الكثير أن يأخذ جميع المبيع فملك كل جزء علة تامة لاستحقاق المبيع بالشفعة فإذا اجتمع في حق صاحب الكثير علل وفي حق صاحب القليل علة واحدة والمساواة لاتتحقق بين العلة الواحدة والعلل ألا ترى ان أحد المدعيين لو أقام شاهدين وأقام الآخر عشرة من الشهداء تثبت المعارضة والمشاركة بينهما. وكذلك لو أن رجلا جرح رجلا جراحة واحدة وجرحه آخر جراحات فمات من ذلك استويا في حكم ذلك القتل وهذا لان الترجيح بقوة العلة لا بكثرة العلة وعند ظهور العلة الترجيح المرجوع مدفوع بالراجح وهنا لا يبطل حق صاحب القليل أصلا فعرفنا أنه لا ترجيح في جانبه من حيث قوة العلة وكثرة العلة لا توجب الترجيح لان ما يصلح بانفراده علة لا يصلح مرجحا وملك كل جزء بانفراده علة فمن هذا الطريق تتحقق المساواة بينهما بخلاف الغرماء في التركة فان حق كل واحد منهم في دينه في ذمة المديون ألا ترى أن عند الانفراد لا يستحق من التركة الاقدر دينه فإذا ظهر التفاوت بينهما في مقدار الدين وعليه يترتب استحقاق التركة قلنا كل واحد منهم يستحق بقدر دينه وكذلك الربح فانه انما يحصل بقدر المال ألا ترى ان عند الانفراد يحصل الربح لكل واحد منهما بقدر ماله وكذلك الولد واللبن والثمار فانهما متولدة من العين فانما تتولد بقدر الملك والشافعي رحمه الله غلط في اعتبار حكم العلة بالمتولد من العلة وقسمة الحكم على اجزاء العلة فاما الحائط المائل إذا مات من وقع عليه الحائط فان جرحه الحائط فالضمان عليهما نصفين لاستوائهما في العلة وان مات بنقل الحائط فالضمان عليهما أثلاثا لان التساوي بينهما في العلة لم يوجد فان نقل نصيب صاحب القليل لا يكون كنقل نصيب صاحب الكثير ولا يدخل على شئ مما ذكرنا الفارس مع الراجل في الغنيمة لان تفصيل الفارس بفرسه حكم عرف شرعا بخلاف القياس مع أن الفرس بانفراده لا يكون علة للاستحقاق فيصلح مرجحا في استحقاق بعض الغنيمة وهنا ملك كل جزء علة كاملة لاستحقاق الجميع فلا تصلح مرجحة * ولا شفعة الا في الارضين والدور لانها عرفت شرعا وقد نص الشرع على الشفعة في العقار خاصة لقوله ﷺ الشفعة في كل عقار أو ربع والصغير كالكبير في استحقاق الشفعة الا على قول ابن أبى ليلى فانه كان يقول لاشفعة للصغير لان وجوبها لدفع التأذي بسوء المجاورة
[ 99 ] وذلك من الكبير دون الصغير ولان الصغير في الجوار تبع فهو في معنى المعير والمستأجر ولكنا نقول سبب الاستحقاق متحقق في حق الصغير وهو الشركة أو الجوار من حيث اتصال حق ملكه بالمبيع على وجه التأبيد فيكون مساويا للكبير في الاستحقاق به أيضا ثم هو محتاج إلى الاخذ لدفع الضرر في الآتى عن نفسه وان لم يكن محتاجا إلى ذلك في الحال وبمثل هذا الحاجة جاز للمولى تزويج الصغير والصغيرة فكذلك يثبت له حق الشفعة ثم يقوم بالطلب من يقوم مقامه شرعا في استيفاء حقوقه وهو أبوه ثم وصى أبيه ثم جده أبو أبيه ثم وصى الجد ثم وصي نصبه القاضي فان لم يكن له أحد من هؤلاء فهو على شفعته إذا أدرك لان الحق قد ثبت له ولا يتمكن من استيفائه قبل الادراك لان الاستيفاء يبنى على طلب ملزم ولايكون طلبه ملزما قبل الادراك فتركه الطلب قبل الادراك لعدم تمكنه من ذلك لا يكون مسقطا حقه كالبائع إذا ترك الطلب لانه لم يعلم به والغائب على شفعته إذا علم لهذا المعنى فانه لا يتمكن من الطلب ما لم يعلم به وترك الطلب انما يكون دليلا على الرضا أو التسليم بعد التمكن منه لاقبله والذكر والانثى والحر والمملوك والمسلم والكافر في حق الشفعة سواء لانه من المعاملات وانما ينبنى الاستحقاق على سبب متصور في حق هؤلاء وثبوت الحكم بثبوت سببه * وإذا اشترى الرجل دارا وقبضها ونقد الثمن واختلف الشفيع والمشترى في الثمن فالقول قول المشترى مع يمينه لان الشفيع يتملك الدار على المشترى كما ان المشترى يتملكها على البائع. ولو كان الاختلاف بين البائع والمشترى في الثمن كان القول قول البائع كما قال ﷺ إذا اختلف المتبايعان فالقول ما يقوله البائع فكذلك المشترى مع الشفيع ولان الشفيع يدعى على المشترى وجوب تسليم الدار إليه عند احضار الالف والمشترى منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه وأيهما أقام البينة قبلت بينته لانه يؤيد دعواه بالحجة وليس في معارضة حجته سوى مجرد الدعوى من الآخر والدعوى لا تعارض الحجة ثم الشفيع ان أقام البينة فقد أثبت ما ادعى من وجوب تسليم الدار إليه عند أداء الالف والمشترى ان أقام البينة فقد أثبت زيادة في الثمن ببينته وان أقاما جميعا البينة فالبينة بينة الشفيع في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف البينة بينة المشتري لانه يثبت زيادة في الثمن ببينته والشفيع ينفى تلك الزيادة والمثبت للزيادة من البينتين أولى بالعمل بها كما لو اختلف البائع والمشترى في مقدار الثمن وأقاما البينة كانت بينة البائع أولى بالقبول لما فيها من اثبات الزيادة
[ 100 ] وكذلك لو اختلف البائع والمشترى والشفيع فقال البائع ثلاثة آلاف وقال المشترى ألفان وقال الشفيع ألف وأقاموا البينة كانت بينة البائع أولى بالقبول وكذلك الوكيل بالشراء مع الموكل إذا اختلفا في مقدار الثمن وأقاما البينة كانت البينة بينة الوكيل لانها تثبت الزيادة وأظهر من هذا كله المشترى من العدو مع المولى القديم إذا اختلفا في ثمن العبد المأسور وأقاما البينة كانت البينة بينة المشترى من العدو لما فيها من اثبات الزيادة ولابي حنيفة طريقتان احداهما حكاها محمد عنه والاخرى حكاها أبو يوسف فالتى حكاها محمد أن المشترى صدر منه اقرار أن احدهما له والآخر عليه فكان للشفيع أن يأخذ بما عليه كما لو أقر عند القاضي بالامرين جميعا. وبيان ذلك أن الشفيع أثبت ببينته اقرار المشترى بالشراء بالف وهذا عليه والمشترى أثبت ببينته اقراره بالشراء بالغين وهذا له وبه فارق البائع مع المشترى لان هناك كل واحد منهما صدر منه اقرار أن احداهما ما أثبته ببينة وهو له والآخر ما أثبته صاحبه وهو عليه فاستويا من هذا الوجه فلهذا صرنا إلى الترجيح بالزيادة والاولي أن نقرر هذا الكلام من وجه آخر فنقول لا تنافي بين البينتين في حق الشفيع ألاتري أنه لو اشتري مرتين مرة بألف ومرة بألفين كان للشفيع أن يأخذ بايهما شاء فعرفنا أنه لا تنافي بينهما في حقه والاشتغال بالترجيح عند تعذر العمل بهما أولى فاما مع امكان العمل بالبينتين فلا معنى للمصير إلى الترجيح فيجعل في حق الشفيع كان الشراءين جميعا ثابتان فله أن يأخذ بايهما شاء وهو نظير المولى مع العبد إذا اختلفا فقال المولى قلت لك إذا أديت إلى الفين فأنت حر وقال العبد قلت لى إذا أديت إلى الفا فأنت حر وأقاما البينة فان البينة بينة العبد بهذا الطريق وهو أنه لا منافاة بينهما في حقه فيجعل كان الكلامين صدرا من المولى ويعتق العبد باداء أي المالين شاء بخلاف البائع مع المشتري إذا اختلفا لان هناك العمل بالبينتين غير ممكن فالعقد الثاني في حقهما ناسخ للاول فلهذا صرنا إلى الترجيح بالزيادة وكذلك ان اختلفوا جميعا لانه مادام الاختلاف قائما بين البائع والمشترى فلا معتبر باختلاف الشفيع وأما الوكيل مع الموكلي إذا اختلفا فقد روي ابن سماعة عن محمد أن البينة بينة الموكل لان الوكيل صدر منه اقرار ان كما بينا في ظاهر الرواية فالوكيل مع الموكل كالبائع مع المشترى ولهذا يجري التحالف بينهما عند الاختلاف في الثمن وقد بينا العذر فيما إذا كان الاختلاف بين البائع والمشترى فاما المولى القديم مع المشترى من العدو إذا اختلفا فقد نص في السير الكبير
[ 101 ] على أن البينة بينة المولى القديم ولم يذكر فيه قول أبى يوسف لما بينهما من الوحشة حين نص السير ولئن سلمنا فهناك العمل بالبينتين غير ممكن في حق المولى القديم لان الشراء الثاني ناسخ للاول فصرنا إلى الترجيح بالزيادة لهذا والطريقة التى حكاها أبو يوسف ان بينة الشفيع ملزمة وبينة المشتري غير ملزمة والبينتان للالزام فالملزم من البينتين يترجح كما في بينة العبد مع بينة المولى في مسألة التعليق * وبيان هذا انه إذا قبلت بينة الشفيع وجب على المشتري تسليم الدار إليه بالف شاء أو أبى وإذا قبلت بينة المشتري لا يجب على الشفيع شئ ولكنه يتخير بين أن يأخذ أو يترك وبه فارق بينة البائع والمشترى لان كل واحدة من البينتين هناك ملزمة وكذلك بينة الوكيل مع الموكل كل واحدة منهما ملزمة فلهذا صرنا إلى الترجيح بالزيادة وفي مسألة المشترى مع العبد من العدو ويقول على هذه الطريقة البينة بينة المولى القديم لانها ملزمة وبينة المشترى غير ملزمة وإذا أخذ الشفيع الدار من المشترى فعهدته وضمان ماله على المشتري لانه يتملك الدار عليه ويدفع الثمن إليه فهو في حقه بمنزلة البائع مع المشترى * فان قيل حق الشفيع مقدم على حق المشتري شرعا فينبغي أن يجعل أخذ الشفيع من يده بمنزلة الاستحقاق عليه لانه يأخذ بحق مقدم على حقه * قلنا نعم حقه مقدم ولكن ثبوت حقه بالسبب الذي يثبت به حق المشتري وهو الشراء إذ بأخذه لا يبطل ذلك السبب بخلاف الاستحقاق بدعوى الملك فإذا بقى السبب وتأكد بقبض المشترى لم يمكن أن يجعل الشفيع متملكا على البائع لانه لاملك له ولايد حتى قضي له بالشفعة فلابد أن يجعل متملكا علي المشترى مستحقا عليه يده فلهذا كانت عهدته على المشترى كما لو اشتراها ابتداء منه وان أخذها من البائع ودفع الثمن إليه فعهدته وضمان ماله على البائع عندنا. وقال ابن أبى ليلى عهدته على البائع في الوجهين جميعا لان الشفيع لما تقدم على المشترى قام مقامه ثم عهدة المشترى على البائع فكذلك عهدة الشفيع وللشافعي قولان في أحد القولين ليس للشفيع أن يأخذ من البائع ولكن البائع يسلمه إلى المشترى وعهدته عليه لانه يتملك على المشتري بعوض والمبيع قبل القبض عنده لا يحتمل التملك على المشترى بعوض عقارا كان أو منقولا وعلى القول الآخر يأخذ من يد البائع وعهدته على المشترى واليه يدفع الثمن وهو رواية عن أبى يوسف لان حق الشفعة يثبت بالشراء فكان من حقوق الشراء وما يكون من حقوق الشئ لا يكون ناسخا له وكيف يكون أخذ الشفيع ناسخا للبيع وهو مبطل حقه كما لو ظهر
[ 102 ] بطلان البيع من الاصل وإذا نفى الشراء كان الشفيع متملكا على المشترى فعهدته عليه كما لو أخذ من يده وعن أبى يوسف قال ان كان المشترى نقد البائع الثمن فالشفيع يدفع الثمن إلى المشترى وعهدته عليه لان البائع لا يتمكن من استيفاء الثمن مرتين وان لم يكن المشترى نقد البائع الثمن فالشفيع يدفع الثمن إلى البائع ويسقط حق البائع من الثمن قبل المشتري وعهدة الشفيع على البائع فاما وجه ظاهر الرواية فهو أن حق الشفيع ثبت بالبيع قبل ملك المشترى ويده ألا ترى انه لو قال كنت بعت هذه الدار من فلان وقال فلان ما اشتريت كان للشفيع أن يأخذ بالشفعة لثبوت البيع باقرار البائع وان لم يثبت ملك المشترى لانكاره فإذا ثبت تمكنه من الاخذ قبل ملك المشترى فقبل قبضه أولى وإذا أخذ بالشفعة فات بأخذه الشفعة القبض المستحق بالعقد في حق المشترى وذلك يوجب انفساخ البيع كما لو هلك المبيع قبل القبض وهذا لان يد الشفيع لا يمكن جعلها نائبة عن يد المشترى لتقدم حقه على حق المشتري بخلاف مااذا باعها المشترى من غيره لان يد الثاني هناك يمكن جعلها نائبة عن يد الاول فلا يفوت قبض المشترى الاول معنى ثم ان حضر الشفيع والدار في يد المشترى فهو الخصم للشفيع يأخذه من يده ولا يشترط حضرة البائع لان حكم العقد في حق البائع قد انتهى بالتسليم إلى المشترى وصار هو كأجنبي آخر فالشفيع بعد ذلك يستحق على المشترى ملكه ويده وكان هو الخصم وان كانت الدار في يد البائع فلابد من حضرة البائع والمشترى جميعا لخصومة الشفيع في الاخذ لان الملك للمشترى واليد للبائع والشفيع يريد استحقاقهما جميعا فيشترط حضورهما لذلك ولانه لابد من حضور البائع لان الدار في يده والشفيع لا يأخذ بالشفعة من غير من في يده واحدة من يد البائع موجب انفساخ العقد بين البائع والمشترى وذلك لايتم الا بمحضر من المشترى فيشترط حضورهما لذلك وإذا أخذ الشفيع من المشترى الدار بالشفعة وأراد أن يكتب عليه كتب عليه نحو ما ذكره في الكتاب والمقصود من الكتاب التوثق والاحتياط فالسبيل أن يكتب على أحوط الوجوه ولهذا قال يكتب على اقراره كتابا أنه كان اشتراها وان هذا كان شفيعها فطلب أخذها بالشفعة فسلمها إليه لشفعته فيها وقبض منه الثمن ودفع إليه الدار وضمن له الدرك وأشهد عليه الشهود ويأخذ أيضا من المشترى كتاب الشراء الذي عنده فذلك أحوط له فان أبى أن يعطيه فله ذلك لان القابض ملكه ثم الاحتياط للشفيع أن يشهد على شهادة الشهود فيه حتى إذا جحد البائع البيع يتمكن هو من اثبات حقه
[ 103 ] بالحجة وان أخذ الدار من البائع كتب أيضا عليه نحو ذلك وزاد فيه وقد سلم فلان بن فلان المشترى جميع ما في هذا الكتاب وأجازه وأقر أنه لاحق له في هذه الدار ولا في ثمنها وان شاء كتب الكتاب عليهما بتسليم الدار بالشفعة إليه وقبض البائع الثمن برضاهما وضمان البائع الدرك لانه في الاخذ من يد البائع يحتاج إلى حضرتهما وكل واحد منهما يصير مقضيا عليه من وجه فاما ان يكتب الكتاب عليهما أو على البائع ويذكر فيه تسليم المشترى ايضا ليكون ذلك أحوط للشفيع * وإذا اشترى دارا بالف درهم إلى سنة وطلبها الشفيع إلى ذلك الاجل لم يكن له ذلك عندنا. وقال زفر والشافعي له ذلك لان الاجل صفة الدين يقال دين مؤجل ودين حال وللشفيع حق الاخذ بالثمن الذي يملك به المشتري بصفته كما لو اشتراه بالف زيوف ولكنا نقول الاجل مدة يلحقه بالشرط بالعقد شرطا فلا يثبت في حق الشفيع كالخيار وهذا لان تأثير الاجل في تأخير المطالبة وبه تبين أنه ليس بصفة للمال لان الثمن للبائع والاجل حق للمشتري على البائع فكيف يكون صفة للثمن ثم الناس يتفاوتون في ملاة الذمة فبرضا البائع يكون ماله في ذمة المشتري لا يكون رضا منه بكونه في ذمة الشفيع ولان الشفيع يتملك بمثل ما يتملك به المشترى من المال فلا يثبت الاجل في حقه من غير ذكر كالمولى فان من اشترى شيئا بثمن مؤجل ثم ولاه غيره لا يثبت الاجل في حق المولى بدون الذكر إذا ثبت هذا فنقول الشفيع بالخيار ان شاء أخذها بالثمن حالا وان شاء انتظر حلول الاجل فإذا حل أخذها بالثمن حالا وإذا اختار الانتظار فعليه أن يطلب الشفعة في الحال حتى إذا لم يطلب لم يكن له أن يأخذها بعد حلول الاجل في قول أبى حنيفة ومحمد وذكر ابن أبي مالك ان أبا يوسف كان يقول هكذا أولا ثم رجع فقال له أن يأخذها. وجه ظاهر الرواية ان حقه في الشفعة قد ثبت بدليل انه لو أخذه بثمن حال كان له ذلك والسكوت عن الطلب بعد ثبوت حقه يبطل شفعته * ووجه قول أبى يوسف الآخر أن الطلب غير مقصود لعينه بل للآخذ وهو في الحال لا يتمكن من الاخذ على الوجه الذي يطلبه لانه انما يريد الاخذ بعد حلول الاجل أو بثمن مؤجل في الحال ولا يتمكن من ذلك فلا فائدة في طلبه في الحال وسكوته لانه لم ير فيه فائدة لا لاعراضه عن الاخذ وان اختار أخذها من يد المشتري ودفع إليه الثمن في الحال كان الثمن للبائع على المشترى إلى أجله لتقرر العقد بينهما وإذا كان للدار شفيعان فسلم أحدهما لم يكن للآخر الا أن يأخذها كلها أو يدعها لان مزاحمة المسلم قد زالت فكأنه لم يكن الشفيع في حقه الا واحدا
[ 104 ] وليس للشفيع أن يأخذ البعض دون البعض لما في الاخذ من تفريق الصفقة والاضرار بالمشترى في تبعيض الملك عليه والشفيع بالاخذ يدفع الضرر عن نفسه فلا يتمكن من الاخذ على وجه يكون فيه الحاق الضر بغيره ثم حق كل واحد من الشفيعين ثابت في جميع المبيع لتكامل العلة في حق كل واحد منهما الا انهما إذا طلبا قضى القاضى لكل واحد منهما بالنصف للمزاحمة ونفى الضيق في المحل فإذا سلم احدهما قبل القضاء بقى حق الآخر في الكل كما لو قتل رجلين عمدا فعفا عنه ولى أحدهما كان للآخر أن يقتص منه لهذا المعنى. وإذا كان البائع اثنين في صفقة واحدة والمشترى واحدا لم يكن للشفيع أن يأخذ بعضها دون بعض وان كان البائع واحدا والمشترى اثنين فله أن يأخذ حصة أحدهما دون الاخر لانه يأخذ ملك المشترى بالشفعة فان كان المشترى واحدا لو تمكن من أخذ البعض تضرر به المشترى من حيث انه يتبعض عليه الملك وإذا كان المشترى اثنين فانما ملك كل واحد منهما النصف وليس في أخذ الشفيع نصيب احداهما اضرارا بالآخر * يوضحه ان أخذه لدفع ضرر الجار الحادث وبأخذ البعض عند اتحاد المشترى لا يندفع ضرر مجاورته فعرفنا انه لم يقصد الا الاضرار به. وان كان المشترى اثنين فقد يكون احدهما ممن ينتفع بجواره والآخر ممن يتضرر بجواره فهو يقصد دفع ضرر جار السوء بأخذ نصيب أحدهما وروى الحسن عن أبى حنيفة قال إذا كان البائع اثنين فأراد الشفيع الاخذ قبل قبض المشترى فله ان يأخذ نصيب أحد البائعين لانه بالاخذ يتملك على البائع ولهذا كانت عهدته على البائع والملك في حق البائعين متفرق وبعد القبض انما يتملك على المشترى والملك في حقه مجتمع وان كان البائع واحدا والمشترى اثنين فقبل القبض ليس له أن يأخذ نصيب أحد المشتريين لاجتماع الملك في حق البائع وبعد القبض له ذلك ولكن هذا قوله الاول فاما قوله الآخر كما ذكر في الكتاب فان المعتبر جانب المشترى قبل القبض وبعد القبض ويستوى ان كان اشتراه لنفسه أو لغيره فسره هشام عن محمد ان الواحد إذا اشترى دار الرجلين فليس للشفيع أن يأخذ نصيب أحد الامرين ولو اشترى رجلان لواحد كان للشفيع أن يأخذ بالشفعة النصف لان المشتري اثنان والعاقد لغيره في باب الشراء بمنزلة العاقد لنفسه في أحكام العقد وان كان البائع اثنين والمشترى واحدا فطلب نصيب أحد البائعين لم تبطل بذلك شفعته وله أن يأخذها كله مقسومة كانت أو غير مقسومة لانه ما أعرض عن الطلب ولكنه أظهر الطلب والرغبة ثم اشتغل بتقسيم لم
[ 105 ] يجعل الشرع له ذلك فيبطل تقسيمة ويبقي حقه في جميع الدار يأخذه ان شاء ولو أخبر الشفيع أن المشترى فلان فقال قد سلمت له فإذا المشترى غيره فهو علي شفعته لما بينا أن الناس يتفاوتون في المجاورة فرضاه بمجاورة انسان لا يكون رضا منه بمجاورة غيره وهذا التقيد منه مفيد كانه قال ان كان المشترى فلانا فقد سلمت الشفعه فإذا تبين أن المشترى غيره فهو على حقه وان تبين انه اشتراه فلان وآخر معه صح تسليمه في نصيب فلان وهو على شفعته في نصيب الآخر لانه رضي بمجاورة أحدهما فلا يكون ذلك منه رضا بمجاورة الاخر والبعض معتبر بالكل ولو أخبر أن الثمن بالف درهم فسلم الشفعة فان كان أكثر من الف فتسليمه صحيح وان كان أقل فله الشفعة عندنا وقال ابن أبى ليلى لاشفعة له في الوجهين لانه أسقط حقه بعد ما وجبت له الشفعة ورضي بمجاورة هذا المشترى فلا يكون له أن يأتي ذلك بعد الرضا به ولكنا نقول انما أسقط حقه بشرط أن يكون الثمن الف درهم لانه بنى تسليمه على ما أخبر به والخطاب السابق كالمعاد فيما بنى عليه من الجواب فكأنه قال سلمت ان كان الثمن الفا وانما أقدم على هذا التسليم لغلاء الثمن أو لانه لم يكن متمكنا من تحصيل الالف ولا يزول هذا المعنى إذا كان الثمن أكثر من ألف بل يزداد فاما إذا كان الثمن أقل من الالف فقد انعدم المعنى الذي كان لاجله رضى بالتسليم فيكون على حقه وهذا لان الاخذ بالشفعة شراء وقد يرغب المرء في شراء شئ عند قلة الثمن ولا يرغب فيه عند كثرة الثمن ولو سلم الشفعة قبل الشراء كان ذلك باطلا لان وجوب حقه بالشراء والاسقاط قبل وجود سبب الوجود يكون لغوا كالابراء عن الثمن قبل البيع ولو أخبر أن الثمن شئ مما يكال أو يوزن فسلم الشفعة فإذا الثمن من صنف آخر أقل مما يسمى له أو أكثر فهو على شفعته لان الانسان قد يتيسر عليه جنس دون جنس وكان هذا التقييد مفيدا في حقه فكأنه قال سلمت ان كان الثمن كرا من شعيرا فإذا ظهر أن الثمن كر من حنطة فهو على حقه لو أخبر أن الثمن عبد أو ثوب أو دابة ثم ظهر أنه كان مكيلا أو موزونا فهو شفعته لان ماله مثل من جنسه الشفيع يأخذ بمثل ما اشتراه المشترى وفيما لامثل له يأخذ بقيمته دراهم وقد يتيسر عليه تحصيل جنس من المكيل والموزون ويتعذر عليه تحصيل الدراهم فكان هذا التقييد مفيدا في حقه ولو أخبر أن الثمن الف درهم فسلم ثم تبين له أن الثمن مائة دينار قيمتها الف درهم أو أقل أو أكثر فعندنا هو على شفعته ان كان قيمتها أقل من الالف والا فتسليمه
[ 106 ] صحيح وعلى قول زفر هو على شفعته على كل حال لان الدراهم والدنانير جنسان ولهذا حل التفاضل بينهما فكأنه قال سلمت ان كان الثمن الف درهم فإذا تبين أن الثمن دنانير فهو على شفعته كما في المكيلات والموزونات ولكنا نقول الدراهم والدنانير جنسان صورة ولكنهما جنس واحد في المعنى والمقصود هو المالية والثمنية ومبادلة أحد النقدين بالآخر يتيسر في العادة فلا يتقيد رضاه بالصورة وانما يتقيد بالمعنى وهو مقدار المالية فيكون تسليمه صحيحا إذا كانت مالية الثمن أقل مما أخبر به وهذا لان من لا يرغب في شراء الشئ بالف درهم لا يرغب في شرائه أيضا بمائة دينار قيمتها الف درهم ومالا يكون مقيدا من التقييد لا يعتبر ولو قيل له اشتراها بعبد أو ثياب قيمة ألف درهم فسلم فإذا الثمن دراهم أو دنانير فهو على شفعته لان هذا التقييد مفيد في حقه لانه وان كان يأخذها بالقيمة فقد يصير مغبونا في ذلك لان تقويم الشئ بالظن يكون قائما أقدم على التسليم لهذا وينعدم هذا المعنى إذا كان الثمن دراهم ولو قيل له انه اشتراها بعبد قيمته ألف درهم فسلم الشفعة فإذا قيمة العبد أكثر من ذلك فلا شفعة له وان كانت قيمته أقل من ألف درهم فله الشفعة لان الثمن إذا كان مما لا مثل له من جنسه فانما يأخذ الشفيع بقيمته فكان هذا في حقه بمنزلة البيع بتلك القيمة فإذا كان لثمن أقل مما أخبر به لم يكن هو راضيا بسقوط حقه وإذا كانت الدار بين ثلاثة رجال الا موضع بئر أو طريق فيها فباع الشريك في الجميع نصيبه من جميع الدار فالشريك الذي له في جميع الدار نصيب أحق من الآخر الذي له في بعض الدار نصيب لان شركته أعم وقد بينا أن من يكون أقوى سببا فهو مقدم في الاستحقاق ولان الموضع الذي هو مشترك بين البائع وبينه لاحق للثالث فيه وهو موضع البئر أو الطريق لابد أن يكون هو أحق في ذلك الموضع بالاخذ بالشفعة وذلك في حكم شئ واحد فإذا صار أحدهم أحق بالتبعيض كان أحق بالجميع وان اختلفا البائع والمشتري والشفيع في الثمن قبل نقد الثمن والدار مقبوضة أو غير مقبوضة فالقول قول البائع في الثمن ويثبت حكم التحالف بين البائع والمشترى بالنص وللشفيع أن يأخذ بما قال البائع ان شاء لان الشرع لما جعل القول قول البائع ظهر مقدار الثمن في حقه بخبره وانما لم يظهر في الزام المشترى وليس في جانب الشفيع الزام بل هو مخير فيأخذه بما قال البائع ان شاء وان كانت الدار في يد المشترى فقال البائع بعتها بالف درهم واستوفيت الثمن وقال المشترى اشتريتها بالفين فللشفيع أن يأخذ بالف درهم ولو قال
[ 107 ] البائع بعتها اياه واستوفيت الثمن وهو ألف درهم وقال المشترى اشتريتها بالفين ونقدته الثمن لم يأخذها الشفيع الا بالفين لان حكم البيع في حق البائع ينتهى بوصول الثمن إليه فإذا بدا فاقر بجميع قبض الثمن قبل أن يبين مقداره فقد انتهى حكم العقد في حقه وصار هو كاجنبي آخر فلا قول له بعد ذلك في بيان مقدار الثمن وبقى الاختلاف بين الشفيع والمشترى فيكون القول قول المشترى فاما إذا بدا ببيان مقدار الثمن قبل أن يقر بقبضه فقد ظهر ان الثمن ذلك القدر بخبره لان الشرع جعل القول قوله ما لم يصل إليه الثمن وثبت للشفيع حق الاخذ بذلك الثمن فلا يبطل ذلك عليه باقرار البائع بقبض الثمن بعد ذلك وهو نظير ما لو قال الوصي استوفيت جميع ما للميت على غريمه فلان وهو ألف درهم وقال الغريم بل كان على ألف درهم وقد أوفيتك جميع ذلك فالوصي ضامن للالفين ولا شئ له على الغريم ولو قال استوفيت من الغريم ألف درهم وهو جميع مال الميت عليه فقال فلان كان على ألفا درهم وقد أوفيتك الكل فللوصى أن يرجع عليه بألف أخرى والفرق مابينا وفرع أبو يوسف رحمه الله في الامالى على هذا فقال لو كانت الدار في يد البائع فقال بعتها اياه بالف درهم واستوفيت الثمن وأخذها الشفيع من يده بالف فالمشتري على حجته فيما بينه وبين البائع يرجع عليه بالفين ان أثبت ان الثمن ألفا درهم وهو صحيح لان البيع انفسخ فيما بين البائع والمشترى فيرجع بما أوفاه من الثمن ولو قال البائع بعتها بالفين ولم انقد الا ألف درهم ولم يأخذها المشترى ولا الشفيع الا بالفين لان القول في اثبات مقدار الثمن قول البائع ما لم يصل إليه كمال الثمن وإذا كان البيع بالف درهم فحط البائع عن المشترى تسعمائة فللشفيع أن يأخذها بمائة درهم عندنا وعند الشافعي لا يأخذها إلا بالاف وأصل المسألة في كتاب البيوع ان الزيادة والحط في بعض الثمن يثبت على سبيل الالتحاق باصل العقد عندنا وعند الشافعي هو بمنزلة الهبة المبتدأة فإذا كان عندنا الحط يلتحق باصل العقد فالمحطوط خرج من أن يكون ثمنا وانما ثمن الدار ما بقى فيأخذه الشفيع بذلك ولو كان الشفيع أخذها بألف ثم حط البائع عن المشترى تسعمائة فانه ينحط ذلك القدر عن الشفيع أيضا حتى يرجع بذلك القدر على المشترى لانه ظهر منه انه أخذ منه فوق حقه وعلى هذا قالوا لو أخبر أن الثمن ألف درهم فسلم الشفعة ثم حط البائع عن المشترى مائة فهو على شفعته لان المحطوط خرج من أن يكون ثمنا فهو بمنزلة ما لو تبين ان الثمن كان أقل من ألف ولو وهب البائع الثمن كله للمشتري قبل
[ 108 ] قبضه أو بعده لم يحط المشتري عن الشفيع شيئا لان هبة جميع الثمن لا تلتحق بأصل العقد فإن التحاق الحط باصل العقد ليدفع العين ويعتبر صفة العقد فيه ليصير عدلا بعد ان كان رابحا أو خاسرا وهذا لا يتحقق في هبة جميع الثمن لان الانسان لا يصير مغبونا بجميع الثمن فعرفنا أنه مبتدأ يوضيحه ان حط جميع الثمن لو التحق بأصل العقد فاما أن يصير العقد هبة ولا شفعة للشفيع في الهبة أو يصير بيعا بغير ثمن فيكون فاسدا ولا شفعة في البيع الفاسد فعرفنا أنه لا يمكن الحاق الجميع باصل العقد في حق الشفيع بخلاف حط البعض فان زاد البائع المشتري في الثمن زيادة بعد العقد أخذ الشفيع الدار بالثمن الاول لانه قد استحق أخذها بالثمن الاول قبل الزيادة والمشترى لا يملك ابطال الحق الثابت له فلا يملك غيره أيضا يوضحه أن بهذه الزيادة يلزم نفسه شيئا للبائع ويلزم الشفيع مثل ذلك وله الولاية على نفسه دون الشفيع فيعمل التزامه في حقه ولا يعمل في حق الشفيع ألا ترى أنه لوجد بيعا مع البائع باكثر من الثمن الاول صح ذلك في حقه وكان للشفيع أن يأخذ بالثمن الاول فقد فرق بين الزيادة والحط في حق الشفيع وسوى بينهما في بيع المرابحة غير مستحق على المشتري فليس في التزامه الزيادة في حكم بيع المرابحة ابطال حق مستحق عليه بخلاف الشفعه ولو باعها المشتري من آخر بثمن أكثر من الثمن الاول كان للشفيع الخيار لان كل واحد من العقدين سبب تام لثبوت حق الآخذ له بالشفعة فان اختار الاخذ بالشراء الثاني يأخذها من يد المشترى الثاني ولا يشترط حضرة المشترى الاول وان اختار الاخذ بالثمن الاول بحكم الشراء الاول كان ذلك له لان المشترى الاول لا يتمكن من ابطال حق الشفيع بتصرفه وإذا أخذها بالشراء الاول دفع الثمن إلى المشترى الاول وعهدته عليه ويرجع المشتري الثاني على المشتري الاول وانما أوفاه من الثمن لان البيع الثاني قد انفسخ فان الشفيع أخذها بحق مقدم على البيع الثاني ولم يشترط حضرة المشتري الاول إذا أراد أخذها بالثمن الاول في قول أبى حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف لا يشترط وكذلك لو كان المشتري وهبها من انسان ثم حضر الشفيع فلا خصومة بينه وبين الموهوب له في قول أبى حنيفة ومحمد حتى يحضر المشترى وعند أبى يوسف هو خصم لانه يدعى حقه في العين الذي يزعم ذو اليد أنه ملكه فيكون هو خصما له في ذلك كما إذا ادعى ملك العين لنفسه وهما يقولان الشفيع لا يدعي حقا على الموهوب له ولا في ملكه وانما يدعى حقه على المشترى الاول
[ 109 ] في ملكه فما لم يعد ملكه لا يتبين محل حقه وانما يعود ملكه إذا انفسخ العقد الثاني وفسخ العقد عليه لا يجوز الا بحضرته وتمام بيان هذه المسألة في المأذون وكذلك لو تصرف المشتري في الدار تصرفا آخر بان رهنا أو تزوج عليها فللشفيع أن يبطل ذلك كله ويأخذها بالشفعة الاولى وليس لاحد من هؤلاء على الشفيع شئ من الثمن انما الثمن للمشترى الاول ولا يأخذ الشفيع الدار حتى ينقد الثمن كما لا يأخذ المشترى الدار من البائع حتى ينقده ثمنها ثم قد يبطل الرهن والهبة بالاستحقاق وترجع المرأة على الزوج بقيمة الدار لان المسمى من الصداق قد استحق فإذا اشترى الرجل شقصا من دار فقاسم شريكه بحكم أو بغير حكم ثم حضر الشفيع كان له أن يأخذ ما أصاب المشترى بالقسمة أو يتركه وليس له فسخ القسمة لان القسمة من تتمة القبض فالمقصود من القبض الحياز وتمام الحيازة تكون بالقسمة وليس للشفيع أن ينقض قبل المشتري فكذلك لا يكون له أن ينقض قسمته ولانه لو نقض القسمة احتاج إلى اعادتها في الحال لان البائع مطالب بالقسمة ولا يشتغل بنقض شئ يحتاج إلى اعادته في الحال وروى الحسن عن أبى حنيفة رضي الله عنه قال هذا إذا قسم بأمر القاضى فان كانت القسمة بينهما بالتراضى فللشفيع أن ينقض تلك القسمة لان في القسمة بالتراضى معنى المبادلة فهى كتصرف آخر من المشترى فللشفيع أن ينقضه وقد يفيده هذا النقض فربما يقع نصيبه في القسمة الثانية فيما يجاوز ملكه فاما إذا كان القاضي هو الذي قسم فليس في هذه القسمة معنى المبادلة ولكنه تعين المبيع بقضاء القاضى وهو ما سلمه إلى المشترى فيأخذ الشفيع ذلك من يده ان شاء وان شاء ترك وإذا قضي القاضي للشفيع بالشفعة بثمن مسمى فهى لازمة لا يتخلص منها الا برضا المشتري أو يحدث في الدار عيب لان بقضاء القاضي ثبت الملك للشفيع بالثمن المسمى ويؤكد فيكون حال مع المشترى بمنزلة حال المشترى مع البائع وبعد البيع ليس للمشترى أن يتخلص منها الا بالاقالة برضاء البائع أو بعيب يجده في الدار فكذلك حال الشفيع فان كانت في يد البائع فقضي القاضى بها على ثم سأل البائع أن يقيله فاقاله جازت الاقالة وهى للبائع وقد برى منها الشفيع والمشترى أما المشترى فلان البيع انفسخ بينه وبين البائع حين قضى القاضي بها للشفيع على البائع وأما الشفيع فلانه قام مقام المشترى بعد ما قضى القاضى له بها بذلك البيع واقالة المشترى مع البائع كانت تصح قبل أخذ الشفيع فكذلك اقالة الشفيع مع البائع توضيحه أن الشفيع لما تقدم على المشترى في ثبوت الملك له بالعقد الذي باشره المشترى
[ 110 ] صار المشترى في معنى الوكيل له واقالة الموكل مع البائع صحيحة فكذلك اقالة الشفيع مع البائع وكذلك لو كانت في يدى المشترى فقضى بها عليه ثم ردها الشفيع على البائع فهو جائز والشفيع والمشترى بريان منه في قول أبى حنيفة اما على الطريق الثاني قد بينا ان الشفيع كالموكل واقالة الموكل مع البائع صحيحة في حق براة المشترى فكذلك اقالة الشفيع مع البائع وان كان أخذها من يد المشترى وأما على الطريق الاول ففيه بعض الاشكال لان أخذ الشفيع من يد المشترى بمنزلة عقد مبتدإ فيما بينهما ولهذا كانت عهدته على المشترى فينبغي أن لا تجوز اقالة الشفيع مع البائع في حق براءة المشترى حتى قال بعض مشايخنا هذه الاقالة بينهما في حكم البيع المبتدإ فيجوز في قول أبى حنيفة رضى الله عنه هذه الاقالة بينهما في حكم البيع المبتدا فيجوز في قول أبى حنيفة وأبى يوسف الآخر وفي قول محمد وأبى يوسف الاول لا يجوز بناء على اختلافهم في بيع العقار قبل القبض وبتلك المسألة استشهد في الكتاب وقد بيناها في كتاب البيوع ومنهم من يقول بل اقالة الشفيع مع البائع صحيحة في حق الكل لان عند اتفاقهم على هذه الاقالة يتبعض حق المشترى ويصير كان الشفيع أخذها من يد البائع ولان حق الشفيع يثبت سابقا على ملك المشترى عنده فإذا قضي القاضي بحقه فملكه لا ينبنى على ملك المشترى بل هو يقوم مقام المشترى في الاقالة مع البائع وملك الاقالة بملك المبيع لا بالعقد ألا ترى أن الوارث يملك الاقالة بعد موت المورث لانه يخلفه في ملكه فإذا قام الشفيع مقام المشترى في الملك بقضاء القاضي ملك الاقالة مع البائع غير أن للمشترى لا يخرجها من يده حتى يرد عليه البائع الثمن كما لو كان هو الذي اقاله بنفسه وهذا لانه بعد ما انفسخ عقده يكون حاله في الحبس كحال البائع عند العقد وقد كان للبائع أن يحبس المبيع حتى يستوفي الثمن فكذلك المشترى بعد الفسخ حتى يرد عليه الثمن وإذا اشترى دارا لرجل غائب فللشفيع أن يأخذها منه بالشفعة لانها في يده وهو نائب عن الموكل فيها ثم العاقد لغيره فيما هو من حقوق العقد بمنزلة العاقد لنفسه وكذلك ان كان البائع وكيلا لغائب فهو بمنزلة العاقد لنفسه فللشفيع أن يأخذ الدار منه بالشفعة إذا كانت في يده وكذلك ان كان البائع وصيا للميت لان الورثة إذا كانوا كبارا كلهم وليس على الميت دين ولم يوص بشئ تباع فيه الدار حتى ينقد ذلك لم يجز بيع الوصي لان الملك للورثة وهم متمكنون من النظر بانفسهم وان كان فيهم صبى صغير جاز بيع الوصي في جميع الدار وكذلك ان كان عليه دين أو أوصى بوصية من ثمن الدار وهو
[ 111 ] استحسان ذهب إليه أبو حنيفة (وفى القياس) لا يجوز بيعه الا في نصيب الصغير خاصة أو بقدر الدين والوصية اعتبارا للبعض بالكل (ولكن استحسن) أبو حنيفة فقال الولاية بالوصاية لاتتجزى فإذا ثبت في بعض الدار ثبت في كلها وفي بيع الكل منفعة لجميع الورثة فالجمل يشترى بمالا يتشري به الاشقاص وإذا بلغ الشفيع شراء نصف الدار فسلم الشفعة ثم علم انه اشتري جميعها كان له الشفعة لان سلم النصف وكان حقه في أخذ الكل والكل غير النصف فلا يكون اسقاط النصف اسقاطا للكل ولو أخبر بيع الكل فسلم ثم علم انه انما اشترى النصف فلا شفعة له لان من ضرورة تسليم الكل تسليم النصف الذي هو حقه يوضح الفرق ان الاشقاص لا يرغب فيها كما يرغب في الجمل وانما سلم حين أخبر بشراء النصف لانه لم يرغب فيه مع عيب الشركة فهو على حقه إذا تبين له انه لم يكن معيبا فاما إذا سلم ولم يرغب في الاخذ بدون عيب الشركة فأولى أن لا يكون راغبا فيه مع عيب الشركة وذكر عن أبى يوسف على ضد هذا فقال إذا أجبر بشراء النصف فسلم ثم علم انه اشتري الجميع فلا شفعة له وإذا أخبر بشراء الجميع ثم علم انه اشترى النصف فله الشفعة لانه قد يتمكن من تحصيل ثمن النصف ولا يتمكن من تحصيل ثمن الجميع وقد يكون له حاجة إلى النصف ليتم به مرافق ملكه ولايحتاج إلى الجميع وإذا اشترى الرجل دارا فعلم الشفيع وقال قد سلمتها أو سلمت نصف الشفعة كان مسلما لجميعها أما إذا سلم الكل فلانه أسقط الحق بعد الوجوب وأما إذا سلم النصف فلان حق الشفعة لا يتجزى ثبوتا واستيفاء فلا يتجزي اسقاطا أيضا ومالا يتجزى فذكر بعضه كذكر كله كما لو طلق نصف امرأته وعن أبى يوسف أن تسليم النصف لا يصح لانه لاحق له في أخذ النصف وانما يعتبر اسقاطه فيما له حق الاستيفاء فيه ولان هذا منه اظهار الرغبة فيما يحتاج إليه من الدار وهو النصف وانما يسقط شفعته باعراضه عن الطلب لا باظهار الرغبة فيه ولكن هذه الرواية فيما إذا كان طلب أولا ثم سلم النصف أما إذا قال كما سمع سلمت نصف الشفعة فلا شك أنه تسقط شفعته كما لو سكت عن الطلب وإذا اشترى الرجل دارا فغرق بناؤها أو احترق وبقيت الارض لم يكن للشفيع أن يأخذها الا بجميع الثمن ولو أحرق البناء بيده فللشفيع أن يأخذ الارض بحصتها من الثمن إذا قسم الثمن على قيمة الارض وقيمة البناء وقت العقد وللشافعي في الفصلين جميعا قولان في أحد القولين لا يأخذ الا بجميع الثمن وفي القول الآخر يأخذ الارض بحصتها في الوجهين وأصل المسألة
[ 112 ] في البيوع فان المذهب عندنا أن الثمن بمقابلة الاصل دون الاوصاف حتى أن فوات الوصف في يد البائع من غير صنع أحد لا يسقط شيئا من الثمن وعند الشافعي يسقط في أحد القولين فكذلك فوات الوصف في يد المشترى من غير صنع أحد لا يمنعه من البيع مرابحة على جميع الثمن عندنا وعند الشافعي يمنعه من ذلك ثم البناء وصف وبيع ولهذا دخل في بيع الارض من غير ذكر وهذا لان قوام البناء بالارض كقيام الوصف بالموصوف فإذا فات البناء من غير صنع أحد فقد فاته ما هو بيع فلا يسقط شئ من الثمن فإذا فوته المشتري فقد صار مقصودا يتناوله فلابد من أن يكون بعض الثمن بمقابلته كما لو فوت البائع طرف المبيع قبل التسليم فيسقط حقه من الثمن عن الشفيع قال ألا ترى أنه لو احترق منها جذع أو باب أو وهى منها حائط كان له أن يبيعها مرابحة فكذلك للشفيع أن يأخذها بجميع الثمن ان شاء وان هدم البناء بيده ثم جاء الشفيع قسم الثمن على قيمة الارض وقيمة البناء يوم وقع الشراء فيأخذ الارض بحصتها من الثمن ولاحق له في البناء لانه قد زايل الارض وهو في نفسه منقول لا يستحق بالشفعة وانما كان ثبوت حقه فيه لاتصاله بالارض فإذا زال ذلك لم يكن له في البناء حق ولو انهدم البناء بنفسه فانه يقسم الثمن على قيمة الارض يوم وقع العقد وقيمة النقص لان الانهدام لم يكن بصنع المشتري فالمعتبر هو الاحتباس عنده والمحتبس هو النقص لانه زايل البناء بخلاف الاول فهناك المشترى هو الذي قسم البناء فلهذا قسمنا الثمن على قيمة الارض وقيمة البناء يوم وقع الشراء حتى لو كانت الدار تساوى ألفا والثمن ألف وقيمة النقص مائة وقيمة الارض خمسمائة وقيمة التأليف أربعمائة ففي الانهدام يسقط عنه قيمة النقص وفي الهدم يأخذ بحصة الارض لاغير وذلك خمسمائة وكذلك ان كان المشتري قد استهلك البناء وكذلك لو استهلكه أجنبي فاخذ المشترى قيمته فان سلامة بدل البناء للمشتري بمنزلة سلامه البناء له أن لو هدم بيده ولم يذكر مااذا نوى القيمة على الذي هدم البناء وروى الحسن عن أبى حنيفة أن الشفيع يأخذ الدار بجميع الثمن ان شاء كما لو احترق البناء من غير صنع أحد فان خرج بعد ذلك ما على الذي هدم البناء من القيمة رجع الشفيع على المشترى بحصة البناء من الثمن فان اختلفا في قيمته فالقول قول المشتري لان الشفيع يدعي عليه حقا بملك الارض بثلث الثمن والمشترى ينكر ذلك ويزعم أن له حق التملك بنصف الثمن والقول في مثل هذا قول المشتري مع يمينه كما لو اختلفا في مقدار الثمن فان أقاما البينة فعلى قول أبى يوسف البينة
[ 113 ] بينة المشترى لاثبات الزيادة في قيمة البناء كما هو مذهبه فيما إذا اختلفا في مقدار الثمن وعلى الطريقة التي حكاها أبو يوسف عن أبى حنيفة هناك البينة بينة الشفيع هنا لانها ملزمة دون بينة المشتري وعلى الطريقة التى حكاها محمد هناك البينة بينة المشترى وهو قول محمد لان هناك انما جعلنا البينة بينة الشفيع باعتبار أن المشتري صدر منه اقرار ان ولا يوجد ذلك المعنى هنا فبقى الاختلاف بينهما في قيمة البناء وفي بينة المشترى اثبات الزيادة فكانت أولى كذلك وان اختلفا في قيمة الارض يوم وقع الشراء نظر إلى قيمته اليوم فيقسم الثمن عليهما لان الظاهر شاهد لمن يوافق قوله القيمة في الحال ولان تمييز الصادق من الكاذب بالرجوع إلى قيمته في الحال ممكن فيستدل بقيمتها في الحال على قيمتها فيما مضي وإذا اشترى دارا فوهب بناءها لرجل أو باعها منه أو تزوج عليها وهدم لم يكن للشفيع على البناء سبيل لانه زايل الارض وهو في نفسه منقول فلا يستحق بالشفعة ولكن يأخذ الارض بحصتها من الثمن لان هدم البناء كان بتسليط من المشترى فهو كما لو هدم بنفسه وان كان لم يهدم فله أن يبطل تصرف المشترى ويأخذ الدار كلها بجميع الثمن لان حقه في البناء مادام متصلا بالارض ثابت وللشفيع حق نقض تصرفات المشترى ألا ترى أنه لو تصرف في الاصل والهبة كان للشفيع أن ينقض ذلك ويأخذ بالشفعة فكذلك إذا تصرف في البناء ولانه يأخذ الكل بالشفعة بحق تقدم ثبوت تصرف المشترى فهو بمنزلة الاستحقاق في ابطال تصرف المشترى فيه وأذا سلم الشفيع الشفعة للمشترى وهو لا يعلم بالشراء فهو تسليم وان صدقه المشترى أنه لم يعلم لانه صرح باسقاط حقه بعد الوجوب وعلمه بحقه ليس بشرط في صحة الاسقاط باللفظ الموضوع له كالابراء عن الدين وايقاع الطلاق والعتاق والعفو عن القصاص وهذا بخلاف مااذا ساومه وهو لا يعلم انه اشتراه (لان المساومة) غير موضوعة لاسقاط الشفعة وانما تسقط الشفعة بها لما فيها من دليل الرضا من الشفيع ولا يتحقق ذلك إذا لم يعلم الشفيع به وإذا اتخذ المشترى الدار مسجدا ثم حضر الشفيع كان له أن ينقض المسجد ويأخذ الدار بالشفعة (وروى الحسن) عن أبى حنيفة انه ليس له ذلك وهو مذهب الحسن ووجهه أن المسجد يتحرر عن حقوق العباد فيكون بمنزلة اعتاق العبد وحق الشفيع لا يكون أقوى من حق المرتهن في المرهون ثم حق المرتهن لايمنع حق الراهن فكذلك حق الشفيع لايمنع صحة جعل الدار مسجدا ووجه ظاهر الرواية ان للشفيع في هذه البقعة حقا مقدما على حق المشترى وذلك يمنع صحة جعله مسجدا لان
[ 114 ] المسجد يكون لله تعالى خالصا ألا ترى انه لو جعل جزأ شائعا من داره مسجدا أو جعل وسط داره مسجدا لم يجز ذلك لانه لم يصر خالصا لله تعالى فكذلك ما فيه حق الشفعة إذا جعله مسجدا وهذا لانه في معنى مسجد الضرار لانه قصد الاضرار بالشفيع من حيث ابطال حقه فإذا لم يصح ذلك كان للشفيع أن يأخذ الدار بالشفعة ويرفع المشترى بناءه المحدث ولو اشتري دارا فهدم بناءها ثم بنى فاعظم المنفعة فان الشفيع يأخذها بالشفعة ويقسم الثمن على قيمة الارض والبناء الذي كان فيها يوم اشترى وتسقط حصة البناء لان المشتري هو الذي هدم البناء وينقض المشترى بناءه المحدث عندنا وروى أصحاب الاملاء عن أبي يوسف أن الشفيع لا ينقض بناء المشترى ولكنه يأخذ بالثمن وقيمة البناء مبنيا ان شاء وهو قول الشافعي وجه قولهما ان المشترى بنى في ملك صحيح له فلا ينقض بناؤه لحق الغير كالموهوب له إذا بنى في الارض الموهوبة وتأثير هذا الكلام أنه محق في أصل البناء فيستحق قرار البناء إذ ليس في ابقاء بنائه ابطال حق الشفيع فانه يتمكن من أخذه مبنيا بالشفعة ولو نقضنا بناءه تضرر المشترى بابطال ملكه ولو لم ينقض لا يتضرر الشفيع بابطال حقه وان لزم الشفيع زيادة ثمن قيمة فبمقابلته يدخل في ملكه ما يعد له والضرر ببدل أهون من الضرر الذي يلحقه بغير بدل فكان مراعاة جانب المشتري أولى ألا ترى أنه لو زرع الارض لم يكن للشفيع أن يقلع زرعه لهذا والبناء تبع للارض بمنزلة الصبغ في الثوب ومن صبغ ثوب انسان فاراد صاحب الثوب أن يأخذ ثوبه كان عليه أن يعطى الصباغ ما زاد الصبغ فيه وهذا بخلاف سائر تصرفات المشترى لان في ابقائها ابطال حق الشفيع فلذلك يمكن من نقضها وحجتنا في ذلك أنه بنى في بقعة غيره أحق بها منه من غير تسليط من له الحق فينتقض عليه بناؤه كالراهن إذا بنى في المرهون وبيان الوصف أن حق الشفيع في هذه البقعة حق قوى متأكد وهو متقدم على حق المشتري وتصرف المشتري فيما يرجع إلى الاضرار بالشفيع يكون باطلا لمراعات حق الشفيع ويجعل ذلك لتصرفه في غير ملكه ألا ترى أن تصرفه بالبيع والهبة ينقض هذا المعنى فكذلك بناؤه وفي البناء هو مضر بالشفيع من حيث أنه يلزمه زيادة في الثمن لم يرض هو بالتزامها وهو مبطل للحق الثابت له يعنى حق الاخذ باصل الثمن فلا ينفذ ذلك منه كما لا ينفذ سائر التصرفات وهذا بخلاف المشتري شراء فاسدا إذا بنى لانه بنى هناك بتسليط من له الحق ثم حق البائع في الاسترداد ضعيف لا يبقي بعد البناء ألاتري أنه
[ 115 ] لا يبقى بعد تصرف آخر من المشترى بخلاف حق الشفيع وكذلك حق الواهب ضعيف لا يبقى بعد تصرف الموهوب له بخلاف حق الشفيع والاشتغال بالترجيح لدفع أعظم الضررين بالاهون انما يكون بعد المساواة في أصل الحق ولا مساواة فحق الشفيع مقدم على حق المشترى ثم البناء الذي يدخل في ملك الشفيع ربما لا يكون موافقا له فيحتاج إلى مؤنة ذلك لرفع البناء ثم يبنى على الوجه الذي يوافقه وفي الزرع قياس واستحسان في القياس بقلع زرعه وفي الاستحسان لا يقلع لان لادراكه نهاية معلومة وليس في الانتظار كثير ضرر على المشترى بخلاف الغراس والبناء وأصله في المستعير يقلع بناؤه وغرسه لحق المعير ولا يقلع زرعه استحسانا وإذا اشترى دار فغرق نصفها فصار مثل الفرات يجرى فيه الماء ولا يستطاع رد ذلك عنها فللشفيع أن يأخذ الباقي بحصته من الثمن ان شاء لان حقه ثابت في الكل وقد تمكن من أخذ البعض فيأخذه بحصته من الثمن اعتبارا للبعض بالكل والشافعي في كتابه يدعى المناقضة علينا في هذا الفصل ويقول انهم زعموا أنه إذا احترق البناء لم يسقط شئ من الثمن عن الشفيع وإذا غرق بعض الارض سقط حصته من الثمن فكأنهم اعتبروا فعل الماء دون النار وانما قال ذلك لقلة الفقة والتأمل فان البناء وصف وتبع وليس بمقابلة الوصف شئ من الثمن إذا فات من غير صنع أحد فاما بعض الارض ليس يتبع للارض فلابد من اسقاط حصة ما غرق من الثمن عن الشفيع أو تأخر ذلك إلى أن يتمكن من أخذه والانتفاع به فان قال المشترى ذهب منها الثلث وقال الشفيع ذهب النصف فالقول قول المشتري ويأخذها الشفيع بثلثي الثمن ان شاء فان أقاما البينة فهذا ومسألة قيمة البناء سواء في التخريج على مابينا وكذلك لو استحق رجل بعضها وسلم الشفعة وطلبها الجار بالشفعة أخذ ما بقى بحصته من الثمن والقول قول المشترى في مقدار المستحق من الباقي لان الشفيع يدعى حق التملك عليه في الباقي بثمن ينكره المشترى ولا شفعة في الشراء الفاسد لان وجوب الشفعة تعتمد انقطاع حق البائع وعند فاسد البيع حق البائع لم ينقطع ولان في اثبات حق الاخذ للشفيع تقرير للبيع الفاسد وهو معصية والتقرير على المعصية معصية فان سلمها المشترى للشفيع بالثمن الذي أخذها به وسماه له جاز ذلك لان التسليم بالشفعة سمى بغير قضاء في حكم البيع المبتدا ولو باعه المشترى ابتداء جاز بيعه وكان عليه قيمة الدار فكذلك إذا سلمها للشفيع ألا ترى أنه لو ورث دارا فسلمها للشفيع بالف درهم كان ذلك بيعا منه ولو اشترى بيعا منقولا
[ 116 ] فطلب الشفيع بالشفعة فسلم كان ذلك بيعا مبتدأ فهذا مثله وإذا مات الشفيع بعد البيع قبل أن يأخذ بالشفعة لم يكن لوارثه حق الاخذ بالشفعة عندنا وعند الشافعي له ذلك والكلام في هذه المسألة نظير الكلام في خيار الشرط وقد بيناه في البيوع فان عنده كما تورث الاملاك فكذلك تورث الحقوق اللازمة ما يعتاض عنها بالمال وما لا يعتاض في ذلك سواء بطريق أن الوارث يقوم مقام المورث وان حاجة الوارث كحاجة المورث ونحن نقول مجرد الرأى والمشيئة لا يتصور فيه الارث لانه لا يبقى بعد موته ليخلفه الوارث فيه والثابت له بالشفعة مجرد المشيئة بين أن يأخذ أو يترك ثم السبب الذي به كان يأخذ بالشفعة تزول بموته وهو ملكه وقيام السبب إلى وقت الاخذ شرط لثبوت حق الاخذ له ألا ترى أنه لو أزاله باختياره بان باع ملكه قبل أن يأخذ البعض المشفوع لم يكن له أن يأخذ بالشفعة فكذلك إذا زال بموته والثابت للوارث جوازا أو شركة حادثة بعد البيع فلا يستحق به الشفعة وهذا لان استحقاق الشفعة بسبب ينبنى على صفة المالكية ولهذا لا يثبت حق الاخذ بالشفعة لجار السكنى وصفة الماليكة تتجدد للوارث بانتقال ملك المورث إليه فلا يجوز أن يستحق الشفعة بهذا السبب ولو كان بيع الدار بعد موته كان له فيها الشفعة لان الملك انتقل بالموت إلى الوارث بسبب الاستحقاق وهو الجوار عند بيع الدار كان للوارث والمعتبر قيام السبب عند البيع لاقبله وإذا مات المشترى والشفيع حى فله الشفعة لان المستحق باق وبموت المستحق عليه لم يتغير سبب الاستحقاق ولم يبع في دينه ووصيته لان حق الشفيع مقدم على حقه فيكون مقدما على حق من ثبت حقه من جهته أيضا وهو الغريم والموصى له فان باعها القاضى أو الوصي في دين الميت فللشفيع أن يبطل البيع ويأخذها بالشفعة كما لو باعها المشترى في حياته ولايقال بيع القاضي حكم منه فكيف ينقضه الشفيع لان القاضي انما باعها اما لجهله بحق الشفيع أو بناء على أنه ربما لا يطلب الشفعة فإذا طلبها كان بيعه باطلا ولان هذا منه قضاء بخلاف الاجماع فقد أجمعوا على أن للشفيع حق نقض تصرف المشترى وانما يبيعه القاضى في دين المشتري ووصيته بطريق النيابة عنه وكذلك لو أوصى فيه بوصية أخذها الشفيع وبطلت الوصية لانه لو تبرع بها في حياته بالهبة كان للشفيع أن يبطل ذلك كله فكذلك إذا تبرع بها بعد موته بالوصية وإذا علم الشفيع بالبيع فلم يطلب مكانه فلا شفعة له وفي هذا اللفظ إشارة إلى أن طلب الشفعة يتوقف بمجلس علم الشفيع به وهو اختيار الكرخي وذكر ابن رستم في نوادره عن
[ 117 ] محمد انه إذا سكت عن الطلب بعد ما علم بالبيع يبطل شفعته وعلى هذا عامة مشايخنا الا أن هشاما ذكر في نوادره انه إذا سكت هنيهة ثم طلب فهو على شفعته ما لم يتطاول سكوته وكذلك قال كما إن سمع سبحان الله أو قال الله أكبر أو قال خلصني الله من فلان ثم طلب الشفعة فهو على شفعته وكذلك إذا قال بكم باعها ومتى باعها أو متى اشتراها بهذا القدر من الكلام لا تبطل شفعته وهو عى حقه إذا طلب وقال ابن أبى ليلى ان طالت إلى ثلاثة أيام فله الشفعة وقال سفيان له مهلة يوم من حين سمع وقال شريك هو على شفعته ما لم يبطلها صريحا أو دلالة بمنزلة سائر الحقوق المستحقة له وابن أبى ليلى كان يقول يحتاج الشفيع إلى النظر والتأمل حتى يعلم أنه ينتفع بجواز هذا الجار فلا يطلب الشفعة أو يتضرر به بطلت الشفعة ومثل هذا لا يوقف عليه الا بالتأمل فيه مدة فيجعل له من المدة ثلاثة أيام بمنزلة خيار الشرط فلهذا قدرها سفيان بيوم واستدل علماؤنا في ذلك بقوله ﷺ الشفعة لم وثبها وفي رواية الشفعة كنشطة العقال ان أخذ بها ثبتت والا ذهبت ولانه إذا سكت عن الطلب فذلك منه دليل الرضا بمجاورة الجار الحادث ودليل الرضا كصريح الرضا ولو لم يجعل هذا منه دليل الرضا تضرر به المشترى فانه يسكت حتى يتصرف المشترى فيه ثم يبطل تصرفه عليه وفيه من الضرر مالا يخفى الا أن الكرخي جعل له المجلس في ذلك لحاجته إلى الرأى والتأمل فهو كالمحيرة لها الخيار مادامت في مجلسها ولان الشرع أوجب له حق التملك ببدل ولو أوجب البائع له ذلك بايجاب البيع كان له خيار القبول مادام في مجلسه فهذا مثله ولفظة الطلب لم يذكرها في الكتب والظاهر أنه بأى لفظ طلب فهو صحيح منه كسائر الحقوق الا أنه روى عن أبى يوسف أنه يذكر في طلبه البيع والسبب الذي يطلب به الشفعة من جوار أو شركة فان طلبها فابى المشترى أن يدفعها إليه وخاصمه وأشهد الشفيع شهودا على طلبه الشفعة كان على شفعته لانه أظهر بطلبه رغبته في الاخذ لدفع الضرر عن نفسه فإذا علم بالبيع وهو بمحضر من المشترى فالجواب واضح وكذلك ان كان بمحضر من الشهود ينبغى له أن يشهدهم على طلبه تم يتوجه إلى من في يده الدار أو إلى موضع الدار فيشهد على الطلب أيضا على ماليته ان شاء الله تعالى وكذلك لو لم يكن بحضرته أحد حين سمع ينبغى له أن يطلب الشفعة فالطلب صحيح من غير اشهاد والاشهاد لمخافة الجحود فينبغي له أن يطلب حتى إذا حلفه المشترى أمكنه أن يحلف أنه طلبها كما سمع ثم يأتي إلى موضع الشهود فيشهدهم على الطلب ويسمى
[ 118 ] هذا طلب المواثبة ثم يأتي إلى من في يده الدار فيشهد على الطلب عنده أيضا ويسمى هذا طلب التقرير وهو على حقه بعد هذا وان طالت الخصومة بينهما وان أثبت ذلك في ديوان القاضي فهو أبلغ في العذر فان شغله شئ أو عرض له سفر بعد اشهاده على طلب التقرير فهو على شفعته وهذا قول أبى حنيفة وهو القياس. لان حقه قد تقرر بالطلب فلا يسقط بعد ذلك الا باسقاطه صريحا أو دلالة وعن محمد أنه إذا ترك ذلك شهرا بطلت شفعته استحسانا لانه لو لم يسقط حقه تضر به المشترى فانه يتعذر عليه التصرف مخافة أن ينقض الشفيع تصرفه والضرر مدفوع وانما قدر ذلك بالشهر لان الشهر في حكم الاجل وما دونه عاجل بدليل مسألة اليمين لتقصير حقه عاجلا فقضاؤه فيما دون الشهر بر في يمينه وعن أبى يوسف إذا ترك الخصومة في مجلس من مجالس القاضي تبطل شفعته حتى ان كان القاضى يجلس في كل ثلاثة أيام فإذا مضى مجلس من مجالسه ولم يخاصم الشفيع فيه اختيارا بطلت شفعته وان سلم الشفعة على مال فالتسليم جائز ويرد المال على صاحبه لانه أسقط حقه مختارا ورضي بجواره ولكنه طمع في غيره مطمع وهو المال فانه لا يستحق المال الا بمقابلة ملك له وحق الشفعة ليس بملك له فلا يستوجب بمقابلة اسقاطه المال وتسليم الشفعة لا تتعلق بالشرط فالشرط الفاسد وهو المال فيه لايمنع صحة التسليم أيضا وكذلك لو باع شفعته بمال لان البيع تمليك مال بمال وحق الشفعة لا يحتمل التمليك فيصير كلامه عبارة عن الاسقاط مجازا كبيع الزوج زوجته من نفسها وفي الكتاب لا بل لاقيمة للشفعة على كل حال ولايجوز أن يؤخذ عنها مال بمنزلة الكفالة بالنفس وقد بيناه في شرح كتاب الكفالة انه لو أبرأ الكفيل بالنفس على مال لا يجب المال وفي براءة الكفيل هناك روايتان وانما استشهد بالكفالة لبيان أنه لا يستحق العوض عن الحق الذي ليس بملك متقوم (وهذا بخلاف) الاعتياض عن ملك النكاح في زوجته بالخلع وعن القصاص بالصلح وعن اسقاط الرق بالعتق (فذلك كله ملك) متقرر له في المحل شرعا وكما يجوز أن يلتزم العوض ليثبت الملك له يجوز أن يأخذ العوض ليبطل ملكه فاما الشفيع ليس يتملك على المشترى شيئا قبل الاخذ فتسلمه الشفعة ترك التعرض منه للمالك في ملكه وليس فيه ابطال ملك ثابت فلا يستحق بمقابلته عوضا عليه ثم هذا على ثلاثة أوجه أحدهما أن يسلم على مال سمى والثانى أن يصالح المشترى على أن يأخذ منه نصف الدار بنصف الثمن فهذا صحيح ويكون مسقطا لحقة فيما زاد على النصف لانه أخذ بعض حقه بما يخصه من البدل وذلك جائز اعتبارا
[ 119 ] للبعض بالكل والثالث لو صالحه على بيت بعينه من الدار بحصته من الثمن فهذا الصلح باطل لان حصة البيت من الثمن غير معلومة وهو على شفعته لانه ما رضى باسقاط حقه وانما أظهر الرغبة في أخذ مقدار ما يحتاج إليه من الدار فكان على شفعته في جميع الدار ولو قضى القاضى للشفيع بالدار لشفعته ثم مات قبل نقد الثمن وقبض الدار فالبيع لازم لورثته لان الشفيع يملكها ببدل بقضاء القاضي فكان حكمه كحكم مالو اشترى بنفسه وفي هذا إشارة إلى ان القاضي يقضي له بشفعة قبل أن يحضر الثمن وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف فاما محمد لا يقضي له بالشفعة حتى يحضر الثمن لان تمكنه من الاخذ إذا أدى الثمن فلا يقضى القاضى له بالملك قبل ذلك دفعا للضرر عن المشترى ولكنا نقول ما لم يجب الثمن عاجلا لا يطالب باحضاره ووجوب الثمن عليه بقضاء القاضى له بالدار فالقاضي يقضي له بحقه قبل احضار الثمن ويجعل المشترى أحق بامساكها إلى أن يستوفى الثمن فيدفع الدار إليه كما هو الحكم فيما بين البائع والمشترى وإذا اشترى دارا والشفيع غائب فعلم بالشراء فله من الاجل بعد العلم على قدر المسير ومعنى هذا أنه كما علم بالبيع ينبغى له أن يطلب الشفعة ويشهد على الطلب والغيبة لا تمنع صحة لاشهاد على الطلب كما لايمنع ثبوت حقه ثم بعد الاشهاد حاله كحال الحاضر فكما أن هناك عليه أن يتوجه إلى من في يده الدار من غير تأخير ليطلب عنده فهنا عليه أن يتوجه أو يبعث نائبا عنه من غير تأخير ولكن لبعد المسافة يحتاج إلى مهلة هنا فلهذا جعل له الاخذ بقدر المشتر وكما يتمكن من استيفاء حقه بنفسه يتمكن من ذلك بنائبه وربما لا يتمكن من أن يتوجه بنفسه لعذر له في ذلك فيكون له أن يبعث من يطلب فإذا مضى ذلك الاجل قبل أن يطلب أو يبعث من يطلب فلا شفعة له فان قدم فطلب فتغيب المشترى عنه أو خرج من البلد فاشهد على طلب الشفعة فهو على شفعته وان طالت مدة ذلك لانه أتى بما كان مستحقا عليه في طلب التقرير إذ ليس في وسعه أن يتبع المشترى فربما لا يظفر به أو يلحقه ضرر عظيم فيه فإذا ظهر المشترى ببلد ليس فيه الدار فليس على الشفيع أن يطلبه في غير البلد الذي فيه الدار لانه لا فائدة في اتباعه فانه لا يتمكن من الاخذ الا في البلد الذي فيه الدار فإذا حضر هذا البلد فقد أتى بما كان يحق عليه ثم المشترى قصد أن يلحقه زيادة ضرر حين هرب منه فرد عليه قصده ويكون الشفيع على حقه إذا رجع المشتري وإذا اشترى من امرأة فاراد أن يشهد عليها فلم يجد من يعرفها الا من لهم الشفعة فان شهادتهم لا تجوز عليها ان أنكرت ذلك بعد أن
[ 120 ] يطلبوا الشفعة وان سلموا الشفعة جازت شهادتهم عليها لان في اثبات البيع عليها اثبات حقهم ما لم يسلموا الشفعة وكانوا خصما في ذلك والخصم في الحادثة لا يكون شاهدا فيها وإذا اشترى دارا والقاضي شفيعها أو ابنه أو أبوه أو زوجته فان قضاءه لا يجوز لاحد من هؤلاء لان ولاية القضاء فوق ولاية الشهادة فإذا لم تجز شهادته لنفسه أو لاحد من هؤلاء فكذلك قضاؤه وإذا قضي القاضي للشفيع بالشفعة فسأله المشترى أن يردها عليه على أن يزيده في الثمن كذا ففعل ذلك فردها عليه فان ذلك رد لا يكون له الزيادة لان هذا بمنزلة الاقالة ومن أصل أبى حنيفة أن الاقالة فسخ بالثمن الاول وما سمى فيها من زيادة أو جنس آخر من الثمن فهو باطل لان الاقالة لا تتعلق بالجائز من الشروط وهو تسمية الثمن فالفاسد من الشرط في الثمن لا يبطله وعلى قول محمد الاقالة فسخ إذا كان بالثمن الاول أو أقل منه فان كان بأكثر من الثمن الاول أو بجنس آخر سوى الثمن الاول فهو بيع مبتدأ إذا أمكن وإذا تعذر الامكان كان فسخا بالثمن الاول ولا امكان ههنا بجعل الاقالة بيعا مبتد مع تسميتها زيادة في الثمن لان الشفيع لم يقبض الدار بعد ومن أصل محمد أن بيع المبيع قبل القبض لا يجوز من البائع ولامن غيره العقار والمنقول في ذلك سواء وكذلك في قول أبى يوسف الاول فاما على قول الآخر بيع العقار قبل القبض جائز ومن أصله أن الاقالة بمنزلة البيع المبتدا إذا أمكن وهنا يمكن جعله بيعا مبتدأ وان لم يكن قبض فلهذا كان له الزيادة عند أبى يوسف والذي يقول في الكتاب إذا كان قد قبض قبل المناقضة بناء على قوله الاول فاما على قوله الآخر لا يعتبر بهذا الشرط وكذلك لو طلب إليه المشترى أن يسلمه للبائع على أن يرد عليه من الثمن شيئا مسمى لانه اقالة وقد بينا أن اقالة الشفيع كما تجوز مع المتشرى تجوز مع البائع لانه قام مقام المشترى بعد ما قضي القاضي له بالشفعة والله تعالى أعلم بالصواب (باب الشهادة في الشفعة) قال رحمه الله ولا تجوز شهادة الشفيعين بالبيع على البائع الجاحد ان طلبا الشفعة لانهما يشهدان لانفسهما فبثبوت البيع ثبت حقهما في الشفعة وان سلماها جازت شهادتهما للمشتري لانتفاء التهمة عن شهادتهما بعد تسليم الشفيع فانهما يثبتان سبب الملك للمشترى ولا شفعة لهما في ذلك بعد ما سلما الشفعة وان جحد المشترى الشراء والدعاه البائع لم تجز شهادتهما أيضا
[ 121 ] ان طلبا الشفعة لانهما يثبتان لانفسهما حق الاخذ على المشترى والزام العهدة اياه إذا أخذا من يده فلا تقبل شهادتهما غير أنهما يأخذ انها باقرار البائع لان اقراره بالبيع موجب حق الشفعة للشفيع وان جحده المشترى كما لو قال كنت بعت هذه الدار من فلان وجحد المشترى وحلف كان للشفيع أن يأخذها بالشفعة ولو شهد ابنا الشفيع أو أبوه أو امرأته بذلك كانت الشهادة باطلة لانه يثبت بشهادته الحق للشفيع وهو متهم في حقه بالولادة أو الزوجية فيكون كالمتهم في حق نفسه وان شهد ولد الشفيع ووالده على الشفيع بالتسليم جازت شهادتهما لانتفاء التهمة فانهما أسقطا حق الشفيع بهذه الشهادة ولايتهم الانسان بالاضرار بولده أو والده والقصد اسقاط حقه وكذلك شهادة المولى على مكاتبه وعبده المأذون بالتسليم جائزة لانتفاء التهمة من وجه كشهادته عى نفسه وشهادة المرء على نفسه من أصدق الشهادات وان شهد المولى على البيع والعبد والمكاتب يطلبان الشفعة لم تجز شهادته لان كسب العبد لمولاه وله في كسب مكاتبه حق الملك فشهادته بما يوجب الشفعة لعبده أو مكاتبه بمنزلة شهادته لنفسه فكذلك شهادة ولد المولى ووالده لما فيها من الحق للولى وإذا كانت الدار لثلاثة نفر فشهد اثنان منهم أنهم جميعا باعوها من فلان وادعي ذلك فلان وجحد الشريك لم تجز شهادتهم على الشريك لانهما بهذه الشهادة يثبتان صفة اللزوم في بيعهما فان للمشترى حق الفسخ إذا لم يثبت البيع في نصيب الثالث لانهما يشهدان على فعل باشراه فانهم باشروا البيع صفقة واحدة وهم في ذلك كشخص واحد والانسان فيما يباشر يكون خصما لاشاهدا وللشفيع أن يأخذ ثلثى الدار بالشفعة لان البيع في نصيبهما ثبت باقرارهما وان أنكر المشترى الشراء وأقر به الشركاء جميعا فشهادتهم أيضا باطلة لانهم يشهدون على فعل أنفسهم ويثبتون الثمن لهم في ذمة المشترى وللشفيع أن يأخذ الدار كلها بالشفعة لثبوت البيع في جميعها عند اقرارهم بذلك ولا شفعة للوكيل فيما باع لان البائع لغيره في حكم العقد كالبائع لنفسه ولا شفعة للبائع فان أخذه بالشفعة يكون سعيا في نقض ما قد تم به وهو الملك واليد للمشتري ومن سعى في نقض ما قد تم به يبطل سعيه ولانه لو ثبت له حق الشفعة امتنع من تسليمها إلى المشتري بعد ما التزم ذلك بالعقد يكون حق الشفيع مقدما وكذلك لاشفعة لمن بيع له وهو الموكل لان تمام البيع به فانه لولا توكيله ما جاز البيع فان شهد الآمر بالبيع مع أجنبي أن المشتري ردها على البائع بالشفعة لم تجز شهادة الآمر في ذلك لكونه متهما في شهادته فالمشترى قبل هذا
[ 122 ] إذا وجد بها عيبا ردها على الوكيل وكان ذلك ردا على الموكل ويمتنع ذلك إذا قبلت شهادته على أنه ردها على البائع بالشفعة فيكون في هذا تبعيد الخصومة عنه لان البائع لما لم يكن له الشفعة فيردها عليه كابتداء البيع منه وشهادة الآمر بالبيع على المشترى أنه باعها من غيره لا تقبل فاما الوكيل بالشراء له أن يأخذ ما اشترى بالشفعة لان شراءه لغيره كشرائه لنفسه وشراؤه لنفسه لا يكون ابطالا للشفعة حتى ان أحد الشفعاء إذا اشترى الدار فهو على شفعته فيها يظهر ذلك عند مزاحمة الآخرين فكذلك شراؤه لغيره وهذا لان الشفعة انما تبطل باظهار الشفيع الرغبة عن الدار لا باظهار الرغبة فيها والشراء اظهار الرغبة في المشترى فلا يكون ابطالا للشفعة ولان البائع يلتزم العهدة بالبيع فلو أخذ بالشفعة كان مبطلا ما التزم به من العهدة والمشترى يلتزم الثمن بالشراء وهو بالاخذ بالشفعة يقرر مالتزم بالشراء ولو شهد ابنا الشفيع انه قد سلم الشفعة لم تجز شهادتهما لانهما يشهدان لابيهما بتقرر الملك واليد فيها وإذا باع الرجل دارا وله عبد تاجر هو شفيعها فان كان عليه دين فله الشفعة وان لم يكن عليه دين فلا شفعة له لان ماله لمولاه إذا لم يكن عليه دين وكما أن البائع لا يأخذ ما باع بالشفعة فكذلك عبده لا يأخذ وإذا كان عليه دين فالغرماء أحق بكسه وللغرماء حق الاخذ بالشفعة في هذه الدار فكذلك للعبد أن يأخذ بالشفعة يوضحه أن الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء وشراء العبد من مولاه إذا لم يكن عليه دين باطل بخلاف مااذا كان عليه دين فكذلك حكم الاخذ بالشفعة وعلى هذا لو باع العبد ومولاه شفيعها فان لم يكن عليه دين فلا شفعة للمولى لان بيع العبد وقع له وان كان عليه دين فله الشفعة لان بيعه كان لغرمائه والمولى من كسب عبده المديون كسائر الاجانب فان شهد إبنا المولى على العبد أنه سلم الدار للمولى بالشفعة فشهادتهما باطلة لانهما يشهدان لابيهما بالملك واليد في الدار (قال وكذلك لو شهدا عليه بتسليم الشفعة في الوجه الاول والدار في يد المولى البائع) لان للعبد حق الاخذ بالشفعة من يده فهما يشهدان بما يسقط حقه عن أبيهما فكانا متهمين في ذلك وإذا باع المولى داره ومكاتبه شفيعها فله الشفعة لانه لاحق للمكاتب في ملك مولاه وهو في البيع الذي باشره مولاه كأجنبي آخر وان شهد أبنا المولى أن المكاتب سلم الشفعة للمشتري فشهادتهما باطلة لانهما لو شهدا عليه بتسليم الشفعة حين كانت الدار في يد المولى لم تكن شهادتهما مقبولة فكذلك إذا شهدا به بعد ما سلمها إلى المشترى وقيل تأيل هذه المسألة ان الدار في يد البائع بعد فشهدا على المكاتب بانه سلم
[ 123 ] الشفعة للمشترى ليسقط حقه به في الاخذ من أبيهما فاما إذا كانت الدار في يد المشتري فالشهادة تقبل لخلوها عن التهمة فقد خرج أبوهما من خصومة الشفيع بتسليمها إلى المشترى وان كان البائع المكاتب ومولاه شفيعها والدار في يد البائع كان له الشفعة لانه من كسب مكاتبه أبعد منه من كسب العبد المديون وقد بينا هناك أنه يستحقها بالشفعة فهنا أولى فان شهد ابنا المولى انه سلم الشفعة للمشترى جازت شهادتهما لانهما يشهدان على أبيهما باسقاط حقه فان قيل الدار في يد المكاتب فهما يشهدان في المعنى لمكاتب أبيهما وشهادتهما لمكاتب أبيهما وعبد أبيهما لاتقبل قلنا نعم ولكن هذا إذا لم يكن المشهود عليه الاب فاما إذا كان المشهود عليه الاب فلا تتمكن التهمة في شهادتهما ألا ترى ان شهادتهما لمكاتب أبيهما بدين على أبيهما تقبل وعلى الاجنبي لاتقبل وهذا لانهما يؤثران مكاتب أبيهما على الاجنبي لا على أبيهما وإذا باع الرجل دارا فشهد ابنا البائع أن الشفيع سلم الشفعة للمشترى فشهادتهما باطلة لان أباهما خصم فيه مادامت الدار في يده وللشفيع أن يأخذها منه ويلزمه العهدة فهما يشهدان لابيهما وان كان المشتري قد قبض الدار فخاصمه الشفيع ثم شهد الابنان بذلك جازت شهادتهما لان الاب خرج من هذه الخصومة بتسليمها إلى المشترى فهما يشهدان للمولى على الشفيع فان قيل أليس أن البائع لو يشهد على الشفيع بذلك بعد ما سلمها إلى المشترى لم تقبل شهادته كما قبل التسليم فكذلك ابنا البائع قلنا امتناع قبول شهادته يكون خصما فيه ومن كان خصما في حادثة مرة لاتقبل شهادته فيها وان خرج من الخصومة فاما امتناع قبول شهادة الابنين لمنفعة أبيهما في المشهود به وذلك قبل أن يسلمها إلى المشترى فاما بعد التسليم فلا منفعة لابيهما فقبلت شهادتهما بذلك وكذلك العبد والمكاتب إذا باعا دارا وقبضها المشترى ثم شهد ابنا المولى على الشفيع بالتسليم فهو جائز لان الاب لو كان هو البائع كانت شهادتهما مقبولة فإذا كان العبد والمكاتب هو البائع أولى أن تقبل الشهادة وبهذه المسألة يتضح ما بينا من التأويل في المسألة الاولى وإذا شهد رجلان للبائع والمشترى على الشفيع انه قد سلم الشفعة وشهد رجلان للشفيع ان البائع والمشترى سلما الدار قضيت بها للذي هي في يده وهذا بمنزلة رجلين اختصما في دار كل واحد منهما يدعى انه اشتراها من صاحبه بالف درهم ونقد الثمن فانى أقضي بها للذي هي في يده وهذه مسألة التهاتر وقد بينا في كتاب الدعوى أن عند أبى حنيفة وأبى يوسف تتهاتر البينتان وعند محمد يقضى بالبينتين بحسب الامكان فمن أصحابنا من يقول مسألة الشفعة
[ 124 ] على الخلاف أيضا وان لم ينص عليه لان كل واحد منهما يثبت بينة الملك لنفسه على صاحبه بسبب يصرح به شهوده قال الشيخ الامام والاصح عند ان جواب مسألة الشفعة قولهم جميعا وان هذا ليس نظير مسألة التهاتر فان هناك محمد يقضى بالبينتين بتاريخ بينة بين الشراءين واليد دليل ذلك التاريخ ولا يتأتى مثل ذلك هنا وأبو حنيفة وأبو يوسف يقولان بالتهاتر لان كل واحد منهما يثبت اقرار صاحبه بالملك له وكل بائع مقر بوقوع الملك للمشترى وذلك لا يوجد هنا فالشفيع بتسليم الشفعة لا يصير مقرا بالملك للبائع ولا للمشترى ولكن وجه هذه المسألة أن تسليم المشترى الدار بالشفعة للشفيع يحتمل الفسخ وتسليم الشفيع الشفعة لا يحتمل الفسخ بحال فانه بعد ما سلم الشفعة لا يعود حقه وان اتفقا عليه والبينتان متى تعارضتا وأحداهما تحتمل الفسخ والاخرى لا تحتمل الفسخ كما لا يحتمل الفسخ يترجح كما لو أقام البينة على انه اشتري هذا العبد من مولاه وأقام العبد البينة ان مولاه أعتقه يوضحه انما يجعل كأن الامرين كانا فان كان الشفيع سلم الشفعة أولا ثم سلمها المشترى له فما لم يخرجه من يده لايتم التسليم وبعد الاخراج يكون هذا بمنزلة البيع المبتدا فيقضى بها للشفيع إذا كانت في يديه وان كان المشترى سلمها إلى الشفيع أولا وقبضها الشفيع ثم سلم شفعته فتسليمه باطل لان استيفاء حقه قد تم فلهذا قضى بالدار لذي اليد وان كان المشتري قد قبض الدار فشهد ابنا البائع أن المشترى قد سلمها للشفيع وهى في يدى المشترى وشهدا أجنبيان ان الشفيع قد سلمها للمشترى فانى أسلمها للمشترى واختيار شهادة الشهود على تسليم الشفعة لوجهين أحدهما مابينا ان تسليم الشفعة لا يحتمل الفسخ بخلاف تسليم الدار إلى الشفيع والثاني ان بنى البائع يتهمان في شهادتهما بتبعيد الخصومة والعهدة عن أبيهما لان المشترى يخاصم اباهما في عيب يجده بالدار قبل أن يسلمها إلى الشفيع ولا يخاصمه في ذلك بعد ما سلمها بالشفعة إلى الشفيع فلهذا لاتقبل شهادة ابني البائع هنا وإذا سلم الشفيع الشفعة ثم وجد المشترى بالدار عيبا بعد ما قبضها فردها بغير قضاء قاض أو قال البائع البيع في الدار بغير عيب كان للشفيع أن يأخذها بالشفعة قبل القبض وبعده عندنا (وقال) زفر ليس له ان يأخذها لانه سلمها ولم يتجدد حقه بما أخذنا من السبب لان وجوب الشفعة يختص بمعاوضة مال بمال ابتداءا والرد بالعيب والاقالة فسخ العقد وليس بمعاوضة مبتدأة ولايجوز أن يقال يجعل ذلك كبيع مبتدا لان التصرف انما يصحح على قصد المتصرف وهما قصدا الفسخ لا العقد ولكنا نقول الاقالة والرد بالعيب بغير قضاء القاضى
[ 125 ] بمنزلة البيع المبتدا في حق غيرهما لانه تم بتراضيهما في محلين كل واحد منهما مال متقوم ولا صورة للمعاوضة الا هذا غير انهما سمياه فسخا ولهما الولاية على أنفسهما فكان فسخا في حقهما ولا ولاية لهما على غيرهما فكان بمنزلة ابتداء المعاوضة في حق غيرهما فيتجدد به حق الشفيع وان كان ردها بالعيب بقضاء قاض لم يكن للشفيع فيها شفعة لان قضاء القاضي بالرد فسخ وليس بعقد فان للقاضي ولاية فسخ العقد الذي جرى بينهما لا انشاء العقد وكذلك ان لم يكن قبضها المشترى حتى ردها بالعيب بقضاء أو بغير قضاء فلا شفعة فيها لان الرد قبل القبض فسخ من كل وجه ألا ترى أن الراد ينفرد به من غير أن يحتاج إلى رضاء أو قضاء القاضى فهو نظير الرد بخيار الرؤية أو خيار الشرط والحرف الذي تدور عليه هذه المسائل انه متى عاد بالرد إلى قديم ملك البائع لا يتجدد للشفيع الشفعة لان حقه لم يكن ثابتا في قديم ملكه وإذا لم يعد إلى قديم ملكه كان هذا في معنى ملك حدث له بسبب مبتدا فيتجدد به حق الشفيع والرد بعد القبض بالعيب أو بالاقالة بهذه الصفة حتى لو كان موهوبا لا يرجع فيه الواهب ولو كان مشترى شراء فاسدا لا يسترده البائع بخلاف الرد بخيار الشرط والرؤية قبل القبض أو بعده بقضاء القاضى وإذا كان لرجل على رجل دين يقربه أو يجحده فصالحه من ذلك على دار أو اشترى منه دارا وقبضها فللشفيع فيها الشفعة أما في الشراء فلانه صار مقرا بالدين حين أقدم على الشراء به وفي الصلح المذهب عندنا أن الصلح على الانكار مبنى على زعم المدعى في حقه وفي زعمه أنه ملك الدار بعوض هو مال فللشفيع أن يأخذها بالشفعة بناء على زعم المدعى فان اختلف هو والشفيع في مبلغ ذلك الدين وحبسه فهو بمنزلة اختلاف المشترى والشفيع في الثمن وقد بينا ذلك ولا يلتفت إلى قول الذي كان عليه الحق لانه صار قابضا لما عليه بدينه وقد بينا أن البائع بعد ما قبض الثمن لاقول له في بيان المقدار وإذا أقر الرجل أنه اشترى دارا بالف درهم فاخذها الشفيع بذلك ثم ادعي البائع أن الثمن الفان وأقام البينة فانه يؤخذ بينته لانه يثبت بها حقه ويرجع الشفيع على المشترى بالف أخرى لان الشفيع انما يأخذها بالالف الذي سلمت به للمشتري وقد تبين انها سلمت له بالفين ولا معتبر باقرار المشتري أن الثمن كان ألف درهم لانه صار مكذبا في اقراره بقضاء القاضي فيسقط اعتبار اقراره كمن أقر بعين لانسان واشتراه منه ثم استحق من يده ما أثبته يرجع على البائع بالثمن وكذلك لو ادعى البائع انه باعها اياه بمائتي دينار أو عرض بعينه قيمته أكثر من الف درهم وأقام البينة فانه يقضي له بذلك
[ 126 ] على المشتري ويسلم الدار للشفيع بذلك فيحسب له المشترى بقدر ما قبض منه ويرجع بالفضل عليه وان كان قيمته أقل من الف رجع الشفيع على المشترى بالفضل على قيمة العرض لان الواجب للمشترى على الشفيع قيمة العرض الذي وقع الشراء به وقد تبين أنه أخذ منه أكثر من ذلك فيلزمه رد الفضل وإذا اختلف البائع والمشتري في ثمن الدار تحالفا ويبدأ باليمين على المشترى وقد بينا هذا في البيوع فايهما نكل عن اليمين وجب البيع بذلك الثمن ويأخذها الشفيع به وان اختلفا تراد البيع وأخذها الشفيع بما قال البائع ان شاء لانهما اتفقا على صحة البيع بينهما وثبوت حق الاخذ للشفيع فلا يبطل ذلك بفسخ البيع بينهما بالتحالف ألا ترى أن المشترى بعد التحالف لو صدق البائع كان أحق بالدار بما ادعاه البائع من الثمن فكذلك الشفيع إذا صدق البائع وان أقاما جميعا البينة كانت البينة بينة البائع ويأخذها الشفيع به وقد بينا فرق أبى حنيفة ومحمد بين هذا وبين ما إذا كان الاختلاف بين المشترى والشفيع وكذلك لو ما ادعى البائع أن الثمن كانت هذه الدار فقال المشترى بل اشتريتها بهذا العرض وأقاما البينة فبينة البائع أولى بالقبول لانه يثبت به حق نفسه فان كان الشفيع شفيعا للدارين جميعا أخذ كل واحدة منهما بقيمة الاخرى لان المعاوضة في الدارين تثبت بقضاء القاضي فهو كالثابت بالمعاينة ولو كان لكل واحد منهما شفع أخذها بقيمة الاخرى فكذلك إذا اتخذ شفيعهما وان كان للدار شفيعان فشهد شاهدان أن احداهما قد سلم الشفعة ولا يدريان أيهما هو فشهادتهما باطلة لان المشهود عليه مجهول ولا يتمكن القاضي من القضاء على المجهول ولانهما ضيعا شهادتهما فانهما عند التحمل انما تحملا الشهادة على معلوم فإذا لم يعرفاه كان ذلك منهما تضييعا للشهادة وان كان أحد الشفيعين غائبا كان للحاضر أن يأخذ جميع الدار لان حق كل واحد منهما ثابت في جميع الدار ولان حق الحاضر قد تأكد بالطلب ولا ندرى أن الغائب يطلب حقه أو لا يطلب فلا يجوز أن يتأخر حق الحاضر بغيبة الآخر ولا يتمكن من أخذ البعض لما فيه من الاضرار بالمشترى من حيث تبعيض الملك عليه فقلنا بانه يأخذ أو يدع وإذا أراد أن يأخذ النصف ورضي المشترى بذلك فله ذلك لان المانع حق المشترى وان قال المشترى لا أعطيك الا النصف كان له أن يأخذ الكل لما بينا ان حقه ثابت في جميع الدار وأكثر ما في الباب ان الغائب قد سلم له شفعته فللحاضر أن يأخذ الكل وإذا كفل للمشتري كفيل بالدرك فأخذ الشفيع الدار منه بالشفعة ونوى الثمن عليه لم يكن للمشترى على كفيل الدرك سبيل لان
[ 127 ] المشتري ما لحقه فيها درك فالدرك هو الاستحقاق بحق متقدم على البيع وذلك لا يوجد عند أخذ الشفيع بالشفقه وان لحق الشفيع درك لم يكن له على الذي كفل للمشتري بالدرك سبيل لانه ضمن للمشتري الدرك والشفيع غير المشترى والضامن لانسان شيئا لا يكون ضامنا لغيره والدليل على أن الاخذ بالشفعة ليس بدرك ان المشترى لو كان بنى فيها فنقض الشفيع بناءه لم يكن له أن يرجع على البائع بقيمة البناء بخلاف مااذا استحقها مستحق وإذا كفل رجلان للمشتري بالدرك ثم شهدا عليه بتسليم الدار إلى الشفيع بالشفعة فشهادتهما باطلة لان الكفيل بالدرك بمنزلة البائع وقد بينا ان شهادة البائع بذلك غير مقبولة ولا شهادة إبنيه فكذلك شهادة الكفيلين بالدرك وشهادة ابنيهما وهذا لانهما ينقلان العهدة عن أنفسهما بهذه الشهادة وكذلك ان شهدا أن الشفيع سلم الشفعة فهما بمنزلة البائعين في ذلك لاتقبل شهادتهما لان صحة الشراء وتمام الملك للمشترى كان بقبولهما ضمان الدرك فهما بهذه الشهادة يقران ما يصح بهما وإذا أشهد الشفيع شهودا انه يأخذها بالشفعة ولم يجئ إلى المشترى ولا البائع ولا إلى الدار ولم يطلبها فلا شفعة له لانه ترك الطلب المقرر لحقه بعد ما تمكن منه ولو ترك طلب المواثبة بعد ما تمكن منه سقط حقه فهنا أولى فان شهد على الطلب قبلهما ولم يسم له الثمن فهو بالخيار إذا علم للثمن ليكشف الحال له عند ذلك ولان بمجرد الطلب لايتم الاخذ وهو على خياره ما لم يتم أخذه بالشفعة وإذا شهد البائعان على المشترى ان الشفيع قد طلب الشفعة حين علم بالشراء والشفيع مقر أنه علم به منذ أيام وقال المشترى ما طلب الشفعة فشهادة البائعين باطلة وكذلك شهادة أولادهما كما لو شهدا على المشترى بتسليم الدار إلى الشفيع وهذا لانهما يقرران حق الشفيع في الاخذ وفيه تنفيذ العهدة والخصومة عنهما وان قال الشفيع لم أعلم بالشراء الا الساعة فالقول قوله مع يمينه لان علمه بالشراء حادث فعلى من ادعى تاريخا سابقا فيه أن يثبته بالبينة وهو منكر للتاريخ فالقول قوله مع يمينه فان شهد البائعان انه علم منذ أيام فشهادتهما باطلة ان كانت الدار في أيديهما أو في يد المشترى لان هذا في المعنى شهادة على الشفيع بتسليم الشفعة وقد بينا أن البائع لا يكون شاهدا في هذا اما لانه خصم فيه أو لانه كان خصما فيه في وقت وإذا كان الشفعاء ثلاثة فشهد اثنان منهم على أحدهم انه قد سلم الشفعة فان قال قد سلمناها معه فشهادتهما جائزة لخلوها عن التهمة فيها وان قال نحن نطلب فشهادتهما باطلة لانهما متهمان فيها وانما يدفعان بشهادتهما مزاحمة الثالث معهما
[ 128 ] وان قالا قد سلمناها معه ولابن أحدهما شفعة أو لابنه أو لمكاتبه أو لزوجته فشهادتهما باطلة لانه متهم في حق هؤلاء كما في حق نفسه وكما لاتقبل شهادته إذا زال بها المزاحمة عن نفسه فكذلك لاتقبل إذا زال المزاحمة عن مكاتبه أو ابنه لانه يجر اليهما بشهادته منفعة والله أعلم (باب الشفعة بالعروض) قال رحمه الله (وإذا اشترى دارا بعبد بعينه فللشفيع أن يأخذها بالشفعة بقيمة العبد عندنا وقال أهل المدينة يأخذها بقيمة الدار) لان المبيع مضمون بنفسه أو بما يقابله من المسمى وقد تعذر هنا ايجاب المسمى في حق الشفيع لانه لامثل له من جنسه فوجب المصير إلى الضمان الاصلى وهو قيمة نفسه ولان دفع الضرر من الجانبين واجب وانما يندفع الضرر عن المشترى بوصول قيمة ملكه إليه وملكه عند الاخذ رقبة الدار وحجتنا في ذلك أن الشفيع يتملك بمثل ما يملك به المشترى والمثل اما أن يكون من حيث الصورة أو في معنى المالية فإذا كان الثمن مما له مثل من جنسه يأخذه بمثله صورة وان كان مما لا مثل له من جنسه يأخذه بمثله في صفة المالية وهو القيمة كالغاصب عند تعذر رد العين برد المثل فيما له مثل والقيمة فيما لامثل له توضيحه انه ان أخذها من المشترى فقد صار متقدما عليه في تملكها بهذا السبب وفي معنى التلف على المشترى ما غرم فانما يأخذها بما غرم من الثمن وان أخذها من البائع فقد صار متلفا حقه فيما استوجب قبل المشترى من الثمن ولو أتلف ذلك حقيقة ضمن المثل فيما له مثل والقيمة فيما لامثل له فكذلك هنا فان مات العبد قبل أن يقبضه البائع انتقض الشراء لفوات القبض المستحق بالعقد فان العبد معقود عليه وقد هلك قبل التسليم وللشفيع أن يأخذها بقيمة العبد عندنا و (قال) زفر ليس له أن يأخذها بالشفعة لان العقد انتقض من الاصل بهلاك العبد قبل التسليم فيكون بمنزلة مالو انتقض من استحقاقه وهذا لانه لو كان العقد فاسدا في الابتداء لم يجب فيها للشفيع الشفعة فكذلك إذا فسد بهلاك المعقود عليه قبل التسليم ولان المقصود بالاخذ دفع ضرر الجار الحادث وقد اندفع ضرره حين بطل البيع وحجتنا في ذلك أن بدل الدار في حق الشفيع قيمة العبد وهو قادر على أخذها به بعد هلاك العبد كما قبله وليس في هلاك العبد الا انفساخ البيع بين البائع والمشترى وذلك لايمنع بقاء حق الشفيع على مابينا أنه يتمكن من أخذها من البائع وأن يضمن ذلك فسخ البيع بينه وبين المشترى وهذا لان البيع مثبت
[ 129 ] حق الشفيع وبقاؤه ليس بشرط لبقاء حق الشفيع ألا ترى انهما لو تقابلا لا يبطل به حق الشفيع وهذا بخلاف الاستحقاق فانه يتبين به ان أصل البيع لم يكن صحيحا وان حقه لم يثبت وكذلك إذا تبين فساد البيع من أصله فاما ههنا بهلاك العبد لا يتبين ان حق الشفيع لم يكن ثابتا ولا يتعذر عليه الاخذ بما هو البدل في حقه وكذلك ان أبطل البائع البيع بعيب وجده بالعبد وان لم يكن شئ من ذلك وأخذ الشفيع الدار من البائع أخذها بقيمة العبد والعبد لصاحبه لاسبيل للبائع عليه لان العقد قد انفسخ بين البائع والمشترى بأخذ الشفيع من يد البائع فيبقى العبد على ملكه لان خروجه عن ملكه كان بحكم البيع ولان بدل لدار وهو قيمة العبد قد سلم للبائع من جهة الشفيع فلا يبطل حقه في بدل آخر فانه لا يستوجب بدلين عن ملك واحد وان أخذها من المشترى بقيمة العبد بقضاء أو بغير قضاء ثم مات العبد قبل القبض أو دخله عيب فان القيمة للبائع وعلى قول زفر ان كان أخذها بقضاء القاضي فالدار ترد على البائع وقيمة العبد على الشفيع وان كان أخذها بغير قضاء فعلى المشترى قيمة الدار للبائع لان بموت العبد قبل القبض انفسخ العقد بين البائع والمشترى فبقيت الدار في يد المشترى بحكم عقد فاسد وقد تعذر عليه رد عينها حين أخرجها من ملكه باختياره فيلزمه قيمتها كالمشتراة شراء فاسدا ولكنا نقول لما مات العبد قبل القبض وجب على المشترى رد الدار على البائع وقد تعذر ردها فيجب رد مثلها ومثلها بحكم العقد قيمة العبد يوضحه ان حق البائع بالعقد كان في العبد أو في قيمته بدليل أن الشفيع يأخذها من البائع بقيمته وقد قدر المشترى على تسليم القيمة التى هي حقه عند أخذ الشفيع فلا يلزمه شئ آخر وهذا لان دفع الضرر عن المشترى واجب وربما تكون الدار قيمتها عشرة الألف وقيمة العبد الف فانما سلم للمشترى مقدار الالف درهم فإذا لزمه للبائع عشرة ألف كان عليه في ذلك من الضرر مالا يخفى وتسليمها بالشفعة إلى الشفيع لا يكون بمنزلة البيع منه ألا ترى أنه فعل بدون القاضي غير ما يأمر به القاضي لو رفع الامر إليه فكما لا يجعل بيعا مبتدأ إذا أخذ ماكان واجبا له من الشفعة بقضاء القاضى فكذلك إذا أخذ بغير قضاء ولو استحق العبد بطلت الشفعة لان بالاستحقاق يتبين بطلان البيع من الاصل ويأخذ البائع الدار من الشفيع ان كان المشترى دفعها إليه بقضاء قاض وان كان دفعها بغير قضاء قاض فقضاء قاض بقيمة العبد وسماها وقبضها الشفيع فهذا بمنزلة البيع فيما بينهما وهى جائزة للشفيع بتلك القيمة لان بدل المستحق يملك بالقبض وتصرف المشتري
[ 130 ] فيه باعتبار ملكه نافذ وقد بينا أن في الموضع الذي لا تكون الشفعة واجبة يجعل التسليم بغير قضاء بمنزلة المبيع المبتدا بخلاف ما تقدم فقد كانت الشفعة هناك واجبة حين أخذها الشفيع فلهذا جعلنا القضاء وغير القضاء هناك سواء وفرقنا بينهما هنا ثم على المشترى للبائع قيمة الدار لانه لما استحق العبد وجب عليه رد ما قبض من الدار وقد تعذر ردها باخراجه اياها عن ملكه باختياره فيلزمه قيمتها وكذلك لو كان المشترى باع الدار ووهبها وقبضها الموهوب له أو تزوج عليها ثم استحق العبد ضمن قيمة الدار لان كان مالكا للدار حين التصرف فنفذ تصرفه ثم لزمه رد عينها حين استحق العبد وقد تعذر عليه ذلك فيلزمه رد قيمتها وإذا اشترى دارا بعرض بعينه وتقابضا فاختلف الشفيع والمشترى في قيمة العرض فان كان قائما بعينه يقوم في الحال فيتبين بقيمته في الحال قيمته عند العقد وان كان هالكا فالقول فيها قول المشترى لانهما اختلفا في مقدار ما يلزم الشفيع من الثمن وان أقاما البينة فعلي طريقة أبى يوسف عن أبى حنيفة البينة بينة الشفيع لانها ملزمة وبينة المشتري غير ملزمة وعلى قياس طريقة محمد عن أبى حنيفة البينة بينة المشترى في هذه المسألة وهو قول أبى يوسف ومحمد لان ما صدر من المشترى ههنا اقرار ان وهذا نظير مااذا اختلفا في قيمة البناء الذي أحرقه المشترى وان اشتراها بشئ مما يكال أو يوزن أخذها الشفيع بمثله من جنسه لان الشفيع يأخذ بمثل الثمن الاول وللمكيل والموزون مثل من جنسه كما في ضمان الاتلاف وان اشترى دارا بعبد ثم وجد بالعبد عيبا فرده أخذها الشفيع بقيمة العبد صحيحا لان العبد دخل في العقد بصفة السلامة وانما يقوم في حق الشفيع على الوجه الذي صار مستحقا بالعقد ولو اشترى عبدا بدار فهذا وشراء الدار بالعبد سواء لان كل واحد منهما معقود عليه فلا فرق بين أن يضيف العقد إلى العبد أو إلى الدار وإذا اشترى بناء دار على أن يعلقه فلا شفعة فيه من قبل أنه يشتر معه الارض والبناء بدون الارض منقولا ولا يستحق المنقول بالشفعة وهذا لان حق الشفيع يثبت لدفع الضرر البادي بسوء المجاورة على الدوام وذلك لا يتحقق في شراء البناء بدون الارض فان اتصال أحد الملكين بالآخر لا يكون اتصال تأييد وقرار والدليل عليه انه انما يستحق بالشفعة ما يستحق به الشفعة وبملك البناء بدون الارض لا يستحق بالشفعة فاما من له بناء على أرض موقوفة إذا بيعت دار بحسبه لا يستحق الشفعة فكذلك لا يستحق البناء بالشفعة الا تبعا للارض وكذلك لو اشترى نصيب البائع من البناء وهو النصف فلا شفعة في هذا
[ 131 ] والبيع فيه فاسد لانه يريد أن ينقضه والشريك يتضرر به فان قسمته لاتتأتى ما لم ينقض الكل وفى من الضرر على الشريك مالا يخفى وكذلك لو كان البناء كله لانسان فباع نصفه لانه لا يقدر على التسليم الا بضرر يلحقه فيما ليس بمبيع وذلك مفسد للبيع كما لو باعه جذعا في سقف وإذا أراد أن يشترى دارا بخادم فخاف عليها الشفيع وقيمة الخادم ألف درهم فباع الخادم بالفين من رب الدار ثم اشترى الدار بالالفين لم يأخذها الشفيع إلا بالالفين لان المشترى يملك الدار بالفين فبذلك يأخذها الشفيع ان شاء (وهذا نوع حيلة) لتقليل رغبة الشفيع في الاخذ لسبب كثرة الثمن ومن ذلك أن يشترى الدار بالفين ثم يعطيه بها خمسين دينارا أو يعطيه ألف درهم وثوبا لا يساوي الالف فلا يتمكن الشفيع من أخذها الا بالفين وقل ما يرغب في ذلك إذا كان ثمنها ألف درهم ومن هذا النوع يحتال لتقليل رغبة الجار بان تباع عشر الدار أولا بتسعة اعشار الثمن ثم تسعة اعشارها بعشر الثمن فلا يرغب الجار في أخذ العشر لكثرة الثمن ولاحق له فيما بقى لان المشترى صار شريكا والشريك مقدم على الجار ومن الحيلة لابطال حقه أن يتصدق البائع بقطعة من الدار صغيرة وطريقها إلى باب الدار عليه فيسلمها إليه ثم يشترى منه بقية الدار فلا شفعة للجار لان المشترى شريك في الطريق وهو مقدم على الجار أو يهب منه قدر ذراع من الجانب الذي هو متصل بملك الجار ثم يبيع ما بقى منه فلا يجب للجار شفعة لان ملكه لا يلازق المبيع أو يوكل الشفيع ببيعها فإذا باعها لم يكن له فيها شفعة أو يبيعها بشرط الخيار ثلاثة أيام للشفيع فلا شفعة له قبل اسقاط الخيار وإذا سقط الخيار بطلت شفعته أو يبيعها بشرط أن يضمن الشفيع الدرك فإذا ضمن بطلت شفعته أو يقول المشترى للشفيع أنا أبيعها منك بأقل من هذا الثمن فإذا رضى بذلك وساومه بطلت شفعته والاشتغال بهذه الحيل لابطال حق الشفيع لا بأس به أما قبل وجوب الشفعة فلا اشكال فيه وكذلك بعد الوجوب إذا لم يكون قصد المشتري الاضرار به وانما كان قصده الدفع عن ملك نفسه وقيل هذا قول أبى يوسف فاما عند محمد يكره ذلك على قياس اختلافهم في الاحتيال لاسقاط الابراء وللمنع من وجوب الزكاة وقد بينا ذلك في البيوع والزكاة وان اشترى دارا بعبد فاستحقه مستحق وأجاز الشراء كان للشفيع الشفعة لان الاجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء ولو وجد العبد حرا فلا شفعة فيها لان البيع كان باطلا والحر ليس بمال متقوم والبيع مبادلة مال بمال فانعدام المالية في أحد البدلين يمنع
[ 132 ] انعقاد العقد وإذا اشتري دارا بدار ولكل واحدة منهما شفيع فلكل شفيع أن يأخذ الدار بقيمة الاخرى لانه لامثل للدار من جنسها فيكون الواجب على كل شفيع بمقابلة ما يأخذ قيمة الدار الاخرى فان كان أحد الرجلين شفيعا أيضا يعنى أحد المشتريين أخذ الشفيع نصف الدار بنصف القيمة لان اقدامه على الشراء لا يسقط شفعته بل ذلك منه بمنزلة الاخذ بالشفعة فلا يكون للشفيع الآخر أن يأخذ منه إلا مقدار حصته وإذا اشتري بيتا من دار علوه لآخر وطريق البيت الذي اشترى في دار أخرى فانما الشفعة للذي في داره الطريق لانه شريك في البقعة بالطريق والشريك مقدم على الجار وصاحب العلو انما له الشفعة بالجوار فان سلم صاحب الدار فحينئذ لصاحب العلو الشفعة بالجوار وعن أبى يوسف في الامالى ان هذا استحسان وفي القياس لاشفعة لصاحب العلو وكذلك إذا بيع العلو فلا شفعة لصاحب السفل في القياس ولا لصاحب علو آخر بجنبه لان العلو بناء وقد بينا ان بالبناء لا يستحق بالشفعة إذا لم يكن معه أرض والارض وسقف السفل كله لصاحب السفل ووجه الاستحسان ان لصاحب العلو حق قرار البناء وبه يستحق اتصال أحد الملكين بالاخر على وجه التأييد والقرار فكانا بمنزلة جارين بخلاف ملك البناء على الارض الموقوفة فان الاتصال هناك غير متأيد الا ترى ان عند انقضاء مدة الاجارة يؤمر برفع البناء وهنا ليس لصاحب السفل أن يكلف صاحب العلو رفع البناء بحال واتصال أحد الملكين بالآخر بهذه الصفة يثبت للشفيع الشفعة والله أعلم (باب الشفعة في الارضين والانهار) (قال رحمه الله والشريك في الارض أحق بالشفعة من الشريك في الشرب كما ان الشريك في نفس المنزل أحق بالشفعة من الشريك في الطريق) لقول على وابن عباس رضي الله عنهما لاشفعة الا لشريك لم يقاسم يعنى عند وجوده لاشفعة إلا له ثم الشرب من حقوق المبيع كالطريق وقد جاء الحديث في استحقاق الشفعة بالشريك في الطريق قال ﷺ إذا كان طريقهما واحدا فكذلك يستحق بالشركة في الشرب والشريك في الشرب أحق بالشفعة من الجار كالشريك في الطريق قال والشركاء في النهر الصغير كل من له شرب أحق من الجار الملاصق وان كان نهرا كبيرا تجرى فيه السفن فالجار أحق لان هؤلاء ليسوا شركاء في الشرب معنى هذا القول أن الشركة في الشرب بمنزلة الشركة في الطريق ففى
[ 133 ] النهر الصغير الشركة خاصة بمنزلة سكة غير نافذة وفي النهر الكبير الشركة عامة بمنزلة الطريق النافذ لا يستحق الشفعة باعتباره والمروي عن أبى يوسف في حد النهر الصغير أن يستقى منه قراحين أو ثلاثة فان جاوز ذلك فهو النهر الكبير والمذهب عند أبى حنيفة ومحمد أن النهر الكبير بمنزلة الدجلة والفرات تجرى فيه السفن وكل ماء يجرى فيه السفن من الانهار في معنى ذلك ومالايجرى فيه السفن فهو في حكم النهر الصغير حتى روى ابن سماعة عن محمد أن الشركاء في النهر وان كانوا مائة أو أكثر فان كان بحيث لا تجرى فيه السفن يستحق الشفعة باعتباره ومنهم من يقدر بعدد الاربعين أو بعدد الخمسين ولا معنى للمصير فيه إلى التقدير من حيث العدد لان المقادير بالرأى لا تستدرك وليس في ذلك نص فالمعتبر ما قلنا أن يكون بحيث تجرى فيه السفن وإذا زرع المشترى الارض ثم جاء الشفيع فله أن يأخذها بالشفعة ويقلع الزرع في القياس لانه زرع في أرض غيره فهو أحق بها منه فهو كالغاصب إذا زرع الارض المغصوبة ولان المشترى كما لا يتمكن من ابطال حق الشفيع لا يتمكن من تأخير حقه لان التأخير من وجه ابطال وفي الاستحسان لا يأخذها بالشفعة حتى يحصد الزرع ثم يأخذها لان المشترى زرع في ملك نفسه وما كان يتيقن بان الشفيع يطلب الشفعة قبل ادراك زرعه فلا يكون متعديا فيما صنع بخلاف الغاصب ولان لادراك الزرع نهاية معلومة فلو انتظر ذلك لم يبطل حق الشفيع وان تأخر قليلا وإذا قلع زرع المشترى تضرر بابطال ملكه وماليته وضرر التأخير دون ضرر الابطال فان كان غرس فيها كرما أو شجرا أو رطبة فله أن يقلع ذلك ويأخذ الارض لانه ليس لفراغ الارض منها نهاية معلومة وقد بينا في البناء نظيره يوضحه أنه قد يتأخر حق الشفيع لدفع الضرر عن المشتري حتى إذا طلب الشفعة تأخر التسليم إليه إلى احضار الثمن فيجوز أن يتأخر أيضا للدفع عن المشترى في زرعه ولكن لا يجوز ابطال حق الشفيع لدفع الضرر عن المشترى وفي التأخير لا إلى غاية معلومة ابطال وإذا اشترى نخلا ليقطعه فلا شفعة فيه وكذلك إذا اشتراه مطلقا لان الارض لا تدخل في هذا الشراء والنخل بدون الارض كالبناء لا يستحق بالشفعة فان اشتراها باصولها ومواضعها من الارض ففيها الشفعة لانها تابعة للارض في هذا الحال وكذلك ان اشترى زرعا أو رطبة ليجزها لم يكن في ذلك الشفعة وان اشتراها مع الارض وجبت الشفعة في الكل استحسانا وفي القياس لاشفعة في الزرع لانه ليس من حقوق الارض وتوابعها ولهذا لايدخل في البيع الا بالذكر فهو كالمتاع
[ 134 ] الموضوع في الارض لا يستحق بالشفعة وان اشترى مع الارض ووجه الاستحسان أن الزرع متصل بالارض ما لم يحصد وما كان من المنقول متصلا بالعقار يستحق بالشفعة تبعا كالابواب والشرب المركبة يوضحه أن الشفيع يقدم على المشتري شرعا وقبل الحصاد يمكنه أخذ الكل من الوجه الذي أوجبه العقد للمشترى بخلاف مااذا لم يحصد حتى حصد الزرع لانه لا يمكنه أخذ الزرع بعد الحصاد على الوجه الذي أوجبه العقد للمشتري فلو أخذه كان أخذا للمنقول بالشفعة مقصودا وذلك ممتنع وإذا اشترى أرضا فيها نخل ليس فيها ثمر فاثمرت في يده فاكلها سنين ثم جاء الشفيع فله أن يأخذها بالشفعة بجميع الثمن ان شاء وكان أبو يوسف يقول أولا يحط من الثمن حصة ما أكل المشترى من الثمن لان حال المشترى مع الشفيع كحال البائع مع المشترى قبل التسليم إليه ولو أكل البائع الثمار الحادثة بعد العقد يحط عن المشترى حصتها من الثمن كما يحط حصة الثمرة الموجودة عند العقد فكذلك في حق الشفيع يوضحه أن تناول الثمار الحادثة تمنع المشترى من بيعها مرابحة حتى يبين وهي في ذلك كالثمار الموجودة فكذلك في حق الشفيع فاما وجه ظاهر الرواية وهو الذي رجع إليه أبو يوسف أن المشترى يملك الارض والنخل بجميع الثمن والشفيع انما يأخذها بمثل ما يملك به المشترى وهذا لان الحادث من الثمار بعد القبض لاحصة له من الثمن فانه لم يكن موجودا عند العقد ولاعند القبض وانقسام الثمن يكون باعتبارها ولو كانت قائمة في يد المشترى بعد الجذاذ لا يثبت حق الشفيع فيها فتناوله اياها لايجل لها حصة من الثمن أيضا بخلاف بيع المرابحة فالمتولد من العين هناك لو كان قائما في يد المشترى كان يضمه إلى الاصل ويبيع الكل مرابحة فإذا تناول ذلك لم يكن له أن يبيعه مرابحة من غير بيان الا أن يكون أنفق عليه مثل ما أكل وقد بينا هذا في البيوع وهذا بخلاف الثمار الموجودة عند العقد إذا أخذها المشترى فللثمار الموجودة حصة من الثمن ولاحق للشفيع فيها بعد الجذاذ فيطرح عن الشفيع حصتها من الثمن ألا ترى أن الثمار الموجودة عند العقد لو بلغت عنده من غير صنع أحد سقط عن المشترى حصتها من الثمن بخلاف الثمار الحادثة فكذلك في حق الشفيع وان حضر الشفيع قبل أن يجذها المشترى أخذها مع الاشجار بجميع الثمن استحسانا وهذا والزرع سواء وبعد الجذاذ هنا والحصاد في الزرع عند أبى يوسف يقسم الثمن على قيمة الارض وعلى قيمة الثمار والزرع وقت العقد لان انقسام الثمن عليهما بالعقد فتعتبر القيمة عند ذلك وعند محمد تقوم الارض مزروعة وغير مزروعة
[ 135 ] والاشجار مثمرة وغير مثمرة فربما لا يكون للزرع والثمر في ذلك الوقت قيمة الا شيئا يسيرا فلو اعتبرنا قيمته محصودا تضرر به الشفيع فلدفع الضرر قال اقسم الثمن على قيمة الارض مزروعة وغير مزروعة فما يخص قيمتها غير مزروعة فهو حصة الارض يأخذها الشفيع بذلك وإذا اشترى أرضا فيها شجر صغار فكبرت فاثمرت أو كان فيها زرع فادرك فللشفيع أن يأخذ جميع ذلك بالثمن لان حقه ثبت فيها بطريق الاتصال بالارض والشجر بيع ما بقى الاتصال وإذا اشترى بيتا ورحا ماء فيه ونهرها ومتاعها فللشفيع الشفعة في ذلك كله الا ما كان من متاعها ليس بمركب في البناء لان ماكان مركبا متصل بالارض فهو بمنزلة البناء فيستحق بالشفعة تبعا ألا ترى أن الحمام يباع ويأخذه الشفيع بقدر الحمام لانه في البناء فكذلك الرحا واستحقاق الشفعة في الحمام والرحا قولنا فاما عند الشافعي مالا يحتمل القسمة لا يستحق الشفعة لان من أصله أن الاخذ بالشفعة لدفع ضرر مؤنة المقاسمة وذلك لا يتحقق فيما لا يحتمل القسمة وعندنا لدفع ضرر البادى بسوء المجاورة على الدوام وذلك فيما لا يحتمل القسمة موجود لاتصال أحد الملكين بالآخر على وجه التأييد والقرار وحجتنا في ذلك ماروينا من حديث جابر رضى الله عنه أن النبي ﷺ قال الشفعة في كل شئ ربع أو حائط ولان الحمام لو كان مهدوما فباع أحد الشريكين نصيبه كان للشريك الشفعة وما يستحق بالشفعة مهدوما يستحق بالشفعة مثبتا كالشقص من الدار وبهذا يتبين أن مؤنة المقاسمة ان كانت لا تلحقه في الحال فقد تلحقه في الثاني وهو ما بعد الانهدام إذا طلب أحدهما قسمة الارض بينهما ولو اشترى أجمة فيها قصب وسمك يؤخذ بغير صيد أخذ الاجمة والقصب بالشفعة ولم يأخذ السمك لان القصب متصل بالارض فاما السمك فلا اتصال له بالارض بل هو كالمتاع الموضوع في الدار والارض فلا يستحق بالشفعة وإذا اشترى عينا أو نهرا أو بئرا بأصلها فللشفيع فيها الشفعة لاتصال ملكه بالمبيع على وجه التأييد وكذلك ان كانت عين قير أو نفط أو موضع ملح أخذ جميع ذلك بالشفعة لوجود الاتصال معنى فانه يبيع من ذلك الموضع بمنزلة ما يتولد منه بخلاف السمك الا أن يكون المشترى قد حمل ذلك من موضعه فلا يأخذ ما حمل منه بمنزلة الزرع والتمر بعد الحصاد والجذاذ وان اشترى شربا من نهر بغير أرض ولا أصل من نهر فلا شفعة فيه لان بيع الشرب فاسد فانه من حقوق المبيع بمنزلة الاوصاف فلا يفرد بالبيع ثم هو مجهول في نفسه غير مقدور التسليم لان البائع لا يدرى أيجرى الماء أم لا وليس في وسعه اجراؤه
[ 136 ] (قال وكان شيخنا الامام يحكى عن أستاذه انه كان يفتى بجواز بيع الشرب بدون الارض ويقول فيه عرف ظاهر في ديارنا بنسف فانهم يبيعون الماء) فللعرف الظاهر كان يفتى بجوازه ولكن العرف انما يعتبر فيما لانص بخلافه والنهى عن بيع الغرر نص بخلاف هذا العرف فلا يعتبر وإذا اشترى الرجل أرضا فله ما فيها من نخل أو شجر لانها بمنزلة البناء متصلة بالارض للقرار وليس له ما فيها من زرع أو ثمر لان الاتصال فيها ليس للتأييد والقرار بل للادراك فهو اتصال يعرض الفصل فيكون بمعنى المتاع الموضوع فيها لا تدخل في البيع الا بالذكر والاصل فيه قوله ﷺ من اشترى أرضا فيها نخل فالثمر للبائع إلا أن يشترط المتاع ولو اشترى الارض بكل قليل أو كثير هو فيها أو منها فله الثمر والزرع وفي غير هذا الموضع يقول لايدخل الثمر والزرع بهذا اللفظ وتأويل ما قال هناك إذا اشتراها بكل قليل أو كثير هو فيها أو منها بحقوقها فعند هذا التقييد لا تدخل الثمرة والزرع لانهما ليسا من حقوقها وتأويل ما ذكرها أنه لم يقيد بقوله من حقوقها وعند الاطلاق يتناول لفظ الثمر والزرع لانهما من القليل والكثير الذي هو فيها أو منها لاتصاله في الحال والامتعة الموضوعة تدخل بهذا اللفظ أيضا ان كان قال أو منها لانها من القليل أو الكثير الذي فيها وان كان قال ومنها لم تدخل لانها ليست من الارض وأما مالا يدخل في البيع كالزوجة والولد للبائع إذا كان فيها في القياس يدخل ويفسد البيع وفي الاستحسان لايدخل لعلمنا أنهما لم يقصدا ذلك وإذا اشتراها بكل حق هو لها بمرافقها لم يدخل فيها الثمر الزرع لانهما ليسا من حقوق الارض ومرافقها فانما يطلق هذا اللفظ على ما به يتأتى الانتفاع بالارض كالشرب والطريق الخاص في ملك إنسان فذلك الذي يدخل في الشراء عند ذكر هذا اللفظ والثمر والزرع ليسا من هذا في شئ فلا يدخل بذكر الحقوق والمرافق وإذا اشترى دارا فله البناء سواء اشترط كل حق هو لها أو لم يشترط وهذه ثلاثة فصول الدار والمنزل والبيت فإذا عقد العقد باسم الدار يدخل فيه العلو والسفل والكنيف والشاع وان لم يقل بكل حق هو له لان الدار هو اسم لما أدير عليه الحائط والعلو والسفل مما أدير عليه الحائط ولا يدخل الطريق الخاص في ملك انسان الا أن يقول بكل حق هو لها لان الطريق خارج مما أدير عليه الحائط ويكون من حقوق الدار فالانتفاع بالدار يتأتى به فانما يدخل عند ذكر الحقوق والمرافق فأما الظلة التى على ظهر الطريق عليها منزل إلى الدار لايدخل عند أبى حنيفة إلا أن يشترط الحقوق والمرافق فحينئذ تدخل إذا كان مفتحها إلى الدار وعند
[ 137 ] أبى يوسف ومحمد تدخل إذا كان مفتحها إلى الدار وان لم يشترط الحقوق والمرافق لانها من بناء الدار بمنزلة العلو والكنيف والشارع وأبو حنيفة يقول هي خارجة مما أدير عليه الحائط ولكنها من مرافق الدار إذا كان مفتحها إلى الدار فانما تدخل بذكر الحقوق والمرافق والطريق الخاص وهذا لان أحد جانبي الظلة على حائط الجار المحاذي والجانب الآخر على بناء الدار وكانت من جملة الدار من وجه دون وجه فلا تدخل عند اطلاق اسم الدار بخلاف كنيف الشارع فانه متصل ببناء الدار لااتصال له بشئ آخر فيكون داخلا فيما أدير عليه الحائط من البناء وان كان اشترى بيتا وعليه علو لم يدخل العلو في البيت سواء ذكر الحقوق والمرافق أو لم يذكر ما لم ينص على العلو لان البيت اسم لما يبات فيه والعلو في هذا كالسفل وكان نظير بيتين أحدهما بجنب الاخر وهذا لان الشئ لا يكون من حقوق مثله فاما إذا اشترى منزلا لم يكن له علوه إلا أن يقول بكل حق هو له أو بمرافقه فيدخل العلو فيه لان العلو من حقوق المنزل فيدخل عند ذكر الحقوق والبيت اسم لمسقف واحد له دهليز والمنزل اسم لما يشتمل على بيوت وصحن مسقف ومطبخ ليسكنها الرجل بعياله والدار اسم لما يشتمل على بيوت ومنازل وصحن غير مسقف فكان المنزل فوق البيت ودون الدار فلكونه فوق البيت قلنا يدخل العلو عند ذكر الحقوق والمرافق ولكونه دون الدار قلنا لايدخل العلو فيه إذا لم يذكر الحقوق والمرافق ومشترى المنزل من الدار وان ذكر الحقوق والمرافق لاحق له في الدار إلا الطريق ومسيل الماء فان ذلك من حقوق المنزل فاما المخرج والمربط والمطبخ وبئر الماء فلا حق له فيها إلا أن يسمى شيئا من ذلك لان ذلك من حقوق الدار ومرافقها ليس من حقوق المنزل فالانتفاع بالمنزل يتأتى بدونه بخلاف الطريق والمسيل وفي شراء الدار إذا كان لها طريقان أحدهما في السكة والآخر في دار فان اشترط الحقوق والمرافق استحق ذلك كله وان لم يشترط لم يستحق الطريق الذي في الدار الاخرى لان ذلك خارج مما أدير عليه الحائط والقرية مثل الدار وان كان في الدار أو في القرية باب موضوع أو خشب أو آجر أو جص لم يدخل ذلك في البيع بذكر الحقوق والمرافق وان اشترط كل قليل وكثير هو فيها أو منها أو اشترط كل حق هو لها لان الانتفاع يتأتى بدون هذه الاشياء وهى بمنزلة متاع موضوع فيها وإذا اشترى الرجل أرضا فاستأجرها الشفيع منه أو أخذها مزارعة أو كان فيها نخيل فأخذها معاملة بعد علمه بالشراء أو ساوم بها فقد بطلت شفعته لان إقدامه على
[ 138 ] هذه التصرفات دليل الرضا بتقرر ملك المشترى فيها ودليل الرضا كصريح الرضا والاستيام دليل ابطال حق الشفعة لانه طلب التملك منه بسبب يباشره باختياره ابتداء وذلك يتضمن تقرره على مباشرة هذا السبب فيكون اسقاطا للشفعة دلالة وإذا اشترى نخلا ليقطعه ثم اشترى بعد ذلك الارض وترك النخيل فيها فلا شفعة للشفيع في النخيل لانها كانت مقصودة بالعقد وهي من النقليات لا تستحق بالشفعة وكذلك لو اشترى الثمرة ليجذها والبناء ليهدمه ثم اشترى الارض لم يكن للشفيع الشفعة الا في الارض خاصة لان استحقاق البناء بالشفعة لمعنى التبعية للارض وذلك لا يتحقق إذا ملكه بسبب غير السبب الذي ملك الارض به وإذا اشترى قرية فيها بيوت ونخيل وأشجار ثم باع المشترى شجرها ونخلها ليقطع ثم جاء الشفيع وقد قطع بعضها فله أن يأخذ الارض وما لم يقطع من الشجر بحصته من الثمن وليس له أن يأخذ ما قطع من ذلك وللشافعي قول أن حق الشفيع متى كان ثابتا في البناء والشجر فله أن يأخذ ذلك بعد القطع والهدم اعتبارا للحق بالملك فكما لا يبطل ملك المالك بالقطع فكذلك حق الشفيع ولكنا نقول ثبوت حقه في الاخذ كان لمعنى الاتصال بالارض فإذا زال ذلك قبل الاخذ لا يكون له فيه حق الاخذ كما لو زال جوازه ولكن يطرح حصته من الثمن عن الشفيع لانه صار مقصودا بالحبس والتناول فيكون له حصته من الثمن يطرح عن الشفيع وإذا اشترى الرجل نهرا باصله ولرجل أرض في أعلاه إلى جنبه ولآخر أرض في أسفله إلى جنبه فلهما جميعا الشفعة في جميع النهر من أعلاه إلى أسفله لان ملك كل واحد منهما متصل بالمبيع اتصال تأييد وقرار فلكل واحد منهما الشفعة بالجواز وكذلك القناة والعين والبئر فهى من العقارات يستحق فيها الشفعة بالجوار وكذلك القناة يكون مفتحها في أرض ويظهر ماؤها في أرض أخرى فجيرانها من مفتحها إلى مصبها شركاء في الشفعة لاتصال ملك كل واحد منهما بالمبيع وبالاتصال في جانب واحد يتحقق الجوار وصاحب النصيب في النهر أولى بالشفعة ممن يجرى النهر في أرضه لانه جار باتصال أرضه بالنهر والشريك في المبيع مقدم على الجار وإذا كان نهر أعلاه لرجل وأسفله لآخر ومجراه في أرض رجل آخر فاشترى رجل نصيب صاحب اعلا النهر فطلب صاحب النهر وصاحب الارض وصاحب أسفل النهر الشفعة فالشفعة لهم جميعا بالجوار لانهم أستووا في سبب الاستحقاق فملك كل واحد منهم متصل بالمبيع الا أن اتصال صاحب الاسفل بمقدار عرض النهر واتصال صاحب الارض بمقدار طول النهر من
[ 139 ] أرضه ولو عبرة بزيادة الجوار كما لا عبرة بزيادة الشركة وليس لصاحب مسيل الماء حق لمسيل الماء يعنى أن صاحب أسفل النهر له في المبيع حق سيل الماء فما لم يسل الماء في أعلا النهر لا ينتهى إليه ولكن لا يصير به شريكا لرقبة النهر ولا في حقوقه وانما يترجح على الجار الشريك في نفس المبيع أو في حقوقه وكذلك لو اشترى رجل نصيب صاحب أسفل النهر فالشفعة لصاحب الاعلا بالجوار لاتصال ملكه بالمبيع وكذلك لو كانت قناة مفتحها بين رجلين إلى ما كان معلوم وأسفل من ذلك لاحدهما فباع صاحب الاسفل ذلك الاسفل فالشريك والجيران فيه سواء لان بالشركة في أعلا القناة لا يكون شريكا في المبيع فان المبيع أسفل القناة وذلك كان ملكا خالصا للبائع فلهذا كان شريكه في اعلا القناة والجيران في الشفعة سواء وإذا كان نهر لرجل فطلب إليه رجل ليكرى منه النهر إلى أرضه ثم بيع النهر الاول ومجراه في أرض رجل آخر فصاحب الارض أولى بالشفعة لان الآخر مستعير ولاحق للمستعير في الشفعة إذ لا ملك له متصل بالمبيع على وجه التأييد والقرار وإذا كان نهر لرجل في أرض لرجل عليه رحا ماء في بيت فباع صاحب النهر النهر أو الرحاء والبيت فطلب صاحب الارض الشفعة في ذلك كله فله الشفعة لاتصال ملكه بالمبيع وان كان بين أرضه وبين موضع الرحاء أرض لرجل آخر وكان جانب الآخر لرجل آخر فطلبا الشفعة فلهما أن يأخذ ذلك بالشفعة لانهما سواء في الجوار من النهر وان كان بعضهم أقرب إلى الرحاء لان الرحاء لا تستقيم الا بالنهر فهو الآن شئ واحد ألا ترى أن موضع الرحاء لو كان أرضا لها في ذلك النهر شرب فبيعت كان الشركاء في الشرب سواء في الشفعة ولايكون أقربهم إليها أولى بالشفعة وهذا إشارة إلى أن باعتبار ملك الرحاء تثبت الشركة في الشرب لان الانتفاع بالرحاء لا يتأتى الا بالماء كما لا يتأتى في الانتفاع بالارض الا بالماء وإذا كان نهر لرجل خالصا له عليه أرض ولآخر عليه أراضي ولاشرب لهم فيه فباع رب الارض النهر خاصة فهم شركاء في الشفعة فيه لايصال ملكهم بالمبيع وان باع الارض خاصة دون النهر فالملازق للارض أولاهم بالشفعة لانه لاشركة بينهم في النهر والمبيع الارض وهم جيران المبيع يعنى من يلازق أرضه الارض المبيعة فالشفعة للجار الملازق خاصة وان باع النهر والارض جميعا كانوا شفعاء في النهر لاتصال ملك كل واحد منهم بالنهر وكان الذي هو ملازق الارض أولاهم بالشفعة في الارض لاتصال ملكه بالارض بمنزلة طريق في دار لرجل فباع الطريق
[ 140 ] والطريق خالص له فجار الطريق أولى به من جار الارض دون الطريق وهذان بمنزلة دارين ليميز أحدهما عن الآخر لان جوار هذا غير جوار هذا ولو كان شريكا في الطريق أخذ شفعته من الدار لان الشريك مقدم على الجار فكذلك ان كان شريكا في النهر أخذ بحصته من الارض وكان أحق بهما جميعا من جيران الارض والطريق والنهر سواء في كل شئ وقد بينا ذلك في أول الباب والله أعلم (باب الشفعة في الهبة) (قال رحمه الله اعلم بان الموهوب لا يستحق الشفعة الا على قول ابن أبى ليلى) فانه يقول يستحق بالشفعة إذا كان مما لا يقسم ويأخذه الشفيع بقيمة نفسه ان لم يعوض الموهوب له الواهب وان عوضه فبقيمة العوض وكذلك إذا عوض الغير من هبته شقصا من غير شرط وفي استحقاقه بالشفعة خلاف على مابينا هو يقول ثبوت حق الشفعة لحاجته إلى دفع ضرر البادى بسوء مجاورة الجار الحادث وذلك لا يختلف باختلاف سبب الملك فتجب له الشفعة متى تجدد الملك للجار الحادث بأى سبب كان من هبة أو صدقة أو وصية الا الميراث فالملك لا يتجدد به وانما يبقي الوارث ماكان ثابتا للمورث ثم يدفع الضرر عن نفسه بالاخذ على وجه لا يلحق الضرر بالمتملك فان كان المتملك دفع بمقابلته عوضا فعليه قيمة ذلك العوض وان لم يدفع بمقابلته عوضا فعليه قيمة ما يأخذ لان الضرر بذلك يندفع عنه ولكنا نقول حق الشفعة انما يثبت له إذا تمكن من الاخذ بمثل السبب الذي به يملك المتملك فاما إذا عجز عن ذلك لا يثبت له حق الشفعة كالميراث وفي الهبة لا يقدر على أن يأخذ بمثل ذلك السبب لان الموهوب له يملكه بطريق التبرع وانما يأخذها الشفيع بطريق المعاوضة فيكون هذا ان شاء سبب آخر وبحق الشفعة لا تثبت هذه الولاية يوضحه أن الشرع قدم الشفيع على المشترى في حكم السبب الذي باشره وذلك يتأتى في المعاوضات ولا يتأتى في التبرع لان الملك الذي يثبت للشفيع لا يكون حكم التبرع ولان الشفيع في المعاوضة كان أحق بالعرض عليه قبل البيع فإذا لم يفعل ذلك البائع جعله الشرع أحق بالاخذ ليندفع الضرر عنه وهذا لا يوجد في التبرع فان من أراد أن يهب ملكه من انسان فليس عليه أن يعرض بيعه أولا على جاره ولا أن يهبه من جاره فلهذا لا يستحق الشفعة بهذا السبب فان وهب لرجل دارا على أن يهبه الآخر
[ 141 ] ألف درهم شرطا فلا شفعة للشفيع فيه ما لم يتقابضا وبعض التقابض يجب للشفيع فيه الشفعة وعلى قول زفر تجب الشفعة قبل التقابض وهو بناء على مابينا في كتاب الهبة إن الهبة بشرط العوض عنده بيع ابتداء وانتهاء وعندنا ابتداء وهو بمنزلة البيع إذ اتصل به القبض من الجانبين فاما الوصية على هذا الشرط إذا قبل الموصى له ثم مات الموصى فهو بيع لازم له وان لم يقبض لان الملك في الوصية بعد القبول يحصل بالموت ألا ترى أنه لو كان بغير شرط العوض يملك قبل القبض فكذلك إذا كان بشرط العوض فهو على وجهين ان قال قد أوصيت بداري بيعا لفلان بالف درهم ومات الموصي فقال الموصي له قد قبلت فللشفيع الشفعة وان قال أوصيت له بان يوهب له على عوض الف درهم فهذا ومالو باشر الهبة بنفسه بشرط العوض سواء في الحكم وان وهب نصيبا من دار مسمى بشرط العوض وتقابضا لم يجز ولم يكن فيه الشفعة عندنا لانه بر ابتداء والشيوع فيما يحتمل القسمة يمنع صحته وتأثير الشيوع كتأثير عدم القبض فيه وكذلك ان كان الشيوع في العوض فيما يقسم وان وهب دار الرجل على ان ابراءه من دين له عليه ولم يسمه وقبض كان للشفيع فيها الشفعة لان المديون قابض للدين بدينه فبقض الدار تتم المعاوضة بينهما فيجب للشفيع فيها الشفعة والقول في مقدار العوض قول الذي عوض لان الشفيع يملك الدار عليه وقد بينا أن القول في مقدار الثمن قوله وكذلك ولو وهبها بشرط الابراء مما يدعي في هذه الدار الاخرى وقبضها فهو مثل ذلك في الاستحقاق بالشفعة لان التملك فيها تم بجهة المعاوضة وإذا وهب الرجل دار ابنه الصغير لرجل على عوض مثل قيمتها وتقابضا فهو جائز وللشفيع فيها الشفعة في قول أبى يوسف الاول وهو قول محمد وفي قول أبى يوسف الآخر لا يجوز ولا شفعة فيها وكذلك الوصي والعبد والمأذون والمكاتب والمضارب في قول أبى يوسف الاول كل من يملك البيع يملك الهبة بشرط العوض إذا لم يكن فيه محاباة وهو قول محمد وفي قوله الآخر كل من لا تجوز هبته بغير عوض لا تجوز هبته بشرط العوض وجه قوله الاول ان هذا تمليك مال بمال يعادله شرطا فيصح من الاب والوصى كما لو كان بلفظ البيع أو بلفظ التمليك وتحقيقه أن حق الصبي في المال لافي اللفظ وتصرف الاب والوصي مقيد شرعا بالاحسن والاصلح لليتيم وذلك في أن يتوفر عليه المالية لافي لفظ المعاوضة ألا ترى أن البيع منهما لما لم يجز بالتعاطي من غير لفظ فإذا أسقط اعتبار اللفظ قلنا توفير المالية عليه في الهبة بشرط العوض كما في البيع بل
[ 142 ] أظهر لان في الهبة بشرط العوض لا يزول المال عن ملكه ما لم يصل العوض إلى يد ثانية وبالبيع تزول العين عن ملكه قبل وصول العوض إليه وبهذا التحقيق يظهر أن الهبة بشرط العوض من الاب والوصى بمنزلة الكتابة وهما يملكان الكتابة في غير الصبي بخلاف العتق على مال فالملك هنا يزول بنفس القبول والبدل في ذمة مفلسه لا يدري أيصل إليه أم لا بمنزلة التأدي وجه قوله الآخر أن الهبة عقد تبرع وليس للاب ولوصي ولاية التبرع في مال اليتيم فباشتراط العوض لا تثبت له هذه الولاية كالعتق فانه لو اعتق عبده بمال هو أضعاف قيمته وتبرع انسان بادائه لم يجز وبه يبطل ما اعتبر محمد من توفير المالية عليه وتحقيق هذا الكلا أنه لما لم يكن من أهل التبرع وهذا العقد عقد تبرع باعتبار أصله فهو عقد صدر من غير أهله وكما يلغوا السبب إذا حصل في غير محله فكذلك إذا صدر من غير أهله وحكم المعاوضة ينبنى على صحة السبب عند اتصال القبض به من الجانبين فإذا لم يصح أصل السبب لما قلنا لا ينقلب بالتقابض بيعا صحيحا ألا ترى أنه لو حصل ذلك في مشاع يحتمل القسمة لا يصير بيعا صحيحا بالتقابض فكذلك إذا حصل ممن لا يمكن الهبة بغير عوض لا يصير بيعا صحيحا بالتقابض فلا تجب فيه الشفعة والله أعلم (باب الخيار في الشفعة) (قال رحمه الله وإذا كان المشترى شرط الخيار لنفسه ثلاثا في الشراء فللشفيع الشفعة) أما عند أبى يوسف ومحمد لانه صار مالكا للدار وعندهما خيار الشرط كخيار الرؤية والعيب للمشترى فلا يمنع وجوب الشفعة وعند أبى حنيفة المشترى ان لم يملك الدار بشرط الخيار فقد خرجت الدار من ملك البائع وانقطع حقه عنها لكون البيع باقى في جانبه ووجوب الشفعة تعتمد انقطاع حق البائع لا ثبوت الملك للمشترى حتى إذا أقر بالبيع وأنكر المشترى يجب للشفيع فيه الشفعة ولان المشترى صار أحق بالتصرف فيها فباعتباره يتحقق الضرر المحوج للشفيع إلى الدفع عن نفسه وإذا اشترى المرتد دارا فللشفيع فيها الشفعة ان قبل على الردة أو أسلم في قول أبى يوسف ومحمد لان الشراء من المرتد صحيح عندهما وعند أبى حنيفة لان البيع قد تم في جانب البائع وصار المشترى أحق بها لو أسلم فكان للشفيع حق الشفعة وهو بمنزلة خيار ثابت للمشترى ولو كان المشترى بالخيار أبدا لم يكن للشفيع فيها الشفعة لان البيع فاسد وفي البيع الفاسد حق البائع في الاسترداد ثابت وما لم ينقطع حق
[ 143 ] البائع في الاسترداد لا يجب للشفيع الشفعة فان أبطل المشترى خياره وأوجب البيع قبل مضي الايام الثلاثة وجبت الشفعة لزوال المفسد قبل تقرره وكذلك عندهما بعد مضي الايام الثلاثة لان العقد عندهما ينقلب صحيحا متى أسقط خياره وهذا إذا شرط الخيار أبدا فان كان شرط الخيار شهرا فعندهما هذا البيع صحيح لازم وللشفيع حق الاخذ بالشفعة وقد بينا المسألة في البيوع وان كان الخيار ثلاثة فأخذها الشفيع من البائع في الثلاثة فقد وجب البيع وليس للشفيع من الخيار ماكان للمشترى لان خيار الشرط كاسمه لا يثبت إلا لمن شرط له والشرط كان للمشتري دون الشفيع وإذا كان الخيار للبائع فلا شفعة فيها حتى يوجب البيع لان خيار البائع يمنع خروج المبيع من ملكه وبقاء حق البائع يمنع ثبوت حق الشفيع فبقاء ملكه أولى فان بيعت دار إلى جنبها فللبائع فيها الشفعة دون المشترى لان الملك في الدار المبيعة عندهما في هذا البيع للبائع وإذا أخذها بالشفعة فهذا نقض منه للبيع لانه قرر ملكه وجواره حين أخذ المبيعة بالشفعة باعتباره فاقدام البائع على ما يقرر ملكه في مدة الخيار يكون نقضا للبيع وهذا لانه لو لم يجعل ناقضا لكان إذا أجاز البيع فيها ملكها المشترى من وقت العقد حتى يستحق بزوائدها المتصلة والمنفصلة فتبين أنه أخذها بالشفعة من غير حق له وان كان الخيار للمشتري فبيعت دار بجنب هذه الدار كان له فيها الشفعة لانه صار أحق بها مع خياره وذلك يكفى لثبوت حق الشفعه له كالمأذون والمكاتب إذا بيعت دار بجنب داره وكان البلخى يدعي بهذا الفصل المناقضة على أبى حنيفة فيقول انه إذا كان من أصله أنه لا يملك المبيع في مدة خياره واستحقاق الشفعة باعتبار الملك ولهذا لا يستحق المستأجر والمستعير فكيف تثبت للمشترى الشفعة في هذه الدار ولكن عذره مابينا فإذا أخذها بالشفعة كان هذا منه اجازة للبيع بوجود دليل الرضا لتقرر ملكه فيها وهذا يؤيد كلام البلخى فانه لو لم يكن الملك معتبرا في استحقاق الشفعة لما صار مخيرا للبيع بأخذها بالشفعة ولكنا نقول لو لم يسقط خياره بذلك لما كان إذا فسخ البيع انعدم السبب في حقه من الاصل فتبين أنه أخذها بالشفعة من غير حق له فللتحرز عن ذلك جعلناه مخيرا للبيع فإذا جاء الشفيع وأخذ منه الدار الاولى بالشفعة لم يكن له على الثانية سبيل لانه انما يتملكها الآن فلا يصير بها جارا للدار الاخرى من وقت العقد إلا أن يكون له دار إلى جنبها والدار الثانية سالمة للمشترى لان أخذ الشفيع من يده لا ينفى ملكه من الاصل ولهذا كانت عهدة الشفيع عليه فلا يتبين
[ 144 ] به انعدام السبب في حقه من الاصل حين أخذ بالشفعة وإذا اشترى دارا بعبد واشترط الخيار ثلاثا لمشترى الدار فللشفيع فيها الشفعة فان أخذها من يد مشتريها فقد وجب البيع له لانه عجز عن ردها وذلك موجب له البيع فيها فان سلم المشترى البيع وأبطل خياره سلم العبد للبائع فان أبى أن يسلم البيع أخذ عبده ودفع قيمة العبد الذي أخذها من الشفيع إلى البائع ولايكون أخذ الشفيع الدار بالشفعه اختيارا من المشترى للبيع واسقاطا لخياره في العبد بخلاف مااذا باعها المشترى فذلك اختيار منه لان البيع تصرف ببينته واختياره فيكون دليل الرضا به واسقاط خياره فاما أخذ الشفيع من يده يكون بغير رضاه واختياره وإنما يأخذها الشفيع بحق يثبت له قبل قبض المشترى ألا ترى انه كان له حق الاخذ من البائع فلا يكون ذلك اختيارا من المشتري وهذا بخلاف مالو حدث بها عيب عنده أو عرفت لان تعذر الرد عليه في هذه المواضع بسبب حادث بعد قبضه فيجعل ذلك بمنزلة اختياره فاما عند أخذ الشفيع تعذر الرد عليه بحق كان سابقا على قبضه فلهذا لا يجعل ذلك اختيارا منه ويبقي هو في العبد على خياه فإذا فسخ العقد في العبد يجعل هذا بمنزلة مالو انفسخ العقد فيه بالهلاك في يده قبل القبض فعليه أن يدفع إلى البائع القيمة المقبوضة من الشفيع لانها هي التى سلمت له بسبب يده على الدار فيردها على البائع كما يرد الدار لو كانت في يده ولو كانت الدار في يد البائع كان للشفيع أن يأخذها منه بقيمة العبد ويسلم العبد للمشترى لانتقاض البيع بينهما حين أخذها الشفيع من يد البائع ولو كانت الدار في يد المشترى فهلك العبد في يد البائع انتقض البيع ورد المشترى الدار وللشفيع أن يأخذها بقيمة العوض لما بينا ان حق الشفعة ثبت له بقيمة العوض وهو قادر على أداء ذلك بعد هلاك العوض في يد مشترى الدار ولو كان الخيار لبائع الدار فيها أو في العبد لم يكن للشفيع فيها شفعة حتى يوجب البيع لان أحد المتعاقدين إذا شرط الخيار لنفسه في أحد العوضين فذلك منه شرط للخيار في العوض الآخر وان كان الخيار أربعة أيام فالبيع فاسد في قول أبى حنيفة ولا شفعة في ذلك الا أن يسقط خياره قبل مضى ثلاثة أيام وعند أبى يوسف ومحمد البيع جائز ولكن بخيار البائع لا تجب الشفعة حتى يسقط خياره أو يسقط ذلك بمضي المدة فحينئذ يجب للشفيع فيه الشفعة والله أعلم بالصواب (باب مالا تجب فيه الشفعة من النكاح وغيره) (قال رحمه الله قال قد بينا في النكاح ان المهور لا تستحق بالشفعة عندنا وتستحق عند
[ 145 ] الشافعي والحاصل عندنا أن الشفعة تختص بمقابلة مال بمال مطلقا لان الشفيع لا يتمكن من الاخذ إلا بمثل السبب الذي يملك به الجار الحادث وأخذه لا يكون الا مبادلة مال بمال مطلقا وعلى هذا الاصل لاشفعة في المجعول بدلا في الخلع والصلح في القصاص في نفس أو عضو لان الشفيع لا يتمكن من الاخذ بمثل ذلك السبب ولا يمكن اقامته مقام المتملك في حكم ذلك السبب فهو نظير الموهوب لا يستحق بالشفعة وكذلك لو استأجر ابلا بدار لان الاجرة غير مملوكة بازاء مال مطلقا لان الشفعة ليست بمال في الحقيقة وانما يجعل لها حكم المالية في جواز العقد عليها للحاجة ثم قد بينا في كتاب النكاح مااذا تزوج امرأة على دار على أن ردت عليها ألفا وذكرنا ان عند أبى يوسف ومحمد تجب الشفعة في حصة الالف بمنزلة مالو أفرد كل واحد من العقدين وعند أبى حنيفة لا تجب الشفعة في شئ لان البيع هنا بيع للنكاح (وإذا تعذر ايجاب) الشفعة فيما هو الاصل لا يوجب فيما هو بيع ولو تزوج امرأة بغير مهر ثم فرض لها داره مهرا أو صالحها على أن يجعلها مهرا لها أو أعطاها اياها مهرا لم يكن فيها شفعة لان هذا منه تعيين لمهر المثل ومهر المثل مملوك لها بمقابلة ما ليس بمال فلا يستحق بالشفعد ولان أكثر ما فيه أن يجعل المفروض بعد العقد كالمسمى في العقد وهذا بخلاف مالو باعها بمهر مثلها دارا لان البيع اسم خاص لمبادلة مال بمال ففى لفظ البيع دليل على انه ملكها الدار عوضا عن مهر المثل وكذلك ان صالحها من مهرها على الدار أو مما وجب لها من المهر على الدار فللشفيع فيها الشفعة لان في لفظهما ما يدل على انهما لم يقصدا تعيين مهر المثل بالدار فانه ملكها ذلك عوضا عن المهر الذي استوجب عليه والذى استوجب عليه من المهر مال فكان مبادلة مال بمال وكذلك لو تزوجها على مهر مسمى فباعها به هذه الدار أخذها الشفيع بالشفعة وكذلك لو فرض القاضى لها مهرا ثم اشترى به الدار أخذها الشفيع بالشفعة بخلاف مالو أعطاها الدار مهرا فان هناك لو طلقها قبل الدخول وجب عليها أن ترد الدار وتطالبه بالمتعة وهنا لو طلقها قبل الدخول لم يلزمها رد شئ من الدار على الزوج وانما يلزمها من الدار ما فرض القاضي مهرا لها يحسب من ذلك مقدار المتعة ويعطيه الفضل على ذلك وفي المسمى في العقد يعطيه نصف المسمى وإذا صالح من دم عمد على دار على أن يرد عليه صاحب الدم ألف درهم فلا شفعة في الدار في قول أبى حنيفه لان الاصل فيه الصلح وما يقابل من دم العمد بالدار لا يستحق بالشفعه فكذلك ما يتبعه وعند أبى يوسف ومحمد يأخذ منها جزءا من احدى عشر جزء بالف درهم لان الدار
[ 146 ] تقسم على الالف وعلى دم العمد وقيمة الدية ألا ترى انه إذا تعذر استيفياء القود يجب المصير إلى الدية والدية عشرة آلاف فإذا جعلت كل ألف جزءا كانت حصة الدم من الدار عشرة أجزاء من احدى عشر جزءا وحصة الالف جزء من احدى عشر جزءا فيأخذ الشفيع ذلك بالشفعة وكذلك الصلح من شجاج العمد التى فيها القود وان صالحه من موضحتين احداهما عمد والاخرى خطأ على دار فلا شفعة فيها في قول أبى حنيفة وفي قول أبى يوسف ومحمد يأخذ الشفيع نصفها بخمسمائة لان موجب موضحة الخطأ خمسمائة درهم وموجب العمد القود فإذا صالح عنهما على دار كان نصفها بدلا عن القود ونصفها بدلا عن الخمسمائة وأبو حنيفة يقول المقصود بهذا الصلح القود لان المال لا يعارض النفس ألا ترى أن موجب موضحة العمد وهو القود على صاحب الدار خاصة وان موجب الخطأ عليه وعلي عواقله وإذا لم تجب الشفعة فيما هو الاصل لا تجب في البيع أيضا اما لانه صار شريكا بما هو الاصل أو قياسا على المضارب إذا باع دارا من مال المضاربة ورب المال شفيعها بدار له وفي المال ربح فانه لا يأخذ بالشفعة نصيب المضارب من الربح لان الشفعة لم تجب له فيما هو الاصل باعتبار أن البيع كان له فلا تجب الشفعة في البيع أيضا وان صالح من كفاله بنفس رجل على دار فلا شفعة فيها لان هذا الصلح باطل فانه باسقاط حقه عن الكفالة بالنفس لا يملك الكفيل شيئا فلا يستحق عليه عوضا وان كان هذا الصلح صحيحا لم يجب فيها الشفعة لان الدار ملكت بازاء ما ليس بمال فالكفالة بالنفس ليست بمال وسواء كانت الكفالة بنفس رجل في قصاص واحد أو مال ففى حكم الشفعة وبطلان الصلح في الكل سواء ولو صالحه من المال الذي يطلب به فان قال على أن يبرأ فلان من المال كله فهو جائز وللشفيع فيها الشفعة لان صلح الاجنبي عن الدين على ملكه صحيح كصلح المديون ولو كان المديون هو الذي صالح على ذلك جاز الصلح ووجب للشفيع فيها الشفعة فكذلك إذا فعله أجنبي هو كفيل بالنفس وان قال أقبضتكها عنه فالصلح باطل لانه ملكه الدار بمقدار قيمتها من الدين فقضاء الدين بالدار يكون بهذه الصفة وذلك مجهول لانه يعلم انه جميع الدين أو بعضه فكان الصلح فاسدا ولا شفعة في العوض في الصلح الفاسد كما لاشفعة في البيع الفاسد وإذا زوج الرجل ابنته وهى صغيرة على دار فطلبها الشفيع بالشفعة فسلمها الاب له بثمن مسمى معلوم بمهر مثلها أو بقيمة الدار فهذا بيع وللشفيع فيها الشفعة لان الصداق لا يستحق بالشفعة والتسليم فيه إلى الشفيع سمحا بغير قضاء بمنزلة الشفيع
[ 147 ] المبتدإ وللاب ولاية البيع في دار ابنته الصغيرة وهو بيع صحيح لان الثمن فيه مسمى معلوم وكذلك لو كانت الابنة كبيرة فسلمت فهو بيع وللشفيع فيها الشفعة ولا شفعة في البيع الفاسد ان قبضها المشترى أو لم يقبضها اما قبل القبض فلبقاء ملك البائع فيها وأما بعد القبض فلبقاء حقه في استردادها ووجوب الشفعة بغير انقطاع حق البائع عن الدار فان كان قد قبضها فبيعت دار إلى جنبها فللمشترى أن يأخذها بالشفعة لانه ملكها بالقبض فهو جار للدار المبيعة حين بيعت بملك هذه الدار وقيام حق البائع في الاسترداد لايمنع وجوب هذه الشفعة لها كقيام حق المرتهن في الدار المرهونة لايمنع وجوب الشفعة للراهن إذا بيعت دار بجنبها فان لم يأخذها حتى رد هذه الدار بطلت شفعته في تلك الدار لانه زال جواره قبل أن يأخذها بالشفعة وقيام السبب له إلى وقت الاخذ بالشفعة شرط للقضاء له بالاخذ ولا شفعة للبائع فيها لانه لم يكن جارا حين بيعت هذه الدار وهو بمنزلة مالو باع الشفيع داره التى يطلب بها الشفعة قبل أن يخاصم بالشفعة فانه لا يستحق المبيعة بالشفعة لانه زال جواره ولا المشتري منه لان جواره حادث بعد ملكه الدار وإذا اشترى دارا شراءا فاسدا وقبضها وبناها فللبائع قيمتها وينقطع حقه في الاسترداد عند أبى حنيفة وعند أبى يوسف ومحمد لا ينقطع حقه في الاسترداد ولكن يهدم بناء المشترى فيرد الدار على البائع لانه بنى في بقعة غيره أحق بتملكها منه فينقض بناءه للرد على صاحب الحق كالمشترى إذا بنى في الشقص المشفوع وهذا لان البناء بيع لحق الثابت في الاصل بصفة التأكيد لا يبطل بمعنى في البيع ثم حق البائع في الاسترداد أقوى من حق الشفيع ألا ترى أنه لا يبطل بالسكوت ولا يسقط باسقاط البائع وان ذلك مستحق له وعليه شرعا ثم بناء المشترى في ملكه ينقض لحق الشفيع مع ضعفه فلان ينقض بحق البائع في الاسترداد كان أولى أرأيت لو هدم المشترى بناءه ألم يكن للبائع أن يسترده وهذا لاوجه لمنعه فالمشترى إذا وجد بها عيبا بعد ما رفع بناءه كان له أن يردها بالعيب فلان يردها بفساد البيع كان أولى وهذا بخلاف حق الواهب في الرجوع فهو حق ضعيف فيسقط بمعنى في البيع كما يسقط بحدوث الزيادة المتصلة وبموت أحدهما وأبو حنيفة يقول بنى في ملك نفسه بتسليط من له الحق فلا ينقض بناؤه لحقه كالموهوب له يبنى في الدار الموهوبة وبيان الوصف أن الحق في الاسترداد للبائع فهو الذي سلط المشترى على هذا البناء بايجاب الملك له فيها والبيع وان فسد شرعا فالتسليط من البائع بقى معتبرا في حقه والدليل عليه ان سائر تصرفات
[ 148 ] المشترى من البيع والهبة والصدقة لا تنقض لحق البائع في الاسترداد وما كان ذلك الا باعتبار تسليطه اياه على ذلك وبه فارق الشفيع فانه لم يوجد منه تسليط المشترى على التصرف ولهذا ينقض سائر تصرفات المشترى لحق الشفيع فكذلك ينقض بناؤه وإذا عرفنا هذا فنقول عندهما لا يجب للشفيع فيها الشفعة لبقاء حق البائع في الاسترداد وعند أبى حنيفة يجب للشفيع فيها الشفعة لان حق البائع في الاسترداد قد انقطع فيأخذها الشفيع بقيمتها وينقض بناء المشترى لحق الشفيع وهما بهذا الحرف يستدلان على أبى حنيفة فيقولان لاقرار لهذا البناء بالاتفاق بل رفعه مستحق اما لحق البائع أو لحق الشفيع وأبو حنيفة يقول لهذا البناء قرار في حق البائع فانه حصل بتسليطه فينقطع به حق البائع في الاسترداد ولكن لاقرار له في حق الشفيع فيكون له أن ينقضه للاخذ بالشفعة وهو بمنزلة تصرف آخر من المشترى فيها كالبيع والهبة والصدقة فانه يقطع حق البائع في الاسترداد ثم ينقض ذلك التصرف لحق الشفيع يقول فان باعها المشترى بيعا صحيحا فللشفيع الخيار ان شاء أخذها بالبيع الثاني بالثمن المسمى وان شاء أبطل البيع الثاني وأخذها بالبيع الاول بالقيمة لاجتماع سببين فيها لثبوت حق الاخذ له فيأخذ بأى السببين شاء وهما يفرقان بين هذا وبين البناء ويقولان تصرف المشترى هنا حصل في غير ما هو مملوك له بالعقد الفاسد وفي البناء حقه في البيع لان البناء بيع للاصل وفي هذا القول اشكال فالشفيع إذا نقض البيع الثاني فقد صار ذلك كان لم يكن وقيل البيع الثاني يرد على البائع الاول ولا شفعة فيها فكذا بعد ما انتقض البيع الثاني من الاصل ولكنا الجواب عنه أن البيع الثاني من الاصل الثاني صحيح مزيل لملك المشترى وانما ينقض لحق الشفيع فما يكون من مقتضيات حق الشفيع لا يصلح أن يكون مبطلا حقه في الاخذ بالشفعة وان اشتراها شراءا فاسدا ولم يقبضها حتى بيعت دار إلى جنبها فللبائع أن يأخذ هذه الدار بالشفعة لان الاول في ملكه بعد فيكون جارا بملكه الدار الاخرى فان سلمها إلى المشترى بطلت شفعته لانه أزال جواره باختياره قبل الاخذ بالشفعة ولا شفعة فيها للمشترى لان جواره محدث بعد بيع تلك الدار وان اشتراهما بخمر أو خنزير والمتعاقدان مسلمان أو أحدهما وشفيعها نصراني فلا شفعة فيه لان البيع فاسد والخمر والخنزير ليس بمال متقوم في حق المسلم منهما وفي البيع الفاسد لا تجب الشفعة لمسلم ولا كافر وان اشتراها كافر من كافر وشفيعها مسلم فالبيع صحيح لان الخمر والخنزير في حقهم مال متقوم كالبعير
[ 149 ] والشاة في حق المسلمين فان كان شفيعها نصراني أخذها بمثل الخمر المشترى بها أو بقيمة الخنزير لان الخمر من ذوات الامثال فيأخذها الشفيع بمثل ما يملك به المشترى صورة ومعنى وفي الخنزير يأخذها بقيمته ولو كان الشفيع مسلما أخذها بقيمة الخمر والخنزير لان المسلم عاجز عن تمليك الخمر قصدا فعليه قيمتها وهو معتبر بالاستهلاك فان خمر النصراني عند الاستهلاك مضمون على النصراني بالمثل وعلى المسلم بالقيمة فكذلك في حق الشفيع وطريق معرفة القيمة والرجوع فيها إلى من أسلم من أهل الذمة أو من تاب من فسقة المسلمين فان وقع الاختلاف في ذلك فالقول قول المشترى بمنزلة مااذا اختلف الشفيع والمشترى في مقدار الثمن وإذا اشترى أرضا شراءا فاسدا فزرعها وغرس فيها الشجر فنقضها ذلك ثم جاء الشفيع والبائع فللشفيع أن يأخذها بقيمتها في قياس قول أبى حنيفة لان الغرس كالبناء فكما لا ينقض بناء المشترى لحق البائع عنده فكذلك لا تقلع أشجاره وإذا انقطع حق البائع في الاسترداد وجب للشفيع فيها الشفعة يقيمتها الا أنه يطرح عنه من ذلك بقدر ما نقض الارض من عمل المشترى لانه في معنى المتلف لجزء منها وقد بينا أن لما يتلفه المشترى حصة من الثمن في حق الشفيع يطرح عنه بقدره كالبناء إذا أحرقه وعند أبى يوسف ومحمد يقلع الشجر كما يهدم البناء ويرد على البائع ولا شفعة فيها وكذلك ان اتخذها مسجدا ثم خاصمه البائع فيها فله القيمة في قياس قول أبى حنيفة لان تصرف المشتري بتسليط البائع فلا ينقض لحقه وعندهما يرد على البائع كما لو بنى فيها المشترى بناء آخر وذكر هلال في كتاب الوقف أن حق البائع في القيمة عندهم جميعا لان المسجد يتحرر عن حق العباد ويصير خالصا لله تعالى فهو نظير العتق في العبد الذي اشتراه شراءا فاسدا ثم هذا تصرف من المشتري في عين ما يملكه بالعقد الفاسد ولو تصرف فيه بنقل الملك إلى غيره لم ينقض تصرفه لحق البائع في الاسترداد فإذا تصرف فيه بابطال الملك أولى فان باع نصفها بيعا صحيحا يرد النصف الثاني على البائع اعتبارا للبعض بالكل ويأخذ الشفيع النصف الآخر بالثمن الآخر هكذا قال والصحيح أنه يتخير بين أن يأخذ النصف بنصف القيمة بحكم البيع الاول لما انقطع حق البائع في الاسترداد فيه وبين أن يأخذه بالبيع الثاني بالثمن المسمى اعتبارا للبعض بالكل وإذا أخذه بالثمن الآخر يصدق المشتري بفضل نصف الثمن على نصف القيمة فانه انما يغرم للبائع نصف القيمة فالفضل حصل له بكسب خبيث فيؤمر بالتصدق به والله أعلم
[ 150 ] (باب الشفعة في المريض) (قال رحمه الله مريض باع دارا بالفى درهم وقيمتها ثلاثة آلف درهم ولامال له غيرها ثم مات وابنه شفيع الدار فلا شفعة للابن فيها) لانه لو باعها من أبيه بهذا الثمن لم يجز وقد بينا أن الشفيع يتقدم على المشترى شرعا في ثبوت الملك له بالسبب الذي يملك به المشترى وقد تعذر ذلك في هذا الموضع يوضحه اما أن يأخذها بالفين كما أخذها المشتري فيكون ذلك وصية من المريض لوارثه خصوصا إذا أخذها من يد البائع ولاوصية لوارث أو يأخذها بثلاثة آلاف وذلك لا يستقيم لما فيه من اثبات ثمن في حق الشفيع ليس ذلك بثابت في حق المشترى فإذا تعذر الوجهان قلنا لاشفعة له أصلا وذكر في كتاب الوصايا أن على قولهما له أن يأخذها بقيمتها ان شاء والاصح ما ذكرنا هنا فانه نص في الجامع على أنه قولهم جميعا ولو كان الابن هو المشترى للدار من أبيه وأجنبى شفيعها فان كان اشتراها بمثل القيمة فلا شفعة للشفيع فيها في قول أبى حنيفة وفي قولهما للشفيع فيها الشفعة وهذا بناء على أن بيع المريض من وارثه بمثل قيمته لا يجوز في قول أبى حنيفة ويجوز في قولهما لانه ليس في تصرفه ابطال حق الورثة عن شئ مما تعلق حقهم به وهو المالية والوارث والاجنبي في مثل هذا التصرف سواء كما لو أعانه ببدنه يوضحه أنه ممنوع من الوصية للوارث كما أنه ممنوع من الوصية بما زاد على الثلث للاجنبي ثم البيع بمثل القيمة من المريض صحيح في حق الاجنبي في جميع ماله ولا يكون ذلك وصية بشئ فكذلك مع الوارث يوضحه أنه إذا كان عليه دين مستغرق فباع بعض ماله من آخر بمثل قيمته يجوز وهو ممنوع في هذه الحال من الوصية بشئ من ماله ثم لم يجعل بيعه بمثل قيمته وصية منه فكذلك في حق الوارث وأبو حنيفة يقول آثر بعض ورثته بعين من أعيان ماله بقوله وهو محجور عن ذلك لحق سائر الورثة كما لو أوصى بأن يعطى أحد ورثته هذه الدار بنصيبه من الميراث وهذا لان حق الورثة يتعلق بالعين فيما بينهم كما يتعلق بالمالية وعلى هذا لو أراد بعضهم أن يجعل شيئا لنفسه بنصيبه من الميراث لا يملك ذلك الا برضا سائر الورثة فكما أنه لو قصد إيثار البعض بشئ من ماله رد عليه قصده فكذلك إذا قصد ايثاره بالعين وهذا لان للناس في الاعيان أغراضا فقد يفتخر الانسان بخطه اياه فوق ما يفتخر بكثرة ماله وانما نفى الشرع وصية المريض لبعض الورثة دفعا للغضاضة عن سائر الورثة وذلك المعنى
[ 151 ] يتحقق هنا فلهذا يمتنع بيعه منه بمثل قيمته وباكثر بخلاف الاجنبي فانه غير ممنوع من التصرف مع الاجنبي فيما يرجع إلى العين وانما يمنع من ابطال حق الورثة عن ثلثى ماله وليس في البيع بمثل القيمة من الاجنبي ابطال حق الورثة عن شئ من ماله والدليل على الفرق ان اقرار المريض للاجنبي بالدين أو بالعين واقراره باستيفاء الدين منه صحيح في حق الورثة وشئ من ذلك لا يصح مع الوارث ويجعل وصية منه فكذلك البيع بمثل القيمة وهذا بخلاف بيعه من الاجنبي إذا كان عليه دين مستغرق لان المنع لحق الغرماء وحقهم في ديونهم لافي عين مال المريض ألا ترى أن للوارث أن يستخلص العين لنفسه بقضاء الدين من مال آخر فإذا لم يكن في البيع بمثل القيمة ابطال حقهم عن شئ مما تعلق به حقهم كان صحيحا بخلاف ما نحن فيه والدليل على الفرق أنه لو كان باع عينا في صحته من أجنبي ثم أقر باستيفاء الثمن منه في مرضه صح اقراره في حق الغرماء وبمثله لو باعه من دار به لم يصح اقراره باستيفاء الثمن منه في مرضه في حق سائر الورثة والفرق ما ذكرنا إذا عرفنا هذا فنقول عند أبى حنيفة لاشفعة للشفيع لان البيع فاسد وعند أبى يوسف ومحمد لما صح البيع كان للشفيع أن يأخذها بالشفعة ولو كان باعها من ابنه بالفى درهم وقيمتها ثلاثة آلاف فلا اشكال عند أبى حنيفة أن البيع فاسد ولا شفعة للشفيع وعندهما للشفيع أن يأخذها بثلاثة آلاف درهم ان شاء في رواية كتاب الشفعة لان الشفيع قائم مقام المشتري وقد كان للابن أن يزيل المحاباة ويأخذها بثلاثة آلاف ان شاء فكذلك للشفيع أن يأخذها بذلك وذكر في موضع آخر أن الشفيع لا يأخذها بالشفعة هنا لان عندهما بيع المريض من وارثه انما يجوز باعتبار أنه لاوصية في تصرفه وفي البيع بالمحاباة وصية ألا ترى أنه لو حصل مع أجنبي آخر كان معتبرا من الثلث ولاوصية لوارث فكان البيع فاسدا ولا شفعة في البيع الفاسد وبان كان المشتري يتمكن من ازالة المفسد فذلك لا يوجب الشفعة للشفيع كما لو اشتراها بشرط أجل فاسد أو خيار فاسد وقد روي عن أبى يوسف أن للشفيع أن يأخذها بالقيمة لانه يتقدم على المشتري شرعا فيجعل كأن البيع من المريض كان منه بهذا الثمن والاصح ما ذهب إليه أبو حنيفة فان نفس البيع وصية ألا ترى انه لو أوصى بان تباع داره من فلان بمثل قيمتها يجب تنفيذ الوصية بعد موته إذا طلب الموصي له وان الموصي له بالبيع يزاحم سائر أصحاب الوصايا فإذا ثبت ان نفس البيع وصية وقد نفى رسول الله ﷺ الوصية للوارث قلنا لا يجوز منه البيع أصلا وإذا اشترى
[ 152 ] المريض دارا بألفى درهم وقيمتها ألف درهم وله سوى ذلك ألف درهم ثم مات فالبيع جائز وللشفيع فيها الشفعة لانه انما حاباه بقدر الثلث وذلك صحيح منه في حق الاجنبي فيجب للشفيع فيها الشفعة ولو كان باع دارا بقيمتها أو أكثر ووارثه شفيعها فلا شفعة له في قول أبى حنيفة لان بيعه من الوارث لا يجوز عند أبى حنيفة وكذلك بيعه من الاجنبي لا يكون مثبتا حق الاخذ بالشفعة للوارث وعند أبى يوسف ومحمد للوارث أن يأخذها بالشفعة لانه لو باعها منه بذلك الثمن جاز البيع فكذلك إذا باعها من أجنبي آخر والوارث شفيعها لان الشفيع يتقدم على المشترى في تملكها بالسبب الذي باشره المشترى إذا أخذها بالشفعة وان باعها بالفين وقيمتها ثلاثة آلاف درهم وشفيعها أجنبي فله أن يأخذها بالفين لان المحاباة بقدر الثلث وذلك صحيح منه في حق الاجنبي فان قيل كيف يأخذها الشفيع بالفين والوصية كانت منه للمشتري دون الشفيع ومن أوصى لانسان بشئ من ماله لا يجوز تنفيذ الوصية لغير من أوصى له به قلنا هو كذلك في وصية مقصودة فالوصية هنا لم تكن مقصودة وانما كانت في ضمن البيع ألا ترى انها لا تبقى بعد ما بطل البيع وفي حق البيع الشفيع صار مقدما على المشترى شرعا فكذلك فيما هو من متضمنات البيع ولما أوجب البيع له بما سمى من الثمن مع علمه أن الشفيع يتمكن من الاخذ بمثل ما اشترى به المشترى فكأنه أوجب الوصية بالمحاباة للمشترى ان سلم الشفيع له وللشفيع أن يأخذها بالشفعة وان كان للدار شفيعان أحدهما وارث فلا شفعة للوارث لانه لو لم يكن لها شفيع سواه لم يستحقها بالشفعة في هذا البيع فإذا كان معه شفيع آخر أولي أن لا يستحقها وإذا انعدمت مزاحتمه كان للاجنبي أن يأخذ الكل بالشفعة بمنزلة مالو سلم أحد الشفيعين شفعته وان باعها بالف درهم وهى تساوى ألفين وليس له مال غيرها قيل للمشترى ان شئت فخذها بثلثي الالفين وان شئت فدع لانه حاباه بنصف ماله ولا يمكن تنفيذ المحاباة الا في مقدار الثلث والمشتري يتمكن من ازالة المانع بان يلتزم إلى تمام ثلثى الالفين الا أنه يتخير في ذلك لانه يلزمه زيادة في الثمن لم يرض بالتزامها فان شاء فسخ البيع لاجله ولا شئ له لان الوصية كانت في ضمن البيع وقد بطل البيع وان شاء التزم ذلك فيسلم له الوصية بقدر الثلث كما لو كان اشتراها في الابتداء بثلثي الالفين وأى ذلك فعل كان للشفيع فيها الشفعة اما عند إمضاء البيع فلا اشكال وأما عند الرد فلان البيع كان صحيحا موجبا للشفعة حتى إذا ظهر للميت مال آخر فالبيع سالم للمشتري وباعتبار صحة البيع
[ 153 ] وجبت الشفعة للشفيع ثم الرد من المشترى يعمل في ابطال حقه لافي ابطال حق الشفيع كما لو تفاسخا البيع ولكن الشفيع يأخذها بثلثي الالفين لانها ما كانت تسلم للمشتري الا بهذا القدر من الثمن فكذلك الشفيع وان باعها بالفين إلى أجل وقيمتها ثلاثة آلاف فالاجل باطل لان المحاباة بالقدر استغرقت ثلث المال فلا يمكن تنفيذ الوصية بالاجل في شئ ولكن يتخير المشترى بين أن يفسخ البيع أو يؤدى الالفين حالة ليصل إلى الورثة كمال حقهم وأى ذلك فعل فللشفيع أن يأخذها بالشفعة لانه قائم مقام المشتري في حكم هذا البيع كما في الفصل الاول وهذا أظهر من ذلك فالاجل في الثمن لا يثبت في حق الشفيع وقد بينا أن خيار المشترى لايمنع وجوب الشفعة للشفيع وان باعها بثلاثة آلاف إلى سنة وقيمتها ألفان قيل للمشتري ان شئت فعجل ألفين وان شئت فدع في قول أبى يوسف وهو قياس قول أبى حنيفة وقال محمد ان شاء عجل ثلثى قيمتها ويكون الباقي عليه إلى أجل وان شاء تركه وقد تقدم بيان نظير هذه المسألة في كتاب العتاق وذكرنا أن من أصل محمد أن تأجيل المريض صحيح مطلقا فيما له أن لا يتملكه أصلا كما في الصداق وبدل الصلح عن القصاص وعند أبى يوسف جميع المسمى مملوك بازاء مال تعلق به حق الورثة فلا يصح تأجيله فيه ألابقدر الثلث لان التأجيل بمنزلة الاسقاط من حيث أن الحيلولة تقع بين الورثة وبين المال في الحال بسبب الاجل ولهذا لو رجع شهود التأجيل ضمنوا كما تضمن شهود الابراء فعلى ذلك الاصل تنبنى هذه المسألة وقد قررنا هذا الكلام فيما أمليناه من شرح الجامع في هذه المسألة بعينها وأما الشفيع فالاجل لا يثبت في حقه ولكنه بالخيار ان شاء عجل المال كله وأخذ الدار كله وان شاء كف حتى يحل المال وقد بينا هذا في الصحيح ببيع داره بثمن مؤجل أن الاجل لا يثبت في حق الشفيع فهو مثله في حق المريض وإذا باع المريض دارا أو حابى فيها ثم برأ من مرضه والشفيع وارثه فان لم يكن علم بالبيع حتى الان فله أن يأخذها بالشفعة لان المرض إذا تعقبه برأ فهو بمنزلة حال الصحة وان كان قد علم بالبيع وقد بطلت الشفعة حتى برأ من مرضه فلا شفعة له لان السبب الموجب للشفعة له البيع وقد سكت عن الطلب بعد ما علم بالسبب فتبطل شفعته به وان لم يكن متمكنا من الاخذ عند ذلك كالجار إذا سكت عن الطلب بعد علمه بالبيع لمكان الشريك ثم سلم الشريك لم يكن له أن يأخذ بالشفعة فهذا مثله والله أعلم بالصواب
[ 154 ] (باب تسليم الشفعة) (قال رحمه الله وإذا سلم الشفيع الشفعة بعد وقوع البيع والمشترى حاضر أو غائب فتسليمه جائز) لانه أسقط الحق الواجب له والاسقاط يتم بالمسقط وأنه تصرف منه على نفسه ولا يتعدى تصرفه إلى محل وهو حق غيره ولهذا لا يشترط القبول فيه من غيره وكذلك ان ساوم الشفيع المشترى بالدار لانه ساومه بها ليشتريها منه ابتداءا وذلك دليل الرضا بتقرر ملكه فيها وكذلك لو سأله أن يوليها إياه لان حاجته إلى ذلك بعد سقوط حقه في الاخذ بالشفعة فالتماسه دليل اسقاط شفعته ودليل الاسقاط كصريحه وكذلك ان قال المشترى للشفيع أنفقت عليها كذا في بنائها وإنى أوليكها بذلك وبالثمن فقال نعم فهو تسليم منه لان قوله نعم في موضع الجواب فيصير ما تقدم من الخطاب كالمعاد فيه ومعناه ولنى بذلك وإذا وكل وكيلا بطلب الشفعة فسلم الوكيل الشفعة أو أقر بأن موكله قد سلم الشفعة فنقول أما عند أبى حنيفة يصح ذلك منه في مجلس القضاء ولا يصح في غير مجلس القضاء وكان أبو يوسف يقول أولا لا يصح ذلك منه في مجلس القضاء وفي غير مجلس القضاء وهو قول زفر ثم رجع فقال اقراره على الموكل بالتسليم صحيح في مجلس القضاء ومحمد يقول في اقراره على الموكل بالتسليم بقول أبى حنيفة وقال يجوز تسليم الشفعة في مجلس القضاء ولايجوز في غير مجلس القضاء ذكر قوله هذا في كتاب الوكالة ولا يحفظ جواب أبى يوسف الآخر فيما إذا أسلم الوكيل الشفعة وقيل ذلك صحيح منه كما يصح اقراره على الموكل بالتسليم وأصل المسألة في كتاب الوكالة فان الوكيل بالخصومة إذا أقر على موكله في القياس لا يجوز اقراره وهو قول زفر وأبى يوسف وفي الاستحسان يجوز اقراره في مجلس القاضي وهو قول أبى حنيفة ومحمد وفي قول أبى يوسف الآخر اقراره صحيح في غير مجلس القاضي وفي مجلس القاضي كاقرار الموكل فالوكيل بطلب الشفعة وكيل الخصومة فإذا أقر على موكله بالتسليم كان على هذا الخلاف فاما إذا سلم بنفسه فمن أصل أبى حنيفة وأبى يوسف أن من ملك طلب الشفعة والخصومة فيها يصح تسليمة الا أن الوكيل قائم مقام الموكل في الخصومة ومجلس الخصومة مجلس القاضى فيصح تسليمه في مجلس القاضى عند أبى حنيفة وفي قول أبى يوسف الوكيل قائم مقام الموكل فيصح منه التسليم في مجلس القاضى وغير مجلس القاضى وعند محمد وزفر لا يصح منه التسليم أصلا لان ذلك ضد ما فوض إليه فانه أمر باستيفاء الحق لا باسقاطه الحق
[ 155 ] وأصل هذه المسألة في الاب والوصى إذا سلما شفعة الصبي جاز ذلك عند أبى حنيفة وأبى يوسف وليس للصبي أن يطالب بحقه بعد البلوغ لانهما قاما مقامه في استيفاء حقه والاسقاط ضد الاستيفاء فلا يثبت لهما الولاية في الاسقاط كالابراء عن الدين والعفو عن القصاص الواجب له وهذا لان تصرفهما مقيد بالنظر وليس في اسقاط حق الصبي معنى النظر له ولان حق الاخذ بالشفعة يثبت شرعا لدفع الضر فيهما بالاسقاط كأنهما يلزمانه الضرر وأبو حنيفة وأبو يوسف قالا تسليم الشفعة ترك الشراء والاب والوصي كما يجوز منهما الشراء على الصبي يجوز ترك الشراء ألا ترى أنه لو أوجب صاحب الدار البيع فيها من الصغير فرده الاب والوصي صح ذلك منهما وبيان الوصف أن الشفيع بالاخذ يتملك العين بالثمن وهذا هو الشراء وتأثيره أن في تسليم الشفعة يبقى أحد العوضين على ملك الصبي وهو الثمن فان كان فيه اسقاط حقه فهو اسقاط بعوض يعد له فلا يعد ذلك ضررا كبيع ماله بخلاف الابراء عن الدين واسقاط القود يوضحه أنه لو أخذها بالشفعة ثم باعها من هذا الرجل بعينه جاز ذلك فكذلك إذا سلمها إليه بل أولى لانه إذا أخذها ثم باعها منه تتوجه العهدة فيها على الصغير وفي التسليم لا تتوجه عليه العهدة وإذا ثبت هذا قلنا سكوت من يملك التسليم عن الطلب بمنزلة التسليم فإذا سكت الاب والوصى عن طلب الشفعة من الاجنبي فذلك مبطل لحق الصبي في قول أبى حنيفة وأبى يوسف بمنزلة تسليمها وفي قول محمد وزفر لا يبطل حق الصبي ولو اشترى الاب للصبي دارا وهو شفيعها فله أن يأخذها بالشفعة عندنا وقال زفر ليس له ذلك وهو بناء على شراء الاب مال الصبي لنفسه وان كان مكان الاب وصيا لم يملك أخذها لنفسه بالشفعة لان ذلك بمنزلة الشراء منه والوصى لا يشترى مال اليتيم لنفسه بمثل القيمة ولو اشترى الاب لنفسه دارا والصبي شفيعها فليس للصبى إذا بلغ أن يأخذها بالشفعة لان الاب متمكن من الاخذ فسكوته يكون مبطلا شفعة الصبي بخلاف مااذا باع الاب دارا والصبي شفيعها لان البائع لا يملك الاخذ بالشفعة والسكوت عن الطلب ممن يملك الاخذ يكون مبطلا للشفعة فاما ممن لا يملك الاخذ لا يكون مبطلا ولو كان المشترى اشترى الدار باكثر من قيمتها بما لا يتغابن الناس في مثله والصبي شفيعها فسلم الاب ذلك من أصحابنا من قال يصح التسليم هنا عند محمد وزفر لما فيه من النظر للصبي والاصح أنه لا يصح التسليم عندهم جميعا لانه لا يملك الاخذ لكثرة الثمن وسكوته عن الطلب وتسليمه انما يصح إذا كان مالكا للاخذ
[ 156 ] فيبقى الصبي على حقه إذا بلغ وتسليم أحد المتعاوضين شفعة صاحبه في دار له خاصة من ميراث جائز لان الاخذ بالشفعة شراء والمتعاوضان في ذلك كشخص واحد لان كل واحد منهما في ذلك قائم مقام صاحبه فيصح تسليمه ألا ترى أنه لو أخذ بالشفعة كانت الدار بينهما وكان الثمن عليهما فكما يجعل أخذ أحدهما في الحكم كاحدهما فكذلك التسليم ولو كان المضارب هو الشفيع بدار من المضاربة فيها ربح وليس في يده من مال المضاربة غيرها فسلم المضارب الشفعة كان لرب المال أن يأخذها لنفسه وان سلم رب المال كان للمضارب أن يأخذها لنفسه لان المضارب لا يأخذها بالشفعة للمضاربة فانه يكون ذلك استدانة على المضاربة والمضارب لا يملك ذلك فيبقى حق كل واحد منهما في الاخذ لنفسه بحكم الجوار لان المضارب شريك في دار المضاربة إذا كان فيها ربح وإذا بيعت دار بجنب الدار المشتركة فلكل واحد من الشريكين فيها الشفعة وتسليم أحدهما يصح في حق نفسه دون حق شريكه ولو باع المضارب دارا من المضاربة ورب المال شفيعها فلا شفعة له لان المضارب في بيعها عامل لرب المال ألا ترى أنه لو لحقه في ذلك عهدة رجع على رب المال ولا شفعة لمن وقع البيع له وكذلك لو باعها رب المال وهى من المضاربة وفي يد المضارب دار أخرى من المضاربة وهو شفيعها لم يكن له فيها شفعة لانه لو أخذها أخذها لرب المال فان الاصل في مال المضاربة حق رب المال ورب المال بائع لا يملك الاخذ بالشفعة فكذلك لا يأخذ غيره له بالشفعة ولو باع المضارب دارا من غير المضاربة كان لرب المال أن يأخذها بالشفعة بدار من المضاربة وتكون له خاصة دون المضارب لان المضارب في بيع داره من غير المضاربة عامل لنفسه لا لرب المال فهو في ذلك كاجنبي آخر وباعتبار دار المضاربة رب المال جار للدار فله أن يأخذها بالشفعة والاخذ بمنزلة الشراء ولو اشتراها كانت له خاصة دون المضاربة ولو باع رب المال دارا له خاصة والمضارب شفيعها بدار من المضاربة فان كان فيها ربح فله أن يأخذها لنفسه لانه جار باعتبار شركته في الربح وهو في الاخذ لنفسه غير عامل لرب المال فيكون في ذلك كاجنبي آخر وان لم يكن فيها ربح لم يأخذها لانه لو أخذها أخذها للمضاربة ففى مال المضاربة حق رب المال هو الاصل ورب المال هو البائع فكما لا يثبت للبائع حق الاخذ بالشفعة فكذلك لا يأخذ الغير له وإذا باع المفاوض دارا له خاصة من ميراث وشريكه شفيعها بدار له خاص من ميراث فلا شفعة له فيها لانه لو أخذها كانت بينهما بمنزلة مالو اشتراها
[ 157 ] وإذا كان بائعها شريكه لو ثبت لواحد منهما فيها شفعة كانت ثابتة للبائع لانهما فيما يأخذان بالشفعة كشخص واحد وإذا وجبت الشفعة للعبد المأذون فسلمها فهو جائز ان كان عليه دين أولم يكن عليه دين لان هذا بدل الشراء وهو من صنيع التجار ثم هو اسقاط حق بعوض يعد له فان الثمن يبقى كسبا له وان سلمها مولاه جاز ان لم يكن عليه دين لان العبد لو أخذها تصير مملوكة للمولى وهو من هذا الوجه كالنائب عنه فيصح التسليم من المولى كما يصح من الموكل وان كان عليه دين لم يجز تسليم المولى عليه لان العبد في الاخذ عامل لغرمائه للمولى والمولى من كسب عبده المديون كسائر الاجانب ألاتري أنه بعد الاخذ لو باعها المولى جاز بيعه إذا لم يكن عليه دين ولم يجز بيعه إذا كان على العبد دين فكذلك تسليمه وتسليم المكاتب شفعته جائز لانه منفك الحجر عنه فيما هو من صنيع التجار وقد بينا أن تسليم الشفعة من صنيع التجار كالاخذ بالشفعة وتسليم المرتد شفعته جائز أيضا وذكر في بعض نسخ الاصل إذا مات أو قتل على ردته أو لحق بدار الحرب فهو باطل في قياس قول أبى حنيفة وهذا لا معنى له لان الشفعة لا تورث فلا يقوم وارثه مقامه في الاخذ بالشفعة وبهذا الطريق يقول لا يتوقف فيه تسليم الشفعة بخلاف سائر التصرفات لانه لا فائدة في هذا التوقف ان أسلم فتسليمه صحيح وان مات فالشفعة لا تورث الا أن يكون موضوع هذا فيما إذا كان اشترى المرتد دارا فطلبها الشفيع بالشفعة فسلمها إليه فهذا يتوقف منه عند أبى حنيفة بمنزلة بيعه وإذا اشتري دارا بعبد وسلم الشفيع الشفعة ثم رأى صاحب الدار العبد فلم يرضه ورده وأخذ داره وقد كان دفعها أو لم يدفعها فلا شفعة للشفيع في ذلك لان الرد بخيار الرؤية فسخ من الاصل ولهذا ينفرد به الراد من غير قضاء ولارضاء والشفعة تجب بالعقود لا بالفسوخ وما كان وجب له بالعقد فقد أسقطه ولو اشترى دارا لم يرها ثم بيعت دار بجنبها فاخذها بالشفعة لم يسقط به خيار رؤيته في الدار المشتراة بخلاف خيار الشرط لانه أخذه اياها بالشفعة بمنزلة التصريح باسقاط خياره والتصريح باسقاط خيار الشرط صحيح من المشترى وباسقاط خيار الرؤية باطل قبل أن يراها فكذلك إذا أخذ دار بالشفعة بيعت بجنبها وإذا اشترى المضارب دارين بمال المضاربة وهو ألف درهم تساوى كل واحد منهما ألف درهم فبيعت دار إلى جنب أحدهما فلا شفعة للضارب فيها فالشفعة لرب المال لان كل واحدة منهما مشغولة برأس المال والمضارب شريك في الربح ولاربح في واحدة منهما فلا يأخذها
[ 158 ] المضارب بالشفعة وهذا لان الدور لا تقسم قسمة واحدة لما فيها من التفاوت في المنفعة فتعتبر كل واحدة منهما على الانفراد ألا ترى أنه لو كان مكان الدارين عبدين لم ينفذ عتق المضارب في واحد منهما ولو كان في احديهما ربح كان له الشفعة مع رب المال لانه شريك فيها بحصته من الربح وإذا سلم الشفيع الشفعة على أن يعطى نصف الدار بنصف الثمن فهو جائز على ما اشترط لانه أسقط بعض حقه واستوفى البعض وذلك صحيح عند تراضيهما اعتبارا للبعض بالكل وان اشترى بيتا بعينه لنفسه فهذا باطل لجهالة حصة البيت من الثمن ويأخذ لدار كلها أو يدع لانه بما صنع غير مسلم شفعته بل هو مظهر رغبته فيما يحتاج إليه منها فيكون على شفعته فيها وإذا شهد شاهدان على تسليم الشفعة واختلفا في الوقت والمكان فالشهادة جائزة لان تسليم الشفعة قول يعاد ويكرر فاختلاف الشاهدين في المكان والزمان لا يوجب اختلافا بينهما في المشهود به وإذا سلم الشفعة في منزل وهو شريك في الطريق على أن يأخذ نصف المنزل بنصف الثمن فذلك جائز لما بينا أنه أسقط بعض حقه واستوفى البعض وذلك جائز بتراضيهما وللجار أن يأخذ النصف الآخر بالشفعة لان حق الجار كان ثابتا في جميع المنزل الا أن الشريك في الطريق كان مقدما عليه ففيما أسقط الشريك حقه زال المانع فللجار أن يأخذه كما لو سلم في جميع المنزل وإذا اشترى الرجل دارا فسلم الشفيع الشفعة ثم أقر المشترى أن البيع كان يلجئة لم يكن للشفيع في ذلك شفعة لان هذا اقرار منه بفساد البيع الاول من الاصل بخلاف الاقالة فانه يتضمن معنى المبادلة ابتداء وباعتباره تجب الشفعة ألا ترى انه لو فسخ البيع من الاصل بخيار الرؤية أو الشرط لم يتجدد به حق الشفيع بعد ما سلم الشفعة فإذا أقر بفساد البيع من الاصل أولى وإذا سلم الشفيع الشفعة في هبة بعوض بعد التقابض ثم أقر البائع والمشترى أنها كانت بيعا بذلك العوض لم يكن للشفيع فيها الشفعة لان الهبة بشرط العوض بعد التقابض بمنزلة البيع في حق الشفعة فكان التسليم صحيحا من الشفيع سواء أقر في البيع انه كان هبة بعوض أو في الهبة بشرط العوض انه كان بيعا وان سلمها في هبة بغير عوض ثم تصادقا انها كانت بشرط عوض أو كانت بيعا فللشفيع أن يأخذها بالشفعة لانه لم يوجد منه الرضا بسقوط حقه ولكنه ترك الطلب أو سلم بناء على أن الشفعة لم تجب له فإذا ظهر أنها كانت واجبة له فهو على حقه في الشفعة وإذا وهب الرجل دارا على عوض بألف درهم فقبض أحد العوضين دون الآخر ثم سلم الشفيع الشفعة فهو
[ 159 ] باطل حتى إذا قبض العوض الآخر كان له أن يأخذ الدار بالشفعة لانه أسقط حقه قبل الوجوب فالهبة بشرط العوض انما تصير كالبيع بعد التقابض وتسليم الشفعة قبل تقرر سبب الوجوب باطل كما لو سلمها قبل البيع وإذا وهب الرجل لرجلين دارا على عوض ألف درهم وتقابضوا فذلك باطل في قول أبى حنيفة جائز في قولهما لان الشيوع في الهبة بشرط العوض كهو في الهبة بغير عوض وقد بينا هذا الخلاف في الهبة من رجلين بغير عوض في كتاب الهبة (فكذلك في) الهبة بشرط العوض ولو وهب رجلان من رجل دارا على ألف درهم وقبضا منه الالف مقسومة بينهما وسلما إليه الدار جاز ذلك وللشفيع فيها الشفعة لانعدام الشيوع في الدار فالملك فيها واحد وانعدام الشيوع في الالف حين قبض كل واحد منهما نصيبه مقسوما ولو كانت الالف غير مقسومة لم يجز في قول أبى حنيفة لان الشيوع فيما يحتمل القسمة يمنع صحة التعويض كما يمنع صحة الهبة والالف محتمل للقسمة وإذا اشترى الرجل دارين صفقة واحدة وشفيعهما واحد فاراد أخذ إحديهما دون الاخرى فليس له ذلك وكذلك لو كانت أرضين أو قرية وأرضها أو قريتين وأرضيهما وهو شفيع ذلك كله بارض واحدة أو بارضين أو بدار واحدة أو بدور فانما له أن يأخذ ذلك كله أو يدع وقال زفر له أن يأخذ أحديهما دون الاخرى والدور المتلازقة وغير المتلازقة في مصر واحد أو مصرين في ذلك سواء بعد أن يكون ذلك صفقة واحدة فزفر يقول يثبت له حق الاخذ في كل واحدة منهما وليس في أخذ احديهما ضرر على المشتري لان احديهما تنفصل عن الاخرى فهو كما لو كان العقد في كل واحدة منهما صفقة على حدة ولكنا نقول المشترى ملكهما صفقة واحدة وفي أخذ احديهما تفريق الصفقة عليه وكما لا يملك المشترى في حق البائع تفريق الصفقة بقبول العقد في احديهما دون الاخرى فكذلك لا يملك الشفيع ذلك في حق المشترى بخلاف مااذا كان العقد في صفقتين وهذا لان الانسان قد يشترى دارين ورغبته ومنفعته في احديهما فإذا أخذ الشفيع تلك دون الاخرى تضرر المشتري باختيار الشفيع والشفيع لا يملك الحاق الضرر بالمشترى فيما يأخذ بالشفعة ولم يذكر في الكتاب أنه إذا كان شفيعا لاحديهما دون الاخرى فكان أبو حنيفة أولا يقول في هذه المسألة له ان يأخذهما جميعا أو يدع لان الشفعة تثبت له في احديهما ولو أخذها وحدها تفرقت الصفقة على المشترى فيثبت حقه في الاخرى حكما لدفع الضرر عن المشترى ثم رجع فقال لا يأخذ
[ 160 ] واحدة منهما لانه لا يمكن اثبات الشفعة له في احديهما بدون السبب وفي الاخرى لما فيه من تفريق الصفقة على المشترى ثم رجع فقال يأخذ الذي هو شفيعها خاصة وهو قول أبى يوسف ومحمد بمنزلة مالو اشتري عبدا ودارا صفقة واحدة كان للشفيع أن يأخذ الدار بالشفعة دون العبد وهذا لان تفرق الصفقة هنا لم يكن باختيار الشفيع بل هو بمعنى حكمي وهو أنه لم يتمكن من احديهما لانعدام السبب في احديهما بخلاف ما إذا كان شفيعا لهما جميعا والله أعلم بالصواب (باب شفعة أهل البغى) (قال رحمه الله الباغى والعادل في استحقاق الشفعة وتسليمها سواء) لان أهل البغى مسلمون وهم من جملة أهل دار الاسلام وقد بينا أن لاهل الذمة الشفعة في دار الاسلام وأنهم في ذلك كالمسلمين فاهل البغى في ذلك أولى الا أن العادل في عسكر أهل العدل والباغى في عسكر أهل البغى فكان بمنزلة الغائب ان علم فلم يبعث وكيلا بطلت شفعة وان لم يعلم حتى اصطلحوا فهو على شفعته إذا علم وإذا كان الشفيع في غير المصر الذي فيه الدار المبيعة فجاء إلى هذا المصر فطلب الشفعة وأشهد عليها ولم يقصد البلد الذي فيه البائع والمشتري فهو على شفعته لانه أتى بما يحق عليه وهو عاجز عن اتباعهما مع أنه لا فائدة له في ذلك لانه انما يتمكن من الاخذ في الموضع الذي فيه المبيع وكذلك ان قصد المصر الذي فيه البائع والمشترى فطلب الشفعة وأشهد ولم يقصد المصر الذي فيه الدار فهو على شفعته وحاصل الكلام أنه بعد طلب المواثبة عليه أن يأتي بطلب التقرير وذلك بالاشهاد عند الدار وعند المشترى أو البائع ان كانت الدار في يده وان كان قد سلمها فقد خرج البائع من الوسط ثم عند اختلاف الامصار والقري عليه أن يأتي أقرب الثلاثة منهم فيشهد فان ترك الاقرب وجاء إلى الابعد بطلت شفعته كما لو ترك الطلب بعد العلم بالبيع حتى قام عن مجلسه وإذا كانوا في مصر واحدة فان ترك الاقرب وأتى الا بعد فاشهد عنده ففى القياس كذلك تبطل شفعته لان القليل من الاعراض والكثير في الحكم سواء وفي الاستحسان لا تبطل شفعته لان المصر في حكم مكان واحد ولهذا لو شرط في السلم التسليم في المصر يكفى وإذا اتخذ المكان حكما فلا معتبر بالاقرب والابعد في ذلك وإذا اشترى رجل من أهل البغى دارا من
[ 161 ] رجل في عسكره والشفيع في عسكر أهل العدل لايستطيع أن يدخل في عسكر البغى فلم يطلب بعد العلم بالشراء أو لم يبعث وكيلا فلا شفعة له لانه كان متمكنا من أن يبعث وكيلا فان كان لا يقدر على أن يبعث الوكيل أو على أن يدخل فله الشفعة لانه ما ترك الطلب بعد التمكن منه فهو بمنزلة ترك الطلب قبل أن يعلم بالبيع ألا ترى أنهم لو كانوا في غير عسكر ولا حزب غير أن الشفيع في بلد آخر وبينهما قوم محاربون فلم يقدم وهو يقدر على أن يبعث وكيلا يأخذ الشفعة أبطلت شفعته أرأيت لو كان بينهما نهر مخوف أو أرض مسبعة كنت أجعله على شفعته وقد ترك الطلب بعد ما تمكن من ذلك بنفسه أو بوكيل يبعثه في هذا كله تبطل شفعته بالاعراض عن الطلب والله أعلم بالصواب (باب الوكالة في الشفعة) (قال رحمه الله ويجوز للشفيع أن يوكل بطلب الشفعة والخصومة فيها وكيلا كما يجوز أن يوكل بطلب سائر حقوقه فقد يحتاج إلى التوكيل في ذلك لقلة هدايته في الخصومات أو لكثرة اشتغاله ولا يقبل من وكيله البينة على الوكالة الا وخصمه معه) لانه يقيم البينة ليقضى له بالوكالة ولا يقضي ببينة قامت لا على خصم حاضر وإذا أقر المشتري بشراء الدار وهى في يده وجبت الشفعة للشفيع فيها وخصمه الوكيل ولا أقبل من المشترى بينة انه اشتراها من صاحبها إذا كان صاحبها غائبا لان القضاء عليه بالشفعة باقراره لا يكون قضاء على الغائب بالبيع فان من في يده عين إذا أقر بحق فيه لغيره قضى عليه باقراره والوكيل الذي حضر ليس بخصم عن صاحب الدار فالقضاء على الغائب بالبينة لا يجوز الا بمحضر من الخصم حتى إذا أجرت الدار فانكر ذلك أبطلت البيع والشفعة وردت الدار عليه لتصادقهم على أن أصل الملك كان له بعد أن يحلف بالله ما باعه الا أن تقوم عليه بينة بمحضر منه وهذه البينة مقبولة من الشفيع والمشترى جميعا لان المشتري يثبت عقده بالبينة والشفيع يثبت حقه في الشفعة وإذا طلب وكيل الشفيع له الشفعة فقال المشتري أريد يمين الشفيع ما سلم لى فانه يقضى عليه بالدار بهذا ويقال له انطلق فاطلب يمين الامر وعن أبى يوسف قال لا يقضي بها حتى يحضر الشفيع ويحلف وهذه ثلاثة فصول (أحدهما) مابينا (والثاني) وكيل صاحب الدين إذا طالب المديون بايفاء الدين وقال المديون أريد يمين الموكل ما أبرأنى فانه يقضى عليه بالمال ويقال له انطلق
[ 162 ] فاطلب يمين الطالب (والثالث) وكيل المشترى إذا أراد الرد بالعيب فقال البائع أريد يمين الموكل ما رضى بالعيب فله ذلك ولا يرد حتى يحضر المشترى فيحلف فابو يوسف يجعل مسألة الشفعة نظير مسألة العيب لان في فصل الشفعة قضاء بالملك والعقد فان الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء كما أن الرد بالعيب قضاء بفسخ العقد واعادة المبيع إلى ملك البائع وفي ظاهر الرواية سوى بين الشفعة وقضاء الدين لان بالتسليم سقط الحق بعد الوجوب ولا ينعدم السبب كما في الابراء عن الدين بخلاف الرد بالعيب فهناك ينعدم السبب المثبت لحق الرد وهو حق المشترى في المطالبة بتسليم الجزء الفائت يوضح الفرق أن هناك لو فسخ العقد نفذ قضاؤه بالفسخ لقيام السبب وهو العيب فيتضرر به البائع ضرر لا يمكنه دفعه عن نفسه لانه لا يطالب المشترى باليمين بعد ذلك لخلوه عن الفائدة فانه وان نكل لا يعود العقد وفي مسألة قضاء الدين لو أمر المديون بقضاء الدين لا يتضرر بذلك ضررا ابطال حقه في اليمين بل هو على حقه من استحلاف الطالب ومتى نكل رد عليه المال وكذلك في مسألة الشفعة فالمشترى لا يتضرر بالقضاء بالشفعة من حيث ابطال حقه في اليمين بل هو على حقه في استحلاف الشفيع وإذا نكل رد عليه الدار فلهذا لا يتأخر القضاء بالشفعة لاجل يمين الموكل وإذا قضي القاضي للوكيل بالشفعة فأبى المشترى أن يكتب له كتاب كتب القاضي بقضائه كتابا وأشهد عليه الشهود كما أنه يقضي له بالشفعة وان كان المشترى ممتنعا من التسليم والانقياد له فكذلك يكتب له حجة بقضائه ويشهد على ذلك نظرا له وإذا كان في سائر الخصومات يعطى القاضى المقضى له سجلا إذا التمس ذلك ليكون حجة له فكذلك في القضاء بالشفعة يعطيه ذلك وإذا أقر المشترى بالشراء وقال ليس لفلان فيها شفعة سألت الوكيل البينة عن الحق الذي وجبت له بالشفعة من شركة أو جوار لانه لا يتوصل إلى اثبات حق الموكل الا باثبات سببه فإذا أقامها قضيت له بالشفعة وذلك بان يقيم البينة على أن الدار التى إلى جنب الدار المبيعة ملك لموكله فلان فإذا أقام البينة أن الدار التى إلى جنب الدار المبيعة في يد موكله لم أقبل ذلك منه لان الملك لا يثبت له فيها بهذه البينة فلايدى تتنوع ولو علم القاضي انها في يده لم يقض له بالشفعة بذلك فكذلك إذا أثبت اليد بالبينة وأصل هذه المسألة ان المشترى أنكر كون الدار التى في يد الشفيع ملكا له ففى ظاهر الرواية لا يقضي القاضي للشفيع بالشفعة حتى يثبت ملكه بالبينة وعن أبى يوسف أن القول قول الشفيع في ذلك فيقضي له بالشفعة وهو قول زفر لان طريق معرفة الملك اليد ولهذا تجوز
[ 163 ] الشهادة بالملك لذي اليد باعتبار يده وكما أن القاضي لا يقضي الا بعلم فالشاهد لا يجوز أن يشهد إلا بعلم ثم باعتبار ظاهر اليد يجوز للشاهد أن يشهد بالملك فكذلك يجوز للقاضي أن يقضي بالملك لذي اليد وبقضائه بهذا يظهر استحقاق الشفعة وإذا كان يقضي لذي اليد بالملك إذا حلف مع وجود خضم ينازعه فيها ويدعيها لنفسه فلان يجوز له القضاء بذلك في موضع ليس هناك خصم يدعيها لنفسه أولى وجه ظاهر الرواية أن الملك باعتبار اليد يثبت من حيث الظاهر والظاهر حجة لدفع الاستحقاق لا للاستحقاق على الغير ولهذا جعلنا اليد حجة للمدعى عليه ليدفع بها استحقاق المدعى وحجة في حق الشاهد ليدفع بها استحقاق من ينازعه وحاجة ذى اليد هنا إلى اثبات الاستحقاق فيما في يد الغير والظاهر لا يكفي لذلك فلابد من أن يثبت الملك بالبينة وهو نظير مالو طعن المشهود عليه في الشاهد أنه عبد يحتاج إلى اقامة البينة على الحرية لان ثبوت حريته باعتبار الظاهر فلا يصلح للالزام وإذا وجد قتيل في دار انسان فانكر على عاقلته كون الدار له يحتاج إلى اثبات الملك بالبينة ليقضي بالدية على عاقلته فهذا نظيره (قال ولا أقبل في ذلك شهادة ابني الوكيل وأبويه وزوجته ولا شهادة ابني الموكل وأبويه وزوجته ولا شهادة المولى إذا كان الوكيل والموكل عبدا له أو مكاتبا) لانهم متهمون في ذلك فانهم يشهدون لحق الموكل ويثبتون حق الاخذ للوكيل فلهذا الا تقبل في ذلك شهادة الفريقين وان أقام البينة أن لفلان نصيبا من الدار ولم يبين كم هو لم أقض له بالشفعة لان القاضي لا يتمكن من القضاء بالمجهول فالنصيب المشهود به مجهول وما لم يقض له بالملك في الدار أو في بعضها لا يتمكن من القضاء بالشفعة فان قال المشترى حلف الوكيل ما يعلم أن صاحبه سلم الشفعة فلا يمين عليه لان التسليم مدعى على الموكل ولو استحلف الوكيل في ذلك كان بطريق النيابة ولا نيابة في الايمان وكذلك لو قال حلفه ما سلم هو لان تسليمه عند غير القاضي باطل فلا معنى للاستحلاف في دعوى تسليم باطل ولو شهد رجلان على الوكيل أنه سلم عند غير القاضى ثم عزل قبل أن يقضي عليه لم يجز ذلك لانهم شهدوا بتسليم باطل فان تسليم الوكيل الشفعة عند محمد باطل وعند أبى حنيفة لافي مجلس القضاء باطل وما يختص بمجلس القضاء إذا عزل القاضي قبل أن يقضي به فهو باطل وهو مالو وجد في غير مجلس القاضي في الحكم سواء كرجوع الشاهد عن الشهادة فانه كما لا يصح في غير مجلس القاضي فكذلك لا يصح أذا وجد في مجلس القاضي وعزل قبل أن يقضي به ولو أقر هذا الوكيل في مجلس هذا القاضي أنه سلم
[ 164 ] عند فلان القاضي ثم عزل أو انه سلم عند غير القاضي جاز ذلك عليه بمنزلة الرجوع عن الشهادة في قول أبى حنيفة ومحمد لان هذا يجعل بمنزلة ابتداء التسليم منه فان كان من أقر بشئ يملك إنشاءه يجعل كالمنشئ لذلك ومراده من ذكر قول محمد مسألة الرجوع لا مسألة تسليم الشفعة فقد بينا ان عند محمد تسليم الوكيل باطل وإذا شهد ابنا الوكيل أو ابنا الموكل أن الوكيل قد سلم الشفعة أجزت شهادتهما لانهما يشهدان على أبيهما ولايجوز شهادته ابني الموكل على الوكالة ولا شهادة ابني الوكيل لان ابني الوكيل يثبتان صدق أبيهما في دعوى الوكالة ويثبتان له حق الاخذ بالشفعة وابنى الموكل ينصبان نائبا عن أبيهما ليأخذ الدار بالشفعة وليس للوكيل بطلب شفعة في دار أن يخاصم في غيرها لان الوكالة تنفذ بالتقييد وقد بينا قيد الوكالة بالدار التى عينها وهو يثبت الوكيل فيه مناب نفسه وقد يرضي الانسان بكون الغير نائبا عنه في بعض الخصومات دون البعض ولو وكله بالخصومة في كل شفعة تكون له كان ذلك جائزا لانه عمم التوكيل والوكالة تقبل التعميم وله أن يخاصم في كل شفعة تحدث له كما يخاصم في كل شفعة واجبة له لعموم الوكالة بمنزلة التوكيل بقبض علاته ولا يخاصم بدين ولاحق سوى الشفعة لتقييد الوكالة بالشفعة الا في تثبيت الوكيل الحق الذي يطلب به الشفعة لانه لا يتوكل إلى الخصومة بالشفعة الا بذلك فتتعدي الوكالة إليه ضرورة وإذا وكل رجل رجلا يأخذ له دارا بالشفعة ولم يعلم الثمن فأخذها الوكيل بثمن كثير لا يتغابن الناس فيه بقضاء قاض أو بغير قضاء قاض فهو للموكل أما اعلام الثمن ليس بشرط في صحة التوكيل بالشراء مع أن ذلك لابد منه في الشراء فلان لا يشترط ذلك في التوكيل بالاخذ بالشفعة وهو ليس بالشرط في الاخذ بالشفعة أولى ثم الشفيع انما يأخذ الثمن الذي يملك المشترى الدار فيه فالتوكيل بالاخذ بمنزلة التنصيص على ذلك والوكيل ممتثل سواء كان بقضاء أو بغير قضاء قل الثمن أو كثر يوضحه أن الوكيل بالشراء إذا اشترى بأكثر من قيمته انما لا ينفذ شراؤه على الموكل لتمكن التهمة فمن الجائز أنه اشترى لنفسه فلما علم بغلاء الثمن أراد أن يلزم الامر وهذا المعنى لا يوجد في حق الوكيل بالاخذ بالشفعة لانه لا يملك أن يأخذها لنفسه وإذا وكل رجل غير الشفيع أن ياخذ الدار له بالشفعة فاظهر الشفيع ذلك فليس له أن يأخذها لنفسه وإذا وكل رجل غير الشفيع طلبه لغيره تسليم منه للشفعة كانما يطلب البيع من الموكل ولو طلب البيع لنفسه كان به مسلما لشفعته فإذا طلبها لغيره أولى ولما كان اظهاره بذلك بمنزلة التسليم للشفعة
[ 165 ] استوى فيه أن يكون المشترى حاضرا أو غير حاضر فان أسر ذلك حتى أخذها ثم علم بذلك فان كان المشترى سلمها إليه بغير حكم فهو جائز وهى للامر لانه ظهر أنه كان مسلما شفعته ولكن تسليم المشترى إليه سمحا بغير قضاء بمنزلة البيع المبتدا فكأنه اشتراها للامر بعد ما سلم الشفعة وان كان القاضى قضى بها فانها ترد على المشترى الاول لانه لما ظهر أنه كان مسلما شفعته تبين أن القاضي قضي على المشترى الاول بغير سبب فيكون قضاؤه باطلا فيرد الدار عليه وإذا كان للدار شفيعان فوكل رجلا واحدا يأخذها لهما فسلم شفعة أحدهما عند القاضي وأخذها كلها للآخر فهو جائز لان كل واحد منهما أقامة مقام نفسه فتسلمه شفعة أحدهما عند القاضي كتسليم الموكل وبعد ما سقط حق احدهما يبقى حق الآخر في جميع الدار فإذا أخذها الوكيل له جاز وان قال عند القاضى قد سلمت شفعة أحدهما ولم يبين أيهما هو أو قال انما أطلب شفعة الآخر لم يكن له ذلك حتى يبين أيهما سلم نصيبه ولايهما يأخذ أما تسليمه شفعة أحدهما له صحيح لان تسليم الشفعة اسقاط مبنى على التوسع فالجهالة المحصورة في مثله لا تمنع الصحة ولكنه لا يتمكن من أخذها للمجهول منهما لان بالاخذ ثبت الملك للموكل والقضاء بالملك للمجهول لا يجوز فلهذا لابد للوكيل من أن يبين لايهما يأخذ وإذا وكل الشفيع المشترى بالاخذ بالشفعة لم يكن له وكيلا في ذلك لان الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء والانسان لا يكون وكيلا عن غيره في الشراء من نفسه لما فيه من تضاد أحكام الاحكام ولو وكل البائع بالاخذ بالشفعة جاز ذلك في القياس لان البائع بتسليم الدار إلى المشترى قد خرج من هذه الخصومة والتحق باجنبي آخر وفي الاستحسان لا يجوز ذلك لان البائع لا يأخذ الشفعة لنفسه ومن لا يملك شراء شئ لنفسه لا يملك ذلك لغيره وهذا لانه توكيل في بعض ما قد تم به وهو البيع وإذا وكل الذمي المسلم بطلب الشفعة لم تقبل شهادة أهل الذمة على الوكيل المسلم بتسليم الشفعة لانهم يشهدون على المسلم بقول منه وهو منكر لذلك وشهادة أهل الذمة لا تكون حجة على المسلم وان كان الذمي هو الوكيل وقد أجاز الشفيع ما صنع الوكيل قبلت شهادتهما وأبطلت الشفعة لان الوكيل لو أقر بذلك جاز اقراره فان الموكل أجاز صنعه على العموم مطلقا فكذلك إذا شهد عليه بذلك أهل الذمة لان شهادتهم على الذمي في اثبات كلامه حجة وإذا وكل رجل رجلا بطلب شفعة له فاخذها ثم جاء مدعى يدعي في الدار شيئا فالوكيل ليس بخصم له لان الوكالة قد انتهت بالاخذ بالشفعة فبقيت الدار في يده أمانة والامين لا يكون خصما للمدعي
[ 166 ] ولو وجد بالدار عيبا كان له أن يردها به ولا ينظر في ذلك إلى غيبة الذي وكله لان الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء وما دام المبيع في يد الوكيل بالشراء فهو في حكم الرد بالعيب كالمشتري لنفسه وإذا قال قد وكلتك بطلب الشفعة بكذا درهما وأخذه فان كان الشراء وقع بذلك أو باقل فهو وكيل وان كان باكثر فليس بوكيل لان الاخذ بالشفعة يكون بالثمن الذي وقع الشراء به والوكيل بشراء عين بعشرة يملك الشراء باقل من عشرة ولا يملك الشراء باكثر بعشرة للموكل فإذا كان الثمن أكثر مما سمى فقد وكله بما لا يقدر عليه وعلى الوكيل القيام به فيصح التوكيل وكذلك ان قال وكلتك بطلبها ان كان فلان اشتراها لان هذا مقيد فالانسان قد يتمكن من الخصومة مع شخص ولا يتمكن من الخصومة مع غيره وقد يرغب الشفيع في الاخذ إذا كان المشترى إنسانا بعينه ولا يرغب إذا كان المشترى غيره فلهذا اعتبرنا تقييده وإذا كانت الشفعة لورثة منهم الصغير والكبير والحمل الذي لم يولد بعد فهم في الشفعة سواء لان الجنين من أهل الملك بالارث فباعتبار الملك يتحقق سبب استحقاق الشفعة من جوار أو شركة وإذا وضعت الحبلى حملها وقد ثبت نسبه من الميت شاركتهم في الشفعة وان كان الوضع بعد البيع لاكثر من ستة أشهر لانا لما حكمنا بثبوت نسبه من الميت فقد حكمنا بالارث له وبكونه موجودا عند البيع فهو بمنزلة مالو كان بعض الشركاء في الدار غائبا أخذ الحاضر الدار المبيعة ثم حضر الغائب فله أن يأخذ حصته في ذلك وان اشترى دارا بجارية وتقابضا ثم ولدت الجارية لاقل من ستة أشهر بعد الشراء وادعاه البائع أبطلت البيع والشفعة وان كتب قد وصيت بها قبل ذلك لان حصول العلوق من ملك بائعها يثبت له حق استحقاق النسب وذلك ينزل منزلة البينة في ابطال ما يحتمل النقض والقضاء بالشفعة يحتمل النقض كنفس البيع ثم بدعوي النسب يتبين ان البيع كان فاسدا من الاصل لانه باعها بام الولد وبالبيع الفاسد لا يستحق الشفعة وقد بينا في الاستحقاق نظيره فكذلك إذا أثبت الولد لامته وإذا وكل الرجل رجلا بطلب كل دين له بالخصومة فيه فله أن يتقاضى ماكان له من دين وما حدث له بعد ذلك لان مطلق التوكيل ينصرف إلى المتعارف وفي العرف يراد جميع ذلك ألا ترى انه لو وكله بتقاضي كل علة له أو يبتعها دخل فيه ما يحدث وكذلك لو وكله بالخصومة في كل ميراث له وإذا وكله بماله ولم يرد على هذا ففى القياس التوكيل باطل لان ما وكله به مجهول جهالة مستديمة له والوكيل يعجز عن تحصيل مقصود الموكل في ذلك وفي الاستحسان
[ 167 ] هذا توكيل بالحفظ لان هذا القدر متيقن به لان المال محفوظ عند كل مالك فإذا أطلق المال عند ذكر التوكيل علمنا أن مراده الحفظ فيما وراء ذلك من الخصومة والبيع وتقاضي الدين شك بلا بينة وان قال تقاضى دينى أو أرسله يتقاضاه أو وكله فهو سواء لان التوكيل بالتقاضي معبر عن موكله ولا يلحقه في ذلك عهدة كالرسول وله أن يتقاضاه ولا يشتري به شيئا ولا يوكل بقبضه أحدا من غير عياله لانه تصرف فيه سواء أمره به وله أن يوكل به عبده أو ابنه أو أجيره الذي هو في عياله بمنزلة مالو قبض بنفسه ثم دفع إلى أحد من هؤلاء وهذا لانه أمين فيما يقبض كالمودع في الوديعة وإذا وكله بتقاضي دين له على رجل بعينه وسمي له ما عليه لم يكن له أن يطالبه بما يحدث له عليه لانه قيد التوكيل بما سمى له وهو تقييد مقيد فقد يأتمن الانسان غيره على القليل من ماله دون الكثير وإذا وكله بتسليم شفعة له فجاء الوكيل وقد عرف بناء الدار أو احترق نخل الارض فاخذ بجميع الثمن فلم يرض به الموكل فهو جائز على الموكل لايستطيع رده لانه ممتثل أمره فانه لا يتمكن من الاخذ بعد ما احترق البناء الا بجميع الثمن فيكون فعله في الاخذ كفعل الموكل ولانه غير متهم في هذا إذ لا يتمكن من أخذها لنفسه بالشفعة وبه يستدل أبو حنيفة في الوكيل بشراء شئ بعينه إذا اشتراه باكثر من قيمته وكذلك لو جعله حرا أو وصيا في الخصومة في حياته وطلب الشفعة فهذه عبارات عن الوكالة والمعتبر المعنى دون العبارة فله أن يقبضها وينفذ الثمن ويرجع به على الموكل وإذا وكل رجلين بالشفعة فلاحدهما أن يخاصم بمنزلة الوكيلين بالخصومة لانهما لو حضرا مجلس القاضي لم يتكلم الا أحدهما فانهما لو تكلما جميعا لم يفهم القاضى كلامهما ولا يأخذ أحدهما دون الآخر بمنزلة الوكيلين بالشراء وإذا سلم أحدهما الشفعة عند القاضي جاز على الموكل لان صحة التسليم من الوكيلين بطريق انه من الخصومة معنى ولهذا اختص بمجلس القاضي وكل واحد منهما وكيل تام في الخصومة كانه ليس معه غيره وإذا وكله بغيره بطلب الشفعة لم يكن له ان يوكل غيره الا أن يكون الامر أجاز له ما صنع بمنزلة مالو وكله بالشراء وان كان قال له ذلك فالتوكيل من صنعه فان وكل وكيلا وقال له مثل ذلك لم يكن للوكيل الثاني أن يوكل غيره لان الموكل أجاز صنع الوكيل الاول ولم يجز صنع الوكيل الثاني وهذا اللفظ يعتبر في تصحيح التوكيل من الوكيل الاول لان ذلك من صنعه ولا يعتبر في تنفيذ اجازة الاول ما صنع الوكيل الثاني على الامر لان ذلك وراء اجازة ما صنع الوكيل الاول والحاصل أن الانسان في حق الغير لا يسوى غيره
[ 168 ] بنفسه ولهذا لا يوكل عند اطلاق التوكيل فلو جوزنا من الاول اجازته ما صنع الثاني كان مسويا له بنفسه في حق الغير وذلك لا يجوز وإذا طلب المشترى من الوكيل أن يكف عنه شهرا أو سنة على أنه على خصومته وعلى شفعته ففعل الوكيل ذلك لم تبطل به شفعة صاحبه لانه لو طلب هذا من الموكل فأجابه إليه لم تبطل به شفعته وهذا لان التأخير انما جعله محمد مبطلا للشفعة لدفع الضرر عن المشترى وينعدم ذلك عند التماس المشترى بطلبه وان مات الوكيل قبل الاجل ولم يعلم صاحبه بموته فهو على شفعته فإذا مضى الاجل وعلم بموته فلم يطلب أو يبعث وكيلا آخر يطلب له فلا شفعة له كما كان الحكم في الابتداء قبل أن يبعث هذا الوكيل ومقدار المدة له في ذلك مقدار المشترى من حيث هو على سير الناس لانه لا يتمكن من الطلب الا بذلك وانما يلزمه الطلب بحسب الامكان والله أعلم (باب شفعة أهل الكفر) (قال رحمه الله وإذا اشترى الكافر دارا بخمر أو خنزير وشفيعها كافر أخذها بخمر بمثل تلك الخمر وبقيمة الخنزير) لان الخمر والخنزير مال متقوم في حقهم فالبيع بهما صحيح بينهم ثم الشفيع يأخذ بمثل ما يملك به المشترى صورة ومعنى فيما له مثل فالخمر بهذه الصفة فهى مكيلة أو موزونة وبالمثل معنى فيما لامثل له من جنسه والخنزير من هذه الصفة فانه حيوان ليس من ذوات الامثال فيأخذها بقيمته وان اشتراها بميتة أو دم فلا شفعة فيها لانها ليست بمال متقوم في حقهم فالشراء بها يكون باطلا وبالعقد الباطل لا تجب الشفعة وان اشتراها بخمر وشفيعها مسلم وكافر فهما سواء في الشفعة لان الاخذ بالشفعة من المعاملات وهم في ذلك يستوون بالمسلمين والمقصود دفع ضرر سوء المجاورة وحاجة الذمي إلى ذلك كحاجة المسلم فيأخذ الذمي نصفها بمثل نصف الخمر والمسلم نصفها بنصف قيمة الخمر اعتبارا للبعض بالكل وهذا لانه يعجز المسلم عين تمليك عن الخمر وقدر الكافر على ذلك فان أسلم الشفيع الكافر قبل أن يأخذها لم تبطل شفعته لان الاسلام سبب لتأكد حقه لا لابطاله ولكن يأخذ بقيمة الخمر لانه قد عجز عن تمليك عين الخمر بعد اسلامه فيأخذ بالقيمة كما لو كان مسلما عند العقد ألا ترى أن المسلم لو اشترى دارا بكر من رطب فجاء الشفيع بعد ما انقطع الرطب من أيدى الناس فانه يأخذها بقيمة الرطب بهذا المعنى وإذا أسلم أحد المتبايعين والخمر غير
[ 169 ] مقبوضة والدار مقبوضة أوغير مقبوضة انتقض البيع لفوات القبض المستحق بالعقد فالاسلام يمنع قبض الخمر بحكم البيع كما يمنع العقد على الخمر ولكن لا يبطل حق الشفيع في الشفعة لان وجوب الشفعة باصل البيع وقد كان صحيحا وبقاؤه ليس بشرط لبقاء حق الشفيع في الشفعة كما لو اشترى دارا بعبد فمات العبد قبل التسليم في الخمر بينه وبين الآخر بسبب اسلامه وذلك انتقض البيع ولم يبطل به حق الشفيع فيأخذها الشفيع بقيمة الخمر ان كان هو مسلما أو كان المأخوذ منه مسلما لتعذر تمليك عين الخمر بينهما وان كانا كافرين أخذهما بمثل تلك الخمر لان من أسلم من التعاقدين قد تعذر القبض والتسليم في الخمر بينه وبين الآخر بسبب اسلامه وذلك غير موجود بين الشفيع والمأخوذ منه ولو كانا كافرين وإذا كان اسلام أحد المتعاقدين بعد قبض الخمر قبل قبض الدار فالبيع بينهما يبقى صحيحا لان حكم العقد في الخمر ينتهى بالقبض والاسلام لايمنع قبض الدار فإذا اشترى الدار بيعة أو كنيسة أو ثبت بان ثم حضر الشفيع فله أن يأخذها بالشفعة لان حقه مقدم على حق المشترى وهو متمكن من بعض ما المشترى وتصرفه ألا ترى ان المسلم لو كان جعل الدار مسجدا ثم حضر الشفيع كان له أن يأخذها بالشفعة فهذا أولى لان اتخاذ البيعة معصية ليس فيها معنى الطاعة ولو مات المشترى فبيعت الدار في دينه ثم حضر الشفيع كان له أن يأخذها بالبيع الاول ويبطل البيع الثاني كما لو كان المشتري هو الذي باعها بنفسه ولو كان المشترى للدار بالخمر ذميا فاسلم وارثه بعد موته كان للشفيع أن يأخذها بقيمة الخمر كما لو كان المشتري هو الذي أسلم بنفسه وإذا اشترى الذمي من الذمي دارا بخمر وتقابضا ثم صارت خلا وأسلم البائع والمشترى ثم استحق نصف الدار فنقول ان كان المشترى هو الذي أسلم ولم يسلم البائع أو أسلم البائع بعد اسلام المشترى أو أسلما معا بقى النصف المستحق ويأخذ المشترى نصف الخل فقط لان بالاستحقاق ينتقض العقد من الاصل وخمر المسلم لا يكون مضمونا على الكافر فهو كما لو غصب من مسلم خمرا فتخللت فانه يأخذ الخل ولا شئ له غيره فاما في المنصف الذي لم يستحق المشتري بالخيار لبعض الملك عليه فان اختار فسخ العقد رجع بنصف الخل لما بينا ان الخمر لا تكون مضمونة له على أحد وهذا إذا كانت الخمر بعينها فان كانت بغير عينها فلا خيار له في النصف الباقي لانه لو ردها ردها بغير شئ ولا سبيل له على الخل لان العقد ما يتناول هذا بعينه وانما تناول خمرا في الذمة فعند الفسخ يعود حقه في ذلك والخمر لا يجوز أن يكون دينا للسلم على آخر فاما
[ 170 ] إذا كان البائع هو الذي أسلم دون المشترى أو أسلم البائع أولا ثم المشترى فكذلك الجواب عند أبى يوسف فاما على ما رواه زفر وعاقبه عن أبى حنيفة من الفرق بين اسلام الطالب والمطلوب فنقول في النصف المستحق بالخيار ان شاء أخذ نصف الخل وان شاء ضمن البائع نصف الخمر لانه يتبين أن البيع في هذا النصف كان باطلا والخمر تكون مضمونة للكافر على المسلم وقد تغير المقبوض في يده حين تخللت فان شاء رضي بالتغير ويأخذ نصف الخل وان شاء ضمنه نصف قيمة الخمر وفي النصف الذي لم يستحق يتخير لبعض الملك فان فسخ العقد وكانت الخمر بعينها تخير بين أن يأخذ بنصف الخل وبين أن يرجع بنصف قيمة الخمر للتغير في ضمان البائع وان كان الخمر بغير عينها فإذا فسخ العقد رجع بنصف قيمة الخمر لاغير لان العقد ما يتناول هذا العين وعند الفسخ انما يرجع بما يتناوله العقد فلهذا يرجع بنصف قيمة الخمر فان كان البائع قد استهلك الخل ففى المعين له أن يرجع عليه بمثله لان الخل من ذوات الامثال وان لم يقدر على مثله فالرجوع بقيمته وهو على التخريج الذي بينا وإذا باع الذمي كنيسة أو بيعة أو بيت نار فالبيع جائز وللشفيع فيها الشفعة لانهم أعدوا هذه البقعة للمعصية فلا تزول عن ملكهم بذلك وجواز البيع فيها كجوازه في دراهم بخلاف المساجد في حق المسلمين فالمسجد يتجرد عن حقوق العباد ويصير لله تعالى خالصا وهذا لان صيرورة البقعة لله تعالى يجلعها معدة لطاعة الله تعالى فيها لا للشرك والمعصية (قال وصاحب الطريق أولى بالشفعة من صاحب مسيل الماء) لان عين الطريق مملوك لصاحبه وصاحب الطريق شريك في حقوق المبيع فاما صاحب المسيل له حق سيل الماء في ملك الغير ولا شئ له من ملك ذلك الموضع والشفعة لا تستحق بمثله كجار السكنى وصاحب المسيل باعتبار ملكه جار لاتصار ملكه بالدار المبيعة والشريك في حقوق المبيع مقدم على الجار وكذلك صاحب العلو والسفل إذا لم يكن طريقه في الدار فكل واحد منهما جار لصاحبه بمنزلة بيتين متجاورين على الارض وقد تقدم بيان الكلام في استحقاق العلو بالشفعة وصاحب الجذع في حائط من حيطان الدار أو الهوادى بمنزلة الدار لانه في معنى المستعير بوضع الهوادي على ملك الغير فلا تستحق الشفعة باعتباره وقد بينا الفرق بينه وبين الشريك في أصل الحائط فان الشريك في أصل الحائط شركته في نفس المبيع فهو أولى من الشريك في الطريق لان شركته في حقوق المبيع وإذا اشترى مسلم من مسلم أرض عشر ولها شفعاء ثلاثة مسلم وذمى وثعلبي فاخذوها جميعا بالشفعة فعلى
[ 171 ] المسلم العشر في حصته ويضاعف على الثعلبي العشر ويؤخذ من الذمي الخراج في حصته عند أبى حنيفة بمنزلة مالو اشترى كل واحد منهم مقدار نصيبه ابتداء وهذا على مابينا على ما تقدم بيانه في كتاب الزكاة أن الذمي إذا اشترى أرض عشر فانها تصير خراجية عند أبى حنيفة ولكن هذا إذا انقطع حق المسلمين عنها حتى لو كان البيع فاسدا أو كان شفيعها سلما فاخذها بالشفعة فهى عشرية كما كانت فاما إذا انقطع حق المسلم عنها فانها تكون خراجية وفي الكتاب يقول سواء وضع عليها الخراج أو لم يوضع حتى إذا وجد بها عيبا ليس له أن يردها وفي غير هذا الموضع ذكر أنه ان وضع عليها الخراج فليس له أن يردها بالعيب لان الخراج في الارض عيب وانما يتقرر فيها بالوضع فإذا وضع فهذا عيب حدث فيها في يد كما انقطع المشترى إذا لم يوضع عليها الخراج فله أن يردها بالعيب وتكون عشرية كما كانت فاما في هذه الرواية كما انقطع حق المسلم عنها صارت خراجية لان الاراضي في دار الاسلام اما أن تكون عشرية أو خراجية وهي في ملك الكافر لا تكون عشرية فتكون خراجية سواء وضع عليها الخراج أو لم يوضع فليس له أن يردها ولكن يرجع بنقصان العيب بخلاف مااذا كان البيع فاسدا أو كان لمسلم فيها شفعة لانها بقيت عشرية لبقاء حق المسلم فيها والحق كالملك في بعض الفصول وإذا اشترى الرجل أرضا أو دارا فوجد فيها حائطا واهيا أو جذعا منكسرا أو نخلة منكسرة أو عيبا يقنص الثمن فردها كان الشفيع على شفعته لان أصل البيع كان صحيحا واستحقاق الشفعة به وقد بينا أن بقاء المبيع ليس بشرط لبقاء حق الشفيع ألا ترى أن البيع قد ينفسخ بأخذ الشفيع وهو مااذا أخذوها من يد البائع وقال أبو يوسف إذا اشترى الذمي أرض عشر فعليه العشر مضاعفا وان وجد بها عيبا ردها لان التضعيف فيها ليس بلازم ألا ترى أنه لو باعها من مسلم عادت إلى عشر واحد بمنزلة الثعلبي يشترى سائمة فالتضعيف لا يكون لازما فيها وإذا كان بالرد يعود إلى عشر واحد كما كان لا يمتنع الرد بالعيب ولهذا قال لو باعها من مسلم عادت إلى عشر واحد بخلاف قول أبى حنيفة في الخراج فان صفة الخراج في الارض تلزم على وجه لا يتبدل بتبدل المالك بعد ذلك فإذا باع المرتد دارا فقتل أو مات أو لحق بدار الحرب بطل البيع ولم يلزمه فيه الشفعة في قول أبى حنيفة بخلاف مااذا اشترى المرتد دار لان توقف العقد عنده لحق المرتد فإذا كان المرتد هو البائع فهذا في معنى بيع بشرط الخيار للبائع فلا تجب به الشفعة وإذا كان المرتد هو المشتري فهذا في معنى بيع بشرط الخيار للمشتري فتجب الشفعة فيه
[ 172 ] للشفيع سواء نقض البيع أو تم وان أسلم المرتد البائع قبل أن يلحق بدار الحرب جاز بيعه وللشفيع فيها الشفعة لان البيع تم وخياره سقط باسلامه ولو كان اسلامه بعد مالحق بدار الحرب وبعد قسمة ماله لم يكن للشفيع فيها شفعة لان انتقاض البيع تأكد بقضاء القاضى وعند أبى يوسف ومحمد بيعه جائز وللشفيع فيها الشفعة أسلم أو لحق بدار الحرب وإذا اشترى المسلم دارا والمرتد شفيعها وقتل في ردته أو مات أو لحق بدار الحرب فلا شفعة فيها له ولا لورثته لان لحاقه كموته والشفعة لا تورث ولو كانت امرأة مرتدة وجبت لها الشفعة فلحقت بدار الحرب بطلت شفعتها لان لحاقها كموتها من حيث أنه لا تستحق نفسها بالحاق حتى يسترق وان كانت لاتقبل وان كانت المرتدة بائعة للدار فللشفيع الشفعة لان بيعها صحيح لازم أسلمت أو ماتت وان كان الشفيع مرتدا أو مرتدة فسلم الشفعة جاز أما في المرتدة فظاهر ولا المرتد لا فائدة في توقف تسليم الشفعة لانه ان أسلم فتسليمه صحيح وان مات فالشفعة في تورث وانما يوقف من تصرفاته ما يكون في توقفه فائدة ولو لم يسلم وطلب أخذ الدار بالشفعة لم يقض له القاضي بذلك الا أن يسلم لان هذا منه اصرار على الردة إلا أن يقضى له بالشفعة وليس للامام أن يقره على الردة في شئ من الاوقات ثم القضاء بالشفعة لدفع الضرر عن الشفيع والمرتد يلحق به كل ضرر فلا يشتغل القاضى بدفع الضرر عنه ما لم يسلم فان أبطل القاضي شفعته ثم أسلم فلا شفعة له لان الابطال من القاضي صحيح على وجه الاضرار به وحرمانه الرفق الشرعي فيكون ذلك لتسليمه بنفسه أو أقوى منه وان وقفه القاضي حتى ينظر ثم أسلم فهو على شفعته لان القاضي لم يبطل حقه وانما امتنع من القضاء له بها فإذا أسلم فهو على حقه وهذا إذا كان طلب الشفعة حين علم بالشراء فان لم يكن طلب إلى أن أسلم فلا شفعة له لتركه طلب المواثبة بعد علمه بالشراء ولو لحق المرتد بدار الحرب ثم بيعت الدار قبل قسمة الميراث ثم قسم ميراثه كان لورثته الشفعة لان الملك لهم في الميراث من حين لحق المرتد ولهذا يعتبر قيام الوارث في ذلك الوقت حتى أن من مات من ورثته بعد لحاقه يكون نصيبه ميراثا عنه ومن أسلم من أولاه بعد لحاقه لم يكن له ميراث فعرفنا أن الميراث له من حين لحق المرتد والبيع وجد بعد ذلك فالشفعة فيها للوارث بمنزلة التركة المستغرقة بالدين إذا بيعت دار بجنب دار منها ثم سقط الدين كان للوارث فيها الشفعة وإذا اشترى المرتد دارا من مسلم أو ذمى بخمر فالبيع باطل ولا شفعة فيها لان المرتد مجبر على العود إلى الاسلام
[ 173 ] فهو في التصرف في الخمر كالمسلم فان نفوذ تصرف الكافر في الخمر باعتبار البناء على اعتقاده والمترد غير مقر على ما اعتقده فلا ينفذ تصرفه فيها والحربي المستأمن في وجوب الشفعة له وعليه في دار الاسلام سواء بمنزلة الذمي لانه من جملة المعاملات وهو قد التزم حكم المعاملات مدة مقامه في دارنا فيكون بمنزلة الذمي في ذلك فان اشترى المستأمن من دار الحرب أو لحق بدار الحرب فالشفيع على شفعته متى لحقه بدار الحرب لان لحاقه بدار الحرب كموته وموت المشترى لا يبطل شفعة الشفيع فان كان وكل بالدار من يحفظها ويقوم عليها فلا خصومة بينه وبين الشفيع لانه أمين فيها والامين لا يكون خصما لمن يدعى حقا في الامانة كما لا يكون خصما لمن يدعى رقبتها وإذا اشترى المسلم في دار الحرب دارا وشفيعها مسلم بدار له ثم أسلم أهل الدار فلا شفعة للشفيع لان حق الشفعة من أحكام الاسلام وحكم الاسلام لا يجرى في دار الحرب ولان المشترى مستول عليها واستيلاؤه على ملك المسلم في دار الحرب يزيل ملك المسلم فعلى حقه أولى أن يكون مبطلا حق المسلم وإذا اشترى المسلم في دار الاسلام دارا وشفعيها حربى مستأمن فلحق بدار الحرب بطلت شفعته لان لحوقه بدار الحرب كموته كمن هو من أهل دار الحرب في حق من هو في دار الاسلام كالميت وبموته تبطل شفعته علم بالشراء أو لم يعلم ولان تباين الدارين يقطع العصمة ويبطل من الحقوق المتأكدة ما هو أقوي من الشفعة كالنكاح ثم المسلم المشترى مستول على الدار ولو استولى على ملك الحربى بطل به ملكه فلان يبطل به حقه أولى وإذا اشترى الحربى المستأمن دارا وشفيعها حربى مستأمن فلحقا جميعا بدار الحرب فلا شفعة للشفيع فيها لان لحاق الشفيع بدار الحرب كموته فيما هو في دار الاسلام وان كان المشترى مع الشفيع في دار الحرب فان كان الشفيع مسلما أو ذميا فدخل دار الحرب فهو على شفعته إذا علم لان المسلم والذمي من أهل دار الاسلام فدخوله دار الحرب غيبة منه وغيبة الشفيع لا تبطل شفعته إذا لم يكن عالما بها فان دخل وهو يعلم فلم يطلب حتى غاب بطلت شفعته لتركه الطلب بعد ما تمكن منه لا لدخوله دار الحرب وإذا بطلت الشفعة ثم عرض له سفر إلى دار الحرب أو إلى غيرها فهو على شفعته إذا كان على طلبه لان حقه قد تقرر بالطلب وقد بينا اختلاف الرواية في هذا الفصل فان كان المشترى أخره مدة معلومة فهو على شفعته عندهم جميعا لان عند محمد بمضي شهر انما تبطل شفعته لدفع الضرر عن المشترى فإذا كان هو الذي أخره فقد رضى بهذا الضرر
[ 174 ] وان كان الشفيع حربيا مستأمنا فوكل بطلب الشفعة ولحق بدار الحرب فلا شفعة له كما لو مات بعد التوكيل بطلب الشفعة وان كان الشفيع مسلما أو ذميا فوكل مستأمنا من أهل الحرب ثم دخل الوكيل دار الحرب بطلت وكالته والشفيع على شفعته لان لحاق الوكيل بدار الحرب كموته وموت الوكيل يبطل الوكالة ولا يبطل شفعة الموكل فكذلك لحاقه والله أعلم (باب الشفعة في الصلح) (قال رحمه الله وإذا ادعى الرجل في دار دعوى من ميراث أو غيره فصالحه بعض أهل الدار على صلح على أن جعل ذلك له خاصة فطلب بقية أهل الدار بالشفعة فان كان الصلح على اقرار فلهم الشفعة في ذلك لان المعطى في المال متملك في نصيب المدعى بما أعطى من العوضين فهو كما لو تملكه بالشراء فتجب عليه الشفعة فيه للشركاء وان كان الصلح على الانكار فلا شفعة فيه لان في زعم المعطى للمال أنه رشاه ليدفع عنه أذاه ولم يتملك عليه شيئا من الدار بهذا الصلح وفيما في يده ينبنى الحكم على زعمه وهو بالاقدام على الصلح لا يصير مقرا بثبوت الملك للمدعى في المدعى ولو صالحه بغير اقرار سئل المصالح بينة على دعوى الذي صالحه فان أقامها فالثابت بالبينة كالثابت بالاقرار فيأخذ المعطى للمال نصيب المدعى ويكون للشركاء أن يطلبوا بحصتهم من الشفعة وهذا لان المعطى للمال يقوم مقام المدعي وقد كان المدعى متمكنا من اثبات نصيبه بالبينة فالمعطى للمال يتمكن من ذلك أيضا ولو صالحه على سكنى دار له أخرى سنين مسماة لم يكن للشفيع في ذلك شفعة لان المصالح عليه منفعة والدار المملوكة عوضا عن المنفعة بلفظ الشراء لا تستحق بالشفعة فبلفظ الصلح أولى وهذا لما بينا أن الشفعة لا تجب إلا بمعاوضة مال بمال مطلقا والمنفعة ليست بمال مطلقا وإذا ادعى حقا في دار فصالحه منه على دار فللشفيع فيها الشفعة لان في زعم المدعي أنه يملك هذه الدار عوضا عن ملكه في الدار الاخرى بالصلح والصلح على الانكار مبنى على زعم المدعى في حقه فللشفيع فيها الشفعة بقيمة حقه في الدار الاخرى والقول فيه قول المصالح الذي أخذ الدار بمنزلة مااذا اختلف الشفيع والمشترى في مقدار الثمن فان القول في ذلك قول المشترى ولو كان ادعي دينا أو وديعة أو خراجة خطأ فصالحه على دار أو حائط من دار فللشفيع فيها الشفعة باعتبار البناء على زعم المدعى وإذا صالح من سكنى دار أو صى له بها أو من خدمة عبد على بيت فلا شفعة
[ 175 ] فيه لان أصل المدعى لم يكن مالا فهو كما لو صالح عن القصاص على البيت وإذا ادعى على رجل مالا فصالحه على أن يضع جذوعه على حائطه أو يكون له موضعها أبدا وسنين معلومة ففي القياس هذا جائز لان ما وقع عليه الصلح معلوم عينا كان أو منفعة ولكن ترك هذا القياس فقال الصلح باطل ولا شفعة للشفيع فيها لان المصالح عليه ليس برقبة الحائط ولا منفعة معلومة فالضرر على الحائط يختلف باختلاف الجذوع في الغلظ والدقة في مدة المنفعة لا تستحق بالاجارة فان استئجار الحائط مدة معلومة أو أبدا لوضع الجذوع عليه لا يجوز فكذلك إذا وقع الصلح عليه أرأيت لو صالحه على أن يضع عليها هوادى أو على أن يضع جذعا له في حائط أكان يكون فيه الشفعة لاشفعة في شى ء من ذلك وكذلك لو صالحه على أن يصرف مسيل مائه إلى دار لم يكن الجار أن يأخذ مسيل مائه بالشفعة لانه ما ملكه بالصلح شيئا من العين وانما أثبت له حق مسيل الماء في ملكه وذلك لا يستحق بعقد مقصود ولهذا لا يجوز استئجاره فلا يكون للشفيع فيها الشفعة وفي الكتاب أشار إلى حرف آخر قال ألا تري أن المسيل لا يحول عن حاله ولو أخذها الشفيع بالشفعة لم يستفد به شيئا لانه لايستطيع أن يسيل فيه ما أراده فانه لا يسيل فيه الا من حيث وجب أول مرة وقد كان ينبغى في القياس أن يأخذه بالشفعة ولكنا نقول تركنا القياس وأبطلنا الصلح والشفعة لما قلنا ولو صالحه على طريق محدود معروف في داركان للجار الملاصق أن يأخذ ذلك بالشفعة وليس الطريق فيها كمسيل الماء لان عين الطريق تملك فيكون شريكا بالطريق ولايكون شريكا بوضع الجذع في الحائط والهوادى ومسيل الماء والقياس في الكل سواء وعلى معنى الاستحسان قد أوضحنا الفرق بينهما وإذا ادعى الرجل على الرجل ألف درهم فصالحه منها على دار بعد الاقرار أو الانكار فسلم الشفيع الشفعة ثم تصادقا على انه لم يكن عليه شئ فرد الدار عليه بحكم أو بغير حكم فلا شفعة فيها لان ما وجب له من الشفعة بالصلح قد أبطله بالتسليم والرد بهذا التصادق ليس بعقد فلا تتجدد به الشفعة كما لو تصادقا على أن البيع كان تلجئة بينهما أو رهنا بمال وقد سلم الشفيع الشفعة وان لم يكن الشفيع سلم الشفعة فله أن يأخذها ولا يصدقان على ابطال حقه إلا على قول زفر وهو رواية عن أبى يوسف وأصله فيما لو تصادقا فان البيع كان تلجئة أو بخيار البائع ففسخ البيع وجه قول زفر أنهما ينكران وجب الشفعة للشفيع وانما يستحق الشفيع الشفعة عليهما فإذا أنكراه كان القول في ذلك قولهما كما لو أنكر البيع
[ 176 ] ووجه ظاهر الرواية ان السبب الموجب للشفعة قد ظهر وثبت حق الشفيع باعتبار الظاهر على وجه لا يملكان ابطاله فتصادقا عما يكون معتبرا في حقهما ولايكون معتبرا في ابطال حق الشفيع ولو كان باعه بالمال المدعي دارا ثم تصادقا على أنه لم يكن له عليه شئ لم يرد الدار على البائع ولكن المشتري يضمن له الثمن لان البيع لا يتعلق بالدين المضاف إليه بل بمثله دينا في الذمة بخلاف الصلح الا انه كان بيع المقاصة به فإذا تصادقا على أن لادين لم تقع المقاصة فبقى الثمن للبائع على المشترى والشفيع على شفعته ان لم يكن سلمها وهذا ظاهر لان البيع لم يبطل بهذا التصادق هنا وفي الاول بطل الصلح في حقهما ثم كان الشفيع هناك على شفعته فهنا أولى والله أعلم (باب الشفعة اللقيط) (قال رحمه الله وليس للملتقط أن يطالب بشفعة واجبة للقيط) لان الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء وليس له عليه ولاية الشراء إلا أن يكون القاضي جعله قيما له في البيع والشراء فيكون بمنزلة الوصي حينئذ في طلب الشفعة لوكيل اليتيم وتسليمه وان اشترى الملتقط للقيط دارا بماله فللشفيع فيها الشفعة لان شراء الملتقط صحيح لنفسه وهو ضامن لما أدى فيه من مال الملتقط فان أدرك اللقيط فلا سبيل له على الدار الا أن يكون شفيعها بدار أخرى له فيأخذها بالشفعة حينئذ فان كان الملتقط اشترى الدار بعين من أعيان مال اللقيط فلا شفعة للشفيع فيها لفساد شرائه والاشهاد على الملتقط في الحائط المائل للقيط باطل لانه غير متمكن من الهدم وان أشهد على اللقيط بعد ما أدرك فلم يهدمه حتى سقط وأصاب إنسانا فان ذلك على بيت المال لان عاقلته بيت المال كما في جنايته بيده وان لم يسقط حتى أخذ الشفيع منه الدار بالشفعة ثم سقط فلا ضمان على أحد لان تمكنه من الهدم قد زال ولم يوجد الاشهاد على الشفيع وان أخذ الشفيع نصف الدار بان كان اللقيط معه شفيعا في هذه الدار فحكم الاشهاد يبطل في النصف دون النصف اعتبارا للجزء بالكل والله أعلم (باب الشفعة في البناء وغيره) قال (رحمه الله وإذا اشترى الرجل دارا بالف درهم ثم اختلف الشفيع والمشترى فقال المشترى أحدثت فيها هذا البناء وكذبه الشفيع فالقول قول المشترى) لانكاره الشراء في البناء
[ 177 ] ولو أنكر الشراء في أصل الدار كان القول قوله فكذلك في البناء وان أقاما البينة فالبينة بينة الشفيع لانه ثبت حقه في البناء بسبب ثبوت حقه فيها وهو الشراء ولان الشفيع يثبت اقرار المشترى بانه اشترى البناء وذلك إكذاب منه لشهوده وعلى هذا اختلافهما في شجر الارض ولكن انما يقبل قول المشترى إذا كان محتملا حتى إذا قال أحدثت فيها هذه الاشجار أمس لم يصدق على ذلك لان كل أحد يعلم أنه كاذب فيما يقول وكذلك فيما أشبهه من البناء وغيره وان قال اشتريتها منذ عشر سنين وأحدثت فيها هذا فالقول قوله لان خبره محتمل وهو منكر لثبوت حق الشفيع فيما زعم أنه أحدثه ولاقول للبائع في شئ من ذلك لانه بالتسليم خرج من الوسط والتحق بأجنبي آخر وان قال المشترى اشتريت البناء بخمسمائة ثم اشتريت الارض بعد ذلك بخمسمائة أو قال الشفيع اشتريتها معا ففي القياس القول للمشترى اشتريت البناء بخمسمائة ثم اشتريت الارض بعد ذلك بخمسمائة أو قال اشتريت الارض بغير بناء بخمسمائة ثم اشتريت البناء بعد ذلك فلا شفعة لك في البناء وقال الشفيع اشتريتهما معا ففى القياس القول قول المشترى لانه ينكر ثبوت حق الشفيع في البناء ألا ترى أنه لو قال وهب لى البناء واشتريت الارض كان القول في ذلك قوله فكذلك هنا ولكنه استحسن فقال القول قول الشفيع هنا لان المشترى أقربا لسبب المثبت لحق الشفيع في الارض والبناء وهو الشراء ثم ادعى تفريق الصفقة ليسقط به حقه في البناء وذلك حادث يدعيه فلا يقبل قوله في ذلك ولكن القول قول الشفيع لانكاره ولاقول للبائع في شئ من ذلك فاما في الهبة هو لم يقر بالسبب المثبت لحق الشفيع في السائل الشفيع يدعى ذلك وهو منكر فالقول قوله ويأخذ الشفيع الارض بغير بناء وان قال البائع لم أهب لك البناء فالقول قوله مع يمينه ويأخذ بناءه وان قال قد وهبته لك كانت الهبة جائزة وكذلك لو قال اشتريت النصف ثم النصف وقال الجار اشتريت الكل بعقد واحد فالقول قول الشفيع استحسانا لما قلنا فان أقاما جميعا البينة فعلى قول أبى يوسف البينة بينة المشتري لانه هو المحتاج إليها لاثبات تفريق الصفقة واثبات شئ بخلاف الظاهر وعند محمد البينة بينة الشفيع لانه يثبت استحقاق جميع الدار ولانا نجعل كأن الامرين كانا إذ لا تنافي بينهما ولو اشترى النصف ثم النصف ثم اشترى الكل أو على عكس ذلك كان للشفيع أن يأخذ الكل بالشفعة فكذلك هنا وان ادعى المشترى أنه اشترى جميع ذلك معا وادعى الشفيع أنه اشتراه متفرقا فالقول قول المشتري لانكاره تفريق الصفقة وانكاره
[ 178 ] ما دعى الشفيع من ثبوت حق الاخذ له في النصف دون النصف فان قال المشترى وهب لى هذا البيت بطريقه إلى باب لدار وباعنى ما بقى من الدار بألف درهم وقال الشفيع بل اشتريت الدار كلها بالف درهم فالقول قول المشتري في البيت لانكاره سبب ثبوت حق الشفيع فيه ويأخذ الشفيع الدار كلها غير البيت وطريقها ان شاء لان المشترى أقر بوجود السبب الموجب لحق الشفيع فيما سوى البيت وادعى لنفسه حق التقدم عليه بالشركة في الطريق فلا يثبت ما ادعاه بغير حجة فلهذا كان للشفيع أن يأخذ ماسوي البيت وان جحد البائع هبة البيت فالقول قوله مع يمينه وان أقربها فالبيت للموهوب له ولكن لا يصدقان على ابطال شفعة الشفيع في سائر الدار لان شركته في الطريق سابقا على الشراء لا يظهر بقولهما حق الشفيع الا أن تقوم البينة على الهبة قبل الشراء فحينئذ الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم فيصير هو أولى بالدار من الجار ولو ادعى الشفيع أن المشترى هدم طائفة من بناء الدار وكذبه المشترى فالقول قول المشترى لان الشفيع يدعي سببا مسقطا لبعض الثمن عنه بعد أخذه الدار والمشترى منكر لذلك والبينة بينة الشفيع لانه يثبت ببينته سقوط بعض الثمن عنه * رجل أقام البينة أنه اشترى هذه الدار من فلان بالف درهم وأقام آخر البينة أنه اشترى منه هذا البيت بطريقه بمائة درهم منذ شهر قضيت بالبيت لصاحب الشهر لان الشراء حادث وانما يحال بشرائه بحدوثه على أقرب الاوقات ما لم يصرح الشهود بسبق التاريخ وقد صرح به شهود صاحب البيت فيقضى له بالبيت لتقدم عقده فيه ثم له الشفعة فيما بقى من الدار لان شركته في الطريق تثبت قبل ثبوت شراء الآخر فيما بقى من الدار فهو مقدم على الجار ولو لم يوقت شهود صاحب البيت قضيت بالبيت بينهما نصفين لاستواء الدعوى والحجة منهما في البيت وقضيت ببقية الدار للذي أقام البينة على أنه اشترى كلها لانه أثبت شراءه بالبينة ولا مزاحم له في بقية الدار ولا شفعة لواحد منهما قبل صاحبه لانه لم يثبت سبق شراء أحدهما وكلا الامرين ظهرا ولا يعرف تاريخ بينهما فيجعل كأنهما وقعا معا ولو كانت الداران متلازقتين فاقام رجل البينة أنه اشترى أحدهما منذ شهر بالف درهم وأقام آخر البينة انه اشترى الآخر منذ شهرين قضيت له بشراء هذه الدار منذ شهرين فمن وقت شهوده جعلت له الشفعة في الدار الاخرى لانه يثبت جواره سابقا على بيع الدار الاخرى ولو لم يوقتا قضيت لكل واحد منهما بداره ولم أقض بالشفعة له لانه لما لم يثبت تاريخ في الشرائين يجعل كأنهما وقعا معا وكذلك لو كان احدهما قبض الدار ولم يقبض
[ 179 ] الا آخر لان القبض يصلح حجة لدفع الاستحقاق إذا زاحمه غيره فيما هو في يده ولايكون حجة لاثبات الاستحقاق في الدار الاخرى ولو وقت احدهما ولم يوقت الآخر قضيت لصاحب الوقت بالشفعة لان شراء الآخر حادث فانما يحال بحدوثه إلى أقرب الاوقات وكذلك لو ادعى هبة مقبوضة موقتة فالهبة مع القبض في افادة الملك كالشراء وإذا كان درب غير نافذ وفيه دور لقوم فباع رجل من أرباب تلك الدور بيتا شارعا في السكة العظمى ولا طريق له في الدار فلاصحاب الدرب أن يأخذوا البيت بالشفعة لشركتهم في الطريق فان سلموها ثم باع المشتري البيت بعد ذلك فلاشفعة لاهل الدرب فيه لانه لا طريق للبيت في الدرب فبالبيع الاول قد انقطعت شركة الطريق لصاحب البيت مع أصحاب الدرب وانما الشفعة في البيت للجار الملاصق وكذلك لو باع قعطة من الدار بغير طريق لها فلهم الشفعة لقيام شركتهم في الطريق وقت البيع فان سلموها ثم باع المشترى فلا شفعة فيها الا لمن يجاورها لانقطاع الشركة في الطريق عند البيع الثاني وإذا كان الدرب غير نافذ وفي أقصاه مسجد خطبة وباب المسجد في الدرب وظهر المسجد وجانبه الآخر إلى الطريق الاعظم فباع رجل من أهل الدرب داره فلا شفعة لاهل الدرب فيها الا لمن يجاورها بالجوار لان المسجد بمنزلة الطريق النافذ ألاتري ان موضع المسجد ليس بمملوك لاهل الدرب وان أهل الطريق الاعظم لو أرادوا أن يكون لهذا المسجد باب إلى الطريق الاعظم ليدخلوه للصلاة كان لهم ذلك إذا لم يضر ذلك بأهل الدرب ولهم أن يدخلوا في ذلك الدرب ليصلوا في المسجد ثم يخرجوا من جانب الطريق الاعظم فعرفنا أنه بمنزلة الطريق الاعظم النافذ فلا تستحق الشفعة إلا بالجوار وعلى هذا حكم السكك التي في أقصاها الوادي المجتاز ولو كان حول المسجد دور يحول بينه وبين الطريق الاعظم كان لاهل الدرب الشفعة بالشركة لان المسجد الآن ليس بطريق نافذ ألا ترى أنه لو رفع بناء المسجد لم يصر الطريق نافذا بخلاف الاول فانه لو رفع بناء المسجد صار الدرب طريقا نافذا إلى الطريق الاعظم وفي الموضعين جميعا يجعل المسجد بمنزلة فناء ولو كان في أقصى الدرب باب نافذ إلى السكة العظمى كان ذلك طريقا نافذا وان كان الفناء إلى دور قوم لم تكن سكة نافذة ولو كان موضع المسجد دارا فيها طريق إلى الدرب يخرج من باب آخر منها إلى الطريق الاعظم فان كان طريقا للناس ليس لاهل الدرب أن يمنعوه فلا شفعة لاهل الدرب الا بالجواز وان كان طريقا لاهل الدار خاصة فأهل الدار شفعاء بالشركة
[ 180 ] في الطريق لان الطريق الذي لهم خاصة ملك لهم وان أرادوا سده لم يكن لاحد أن يمنعهم من ذلك وفي الاول الطريق للعامة ولو أراد أهل الدرب سده منعوا من ذلك فلهذا لا يستحقون الشفعة بالشركة في الطريق وان كان درب غير نافذ ليس فيه مسجد فاشترى أهل الدرب من رجل من أهله دارا وظهرها إلى الطريق الاعظم فاتخذوها مسجدا وجعلوا بابه في الدرب ولم يجعلوا له إلى الطريق الاعظم بابا أو جعلوا ثم باع رجل من أهل الدرب داره فلاهل الدرب الشفعة بالشركة في الطريق لان قبل بناء المسجد كان الطريق مملوكا لهم وكانت شركتهم فيها شركة خاصة فباتخاذ المسجد لا ينتقض حقهم وشركتهم في الطريق بخلاف مسجد الخطبة فذلك الموضع لم يكن مملوكا لهم قط بل كان ذلك مصلى لجماعة المسلمين فيمنع ذلك ثبوت الشركة الخاصة لهم في الدرب وهذا لان صاحب هذا الموضع قبل بناء المسجد كان شريكا في الطريق شركة خاصة فبناء المسجد لا يغير ماكان من الحق في الطريق لهذا الموضع بخلاف مسجد الخطبة وإذا اشترى دارا هو شفيعها ولها شفيع آخر غائب ثم ان المشترى تصدق ببيت منها وطريقه على رجل وسلمه إليه ثم باعه ما بقى ثم قدم الشفيع الغائب فطلب الشفعة فانه تنتقض الصدقة والبيع الاخر ويأخذ نصف جميع الدار بالبيع الاول لان حق الشفيع مقدم على حق المشترى فباعتبار حقه يتمكن من نقض تصرف المشترى وحقه في النصف لان المشترى شفيع معه فإذا أخذ نصف جميع الدار بالشفعة كان النصف الباقي للمشتري الاول بمنزلة دار بين رجلين باع أحدهما منها موضعا مقسوما أو وهب لم يجز ذلك لما في تصرفه من الضرر على الشريك فانه يحتاج إلى قسمتين وربما يتفرق نصيبه في موضعين وان لم يخاصم حين باع ما بقي من الدار من المشترى الاول جاز بيعه في نصيبه كما لو باعها صفقة واحدة يجوز البيع في نصيبه وان باع من غيره فالبيع الاول والثاني باطل لدفع الضرر عن الشريك على ما بينا وشبه هذا بما لو باع جذعا في حائط على أن يقلعه ويسلمه فالبيع باطل لما على البائع من الضرر في التسليم فان سلمه للمشترى جاز البيع لزوال المانع فكذلك البيع الاول في المشترك لم يجز لدفع الضرر عن الشريك فإذا باع ما بقى من المشترى الاول فقد زال ذلك المعنى وإذا كانت دارا لرجل إلى جنبها دار فتصدق بالحائط الذي يلي دار جاره على رجل وسلمه إليه ثم باعه ما بقى من الدار فلا شفعة فيها للجار لان ملكه غير متصل بالمبيع فالحائط الموهوب حائل بين المبيع وبين ملك الجار ولو اشترى رجل حائطا باصله كان للشفيع فيه الشفعة لان ملكه متصل
[ 181 ] بالمبيع اتصال تأييد فموضع الحائط من الارض داخل في البيع وإذا كان منزل لرجل في دار إلى جنبه في تلك الدار منزل آخر لرجل آخر وحائط المنزلين بين الرجلين نصفان وفي الدار منازل سوى هذين المنزلين وللمنازل كلها طريق في الدار إلى باب الدار الاعظم والدار في درب غير نافذ وفي الدرب دور آخر غير هذه الدار فباع رب أحد المنزلين منزلة فالشريك في الحائط أحق بالشفعة في جميع المنزل لان شركته أعم فهو شريك في نفس المبيع لان حصة البائع من الحائط دخل في البيع وعن زفر انه قال هو أحق بالشفعة في الحائط سوى ذلك من المنزل هو وأهل الدار سواء وكذلك روى عن أبى يوسف لان شركته في موضع معين وليس بشريك في جميع المبيع فانما يترجح هو بالشركة في ذلك الموضع خاصة ألا ترى أنه لو جمع في البيع بين نصيبه من دار ودار أخرى كان شريكه في تلك الدار أحق بالشفعة في تلك الدار خاصة دون الاخرى وجه ظاهر الروية أن الشركة في الحائط أظهر من الشركة في الطريق وإذا كان بالشركة في الطريق يتقدم الشريك على الجار فبالشركة في الحائط أولى وهذا لان الحائط من مرافق جميع المنزل بخلاف الدارين المتفرقتين فان سلم هو الشفعة فالشركاء في الطريق الذي في الدار أحق لشركة بينهم في الدار لان نصيب البائع من الصحن صار مبيعا ولا شركة لاهل الدرب في صحن الدار فان سلموا فالشركاء الملاصقون في الطريق الذي قلنا أحق لوجود الشركة بينهم في طريق خاص في درب غير نافذ فان أسلموا فالجيران الملازقون للدار إلى هذا المنزل فيه شركاء في شفعة هذا المنزل والملاصق منهم لهذا المنزل والملاصق لاقصى الدار سواء لان ملك كل واحد منهم متصل بالمبيع فحصة البائع من صحن الدار داخل في البيع فقيام الاتصال في طريق واحد يكفى للجوار فلهذا أستووا في استحقاق الشفعة وقال أبو حنيفة في السكة التى ليس لها منفذ * باع رجل منهم دارا فهم جميعا شفعاء فيها للشركة بينهم في طريق خاص في الطريق فان كان زقاقا فيه عطف بدور فكذلك أيضا وان كان العطف مربعا فباع رجل فيه دارا فالشفعة لاصحاب العطف دون أصحاب السكة لان موضع العطف المربع لاصحاب العطف خاصة دون أصحاب السكة وفي العطف المدور حقهم جميعا في ذلك الصحن ثابت ولان المربع من العطف بمنزلة سكة في سكة ولو كانت سكة في سكة فبيعت دار في السكة الاقصى فأصحاب تلك السكة أحق بالشفعة من أصحاب السكة الاولى وان بيعت دار في السكة الاولى كانت
[ 182 ] الشفعة لاصحاب السكتين جميعا للشركة الخاصة بينهم في طريق السكة الاولى واختصاص أصحاب السكة الاولى بالطريق في السكة الاقصى وإذا أقر البائع ببيع داره من هذا الرجل وأنه قد قبض منه ثمنها أو لم يقبض الثمن فللشفيع أن يأخذها بالشفعة من البائع لاقراره بثبوت حق الشفيع وان قال بعتها منه وسلمتها إليه ثم أودعتها فللشفيع أن يأخذها بالشفعة لانه أقر بثبوت حق الشفيع فان كان خصما له ثم ادعى بعد ذلك ما يخرجه من الخصومة وهو التسليم ثم الايداع فلا يقبل قوله فيما ادعى وللشفيع أن يأخذها وان جحد المشترى الشراء وان كان أقر أنه باعها من رجل غائب بألف درهم فلا خصومة بين الشفيع وبينه حتى يحضر المشتري لان الشفيع مصدق فيما أقر له به والدار وان كانت في يد البائع فهي مملوكة للمشترى فلا يأخذها الشفيع الا بمحضر منها * رجل ادعي أنه باع من هذه الارض خمسين جرينا من رجل فلم يدع الشفيع الشفعة ثم خاصم فيها إلى القاضي فابطل شفعته لتركه الطلب ثم اختصم البائع والمشترى في مقدار المبيع وقضى القاضى بينهما بالبينة ثم ادعى الشفيع شفعته قال ان وقع القضاء على ماكان بلغ الشفيع أو أقل منه فلا شفعة له وان وقع على أكثر منه فله الشفعة لان تسليمه الشفعة خمسين جرينا بالثمن الذي بلغه تسليم فيما دون ذلك بطريق الاولى ولايكون تسليما في أكثر من ذلك فقد يرغب الانسان في الاخذ عند الكثرة بمالا يرغب فيه عند القلة وإذا اشترى قوم أرضا فاقتسموها دورا وتركوا منها سكة ممشى لهم وهى سكة ممدودة غير نافذة فبيعت دار من أقصاها فهم جميعا شركاء في شفعتها للشركة الخاصة بينهم في الطريق الذي رفعوه بينهم ومن كانت داره أسفل من الدار المبيعة أو أعلى في الشفعة هنا سواء لان شركتهم في الطريق من أول السكة إلى آخرها وليس لبعضهم أن يمنع البعض من الانتفاع بشئ من السكة فلهذا كانوا في الشفعة سواء وكذلك ان كانوا ورثوا الدور عن آبائهم ولا يعرفون كيف كان أصلها فهذا والاول سواء لانهم شركاء في الفناء وهو الطريق الذي في السكة فيستوون في استحقاق الشفعة قال في الكتاب والشريك في الفناء أحق من الجار فان كان مراده فناء مملوكا لهم ملكا خاصا فهو ظاهر وان كان المراد فناء غير مملوك فمع ذلك هم أخص بالانتفاع الفناء ولهم أن يمنعوا غيرهم من الانتفاع به فهو بمنزلة الطريق الخاص بينهم في استحقاق الشفعة * رجل باع دارا فرضي الشفيع ثم جاء يدعى انه لم يعلم ان حدها إلى موضع كذا أو ظن انها أبعد أو أقرب
[ 183 ] ويدعى شفعته حين علم فلا شفعة له علم أو لم يعلم لانه أسقط حقه بعد الوجوب وجهله بوجوب حقه لايمنع صحة تسليمه فجهله بمقدار حقه أولى * رجل أقام البينة أنه اشتري من رجل كل حق هو له في هذه الدار فان كان المشتري يعلم كم نصيب البائع من الدار جاز البيع علم البائع أو لم يعلم الا في رواية عن أبى حنيفة قال ما لم يعلما جميعا كم نصيب البائع لا يجوز البيع لان البيع مشروع للاسترباح وجهل البائع بمقدار نصيبه ربما يفوت مقصوده من البيع كجهل المشترى وفي ظاهر الرواية قال المشترى يتملك بالشراء فلابد من أن يعلم بمقدار ما يتملكه لانه يحتاج إلى القبض فإذا لم يكن معلوما له لا يتمكن من القبض وأما البائع انما يتملك الثمن ويقبض بحكم العقد الثمن ومقداره معلوم له فلا يضر جهله بمقدار نصيبه ألا ترى ان عدم الرؤية من المشترى يثبت الخيار له ومن البائع لا يثبت الخيار له وان لم يعلم المشترى كم نصيب البائع وعلم البائع ذلك أو لم يعلم فالبيع فاسد في قول أبى حنيفة جائز في قول أبى يوسف والمشترى بالخيار إذا علم وقول محمد مضطرب فيه ذكره في بعض النسخ مع أبى يوسف وفي البعض مع أبى حنيفة * وجه قوله قول أبى يوسف ان انعقاد البيع يكون المبيع مالا متقوما وهما يعلمان أن نصيب البائع من الدار مال متقوم قل ذلك أو كثر فيجوز البيع يوضحه أن قلة نصيبه وكثرته يؤثر في الشفعة من حيث الشفعة والجهل باوصاف المبيع لايمنع صحة البيع ولكن يثبت الخيار للمشترى إذا علم به ويجب للشفيع فيه الشفعة وجه قول أبى حنيفة أن هذه جهالة تفضى إلى تمكن المنازعة بينهما أما في الحال ان احتاج المشترى إلى قبض المبيع أو في ثانى الحال ان تقايلا البيع أو رده بالعيب أو أخذه الشفيع والجهالة في المعقود عليه إذا كانت تفضى إلى المنازعة تمنع صحة العقد كبيع شاة من القطيع وإذا أخذ الشفيع الدار بالشفعة فله أن يردها بخيار الرؤية وبخيار العيب على من أخذها منه وان كان المشترى قد رآها ويبرأ من عيوبها عند الشراء لان الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء والمشترى لم يكن نائبا عن الشفيع فرؤيته ورضاه بالعيب لا تعتبر في حق الشفيع وإذا بنى الشفيع في الدار ثم استحقت من مدة رجع الشفيع بالثمن على من كانت عهدته عليه ولم يرجع بقيمة البناء بخلاف المشترى إذا بنى ثم استحقت الدار ونقض بناؤه فانه يرجع بقيمة البناء على البائع لان المشترى مغرور فالبائع أوجب له العقد باختياره وضمن له السلامة من عيب الاستحقاق فإذا ظهر الاستحقاق كان له أن يرجع على البائع بحكم الغرور فاما الشفيع لم يصر مغرورا من جهة أحد لانه أجبر
[ 184 ] المأخوذ منه على تسليم الدار إليه فلا يصير مغرورا يوضح الفرق أن البائع بايجاب البيع مسلط للمشترى على البناء والمأخوذ منه بالشفعة غير مسلط للشفيع على شئ بل هو مجبر على تسليمها إليه فلا يرجع بقيمة البناء عليه ولكنه يهدم بناءه وينقله إلى حيث أحب ونظير هذا الفرق من اشترى جارية واستولدها ثم استحقت فالمشتري يرجع بالثمن وبقيمة الولد على البائع للغرور وبمثله الجارية المأسورة إذا وقعت في سهم رجل فاخذها مولاها بالقيمة واستولدها ثم أقام رجل البينة أنها جاريته دبرها قبل أن تؤسر ردت عليه لان المدبرة لا تملك بالاحراز فيضمن الواطئ عقرها وقيمة الولد لانه وطئها بشبهة ثم يرجع على الذي وقع في سهمه بالقيمة التى أعطاها إياها ولا يرجع بالعقر ولا بقيمة الولد لانه لم يصر مغرورا من جهته فقد كان من وقعت في سهمه مجبرا على تسليمها إليه بالقيمة والغرور ينعدم بهذا ويعوض الذي كانت وقعت في سهمه قيمتها من بيت المال لان نصيبه من القسمة استحق فيثبت له حق الرجوع على شركائه ويتعذر ذلك عليها لتصرفهم فيعوض له من بيت المال لانه لو تعذر قسمة شئ بين الغانمين كالدرة النفيسة يجعل ذلك في بيت المال فكذلك إذا لحقه غرم يجعل ذلك على بيت المال لان الغنم بمقابلة الغرم وان لم يشهد شهود المدعى بالتدبير لم يكن له على الجارية سبيل لان المشركين ملكوها بالاحراز وقد ملكها من وقعت في سهمه ثم تسليمها بالقيمة إلى المدعى بمنزلة البيع المبتدإ فكأنه اشتراها واستولدها ثم حضر المأسور منه وفي هذا لاسبيل له عليها بخلاف المدبرة فانها لا تملك بالاحراز لثبوت حق العتق لها بالتدبير والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (تم الجرء الرابع عشر من كتاب المبسوط)