مبسوط السرخسي - الجزء الرابع عشر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

المبسوط السرخسي ج 14

[ 1 ] (الجزء الرابع عشر من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيظا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسي (تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان

[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم (كتاب الصرف) قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسي إملاء الصرف اسم لنوع بيع وهو مبادلة الاثمان بعضها ببعض والاموال أنواع ثلاثة * نوع منها في العقد ثمن على كل حال وهو الدراهم والدنانير صحبها حرف الباء أولم يصحبها سواء كان ما يقابلها من جنسها أو من غير جنسها * ونوع منها ما هو مبيع على كل حال وهو ما ليس من ذوات لامثال من العروض كالثياب والدواب والمماليك * ونوع هو ثمن من وجه مبيع من وجه كالمكيل والموزون فانها إذا كانت معينة في العقد تكون مبيعه وان لم تكن معينة فان صحبها حرف الباء وقابلها مبيع فهو ثمن وان لم يصحبها حرف الباء وقابلها ثمن فهى مبيعة وهذا لان الثمن ما يثبت دينا في الذمة قال الله تعالى وشروه بثمن بخس دراهم معدودة قال الفراء في معناه الثمن عند العرف ما يثبت دينا في الذمة والنقود لا تستحق بالعقد الا دينا في الذمة ولهذا قلنا انها لاتتعين بالتعين وكان ثمنها على كل حال والعروض لا تستحق بالعقد الا عينا فكانت مبيعة والسلم في بعضها رخصة شرعية لا تخرج به من أن تكون مبيعة والمكيل والموزون يستحق عينا بالعقد تارة ودينا أخرى فيكون ثمنا في حال مبيعا في حال والثمن في العرف ما هو المعقود به وهو ما يصحبه حرف الباء فإذا صحبه حرف الباء وكان دينا في الذمة وقابله مبيع عرفنا أنه ثمن وإذا كان عينا قابله ثمن كان مبيعا لانه يجوز أن يكون مبيعا يحال بخلاف ما هو ثمن بكل حال ومن حكم الثمن أن وجوده في ملك العاقد عند العقد ليس بشرط لصحة العقد وانما يشترط ذلك في المبيع وكذلك فوات التسليم فيما هو ثمن لا يبطل العقد بخلاف المبيع والاستبدال بالثمن قبل القبض جائز بخلاف المبيع والاصل فيه حديث ابن عمر رضى الله عنه حيث سأل رسول الله فقال انى أبيع الابل بالبقيع فربما أبيعه بالدنانير وآخذ مكانها الدراهم أو على عكس ذلك فقال صلى الله

[ 3 ] عليه وسلم لا بأس إذا افترقتما وليس بينكما عمل وإذا ثبت جواز الاستبدال بالثمن قبل القبض ثبت أن فوات التسليم فيه لا يبطل العقد لان في الاستبدال تفويت التسليم فيما استحق بالعقد وبهذا ثبت أن ملكه عند العقد ليس بشرط لان اشتراط الملك عند العقد إما لتمليك العين والثمن دين في الذمة أو للقدرة على التسليم ولا أثر للعجز عن تسليم الثمن في العقد والحكم الذي يختص به الصرف من بين سائر البيوع وجوب قبض البدلين في المجلس وانه لا يكون فيه شرط خيار أو أجل وذلك ثابت بالحديث الذي رويناه فانه قال النبي لا بأس إذا افترقتما وليس بينكما عمل أي مطالبة بالتسليم لوجود القبض قبل الافتراق ولان هذا العقد اختص باسم فيختص بحكم يقتضيه ذلك الاسم وليس ذلك صرف ما في ملك كل واحد منهما لى ملك صاحبه لان البدل من الجانبين يجب ابتداء بهذا العقد لا أن يكون مملوكا لكل واحد منهما قبله ولان ذلك ثابت في سائر البيوع عرفنا أنه يسمى صرفا لما فيه من صرف مافى يد كل واحد منهما إلى يد صاحبه ولم يسم به لوجوب التسليم مطلقا لان ذلك يثبت في سائر البيوع عرفنا انه انما سمى به لاستحقاق قبض البدلين في المجلس ولان هذا العقد مبادلة الثمن بالثمن والثمن يثبت بالعقد دينا في الذمة والدين بالدين حرام في الشرع لنهى النبي عن بيع الكالئ بالكالئ فما يحصل به التعيين وهو القبض لابد منه في هذا العقد وكان ينبغى أن يشترط مقرونا بالعقد لان حالة المجلس تقام مقام حالة العقد شرعا للتيسير وإذا وجد التعيين بالقبض في المجلس يجعل ذلك كالموجود عند العقد وليس أحد البدلين في ذلك بأولى من الآخر فشرطنا القبض فيهما لهذا المعنى ولسنا نعنى بالمجلس موضع جلوسهما بل المعتبر وجود القبض قبل أن يتفرقا حتى لو قاما أو مشيا فرسخ ثم تقابضا قبل أن يتفرقا أي يفارق أحدهما صاحبه حال العقد وكذلك لو ناما في المجلس أو أغمى عليهما ثم تقابضا قبل الافتراق روى ذلك بشر عن أبى يوسف ولهذا لا يجوز شرط الخيار في هذا العقد لان الخيار بعدم الملك فيكون أكثر تأثيرا من عدم القبض قبل الافتراق وبشرط الخيار يمتنع استحقاق ما به يحصل التعيين وهو القبض ما بقى الخيار وكذلك شرط الاجل ينعدم استحقاق القبض الذي يثبت به التعيين فلهذا كان مبطلا لهذا العقد وقد دل ما قلنا على الاخبار التى بدئ الكتاب بها فمنها حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رسول الله قال الفضة بالعضة وزن بوزن يد بيد والفضل ربا إلى

[ 4 ] آخره وقد بدأ بهذا الحديث كتاب البيوع وبينا تمام شرحه في كتاب البيوع ومن ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه باناء خسروانى قد احكمت صنعته فبعثني به لابيعه فاعطيت به وزنه وزيادة فذكرت ذلك لعمر رضي الله عنه فقال اما الزيادة فلا وهذا الاناء كان من ذهب أو فضة وفيه دليل على أنه لاقيمة للصنعة في الذهب والفضة عند المقابلة بجنسها لانه لم يجوز الاعتياض عنها وما كان مالا متقوما شرعا فالاعتياض عنه جائز فعرفنا انه انما لم يجوز لانه لاقيمة للصنعة في هذا الحالة شرعا كما لاقيمة للصنعة في المعارف والملاهي شرعا وفيه دليل أن الذهب والفضة بالصنعة لا تخرج من ان تكون وزنية وان اعتاد الناس بيعها بغير وزن بخلاف سائر الموزونات لان صنعة الوزن فيها ثابتة بالنص فلا تتغير بالعرف بخلاف سائر الاشياء والى ذلك أشار ابن سيرين حين سئل عن بيع اناء من حديد باناءين فقال قد كانوا يبيعون لدرع بالادرع يعنى ان مالا يعتاد الناس وزنه من هذا الجنس لا يكون موزونا ثم ذلك الاناء كان لبيت المال وانما قصد عمر رضي الله عنه ببيعه ان يصرف الثمن إلى حاجة المسلمين ثم وكل به أنس بن مالك رضى الله عنه وفيه دليل على جواز التوكيل بالصرف وعن أبى جبلة قال سألت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقلت انا نقدم أرض الشام ومعنى الورق الثقال النافقة وعندهم الورق الخفاف الكاسدة أفنبتاع ورقهم العشرة بتعسة ونصف فقال لانفعل ولكن بع ورقك بذهب واشتر ورقهم بالذهب ولا تفارقه حتى تستوفى وان وثب من سطح فثب معه وفيه دليل رجوع ابن عمر رضي الله عنهما عن قوله في جواز التفاضل كما هو مذهب ابن عبارس رضي الله عنهما وأنه لاقيمة للجودة في النقود وان المفتى إذا تبين جواب ما سئل عنه فلا بأس ان يبين للسائل الطريق الذي يحصل به مقصوده مع التحرز عن الحرام ولايكون هذا مما هو مذموم من تعليم الحيل بل هو اقتداء برسول الله حيث قال لعامل خيبر هلا بعت تمرك بسلعة ثم اشتريت بسلعتك هذا التمر وفيه دليل أن القليل من الفضل والكثير في كونه ربا سواء لظاهر قوله والفضل ربا وان التقابض قبل الافتراق في الصرف مستحق وان القيام عن المجلس من غير افتراق لايمنع بقاء العقد فانه قال وان وثب من سطح فثب معه للتحرز عن مفارقة احدهما صاحبه قبل القبض وعليه دل حديث كليب بن وائل قال سألت ابن عمر رضي الله عنهما عن الصرف فقال من هذه إلى هذه يعنى من يدك إلى

[ 5 ] يده وإن استنظرك إلى خلف هذه السارية فلا تفعل وانما كنى بهذا اللفظ عن مفارقة احدهما صاحبه قبل القبض لان بالمفارقة يغيب عن بصره وبالاستتار بالسارية يغيب عن بصره أيضا فذكر ذلك على وجه الكتابة عن المفارقة لا أن يكون حقيقة السارية بينهما موجبا للافتراق فان ابتداء العقد بينهما صحيح في هذه الحالة وكون السارية بينهما لا يعد افتراق عرفا وعن محمد بن سيرين انه كان يكره أن يباع السيف المحلى بالفضة بالنقرة مخافة أن تكون الفضة التى أعطى أقل مما فيه ويكره أن يبيعه بالنسيئة ولايرى بأسا بأن يبيعه بالذهب وبه نأخذ فنقول بيعه بالذهب جائز بالنقد لقوله إذ اختلفت النوعان فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون يدا بيد ولايجوز بيعه بالنسيئة سواء باعه بالذهب أو بالفضة لان العقد في حصة الحلية صرف فاشتراط الاجل فيه مفسد ولا ينزع الحلية من السيف إلا بضرر ففساد العقد فيها يفسد في الكل دفعا للضرر أما بيعها بالفضة فعلى أربعة أوجه ان كان يعلم أن فضة الحلية أكثر فهو فاسد وكذلك ان كانت الحلية مثل النقد في الوزن لان الجفن والحمائل فضل خال عن العوض فان مقابلة الفضه بالفضة في البيع تكون بالاجزاء وان كان يعلم أن الفضة في الحلية أقل جاز العقد على أن يجعل المثل بالمثل والباقى بازاء الجفن والحمائل عندنا خلافا للشافعي وان كان لا يدرى أيهما أقل فالبيع فاسد عندنا لعدم العلم بالمساواة عند العقد وتوهم الفضل وعند زفر هذا يجوز فان الاصل الجواز والمفسد هو الفضل الخالى عن العوض فما لم يعلم به يكون العقد مملوكا بجوازه وقد بينا هذا في البيوع وعن أبى بصرة قال سألت ابن عمر رضى الله عنهما عن الصرف قال لا بأس به يدا بيد وسألت ابن عباس رضى الله عنهما فقال مثل ذلك فقعدت في حلقة فيها أبو سعيد الخدري رضى الله عنه فأمرني رجل فقال سله عن الصرف فقلت ان هذا يأمرنى أن أسئلك عن الصرف فقال لى الفضل ربا فقال سله أمن قبل رأيه يقول أو شئ سمعه من رسول الله فذكرت ذلك له فقال أبو سعيد رضى الله عنه بل سمعته من رسول الله اتاه رجل يكون في نخله برطب طيب فقال من أين هذا فقال أعطيت صاعين من تمر ردئ وأخذت هذا فقال أربيت فقال ان سعر هذا في السوق كذا وسعر هذا كذا فقال أربيت ثم قال صلوات الله عليه هل لابعته بسلعة ثم ابتعت بسلعتك تمرا فقال أبو سعيد رضى الله عنه الفضل في التمر ربا

[ 6 ] والدراهم مثله فقال أبو بصرة فلقيت بعد ذلك ابن عمر رضى الله عنهما فقال لاخير فيه وأمرت أبا الصهباء فسأل ابن عبارس رضى الله عنهما عن الصرف فقال لا خير فيه وفى هذا دليل رجوع ابن عمر ابن عباس رضى الله عنهما عن فقواهما بجواز التفاضل وقد روى أن عليا رضي الله عنه لما سمع هذه الفتوى عن ابن عباس رضي الله عنهما فقال انك رجل تائه وعن الشعبي قال حدثنى بضعة عشر نفرا من أصحاب ابن عباس رضي الله عنهما الخبر فالخبر انه رجع عن فتواه فقال الفضل حرام وقال جابر بن زيد رضى الله عنه ما خرج ابن عباس رضى الله عنه في الدينا حتى رجع عن قوله في الصرف والمتعة فعلم ان حرمة التفاضل مجمع عليه في الصدر الاول وان قضاء القاضي بخلافه باطل وفيه دليل انهم كانوا يسمعون حكما في حادثة فيلحقون بها ما في معناها فان أبا سعيد رضى الله عنه ذكر أنه سمعه من رسول الله ثم روى الحديث في التمر وبين ان الدراهم مثله وفيه دليل على ان النص في شئ يكون نصا فيما هو في معناه من كل وجه لانه لو كان هذا قياسا فالقياس استنباط بالرأى وما كان يقول بل سمعته من رسول الله وفيه دليل انه لا بأس للمستفتى أن يطالب المفتى بالدليل إذا كان أهلا لذلك فان أبا سعيد رضى الله عنه لم ينكر عليه ذلك وانه لا بأس للانسان أن يأمر غيره بالاستفتاء وان كان هو المحتاج إليه كما فعله هذا الرجل وان كان احتشم أبا سعيد رضي الله عنه فلم يسأله بنفسه كما روى ان الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يجلسون حول رسول الله كان على رؤسهم الطير وكان يعجبهم ان يدخل اعرابي ليسأله ليستفيدوا بسؤاله أو علم هذا الرجل بقول ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما ولم يعجبه ان يظهر الانكار عليهما فامر غيره حتى سأل أبا سعيد الخدري رضي الله عنه فيطالبه بالدليل ليتبين ما هو الصواب فيحصل المقصود من غير أن يستوحش أحد وهذا أقرب إلى حسن العشرة وعن شريح ان رجلا باع طوق ذهب مفضض بمائة دينار فاختصما إلى شريح رضى الله عنه فأفسد البيع وهذا عندنا لانه لم يكن يدري مقدار الذهب الذي في الطوق أو علم انه مائة مثقال أو أكثر أما إذا علم انه دون مائة مثقال فالبيع جائز على أن تكون الزيادة بمقابلة الفضة إلا أن تكون الفضة تمويها فيه بحيث لا يستخلص فيحنئذ لا يعتبر ذلك ولا يحصل بمقابلتها شئ فيكون بمقابلة الصنعة ولاقيمة للصنعة عند اتحاد الجنس وعن عبد الله ابن أبى سلمة رضى الله عنه ان النبي بعث يوم خيبر سعد بن سعد بن مالك

[ 7 ] وسعدا آخر رضى الله عنهما ليبيعا غنائم بذهب فباعاها كل أربعة مثاقيل ذهب تبرا بثلاث مثاقيل عينا فقال لهما رسول الله اريتما فردا وفيه دليل ان للامام ولاية بيع الغنائم وقسمة الثمن بين الغانمين إذا رأى النظر فيه وان له أن يوكل غيره في ذلك وان التفاضل حرام في بيع الغنائم ومال بيت المال كغيرها وان العقد الفاسد يستحق فسخه ورده لان مباشرته معصية والاصرار على المعصية معصية فلهذا قال أربيتما فردا ولم يعاتبهما على ما صنعا لان نزول تحريم الربا كان يومئذ لم يكن اشتهر بعد فعذرهما بالجهل به وعن سليمان بن بشير قال أتانى الاسود بن يزيد فصرفت له الدراهم وافية بدنانير ثم دخل المسجد فصلى ركعتين فيما أظن ثم جاءني فقال اشتربها غلة فجعلت أطلب الرجل الذى صرفت عنده فقال لا عليك ان لا تجده وان وجدته فلا أبالى وفيه دليل جواز التوكيل بالصرف وان التفاضل حرام عند انفاق الجنس لانه كان مقصود الاسود ان يشترى بالدراهم الجياد الغلة وعلم أن الفضل حرام فأمره ان يشترى بها دنانير ثم أمره بأن يشترى بالدنانير الغلة وكان هذا الوكيل اشتغل بطلب ذلك الرجل لانه ظهر عنده أمانته ومسامحته في المعاملة وبين له الاسود أنه كغيره فيما هو مقصودي فلا يتكلف في طلبه وعن أبان بن عباس عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال بعت جام فضة بورق باقل من ثمنه فبلغ ذلك عمر رضى الله عنه فقال ما حملك على ذلك قلت الحاجة قال رد الورق إلى أهلها وخذا اناءك وعارض به ففيه دليل حرمة الفضل وجوب الرد عن فساد العقد وان بسبب الحاجة لا يحل الربا لان الحاجة ترتفع من غير ارتكاب الحرام كما هداه عمر رضي الله عنه بقوله وخذ اناءك وعارض به ولكنه عذره للحاجة ولم يؤد به وكان قصده بالسؤال في الابتداء أن يعلم سبب اقدامه على هذا العقد حتى إذا باشره مع العلم به من غير حاجة ادبه عليه وقد كان مؤدبا يؤدب على ما هو دون ذلك وعن أبى رافع قال سألت عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن الصوغ أصوعه فأبيعه قال وزنا يوزن فقلت انى أبيعه وزنا بوزن ولكن آخذ فيه أجر عمل فقال انما عملك لنفسك ولا تردد شيئا فان رسول الله نهانا أن نبيع الفضة الا وزنا بوزن ثم قال يا أبا رافع ان الآخذ والمعطى والشاهد والكاتب شركاء وفيه دليل حرمة الفضل وانه لاقيمة للصنعة فيما هو مال الربا فان عمر رضي الله عنه بين له أنه في الابتداء عمل لنفسه فلا يستوجب الاجر به على غيره ثم ما يأخذه من الزيادة عوضا عن الصنعة

[ 8 ] ولاقيمة للصنعة في البيع ثم بين شدة الحرمة في الربا بقوله الآخذ والمعطى والكاتب والشاهد فيه سواء أي في الماثم وهو نظير ماروى عن النبي لعن الله في الخمر عشرة وقال الراشى والمرتشي والرايش في النار ولعن الله من أعان الظلمة أو كتب لهم والاصل في الكل قوله ولا تعاونوا على الاثم والعدوان وعن أبى الوداك عن أبى سعيد الخدري رضى الله عنه قال قال رسول الله الذهب بالذهب الكفة بالكفة والفضة بالفضة الكفة بالكفة ولاخير فيما بينهما فقلت انى سمعت ابن عباس رضى الله عنهما يقول ليس في يد بيد ربا فمشي إليه أبو سعيد رضى الله عنه وأنا معه فقال له أسمعت من النبي ما لم نسمع فقال لافحدثه أبو سعيد رضى الله عنه الحديث فقال ابن عباس رضى الله عنهما لاأفتى به أبدا وفيه دليل على ان بيع الذهب والفضة بجنسهما إذا اعتدل البد لان في كفة الميزان جاز البيع وان لم يعلم مقدار كل واحد منهما لتيقننا بالمماثلة وزنا والمماثلة إذ وزن أحدهما بصاحبه أظهر منه إذا وزن كل واحد منهما بالصنجات وفيه دليل رجوع عبد الله بن عباس رضى الله عنهما عن فتواه في اباحة التفاضل وان الحديث صحيح عن رسول الله فقد انقاد لهم ابن عباس رضى الله عنهما وهذا لان أبا سعيد رضى الله عنه كان من كبار الصحابة رضوان الله عليهم معروفا بينهم بالعدالة والورع وانما مشي إلى ابن عباس رضى الله عنهما بطريق الخشية لاظهار الشفقة وان كان لو دعاه إلى نفسه لاتاه وهذا هو الاحسن للكبير في معاملة من هو أصغر منه وعن عمر رضى الله عنه قال لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين فانى أخاف عليكم الربا وقد نقل هذا اللفظ بعينه عن رسول الله فانى أخاف عليكم الارباء وعن ابن مسعود رضى الله عنه انه كان يبيع بقايا بيت المال يدا بيد بفضل فخرج خرجة إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فسأله عن ذلك فقال هو ربا وكان ابن مسعود رضي الله عنه استخلف على بيت المال عبد الله بن سخبرة الاسدي فلما قدم ابن مسعود رضى الله عنه نهاه عن بيع الدراهم بالدراهم بينهما فضل وكان ابن مسعود رضي الله عنه عامل عمر رضى الله عنه بالكوفة على بيت المال فكان من مذهبه في الابتداء ان اختلاف الصنعة كاختلاف النوع وكان يجعل البقاية مع الجيد نوعين فيجوز التفاضل بينهما عملا بقوله إذا اختلفا النوعان فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون يدا بيد ثم سأل عمر رضى الله عنه بين له أن الكل نوع واحد فان الكل فضة

[ 9 ] وقال الفضة بالفضة مثل بمثل يدا بيد والفضل ربا فرجع ابن مسعود إلى قوله لانه بين له الحق في مقالته ومن هذا يقال عالم الكوفة كان يحتاج إلى عالم المدينة يراد به ابن مسعود رضى الله عنهما وقد نقل نحو هذا عن على بن أبى طالب رضى الله عنه فان أبا صالح السمان يقول سألت عليا رضي الله عنه عن الدراهم تكون معى لا تنفق في حاجتى فأشترى بها دراهم تنفق في حاجتى واهضم منها قال لا ولكن بع دراهمك بدنانير ثم اشتر بالدناينر دراهم تنفق في حاجتك وفيه دليل على أن الجياد والزيوف نوع واحد فحرم التفاضل بينهما وهذا لانه لاقيمة للجودة هنا مع قول رسول الله جيدها وردئها سواء فلا يجوز الاعتياض عنها وعن القاسم بن صفوان قال أكريت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ابلا بدنانير فأتيته أنقاضاه وبين يديه دراهم فقال لمولي له انطلق معه إلى السوق فإذا قامت على سعر فان أحب أن يأخذ والا فاشتر له دنانير فاعطها اياه فقلت يا أبا عبد الرحمن أيصلح هذا قال نعم لا بأس بهذا انك ولدت وأنت صغير وفيه دليل جواز استبدال الاخر قبل القبض والآخر كالثمن وقد بينا ان ابن عمر رضي الله عنه سأل رسول الله عن استبدال الثمن قبل القبض فجوز له ذلك فلهذا جواز ابن عمر الاستبدال بالاجر ولكن بشرط أن يرضى به صاحب الحق ولكن لما أشكل على صاحب الحق سأله بقوله أيصلح هذا فقال نعم انك ولدت وأنت صغير أي جاهل لاتعلم حتى تعلم وهكذا حال كل واحد منا فانه لا يعلم حتى يعلم فكأنه مازحه بهذه الكلمة وكنى بالصغر عن الجهل ثم ذكر حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه في الربا عن رسول الله في الاشياء الستة وقال في آخره إذا اشتريتم بعضه ببعض فاشتروه كيف شئتم يدا بيد يعنى بذلك إذا اختلف النوعان وقال معاوية رضي الله عنها ما بال أقوام يحدثون عن رسول الله أحاديث لم نسمعها فقال عبادة رضي الله عنه أشهد انى سمعت هذا من رسول الله ثم أعاد الحديث ثم قال لاحدثن به وان رغم أنف معاوية وكان معاوية رضى الله عنه ممن يجوز التفاضل في الابتداء ثم رجع إلى الحديث فلهذا قال ما قال وقيل انه أراد أن يستثبته في روايته ومعاوية رضى الله عنه من رواة حديث الربا فيحتمل أن يكون مراده بقوله آحاديث لم نسمعها ما ذكره في آخر الحديث وان اشتريتم بعضه ببعض فأكد عبادة رضي الله عنه روايته بيمينه فان قوله أشهد بمعنى أحلف ثم قال لاحدثن به لانى أتيقن بسماعه من

[ 10 ] رسول الله وقد أمرنا رسول الله بالتبليغ فلا أدعه بقول معاوية رضى الله عنه بل أحدث به وان رغم أنف معاوية وعن أبى الاشعث الصنعانى قال خطبنا عبادة بن الصامت رضى الله عنه بالشام فقال أيها الناس انكم أحدثتم بيوعا لا يدرى ماهى ألا وان الذهب بالذهب وزنا بوزن تبره وعينه ألا وان الفضة بالفضة تبرها وعينها سواء ولا بأس ببيع الذهب بالفضة يدا بيد والفضة أكثر ولا يصلح نسيئة ألا وان الحنطة بالحنطة مدين بمدين ألا وان الشعير بالشعير مدين بمدين ولا بأس ببيع الشعير بالحنطة يدا بيد والشعير أكثرهما ولا يصلح نسيئة ثم ذكر في التمر والملح مثل ذلك ثم قال من زاد أو استزاد فقد أربى وفيه دليل ان الفاسد بيع فانه قال انكم أحدثتم بيوعا ومراده ما كانوا يباشرونه من عقود الربا وفيه دليل على أن ما يجرى فيه الربا من الاشياء المكيلة نصف صاع لان قوله مدين بمدين عبارة عن ذلك وفيه دليل أنه كما يحرم أخذ الربا يحرم اعطاؤه فالمستزيد آخذ والزائد معطى وقد سوى بينهما في الوعيد وعن عمر رضي الله عنه أنه قال الذهب بالذهب مثل بمثل والورق بالورق مثل بمثل لا تفضلوا بعضها على بعض لا يباع منها غائب بناجز فانى أخاف عليكم الرما والرما هو الربا وان استنظرك إلى أن تدخل بيته فلا تنتظره ومعنى قوله لا يباع غائب بناجز أي نسيئة بنقد وفيه دليل الربا كما يثبت بالتفاوت في البدلين في القدر يثبت بتفاوتهما بالنقد والنسيئة وان القبض قبل الافتراق لابد منه في عقد الصرف وكنى عنه بقوله فان استنظرك إلى أن يدخل بيته وعن الشعبي رضي الله عنه قال لا بأس ببيع السيف المحلى بالدراهم لان فيه حماثله وجفنه ونصله ومراده إذا كان وزن الحلية أقل من وزن الدارهم ليكون الفضل بازاء الجفن والحمائل وعن الحسن أن أصحاب رسول الله ورضى الله عنهم كانوا يتبعايعون فيما بينهم السيف المحلى والمنطقة المفضضة وبه نأخذ فنقول يجوز بيع ذلك بالعروض وبالنقد بخلاف الجنس بشرط قبض حصة الحلية في المجلس وبالنقد من جنس الحلية بشرط أن يكون وزنه أكثر من وزن الحلية وعن إبراهيم قال الاقالة بيع وهكذا عن شريح معناه كالبيع في الحكم وبه نأخذ فنقول الاقالة في الصرف كالبيع يعنى يشترط التقابض من الجانبين قبل الافتراق كما في عقد الصرف وهو معنى قول علمائنا رحمهم الله ان الاقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق غيرهما ووجوب التقابض في المجلس من حق الشرع فالاقالة فيه كالبيع وعن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال

[ 11 ] سمعت عمر رضى الله عنه على المنبر يقول أيها الناس لا تبيعوا الدراهم بالدرهمين فان ذلك ربا العجلان ولكن من كان عنده سحق درهم فليخرج به إلى السوق وليقل من يبتاع سحق هذا الدرهم فليبتع به ما شاء والمراد بقوله فان ذلك ربا العجلان أي ربا النقد وهو إشارة إلى ان الربا نوعان في النقد والنسيئة والمراد بقوله سحق درهم البقاية التى لا تنفق في حاجة يقال ثوب سحق أي خلق وفيه دليل أنه لا بأس بالشراء بالزيوف ولكن بعد بيان عينها لينتفي الغرر والتدليس كما ذكره عمر رضي الله عنه وعن إبراهيم انه لم يكن يرى بأسا باقتضاء الورق من الذهب والذهب من الورق بيعا كان أو قرضا أو كان بسعر يومه وبه نأخذ فيجوز الاستبدال بثمن المبيع وفي بدل القرض قبل القبض وذكر الطحاوي أن الاستبدال قبل القبض لا يجوز وكأنه ذهب بذلك إلى انه لما كان لا يثبت فيه الاجل فهو بمنزلة مالا يجوز الاستبدال به قبل القبض وبمنزلة دين لا يقبل الاجل كبدل الصرف وهو وهم منه فان القرض انما لا يقبل الاجل لانه بمنزلة العارية وما يسترد في حكم عين المقبوض على ما نبينه في بابه والاستبدال بالمستعار قبل الاسترداد جائز وعن إبراهيم أنه كان يكره أن يشترى الرجل الثوب بدينار الا درهم وبه نأخذ فان الدرهم انما يستثنى من الدينار بالقيمة وطريق معرفة القيمة الحزر والظن فكان المستثنى مجهولا وبجهالته يصير المستثنى منه مجهولا أيضا والبيع بثمن مجهول لا يجوز وإذا اشترى الرجل الدراهم بدراهم أجود منها ولا يصلح له إلا وزنا بوزن جيدها ورديئها ومصوغها وتبرها وابيضها واسودها في ذلك سواء للاحاديث التى رويناها فقد ذكر فيها صاحب الشرع مقابلة الفضة بالفضة واسم الفضة يتناول كل ذلك وكذلك الذهب بالذهب جيده ورديئه وتبره ومصوغه نافقه وغير نافقه في ذلك سواء لانه لاقيمة للجودة والصنعة فيها عند مقابلتها بجنسها فوجود ذلك كعدمه ولا يجوز فيه شئ من الاجل لما بينا أن التقابض واجب في مجلس العقد وترك أحد البدلين في المجلس مبطل للعقد فالتأجيل مناف لما هو مقتضى هذا العقد واشتراط ما ينافى مقتضي العقد مبطل له وإذا اشتري فضة بيضاء جيدة بفضة سوداء بأكثر منها ومع البيضاء ذهب أو فلوس أو عروض فهو جائز عندنا وعند الشافعي رحمه الله لا يجوز لان الانقسام على مذهبه باعتبار القيمة فيصيب البيضاء أكثر من وزنهامن الفضة السوداء وعندنا يجعل من السوداء بازاء البيضاء مثل وزنها والباقى بازاء ما زاد ترجيحا لجهة الجواز على جهة الفساد وقد

[ 12 ] قررنا هذا الفصل في البيوع وعلى هذا لو اشتري منطقة أو سيفا محلى بدراهم أكثر منها وزنا يجوز عندنا ولايجوز عند الشافعي واستدل فيه بحديث فضالة بن عبيد قال أصبت قلادة يوم خيبر فيها خرز وذهب فبعتها باثنى عشر دينارا ثم سألت رسول الله فقال لا حتى يفصل وتأويل ذلك عندنا إذا كان يعلم أيهما أكثر وزنا أو يعلم أن وزن الذهب الذي في القلادة أكثر أو مثل المنفصل وفي هذه الوجوه عندنا لا يجوز العقد وإذا اشترى لجاما مموها بفضة بدراهم بأقل مما فيه أو أكثر فهو جائز لان التمويه لون الفضة وليس بعين الفضة ألا ترى أنه لا يتخلص منه شئ فلا يجرى الربا باعتباره وعلى هذا لو اشترى دارا مموهة بالذهب بثمن مؤجل فانه يجوز وان كان بسقوفها من التمويه بالذهب أكثر من الفضة أو الذهب لانه لا يتخلص منه شئ فلا يعتبر ذلك في حكم الربا ولافي وجوب التقابض في المجلس وإذا اشترى الرجل عشرة دراهم بدينار من رجل فانتقد أحدهما وأخذ الآخر رهنا بحقه فيه فهلك الرهن قبل الافتراق فهو جائز والرهن بما فيه لان عقد الرهن يثبت يد الاستيفاء ويتم ذلك بهلاك الرهن من المالية دون العين حتى كانت العين هالكة على ملك الراهن فيجعل استيفاؤه قبل الافتراق بهلاك الرهن بمنزلة الاستيفاء حقيقة وقد بينا في السلم الاختلاف في الرهن والكفالة برأس المال فهو كذلك يبدل في الصرف وإذا كان حلى ذهب فيه لؤلؤ وجوهر لايستطيع أن يخلصه منه الا بضرر فاشتراه رجل بدينار لم يجز حتى يعلم أن الدينار فيه أكثر مما فيه من الذهب وعلى قول زفر إذا لم يعلم أيهما أكثر فالعقد جائز أيضا وقد بينا نظيره في السيف المحلى فان باعه بدينار نسيئة لم يجز فان في حصة الحلية العقد صرف فيفسد شرط الاجل واللؤلؤ والجوهر لا يمكن تخليصه وتسليمه الا بضرر فإذا فسد العقد في بعضه فسد في كله ولايجوز شراء الفضة بالفضة مجازفة لايعرف وزنها أو وزن أحدهما لقوله الفضة بالفضة مثل بمثل والمراد المماثلة في الوزن فاما أن يكون المراد أن يكون مثلا بمثلا عند الله أو عند المتعاقدين ونحن نعلم أن الاول ليس بمراد فالاحكام لاتبنى على مالا طريق لنا إلى معرفته عرفنا أن المراد العلم بالمماثلة عند المتعاقدين فصار هذا شرط جواز العقد وما هو شر جواز العقد إذا لم يقترن بالعقد يفسد العقد فان وزنا بعد العقد وكانا متساويين فان كانا بعد في مجلس العقد فجواز العقد استحسانا لان مجلس العقد جعل كحالة العقد ألا ترى ان انعدام الدينية في البدلين شرط جواز العقد ثم إذا

[ 13 ] انعدم ذلك بالتقابض في المجلس جعل كالمقترن بالعقد فكذلك العلم بالمماثلة وان وزنا بعد الافتراق عن المجلس جعل كالمقترن بالعقد فكذلك العلم بالمماثلة فالعقد فاسد عندنا وقال زفر ان كانا متساويين فالعقد جائز لانه قد تبين أن شرط الجواز وهى المماثلة كان موجودا عند العقد فانه لا تأثير للوزن في احداث المماثلة وانما يظهر به مماثلة كانت موجودة وعلم المتعاقدين بوجود الشرط جواز العقد ليس بشرط لصحة العقد كما لو تزوج امرأة بمحضر من الشاهدين ولا يعلم بهما المتعاقدان ولكنا نقول قد بينا أن العلم بالمماثلة شرط الجواز هنا وذلك لا يحصل الا بالوزن فيصير الوزن الذي هو فعل المتعاقدين من شرط جواز العقد كالايجاب والقبول شرط انعقاد العقد فكما يفصل هناك بين المجلس ومابعده فكذلك يفصل هنا ثم الفصل موهوم والموهوم فيما يبنى على الاحتياط كالمتحقق وتأثير الفضل في افساد العقد كتاثير عدم القبض وأقوى فكما أن ترك القبض حتى افترقا مفسد لهذا العقد فكذلك توهم الفضل بترك الوزن حتى افترقا يكون مفسدا وان اشترى سيفا محلى بفضة بدراهم بأكثر مما فيه ثم تفرقا قبل التقابض فسد البيع كله لانه شئ واحد لا يتبعض معناه ان العقد فسد في حصة الحلية بترك التقابض ولا يمكن ابقاؤه صحيحا في حصة الجفن والحمائل كما لا يجوز ابتداء البيع في الجفن والحمايل والنصل دون الفضة فان قبض السيف ونقد من الثمن حصة الحلية في المجلس جاز لان قبض حصة الحلية في المجلس مستحق وقبض حصة الجفن والحمايل غير مستحق فيصرف المقبوض إلى ماكان القبض فيه مستحقا لان ما ليس بمستحق لا يعارض المستحق وإذا انصرف إليه فانما وجد الافتراق بعد التقابض فيما هو صرف وكذلك ان أجر البقية إلى أجل معلوم فهو جائز لانه ثمن مبيع لا يشترط فيه القبض في المجلس فيصح التأجيل فيه وإذا اشترى عشرة دراهم بدينار فتقابضا ثم وجد فيها درهما ستوقا أو رصاصا فان كانا لم يتفرقا استبدله لان المقبوض ليس من جنس حقه فكأنه لم يقبضه أصلا وتأخير القبض إلى آخر المجلس لا يصير وان كانا قد افترقا فليس له أن يتجوز به لان الستوق والرصاص ليس من جنس الدراهم فيكون مستبدلا به لامستوفيا ولكن يرده وكان شريكا في الدينار بحصته لانه تبين أنه كان قبض في المجلس تسعة دراهم ولم يقبض درهما حتى افترقا طعن عيسي في هذا اللفظ فقال قوله كان شريكا في الدينار بحصته غلط والصحيح انه شريك في مثل ذلك الدينار بالعشر لان النقود عندنا لاتتعين في العقود والفسوخ ألا ترى انهما بعد التقابض لو

[ 14 ] تفاسخا العقد لم يجب على واحد منهما رد المقبوض من النقد بعينه ولكن ان شاء رده وان شاء رد مثله فكذلك هنا لا يصير شريكا في عين ذلك الدينار وانما له عشر الدينار دينا في ذمته الا أن يتراضيا على أن يرد عليه عشر ذلك الدينار ولكن ما ذكره في الكتاب أصح لان بالافتراق قبل القبض يفسد العقد من الاصل لوجود شرط الفساد وهو الدينية لان الدين بالدين حرام ولكن إذا وجد القبض في المجلس جعل كالموجود عند العقد فإذا لم يوجد كان العقد فاسدا من أصله فتبين أن حصته من الدينار مقبوضة بحكم عقد فاسد فيجب رده بعينه لان وجوب الرد من حكم القبض هنا لا من حكم العقد والنقود تتعين بالقبض كما في القبض بحكم الهبة وإذا اشترى الرجل من الرجل ألف درهم بمائة دينار وليس عند كل واحد منهما درهم ولا دينار ثم استقرض كل واحد منهما مثل ما سمى ودفعه إلى صاحبه قبل أن يتفرقا جاز لان كل واحد منهما يتلزم المسمى في ذمته بالعقد وذمته صالحة للالتزام فصح العقد ثم الشرط التقابض قبل الافتراق وقد وجد * قال ولا يشبه هذا العروض والحيوان وحقيقة المعنى في الفرق أن السلع مستحقة بالعقد مبيعا وحكم البيع في المبيع وجوب الملك والتسليم فما لم يكون موجودا في ملكه لا يمكن اثبات حكم البيع فيه واضافة السبب إلى محل لا يفيد حكمه لا يجوز وأما النقود فمستحقة بالعقد ثمنا وحكم العقد في الثمن وجوبه ووجوده به معا وذلك متحقق بالذمة الصالحة للالتزام وان لم يكن موجودا في ملكه عينا فلهذا كان العقد صحيحا قال وليس هذا مثل بيع الرجل ما ليس عنده لان الدراهم والدنانير ثمن وهو إشارة إلى مابينا وفيه بيان أيضا أن المنهى عنه بيع ما ليس عند الانسان فالبيع محله المبيع وذلك في السلع دون الاثمان فلذلك جوزنا الشراء بثمن ليس عنده وكل واحد من المتعاقدين بهذه الصفة وكذلك شراء تبر الذهب بتبر الفضة أو تبر الفضة بتبر الذهب وليس ذلك عند واحد منهما ثم استقرضه كل واحد منهما ودفعه إلى صاحبه فهو جائز لان الذهب والفضة ثمن بأصل الخلقة فالتبر والمضروب في كونه ثمنا سواء وهذا إذا كان التبر يروج بين الناس رواج النقود وقد بينا الكلام في الشركة بالتبر في كتاب الشركة ولو اشترى اناء مصوغا أو قلب فضة بذهب أو بفضة تبر ثم استحق الاناء أو القلب بطل البيع وان كانا في المجلس بخلاف الدراهم والدنانير فانها إذا استحقت قبل الفرقة فعليه أن يعطى مشتريها مثلها ولا يبطل الصرف لان القلب يتعين بالتعيين والدراهم والدنانير لاتتعين فباستحقاق المقبوض من

[ 15 ] الدراهم والدنانير ينعدم القبض وترك القبض إلى آخر المجلس لا يضر أما استحقاق القبض فينعدم بتسليم المعقود عليه وذلك مبطل للعقد ألا ترى أن حكم العقد في القلب وجوب الملك ولهذا يشترط وجوده في ملك العاقد عند العقد وقدرته على التسليم فعرفنا أنه مبيع فباستحقاقه يبطل البيع بخلاف النقود على ما نبينه وهذا إذا لم يجز المستحق العقد اما إذا أجازه جاز العقد لان الاجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء وعن أبى يوسف قال ان قال المستحق أثبت ملكى لاجيز العقد فله أن يجيزه وان لم يقل ذلك فاستحقاقه ابطال منه للبيع لانه يطلب من القاضي أن يقضي له بملك متقرر وذلك مناف لسبب الازالة فليس له أن يجيز العقد بعد ذلك والنقود لاتتعين في عقود المعارضات بالتعيين عندنا ويتعين عند زفر والشافعي حتى لو اشترى شيئا بدراهم معينة فحبسها وأعطى البائع مثلها فليس له أن يأتي ذلك عندنا ولو هلكت تلك الدراهم أو استحقت لا يبطل البيع عندنا ويبطل عند زفر والشافعي رحمهما الله لان هذا تصرف صدر من أهله في محله فيصح به التعين كما في السلع وهذا بدل في عقد معاوضة فيتعين بالتعين كالمبيع وبيان الوصف ان النقود تملك أعيانها وموجب عقد المعاوضة الملك فيما يملك عينه من المال فيكون محلا لموجب العقد وكان هذا التعيين مصادفا محله والدليل عليه أن النقود تتعين بالقبض حتى ان الغاصب لو أراد حبس الدراهم المغصوبة ورد مثلها لم يكن له ذلك وكذلك في الهبة تتعين حتى يكون للواهب الرجوع في عينها وفي الصدقة والوصية كذلك وكذلك في عقود المعاوضات وهذا لان في التعيين فائدة لهما أما للبائع فلانه إذا ملك العين كان أحق به من سائر غرماء المشترى بعد موته ولا يملك المشترى ابطال حقه بالتصرف فيه وربما يكون ذلك من كسب حلال فيرغب فيه مالا يرغب في غيره وأما منفعة المشترى فمن حيث انه لا يطالب بشئ آخر إذا هلكت تلك العين في يده وان تكون ذمته خالية عن الدين وبهذا الطريق تتعين الدراهم في الوكالة حتى لو دفع إليه الدراهم ليشترى بها شيئا فهلكت بطلت الوكالة ويتعين في النذر أيضا والدليل على أنها تتعين في البيع أن الغاصب إذا اشترى بالدراهم المغصوبة بعينها طعاما ونقدها لا يباح له تناولها ولو لم تتعين لحل له ذلك كما لو اشترى بدراهم مطلقة ثم نقد تلك الدراهم وقال في الجامع إذا قال ان بعت هذا العبد بهذا الالف وبهذا الكر فيهما صدقة فباعه بهما يلزمه التصدق بالكر فلو لم تتعين تلك الدراهم لما لزمه التصق كما لو باعه بألف مرسلة وبذلك الكر ولاجل هذه المسألة كان الكرخي يقول

[ 16 ] النقود تتعين في العقود جوازا لااستحقاقا حتى لا يملك عينها بالعقد ولهذا لا يلزمه التصدق بالدراهم وتعتبر بعينها حتى يتصدق بالكر وحجتنا في ذلك أن الاستبدال بالنقود قبل القبض يجوز وان عينت ولو تعينت حتى ملك عينها لصار قبضها مستحقا وفي الاستبدال تفويت القبض المستحق بالعقد فلا يجوز ذلك كما في السلع ولو كان العقد يبطل بهلاكها بعد التعيين لم يجز الصرف فيها قبل القبض لبقاء الغرر في الملك المطلق للتصرف كما في السلع فان منع الشافعي هذا الفصل يستدل بحديث ابن عمر رضي الله عنهما حيث قال لرسول الله انا نبيع الابل بالبقيع فربما نبيعها بالدراهم ونأخذ مكانها دنانير فقال لا بأس إذا افترقتما وليس بينكما عمل ولم يستفسره أنهم يبيعون بالدراهم المعينة أو غير المعينة وفيه طريقان من حيث المعنى أحدهما أن تعيين النقد غير مقيد فيما هو المقصود بالعقد فيكون لغوا كتعيين الصنجات والمكيال وهذا لانه انما يراعى في العقد ما يكون مفيد ألا ترى أن أصل العقد إذا لم يكن مقيدا لا يعتبر فكذلك الشرط في العقد وبيان الوصف ان التعيين لا يفيد جواز العقد فان العقد جائز بتسمية الدراهم المطلقة من غير تعيين والمقصود بالعقد الربح وذلك بقدر الدراهم لا بعينها وليس في غير الدراهم والدنانير مقصود انما المقصود المالية وما وراء ذلك هي والاحجار سواء والمالية باعتبار الرواج في الاسواق ومثلها وعينها لا يختلف في هذا المعنى فعرفنا أن التعيين غير مفيد فيما هو المطلوب بالعقد وبه فارق المكيل والموزون فالتعيين هناك مفيد لجواز العقد لان بدون التعيين لا يجوز العقد الا بذكر الوصف وربما يعجز عن اعلام الوصف فيسقط ذلك عن نفسه بالتعيين ولان أعيانها مقصودة وهى تتفاوت في الربع فكان تعيينها مفيدا في الجملة اما ما ذكر من الفوائد فليس من مقاصد العقد وانما يطلب فائدة التعيين فيما هو المقصود بالعقد وفيما هو المقصود وهو ملك المال الدين أكمل من العين لان بدون التعيين لا ينتقد العقص وبالتعيين ينتقض فانه إذا استحق المعنى أو هلك بطل ملكه فيه وإذا ثبت دينا في الذمة لا يتصور هلاكه ولا بطلان الملك فيه بالاستحقاق والطريق الآخر وهو أن التعيين لو اعتبر في النقد يبطل به العقد بالاجماع العقد صحيح فعرفنا أن التعيين لغو وبيان هذا من وجهين أحدهما وهو أن النقود لا تستحق في عقود المعاوضات الا ثمنا والثمن ما يكون في الذمة كما قاله الفراء فإذا اعتبر ثبوت التعيين امتنع ثبوت المسمى في الذمة ثمنا وذلك ينافي موجب العقد فيكون مبطلا للعقد والثانى وهو أن حكم العقد في الثمن وجوبه

[ 17 ] ووجوده معا بالعقد بخلاف السلع فحكم العقد فيها وجوب الملك للمشترى فيما كان مملوكا للبائع ولهذا يشترط للعقد على السلع قيامها في ملك البائع الا في موضع الرخصة وهو السلم فلا يشترط ذلك في السلم حتى يجوز الشراء بثمن ليس عنده من غير ضرورة ولا يتعين الا في موضع الرخصة وهو السلم فهناك يتعين بالقبض دون التعيين حتى لو افترقا بعد تعيين رأس المال قبل القبض لا يجوز ولا ينجبر ذلك النقص بقبض ما يقابله في المجلس وهو المسلم فيه فعرفنا أن تعيين الدراهم هناك بالقبض باعتبار الضرورة وان ذلك لا يثبت بالتعيين فكذلك في باب الصرف بعد التعيين من الجانبين يبطل بالافتراق قبل القبض وأظهر من هذا كله جواز الاستبدال برأس مال السلم قبل القبض بخلاف المبيع عينا كان أو دينا فكان التعيين في الثمن ابطالا لحكمه وجعلا لما هو الحكم شرطا وهذا تغيير محض فيكون مبطلا للعقد وبالاجماع العقد صحيح فعرفنا أن التعيين لغو وبهذا ظهر الجواب عن قوله ان التعيين يصرف في محله والفرق بين الثمن والسلعة واعتبار العقد بالقبض ساقط لان القبض لايرد الا على العين فكان التعيين ركنا فيه والعقد لايرد على الثمن انما يجب الثمن بالعقد ولا يتحقق ذلك الا إذا كان دينا في الذمة وفي الوكالة عندنا لا يتعين حتى لو اشترى الوكيل بمثل تلك الدراهم في ذمته كان مشتريا للموكل ولو هلك بعد الشراء رجع على الموكل بمثلها اما قبل الشراء إذا هلكت فانما بطلت الوكالة عندنا لانها غير لازمة في نفسها والموكل لم يرض بكون الثمن في ذمته عند الشراء فلو بقيت الوكالة لاستوجب الوكيل بالشراء الدين في ذمة الموكل وهو لم يرض به وفي مسألة الشراء بالدراهم المغصوب لاتتعين تلك الدراهم حتى لو أخذها المغصوب منه كان على الغاصب مثلها دينا ولكنه استعان في العقد والنقد بما هو حرام فيتمكن فيه الخبث فلهذا لا يحل له تناوله وفي مسألة الجامع لم تتعين الدراهم أيضا بدليل انه لا يلزمه التصدق بها ولكنه لما أضاف النذر اليهما مع ان الدراهم لاتتعين في عقود المعاوضات صار تقدير كلامه كانه قال ان سميت هذه الدراهم وهذا الكر في بيع هذا العبد فهما صدقة وقد وجد ذلك وملك الكر بنفس العقد والشروط في الاثمان تعتبر بحسب الامكان * قال وإذا اشترى الرجل ألف درهم بعينها بمائة دينار والدراهم بيض فأعطاه مكانها سوداء ورضى بها البائع جاز ذلك لان هذا ليس باستبدال والسود والبيض من الدراهم جنس واحد وانما أبرأه عن الصفة حتى يجوز بالسود فكان مستوفيا بهذا الطريق لا مستبدلا ومراده من السود المضروب

[ 18 ] من النقرة السوداء الا الدراهم التجارية حتى انه لو باع دينارا بدراهم بيض وقبض مكان الدراهم البيض التجارية فانه لا يجوز لانه يكون استبدالا لاختلاف الجنس وكذلك لو قبض الدراهم فأراد أن يعطيه ضربا آخر من الدنانير سوى ماعينه لم يجز ذلك إلا برضاه فان رضى به كان مستوفيا لا مستبدلا لكون الجنس واحدا وقد بينا ان ماعينه لم يتعين وانما استوجب كل واحد منهما في ذمة صاحبه مثل المسمى وقيل هذا إذا اعطاه ضربا هو دون المسمى فان اعطاه ضربا هو فوق المسمى فلا حاجة إلى رضا مشترى الدنانير به لانه أوفاه حقه وزيادة الاعلى قول زفر فانه يقول هو متبرع عليه بزيادة صفة فله أن لا يقبل تبرعه وقد بينا هذا في السلم ولو اشترى ألف درهم بمائة دينار ولم يسم كل واحد منهما شيئا فلكل واحد منهما نقد الناس في ذلك البلد لان المتعارف فيما بين الناس هي المعاملة بالنقد الغالب واليه ينصرف مطلق التسمية والتعيين بالعرف كالتعيين بالنص يقول وإذا كان بالكوفة فهو على دنانير كوفية لان الدراهم والدنانير في البلدان تختلف وتتفاوت في العيار والظاهر أن في كل بلدة انما يتصرف الانسان بما هو النقد المعروف فيها فإذا كان ببلد نقد مختلف متفاضل فالبيع فاسد إلا أن يسمى ضربا من ذلك معلوما والضرب المعلوم أن يذكر من الدينار نيسابوريا أو كوفيا ونحوه ومن الدراهم عطر بعثا أو مؤيديا ونحوه إذا كانت النقود في لرواج سواء لانه لا يمكن ترجيح بعضه عند اطلاق التسمية فيبقى المسمى مجهولا وهذا الجهالة تفضي إلى المنازعة فالمطالب يطالب باعلى النقود والمطلوب بادنى النقود وكل واحد منهما يحتح بمطلق التسمية فلهذا فسد العقد إذا لم يسميا ضربا معلوما وان كان نقدا من ذلك معروفا وشرطا في العقد نقدا آخر فالعقد ينعقد على النقد المشروط لان تعيين النقد الغالب بالعرف ويسقط اعتبار العرف عند التنصيص بخلافه ألا ترى ان تقديم المائدة بين يدى الانسان اذن بالتناول للعرف ثم يسقط اعتباره إذا قال لا تأكل فان اختلفا فقال أحدهما شرطت لى كذا لشئ أفضل من النقد المعروف وقال الآخر لم اشترط لك ذلك فعليهما الثمن لان اختلافهما في صفة الثمن كاختلافهما في مقداره لان الثمن دين والدين يعرف بصفته والجيد منه غير الردئ حتى إذا حضرا كان أحدهما غير الاخر واختلاف المتبايعين في الثمن يوجب التحالف بالنصف فأيهما نكل لزمه دعوى صاحبه لان نكوله كاقراره وان تحالفا ترادا وان قامت لهما البينة أخذت بينة الذي يدعي الفضل منهما لاثبات الزياة فيها * قال وإذا ابتاع الرجل سيفا محلى بفضة بعشرة دنانير

[ 19 ] فقبض السيف ولم ينقد الدنانير لم يتفرقا حتى باع المشترى السيف من آخر وقبضه المشترى الآخر ولم ينقد الثمن حتى افترقوا فانه يرد السيف إلى المشترى الاول لان كل واحد من العقدين صرف فيبطل بالافتراق قبل القبض وإذا بطل العقد الثاني رجع السيف إلى المشترى الاول على الملك الذي كان له قبل البيع وقد فسد شراؤه بالافتراق أيضا فلزمه رد المقبوض إلى البائع ولو لم يفارق الآخر الاوسط حتى فارق الاول ثم نقده الآخر جاز بيع الاوسط في السيف لانه باعه بعدم تمامه ملكه بعد القبض وقد تم العقد الثاني بالتقابض قبل الاقتراق وفسد العقد الاول فوجب على الاوسط رد السيف وقد عجز عن رده باخراجه عن ملكه فيضمن قيمته للبائع وان فارقه الاول ثم ان الاوسط باع السيف من الآخر جاز بيعه أيضا لان العقد وان فسد بالافتراق فقد بقى ملكه ببقاء القبض لان فساد السبب لايمنع ابتداء الملك عند القبض فلا يمنع بقاؤه بطريق الاولى ثم بتقرر بيعه عجز عن رده فيكون ضامنا قيمة السيف لصاحبه وان باع الاوسط نصف السيف ثم فارقه الاول ثم قبض من الآخر الثمن ودفع إليه نصف السيف أو لم يدفع حتى جاء الاول وخاصمهم فانه يدفع إلى الاول نصفه لان ملكه باق في نصف السيف وقد فسد السبب فيه فعيه رده وقد جاز البيع في نصفه فيضمن الاوسط نصف قيمة السيف للاول من الذهب كيلا يؤدى إلى الربا إذا ضمن قيمته من الدراهم * قال وإذا اشترى ألف درهم بمائة دينار فنقد الدنانير وقال الآخر اجعل الدراهم قصاصا بالدراهم التى لى عليك فهو جائز وان أبى لم يجبر على ذلك ولم يكن قصاصا والحاصل أن المقاصة بدل الصرف بدين سبق وجوبه على عقد الصرف يجوز عندنا استحسانا إذا اتفقا عليه وفي القياس لا تجوز وهو قول زفر لان بالعقد المطلق يصير قبض البدلين في المجلس مستحقا وفي المقاصة تفويت القبض المستحق بالعقد فلا يجوز بتراضيهما كما لا يجوز الابراء عن بدل الصرف والاستبدال به وهذا لان في المقاصة يكون آخر الدينين قضاء عن أولهما ولايكون أولهما قضاء عن آخرهما لان القضاء يتلو الوجوب ولا يسبقه فلو جوزنا هذه المقاصة صار قاضيا ببدل الصرف الدين الذي كان واجبا وبدل الصرف يجب قبضه ولايجوز قضاء دين آخر به والدليل عليه رأس مال السلم فانهما لو جعلاه قصاصا بدين سبق وجوبه لم يجز فكذلك بدل الصرف لان كل واحد منهما دين مستحق قبضه في المجلس ووجه الاستحسان أنهما لما اتفقا على المقاصة فقد حولا عقد الصرف إلى ذلك الدين ولو أضافا العقد

[ 20 ] إليه في الابتداء جاز بأن يشترى بالعشرة التى عليه دينارا ويقبض الدينار في المجلس فكذلك إذا حولا العقد إليه في الانتهاء لانهما قصد تصحيح هذه المقاصة فلا طريق له سوى هذا ومالايتوصل إلى المقصود الا به يكون مقصودا لكل واحد ولهذا شرطنا تراضيهما على المقاصة وان كان في سائر الديون المقاصة تقع بدون التراضي لان هذا تحويل العقد إلى ذلك الدين والعقد قد تم بهما فالتصرف به بالتحويل لا يكون الا بتراضيهما وعند التراضي العقد القائم بينهما حقهما ويملكان استدامته ورفعه فيملكان التصرف فيه بالتحويل من محل إلى محل وهذا خير مما يقوله العراقيون رحمهم الله ان عند اتفاقهما على المقاصة يجعل كأنهما فسخا العقد الاول ثم جداده مضافا إلى ذلك الدين لانه لو كان الطريق هذا لم يجز لانه بالاقالة يصير رد المقبوض مستحقا في المجلس والدليل عليه أنهما لو جعلا بدل الصرف قصاصا بدين تأخر وجوبه عن عقد الصرف لا يجوز في ظاهر الرواية ولو كان التصحيح بطريق الفسخ للعقد الاول لجاز والدين المتقدم والمتأخر في ذلك سواء وانما الفرق بينهما على الطريق الاول أنهما يملكان تحويل العقد إلى ماكان يصلح منهما اضافة العقد إليه في الابتداء وذلك في الدين الذي سبق وجوبه على عقد الصرف دون ما تأخر وجوبه عنه وأشار في الزيادات إلى ان المقاصة أيضا تقع بالدين المتأخر عن عقد الصرف وذكر في رواية أبى سليمان مثل ما ذكر في الزيادات ولكن المعتمد هو الاول وبهذا فارق رأس مال السلم فانهما لو اضافا عقد السلم إلى رأس مال هو دين على المسلم إليه لم يجز ذلك إذا افترقا قبل قبض رأس المال فكذلك إذا حولا العقد إليه في الانتهاء بخلاف عقد الصرف وهذا لان ما يقابل رأس المال هناك دين وبالمقاصة لا يتعين رأس المال فيكون دينا بدين وهنا ما يقابل الدين غير مقبوض في المجلس والافتراق عن عين بدين جائز فان أدى بعض الدراهم ثم فارقه قبل أن يؤدي البقية انتقص من الصرف بقدر ما بقى اعتبار للبعض بالكل والفساد لمعنى طارئ في بعض العقد لا يتعدى إلى ما بقى ولو وكل احدهما وكيلا بالدفع والقبض جاز بعد أن يقبض الوكيل قبل أن يفترق المتعاقدان ولا معتبر بذهاب الوكيل لان القبض من حقوق العقد فيتعلق بالمتعاقدين وفعل وكيل أحدهما له كفعله بنفسه وليس لواحد منهما أن يشترى من صاحبه شيئا بثمن الصرف قبل أن يقبضه لما في الاستبدال من تفويت القبض المستحق بالعقد في المجلس ولان القبض معتبر التعيين ولا يحصل ذلك فيما يتناوله عقد الصرف بطريق الاستبدال

[ 21 ] وكذلك لا يشترى به من غيره شيئا لان التصرف في الدين مع من عليه أقرب إلى النقود منه مع غيره فإذا لم يجز الاستبدال ببدل الصرف مع من عليه الدين فمع غير من عليه الدين أولى أن لا يجوز * وإذا اشترى ابريق فضة وزنه ألف درهم بألف درهم ونقد خمسمائة وقبض الابريق ثم افترقا فانه يلزم نصف الابريق ويبطل نصفه اعتبارا للبعض بالكل ولا يتخير في الرد بسبب عيب التبعيض لانه حصل بفعله حين لم ينقد بعض البدل بخلاف مااذا استحق نصف الابريق فانه يتخير فيما بقى منه لان التبعيض في الاملاك المجتمعة عيب فان تقاصا قبل الافتراق ثم وجد بالابريق عيب كثيرا أو هشيما غير نافذ فله أن يرده بالعيب لانه بمطلق العقد استحق صفة السلامة وقد فات ذلك بوجود العيب والقلب والطوق والمنطقة والسيف المحلى بمنزلة الابريق في جميع ما ذكرنا وان كان حين وجد العيب بالابريق لم يرده حتى انكسر عنده لم يستطع رده لانه بالرد يدفع الضرر عن نفسه وليس له أن يلحق الضرر بالبائع وفي الرد بعد حدوث العيب الحاق الضرر به ولا يرجع بنقصان العيب أيضا لان نقصان العيب من الثمن فإذا رجع به يصير العقد ربا لانه يبقى بمقابلة الابريق أقل من وزنه من الفضة الا أن يكون الثمن دنانير فيرجع بنقصان العيب لانه لا ربا عند اختلاف الجنس وان لم يجد به عيبا ولكنه استحق نصفه ولم يرد النصف الباقي على البائع حتى انكسر الابريق لزمه النصف الباقي بالعيب الحادث عنده فيه ورجع بنصف الثمن لان العقد في النصف المستحق قد بطل. وإذا اشترى الرجل عشرة دراهم بدينار ونقده الدينار ثم اشترى منه ثوبا بعشرة دراهم فتراضيا على أن تكون العشرة قصاصا ببدل الصرف لا يجوز لان هذا دين تأخر وجوبه عن عقد الصرف ولانه في معنى الاستبدال وان استقرض عشرة دراهم من بائع الدينار ثم قضاها اياه بعد ما قبضها جاز ذلك لان المقرض صار مملوكا له بالقبض وصار كسائر أمواله فهو كما لو استقرض من غيره سواء لان الافتراق عن مجلس عقد الصرف قد حصل بعد قبض البدلين وانما الباقي لاحدهما على صاحبه بدل القرض وإذا اشترى عشرة دراهم بدينار وتقابضا الا درهما واحدا بقى من العشرة فاراد الذي اشتري منه الدراهم أن يأخذ منه عشر الدينار حين لم يكن عند الآخر الدرهم فله ذلك لان العقد فسد في عشر الدينار بالافتراق قبل قبض الدرهم وهذه مطعونة عيسى وقد بيناها فان اشترى منه بعشر الدينار فلوسا أو عرضا مسمى جاز لان عقد الصرف لما فسد فيه بقى ملكا له في يد صاحبه أو دينا له على صاحبه واجبا بسبب القبض دون عقد

[ 22 ] الصرف فيجوز الاستبدال به كبدل القرض وان كان قبل الافتراق فالدراهم مستحق له بعقد الصرف والاستبدال ببدل الصرف قبل القبض لا يجوز. وإذا كان لرجل على رجل الف درهم من قرض أو غيره فباع دينه من رجل آخر بمائة دينار وقبض الدنانير لم يجز وعليه ان يرد الدنانير لان البيع لايرد الا على مال متقوم وما في ذمته زيد لا يكون مالا متقوما في حق عمرو فلا يجوز بيعه منه ولان البائع لا يقدر على تسليمه حتى يستوفى ولا يدري متى يستوفى وهذا على قول من يقول النقد المضاف إليه يتعين في العقد وكذلك بيع الدين من غير من عليه الدين والشراء بالدين من غير من عليه الدين سواء كل ذلك باطل وعلى قوله زفر الشراء بالدين من غير من عليه الدين صحيح كما يصح ممن عليه الدين لان الشراء لا يتعلق بالدين المضاف إليه ألا ترى انه لو اشترى بالدين المظنون شيئا ثم تصادقا على ان لا دين كان الشراء صحيحا بمثل ذلك الثمن في ذمته فكذلك هنا يصح الشراء بمثل ذلك الدين في ذمة المشترى وهذا لانه إذا أضاف العقد إلى عين فانه انما يتعين ذلك لتتميم الملك فيه ولا يحصل هذا المقصود عند اضافة الشراء إلى الدين ولكنا نقول ملك الدين من غير من عليه الدين بالبدل وإذا ملك بغير بدل لم يجز فإذا ملكه ببدل أولى ثم للفساد هنا طريقان أحدهما أنه باضافة الشراء إلى ذلك الدين يصير كأنه شرط لنفسه الاجل إلى ان يخرج ذلك الدين فيتمكن من أداء الثمن ولا يدرى متى يخرج وشرط الاجل المجهول مفسد للبيع والثاني انه شرط أن يكون ثمن المشترى في ذمة غير المشترى مستحقا بالشراء وذلك لا يجوز وبه فارق مااذا اشترى بالدين ممن عليه أو اشترى بالدين المظنون شيئا وإذا كانت الدراهم أو الدنانير وديعة عند رجل فباع الدراهم بالدنانير أو الدنانير بالدراهم وتقابضا فجاء صاحبها فأخذها من البائع فان كانا لم يتفرقا كان له عليه مثلها لان المقبوض استحق فكأنهما لم يتقابضا إلى آخر المجلس وانما انعقد العقد بمثل ماعينه دينا في ذمته وان كانا قد افترقا يبطل الصرف إذا أخذها المستحق لانتقاص القبض بالاستحقاق من الاصل وان لم يقبضها المستحق ولكنه أجاز البيع جاز ذلك عندنا وكان له مثلها على المودع وقال زفر الصرف باطل لان الافتراق حصل قبل الملك فان المستحق لا يملك قبل الاجازة وقبل تمام القبض فان الموقوف لا يكون تاما فلا ينفذ العقد بعد ذلك بالاجازة كما لو افترقا ولاحدهما شرط خيار ثم أسقط الخيار ولكنا نقول افترقا بعد تمام السبب وبعد تمام القبض لان العقد الموقوف سبب ملك تام

[ 23 ] فالقبض الذي ينبنى عليه يكون تاما أيضا وانما فيه خيار حكمي للمستحق وذلك لايمنع تمام العقد والقبض كخيار الرؤية والعيب فإذا أسقط هذا الخيار بالاجازة تبين أن الافتراق حصل عن قبض تام فالاجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء بخلاف شرط الخيار فانه يجعل العقد في حق الحكم كالمتعلق بالشرط على ما بينه في بابه ان شاء الله وان كانت الوديعة ابريق فضة فباعه بمائة دينار وتقابضا فأجاز صاحبه البيع كان الثمن له لان المودع هنا بائع الابريق فانه بمنزلة العروض ومن باع ملك الغير بغيره أمره فأجاز صاحبه كان الثمن له وفي الاول المودع مشترى الدنانير لنفسه بالدراهم ثم نقد دراهم الوديعة دينا عليه فكان مستقرضا فإذا أجازه صاحبه كان له عليه مثل دراهمه وان اشترى رجل عشرة دراهم ودينارا باثنى عشر درهما فهو جائز عندنا على أن تكون العشرة بالعشرة والفضل بالدينار ولو اشترى دينارا أو درهما بدينارين أو درهمين فهو جائز عندنا استحسانا على أن يصرف الجنس إلى خلاف الجنس وقد بيناه في السلم والله أعلم (باب الخيار في الصرف) قال وإذا اشترى الرجل من الرجل ألف درهم بمائة دينار واشترط الخيار فيه يوما فان بطل الخيار قبل أن يتفرقا جاز البيع وان تفرقا قبل أن يبطله وقد تقابضا فالبيع فاسد لانهما تفرقا قبل تمام القبض وهذا لان الخيار يدخل على حكم العقد فيجعله متعلقا بالشرط لان قوله على أنى بالخيار شرط ولا يمكن ادخاله على نفس السبب فالبيع لا يحتمل التعليق بالشرط فيجعل داخلا على الحكم ولو دخل على السبب كان داخلا على الحكم أيضا ومعنى الغرر أن ادخاله على الحكم دون السبب أقل والقبض من حكم العقد والحكم المتعلق بالشرط معدوم قبله فإذا سقط الخيار قبل أن يتفرقا فانما افترقا بعد قبض تام وإذا افترقا قبل اسقاط الخيار فانما افترقا قبل تمام القبض وهذا بناء على أصلنا أن المفسد إذا زال قبل تقرره يصير كأنه لم يكن خلافا لزفر وقد بيناه في البيوع وكذلك ان كان الخيار للبائع أو لهما طالت المدة أو قصرت وكذلك الاناء بالمصوغ والسيف المحلى والطوق من الذهب فيه لؤلؤ وجوهر لا يتخلص الا بكسر الطوق لان العقد في حصة الطوق يفسد بشرط الخيار فيفسد في الكل لانه لا ينفصل البعض عن البعض في التسليم الا بضرر فاما اللجام المموه وما أشبهه فان شرط

[ 24 ] الخيار في بيعه صحيح لان التموية لا يتخلص ولايكون العقد باعتباره صرفا واشتراط الخيار فيما سوى الصرف والسلم من البيوع صحيح * وإذا اشترى جارية وطوق ذهب فيه خمسون دينار بالف درهم واشترط الخيار فيهما يوما فالعقد فاسد كله عند أبى حنيفة وعندهما يجوز في الجارية بحصتها من الثمن لان فساد العقد عندهما في بعض ما تناوله العقد لا يتعدى إلى ما بقى بل يقتصر على ما وجد فيه العلة المفسدة وعند أبى حنيفة يتعدى إلى ما بقى لان قبول العقد فيما فسد فيه العقد شرط لقبوله فيما بقي وهذا شرط فاسد وقد بينا هذا لاصل في البيوع وهما يفرقان بين هذا والاول فيقولان هناك يتعذر تصحيح العقد في حصة المبيع لما في تميز البعض من البعض من الضرر ولا يوجد ذلك هنا لانه لاضرر في تمييز الجارية من الطوق في التسليم وكذلك لو اشتراهما بمائة دينار وشرط الاجل فاشتراط الاجل هنا كاشتراط الخيار وأبو حنيفة فرق بين هذا وبين مااذا ترك التقابض حتى افترقا فانه يبطل العقد في حصة الطوق دون الجارية لان المقيد هناك طارئ وقد وجد في البعض وهو حصة الصرف فلا يتعدى إلى ما بقى وعند اشتراط الخيار أو الاجل المفسد مقارن للعقد وقد تقرر في الكل معنى من حيث ان قبول العقد في البعض يكون شرطا لقبوله في الباقي وان اشتراهما بحنطة أو عرض واشترط الخيار فهو جائز لان العقد بينهما بيع وليس بصرف وكذلك لو اشترى رطلا من نحاس بدرهم واشترط الخيار فيه فهو جائز لانه ليس بصرف والخيار جائز في كل ما ليس بصرف يعنى كل بيع لا يشترط فيه القبض في المجلس فالصرف مبادلة الاثمان بعضها ببعض اتفق الجنس أو اختلف وقد بينا هذا والله أعلم (باب البيع بالفلوس) وإذا اشترى الرجل فلوسا بدراهم ونقد الثمن ولم تكن الفلوس عند البائع فالبيع جائز لان الفلوس الرائجة ثمن كالنقود وقد بينا ان حكم العقد في الثمن وجوبها ووجودها معا ولا يشترط قيامها في ملك بائعها لصحة العقد كما لا يشترط ذلك في الدراهم والدنانير وان استقرض الفلوس من رجل ودفع إليه قبل الافتراق أو بعده فهو جائز إذا كان قد قبض الدراهم في المجلس لانهما قد افترقا عن عين بدين وذلك جائز في عين التصرف وانما يجب التقابض في الصرف بمقتضى اسم العقد وبيع الفلوس بالدراهم ليس بصرف وكذلك لو افترقا بعد قبض

[ 25 ] الفلوس قبل قبض الدراهم وعلى ما ذكر ابن شجاع عن زفر رحمهما الله لا يجوز هذا العقد أصلا لان من أصل زفر أن الفلوس الرائجة بمنزلة المكيل والموزون تتعين في العقد إذا عينت وإذا كانت بغير عينها فان لم يصحبها حرف الباء لا يجوز العقد لانه بيع ما ليس عند الانسان وان صحبها حرف الباء وبمقابلتها عوض يجوز العقد لانها ثمن وان كان بمقابلتها النقد لا يجوز العقد لانها تكون مبيعة إذا قابلها مالا يكون الا ثمنا اما عندنا فالفلوس الرائجة بمنزلة الاثمان لاصطلاح الناس على كونها ثمنا للاشياء فانما يتعلق العقد بالقدر المسمى منها في الذمة ويكون ثمنا عين أو لم يعين كما في الدراهم والدنانير وان لم يتقابضا حتى افترقا بطل العقد لانه دين بدين والدين بالدين لا يكون عقدا بعد الافتراق وذكر في الاملاء عن محمد لو اشترى مائة فلس بدرهم على أنهما بالخيار وتفرقا بعد القبض فالبيع باطل لان العقد لايتم مع اشتراط الخيار فكأنهما تفرقا قبل التقابض وإذا كان الخيار مشروطا لاحدهما فتفرقا بعد التقابض فالبيع جائز لان التسليم يتم ممن لم يشترط الخيار في البدل الذي من جانبه وقبض أحد البدلين هنا يكفى بخلاف الصرف ولكن هذا التفريع انما يستقيم على قول من يقول المشروط له الخيار يملك عرض صاحبه اما عند أبى حنيفة فالمشرطو له الخيار كما لا يملك عليه البدل الذي من جانبه لا يملك البدل الذي من جانب صاحبه فاشتراط الخيار لاحدهما يمنع تمام القبض فيهما جميعا وان اشترى خاتم فضة أو خاتم ذهب فيه فص أو ليس فيه فص بكذا وسا وليست الفلوس عنده فهو جائز ان تقابضا قبل التفريق أو لم يتقابضا لان هذا بيع وليس بصرف فانما افترقا عن عين يدين لان الخاتم يتعين بالتعين بخلاف ما سبق فان الدراهم والدنانير لاتتعين بالتعيين فلهذا شرط هناك قبض أحد البدلين في المجلس ولم يشترط هنا وكذلك ما اشترى من العروض بالفلوس لو اشترى بها فاكهة أو لحما أو غير ذلك بعد أن يكون المبيع بعينه لان الفلوس ثمن كالدراهم ولو اشترى عينا بدرهم جاز العقد وان تفرقا قبل القبض فهذا مثله وسواء قال اشتريت مثل كذا فلسا بدرهم أو درهما بكذا فلسا لان الفلوس الرائجة ثمن كالنقد عندنا صحبها حرف الباء أو لم يصحبها وقيام الملك في الثمن عند العقد ليس بشرط وان اشترى متاعا بعشرة أفلس بعينها فله أن يعطى غيرها مما يجوز بين الناس وان أعطاها بعينها فوجد فيها فلسا لا ينفق استبدله كما يستبدال الزيف في الدراهم لانه مادام ثمنا فانما يثبت في الذمة فلا يتعين بالتعيين ثم ذكر بيع فلس بعينه بفلسين بأعيانهما وقد تقدم بيان هذه الفصول في البيوع إلا

[ 26 ] أنه هناك ذكر قول أبى يوسف رحمه الله وهنا ذكر قول أبى حينفة رحمه الله وقول أبى يوسف وعلل لهما فقال لا يوزن معناه انه مصنوع من النحاس لا يعتاد وزنه فيكون بمنزلة الاواني التى لاتباع وزنا وبيع قمقمة بعينها بقمقمتين بأعيانهما يجوز فكذلك الفلوس وإذا اشترى مائة فلس بدرهم فنقد الدرهم وقبض من الفلوس خمسين وكسدت الفلوس بطل البيع في الخمسين النافقة لانها لو كسدت قبل أن يقبض منها شيأ بطل العقد في الكل فكذلك إذا كسدت قبل أن يقبض بعضها اعتبارا للبعض بالكل وعلى قول زفر إذا كانت معينة حتى جاز العقد لا يبطل العقد بالكساد لان العقد يتناول عينها والعين باقية بعد الكساد وهو مقدور التسليم ولكنا نقول العقد تناولها بصفة الثمينة لما بينا انها مادامت رائجة فهى تثبت في الذمة ثمنا وبالكساد تنعدم منها صفة الثمنية ففى حصة ما لم يقبض انعدام أحد العوضين وذلك مفسد للعقد قبل القبض وكان صفة الثمنية في الفلوس كصفة المالية في الاعيان ولو انعدمت المالية بهلاك المبيع قبل القبض أو بتخمر العصير فسد العقد فهذا مثله ثم يرد البائع النصف درهم الذي قبضه لفساد العقد فيه وللمشترى أن يشترى منه بذلك النصف الدرهم ما أحب لانه دين له في ذمته وجب بسبب القبض فكان مثل بدل القرض ولو لم تكسد ولكنها رخصت أو غلت لم يفسد البيع لان صفة الثمنية قائمة في الفلوس وانما تعتبر رغائب الناس فيها وبذلك لا يفوت البدل ولا يتعيب وللمشترى ما بقي من الفلوس ولاخيار له في ذلك ولو اشترى مائة فليس بدرهم فلم يقبضها حتى باعها من آخر بدرهم لم يجز لانه استحق الفلوس دينا فانما باع الدين من غير من عليه وقد بينا أن المبادلة بالدين من غير من عليه لا يجوز وكذا لو باع الآخر الدرهم قبل ان يقبضه من رجل بفلوس أو غيرها لم يجز لهذا المعنى * قال وإذا اشترى مائة فلس بدرهم فلم يقبضها حتى باع من رجل تسعين فلسا بدرهم ثم قبض تلك الفلوس ونقد منها تسعين واستفصل عشرة فهو جائز مستقيم كما لو قبض المائة وهذا لانه بالعقد الثاني يلتزم الفلوس في ذمته ولا يضيف العقد إلى دين في ذمة غيره فيكون صحيحا والربح انما يحصل له على ملكه وضمانه فيكون طيبا له وان اشترى فاكهة أو غيرها بدانق فلوس أو بقيراط فلوس فهو جائز لان ذلك معلوم ولو اشترى شيئا من ذلك بدرهم فلوس كان مثل ذلك في القياس وهو في الدرهم أفحش ولم ينص على حكم الجواز والفساد هنا وروى هشام عن محمد فيما دون الدرهم انه يجوز وان قال بدرهم فلوس أو بدرهمين لا يجوز وهو اختيار الشيخ الامام أبى بكر محمد بن الفضل البخاري وعن أبى يوسف انه يجوز في الكل

[ 27 ] وعند زفر لا يجوز ما لم يبين عدد الفلوس لان العقد لا يتعلق بالدانق ولا بالدرهم وانما يتعلق بالفلوس فلابد من أن تكون معلومة العدد ولا يحصل ذلك بتسمية الدانق والدرهم لان الناس قد يستقصون في بيع الفلوس وقد يتسامحون ولان الدانق والدرهم ذكر للوزن والفلوس عددي فيلغوا اعتبار ذكر الوزن فيه بنفى ذكر الفلوس فلا يجوز العقد الا ببيان العدد ولا يحصل ذلك بتسمية الدانق والدراهم وأبو يوسف يقول بذكر الدانق والدرهم يصير عدد الفلوس معلوما لان قدر ما يوجد بالدراهم من الفلوس معلوم في السوق فتسمية الدرهم كتسمية ذلك العدد في الاعلام على وجه لاتمكن المنازعة فيه بينهما ومحمد يقول فيما دون الدرهم يكثر الاستعمال بين الناس للعبارة عما يوجد به من عدد الفلوس فيقام مقام تسمية ذلك العدد وفي الدرهم وما زاد على ذلك قلما يستعمل هذا اللفظ. يوضح الفرق أن الدانق والدانقين لا يكون معلوم الجنس الا بالاضافة وقد يكون ذلك من الذهب والفضة وغيرهما من الموزونات فانما يصير معلوما بذكر الفلوس فاقمنا ذلك مقام تسمية العدد واما الدرهم فمعلوم بنفسه غير مضاف إلى شئ فلا يجعل عبارة عن العدد من الفلوس فلهذا قال هو في الدرهم أفحش (رجل) أعطى لرجل درهما فقال أعطني بنصفه كذا فلسا وأعطني بنصفه درهما صغيرا وزنه نصف درهم فهو جائز لانه جمع بين عقدين يصح كل واحد منهما بالانفراد * قال فان افترقا قبل أن يقبض الفلوس والدرهم الصغير بطل في الدرهم الصغير لان العقد فيه صرف وقد افترقا قبل قبض أحد البدلين ولم يبطل العقد في الفلوس لان العقد فيه بيع وان افترقا قبل قبض أحد البدلين ولم ينقد الثمن حتى افترقا بطل الكل لانهما افترقا عن دين بدين وان كان دفع إليه الدرهم وقال أعطني بنصفه كذا فلسا وأعطني بنصفه درهما صغيرا يكون فيه نصف درهم الا حبة ففى قياس قول أبى حنيفة يفسد البيع كله وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يجوز في الفلوس ويبطل في حصة الصرف لان العقد في الدرهم الصغير يفسد لمعنى الربا فان مقابلة نصف الدرهم بنصف درهم الا حبة يكون ربا وعند أبى حنيفة إذا فسد العقد في البعض لمعنى الربا يفسد في الكل وقد بيناه في البيوع * قال رضي الله عنه الاصح عندي ان العقد يجوز في حصة الفلوس عندهم جميعا على ما وضع عليه المسألة في الاصل فانه قال وأعطني بنصفه الباقي درهما وإذا تكرر الاعطاء يتفرق العقد به وفساد أحد العقدين لا يوجب فساد الآخر ألا ترى أن على هذا الوضع لا يكون قبول العقد في أحدهما شرطا للقبول في الآخر

[ 28 ] الا أن يكون وضع المسألة على ما ذكر الحاكم في المختصر وفي النصف الباقي درهم صغير فحينئذ يكون العقد واحدا لانه لم يتكرر ما به ينعقد العقد وهو قوله أعطني ولو قال أعطني كذا فلسا ودرهما صغيرا وزنه نصف درهم الا قيراطا كان جائزا كله إذا تقابضا قبل أن يتفرقا لانه قابل الدرهم هنا بما سمى من الفلوس ونصف درهم الاقيراط فيكون مثل وزن الدرهم الصغير من الدرهم بمقابلته والباقى كله بازاء الفلوس * رجل باع درهما زائفا لا ينفق من رجل قد علم عيبه بخمسة دوانيق فلس فهو جائز لان خمسة دوانيق فلس اسم لمائة فلس إذا كان كل عشرين بدانق وبيع الدرهم بمائة فلس صحيح وكذلك ان باعه بنصف درهم فلوس ودرهم صغير وزنه دانقان إذا تقابضا قبل التفرق لانه يقابل الدرهم الصغير من الدرهم الزيف مثل وزنه والباقى كله بازاء الفلوس وان باعه اياه بخمسة دوانيق فضة أو بدرهم غير قيراط فضة لم يجز لانه باع الفضة بالفضة متفاضلا في النبهرجة والزيوف من جنس الفضة بخلاف الستوق ولو قال بعنى بهذه الفضة كذا فلسا فهو جائز لانهما نوعان مختلفان وان باعه إياه بخمسة أسداس درهم أو بنصف درهم لم يجز لان حقيقة ما سمى يقع على الفضة دون الفلوس وان كان قد يراد به الفلوس مجازا ولكن ذاك لا يثبت الا بالتنصيص على الفلوس لان المجاز لا يعارض الحقيقة وعلى هذا لو اشترى شيئا بدانق أو بدانقين أو بنصف درهم فهذا كله يقع على الفضة إلا أن يقرن بكلامه ذكر الفلوس فحينئذ تكون عبارة عن عدد من الفلوس مجازا وان اشترى بدرهم فلوسا وقبضها ولم ينقد الدرهم حتى كسدت الفلوس فالبيع جائز والدرهم دين عليه لان العقد في الفلوس قدانتهى بالقبض وصفة الدرهم لم تتغير بكساد الفلوس فبقى دينا على حاله وان نقد الدرهم ولم يقبض الفلوس حتى كسدت في القياس هو جائز أيضا لان بالكساد لا تتغير عينها ولا يتعذر تسليمها الا بالعقد وفي الاستحسان بطل العقد لفوات صفة الثمنية في الفلوس قبل القبض وعليه أن يرد الدرهم لانه مقبوض في يده بسبب فاسد وكذلك لو اشترى فاكهة بالفلوس وقبض ما اشترى ثم كسدت الفلوس قبل أن ينقدها فالبيع ينتقض استحسانا لانها تبدلت معنى حين خرجت عن أن تكون ثمنا وماليتها كانت بصفة الثمنية مادامت رائجة فبفوتها تفوت المالية فلهذا يبطل العقد ويرد ما قبضه ان كان قائما أو قيمته ان كان هالكا وبعض المتأخرين رحمهم الله يقول معنى قوله البيع ينتقض أنه يخرج من أن يكون لازما ويتخير البائع في نقضه لما عليه من الضرر عند كساد الفلوس وقد حصل ذلك

[ 29 ] قبل قبضه فيخير اما أصل المالية فلا ينعدم بالكساد فيبقى العقد كذلك والاول أصح لان انعقاد هذا العقد لم يكن باعتبار مالية قائمة بعين الفلوس وانما كان باعتبار مالية قائمة بصفة الثمنية فيها وقد انعدم ذلك وعن أبى يوسف ان هنا البيع لا ينتقض بخلاف مااذا اشترى بدرهم فلوسا لان هناك بعد الكساد لا يجوز ابتداء ذلك العقد لانها بالكساد تصير مبيعة وبيع ما ليس عند الانسان لا يجوز وهنا ابتداء البيع بعد الكساد يجوز لان ما يقابلها من الفاكهة مبيع فالفلوس الكاسدة بمقابلة المبيع يجوز أن تجعل ثمنا باعتبار انه عددي متقارب كالجوز وغيره وان اشترى فاكهة بدانق فلس والدانق عشرون فلسا فلم يرد الفلوس حتى غلت أو رخصت فعليه عشرون فلسا لان بالغلاء والرخص لا ينعدم صفة الثمنية وصار هو عند العقد بتسمية الدوانق مسميا ما يوجد به من الفلوس وذلك عشرون ولو صرح بذلك القدر لم يتغير العدد بعد ذلك بغلاء السعر ورخصه فهذا مثله. وان اشترى فلوسا بدرهم فوجد فيها فلسا لا ينفق وقد نقد الدرهم فانه يستبدله لانه بمطلق العقد استحق فلوسا نافقة وان لم يستبدله حتى افترقا لم يبطل العقد فيه لان ما بازائه من الدرهم مقبوض كما في الصرف لانه لو اشترى دينار بعشرة دراهم ثم وجد بعض الدراهم زيوفا قبل الافتراق كان له أن يستبدله وان لم يستبدله حتى تفرقا لم يبطل العقد فهذا قياسه وان لم يكن نقد الدراهم استبدله أيضا ما لم يتفرقا لان الدينية إلى آخر المجلس في البدلين عفو وان كانا قد تفرقا وهو فلس لا يجوز مع الفلوس رجع بحصته من الدراهم كما في الصرف وإذا وجد بعض البدل ستوقا بعد الافتراق ينتقض القبض فيه من الاصل وما بازائه غير مقبوض فكان دينا بدين بعد المجلس وان كان يجوز معها في حال ولايجوز في حال استبدله في المجلس قبل أن يتفرقا لانه بمنزلة الزيوف في الدراهم وقد بينا في الصرف والسلم انه إذا وجد القليل زيوفا فاستبدل به في مجلس الرد جاز العقد فجعل اجتماعهما في مجلس الرد كاجتماعهما في مجلس العقد فهذا قياسه وان استحق منها شئ رجع بحصته من الدرهم يعنى إذا كان نقد الدرهم بعد الافتراق لانه بالاستحقاق ينتقض القبض فيه من الاصل فتبين ان الافتراق في ذلك القدر كان عن دين بدين وان استقرض عشرة أفلس ثم كسدت تلك الفلوس لم يكن عليه الا مثلها في قول أبى حنيفة قياسا وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله قيمتها من الفضة استحسانا لان الواجب عليه بالاستقراض مثل المقبوض والمقبوض فلوس هي ثمن وبعد الكساد يفوت صفة الثمنية بدليل مسألة البيع فيتحقق عجزه عن رد مثل ما التزم

[ 30 ] فيلزمه قيمته كما لو استقرض شيئا من ذوات الامثال فانقطع المثل عن أيدى الناس بخلاف مااذا غلت أو رخصت لان صفة الثمنية لا تنعدم بذلك ولكن تتغير بتغير رغائب الناس فيها وذلك غير معتبر كما في البيع وأبو حنيفة يقول الواجب في ذمته مثل ما قبض من الفلوس وهو قادر على تسليمه فلا يلزمه رد شئ كما إذا غلت أو رخصت وهذا لان جواز الاستقراض في الفلوس لم يكن باعتبار صفة الثمنية بل لكونها من ذوات الامثال ألا ترى ان الاستقراض جائز في كل مكيل أو موزون أو عددي متقارب كالجوز والبيض وبالكساد لم يخرج من ان يكون من ذوات الامثال بخلاف البيع فقد بينا أن دخولها في العقد هناك باعتبار صفة الثمنية وقد فات ذلك بالكساد يوضحه أن بدل القرض في الحكم كانه عين المقبوض إذ لو لم يجعل كذلك كان مبادلة الشئ بجنسه نسيئة وذلك لا يجوز فيصير من هذا الوجه كانه غصب منه فلوسا فكسدت وهناك برأ برد عينها فهنا أيضا يبرأ برد مثلها ثم عند أبى يوسف إذا وجبت القيمة فانما تعتبر قيمتها من الفضة من وقت القبض وعند محمد إذا وجبت القيمة فانما يعتبر قيمتها بآخر يوم كانت فيه رائجة فكسدت وهذا بناء على ماذا أتلف شيئا من ذوات الامثال فانقطع المثل عن أيدى الناس فهناك عن أبى يوسف يعتبر قيمته وقت الاتلاف وعند محمد بآخر يوم كان موجودا فيه فانقطع وقد بينا هذا في كتاب الغصب وان استقرض دانق فلوسا أو نصف درهم فلوس فرخصت أو غلت لم يكن عليه الامثل عدد الذي أخذ لان الضمان يلزمه بالقبض والمقبوض على وجه القرض مضمون بمثله وكذلك لو قال أقرضنى دانق حنطة فاقرضه ربع حنطة فعليه أن يرد مثله باعتبار القبض ولا معتبر بتسمية الدانق فيه وكذلك لو قال أقرضى عشرة دراهم بدينا فأعطاه عشرة دراهم فعليه مثلها ولا ينظر إلى غلاء الدراهم ولا إلى رخصها وكذلك كل ما يكال أو يوزن فالحاصل وهو ان المقبوض على وجه القرض مضمون بالمثل وكل ماكان من ذوات الامثال يجوز فيه الاستقراض والقرض لا يتعلق بالجائز من الشروط فالفاسد من الشروط لا يبطله ولكن يلغو شرط رد شئ آخر فعليه أن يرد مثل المقبوض وكذلك ما يعد من الجوز والبيض وان اقترض الجوز بالكيل فهو جائز لانه يكال تارة ويعد أخرى وقد بينا جواز السلم في الجوز كيلا وعددا وما فيه من خلاف زفر فكذلك حكم القرض فيه والاقراض جائز مندوب إليه لقوله القرض مرتين والصدقة مرة وقال الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر وقيل معناه انه لا

[ 31 ] يستقرض إلا المحتاج وقد يتصدق على غير المحتاج ثم الاصل فيه أن ما يكون مضمونا بالمثل على الغاصب والمستهلك له يجوز استقراضه لان المقبوض بحكم القرض مضمون بالمثل من غير احتمال الزيادة والنقصان وما يكون مضمونا بالقيمة لا يجوز الاستقراض فيه لان طريق معرفة القيمة الحزر والظن فلا تثبت به المماثلة المعتبرة في القرض كما لا تثبت به المماثلة المشروطة في مال الربا وأصل آخر وهو أن القرض في معنى العارية لان ما يسترده المقرض في الحكم كانه عين ما دفع إذ لو لم يجعل كذلك كان مبادلة الشئ بجنسه نسيئة وذلك حرام فكل ما يحتمل حقيقة الاعارة مما ينتفع به مع بقاء عينه لا يجوز اقراضه لان اعارته لا تؤثر في عينه حتى لا تملك به العين ولا يستحق استدامة اليد فيه فكذلك اقراضه لا يثبت ملكا صحيحا في عينه وكل ما يتأتى فيه الاعارة حقيقة مما لا ينتفع به الا مع بقاء عينه فاقراضه واعارته سواء لان منافعه لا تنفصل عن عينه فاقراضه واعارته تمليك لعينه وإذا ثبت هذا فنقول الاقراض جائز في كل مكيل أو موزون وكذلك في العدديات المتقاربة كالجوز والبيض لانها مضمونة بالمثل وانما يختلفون في اقراض الخبز فالمروى عن أبى حنيفة أن ذلك لا يجوز وزنا ولاعددا وعن أبى يوسف يجوز وزنا ولايجوز عددا وعند محمد انه يجوز عددا قال هشام فقلت له وزنا فرأيته نفر من ذلك واستعظمه وقال من يفعل ذلك وأما السلم في الخبز فلا يجوز عند أبى حنيفة ولا يحفظ عنهما خلاف ذلك ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول يجوز عندهما على قياس السلم في اللحم ومنهم من يقول لا يجوز لما علل به في النوادر عند أبى حنيفة قال لانه لا يوقف على حده معناه انه يتفاوت بالعجن والنضج عند الخبز ويكون منه الخفيف والثقيل وفي كل نوع عرف لا يحصل ذلك بالاخر ومالايوقف على حده لا يجوز السلم فيه ثم لهذه العلة افسد أبو حنيفة الاستقراض فيه لان السلم أوسع من القرض حتى يجوز السلم في الثياب ولايجوز الاستقراض فإذا لم يجز السلم في الخبز لهذا المعنى فلان لا يجوز الاستقراض أولى وأبو يوسف يقول الخبز موزون عادة والاستقراض في الموزونات وزنا يجوز وقد بينا في البيوع أن استقراض اللحم وزنا يجوز فكذلك الخبز ولايجوز عددا لانه متفاوت فيه الكبير والصغير ومحمد جوز استقراضه عددا لانه صنع الناس وقد اعتادوه وقد نقل ذلك عن إبراهيم انه سئل عمن استقرض رغيفا فرد أصغر منه أو أكبر قال لا بأس به وهو عمل الناس قال الكرخي وانما استعظم محمد قول

[ 32 ] من يقول لا يجوز استقراضه الا وزنا لانه لا يجوز الاستقراض فيه وزنا وهذا لان إعلامه بالوزن أبلغ من إعلامه بذكر العدد فإذا جاز عنده الاستقراض فيه عددا فلان يجوز وزنا أولى ومن أصحابنا رحمهم الله من قال بل استعظم جواز استقراضه وزنا لان القياس فيه ماقاله أبو حنيفة أنه لا يوقف على حده وانما ترك هذا القياس محمد لتعارف الناس وذلك في استقراضه عددا فبقى استقراضه وزنا على أصل القياس وأما الحيوان فلا يجوز استقراض شئ منه عندنا وقال الشافعي يجوز ذلك الا في الجوارى لما روى النبي انه استقرض بكرا ورد رباعيا وقال خيركم أحسنكم قضاء ولان الحيوان مما يثبت دينا في الذمة اما عندي في السلم وعند الكل في النكاح والخلع والصلح في دم العمد فيجوز استقراضه كالمكيل والموزون وهذا لان القرض موجبه ملك المقبوض بعينه وثبوت مثله في الذمة والحيوان محتمل فلما كان ذلك محلا لموجب القرض كان الاستقراض جائزا إلا أن في الجوارى لا أجوز الاستقراض كما لاأجوز السلم على أحد القولين وعل القول الذي يجوز السلم فيه الفرق أن المقصود في الجوارى ملك المتعة وعقد المعاوضة مشروع لاثبات ملك المتعة وأما القرض فبذل بطريق التبرع وملك المتعة لا يثبت بطريق التبرع ولا مدخل للتبرع فيه فلهذا لا يجوز فيه الاستقراض بخلاف سائر الحيوانات فانما هو المقصود لما يعمل فيه البدل ويثبت بطريق التبرع فيجوز استقراضه. وحجتنا في ذلك أن هذا غير مضمون بالقيمة على مستهلكه فلا يجوز استقراضه كالجواري ولهذا تبين انه لا يمكن اثبات الحيوان دينا في الذمة بمقابلة ما هو مال مع اعتبار المعادلة في المالية لانه لا يصار في المستهلكات إلى القيمة الا عند تعذر ايجاب الثمل وموجب القرض ثبوت المثل في الذمة بشرط المعادلة في المماثلة فإذا تعذر ذلك في الحيوان لم يجز استقراضه وبه فارق ثبوت الحيوان في الذمة بدلا عما ليس بمال لان ذلك ليس شرط المعادلة في المماثلة مع أنه لا يثبت في الذمة ثبوتا صحيحا حتى لو أتاها بالقيمة أجبرت على قبوله ولا مدخل لذلك في القرض ابتداء وعذره في الجوارى فاسد لان المقصود ملك العين والمالية وذلك يعمل فيه البدل ويثبت بطريق التبرع ألا ترى أن ملك العين والمالية يثبت فيها بدون ملك المنفعة وهو مااذا كانت أخته من الرضاعة أو منكوحة الغير ولان الحيوان تنفصل منفعته عن عينه والاستقراض لا يجوز في مثله كالحر وتحقيقه ما قلنا ان الاقراض بمنزلة الاعارة ففيما تنفصل المنفعة فيه عن العين تتأتى حقيقة الاعارة فلا حاجة إلى تصحيح

[ 33 ] الاقراض فيه وأما الحديث فانما استقرض رسول الله لبيت المال حتى روى انه قضاه من ابل الصدقة وما كان يقضى ما استقرضه لنفسه من ابل الصدقة وبيت المال يثبت له وعليه حقوق مجهولة وقيل كان استسلف في الصدقة بكرا فان الاستسلاف والاستقراض يتفاوت ثم لم تجب الزكاة على صاحبه المال فرده بعد ما صار رباعيا وقيل هذا كان في وقت كان الحيوان مضمونا بالمثل ثم انتسخ ذلك كما بيناه في أول الغصب فان قبض الحيوان بحكم القرض وجب عليه رده ولو باعه نفذ بيعه وعليه ضمان قيمته لان المقبوض بحكم قرض فاسد بمنزلة المقبوض بحكم بيع فاسد إذ الفاسد معتبر بالجائز لانه لا يمكنه أن يجعل الفاسد أصلا في معرفة حله لان الشرع لايرد به فلابد من اعتباره بالجائز وكذلك العقار والثياب الاستقراض فيها كالاستقراض في الحيوان وفرق علماؤنا رحمهم الله بين السلم والقرض في الثياب فقالوا الثياب لا تثبت في الذمة ثبوتا صحيحا إلا مؤجلا والقرض لا يكون الا حالا وحقيقة المعنى فيه أن المعتبر في المسلم فيه اعلام المالية على وجه لا يبقي فيه تفاوت إلا يسيرا ليكون المقصود بالعقد معلوما للعاقد وذلك في الثياب بذكر الوصف ممكن اما في باب القرض فالشرط اعتبار المماثلة في العين المقبوضة وصفة المالية وذلك لا يوجد في الثياب بدليل أنها لا تضمن بالمثل عند الاستهلاك فلهذا لا يجوز الاستقراض فيها وكذلك لا يجوز اقراض الخشب والحطب والقصب والرياحين الرطبة والبقول لانها مضمونة بالقيمة عند الاستهلاك فاما الحناء والوسمة والرياحين اليابسة التى تكال لا بأس باستقراضها لانها مضمونة بالمثل عند الاستهلاك * ولايجوز الاجل في القرض معناه أنه لو أجله عند الاقراض مدة معلومة أو بعد الاقراض لا يثبت الاجل وله أن يطالبه به في الحال وعند مالك يثبت الاجل في القرض لانه دين لا يستحق قبضه في المجلس فيجوز التأجيل فيه كالثمن والاجرة يدل عليه ان التأجيل اسقاط المطالبة إلى مدة واسقاط المطالبة ببدل القرض لا إلى غاية بالابراء صحيح فالتأجيل فيه أولى أن يصح ولنا فيه طريقان أحدهما أن المقرض متبرع ولهذا لا يصح الاقراض ممن لا يملك التبرع كالعبد والمكاتب فلو لزم الاجل فيه لصار التبرع ملزما المتبرع شيئا وهو الكف عن المطالبة إلى مضى الاجل وذلك يناقض موضوع التبرع وشرط ما يناقض موضوع العقد به لا يصح وكذلك الحاقه به لا يصح فلهذا لا يلزم الاجل فيه وان ذكر بعد العقد والثاني أن القرض بمنزلة العارية على ما قررنا والتوقيت في العارية لا يلزم حتى ان

[ 34 ] المعير وان وقته سنة فله أن يسترده من ساعته فكذلك الاجل في القرض وبه يتبين الجواب عن قوله هو دين لان بدل القرض في الحكم عين المقبوض إذ لو جعل دينا على الحقيقة كان بدلا عن المقبوض في الحكم فيكون مبادلة الشئ بجنسه نسيئة وهذا بخلاف الابراء لانه بالابراء يزيل ملكه وازالة الملك بالتبرع صحيح فاما بالقرض فلا يزيل ملكه فلو لزم الاجل فيه لكان يلزمه الكف عن المطالبة بملكه إلى مضى الاجل وهو مخالف لموضوع التبرع فاما التأجيل في بدل الغصب والمستهلك فيجوز عندنا ولايجوز عند زفر والشافعي رحمهما الله أما مع الشافعي فالكلام ينبنى على أصل وهو ان عنده الاجل لا يثبت في شئ من الديون إلا بالشرط في عقد المعاوضة حتى قال لو أجله في الثمن بعد البيع لا يثبت الاجل لان الشرط انما يعتبر في ضمن العقد اللازم إما منفردا عن العقد فلا يتعلق به اللزوم ولكنا نقول ماكان دينا على الحقيقة إذا لم يكن مستحق القبض في المجلس فاسقاط القبض فيه بالابراء صحيح فكذلك بالتأجيل اما زفر فهو يقول المستهلك مضمون بالمثل كالمستقرض فكما لا يلزم الاجل في القرض فكذلك في بدل الغصب وهذا لان المعتبر فيهما المعادلة في صفة المالية وبين الحال والمؤجل تفاوت في المالية معنى فالتأجيل فيه بمنزلة التزام رد أجود مما قبض أو أزيف أو اردأ منه وذلك لا يكون ملزما * وجه قولنا ان بدل المستهلك دين في الذمة على الحقيقة فاشتراط الاجل فيه يلزم كسائر الديون بخلاف المستقرض فانه في حكم العين والقرض بمنزلة العارية كما بينا ولهذا قال أبو يوسف ان الملك لا يثبت للمستقرض في العين بنفس القبض والمقرض أحق باسترداده ما لم يخرج المستقرض عن ملكه ولكنا نقول المستقرض يملك العين بالقبض لانه يملك المنفعة ومنفعة المكيل والموزون لا تنفصل عن العين فإذا يملك العين التحق بسائر أملاكه وكان الخيار في تعيين ما يرده إلى المستقرض وهذا لانه دين في ذمته صورة وقد جعل كالعين حكما فلاعتبار انه دين صورة جعلنا اختيار محل القضاء إلى من في ذمته ولاعتبار أنه عين حكما قلنا لا يلزم فيه الاجل وعارية الدراهم والدنانير قرض للاصل الذي قلنا ان القرض بمنزلة العارية والعارية في كل مالا يمكن الانتفاع به الا باستهلاك لعينه يكون قرضا وهذا لان المعير مسلط المستعير على الانتفاع بالمستعار على أن يرده عليه وفيما يجوز فيه القرض المنفعة لا تنفصل عن العين فيكون بالاعارة مسلطا له على استهلاك العين في حاجته على أن يرد عليه مثله وذلك اقراض * قال ألا ترى أن المستعير للدراهم لو اشترى جارية كانت له

[ 35 ] وعليه مثلها وهو إشارة لما بينا فانه إذا اشترى جارية وجب ثمنها في ذمته وقد جوز له المعير الانتفاع بتلك الدراهم في حاجته وقضاء الدين من حاجته فكان له أن يقضي الدين بها على أن يضمن مثلها فاما الاواني من الذهب والفضة والجواهر وغيرها فليست بقرض ولكنها عوار لان منافعها تنفصل عن عينها ولا يتعذر حكم الاعارة فيها حتى لو باعها المستعير لم يجز بيعه فيها وكذلك اللالئ ولا كارع والرؤس لا يجوز اقراضها والله أعلم (باب القرض والصرف فيه) قال رحمه الله روي عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضى الله عنهما قالت أعطاني رسول الله أحدا وخمسين وسقا من تمر خيبر وعشرين وسقا من شعير فقال لى عاصم بن عدى أعطيك تمرا هنا وآخذ تمرك بخيبر فقالت لا حتى أسئل عن ذلك فسألت عمر بن الخطاب رضى الله عنه فنهاني عنه وقال كيف بالضمان فيما بين ذلك وبه نأخذ فان هذا ان كان بطريق البيع فاشتراط ايفاء بدل له حمل ومؤنة في مكان آخر مبطل للبيع وهو مبادلة التمر بالتمر نسيئة وذلك لا يجوز وان كان بطريق الاستعراض فهذا قرض جر منفعة وهو اسقاط خطر الطريق عن نفسه ومؤنة الحمل ونهى رسول الله عن قرض جر منفعة وسماه ربا وعن محمد بن سيرين قال أقرض عمر بن الخطاب رضى الله عنه أبى بن كعب رضى الله عنه عشرة آلاف درهم وكانت لابي رضى الله عنه نخل بعجل فأهدى أبى بن كعب رضى الله عنه رطبا لعمر رضى الله عنه فرده عليه فلقيه أبى فقال أظننت اني أهديت اليك لاجل مالك ابعث إلى مالك فخذه فقال عمر لابي رضى الله عنهما رد علينا هديتنا وبه نأخذ فان عمر رضى الله عنه انما رد الهدية مع انه كان يقبل الهدايا لانه ظن أنه أهدى إليه لاجل ماله فكان ذلك منفعة القرض فلما أعلمه أبى رضى الله عنه انه ما أهدى إليه لاجل ماله قبل الهدية منه وهذا هو الاصل ولهذا قلنا ان المنفعة إذا كانت مشروطة في الاقراض فهو قرض جر منفعة وان لم تكن مشروطة فلا بأس به حتى لورد المستقرض أجود مما قبضه فان كان ذلك عن شرط لم يحل لانه منفعة القرض وان لم يكن ذلك عن شرط فلا بأس به لانه أحسن في قضاء الدين وهو مندوب إليه. بيانه في حديث عطاء قال استقرض رسول الله من رجل دراهم فقضاه وأرجح له فقالوا أرجحت فقال

[ 36 ] انا كذلك نزن فإذا جاز الرجحان له من غير شرط فكذلك صفة الجودة قالوا وانما يحل ذلك عند عدم الشرط إذا لم يكن فيه عرف ظاهر أما إذا كان يعرف أنه فعل ذلك لاجل القرض فالتحرز عنه أولى لان المعروف كالمشروط والذي يحكى انه كان لابي حنيفة على رجل مال فاتاه ليطالبه فلم يقف في ظل جداره ووقف في الشمس لاأصل له لان أبا حنيفة كان افقه من ذلك فان الوقوف في ظل جدار الغير لا يكون انتفاعا بملكه كيف ولم يكن مشروطا ولا مطلوبا وذكر عن الشعبي انه كان يكره أن يقول الرجل للرجل أقرضنى فيقول لاحتى ابيعك وانما أراد بهذا اثبات كراهة العينة وهو ان يبيعه ما يساوى عشرة بخمسة عشر ليبيعه المستقرض بعشرة فيحصل للمقرض زيادة وهذا في معنى قرض جر منفعة والاقراض مندوب إليه في الشرع والغرر حرام الا ان البخلاء من الناس تطرقوا بهذا إلى الامتناع مما يدنو إليه والاقدام على مانهوا عنه من الغرور وبنحوه ورد الاثر إذا تبايعتم بالعين واتبعتم اذناب البقر ذللتم حتى يطمع فيكم وعن ابن عمرو الحسن رضي الله عنهما قال في الرجل يكون له على الرجل دراهم فيعطيه دنانير يأخذها بقيمتها في السوق وهذا لان عند اختلاف الجنس لا يظهر الربا بخلاف مااذا كان الجنس واحدا كما ذكر ذلك عن الشعبي وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله بعث عتاب بن أسيد رضى الله عنه إلى مكة وقال انهم عن شرطين في بيع وعن بيع وسلف وعن بيع ما لم يقبض وعن ربح ما لم يضمن وبه نأخذ وصفة الشرطين في البيع أن يقول بالنقد بكذا وبالنسئية بكذا وذلك غير جائز والبيع مع السلف أن يبيع منه شيأ ليقرضه أو يؤجله في الثمن ليعطيه على ذلك ربحا وبيع مال يقبض عام دخله الخصوص في غير المبيع من الصداق وغيره وظهر أن المراد النهى عن البيع مع بقاء الغرور في الملك المطلق للتصرف وذلك في المنقول دون العقار وقد بيناه في البيع وعن ربح ما لم يضمن هو في معنى هذا فان المبيع قبل القبض ليس في ضمان المشترى فما يحصل فيه من الربح لا يطيب له * وزاد في بعض الروايات عن بيع ما ليس عنده يعنى ما ليس في ملكه بيانه في حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه أنه قال لرسول الله اني ربما أدخل السوق فاستجيد السلعة ثم أذهب فابيعها ثم ابتاعها فقال رسول الله لاتبع ما ليس عندك وعن الشعبى قال أقرض عبد الله بن مسعود رضى الله عنه رجلا دراهم فقضاه الرجل من جيد عطائه فكره ذلك ابن مسعود رضى الله عنه فقال لا الا من عرضه مثل دراهمي وعن عامر

[ 37 ] رحمه الله لا بأس بأن يقضي أجود من دراهمه إذا لم يشترط ذلك عليه وقد روى أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يفعله وبه نأخذ وتأويل كراهة ابن مسعود رضى الله عنه ان الرجل انما فعل ذلك لاجل القرض فلهذا كره وقد رد عمر رضى الله عنه الهدية بمثل هذا وعن صلة بن زفر قال جاء رجل إلى ابن مسعود رضي الله عنه على فرس بلقاء فقال انه أوصي إلى في يتيم فقال عبد الله رضي الله عنه لاتشتر من ماله شيئا ولا تستقر من منه شيئا وبه نأخذ فنقول ليس للوصي أن يستقرض من مال اليتيم لانه لا يقرض غيره فكيف يستقرضه لنفسه وهذا لان الاقراض تبرع فلا يحتمله مال اليتيم وبظاهر الحديث يأخذ محمد رحمه الله فيقول إذا اشترى الوصي من مال اليتيم لنفسه شيئا لا يجوز ولكن أبا حنيفة يقول مراده إذا اشترى بمثل القيمة أو بأقل على وجه لا يكون فيه منفعة ظاهرة لليتيم لان مقصوده من هذا الامر له أن ينفى التهمة على نفسه وعن عطاء رحمه الله أن ابن الزبير رضى الله عنه كان يأخذ بمكة الورق من التجار فيكتب لهم إلى البصرة والى الكوفة فيأخذون أجود من ورقهم قال عطاء فسألت ابن عباس رضى الله عنه عن أخذهم أجود من ورقهم فقال لا بأس بذلك ما لم يكن شرطا وبه نأخذ فنقول المنهى عنه هي المنفعة المشروطة اما إذا لم تكن مشروطة فذلك جائز لانه مقابلة الاحسان بالاحسان وانما جزاء الاحسان الاحسان وكذلك قبول هديته واجابة دعوته لا بأس به إذا لم يكن مشروطا وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه كان يأخذ الورق بمكة على أن يكتب لهم إلى الكوفة بها وتأويل هذا عندنا انه كان عن غير الشرط فاما إذا كان مشروطا فذلك مكروه والسفاتج التى تتعامله الناس على هذا ان أقرضه بغير شرط وكتب له سفتجة بذلك فلا بأس به وان شرط في القرض ذلك فهو مكروه لانه يسقط بذلك خطر الطريق عن نفسه فهو قرض جر منفعة * رجل باع من رجل عبدا بثمن مسمى إلى شهر على أن يوفيه اياه بمصر آخر عينه فالبيع جائز لان الثمن معلوم والاجل معلوم بالمدة الا ان فيما لاحمل له ولا مؤنة يطالبه بالتسليم حيث يجده بعد مضى الاجل وفيما له حمل ومؤنة لا يطالبه به الا في الموضع المشروط لان الشرط معتبر إذا كان مقيدا غير معتبر إذا لم يكن مقيدا وهذا بخلاف القرض فان المستقرض مضمون بالمثل فلا يجوز فيه شرط الايفاء في مكان آخر ولان اشتراط مكان التسليم كاشتراط زمان التسليم لان التسليم لا يتأتى الا بمكان وزمان وشرط الزمان في القرض للتسليم لا يلزم وهو الاجل فكذلك

[ 38 ] شرط المكان بخلاف البيع فان لم يبين في البيع مدة الاجل والمسألة بحالها ففيما له حمل ومؤنة العقد فاسد وصورته ان يبيعه العبد بحنطة موصوفة بالكوفة على ان يسلمها بالبصرة فهذا شرط أجل مجهول لان تعيين مكان التسليم فيما له حمل ومؤنة معتبر ولا يلزمه التسليم ما لم يأتيا ذلك المكان واما مالا حمله له ولا مؤنة فكذلك الجواب في ظاهر الرواية لاشتراطه الاجل المجهول لنفسه إلا أن يأتي ذلك المكان وعن أبى يوسف انه يجوز العقد ويطالبه بالتسليم في الحال لان التسليم فيما لاحمل له ولا مؤنة لا يتقيد بالمكان المذكور ومعنى الاجل في ضمنه فإذا لم يثبت كان الثمن حالا وإذا أقرض الرجل الرجل الدراهم ثم صالحه منها على أقل من وزنها فهو جائز لانه قبض البعض وابرأه عن البعض وكل واحد منهما صحيح في الكل فكذلك في البعض فان فارقه قبل أن يعطيها لم يبطل الصلح لانه لا يتمكن في هذا التصرف معنى المبادلة وصحة الابراء لا تستدعى القبض وهذا بخلاف مالو صالحه على أن أجله فيها شهرا لان التأجيل بعد الاقراض كالمقرون بالاقراض والمعنى الذي لاجله لا يلزم الاجل إذا اقترن بالاقراض انه بمنزلة العارية فهو موجود في التأجيل بعد الاقراض وان صالحه على عشرة دنانير فهو جائز إذا كان يدا بيد لتمكن معنى المبادلة في هذا الصلح بسبب اختلاف الجنس فان افترقا قبل قبض الدنانير بطل الصلح وان افترقا بعد ما قبض بعضها يبرأ من حصة المقبوض وعليه رد ما بقى من الدراهم اعتبارا للبعض بالكل وان صالحه منها على ذهب تبر أو مصوغ لا يعلم وزنه جاز ان قبضه قبل الافتراق لان ربا الفضل ينعدم عند اختلاف الجنس بخلاف مااذا صالحه على فضة لا يعلم وزنها فهناك لاتحاد الجنس ربا الفضل يجرى وتوهم الفضل كتحققه فيما ينبنى أمره على الاحتياط ووقع في بعض نسخ الاصل لو صالحه على ذهب تبر جزافا بعينه أو ورق قيل قوله أو ورق زيادة من الكاتب وقيل بل هو صحيح لان في لفظ الصلح ما يدل على ان ما وقع عليه الصلح من الورق أقل من الدين لان مبنى الصلح على التجوز بدون الحق فيجوز الا أن يعلم انه أكثر من حقه وزنا وان أقرضه درهما ثم اشترى به فلوسا بعينها أو بغير عينها فهو جائز ان قبضها قبل أن يتفرقا لان الفلوس الرائجة لاتتعين عند المقابلة بخلاف جنسها فان فارقه قبل القبض بطل لانه دين بدين فان قيل ليس كذلك لانه قابض للدرهم بذمته ولهذا يسقط عنه فكان هذا عينا بدين وقد بينا في بيع الفلوس بالدراهم أن قبض أحد البدلين قبل الافتراق يكفى قلنا نعم صار قابضا له بذمته ولكن دينا لاعينا

[ 39 ] لان الدين لا يتعين إلا بقبض مال عين وذلك لا يحصل بالقبض بالذمة فلا يخرج به من أن يكون دينا بدين فيكون هذا افتراقا عن دين بدين وان أقرضه ألف درهم فأخذ بها كفيلا ثم صالح الكفيل الطالب على عشرة دنانير وقبضها جاز لان الكفيل قائم مقام الاصل ويثبت في ذمته ما هو في ذمته الاصيل وصلحه مع الاصيل جائز على الدنانير بشرط القبض في المجلس فكذلك مع الكفيل ثم الكفيل يرجع على الاصيل بالدراهم لانه بالصلح ملك ما في ذمته ولو ملكه بالاداء أو بالهبة رجع به على الاصل فكذلك إذا ملكه بالصلح ولو صالحه على مائة درهم لم يرجع على المكفول عنه إلا مائة درهم لان الطالب هنا يتبرأ عما زاد على مائة والكفيل لا يتملك المكفول به بالابراء فلا يرجع الا بقدر ما أدى والطالب له أن يرحع بتسعمائة على المكفول عنه (قال الشيخ الامام الاجل أبو بكر محمد بن الفضل) لم يذكر فضل رجوع الطالب على المطلوب هنا وانما ذكره في موضع آخر. ووجه ذلك أن الصلح مع الكفيل على مائة درهم بمنزلة ابراء الطالب عن الباقي وبراءة الكفيل لا توجب براءة الاصيل فكان للطالب أن يرجع بالتسعمائة الباقية لهذا بخلاف الاول ففى الصلح هناك معنى المبادلة لاختلاف الجنس فيصير به متملكا جميع الالف ولا مبادلة هنا فان مبادلة المائة بالالف ربا * قال ولوان المكفول عنه صالح الكفيل قبل أن يؤدي الكفيل المال إلى الطالب على عشرة دنانير ودفعها إليه كان جائزا لان بالكفالة كما وجب المال للطالب على الكفيل وجب للكفيل على الاصيل ولكنه مؤجل إلى أن يؤدى والصلح عن الدراهم المؤجلة على دنانير صحيح بشرط القبض في المجلس فان أدى المكفول عنه الدراهم بعد ذلك رجع به على الكفيل الا ان يشاء الكفيل أن يرد الدنانير التى أخذ لانه انما اعطاه ليسقط مطالبة الطالب عنه ولم تسقط فله أن يرجع به عليه كما لو أعطاه جنس المال ثم الكفيل صار مستوفيا منه الدراهم بطريق الصلح ومبنى الصلح على الاغماض والتجوز بدون الحق فإذا من لزمه الرد تخير بين أن يرد المقبوض بعينه وبين أن يرد ما صار مستوفيا بالمقاصة من الدراهم ولو كان صالحه على مائة درهم لم يرجع عليه الا بها لان ما زاد على المائة الكفيل مبرئ للاصيل وفي المائة مستوف فلا يلزمه إلا رد ما استوفى وإذا أقرض الرجل الرجل ألف درهم وقبضها منه وأمره أن يصرفها له فصرفها له بالدنانير فلا يجوز على الطالب لانه لادين عليه فان رضى الطالب أن يأخذ الدنانير ففعل ذلك فهو جائز كما لو استبدل معه دراهم القرض بالدنانير هكذا

[ 40 ] في رواية أبى سليمان من غير تنصيص على الخلاف فيه وفي رواية أبى حفص قال هذا قول أبى حنيفة أما على قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله فهو جائز على الطالب سواء صرف الدراهم بالدنانير أو الدنانير بالدراهم وسواء قبضه الطالب في المجلس أو بعده وهو الصحيح والمسألة تنبنى على مابينا في كتاب البيوع وإذا قال الطالب للمطلوب أسلم مالى عليك في كر حنطة وقد قررنا الخلاف في تلك المسألة فكذلك في هذه إذ لافرق بين أن يأمره بالصرف مع غير المعين أو السلم عندهما يصح في الوجهين جميعا باعتبار انه أضاف الوكالة إلى ملكه فالدين في ذمة المديون ملك الطالب وعند أبى حنيفة لا يجوز في الوجهين لانه أمره بدفع الدين إلى من يختاره لنفسه وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم فدفع المطلوب إلى الطالب دنانير وقال اصرفها وخذ منها فقبضها فهلكت قبل أن يصرفها هلكت من مال الدافع والمدفوع إليه مؤتمن لانه قبض الدنانير بحكم الوكالة والوكيل أمين فيما دفعه الموكل إليه من ماله فان صرفها وقبض الدراهم فهلكت قبل أن يأخذ منها حقه هلكت من مال الدافع أيضا لانه في القبض بحكم العقد عامل للامر فهلاكه في يده كهلاكه في يد الآمر حتى يأخذ منها حقه فإذا أخذ حقه وضاع ما أخذه فهو من ماله لانه في هذا الاخذ عامل لنفسه وانما يصير آخذا حقه باحداث القبض فيه لاجل نفسه ولو دفعه إليه المطلوب قضاء لحقه كان داخلا في ضمانه فكذلك إذا قبضه بأمره وان قال بعها بحقك فباعها بدراهم مثل حقه وأخذها فهو من ماله لانه بالبيع ممتثل أمره وانما يكون ذلك إذا كان في القبض عاملا لنفسه حتى يتحقق كونه تابعا بحقه بخلاف الاول فان هناك أمره بالبيع للامر فكان في القبض عاملا للآمر ما لم يستوف حقه من المقبوض وإذا اشترى بيعا على أن يقرضه فهذا فاسد لنهى النبي عن بيع وسلف ولنهيه عن بيع وشرط والمراد شرط فيه منفعة لاحد المتعاقدين لا يقتضيه العقد وقد وجد ذلك وإذا أقرض المرتد أو استقرض فقتل على ردته فقرضه الذي عليه دين في ماله اما لان تصرفه قد بطل فبقى هو قابضا مال الغير على وجه التملك وذلك موجب الضمان عليه أو لان تصرفه من حيث الاستقراض صحيح فان توقف تصرفه لحق الورثة واستقراضه لا يلاقى محلا فيه حق الورثة فان قيل أليس العبد المحجور إذا استقرض واستهلك لم يلزمه ضمانه عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله ما لم يعتق فكذلك المحجور بسبب الردة ينبغى أن لا يكون ضامنا ما استقرض في ماله الذي هو حق الورثة

[ 41 ] قلنا العبد يصح منه التزام الضمان بالاستقراض في حق نفسه حتى يؤاخذ به بعد العتق فكذلك من المرتد يصح الالتزام في حق نفسه ثم حقه في المال يقدم على حق الورثة ولهذا يقضى سائر الديون من ماله فكذلك هذا الدين وما أقرضه المرتد فهو دين على صاحبه لانه قبضه بشرط الضمان وذلك موجب عليه في حق المرتد وفي حق ورثته واقراض المرتدة واستقراضها جائز كما يجوز سائر تصرفاتها ولايجوز اقراض العبد التاجر والمكاتب والصبي والمعتوه لانه تبرع وهؤلاء لا يملكون التبرع * وإذا أقرض الرجل صبيا أو معتوها فاستهلكه لا ضمان عليه هكذا أطلق في نسخ أبى حفص وفي نسخ أبى سليمان قال وهذا قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله أما في قول أبى يوسف فهو ضامن لما استهلك وهو الصحيح لانه بمنزلة الوديعة لانه سلطه على الاستهلاك بشرط الضمان وتسليط الصبي على الاستهلاك صحيح وشرط الضمان عليه باطل وقد قررنا هذه الطريقة في كتاب الوديعة فهى في القرض أظهر. وان أقرض عبدا محجورا عليه فاستهلكه لم يأخذه به حتى يعتق وهو على الخلاف الذي بينا وان لم ينص عليه وعند أبى يوسف يؤاخذ به في الحال كما في الوديعة. وان وجد المقرض ماله بعينه عند واحد من هؤلاء فهو أحق به لانه عين ملكه. وإذا باع الرجل دراهم بدراهم إلى أجل وقبض فهو فاسد لوجود المجانسة والقدر والنساحر ام عند وجود أحد الوصفين فعند وجودهما أولى. والمقبوض بمنزلة القرض حال عليه فان وجد دراهمه بعينها فللآخر ان يعطيه غيرها لانه قرض عليه واختيار محل قضاء بدل القرض إلى من عليه وقد بينا فيه خلاف أبى يوسف وفي نسخة أبى سليمان ليس للآخر ان يعطيه غيرها وهذا هو الاصح لانها مقبوضة بحكم عقد فاسد فيجب ردها بعينها على مابينا أن الدراهم تتعين بالقبض وان كانت لاتتعين بالعقد والله أعلم بالصواب (باب الرهن في الصرف) قال رحمه الله وإذا اشترى عشرة دراهم بدنانير ونقده الدنانير وأخذ بالعشرة رهنا يساويها فهلك الرهن في يده قبل أن يتفرقا فهو بما فيه وقد بينا في البيوع حكم الرهن برأس مال السلم فبدل الصرف فيه مثله ثم بقبض الرهن تثبت له يد الاستيفاء ويتم ذلك بهلاك الرهن ويصير بهلاك الرهن مستوفيا عين حقه من مالية الرهن لا مستبدلا فلهذا بقى عقد

[ 42 ] الصرف وكذلك لو اشترى سيفا محلى بدنانير أو بمائة درهم وقبض السيف وأخذ ثمنه رهنا فيه وفاء فهلك قبل أن يتفرقا ولو نقده الثمن وأخذ رهنا بالسيف وفيه وفاء فهلك الرهن عنده قبل أن يتفرقا فانه يقضى له بالسيف لان أخذ الرهن بالاعيان لا يجوز لان موجب عقد الرهن ثبوت يد الاستيفاء واستيفاء العين من العين غير ممكن فيبقى السيف على ملكه بعد هلاك الرهن ويقضى عليه بالاقل من قيمة السيف ومن قيمة الرهن لانه قبض الرهن على جهة الاستيفاء والمقبوض على جهة الشئ كالمقبوض على حقيقته في حكم الضمان. وكذلك لو كان مكان السيف منطقة أو سرج مفضض أو اناء مصوغ أو فضة تبر وهذا دليل على أن التبر يتعين بالتعيين في العقد في أنه جعله كالسيف في أنه لا يجوز أخذ الرهن بعينه فان هلك الرهن بعد ما تفرقا قبل القبض فقد بطل عقد الصرف بالافتراق لان تمام الاستيفاء بهلاك الرهن فالافتراق قبله مبطل لعقد الصرف ولكن المرتهن ضامن الاقل من قيمة الرهن ومما رهن به سواء كان رهنا بالثمن أو بالمثمن لان الضمان حكم يثبت بالقبض والقبض باق بعد ما بطل عقد الصرف بالافتراق فعند هلاك الرهن يتم الاستيفاء فيما انعقد ضمانه بالقبض وقد بطل العقد الموجب للاستيفاء فيلزمه رد المستوفى كما لو استوفاه حقيقة والله أعلم (باب الصرف في المعادن وتراب الصواغين) قال رحمه الله ذكر حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال كان أهل الجاهلية إذا هلك الرجل في البئر جعلوها عقله وإذا جرحته دبة جعلوها عقله وإذا وقع عليه معدن جعلوه عقله فسألوا رسول الله عن ذلك فقال العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس قالوا وما الركاز قال لذهب الذي حقله الله تعالى في الارض يوم خلقها والمراد بالعجماء الدابة لانها بهيمة لا تنطق ألا ترى أن الذى لا يفصح يسمى أعجميا والجبار الهدر وفيه دليل أن فعل الدابة هدر لانه غير صالح بأن يكون موجبا على صاحبها ولا ذمة لها في نفسها وفي بعض الروايات قال والرجل جبار والمراد أن الدابة إذا رمحت برجلها فلا ضمان فيه على السائق والقائد لان ذلك لا يستطاع الامتناع منه بخلاف مالو كدمت الدابة أو ضربت باليد حيث يضمن لان في وسع الراكب أن يمنعه بأن يرد لجامه وأما البئر والمعدن فجبار لان سقوطه بعمل من يعالجه فيكون كالجاني على نفسه وفيه دليل لنا على وجوب الخمس في المعدن

[ 43 ] فقد أوجب رسول الله الخمس في الركاز ثم فسر الركاز بالمعدن وهو الذهب المخلوق في الارض حين خلقت فان الكنز موضوع العباد واسم الركاز يتناولهما لان الركز هو الاثبات يقال ركز رمحه في الارض وكل واحد منهما مثبت في الارض خلقة أو وضعا وعن عامر رحمه الله قال وجد رجل ألف درهم وخمسمائة درهم في قرية خربة فقال علي رضي الله عنه سأقضى فيها قضاء بينا ان كنت وجدتها في قرية يؤدى خراجها قوم فهم أحق بها منك وان كنت وجدتها في قرية ليس يؤدى خراجها أحد فخمسها لبيت المال وبقيتها لك وسنتمها لك فجعل الكل له وفيه دليل لابي حنيفة ومحمد رحمهما الله على ان واجد الكنز في ملك الغير لا يملكه ولكن يردها على صاحب الخطة وهو أول مالك كان لهذه الارض بعد ما افتتحت وفيه دليل وجوب الخمس في الكنز وان للامام أن يضع ذلك في الواحد إذا رآه محتاجا إليه وله أن يضع ذلك في بيت المال كما رواه عن علي رضي الله عنه في الحديث الآخر قال ان كانت قرية خربت على عهد فارس فهم أحق به وان كانت عادية خربت قبل ذلك فهو للذي وجده فوجدوها كذلك فأدخل خمسه بيت المال وأعطى الرجل بقيته وعن مسروق ان رجلا وجد كنزا بالمدائن فدفعه إلى عامله فأخذه كله فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها فقالت بفيه الكثكث يعنى التراب فهل لا أخذ أربعة أخماس المال ودفع إليه خمسه وهذا مثل في العرب معروف للجانب المخطئ في عمله وهو مراد عائشة رضى الله عنها بما قالت يعنى انه خاب وخسر لخطئه فيما صنع في دفعه الكل إلى العامل فقد كان له أن يخفى مقدار حقه في ذلك ولا يدفع إلى العامل الاقدر الخمس وعن جبلة بن حميد عن رجل منهم خرج في يوم مطير إلى دير خربة فوقعت فيه ثلمة فإذا استوقة أو جرة فيها أربعة آلاف مثقال ذهب قال فأتيت بها عليا رضي الله عنه فقال أربعة أخماسها لك والخمس الباقي منه اقسمه في فقراء أهلك وهذا دليل على جواز وضع الخمس في قرابة الواحد وان للامام أن يفوض ذلك إليه كما له أن يفعله بنفسه لان خمس الركاز في معنى خمس الغنيمة ووضع ذلك في قرابة الغانمين جائز إذا كانوا محتاجين إليه وعن الحارث الازدي قال وجد رجل ركازا فاشتراه منه أبى بمائة شاة تبيع فلامته امى وقالت اشتريته بثلثمائة أنفسها مائة وأولادها مائة وكفايتها مائة فندم الرجل فاستقا له فأبى أن يقيله فقال لك عشر شياه فأبى فقال لك عشرة أخرى فأبى فعالج الركاز فخرج منه قيمة ألف شاة فأتاه الاخر فقال خذ غنمك واعطني مالى فأبى عليه فقال

[ 44 ] لاضرنك فأتى عليا رضي الله عنه فذكر ذلك له فقال على رضى الله عنه إذ خمس ما وجدت للذي وجد الركاز قاما هذا فانما أخذ ثمن غنمه وفيه دليل على ان بيع المعدن بالعروض جائز وقوله بمائة شاة تبيع أي كل شاة يتبعها ولدها وهى حامل بأخرى وهذا معنى ملامها اياه حيث قالت اشتريتها بثلثمائة والمراد بقولها وكفايتها حملها وقيل المراد لبنها وفيه دليل على ان المتصرف لا ينبغى له أن يبنى تصرفه على رأى زوجته فانه ندم بناء على رأيها ثم خرج له منه قيمة ألف شاة وهو معنى قوله شاوروهن وخالفوهن وفيه دليل على أن خمس الركاز على الواجد دون المشترى وان بيع الواجد قبل أداء الخمس جائز في الكل فيكون دليلا لنا على جواز بيع مال الزكاة بعد وجوب الزكاة فيه وفيه دليل على انه لا ينبغى للمرء أن يقصد الاضرار بالغير فيكون ذلك سببا للحوق الضرر به كما ابتلى به هذا الرجل وهذا معنى ما يقال من حفر مهواة وقع فيها ويقال المحسن يجزى باحسانه والمسئ ستلقيه مساويه وعن الشعبي قال لا خير في بيع تراب الصواغين وهو غرر مثل السمك في الماء وبه نأخذ فالمقصود مافى التراب من الذهب والفضة لاعين التراب فانه ليس بمتقوم وما فيه ليس بمعلوم الوجود والصفة والقدر فكان هذا بيع الغرر ونهى رسول الله عن بيع فيه غرر ولكن هذا إذا لم يعلم هل فيه شئ من الذهب والفضة أم لا فان علم وجود ذلك فبيع شئ منه معين بالعروض جائز على ما بينه ان شاء الله وعن عبد الله ابن عمر رضى الله عنه قال سمعت رجلا من مزينة يسأل رسول الله عما يوجد في الطريق العام فقال صلوات الله عليه عرفها حولا فان جاء صاحبها والا فهى لك وفيه دليل على ان الملتقط عليه التعريف في اللقطة وبظاهره يستدل الشافعي ويقوله له ان يتملكها بعد التعريف وان كان غنيا ولكنا نقول مراده فاصرفها إلى حاجتك لانه علمه محتاجا وعندنا للفقير أن ينتفع باللقطة بعد التعريف قال فان وجدها في الخرب العادى ففيها وفي الركاز الخمس والمراد بالركاز المعدن لانه عطفه على الكنز وانما يعطف الشئ على غيره لاعلى نفسه وكل من احتفر من المعدن فعليه خمس ما وجد وله أربعة اخماسه لما روينا من الاثر قال وأكره أن تتقاسموا التراب ولا أجيزه وان فعلوا حتى تخلص تقاسمونه على ما يخلص من ذلك لما بينا ان المقصود ما في التراب وحقهم في ذلك سواء وعند قسمة التراب لا يعلم مقدار ما يصل من المقصود إلى كل واحد منهم فهم في معنى قسمة الذهب والفضة مجازفة

[ 45 ] وذلك لا يجوز كما لا يجوز البيع فيه مجازفة بجنسه. ولو اشترى معدن فضة بفضة لم يجز لانه لا يدرى أن ما في تراب المعدن من الفضة مثل الفضة الاخرى أو أقل أو أكثر والاخذ بالاحتياط في باب الربا واجب قال ابن مسعود رضى الله عنه كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الحرام وقال ما اجتمع الحلال والحرام في شئ الا وقد غلب الحرام الحلال وقال في الربا من لم يأكله أصابه من غباره وكذلك ان اشتراه بذهب أو فضة فلعل ما في التراب من الفضة مثل المنفصل فيكون الذهب ربا لانه فضل خال عن العوض فالتراب ليس بمتقوم. وان اشتراه بذهب جاز لان ربا الفضل لا يجوز عند اختلاف الجنس وكان بالخيار إذا خلص ذلك منه ورأى ما فيه لانه انما كشف له الحال الآن ولا يتم رضاه الا بذلك فكان الخيار إليه كمن اشترى شيئا لم يره. وكذلك لو اشتراه بعرض وكذلك تراب معدن من الذهب إذا اشتراه بذهب لم يجز وان اشتراه بفضة أو عرض جاز لانعدام الربا بسبب اختلاف الجنس وإذا احتفر موضعا من المعدن ثم باع تلك الحفرة فان بيعه باطل لانه باع ما لا يملك فان تلك الحفرة لم يملكها بمجرد الحفر لان الملك انما يثبت بالاحراز وهو لم يحرزه فان احرازه فيما رفع من التراب دون الباقي في مكانه فهو كبيع صخرة من الجبل قبل أن يحرزها ويخرجها وتأويل حديث على رضى الله عنه أن الرجل كان أحرز بعضها فباع ذلك المحرز بمائة شاة وباع له الباقي ولهذا قال على رضى الله عنه اد خمس ما وجدت من الركاز يعنى ما أحرزته وكذلك ان أعطاها رجلا على أن يعوضه منها عوضا فهو باطل لانه ملك مالا يملك واشتراط العوض عليه في اخراج المباح وذلك باطل فرجع في عوضه وما احتفر الرجل من الحفرة فأحرزه فهو له بالاحراز وعليه الخمس في ذلك * وان استأجر الرجل الاجير يعمل معه بتراب معدن معروف فهو جائز إذا كان يعلم أن فيه شيئا من الذهب أو الفضة لان جهالة مقداره لا تفضي إلى المنازعة لما كان التراب معينا معروفا وله الخيار إذا رأى ما فيه كمن أجر نفسه بعوض لم يره فهو بالخيار إذا رآه. وان استأجره بوزن من التراب مسمى بغير عينه لم يجز لان المقصود ما في التراب وذلك لا يصير معلوما بذكر وزن التراب فقد يكثر ذلك في البعض ويقل في البعض الآخر وينعدم في البعض وهذا الجهالة تفضي إلى المنازعة. وكذلك لو اشترى عرضا بوزن من التراب بغير عينه فهو باطل لما قلنا وان كان لرجل على رجل دين فاعطاه به ترابا بعينه يدا بيد فان كان الدين فضة فاعطاه تراب فضة لم يجز لتوهم الفضل فيما أعطاه وان

[ 46 ] أعطاه تراب ذهب أو تراب جاز لاختلاف الجنس وهو بالخيار إذا رأى ما فيه. وإذا استقرض الرجل من الرجل تراب ذهب أو تراب فضة فانما عليه مثل مايخرج من ذلك التراب من الذهب والفضة بوزنه لان المقصود ما فيه واستقراضه جائز فيكون مضمونا بالمثل والقول فيه قول المستقرض لانه منكر للزيادة التى يدعيها المقرض وان كان استقراض التراب على ان يعطيه ترابا مثله لم يجز معناه أن الشرط لا يجوز لان في هذا الشرط زيادة أو نقصانا فيما استقرضه مما هو المقصود ومثل هذا الشرط في القرض باطل وكذلك لو اشتراه شراء فاسدا واستهلك التراب فعليه مثل ما فيه من ذهب أو فضة والقول في مقداره قول الضامن لان العقد لا يتناول عين التراب لانه ليس بمتقوم وانما يتناول ما فيه وان اشترى تراب فضة بتراب فضة أو تراب ذهب بتراب ذهب لم يجز تساويا أو تفاضلا لان المعقود عليه ما في التراب وبالمساواة في وزن التراب لا تحصل المماثلة فيما هو المقصود وهو شرط جواز العقد وان اشترى تراب ذهب بتراب فضة جاز كما يجوز بيع الذهب بالفضة مجازفة وكل واحد منهما بالخيار إذا رأى ما فيه لان المقصود صار معلوما له الآن والله أعلم (باب صرف القاضى) قال رحمه الله وحكم القاضى في الصرف وحكم وكيله وأمينه كحكم سائر الناس لانه فيما يباشر من العقود ليس بقارض وان كان قاضيا فمباشرة العقد على وجه القضاء تستدعى من الشرائط ما تستدعيه مباشرته لاعلى وجه القضاء وان كان لليتيم دراهم فصرفها الوصي بدنانير من نفسه بسعر السوق لم يجز لانه ليس في هذا الصرف منفعة ظاهرة لليتيم وهو شرط نفوذ تصرف الوصي فيما يعامل نفسه وكذلك لو كان في حجره يتيمان لاحدهما دراهم وللآخر دنانير فصرفها الوصي بينهما لم يجز لانه ان نفع أحدهما فقد أضر بالآخر وهو لا ينفرد بالتصرف الا بشرط منفعة ظاهرة وإذا اشترى من مال اليتيم شيأ لنفسه نظرت فيه فإذا كان خيرا لليتيم امضيت البيع فيه والا فهو باطل وهذا قول أبى حنيفة وأبي يوسف الآخر رحمهما الله وفي قوله الاول وهو قول محمد لا يجوز أصلا للاثر الذي روينا عن ابن مسعود رضى الله عنه والمسألة مذكورة في كتاب الوصايا أما أبو الصبي أو جده أبو أبيه بعد موت الاب فلا يملك التصرف مع نفسه بمثل القيمة لان شفقته تحمله على أن لا يترك

[ 47 ] النظر له فلا حاجة فيه إلى المنفعة الظاهرة لليتيم بخلاف الوصي وان اشترى تراب الصواغين بذهب أو فضة أو بذهب وفضة فلا خير فيه لانه لا يدري لعل فيه من أحد النقدين خاصة مثل الذى بمقابلته من ذلك النوع فيكون النوع الآخر ربا وان اشتراه بغير الفضة والذهب جاز وله الخيار إذا رآه وعلم ما فيه لان المقصود الآن صار معلوما له وكذلك إذا كان يعلم ان فيه ذهبا وفضة فاشتراه بذهب وفضة يجوز على ان يصرف الجنس إلى خلاف الجنس وقد بينا نظيره في بيع الجنسين بجنسين وان اشتراه بسيف محلى أو منطقة مفضضة أو قلادة فيها ذهب ولؤلؤ وجوهر فلا خير فيه لان من الجائز أن ما في التراب مثله الحلية فيبقى السيف ربا وان علم أن فيه ذهبا وفضة فلا بأس بأن يشتريه بفضة وجوهرا وبذهب وعرض من العروض على مابينا أن تصحيح العقد هنا ممكن بأن يصرف المثل إلى المثل والباقى بازاء العروض والحكم في تراب معدن فضة ومعدن ذهب يشتريهما رجل جميعا على مابينا في تراب الصواغين لاشتمال التراب على الذهب والفضة جميعا وشرط الخيار في ذلك كله مفسد للبيع وكذلك التفرق قبل القبض لان العقد صرف باعتبار المقصود وهو مافى التراب. ولو اشتري ذهبا وفضة لا يعلم وزنهما بفضة وذهب لا يعلم وزنهما جاز بطريق صرف الجنس إلى خلاف الجنس ولايجوز بيع العطاء والرزق فالرزق اسم لما يخرج للجند من بيت المال عند رأس كل شهر والعطاء اسم لما يخرج له في السنة مرة أو مرتين وكل ذلك صلة يخرج له فلا يملكها قبل الوصول إليه وبيع مالا يملك المرء لا يجوز وكذلك ان زيد في عطائه فباع تلك الزيادة بالعروض أو غيرها فهو باطل وهو قول الشعبي وبه نأخذ وكان شريح يجوز بيع زيادة العطاء بالعروض ولسنا نأخذ بهذا الآن زيادة العطاء كأصله في انه لا يملكه قبل القبض ولو كان مملوكا له كان دينا وبيع الدين من غير من عليه الدين لا يجوز فإذا لم يجز هذا فيما هو دين حقيقة فكيف يجوز في العطاء ولكن ذكر عن إبراهيم وشريح رحمهما الله أنهما كانا يجوزان الشراء بالدين من غير من عليه لدين وقد بينا أن زفر أخذ بقولهما في ذلك والله أعلم (باب الاجارة في الصياغة) قال رحمه الله وان استأجر أجيرا بذهب أو فضة يعمل له في فضة معلومة يصوغها صياغة معلومة فهو جائز وكذلك الحلى والآنية وحلية السيف والمناطق وغيرها لانه استأجره لعمل

[ 48 ] معلوم ببدل معلوم فلا تشترط المساواة بين الاجرة وبين ما يعمل فيه من الفضة في الوزن لان ما يشترط له من الاجرة بمقابلة العمل لا بمقابلة محل العمل وكذلك إذا استأجره ليخلص له ذهبا أو فضة من تراب الصواغين أو تراب المعادن إذا اشترط من ذلك شيئا معلوما لان مقدار عمله بعد تعيين المحل معلوم عند أهل الصنعة على وجه لاتمكن فيه منازعة وكذلك ان استأجره ليفضض له حليا أو بنقش بنقش معروف فذلك جائز لان العمل معلوم والبدل بمقابلته معلوم وكذلك ان استأجره ليموه له لجاما فان اشترط ذهب التمويه على الذي يأخذ الاجر فلا خير فيه لان مقدار ما يحتاج إليه من الذهب للتمويه غير معلوم ولان العقد في ذلك صرف فلابد من التقابض في المجلس ولم يوجد وان استأجره بدراهم ليموه له حرزا بقيراط ذهب فهذا باطل إلا أن يقبض الدرهم ويقبض ذلك القيراط ثم يرده إليه ويقول موه به وكذلك ان استأجره بذهب أكثر من ذلك فإنه لا يجوز إلا أن يتقابضا لان العقد في الذهب صرف ولو استأجره بعرض أو بشئ من المكيل أو الموزون بعينه على أن يموه له ذلك بذهب أو فضة مسمى فهو جائز لان بعض العرض بمقابلة الذهب المسمى يكون تبعا والقبض في المجلس ليس بشرط في بيع العين بالدين وبعضه بمقابلة العمل وهى اجارة صحيحة فان عمله فقال المستأجر لم يدخل فيه ما شرطت لى وقال الآخر قد فعلت فالقول قول المستأجر مع يمينه لانكاره القبض في بعض ما استحقه بالبيع ثم يعطى المموه قيمة ما زاد التمويه في متاعه الا أن يرضى أن يأخذ بقوله لانه أقام أصل العمل ولكنه غيره عن الصفة المشروطة عليه فان رضى بأن يأخذ بقوله فقد وجد ابقاء المشروط والا فعليه قيمة ما زاد التمويه في متاعه وقد بينا نظائره في باب الاستصناع من كتاب الاجارات في مسألة الصياغ وان استأجره يحمل له مالا من أرض إلى أرض أو ذهبا أو فضة مسماة فهو جائز وكذلك تراب المعادن أو تراب الصياغة لانه عمل معلوم ببيان المسافة والمحمول وكذلك لو استأجره يبيع له ذلك شهرا فالمعقود عليه منافعه وهى معلومة ببيان المدة بخلاف مالو استأجره ليبيع هذا العبد بعينه حيث لا يجوز لان الاجارة وردت على البيع والبيع ليس في وسعه فهو بمنزلة مالو استأجر إنسانا للتذرية ولم يبين المدة حيث لا يجوز ولو استأجره يحفر له في هذا المعدن عشرة أذرع بكذا فهو جائز ولو استأجره لينقى تراب المعدن أو تراب الصياغة بنصف مايخرج منه كان فاسدا لان الاجر مجهول ووجوده على خطر وهو استئجار ببعض مايخرج من عمله فيكون

[ 49 ] بمعنى قفيز الطحان فله أجر مثله لانه أو في المنفعة بعقد فاسد وان استأجر اناء فضة أو حلى ذهب يوما بذهب أو فضة جاز لان المستأجر منتفع به لبسا أو استعمالا والبدل بمقابلة المنفعة دون العين فلا يتحقق الربا فيه ولو استأجر منه ألف درهم أو مائة دينار بدرهم أو ثوب لم يجز قال لانه ليس باناء يريد أنه لا ينتفع به مع بقاء عينه ومثله لا يكون محلا للاجارة وانما يرد عقد الاجارة على ما ينتفع به مع بقاء عينه وقد بينا أن الاعارة في الدراهم والدنانير لاتحقق ويكون ذلك قرضا فكذلك الاجارة ولو استأجر سيفا محلى أو منطقة أو سرجا مدة معلومة بدراهم أكثر مما فيه أو أقل فهو جائز لان الانتفاع بهذه الاعيان مع بقاء العين ممكن والبدل بمقابلة المنفعة دون الحلية ولو استأجر صائغا يصوغ له طوق ذهب بقدر معلوم وقال زد في هذا الذهب عشرة مثاقيل فهو جائز لانه استقرض منه تلك الزيادة وأمره أن يخلطه يملكه فيصير قابضا كذلك ثم استأجره في اقامة عمل معلوم في ذهب له ولان هذا معتاد فقد يقول الصائغ لمن يستعمله أن ذهبك لا يكفي لمن تطلبه فيأمره أن يزيد من عنده وإذا كان أصل الاستصناع يجوز فيما فيه التعامل فكذلك الزيادة فان قال قد زدت فيه عشرة مثاقيل وقال رب الطوق انما زدت فيه خمسة فان لم يكن محشوا بوزن الطوق ليظهر به الصادق منهما فان كان محشوا فالقول قول رب الطوق مع يمينه لانكاره القبض في الزيادة على خمس مثاقيل الا ان يشأ الصائغ أن يرده عليه مثل ذهبه ويكون الطوق للصائغ لان الطوق في يده وهو غير راض بازالة يده عنه ما لم يعطه عشرة مثاقيل وقد تعذر ذلك بيمين رب الطوق فكان للصائغ أن يمسك الطوق ويرد عليه مثل ذهبه قال وهذا لا يشبه الاول يريد به مسألة الحرز فقد بينا هناك ان الخيار لصاحب الحرز لان ذهب التمويه صار مستهلكا لا يتخلص من الحرز بمنزلة الصبغ في الثوب فكان الخيار لصاحب الحرز وهنا عين ما زاد من الذهب قائم في الطوق فالصائغ فيه كالبائع فيكون له أن يمتنع من تسليمه ما لم يصل إليه كمال العوض وان أمر الصائغ أن يصوغ له خاتم فضة فيه درهم بنصف درهم وأراه القدر وقال لتكون الفضة على قرضا من عندك لم يجز لان الفضة للصائغ كلها والمستقرض لا يصير قابضا لها فيبقى الصائغ عاملا في ملك نفسه ثم بائعا منه الفضة بأكثر من وزنها وذلك لا يجوز بخلاف الاول فهناك المستقرض يصير قابضا للذهب يخلطه بملكه فانما يكون الصائغ عاملا له في ملكه فلهذا يستوجب الاجر عليه وفي مسألة الخاتم يفسد أيضا لعلة أخرى وهو انه صرف بالنسيئة وذلك لا يجوز سواء كان

[ 50 ] بمثل وزنه أو أكثر والله أعلم. (باب الغصب في ذلك) قال رحمه الله رجل غصب رجلا قلب فضة أو ذهب فاستهلكه فعليه قيمته مصوغا من خلاف جنسه عندنا وعند الشافعي عليه قيمته من جنسه بالغة ما بلغت لان من أصله أن للجودة والصنعة في الذهب والفضة قيمة وان قوبلت بجنسها وعندنا لاقيمة للجودة والصنعة عند مقابلتها بجنسها فلو ضمن قيمتها من جنسها بالغة ما بلغت أدى إلى الربا وان ضمن مثل وزنها ففيه ابطال حقه في الصنعة فلمراعاة الجانبين قلنا يعتبر قيمتها من خلاف جنسها وعند الشافعي رحمه الله يضمن قيمتها من جنسها بالغة ما بلغت لان للصنعة عنده قيمة وان قوبلت بجنسها والربا انما يكون شرطا في العقد فاما في ضمان المغصوب والمستهلكات فلا يتمكن الربا بناء على أصله ان ضمان الغصب لا يوجب الملك في المضمون وعندنا يوجب الملك وقد تقدم بيان الاصلين في كتاب البيوع والغصب والقول في الوزن والقيمة قول الغاصب مع يمينه لانه منكر للزيادة والطالب مدع لذلك فعليه البينة وكذلك الرجل يكسر اناء فضة أو ذهب لرجل فعليه قيمة من خلاف جنسه سواء قل النقصان بالكسر أو كثر لان ايجاب ضمان النقصان عليه متعذر فان الوزن باق بعد الكسر ولاقيمة للصنعة بانفرادها ولو رجع بضمان النقصان كان آخذا عين ماله وزنا مع زيادة وتلك الزيادة ربا فلمراعاة حقه في الصنعة قلنا يضمنه القيمة من خلاف جنسه ويدفع المكسور إليه بالضمان وان شاء أمسك المكسور ولم يرجع بشئ لان شرط التضمين تضمين المكسور إليه فإذا أتى ذلك كان مبرئا له بخلاف الثوب إذا أحرقه فهناك بالحرق اليسير يضمنه النقصان فقط وفي الحرق الفاحش له ان يمسك الثوب ويضمنه النقصان لان الثوب ليس بمال الربا فكانت الصنعة فيه متقومة فايجاب ضمان النقصان فيه لا يؤدي إلى الربا فان قضي القاضى عليه بالقيمة وافترقا قبل أن يقبضها فذلك لا يضر عندنا وعلى قول زفر رحمه الله يبطل قضاء القاضي بافتراقهما قبل القبض لان ما جرى بينهما صرف فان تمليك الفضة المكسوة بالذهب والتقابض في المجلس شرط في الصرف ولاجله يثبت حكم لربا فيه حتى لا يقوم بجنسه فكذلك يثبت حكم التقابض وبان كان يجبر عليه في الحكم لا ينعدم معنى الصرف فيه في حكم التقابض في المجلس كمن اشترى دارا بعبد وفي الدار

[ 51 ] صفائح من ذهب ثم حضر الشفيع وقضى القاضى له بالشفعة بقيمة العبد يشترط قبض حصة الصفائح في المجلس لان العقد فيه صرف. وحجتنا في ذلك أن استرداد القيمة عند تعذر رد العين كاسترداد العين فان القيمة سميت قيمة لقيامها مقام العين ولو قضى القاضى على الغاصب برد عين القلب لا يشترط القبض في المجلس فكذلك إذا قضى برد القيمة عند تعذر رد العين وهذا لان الغصب ليس ببسب موجب للملك وانما هو موجب للضمان ثم ثبوت الملك في المضمون شرطا لتقرر حقه في القيمة وشرط الشئ يتبعه وإذا كان باعتبار ما هو الاصل لا يجب التقابض فكذلك باعتبار البيع بخلاف البيع فانه سبب الملك في البدلين وهو نظير ما لو قال لغيره أعتق عبدك عنى على ألف درهم فقال اعتقت لا يشترط القبول فيه وان كان ذلك شرطا في البيع ان كان مقصودا لان اندراج البيع هنا بطريق انه شرط للعتق وبه فارق الشفعة فالشفيع يتملك الدار ابتداء بما يعطى من قيمة العبد بدل الدار في حقه فلوجود المبادلة مقصودا شرطنا قبض حصة الصفائح في المجلس يوضح ما قلنا ان اشتراط القبض في الصرف للتعيين من حيث ان كل واحد من العوضين فيه يجوز أن يكون غير معين في الابتداء وهذا لا يوجد في الغصب فالغصب والاستهلاك لايردان الا على معين فلا معنى لاشتراط القبض هنا للتعيين ومعنى المبادلة فيه غير مقصودة. يوضحه انه لو انتقض القضاء بالافتراق عن المجلس احتاج القاضي الي اعادته بعينه من ساعته فيكون اشتغالا بمالا يفيد وكذلك ان اصطلحا على القيمة فهو على الخلاف لانهما فعلا بدون القاضي عين ما يأمر به القاضي أو رفعا الامر إليه ولو أجل القيمة عنه شهر اجاز ذلك ايضا عندنا خلافا لزفر وقد بينا هذا الخلاف في التأجيل في الغصوب والمستهلكات انه يلزمه عندنا خلافا لزفر فعنده هذا التأجيل باطل لمعنيين أحدهما ان قبض القيمة في المجلس عنده واجب والثاني ان بدل المغصوب والمستهلك عنده كبدل القرض فلا يثبت فيه الاجل وعندنا قبض القيمة في المجلس ليس بواجب والقيمة دين حقيقة وحكما فبالتأجيل يلزم كالثمن في البيع وإذا استهلك أناء من نحاس أو حديد أو رصاص كان ضامنا لقيمته دراهم أو دنانير لان الاناء ليس من ذوات الامثال بخلاف تبر الحديد والنحاس فهو موزون من ذوات الامثال فيكون مضمونا بالمثل على المستهلك وفي الآنية يقضى القاضي بالقيمة ان شاء من الدراهم وان شاء من الدنانير لان الاشياء بهما تقوم وبأيهما قوم هنا لا يؤدي إلى الربا ولكنه ينظر ان كان يباع ذلك بالدراهم يقضى بقيمته

[ 52 ] دراهم وان كان بالدنانير فبالدنانير وكذلك السيف والسلاح وكذلك لو كسره أو هشمه هشما يفسده فان كان هشما لا يفسده ضمنه النقصان ان كان لا يباع وزنا لانه ليس بمال الربا حتى يجوز بيع الواحد منه بالاثنين يدا بيد مكان كالثوب وقد بينا الفرق بين هذا أو الاواني المتخذة من الذهب والفضة ان بالصنعة هناك لا تخرج من أن تكون موزونة باعتبار النص فيهما والمعتبر فيما سواهما العرف وإذا كسر اناء فضة لرجل واستهلكه صاحبه قبل أن يعطيه اياه فلا شئ لصاحبه على الذى كسره لان شرط التضمين تسليم المكسور إليه وقد فوته بالاستهلاك ولو غصب اناء فضة فكسره وصاغه شيئا آخر فللمغصوب منه أن يأخذه عند أبى حنيفة وعندهما لا يأخذه ولكن يضمنه قيمة الاول مصوغا وقد بينا المسألة في كتاب الغصب وان غصبه دراهم أو دنانير فأذا بها كان لصاحبها أن يأخذها ان شاء وان شاء ضمن الغاصب مثل ما غصبه لانه بالاذابة ما أحدث فيها صنعة وانما فوت الصنعة وبه لا يملك المغصوب كما لو قطع الثوب ولم يخطه وإذا غصب درهما فالقاه في دراهم له فعليه مثله لانه خلط المغصوب بماله خلطا يتعذر على صاحبه الوصول إلى عينه فيكون مستهلكا ضامنا لمثله والمخلوط يصير مملوكا له عند أبى حنيفة وعندهما لصاحبه الخيار بين التضمين والشركة وكذلك الخلاف في كل ما يخلط وقد بيناه في الغصب وان غصب فضة وسبكها في فضة له حتى اختلطا فعليه مثل ما غصب وكذلك لو غصب دراهم لرجل ودراهم لآخر فخلطهما خلطا لا يمكن تمييزه أو سبك ذلك كله فهو ضامن لمال كل واحد منهما والمخلوط له بالضمان وعندهما لكل واحد منهما الخيار بين التضمين والشركة ولو غصب دراهم أو دنانير فجعلها عروة في قلادة فهذا استهلاك وعلى الغاصب مثلها لانه صيرها وصفا من أوصاف ملكه حتى يدخل في بيع ملكه من غير ذكر وقد غصبها مقصودا بنفسه فإذا صار ذلك مستهلكا بفعله وجب عليه ضمان المثل فهو نظير الساحة إذا أدخلها الغاصب في بنائه وإذا رد الغاصب أجود مما غصب أو أردأ منه ورضى به المغصوب منه جاز لانه أبراه من صفة الجودة حين رضي بالاردإ ولو أبرأه عن بعض القدر جاز فكذلك عن الصفة وفي الاجود أحسن الغاصب في قضاء ما عليه وذلك مندوب إليه كما لو أرجح ولا يشترط رضا المغصوب منه بالاجود إلا على قول زفر وقد بيناه في البيوع وان غصبه ألف درهم ثم اشتراها منه بمائة دينار ونقده الدنانير والدراهم قائمه في منزل الغاصب أو مستهلكة فهو سواء وهو جائز أما بعد الاستهلاك فلانه قابض لبدل الدنانير

[ 53 ] بذمته وفي حال قيام العين هو قابض لها بيده لانها مضمونة في يده بنفسها وهذا القبض ينوب عن قبض الشراء وكذلك لو كان الذي غصبه اناء فضة وكذلك لو صالحه عنه على مثل وزنه من جنسه وأعطاء جاز وكذلك لو كان الاناء مستهلكا لان ما اشرنا إليه من المعنى يعم المفصول فان صالحه من الفضة على ذهب بتأخير أو على فضة مثلها بتأخير كان جائزا عندنا خلافا لزفر وقد بينا أنه لافرق بين قضاء القاضي بالقيمة عليه وبين تراضيهما عليه بالصلح وهذا لان المغصوب في حكم المستهلك إذا كان لا يتوصل إلى عينه فما يقع الصلح عليه يكون بدل المغصوب المستهلك وليس هذا كالشئ القائم بعينه يبيعه اياه يعنى لو كان قائما بعينه قد أظهره فباعه منه كان هذا صرفا ولايجوز الا يدا بيد لان حقه في استرداد العين إذا كان قائما بعينه فيبيعه منه بخلاف الجنس يكون معاوضة مبتدأة وان كان الاناء غائبا عنه فقال اشتريته منك بنسيئة فانى أكره ذلك إذا وقع عليه اسم البيع كرهت منه ما أكره من الصرف لان البيع مبادلة مال بمال قائم فلفظهما دليل على كون الاناء قائما فلا يختلف الجواب بكونه حاضرا أو غائبا والقياس في الصلح هكذا الا انى استحسن في الصلح إذا كان الاناء مغيبا عنه لانه ليس في نفس الصلح ما يدل على قيامه ومالايتوصل إلى عينه فهو مستهلك حكما أما إذا كان ظاهرا أو هو مقر به فانى أكره الصلح والبيع في ذلك الا على ما يجوز في الصرف فان ما يجرى بينهما صرف بزعمهما فيؤاخذان بأحكام الصرف فيه والله أعلم (باب الصرف في الوديعة) قال رحمه الله وإذا استودع رجل رجلا ألف درهم فوضعها في بيته ثم التقيا في السوق فاشتراها منه بمائة دينار ونقد الدنانير لم يجز ان فارقه قبل أن يقبض الوديعة من بيته لان الوديعة أمانة في بيته والقبض المستحق بالعقد قبض ضمان فقبض الامانة لا ينوب عنه لانه دونه بخلاف قبض الغصب ولان يد المودع كيد المودع ألا ترى أن هلاكها في يد المودع كهلاكها في يد المودع فإذا لم يحدد القبض فيها لنفسه حتى افترقا فانما افترقا قبل قبض البدلين * وان أودعه سيفا محلى فوضعه في بيته ثم التقيا في السوق فاشتراه منه بثوب وعشرة دراهم ودفع إليه العشرة والثوب ثم افترقا انتقض البيع كله لان السيف في حكم شئ واحد وقد انتقض العقد في حصة الحلية بترك القبض في المجلس لانه صرف فينتقض في الكل لما في

[ 54 ] تمييز البعض من البعض في التسليم من الضرر. وكذلك لو اشتراه بسيف محلى فدفعه إليه ولم يقبض الوديعة من بيته حتى افترقا فان حلية السيف بحلية السيف لا يجوز لانه صرف وقد انتقض ذلك كله لانه شئ واحد * قال وكان ينبغى أن يكون نصل السيف وحمائله وجفنه بنصل الآخر وحمائله وجفنه فان كان في حلية أحدهما فضل أضيف ذلك إلى النصل والحمائل وكان ذلك كله بحمائل هذا ونصله ولكن دع هذا وافسد البيع كله * وحاصل هذا الكلام ان الحلية بمثل وزنها من الحلية ولا تجعل الحلية بمقابلة النصل في العقد لان العقد في الوجهين صحيح وصرف الجنس إلى خلاف الجنس لترجيح جهة الجواز على جهة الفساد وإذا جاز العقد في الوجهين فانما يقابل الفضة مثل وزنها وهنا العقد جائز ولكن بالافتراق قبل القبض يفسد وانما يحتال لتصحيح العقود لا لالغائها بعد صحتها وإذا فسد العقد في حصة الصرف يفسد فيما بقى أيضا لما يكون على كل واحد منهما من الضرر في تمييز البعض من البعض في التسليم ولو قبض كل واحد منهما قبل أن يفترقا كان جائزا وتكون فضة كل واحد منهما بفضة الآخر وحمائل كل واحد منهما ونصله بحمائل الآخر ونصله فان كان في الحلية فضل أضيف الفضل إلى الحمائل من الجانب الاخر والنصل وهذا مثل رجل باع لرجل ثوبا ونقرة فضة بثوب ونقرة فضة فالثوب بالثوب والفضة بالفضة لان الفضة يقابلها في العقد مثل وزنها من الفضة وذلك حكم ثابت بالنص فيكون أقوى من شرط المتعاقدين فان كان فيه فضل من أحد الجانبين فهو مع الثوب بالثوب الآخر كرجل اشتري نقرة وزن عشرة دراهم وثوبا بشاة وأحد عشر درهما فعشرة بعشرة ودرهم ومساواة بالثوب فان تفرقا قبل القبض انتقض من ذلك عشرة بعشرة وجاز في الشاة والدرهم والثوب لان العقد في ذلك ليس بصرف وتمييز البعض عن البعض ممكن من غير ضرر فالفساد لمعنى طارئ في البعض لا يتعدى إلى ما بقى ولو باع ثوبا ودينار بثوب ودرهم فالثوب بحصة من الثوب والدرهم والثوب الآخر بحصة من الثوب والدينار لانهما جنسان قوبلا بجنسين فليس صرف البعض إلى البعض بأولى من البعض فللمعاوضة يثبت الانقسام باعتبار القيمة فإذا افترقا قبل التقابض بطلت حصة الذهب من الفضة وحصة الفضة من الذهب لان العقد في ذلك الجزء صرف وجاز البيع في كل واحد من الثوبين بصاحبه بالحصة التى سميت له ولاخيار له في ذلك لان عيب التبعيض بفعل كل واحد منهما وهو ترك القبض والتسليم في بدل الصرف فيكون كل واحد منهما

[ 55 ] راضيا بعيب التبعيض فلهذا لاخيار لهما في ذلك والله أعلم بالصواب (باب الصرف في الوزنيات) قال رحمه الله رجل اشتري من رجل درهما معه لا يعلم وزنه بدرهم مثل وزنه أجود منه أو أردأ منه فهو جائز لان شرط الجواز المساواة في الوزن دون العلم بمقدار الوزن ولا معتبر بالجودة والرداءة في المساواة المشروطة في العقد وكذلك لو قال بعنى بهذا الدرهم فضة مثل وزنه لان الفضة تثبت دينا في الذمة وشرط جواز العقد وهو المساواة وزنا موجود. ولو اشترى مثقالي فضة ومثقالي نحاس بمثقال فضة وثلاثة مثاقيل حديد كان جائزا بطريق أن الفضة بمثلها وزنا وما بقى من الفضة والنحاس بالحديد فلا يمكن فيه الربا وكذلك مثقال صفر ومثقال حديد بمثقال صفر ومثقال رصاص فالصفر بمثله والرصاص بما بقى لان الصفر موزون وقد بينا أن الحكم في مال الربا انه يقابل الشئ مثله من جنسه فالحاصل أن حكم الربا في الفروع يثبت على الوجه الذي يثبت في الاصل لانه انما يتعدى إلى الفرع حكم الاصل فكما أن في الذهب والفضة تثبت المقابلة بهذه الصفة عند اطلاق العقد فكذلك في الفروع وعلى هذا نقول الحديد كله نوع واحد ما يصلح أن يصنع منه السيف ومالايصلح كذلك ولايجوز الا وزنا بوزن لان الحكم في الفرع يثبت على الوجه الذي يثبت في الاصل وفي الذهب والفضة تجعل أنواع النقرة جنسا واحد البيضاء والسوداء في ذلك سواء وأنواع الذهب كذلك فكذلك الحديد وان افترقا قبل التقابض لم يبطل البيع لان الحديد يتعين بالتعيين بخلاف الذهب والفضة وقد بينا في البيوع الفرق بين الصرف وغيره من البيوع في الاموال الربوية في اشتراط القبض وكذلك الرصاص القلعى بالاسرب فهذا رصاص كله يوزن ولكن بعضه أجود من بعض وبالجودة والرداءة لا يختلف الجنس ولا بأس بالنحاس الاحمر بالشبه والشبه واحد والنحاس اثنان يدا بيد من قبيل ان الشبه قد زاد فيه الصبغ فيجعل زيادة النحاس من أحد الجانبين بزيادة الصبغ الذي في الشبه * قال ولاخير فيه نسيئة لانه نوع واحد وبزيادة الصبغ في الشبه لا يتبدل الجنس ولانه موزون منفق في المعنى والوزن بهذه الصفة يحرم النساء ولا بأس بالشبه بالصفر الابيض يدا بيد الشبه واحد والصفر اثنان لما في الشبه من الصبغ ولا خير فيه نسيئة لانه موزون متفق في المعنى وكذلك

[ 56 ] الصفر الابض لا بأس به واحدا منه باثنين من النحاس الاحمر لان الصفر الابيض فيه رصاص قد اختلط به فباعتباره يجوز العقد ولاخير فيه نسيئة لانه موزون كله. وان افترقا في جميع ذلك وهو قائم بعينه ولم يتقابضا لم يفسد البيع لانهما افترقا عن عين بعين وكل ما لم يخرج بالصنعة من الوزن في المعاملات لم يبع بجنسه الا وزنا بوزن سواء لان المصوغ الذي يباع وزنا بمنزلة التبر. وان اشترى اناء من نحاس برطل من حديد بغير عينه ولم يضرب له أجلا وقبض الاناء فهو جائز ان دفع إليه الحديد قبل ان يتفرقا لان الحديد موزون فإذا صحبه حرف الباء وبمقابلته عين كان ثمنا وترك التعيين في الثمن عند العقد لا يضر وان تفرقا قبل أن يدفع إليه الحديد فان كان ذلك الاناء لا يباع في العادة وزنا فلا بأس به لانهما افترقا عن عين بدين وان كان الاناء بوزن فلا خير فيه لانه بيع موزون بموزون والدينية فيه عفو في المجلس لابعده وإذا افترقا وأحد العوضين دين فسد العقد كما لو كان أحدهما مؤجلا فلو قبض الحديد في المجلس ولم يقبض الاناء حتى افترقا لم يفسد العقد لان ماكان دينا قد تعين بالقبض قبل الافتراق والاناء عين فترك القبض في المجلس فيه لا يضر وكذلك ان اشترى رطلا من حديد بعينه برطلين من رصاص جيد بغير عينه فالعقد فاسد تقابضا في المجلس أو لم يتقابضا لان أحد العوضين مبيع وهو ما لم يصحبه حرف الباء فيكون بائعا ما ليس عنده لا على وجه السلم ونهى رسول الله عن بيع ما ليس عند الانسان ومطلق النهى يوجب الفساد والله أعلم (باب الصرف في دار الحرب) قال رحمه الله ذكر عن مكحول عن رسول الله قال لاربا بين المسلمين وبين أهل دار الحرب في دار الحرب وهذا الحديث وان كان مرسلا فمكحول فقيه ثقة والمرسل من مثله مقبول وهو دليل لابي حنيفة ومحمد رحمهما الله في جواز بيع المسلم الدرهم بالدرهمين من الحربى في دار الحرب وعند أبى يوسف والشافعي رحمهما الله لا يجوز وكذلك لو باعهم ميتة أو قامرهم وأخذ منهم مالا بالقمار فذلك المال طيب له عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله خلافا لابي يوسف والشافعي رحمهما الله. وحجتهما حديث ابن عباس رضى الله عنهما أنه وقعت للمشركين جيفة في الخندق فاعطوا بذلك للمسلمين مالا فنهى رسول الله

[ 57 ] عن ذلك ولا معنى لقول من يقول كان موضع الخندق من دار الاسلام لانا نقول عندكم هذا يجوز بين المسلم والحربي الذي لاأمان له سواء كان في دار الاسلام أو في دار الحرب والمعنى فيه أن المسلم من أهل دار الاسلام فهو ممنوع من الربا بحكم الاسلام حيث كان ولايجوز أن يحمل فعله على أخذ مال الكافر بطيبة نفسه لانه قد أخذه بحكم العقد ولان الكافر غير راض بأخذ هذا المال منه الا بطريق العقد منه ولو جاز هذا في دار الحرب لجاز مثله في دار الاسلام بين المسلمين على أن يجعل الدرهم بالدرهم والدرهم الآخر هبة * وحجتنا في ذلك ماروينا وما ذكر عن ابن عباس رضى الله عنه وغيره ان رسول الله قال في خطبته كل ربا كان في الجاهلية فهو موضوع وأول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب وهذا لان العباس رضى الله عنه بعد ما أسلم رجع إلى مكة وكان يربى وكان يخفى فعله عن رسول الله فما لم ينهه عنه دل أن ذلك جائز وانما جعل الموضوع من ذلك ما لم يقبض حتى جاء الفتح وبه نقول وفيه نزل قوله تعالى وذروا ما بقي من الربا قال محمد وبلغنا ان أبا بكر الصديق رضي الله عنه قبل الهجرة حين أنزل الله تعالى ألم غلبت الروم قال له مشركو قريش يرون أن الروم تغلب فارس فقال نعم فقالوا هل لك أن تخاطرنا على أن نضع بيننا وبينك خطرا فان غلبت الروم أخذت خطرنا وان غلبت فارس أخذنا خطرك فخاطرهم أبو بكر رضي الله عنه على ذلك ثم أتى النبي وأخبره فقال اذهب إليهم فزد في الخطر وأبعد في الاجل ففعل أبو بكر رضي الله عنه وظهرت الروم على فارس فبعث إلى أبى بكر رضى الله عنه أن تعال فخذ خطرك فذهب واخذه فأتى النبي به فأمره بأكله وهذا القمار لا يحل بين أهل الاسلام وقد أجازه رسول الله بين أبى بكر رضي الله عنه وهو مسلم وبين مشركي قريش لانه كان بمكة في دار الشرك حيث لا يجرى أحكام المسلمين * ولقي رسول الله ركانة باعلى مكة فقال له ركانة هل لك أن تصارعني على ثلث غنمي فقال صلوات الله عليه نعم وصارعه فصرعه الحديث إلى أن أخذ منه جميع غنمه ثم ردها عليه تكرما وهذا دليل على جواز مثله في دار الحرب بين المسلم والحربي وهذا لان مال الحربى مباح ولكن المسلم بالاستئمان ضمن لهم أن لا يخونهم وان لا يأخذ منهم شيئا الا بطيبة أنفسهم فهو يتحرز عن الغدر بهذه الاسباب ثم يتملك المال عليهم بالاخذ لا بهذه الاسباب وهذا لان فعل المسلم يجب حمله على أحسن

[ 58 ] الوجوه ما أمكن وأحسن الوجوه ما قلنا والعراقيون يعبرون عن هذا الكلام ويقولون حل لنا دماؤهم طلق لنا أموالهم فما عدا عذر الامان يضرب سبعا في ثمان وتأويل حديث ابن عباس أنه نهاهم عن ذلك لما رأى فيه من الكبت والغيظ للمشركين ولئلا يظنوا بنا انا نقاتلهم لطمع المال وأما التاجران من المسلمين في دار الحرب فلا يجوز بينهما إلا ما يجوز في دار الاسلام لان مال كل واحد منهما معصوم متقوم وان ذلك يثبت بالاحراز بدار الاسلام ولا ينعدم معنى الاحراز بالاستئمان إليهم ولهذا يضمن كل واحد منهما مال صاحبه إذا أتلفه وانما يتملك كل واحد منهما على صاحبه بالعقد الذي باشره ولايجوز اثبات عقد لم يباشراه بينهما من هبة أو غيرها وان كان أسلما ولم يخرجا حتى تبايعا بالربا كرهته لهما ولم أرده له وهو قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يرده والحكم فيها كالحكم في التاجرين أما على أصل أبى يوسف فقط فظاهر لانه لا يجوز هذا العقد بين المسلم والحربي فكيف يجوز بين المسلمين ومحمد يقول مال كل واحد منهما معصوم عن التملك بالاخذ ألا ترى أن المسلمين لو ظهروا على الدار لا يملكون مالهما بطريق الغنيمة وانما يتملك أحدهما مال صاحبه بالعقد بخلاف مال الحربى وأبو حنيفة يقول بالاسلام قبل الاحراز تثبت العصمة في حق الامام دون الاحكام ألا ترى ان أحدهما لو أتلف مال صاحبه أو نفسه لم يضمن وهو آثم في ذلك وانما تثبت العصمة في حق الاحكام بالاحراز والاحراز بالدار لا بالدين لان الدين مانع لمن يعتقده حقا للشرع دون من لا يعتقده وبقوة الدار يمنع عن ماله من يعتقد حرمته ومن لم يعتقده فلثبوت العصمة في حق الاثم قلنا يكره لهما هذا الصنيع ولعدم العصمة في حق الحكم قلنا لا يؤمر أن يرد ما أخذه لان كل واحد منهما انما يملك مال صاحبه بالاخذ فاما إذا ظهر المسلمون على الدار فانما لا يمكون مال الذي أسلم لانه صار محرزا ماله بيده ويده أسبق إليه من يد الغانمى فان دخل تجار أهل الحرب دار الاسلام بأمان فاشترى أحدهما من صاحبه درهما بدرهمين لم أجز ذلك الا ما أجيزه بين أهل الاسلام وكذلك أهل الذمة إذا فعلوا ذلك لان مال كل واحد منهم معصوم متقوم ولا يتملكه صاحبه الا بجهة العقد وحرمة الربا ثابتة في حقهم وهو مستثنى من العهد فان النبي كتب إلى نصارى نجران من أربى فليس بيننا وبينه عهد وكتب إلى مجوس هجر اما أن تدعوا الربا أو تأذنوا بحرب من الله ورسوله فالتعرض لهم في ذلك بالمنع لا يكون غدرا بالامان وهذا لانه يثبت

[ 59 ] عندنا انهم نهوا عن الربا قال الله تعالى وأخذهم الربا وقد نهوا عنه فمباشرتهم ذلك لا تكون عن تدين بل لفسق في الاعتقاد والتعاطي فيمنعون من ذلك كما يمنع المسلم. وإذا تبايع أهل الحرب بالربا في دار الحرب ثم خرجوا فأسلموا أو صاروا ذمة قبل أن يتقابضوا أو يقبض أحدهما ثم اختصموا في ذلك أبطلته لان العصمة الثابتة بالاحراز كما تمنع ابتداء العقد تمنع القبض بحكم العقد وفوات القبض المستحق بالعقد مبطل للعقد والاصل فيه قوله تعالى وذروا ما بقى من الربا وسببه مروى عن مكحول قال أسلم ثقيف بشرط أن لايدعوا الربا وكان بنو عمرو بن عوف يأخذون الربا من بنى المغيرة وبنو المغيرة يربون ذلك فلما كان بعد الفتح بعث رسول الله عتاب بن أسيد رضى الله عنه إلى مكة أميرا فطلب بنو عمرو بن عوف ما بقى لهم من الربا وابى ذلك بنو المغيرة فاختصموا إلى عتاب رضى الله عنه فكتب فيه إلى رسول الله فأنزل الله الآية وكتب بها رسول الله إلى عتاب رضى الله عنه وأمره أن يأمرهم بان يدعوا لهم ما بقى من الربا أو يستعدوا للحرب فعرفنا ان الاسلام يمنع القبض كما يمنع ابتداء العقد وكذلك لو اختصموا بعد التقابض في دار الاسلام فانهم يؤمرون برد ذلك لان التقابض بعد العصمة بالاحراز كان باطلا شرعا وكذلك المسلم يبايع الحربى بذلك في دار الحرب ثم أسلم الحربى وخرج إلى دارنا قبل التقابض فان خاصمه في ذلك إلى القاضي أبطله وان كان تقابضا في دار الحرب ثم اختصما لم أنظر فيه ويستوى ان كان المسلم أخذ الدرهمين بالدرهم أو الدرهم بالدرهمين لانه طيب نفس الكافر بما أعطاه قل ذلك أو كثر واخذ ماله بطريق الاباحة كما قررنا والله أعلم (باب الصرف بين المولى وعبده) قال رحمه الله وليس بين المولي وعبده ربا لقوله لاربا بين العبد وسيده ولان هذا ليس ببيع لان كسب العبد لمولاه والبيع مبادلة ملك بملك غيره فأما جعل بعض ماله في بعض فلا يكون بيعا فان كان على العبد دين فليس بينهما ربا أيضا ولكن على المولى أن يرد ما أخذه على العبد لان كسبه مشغول بحق غرمائه ولا يسلم له ما لم يفرغ من دينه كما لو أخذه لا بجهة العقد وساء كان اشترى منه درهما بدرهمين أو درهمين بدرهم لان ما أعطى ليس بعوض سواء كان أقل أو أكثر فعليه رد ما قبض لحق

[ 60 ] الغرماء وكذلك أم الولد والمدبر لان كسبهما للمولى ولايجوز أن يشترى من مكاتبه الا مثل ما يجوز له مع مكاتب غيره لان المكاتب أحق بمكاسبه وقد صار بعقد الكتابة كالحر يدا وتصرفا في كسبه فيجرى الربا بينه وبين مولاه كما يجرى بينه وبين غيره الوالدان والولد والزوجان والقرابة وشريك العنان فيما ليس من تجارتهما والوصى في الربا بمنزلة الاجانب لان المبايعة تتحقق بين هؤلاء والمماليك بمنزلة الاحرار في ذلك لانهم يخاطبون بذلك كما يخاطب الاحرار فاما المتفاوضان إذا اشتري أحدهما درهما بدرهمين من صاحبه فليس ذلك منهما بيعا وهو مالهما كما كان قبل هذا البيع لانهما كشخص واحد في التجارة كما يجرى بينهما لا يكون بيعا والله أعلم (باب الوكالة في الصرف) قال رحمه الله وإذا تصارف الوكيلان لم ينبغ لهما أن يفترقا حتى يتقابضا كما لو باشرا العقد لانفسهما لان حقوق العقد تتعلق بالعاقد ولا يختلف في ذلك مباشرته لغيره ومباشرته لنفسه ألا ترى انه يستغنى عن اضافة العقد إلى غيره ولا يضرهما غيبة الموكلين لانهما من حقوق العقد كسائر الاجانب وان وكل رجل رجلين بالصرف لم يكن لاحدهما أن ينفرد به لانه فوض اليهما ما يحتاج فيه إلى الرأى ورأى الواحد لا يكون كرأى المثنى فان عقدا جميعا ثم ذهب أحدهما قبل القبض بطلت حصته وحصة الباقي جائزة كما لو باشرا العقد لانفسهما وان وكلا جميعا رب المال بالقبض أو الاداء وذهبا بطل الصرف لوجود الافتراق من العاقدين قبل التقابض ورب المال في حقوق العقد كأجنبي اخر وان وكله في ان يصرف له دراهم بدنانير فصرفها وتقابضا وأقر الذي قبض الدراهم بالاستيفاء ثم وجد فيها درهما زائفا فقبله الوكيل وأقرانه من دراهمه وجحده الموكل فهو لازم للموكل لانه لاقول للقابض فيما يدعى من الزيافة بعد ما أقر باستفياء حقه وانما يرده على الوكيل باقراره واقراره لا يكون حجة على الموكل فلهذا كان لازما للوكيل * قال وان رده القاضي على الوكيل ببينة أو بأداء يمين ولم يكن القابض أقر بالاستيفاء لزم الآمر وفي هذا نظر فان القابض إذا لم يقر باستيفاء حقه ولا باستيفاء الجياد فالقول قوله فيما يدعى أنه زيوف لانه ينكر قبض حقه ولا حاجة له إلى اقامة البينة ولا يمين على الوكيل الذي عاقده انما اليمين عليه فان من جعل القول قوله شرعا يتوجه عليه اليمين وانما يرد إذا حلف لا إذا أتى اليمين فعرفنا أن هذا الجواب مختل

[ 61 ] والصحيح أنه إذا حلف ورده على الوكيل فهو لازم للآمر لانه رده عليه بغير اختياره فيما هو حجة في حق الآمر. وإذا وكله بان يصرف له هذه الدراهم بدنانير فصرفها فليس للوكيل أن يتصرف في الدنانير لان الوكالة قد انتهت والدنانير المقبوضة أمانة في يده للموكل فلا يتصرف فيها بغير أمر. وان وكله أن يشترى له ابريق فضة بعينه من رجل فاشتراه بدراهم أو دنانير جاز على الآمر وجاز ان نواه لنفسه لان مطلق التوكيل بالشراء ينصرف إلى الشراء بالنقد فهو بنيته قصد عزل نفسه في موافقة أمر الآمر وليس له أن يخرج نفسه من الوكالة الا بمحضر من الآمر وان اشتراه بشئ مما يكال أو يوزن بعينه أو بغير عينه لم يجز على الآمر لان مطلق التوكيل بالشراء يتقيد بالشراء بالنقد وقد بينا ذلك في البيوع فإذا اشتراه بشئ آخر كان مخالفا وكان مشتريا لنفسه فان وكله بفضة له بيعها ولم يسم له الثمن فباعها بفضة أكثر منها لم يجز كما لو باعها الموكل بنفسه ولا يضمن الوكيل لانه لم يخالف والوكيل انما يضمن بالخلاف لا بفساد العقد والموكل أحق بهذه الفضة من الوكيل يقبض منها وزن فضته لانه فضته صارت دينا على القابض وقد ظفر بجنس حقه من مال المديون فكان له أن يأخذ من ذلك مقدرا حقه والباقى في يد الوكيل حتى يرده إلى صاحبه. وإذا وكل الرجل رجلا ببيع تراب فضة فباعه بفضة لم يجز لانه يقوم مقام الموكل في ذلك فبيعه كبيع الموكل فان علم المشتري ان الفضة في التراب مثل الثمن وزنا فرضيه قبل أن يفترقا جاز ذلك لانه لاقيمة للتراب والعلم بالمساواة وزنا في المجلس كالعلم به عند العقد وله الخيار في ذلك لينكشف الحال له كمن اشترى شيئا لم يره ثم رآه فان رده بغير حكم جاز على الآمر بمنزلة الرد بخيار الشرط والرؤية وان تفرقا قبل أن يعلم ذلك فالبيع فاسد لان العلم بالمساواة شرط هذا العقد كالقبض وكما أن القبض بعد الافتراق لا يصلح العقد فكذلك العلم بالمساواة ولو وكله أن يزوجه امرأة على هذا التراب وهو تراب معدن فزوجه به كان جائزا ان كان فيه عشرة دراهم فضة أو أكثر وكذلك ان كان تراب ذهب وفيه قيمة عشرة دراهم أو أكثر وان لم يكن فيه عشرة يكمل لها عشرة كما لو فعل الموكل ذلك بنفسه وهذا لان أدنى الصداق عندنا عشرة دراهم وان وكله بأن يبيع له سيفا محلى فباعه بنسيئة فالبيع فاسد للاجل المشروط في الصرف ولاضمان على الوكيل لانه لم يخالف فالبيع عادة يكون بالنقد والنسيئة وانما يضمن الوكيل بالخلاف لا بالفساد وكذلك ان شرط فيه الخيار وباعه بأقل مما فيه نقدا

[ 62 ] فهو فاسد كما لو باعه الموكل بنفسه ولاضمان على الوكيل لانه لم يخالفه ولو وكله بحلى ذهب فيه لؤلؤ وياقوت يبيعه له فباعه بدراهم ثم تفرقا قبل قبض الثمن فان كان اللؤلؤ والياقوت ينزغ منه بغير ضرر يبطل البيع في حصة الصرف لعدم القبض في المجلس وجاز في حصة اللؤلؤ لتمكن التسليم فيه من غير ضرر والبيع في حقه بيع عين بدين ولا يشترط فيه القبض في المجلس وان كان لا ينزع إلا بضرر لم يجز شئ منه لتعذر تسليم المبيع بغير ضرر ألا ترى ان بيعه ابتداء في هذا الفصل لا يجوز فكذلك لا يبقى بخلاف الاول وان وكله أن يشترى له فلوسا بدرهم فاشتراها وقبضها فكسدت قبل أن يسلمها إلى الآمر فهى للآمر لانه بقبض الوكيل صار قابضا فان الوكيل في القبض عامل له وبالقبض ينتهى حكم العقد فيه فالكساد بعده لا يؤثر فيه ولو كسدت قبل أن يقبضها الوكيل كان الوكيل بالخيار ان شاء أخذها وان شاء ردها وقد ذكر قبل هذا أن العقد يفسد بكساد الفلوس قبل القبض استحسانا فقبل التفريع المذكور هنا على جواب القياس وقيل مراده من قوله هناك أن العقد يفسد أنه لا يجبر على قبض الفلوس الكاسدة فاما إذا اختار الاخذ فله ذلك كما فسره هنا فقال الوكيل بالخيار فإذا أخذها فهى لازمة له دون الآمر الا ان يشاء الآمر من قبل انها ليست بفلوس حتى كسدت انما هي الآن صفر معناه ليست بفلوس رائجة هي ثمن وذلك مقصود الآمر. وان وكله أن يشترى له عبدا بعينه فاشتراه ثم وجد به عيبا قبل أن يقبضه الوكيل فللوكيل أن يرده لان الرد بالعيب من حقوق العقد والوكيل فيه كالعاقد لنفسه فما دامت العين في يده فهو متمكن من ردها بدون استطلاع رأى الموكل فان أخذه ورضيه وكان العيب غير مستهلك له فهو لازم للآمر وان كان العيب فاحشا يستهلك العبد فيه لزم الوكيل دون الآمر استحسن ذلك الا أن يشاء الآمر وذكر في السير الكبير أن على قول أبى حنيفة رضي الله عنه العيب اليسير والفاحش فيه سواء وهو لازم للآمر ان اشتراه بمثل قيمته لان أخذه مع العلم بالعيب كشرائه ابتداء مع العلم بالعيب ومن أصل أبى حنيفة رضي الله عنه أن العيب المستهلك لايمنع الوكيل من الشراء للآمر بمثل قيمة فكذلك لا يمنعه من القبض والرضا به عند الاخذ ومن أصلهما أن ذلك يمنع شراءه للآمر ابتداء لان الموكل لم يقصد ذلك وهو معلوم عرفا فكذلك رضاه عند الاخذ وهذه مسألة كتاب الوكالة وقد بينا هناك ولئن كانت المسألة في قولهم كما أطلق في الكتاب فوجه ان الرضا بالعيب اليسير

[ 63 ] من الوكيل بالشراء ملزم للآمر بخلاف العيب الفاحش فكذلك الرضا بالعيب اليسير يكون ملزما للآمر بخلاف الرضا بالعيب الفاحش الا أن يشاء الآمر وان لم يجد بالعبد عيبا ولكنه قتل عند البائع فالوكيل بالخيار ان شاء فسخ البيع وان شاء أجازه كما لو اشتراه لنفسه وهذا لان المبيع تحول من جنس إلى حبس وتأثير ذلك في اثبات الخيار فوق تأثير العيب فان أجازه كانت القيمة له دون الآمر لان مقصودا لآمر تحصيل العبد له ولا يحصل ذلك بالقيمة فرضا الوكيل بها لا يلزم الآمر الا أن يشاء أخذ ذلك فيكون أحق به من المشترى لانها بدل ملكه فالملك في العبد بالشراء وقع له إذا رضى أن يأخذه فهو أحق به وإذا وكله بطوق ذهب يبيعه فباعه ونقد الثمن وقبض الطوق ثم قال المشتري وجدته صغيرا مموها بالذهب فاقر به الوكيل لزم الوكيل لان المشترى غير مقبول القول فيما يدعى من غير حجة فانه قبض عين ما يتناوله العقد ثم ادعي بعد ذلك فساد العقد لسبب لايعرف في مثله لا يقبل قوله الا بحجة واقرار الوكيل حجة في حقه دون الآمر غير أن له أن يستحف الآمر لان الآمر لو أقر بذلك لزمه فإذا أنكر كان له أن يحلفه عليه وان أنكر الوكيل فرده عليه القاضي بالبينة لزم الآمر لان البينة حجة في حق الآمر وكذلك ان رد عليه باباء اليمين عندنا خلافا لزفر فانه يجعل اباء الوكيل اليمين كاقراره بذلك ولكنا نقول الوكيل مضطر في هذا لانه لا يمكنه أن يحلف كاذبا وهذه الضرورة له يعمل بها للموكل وكان له أن يرجع به عليه فان وكله أن يشترى له به طوق ذهب بعينه فيه مائة دينار فاشتراه بألف درهم ونقد الثمن ولم يقبض الطوق حتى كسره رجل قبل أن يتفرقا فاجبار الوكيل تضمين الكاسر قيمته مصوغا من الفضة جاز ذلك على الوكيل لان المعقود عليه فات واختلف بدلا والوكيل في اختيار قبض البدل كالعاقد لنفسه في حقه ولايجوز ذلك على الآمر لان المقصود للآمر تحصيل الطوق له ولا يحصل ذلك بالقيمة وتصرف الوكيل على الامر انما ينفذ فيما يرجع إلى تحصيل مقصوده. قال ويبرأ منه بائع الطوق لانه حقه تعين في ضمان القيمة في ذمة الكاسر فإذا أخذ الوكيل الضمان من الكاسر يصدق بالفضل ان كان فيه لانه غرم في الثمن حسن ما عاد إليه فيظهر الربح وهو ربح حصل لا على ضمانه فيلزمه التصدق به وأكره للمسلم توكيل الذمي أو الحربى بان يصرف له دراهم أو دنانير وأجيزه ان فعل لان مباشرة هذا العقد منه تصح لنفسه فكذلك لغيره بأمره ولكنه لايتحرز

[ 64 ] عن الحرام اما لاستحلاله ذلك أو لجهله به أو قصده إلى توكيل المسلم حراما فلهذا أكره له ذلك وإذا وكله أن يصرف له الدراهم فصرفها مع عبد الموكل والوكيل يعلم أو لا يعلم فلا ضمان على الوكيل سواء كان على العبد دين أو لم يكن لانه مال الموكل صرف بعضه في بعض ولا يكون الوكيل بتصرفه مفوتا على الموكل شيئا وإذا وكله بألف درهم يصرفها له فباعها بدنانير وحط عنه مالا يتغابن في مثله لم يجز على الآمر لانه في معنى الوكيل بالشراء وكل واحد من المتصارفين في العوض الذي من جهد صاحبه مشتر ولان تصرف الوكيل بالشراء بالمعين انما لا ينفذ على الموكل للتهمة فانه من الجائز انه عقد لنفسه فلما علم بالعين أراد أن يلزم ذلك الموكل وهذا المعنى موجود هنا فان الوكيل يملك عقد الصرف لنفسه وان صرفها بسعرها عند مفاوض للوكيل أو شريك له في الصرف أو مضارب له من المضاربة لم يجز لكونه متهما في ذلك كما لو صرفها مع نفسه فان من يحصل بتصرف من عامله يكون مشتركا بينهما وان صرفها عند تفاوض الآمر لم يجز كما لو صرفها الآمر بنفسه وهذا لانه لا فائدة في هذا العقد فما يقبض ويعطى يكون مشتركا بينهما وان صرفها عند شريك الآمر في الصرف غير مفاوض فهو جائز وكذلك مضاربه لان الآمر لو فعل ذلك بنفسه جاز لكونه مفيدا وهو أنه يدخل به في الشركة والمضاربة ما لم يكن فيه ويخرج به منه ماكان فيه فكذلك الوكيل إذا فعل ذلك وإذا وكله بالف درهم يصرفها له وهما في الكوفة ولم يسم له مكانا ففى أي ناحية من الكوفة صرفها فهو جائز لان نواحى المصر في حكم مكان واحد ومقصوده أن التوكيل لا يتقيد بالسوق لان المقصود سعر الكوفة لا سوق الكوفة وكذلك لو خرج بها إلى الحيرة أو إلى البصرة أو إلى الشام فصرفها هناك جاز ولا ضمان عليه لان الآمر مطلق ولا يتقيد بمكان الا بدليل يفيده به وفيما لاحمل له ولا مؤنة لا يوجد دليل المقيد لان ماليته لا تختلف باختلاف الامكنة ففى أي مكان صرفها له كان ممتثلا أمره ولو وكله ببيع عبد له أو عرض له حمل ومؤنة فاستأجر وخرج بها من الكوفة إلى مكة فباعها هناك أجزت البيع لان الامر بالبيع مطلق ففى أي موضع باعه فهو ممتثل ولا ألزم الآمر من الآخر شيئا لانه لم يأمر بالاستئجار فهو متبرع فيما التزم من ذلك وقال في رواية أبى حفص أجزت البيع إذا باعه بمثل ثمنه في الموضع الذي أمره ببيعه فيه وهذا مستقيم على أصل أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لان عندهما التوكيل بالبيع مطلقا يتقيد بالبيع بمثل القيمة لو باعه في ذلك الموضع فكذلك في موضع

[ 65 ] آخر وعند أبى حنيفة لا يتقيد بذلك إذا باعه في ذلك الموضع فكذلك في موضع آخر وأعاد هذه المسألة في كتاب الوكالة وقال في جوابها لم أجز البيع لانه لم يأمره بالخروج به أتفق على ذلك رواية أبى سليمان ورواية أبى حفص وهو الاصح لانه لو اعتبر مطلق الامر حتى يجوز بيعه في مكان آخر لكانت مؤنة النقل إلى ذلك المكان على الموكل كما لو أمره بالبيع في ذلك المكان وهذا لان احضار السلعة على البائع ليستوفى الثمن ويسلم المبيع ولا يمكن ايجاب هذه المؤنة عليه وربما يبلغ ذلك ثمن السلعة أو يزيد عليه فهذا دليل مقيد لمطلق الامر بالمصر الذي يباع فيه المتاع فلهذا لا يجوز بيعه في مكان آخر بخلاف مالا حمل له ولا مؤنة وبمثل هذا قال في الكتابين لو ضاع أو سرق قبل أن يبيعه فهو ضامن له وبهذا تبين أنه لا يكون مأذونا من جهته في الاخراج إلى ذلك الموضع وكذلك لو خرج به ولم يتفق له بيعه كانت مؤنة الرد عليه دون الآمر فعرفنا انه كالغاصب في غير ذلك الموضع وان دفع إليه دراهم يشتري بها ثوبا سماه ولم يسم له المكان فاشتراه بغير الكوفة كان جائزا إذا لم يكن له حمل ولا مؤنة لان الامر بالشراء وجد مطلقا فان وكله بألف درهم يصرفها له ثم ان الموكل صرف تلك الالف فجاء الوكيل إلى بيت الموكل فأخذ ألفا غيرها فصرفها فهو جائز لان التوكيل انما حصل بالصرف بدراهم في الذمة إذ النقود لاتتعين في العقود ألا ترى انه لو صرف تلك الدراهم كان للموكل أن يمنعها ويعطى غيرها فصرف الموكل تلك الالف بنفسه لا يكون تصرفا منه فيما تتناوله الوكالة فلا يوجب عزل الوكيل وكذلك لو كانت الاولى باقية وأخذ الوكيل غيرها فصرفها لان الصرف انعقد بدراهم في ذمته سواء اضافه إلى تلك الالف أو غيرها فيكون ممتثلا أمره في ذلك وكذلك الدنانير والفلوس * فان قيل أليس أن تلك الالف لو هلكت بعد التسليم إلى الوكيل قبل أن يصرفها بطلت الوكالة ولو لم تتعلق الوكالة بها لما بطلت الوكالة بهلاكها * قلنا الوكالة لا تتعلق بعينها حتى لو صرفها ثم هلكت قبل التسليم كان له أن يطالب الموكل بألف أخرى فأما إذا هلكت قبل أن يصرفها انما بطلت الوكالة لمعنى دفع الضرر عن الموكل فربما يشق عليه أداء ألف أخرى بعد هلاك تلك الالف ولاضرر على الوكيل في ابطال الوكالة إذا هلكت قبل أن يصرفها وهذا لا يوجد إذا كانت قائمة في يد الموكل أو صارف بها لانه لاضرر عليه في ابقاء الوكالة على الوجه الذي انعقدت في الابتداء وهو الصرف بدراهم في الذمة ولو أمره ببيع فضة بعينها أو ذهب بعينه أو عرض من العروض فباع غيره لم يجز له لان

[ 66 ] الوكالة تعلقت بتلك العين فانها أضيفت إليه بعينه وهو مما يتعين بالتعيين في العقد وإذا وكله بالف درهم يصرفها له بدنانير فصرفها الوكيل بدنانير كوفية فهو جائز في قول أبى حنيفة لان وزن الكوفية كوفية وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله أما اليوم فان صرفها بكوفية مقطعة لم يجز لان وزن الكوفية اليوم على الشامية الثقال وانما جاز قبل اليوم فان صرفها بكوفية مقطعة لم يجز لان وزن الكوفية كان على الكوفية المقطعة النقص وهذا اختلاف عصرنا فابو حنيفة أفتى بما كانت عليه المعاملة في عصره وهما كذلك. والحاصل أنه يعتبر في كل مكان وزمان ما هو المتعارف لانه يعلم أن مقصود الموكل ذلك بغالب الرأى ولو قال اشتر لى بهذه الدنانير غلة ولم يسم له غلة الكوفة أو بغداد فاشترى له غلة الكوفة جاز وان اشترى له غير ذلك من غلة البصرة أو بغداد أو دراهم غير الغلة لا يجوز الا أن يكون مثل غلة الكوفة لان الوكيل انما يصير ممتثلا إذا حصل مقصود الموكل ومقصوده غلة الكوفة فان كان ما اشتري مثل غلة الكوفة فقد حصل مقصوده وان قال له بع هذه الالف درهم بدنانير شامية فباعها بالكوفية فان كانت الكوفية غير مقطعة وكان وزنها شامية فهو جائز على الامر لحصول مقصوده قال وليس الدنانير في هذا كالدراهم فان مقصوده من شراء الغلة الانفاق في حوائجه وانما يحصل ذلك بغلة الكوفة أو مثلها ومقصوده من الدنانير الربح وذلك يختلف باختلاف الوزن فان كان وزن الكوفية مثل وزن الشامية فقد حصل مقصوده ولو قال بعها بدنانير عتق فباعها بالشامية لا يجوز على الآمر لان المقصود لا يحصل بهذا لما للعتق من الصرف على الشامية والله تعالى أعلم (باب العيب في الصرف) قال رحمه الله وإذا اشترى سيفا محلى بدراهم أكثر مما فيه وتقابضا وتفرقا ثم وجد بالسيف عيبا في نصله أو جفنه أو حمائله أو حليته فله أن يرده لفوات وصف السلامة المستحقة له بمطلق العقد فان رده وقبله منه صاحبه بغير قضاء قاض فلا ينبغي له أن يفارقه حتى يقبض الثمن لان الرد بعد القبض بغير قضاء قاض كالاقالة من حيث انه يعتمد التراضي والاقالة في الصرف بمنزلة البيع الجديد في وجوب التقابض به في المجلس لان الاقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق غيرهما فكان بمنزلة البيع الجديد في حق الشرع واستحقاق

[ 67 ] القبض في الصرف من حق الشرع فإذا فارقه قبل التقابض انتقض الرد في حصة الحلية لانه صرف وفيما وراء ذلك لان في تمييز البعض من البعض ضررا وله أن يرده عليه بالعيب كما له ذلك قبل الرد لان ماكان منه ليس بدليل الرضا بالعيب ولو رده بقضاء قاض لم يضره أن يفارقه قبل قبض الثمن لان الرد بالقضاء فسخ من الاصل فان للقاضي ولاية الفسخ بسبب العيب وليس له ولاية العقد المبتدأ فهو بمنزلة الرد بخيار الرؤية ولا يضره أن يفارقه قبل قبض الثمن. ألا ترى أن البائع لو كان اشتراه من غيره كان له أن يرده على بائعه في هذا الفصل دون الاول * قال وله أن يؤاجره بالثمن لانه دين له في ذمته بسبب القبض فان عقد الصرف قد انفسخ والتأجيل صحيح في مثله كبدل الغصب والمستهلك بخلاف بدل القرض فانه في حكم العين فان كان حلى ذهب فيه جوهر مفضض فوجد بالجوهر عيبا فان أراد أن يرده دون الحلى لم يكن له ذلك الا أن يرده كله أو يأخذه كله لان الكل كشئ واحد لما في تمييز البعض من البعض من الضرر ولان الانتفاع بالعبض متصل بالبعض فهو نظير مالو اشترى زوج خف فوجد باحداهما عيبا وهناك ليس الا له أن يردهما أو يمسكهما وكذلك لو اشترى خاتم فضة فيه فص ياقوت فوجد بالفص أو الفضة عيبا ولو اشترى ابريق فضة فيه الف درهم بالف درهم أو بمائة دينار وتقابضا وتفرقا ثم وجدت الدراهم رصاصا أو ستوقة فردها عليه كان له أن يفارقه قبل قبض الثمن وقبل استرداد الابريق لان العقد قد انتقض من الاصل حين تبين افتراقهما قبل قبض أحد البدلين فان الستوقة والرصاص ليس من جنس الدراهم وكذلك الزيوف في قول أبى حنيفة لان عنده إذا رد الكبير بعيب الزيافة ينتقض القبض فيه من الاصل وقد بينا ذلك في السلم وعندهما في الزيوف يستبدله قبل أن يتفرقا من مجلس الرد وذكر عن المسور بن مخرمة قال وجدت في المغنم يوم القادسية طشتا لاأدرى أشبه هي أو ذهب فابتعتها بالف درهم فأعطاني بها تجار الحيرة ألفى درهم فدعاني سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه فقال لا تلمني ورد الطشت فقلت لو كان سهاما قبلتها منى فقال انى أخاف أن يسمع عمر رضي الله عنه انى بعتك طشتا بالف درهم فأعطيت بها ألفى درهم فيرى أنى قد صانعتك فيها قال فأخذها منى فاتيت عمر رضي الله عنه فذكرت له ذلك فرفع يديه وقال الحمد لله الذي جعل رعيتي تخافني في آفاق الارض وما زادني على هذا وفيه دليل أن لصاحب الجيش ولاية بيع المغانم وانه ليس له أن يبيع بغبن فاحش وان تصرفه فيه

[ 68 ] كتصرف الاب والوصى في مال الصغير ولهذا استرده سعد رضى الله عنه لما ظهر أنه باع بغبن فاحش وفيه دليل على ان الامام إذا بلغه عن عامله ما رضى به من عدل أو هيبة فعله فانه ينبغى له أن يشكر الله تعالى على ذلك فان ذلك نعمة له من الله تعالى وكان عمر رضى الله عنه بهذه الصفة تهابه عما له في آفاق الارض وذلك لحسن سريرته على ما جاء في الحديث من خاف الله خاف منه كل شئ * وإذا اشترى الرجل طشتا أو اناء لا يدري ما هو ولم يشترط له صاحبه شيئا فهو جائز لان العقد تناول العين والمشار إليه معلوم العين مقدور التسليم فيجوز بيعه ودل على صحة هذا حديث المسور بن مخرمة * وإذا اشتري اناء فضة فإذا هو غير فضة فلا بيع بينهما لان المشار إليه ليس من جنس المسمى والعقد انما يتعلق بالمسمى لان انعقاده بالتسمية والمسمى معدوم فلا بيع بينهما ولو كانت فضة سوداء أو حمراء فيها رصاص أو صفر وهو الذي أفسدها فهو بالخيار ان شاء أخذها وان شاء ردها لان المشار إليه ليس من جنس المسمى فان مثله يسمى اناء فضة في الناس إلا أنه معيب لما فيه من الغش فيجوز العقد على المشار إليه بالتسمية ويتخير المشترى للعيب وان كانت رديئة من غير غش فيها لم يكن له أن يردها لان الرداءة ليست بعيب فالعيب ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة وصفة الرداءة بأصل الخلقة ألا ترى ان بالرداءة تنعدم صفة الجودة وبمطلق العقد لا يستحق صفة الجودة وانما تستحق السلامة * ولو اشترى سيفا محلى على ان فيه مائة درهم بمائة درهم وتقابضا وتفرقا فإذا في السيف مائتا درهم فانه يرد السيف لفساد العقد بالفضل الخالى عن المقابلة وهو الجفن والحمائل وان اشترى ابريق فضة بالف درهم على ان فيه ألف درهم وتقابضا وتفرقا فإذا فيه ألفا درهم كان الخيار للمشترى ان شاء قبض نصفه بألف درهم لانه انما يكون مشتريا مقدار ما سمى منه وقد تبين أن ذلك نصف الابريق ولا يمكن أن يجعل مشتريا للكل بألف درهم لانه ربا ولا بألفين لانه ما التزم الا ألف درهم فجعلناه مشتريا نصفه بالالف وأثبتنا له الخيار لتبعيض الملك عليه فيما يضره التبعيض بخلاف السيف فهناك لا يمكن تصحيح العقد في نصف الحلية مع السيف لانه لو صرح بذلك لم يجز العقد لان الحلية صفة لا يجوز بيع بعضها دون البعض بخلاف الابريق ولو كان اشترى الابريق بمائة دينار كان جائزا له كله بالدنانير لان الربا ينعدم عند اختلاف الجنس والابريق مما يضره التبعيض فيكون الوزن فيه صفة فانما يتعلق العقد بعينه إذا أمكن دون الوزن المذكور * وان اشترى

[ 69 ] نقرة فضة بمائة درهم على أن فيها مائة درهم وتقابضا فإذا فيها مائتا درهم كان للمشترى نصفها لا خيار له فيها وكذلك لو اشتراها بعشرة دنانير لان النقرة لا يضرها التبعيض فالوزن فيها يكون قدرا لا صفة فانما ينعقد العقد على القدر المسمى من وزنها بخلاف الابريق فانه يضر التبعيض فالوزن يكون صفة فيه ألا ترى أن باختلاف الوزن تختلف صفته فيكون أثقل تارة وأخف تارة ولا يتبدل اسم العين وهو الابريق فكان ذلك كالذرع في الثوب يكون صفة والبيع يتعلق بالعين دون الذرعان المذكورة وعن أبى رافع قال خرجت بخلخال فضة لامرأتي أبيعه فلقينى أبو بكر رضى الله عنه فاشتراه منى فوضعته في كفة الميزان ووضع أبو بكر رضى الله عنه دراهمه في كفة الميزان وكان الخلخال أثقل منها قليلا فدعا بمقراض ليقطعه فقلت يا خليفة رسول الله هو لك فقال يا أبا رافع انى سمعت رسول الله قال الذهب بالذهب وزنا بوزن والزائد والمستزيد في النار وفيه دليل تحريم الفضل عند اتحاد الجنس وان القليل من الفضل والكثير فيما يضره التبعيض أولا يضره سواء وفيه دليل ان مبادلة الفضة بالفضة الكفة بالكفة تجوز وان لم يعلم مقدارهما لوجود المساواة في الوزن وإذا اشترى الرجل عشرة دراهم فضة بعشرة دراهم فضة فزادت عليها دانقا فوهبه له هبة ولم يدخله في البيع فهو جائز لان المحرم الفضل الخالى عن المقابلة إذا كان مستحقا بالبيع وهذا مستحق بعقد التبرع وهو غير مشروط في البيع ولا يؤثر في البيع فان قيل فلماذا لم يقبله أبو بكر رضي الله عنه قلنا كأنه احتاط في ذلك أو علم أن أبا رافع رضى الله عنه كان وكيلا في بيع الخلخال والوكيل بالبيع لا يملك الهبة وان كان السيف المحلى بين رجلين فباع أحدهما نصيبه وهو النصف بدينار من شريكه أو من غيره وتقابضا فهو جائز لان عقد البيع على خالص ملكه وان كان باعه من شريكه ونقده الدينار والسيف في البيت ثم افترقا قبل أن يقبض السيف انتقض البيع لان البيع في حصة الحلية صرف وقد افترقا قبل التقابض لان حصة البائع ماكان في يد المشترى فلا يصير قابضا له بالشراء ما لم يسلمها إليه ولا بأس ببيع الفضة جزافا بالذهب أو بالفلوس أو بالعروض لانعدام الربا بسبب اختلاف الجنس * وإذا اشترى سيفا محلى فضته خمسون درهما بمائة درهم وقبض السيف ونقده من الثمن خمسين درهما ثم افترقا فالبيع جائز لان المنقود ثمن الفضة خاصة فان قبض حصة الحلية في المجلس مستحق وقبض حصة الجفن غير مستحق والمعاوضة لا تقع بين المستحق وغير المستحق بل يجعل النقود ثمن المستحق خاصة فالافتراق

[ 70 ] وجد بعد التقابض في المجلس في حصة الصرف وكذلك لو أجله في الخمسين الباقية إلى شهر لانه ثمن مبيع لو أبرأه عنه جاز فكذلك إذا أجله فيه وكذلك لو كان الثمن عشرة دنانير فنقد منها حصة الحلية وصالحه من الباقي على دراهم أو على ثوب وتقابضا فهو جائز لان الباقي ثمن المبيع والاستبدال بالثمن قبل القبض جائز والله أعلم (باب الصلح في الصرف) قال رحمه الله رجل اشترى عبدا بمائة دينار وتقابضا وتفرقا ثم وجد بالعبد عيبا فاقر البائع به أو أنكره ثم صالحه على دينار وتفرقا قبل القبض فالصلح جائز لان ما وقع عليه الصلح حصة الجزء الفائت بالعيب وانما استرده لفساد العقد فيه بفوات ما يقابله والقبض في المجلس ليس بشرط في مثله وان كان الدينار أكثر من قيمة العيب أو أقل فهو فاسد لانهما قدرا حصة العيب به واليهما ذلك التقدير كما كان التقدير في أصل بدل العبد اليهما ولانه لما صالحه على دينار فكان بائع العبد حط من الثمن العبد الدينار فان الفائت بالعيب وصف والثمن لا يقابل الوصف والحط تارة يكون بسبب العيب وتارة يكون لا بسبب العيب يثبت على سبيل الالتحاق بأصل العقد يلزمه رد قدر المحطوط دينا في ذمته ولا يضرهما ترك القبض فيه في المجلس ويصح التأجيل فيه ان أجله. ولو صالحه على دراهم مسماة وقبضها قبل أن يتفرقا جاز وان افترقا قبل القبض انتقض الصلح أما على الطريق الاول فما وقع عليه الصلح من الدراهم يكون بدلا عن حصة العيب وذلك من الدنانير ومبادلة الدراهم بالدنانير يكون صرفا وعلى الطريق الثاني انما يصح بطريق الحط والحط من الثمن وهو الدنانير فالدراهم بدل عنه ثم ما وقع عنه الصلح كان دينا فإذا لم يقبض بدله حتى افترقا كان دينا بدين فإذا بطل الصلح استقبل الخصومة في العيب كما كان عليه قبل الصلح لان الصلح مع الانكار لا يتضمن الاقرار بالعيب وكذلك ان ضرب للدراهم أجلا ثم فارقه قبل أن يقبضها أو اشترطا في الصلح خيارا ثم افترقا قبل أن يبطل صاحب الخيار خياره وإذا ادعى على رجل مائة درهم فأنكره أو أقر به ثم صالحه منها على عشرة دراهم حاله أو إلى أجل أو بشرط خيار ثم افترقا فالصلح جائز لان صحة هذا العقد بطريق الابراء دون المبادلة فيكون في الابراء محسنا من وجهين بترك ما زاد على العشرة وبالتأجيل في العشرة وان صالحه على خمسة دنانير ثم افترقا قبل أن

[ 71 ] يقبضها انتقض الصلح لان صحة هذا الصلح باعتبار المبادلة لان ما وقع عليه الصلح ليس من جنس الدين ومبادلة الدراهم بالدنانير صحيحة بشرط القبض في المجلس فيبطل بالافتراق قبل القبض وكذلك ان كانت إلى أجل أو فيها شرط خيار وافترقا على ذلك فهو فاسد لان العقد صرف أما عند اقرار المدعى عليه فلا اشكال وكذلك عند جحوده لان صحة الصلح مع الانكار بناء على زعم المدعى وإذا ماتت المرأة وتركت ميراثا من رقيق وعروض وحلى وذهب وتركت اباها وزوجها وميراثها عند أبيها فصالح زوجها من ذلك على مائة دينار ولا يعلم مقدار نصيبه من الذهب فالصلح باطل لجواز أن يكون نصيبه من الذهب هذا المقدار أو أكثر فيبقى نصيبه من سائر الاشياء خاليا عن المقابلة وكذلك لو صالح على خمسمائة درهم ولا يعلم أن نصيبه من الفضة أكثر منها أو أقل وان صالحه على خمسمائة درهم وخمسين دينارا وتقابضا قبل أن يفترقا جاز ذلك لانه وان كان نصيبه في كل واحد من النقدين فوق هذا المقدار فتصحيح العقد ممكن بان يجعل ما أخذ من الذهب بالفضة وحصته من العروض وما أخذ من الفضة بالذهب وحصته من العروض وان تفرقا قبل أن يقبض شيئا انتقض الصلح لوجود الافترق والميراث قبل القبض في عقد الصرف فان قبض الزوج الدراهم والدنانير ثم افترقا والميراث في منزل الاب انتقض من الصلح حصة الذهب والفضة لان الاب بيده السابقة لا يصير قابضا ماكان حصة الزوج من الذهب والفضة لان يده كانت يد أمانة والعقد فيها صرف فيبطل بالافتراق قبل القبض وفيما سوى ذلك العقد بيع فلا يبطل بترك قبض المعقود عليه في المجلس وان قبض الاب ذلك وقبض الزوج بعض الدراهم والدنانير فان كان ما قبض بقدر حصة الذهب والفضة فالصلح ماض لما بينا أن المقبوض مما كان قبضه مستحقا في المجلس وهو حصة الذهب والفضة وان كان النقد أقل من ذلك بطل من الذهب والفضة حصة ما لم ينقد وجاز في حصة ما انتقض اعتبارا للبعض بالكل وجاز ما سوى ذلك من غير الحلى لان العقد فيه بيع لاصرف وإذا ادعى الرجل سيفا محلى بفضة في يد رجل فصالحه منه على عشرة دنانير وقبض منها خمسة دنانير ثم افترقا أو اشترى بالباقي منه ثوبا قبل أن يتفرقا وقبضه فان كان نقد من الدنانير بقدر الحلية وحصتها فالصلح ماض لان النقود حصة الحلية فان قبضه مستحق في المجلس والباقى حصة السيف وترك القبض فيه لا يضر والاستبدال به قبل القبض صحيح وان كان نقد أقل من حصة الحلية فالصلح فاسد لان بقدر ما لم ينقد من

[ 72 ] ثمن الحلية يبطل الصلح فيه والكل في حكم شئ واحد فإذا بطل العقد في بعضه بطل في كله وشراء الثوب فاسد أيضا لانه دخل بعض ثمن الحلية فيه والاستبدال ببدل الصرف قبل القبض لا يجوز فإذا بطل في ذلك الجزء بطل في الكل وهذا على الاصل الذي قلنا ان الصلح على الانكار مبنى على زعم المدعى. وإذا اشتري لرجل ابريق فضة فيه الف درهم بمائة دينار وتقابضا ثم وجد بالابريق عيبا فله أن يرده لفوات ما صار له مستحقا بعقد المعاوضة وهو السلامة عن العيب فان صالحه البائع على دينار وقبض فهو جائز وان كان الدينا أقل أو أكثر من قيمة العيب في قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله إذا كان الفضل مما لا يتغابن الناس في مثله فهو غير جائز وهذا بناء على مسألة كتاب الصلح عن المغصوب المستهلك على أكثر من قيمته يجوز عند أبى حنيفة رضى الله عنه ولايجوز عندهما لان عندهما الحق في القيمة وهى مقدرة شرعا فالفضل على ذلك يكون ربا الا انه لا يتيقن بالفضل فيما يتغابن الناس في مثله لان ذلك يدخل من تقويم المقومين فهنا أيضا حقه في بدل الجزء الفائت فإذا صالحه على أكثر من ذلك القدر بما لا يتغابن الناس في مثله كان الفضل ربا وعند أبى حنيفة رضى الله عنه يصح الصلح على أن يكون المقبوض عوضا عن أصل ملكه وان كان مستهلكا فكذلك هنا يصح الصلح على أن يكون المقبوض عوضا عن الجزء الفائت الذي استحقه بالعقد ولاربا بين الدراهم والدنانير ولانه يصح الصلح بطريق الحط وهو أن يجعل كانه حط من ثمن الابريق هذا المقدار ولكن الاول أصح لان القبض في المجلس شرط وانما يشترط ذلك إذا جعلنا بدل الصلح عوضا عن الجزء الفائت حتى لا يكون دينا بدين وان صالحه على عشرة دراهم فهو جائز. وان كانت الدراهم أكثر من قيمة العيب عندهم جميعا لان حصة العيب من الذهب ولا ربا بين الدراهم والدنانير وهذا على قولهما ظاهر وكذلك عند أبى حنيفة رضى الله عنه لانه في الفصل الاول انما يجعل بدل الصلح عوضا عن الجزء الفائت لتصحيح العقد وتصحيح العقد هنا في أن يجعل عوضا عما يخص الجزء الفائت من الذهب والفضة ويشترط القبض فيه قبل الافتراق فان افترقا قبل القبض أو على شرط أجل أو خيار بطل الصلح لكون العقد صرفا بينهما وان ادعى على رجل عشرة دراهم وعشرة دنانير فانكر ذلك المدعى عليه أو أقر ثم صالحه على خمسة دراهم نقدا أو نسيئة فهو جائز لان صحة هذا العقد بطريق الابراء وهو أنه أبرأه عن جميع الدنانير

[ 73 ] ونصف الدارهم ثم أجله في الباقي من الدراهم فيكون الاحسان كله من جانبه وذلك جائز * قال وان اشترى قلب ذهب فيه عشرة دنانير بمائة درهم وتقابضا واستهلك القلب أو لم يستهلكه ووجد به عيبا قد كان دلسه له فصالحه على عشرة دراهم نسيئة فهو جائز لان صحة هذا الصلح بطريق الحط أو بطريق أن ما وقع عليه الصلح حصة العيب فيكون ذلك دينا على البائع واجبا بالقبض دون عقد الصرف والتأجيل صحيح في مثله * ولو صالحه على دينار لم يجز الا أن يقبضه قبل التفرق لان الدينار عوض عن حصة العيب وذلك من الدراهم فيكون صرفا فيشترط القبض فيه قبل التفرق وان اشترى قلب فضة فيه عشرة دراهم بدينار وتقابضا ثم وجد في القلب هشما ينقصه فصالحه من ذلك على قيراطي ذهب من الدينار على أن زاده مشترى القلب ربع حنطة وتقابضا فهو جائز لان ما زاد مشترى القلب يلتحق باصل العقد وما زاد الآخر من القيراطين يكون حط بعض البدل وذلك جائز من كل واحد منهما ويجعل بعض القيراطين ثمن الحنطة وبعضه بحصة العيب وذلك جائز وان كانت الحنطة بعيبها وتفرقا قبل التقابض فهو جائز أيضا لان في حصة الحنطة افترقا عن عين بدين وفي حصة العيب وجوب الرد بحكم القبض دون العقد فلا يضرهما ترك القبض في المجلس وان تقابضا ثم وجد في الحنطة عيبا ردها ورجع بثمنها ومعرفة ذلك أن يقسم القيراطان على قيمة الحنطة وقيمة العيب فما يخص قيمة الحنطة فهو ثمن الحنطة يرجع به والله أعلم (باب الصرف في المرض) قال رحمه الله مريض باع من أبيه دينارا بالف درهم وتقابضا قال لا يجوز ذلك عند أبى حنيفة رضي الله عنه لان نفس البيع من وارثه وصية له عند أبى حنيفة رحمه الله ولا وصية للوارث وعندهما مضى الوصية في الحط لافي نفس البيع كما في حق الاجنبي فإذا كان البيع بمثل القيمة أو أكثر فلا وصية فيه ولاتهمة وبيان هذا يأتي في كتاب الشفعة ان شاء الله تعالى * ولو اشترى من أبيه الف درهم بمائتي دينار فان أجاز ذلك بقية الورثة فهو جائز لان المانع من الوصية للوارث حق الورثة فان أجازوا ذلك جاز وان ردوا فهو مردود كله في قول أبى حنيفة رضي الله عنه وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ان شاء الابن أخذ مثل قيمة الدراهم من الدنانير وان شاء نقض الببيع لان الوصية عندهما بالمحاباة فيبطل

[ 74 ] ذلك بالرد من جهة الورثة ويتخير الابن لانه ما رضي بزوال ملكه في الدراهم حتى يسلم له الدناير كلها فإذا لم يسلم تغير عليه عقده فان شاء رضى به وان شاء نقض البيع وسوى هذا رواية أخرى عنهما أن أصل العقد يبطل إذا حابى المريض وارثه بشئ ويأتى بيان ذلك في الشفعة ان شاء * الله تعالى * وإذا باع المريض الف درهم بدينار وتقابضا ثم مات المريض والدينار عنده ولا مال له غير ذلك فللورثة أن يردوا ما زاد على الثلث لان المحاباة في المرض تبرع بماله بمنزلة الوصية فانما يجوز من ثلثه ولا يزيد على الثلث فيبطل ذلك إذا لم تجز الورثة ثم يتخير المشترى فان شاء أخذ ثلث الالف كاملا بطريق الوصية وما بقي قيمة الدينار بطريق المعاوضة لان الدينار في يد الورثة ويرد عليهم ما بقى من الالف وان شاء أخذ ديناره ويرد الفا لانه ما رضي ان يتملك عليه ديناره حتى يسلم له جميع الالف ولم يسلم وإذا اختار أخذ ديناره فلاشئ له من الالف بطرق الوصية لان الوصية بالمحاباة كانت في ضمن عقدا لصرف وقد بطل العقد فيبطل به مافى قيمته أيضا. وان كان المريض قد استهلك الدينار كان للمشترى أن يأخذ قيمة الدينار من الالف بجهة المعاوضة وثلث ما بقى من الالف بطريق الوصية ولم يجزه هنا لان الدينار مستهلك فلا فائدة في اثبات الخيار له لانه لا يعود إليه ما خرج من ملكه بعينه وكذلك لم يعطه بالوصية ثلث الالف كاملا هنا بخلاف الاول لان هناك الدينار مستهلك فلو أعطيناه بالوصية ثلث الالف كاملا لا يسلم للورثة ضعف ذلك فلهذا قال يأخذ قيمة الدينار من الالف أولا ثم له بالوصية ثلث ما بقى وكذلك إذا باع المريض سيفا قيمته مائة درهم وفيه من الفضة مائة درهم وقيمة ذلك كله عشرون دينارا بدينار وتقابضا فابت الورثة أن يجيزوا كان للمشتري الخيار ان شاء أخذ قدر قيمة الدينار من السيف وحليته وثلث السيف تاما بعد ذلك وان شاء رد كله وأخذ ديناره لان المريض حاباه باكثر من ثلث ماله وهذا وما سبق في التخريج سواء وما تختص به هذه المسألة قيمة الدينار له من السيف والحلية جميعا لان الكل كشئ واحد لا يتأتى اثبات المعاوضة في أحدهما دون الآخر وان كان المريض قد استهلك الدينار كان المشترى بالخيار هنا ان شاء أخذ دينارا مثل ديناره ورد البيع فيكون ذلك دينا في تركة الميت ويباع السيف حتى ينقد الدينار وان شاء كان له من السيف وحليته قيمة الدينار وثلث ما بقى لان السيف مما يضره التبعيض فيثبت الخيار لما لحقه من عيب التبعيض وان كان الدينار مستهلكا لان المعقود عليه وهو السيف قائم يمكن

[ 75 ] فسخ العقد فيه بخلاف الاول فالتبعيض في الالف الاول ليس بعيب فلهذا لم يجعل له الخيار بعد ما استهلك الدينار وان كان المشترى أيضا قد استهلك ما قبضه جاز له منه قيمة الدينار وثلث الباقي وغرم ثلثى الباقي للورثة لان فسخ العقد تعذر باستهلاك المعقود عليه فعليه ضمان حصة الورثة من ذلك وهو قيمة ثلثى الباقي وغرم ثلثى الباقي بعد قيمة الدينار لانه لو كان قائما كان لهم حق استرداد ذلك منه فإذا كان مستهلكا فهو غارم قيمة ذلك لهم * مريض له تسعمائة درهم ولامال له غيرها فباعها بدينار وقبضه وقبض الآخر مائة درهم وتسعمائة ثم افترقا ومات المريض والمال قائم والدينار قيمته تسعه فاجازة الورثة وردهم هنا سواء وله المائة الدرهم بتسع الدينار ويرد عليه ثمانية اتساع الدينار لان عقد الصرف قد بطل في ثمانية اتساع الدينار بترك قبض ما يقابله في المجلس وانما بقى العقد في مقدار المائة والوصية بالمحاباة كانت في ضمن العقد فانما يبقى فيما بقى فيه العقد وهو المائة وذلك دون ثلث مال الميت فلا حاجة فيه إلى اجازة الورثة فان لم يكن قبض شيئا رد عليه ديناره بعينه لان العقد قد بطل بالافتراق قبل التقابض فيرد عليه ديناره ولا شئ له من الوصية لانها بطلت ببطلان العقد وان لم يتفرقا حتى زاد المشترى تسعة وخمسين دينارا وتقابضا فهو جائز كله لان ما زاد يلتحق باصل العقد فيصير كأنه في الابتداء انما باعه بستين دينارا فتكون المحاباة بقدر الثلث من ماله وذلك جائز. قال الحاكم رحمه الله وانما صح جواب هذه المسألة إذا زيد في سؤالها ان قيمة الدينار عشرة دراهم وهو كما قال فان حق الورثة في ستمائة درهم لان جملة مال المريض تسعمائة وانما تكون المحاباة بقدر الثلث إذا كانت قيمة كل دينار عشرة وان كان المريض وكل وكيلا فباعها من هذا الرجل بدينار ثم مات المريض قبل أن يتقابضا فقال المشترى أنا آخذ تسعمائة بتسعين دينارا قبل أن يتفرفا فله ذلك لان البيع قد وجب له قبل موت الميت ولم يتفرقا فلم يبطل بموت الموكل بعد ذلك والمعتبر بقاء المتعاقدين في المجلس فإذا أراد المشتري إلى تمام تسعين دينارا للحق ذلك باصل العقد وانعدمت المحاباة وكان ذلك سالما له وإذا اشتري من المريض ألف درهم بمائة درهم وتقابضا ثم مات المريض من مرضه فهذا ربا وهو باطل من الصحيح والمريض جميعا وللذي أعطى المائة أن يمسك المائة من الالف بمائة ويرد الفضل لان حقه في المائة التى أعطى وقد صار دينا والذي في يده مال الميت فيكون له أن يمسك من ذلك مقدار حقه ويرد الفضل ولاوصية له هنا لان الوصية

[ 76 ] في ضمن العقد والعقد باطل وان كان أعطى من المائة ثوبا أو دينارا كان ذلك بيعا صحيحا على أن تكون المائة بمائة والباقى بازاء الثوب والدينار وان مات المريض وأبت الورثة أن يجيزوا يخير صاحب الدينار والثوب فان شاء نقض البيع لتغير شرط عليه وان شاء كان له من الالف مائة مكان مائة وقيمة الدينار أو العرض بطريق المعاوضة وثلث الالف بطريق الوصية إذا كان الدينار والالف قائمة في يد الورثة كما بينا وإذا كان للمريض ابريق فضة فيه مائة درهم وقيمته عشرون دينارا فباعه بمائة درهم وقيمتها عشرة دنانير ثم مات وأبت الورثة أن يجيزوا فالمشتري بالخيار ان شاء رده لتغير شرط عقده عليه وان شاء أخذ ثلثى الابريق بثلثي المائة وثلثه للورثة لان الوصية بالمحاباة انما تنفذ في مقدار الثلث ويتعذر هنا جعل شئ من الابريق له بطريق الوصية واعتبار المفاوضة فيما بقي لان ذلك يؤدي إلى الربا لان مبادلة الدراهم بجنسها لا يجوز الا وزنا بوزن ولاقيمة للصنعة والجودة في هذه المبادلة الا أنها متقومة في حق الورثة لان لها قيمة تبعا للاصل ولا يملك المريض اسقاط حق الورثة عنها مجانا فإذا تعذر الوجهان كان الطريق ما قال لان حق الورثة في ثلثى مال المريض وماله عشرون دينارا وثلثاه ثلاثة عشر وثلث فإذا أخذ الورثة ثلث الابريق وقيمة ذلك ستة دنانير وثلثا دينار وأخذوا ثلثى المائة وقيمة ذلك ستة دنانير وثلثا دينار حصل لهم ثلاثة عشر دينارا وثلث كمال حقهم وسلم للمشترى ثلثا الابريق وقيمته ثلاثة عشر دينارا وثلث بثلثي المائة وقيمته ستة وثلثان فيسلم له بطريق الوصية ثلث مال المريض ستة دنانير وثلثا دينار وقد سلم للورثة ضعف ذلك فيستقيم الثلث والثلثان والله أعلم (باب الاجارة في عمل التمويه) قال رحمه الله وإذا دفع لجاما أو حرزا إلى رجل ليموهه له بفضة وزنا معلوما يكون قرضا على الدافع ويعطيه أجرا معلوما فهو جائز ويلزمه الاجر والقرض لانه استقرض منه الفضة وأمره بان يصرفها إلى ملكه فيصير قابضا لها بابطاله تملكه وعليه مثلها ثم استأجره لعمل معلوم ببدل معلوم وقد أوفى العمل فله الاجر وان اختلفا في مقدار ما صنع من الفضة فالقول قول رب اللجام مع يمينه لان الصانع يدعى زيادة فيما أقرضه وهو ينكر ذلك ويحلف على عمله لانه استحلاف على فعل الغير فان قال موه بمائة درهم فضة على أن اعطيك منها

[ 77 ] أجر عملك ذهبا عشرة دنانير بذلك كله وتفرقا على ذلك كله فهو فاسد لان العقد في حصة الفضد صرف ولم يوجد القبض في المجلس فكان فاسدا فان عمله كان له فضة مثل وزنها لانه صار قابضا الفضة حين اتصلت بملكه باذنه بسبب عقد فاسد وقد تعذر رد عينها فعليه رد مثلها وكان له أجر مثل عمله من الدنانير لا يجاوز به ما سمى أي تقسم الدنانير على أجر مثله وعلى المائة الدرهم فتعتبر حصة أجر مثله من الدنانير لان العقد واحد ولما فسد في حصة الصرف فسد في الاجارة أيضا ويلزمه أجر مثله وعلى المائة الدرهم فيعتبر حصة أجر مثله هكذا ذكر الحاكم رحمه الله وهو مشكل لان فساد العقد في حصة الصرف طارئ بالافتراق قبل القبض وذلك لا يوجب فساد الاجارة * قال رضي الله عنه وقد تأملت في الاصل فوجدته يعتبر أجر المثل لبيان الحصة فانه يقول وكان له مقدار أجره من الدنانير لانه إذا قسمت الدنانير على أجر مثله وعلى المائة درهم فعلمت أنه حكم بصحة العقد في حصة الاجارة واعتبر أجر المثل للانقسام ثم جعل له بمقابلة العمل المسمى لصحة العقد في حصة الاجارة واعتبر أجر المثل للانقسام ثم جعل له بمقابلة العمل المسمى لصحة العقد وان دفع إليه ثوبا يكتب عليه كتاب بذهب معلوم باجر معلوم من الفضة في ذلك فهو فاسد لان العقد في حصة الذهب صرف وكذلك لو شرط عليه أجرة وثمنه ذهبا فان ذهب الكتابة يكون مبيعا لا مستقرضا لانه سمى ما يقابله ثمنا فيكون العقد فيه صرفا أيضا فان قال أقرضنى مثقال ذهب واكتب به على هذا الثوب كذا وكذا على أن أعطيك أجرك نصف درهم أو قيراط ذهب فهو جائز لانه مستقرض للدينار وهو قابض له لاتصاله بملكه فكأنه قبضه بيده ثم استأجره لعمل معلوم ببدل معلوم * وإذا دفع إليه عشرة دراهم فضة وقال اخلط فيها خمسة دراهم فضة تم صقها قلبا ولك كذا ففعل فهو جائز لانه استقرض منه قدر خمسة دراهم فضة وقد صار قابضا لها بالاختلاط بملكه ألا ترى أنها لو هلكت بعد الخلط هلكت من مال الآمر ثم استأجره للعمل في ملكه ببدل معلوم وهذا بخلاف مااذا لم يدفع إليه فضة وقال صغ لى من عندك عشرة دراهم فضة قلبا على أن أعطيك أجر كذا فهو باطل لان فضة العامل في يده ألا ترى أنها لو هلكت تكون من ماله فيكون فيه عاملا لنفسه ولو اختلفا فقال الدافع كانت فضتي اثنى عشر درهما وأمرتك أن تزيد فيها ثلاثة فقال المدفوع إليه بل كانت عشرة وأمرتني فزدت خمسة وفي القلب خمسة عشر فالقول قول المدفوع إليه أنه زاد خمسة لان الخلاف في مقدار ما دفع إليه من الفضة فالدافع يدعى عليه الزيادة

[ 78 ] والمدفوع إليه ينكر فاقول قوله مع يمينه ثم المدفوع إليه يدعى انه أمره أن يزيد فيها خمسة والدافع ينكر الامر فيما زاد على الثلاثة فالقول قوله فيها مع يمينه فتبين انه زاد درهمين فوق ما أمره به فكان مخالفا لامره ضامنا للدافع مثل فضته فيكون له ذلك لانه اقام العمل المشروط عليه وزاد فإذا رضى بالزيادة استوجب العامل كمال اجره ولو كان القلب محشوا لا يعلم وزنه ولا يعرف واتفقا انه أعطاه عشرة وأمره أن يزيد فيه خمسة فقال الدافع لم تزد فيه شيئا وقال العامل قد زدت فيه خمسة فالقول قول الدافع لانه ينكر القبض بحكم القرض فان شاء العامل سلم القلب له وأعطاه الآمر من الاجر بحساب ذلك وان شاء أعطاه فضة مثل فضته لان اليد له فيه فله أن لا يخرج القلب من يده إذا كان ما زاد فيه وهو الخمسة بزعمه لا تصل إليه فإذا احتبس عنده ضمن للدافع فضة مثل فضته بعد أن يحلف الآخر ما يعلم انه زاد فيه خمسة لانه لو أقر بذلك لزمه فإذا أنكر فيستحلف عليه ولو اتفقا على انه زاد فيه خمسة فقال الآمر كانت فضتي بيضاء وأمرتك أن تزيد فيها فضة بيضاء وقال العامل كانت سوداء وأمرتني أن أزيد فيها فضة سوداء فالقول قول العامل لان الاختلاف في صفة المدفوع إليه ولو اختلفا في مقداره فالقول قوله فكذلك في صفته وان اختلفا في الاجر في المقدار بان قال الدافع عملته بغير أجر فالقول قول الدافع لانكاره وجوب الاجر في ذمته أو الزيادة على ما أقر به * رجل اشترى من رجل عشرة دراهم بدينار وتقابضا ثم وجدها زيوفا بعد ما تفرقا فاستبدلها منه ثم استحق تلك الدراهم الزيوف لم يبطل العقد لانه حين استبدلها بالجياد قبل أن يستحق فانما استقر حكم العقد على الجياد دون الزيوف المردودة واستحقاق ما ليس فيه حكم العقد لا يؤثر في العقد وهذا انما يتأتى على قولهما وكذلك عند أبى حنيفة ان كان الرد بعيب الزيافة والاستبدال به قبل افتراقهما عن مجلس العقد أو بعد الافتراق والمردود قليل * رجل استقرض من رجل كر حنطة وقال اطحنها لى بدرهم فطحنها قبل أن يقبضها كان هذا باطلا ولا أجر له لان المستقرض لم يصر قابضا وانما طحن صاحب الحنطة حنطة نفسه فلا يستوجب الاجر على غيره ولكن ان أعطاه الدقيق فعليه دقيق مثله لانه انما اقرضه الدقيق * ولو دفع إليه كر حنطة وقال اقرضني نصف كر واخلطه به ثم اطحنها لى بنصف درهم كان هذا جائزا لانه صار قابضا لما استقرضه بالاختلاط يملكه بامره فيكون الطحان عاملا له في حنطته فيستوجب الاجر * ولو دفع إليه لجاما وذهبا فقال موهه به وما

[ 79 ] فضل فهو لك أجر لم يجز لجهالة مقدار الاجر فان عمله كان له أجر مثله لاستيفاء المنفعة بعقد فاسد وما بقى من الذهب فهو مردود على صاحبه * ولو اشترى قلب فضة بدينار ودفع الدينار ثم ان رجلا أحرق القلب في المجلس فللمشتري الخيار لتغير المعقود عليه فان اختار امضاء العقد واتباع المحرق بقيمة القلب من الذهب فان قبضه منه قبل أن يفارق المشترى البائع فهو جائز لان قبض بدل القلب في المجلس كقبض عينه ويتصدق بالفضل على الدينار وان كان فيه لانه ربح حصل لا على ضمانه وان تفرقا قبل أن يقبض القيمة بطل الصرف وعلى البائع رد الدينار واتباع المحرق بقيمة القلب في قول محمد وهو قول أبى يوسف الاول ثم رجع وقال لا يبطل الصرف بافتراقهما بعد اختيار المشترى تضمين المحرق قبل القبض منه وهو وقول أبى حنيفة كقول أبى يوسف الآخر رحمهما الله وان لم يذكره هنا فقد نص عليه في نظيره في الجامع إذا قتل المبيع قبل القبض فان اختار المشترى تضمين القاتل في قول أبى حنيفة وأبى يوسف الآخر رحمهما الله يصير قابضا بنفس الاختيار حتى لو نوى ذلك على القاتل يكون من مال المشترى وفي قول أبى يوسف الاول هو قول محمد رحمهما الله لا يصير قابضا بنفس الاختيار ووجه هذا القول أن قبض بدل الصرف لا يكون الا بعين تصل إلى يده وكذلك قبض المبيع إذا كان عينا وباختياره تضمين المحرق والقاتل لا تصل يده إلى شئ فلا يصير قابضا لان عين القلب لم تقبض وقيمته دين في ذمة المحرق ولا يتصور أن يكون قابضا لما في ذمة غيره وليس في اختياره أكثر من أن تتوجه له المطالبة على المحرق ببدل الصرف وهذه المطالبة نظير المطالبة التى تتوجه بالعقد على من عامله فكما لا يصير قابضا هناك بتوجه المطالبة له فكذلك هنا وصار هذا كما لو أحاله ببدل الصرف على انسان في المجلس فقبل الحوالة لا يصير قابضا وان توجهت له المطالبة على المحتال عليه وتحول بدل الصرف إلى ذمته وجه قوله الآخر أن المحرق قابض متلف والمشترى حين اختار تضمينه قد صار راضيا بقبضه ملزما اياه الضمان باتلافه ولو كان أمره بالقبض في الابتداء كان يتم عقد الصرف بقبضه فكذلك إذا رضى بقبضه في الانتهاء بخلاف الحوالة فالمحتال عليه هناك لم يقبض شيأ حتى يجعل قبضه كقبض الطالب والاشكال على هذا الحرف أن على المشترى أن يتصدق بالفضل ولو كانت طريق هذا لم يلزمه التصدق بالفضل لان وجوب الضمان بالاتلاف بعد القبض فيكون ربحا على ضمانه ولكن أبو يوسف يقول انما يصير قبضه له باختياره تضمينه

[ 80 ] وذلك بعد الاتلاف وبعد ما وجب التصدق بالفضل فلا يظهر في ابطال حق الفقراء مع أن باب التصدق مبنى على الاحتياط وهذا شئ يقدر اعتبار الاتمام قبضه فيظهر في حقه لافى حق الفقراء ولان قيمة المبيع صارت دينا على المتلف ولا يتصور أن تكون قيمة المبيع دينا للمشترى على الاجنبي الا بعد القبض فلابد من ادراج القبض في هذا الاختيار يقرره أنه لا يمكن أن يجعل ذمة المتلف قائمة مقام ذمة البائع في ايجاب ضمان المبيع فيها فان قيمة المبيع لا تجب على البائع قبل القبض بحال ألا ترى أنه لو أتلف المبيع قبل القبض لا يلزمه قيمته فعرفنا أنه واجب للمشترى ابتداء في ذمة المتلف ولايكون ذلك الا بعد القبض بخلاف الحوالة فذمة المحتال عليه هناك تقوم مقام ذمة المحيل فيما كان ثابتا فيه من بدل الصرف وان اشترى سيفا محلى فيه خمسون دينارا بمائة درهم أو بعشرة دنانير فنقد الثمن ولم يقبض السيف حتى أفسد رجل شيأ من حمائله أو جفنه فاختار المشترى أخذ السيف وتضمين المفسد قيمة ما أفسده فله ذلك لانه جنى على ملكه فان قبض السيف ثم فارق البائع قبل أن يقبض من المفسد ضمان ما أفسده لم يضره ذلك في البيع لان الواجب على المفسد بدل المبيع والقبض فيه ليس بشرط في المجلس انما ذلك في الصرف خاصة وهذا بمنزلة ثوب اشتراه فاحرقه انسان قبل القبض فاختار المشترى امضاء العقد واتباع المحرق لا يشترط قبض ذلك في المجلس وان كان المفسد أفسد السيف كله واختار المشترى امضاء العقد وتضمين المفسد ونقد البائع الثمن ثم فارقهم المفسد قبل أن يؤدى القيمة لم يفسد البيع لان المفسد ليس من العقد في شئ لا يضرهما ذهابه كالمحتال عليه وان فارق البائع المشترى قبل قبض القيمة فهو على الخلاف عند أبى يوسف آخرا لا يبطل الصرف وهو قول أبى حنيفة وعند محمد ينتقض البيع كله في حصة الحلية للافتراق قبل القبض وفي حصة السيف لان الكل شئ واحد * ولو أسلم ثوبا في كر حنطة أو باع قلبا بدينار فهشم رجل القلب وشق الثوب باثنين فاختار مشترى القلب والمسلم إليه أخذ الثوب والقلب وقال يتبع المفسد بضمان ذلك وتقابضا قبل أن يفترقا فذلك جائز وان لم يقبض القيمة حتى تفرقا فانه قبض القلب بعينه وقبض رأس المال بعينه فلا يضرهما عدم قبض النقصان من الهاشم في المجلس لان ذلك مقابلة الوصف والمعقود عليه العين وانما يشترط قبض المعقود عليه في المجلس * رجل اشترى سيفا محلي فيه خمسون درهما فضة بمائة درهم فاحرق رجل بكرة من حليته فاختار المشترى إمضاء البيع وتضمين المحرق فنقد الثمن وقبض

[ 81 ] السيف ثم فارق البائع قبل أن يقبض قيمة البكرة فالبيع ينتقض في البكرة خاصة دون السيف عند محمد لانه باختيار تضمين المحرق لا يصير قابضا فالبكرة قد زايلت السيف فانتقاض العقد فيها بالافتراق قبل القبض لا يوجب الانتقاض فيما بقى وفي قول أبى يوسف الآخر لا ينتقض البيع في البكرة أيضا لانه صار قابضا باختياره تضمين المحرق وكذلك القول في السلم إذا استهلك الرجل رأس المال قبل التسليم فاختار المسلم إليه تضمين المستهلك ثم فارق رب السلم قبل القبض بطل البيع في قول محمد ولم يبطل في قول أبى يوسف وهو بناء على الاصل الذي بينا * وان اشترى سيفا محلى بمائة درهم وحليته خمسون درهما وتقابضا ثم باعه المشتري مرابحة بربح عشرين درهما أو بربح ده يازدة أو بربح ثوب بعينه أو بوصفه نحو ذلك لم يجز لان للحلية في السيف حصة من الربح والخسران فيكون بمقابلتها أكثر من وزنها من الفضة أو أقل وذلك ربا وبفساد العقد في الحلية يفسد في جميع السيف فان قيل كان ينبغى أن يجعل مثل وزن الحلية من الثمن بمقابلتها والباقى كله بمقابلة السيف كما لو لم يذكر المرابحة * قلنا لا يجوز أن يصح العقد على غير الوجه الذي صرح به المتعاقدان وقد صرحا بأن العقد في حصة الحلية مرابحة أو وضيعة وذلك ينعدم إذا جعل بمقابلتها مثل وزنها ولانهما جعلا الربح في ثمن السيف ده دوازده فإذا جعلنا جميع الربح بازاء السيف يكون الربح في ده دوازده ولا يمكن أن يقال تثبت حصة السيف من الربح وتبطل حصة الحلية لان البائع لم يرض أن يملك عليه السيف حتى يسلم له جميع ما سمى من الربح وان البيع حينئذ يكون تولية في الحلية ولم يقصدا ذلك وان رابحه فيما سوى الفضة جاز لانهما صرحا بكون العقد تولية في حصة الحلية مرابحة في حصة السيف وذلك مستقيم فاما اللجام المموه فلا بأس بالمرابحة فيه لان التمويه لا يتخلص فلا يتمكن فيه الربا باعتباره وان اشترى قلب فضة فيه عشرة دراهم بدينار وتقابضا ثم باعه مرابحة بربح نصف دينار أو بربح درهم فلا بأس بذلك أما إذا باعه بربح نصف دينار فان الجنس مختلف فيه والفضل لا يظهر عند اختلاف الجنس فيكون تابع القلب بدينار ونصف درهم وذلك جائز وان باعه بربح درهم فكذلك الجواب في ظاهر الرواية لانه يصير تابع القلب بدينار ودرهم وذلك جائز وعن أبى يوسف لا يجوز لان الدرهم بقابله مثل وزنه من القلب على ما عليه الاصل فان الفضة بمثل وزنها مقابلة ثابتة شرعا ولو جوزنا هذا كان الدينار بمقابلة تسعة اعشار القلب والدرهم بمقابلة عشر القلب فيكون بعض ماسمياه رأس المال ربحما

[ 82 ] فيه تسعة اعشار القلب وبعض ماسمياه ربحا رأس المال في عشر القلب وذلك تصحيح على غير الوجه الذي صرح به المتعاقدان ولو كان قام عليه بعشرة دراهم فباعه بربح درهم لم يجز لانه بيع العشرة باحد عشر ولو ضم معه ثوبا قد قام معه بعشرة دراهم وقال قد قام على هذا بعشرين درهما فباعهما بربح درهم أو بربح ده يازده فعلى قول أبى حنيفة العقد يفسد كله لانه فسد في حصة القلب لاجل الربا أو العقد صفقة واحدة وعندهما يجوز في حصة الثوب لان أحدهما منفصل عن الاخر وبفساد العقد في احدهما لا يتمكن المفسد في لآخر وكذلك لو اشترى جارية وطوق فضة عليها فيه مائة درهم بالف درهم وتقابضا ثم باعها مرابحة بربح مائة درهم أو بربح ده يازده فالعقد فاسد في قول أبى حنيفة وعندهما يجوز في الجارية دون الطوق لان أحدهما يتميز عن الآخر بغير ضرر وقد ذكر الكرخي رحمه الله رجوع أبى يوسف رحمه الله إلى قول أبى حنيفة رضي الله عنه في مسألة الطوق فاستدلوا به على رجوعه في نظائره وقد ذكرنا هذا في كتاب البيوع * ولو اشترى سيفا محلى بمائة درهم وحليته خمسون درهما وتقابضا ثم حط عنه درهما فهو جائز لان الحط ليس من ثمن الفضة فانه يثبت على سبيل الالتحاق باصل العقد ويخرج قد المحطوط من أن يكون ثمنا فكأنه في الابتداء اشترى السيف بتسعة وتسعين درهما فيكون بمقابلة الحلية مثل وزنها والباقى بمقابلة السيف ولو ابتاع قلب فضة وزنه عشرة بعشرة دراهم وتقابضا ثم حط عنه درهما وقبل الحط وقبضه بعد ما افترقا من مقام البيع أو قبل أن يفترقا فسد البيع كله في قول أبى حنيفة وفي قول أبى يوسف الحط باطل ويرد الدرهم عليه والعقد الاول صحيح وفي قول محمد رحمه الله العقد الاول صحيح والحط بمنزلة الهبة المبتدأة له أن يمتنع منه ما لم يسلمه ولو زاده في الثمن درهما وسلمه إليه فسد العقد في قول أبى حنيفة وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله الزيادة باطلة والعقد الاول صحيح وكذلك لو شرطا بعد العقد لاحدهما خيارا أو أجلا يفسد به العقد في قول أبى حنيفة وعندهما يبطل هذا الشرط والعقد الاول صحيح وكذلك في البيع إذا ذكر فيه شرطا فاسدا بعد العقد وعند أبى حنيفة يلتحق ذلك بأصل العقد حتى يفسد العقد وعندهما يبطل هذا الشرط وحجتهما في ذلك أن الشرط والزيادة بيع في العقد ولايجوز أن يكون البيع في الشئ مبطلا لاصله ولان في اثبات الزيادة والشرط المذكور ابطاله لان صحة ذلك بصحة العقد فإذا أثبتنا ذلك على سبيل الالتحاق بأصل العقد يبطل العقد به وببطلان العقد تبطل

[ 83 ] الزيادة فيكون هذا اشتغالا بما لا يفيد وأبو حنيفة يقول المعنى الذي لاجله يلتحق الشرط الصحيح والزيادة بأصل العقد موجود هنا وذلك المعنى هو أنهما قصدا تغيير وصف العقد بجعل الخاسر رابحا واللازم غير لازم والتصرف في العقد اليهما ألا ترى أنهما يملكان فسخه وابقاءه فكذلك يملكان تغيير وصفه لان صفة الشئ تملك بملك أصله وهذا المعنى موجود هنا فانهما غيرا وصف العقد من الجواز إلى الفساد واليهما ذلك فما وقع عليه الاتفاق بعد العقد يجعل كالمذكور في أصل العقد ولو ذكر في أصل العقد ثبت وان فسد به العقد فكذلك إذا ذكر بعد العقد ألا ترى ان أحد المتصارفين إذا وهب بدل الصرف قبل القبض من صاحبه وقبل فانه يفسد به العقد بالطريق الذي قلنا فكذلك إذا رده في بدل الصرف ومحمد فرق بين الحط والزيادة فقال في الحط ايفاء العقد الاول مع أن تصحيح الحط ممكن بأن يجعل ذلك هبة مبتدأة فيصار إليه كما لو اشترى ثوبا بعشرة فحط البائع عنه الثمن كله بعد القبض وقبله فانه يصح الحط بطريق الهبة المبتدأة ويجعل البيع صحيحا بخلاف الزيادة لانه لا وجه إلى ذلك فصرف إلى الغاء الزيادة وتصحيح العقد الاول ولكن هذا ليس بصحيح فان حط جميع الثمن يتعذر الحاقه بأصل العقد لانه يخرج به العقد من أن يكون بيعا ويصير هبة ولم يقصد المتعاقد ان ذلك بأصل السبب فلهذا جعلناه هبة وهنا لو ثبت حط البعض على وجه الالتحاق بأصل العقد لم يخرج العقد به من أن يكون صرفا كما باشراه وانما يفسد به العقد والفاسد من جنس الزائد ألا ترى أن الوكيل لا يضمن بالفساد والوكيل بالبيع إذا وهب كان ضامنا يوضح الفرق ان الحط لاخراج العين من العقد أو لادخال الرخص فيه والانسان لا يصير مغبونا بجميع الثمن فعرفنا أنه بحط الجميع قصد البر المبتدأ فجعلناه هبة كذلك وهو يصير مغبونا ببعض الثمن في عقد الصرف كما يصير مغبونا في عقد البيع فيكون الحط لادخال الرخص فيه ولا يحصل ذلك بجعله هبة مبتدأة فلهذا التحق بأصل العقد الا أنه يشترط قبول الآخر هنا بخلاف الحط في سائر البيوع لان في صحة هذا الحط افساد هذا العقد ولا ينفرد أحد المتعاقدين بافساد العقد وهناك في تصحيح الحط اسقاط ذلك القدر من الثمن والاسقاط يتم بالمسقط وحده * ولو اشترى قلب فضة وثوبا بعشرين درهما وفي القلب عشرة دراهم وتقابضا ثم حط عنه درهما من ثمنهما جيمعا فان نصف الحط في الثوب وينتقض البيع في القلب في قول أبى حنيفة لانه يثبت الحط فيهما جميعا فانه نص على ذلك

[ 84 ] بقوله حططت عنك درهما من ثمنهما جميعا فيفسد العقد في حصة القلب لانه يكون بمقابلته أقل من وزنه ولكن هذا فساد طارئ فلا يفسد به العقد في حصة الثوب بخلاف المقترن بالعقد وهذا بخلاف الاول عند أبى حنيفة فان الحط هناك لما ثبت على سبيل الالتحاق بأصل العقد يظهر الفضل الخالى عن المقابلة في الكل وهنا انما يظهر الفضل الخالى عن المقابلة في القلب دون الثوب فلهذا جاز البيع في الثوب مع نصف الحط ولو كان المبيع سيفا محلى بمائة درهم وحليته خمسون درهما فحط عنه من ثمنه درهما أجزت ذلك وجعلت الحط على غير الفضة لان الحط يلتحق بأصل العقد ويخرج القدر المحطوط من أن يكون ثمنا فيكون البيع كان في الابتداء بتسعة وتسعين درهما وهذا بخلاف الاول فان القلب مع الثوب شيئان مختلفان وقد جعل الحط من ثمنهما والسيف مع الحلية كشئ واحد وقد جعل الحط من ثمنه فلو جعلنا ذلك في حصة السيف خاصة لا يكون في هذا تغيير ما نص عليه المتصرف * ولو باع قلب فضة بعشرين دينارا وتقابضا ثم حط عنه بعد ما افترقا عشرة دنانير فهو جائز سواء قبضها أو فارقه قبل الحط لانه بالتحالق القبض بأصل العقد لا يظهر الربا هنا لاختلاف الجنس والقدر المحطوط يخرج من أن يكون ثمنا فيجب رده باعتبار انه قبض فوق حقه وترك القبض في المجلس في مثله لا يضر وعلى هذا لو زاد أحدهما صاحبه في البدل الذي من قبله فعند اتحاد الجنس يبطل العقد عند أبى حنيفة إذا قبل الآخر الزيادة وعندهما الزيادة تبطل وعند اختلاف الجنس الزيادة تثبت على سبيل الالتحاق بأصل العقد لانه ليس في اثبات الزيادة في هذا الموضع افساد أصل العقد لان الزيادة ان كانت ثوبا فتفرقا قبل قبضه لم يضرهما شيئا كما لو كان مذكورا في أصل العقد لان العقد فيه بيع وان كانت الزيادة من النقود يشترط قبضها في المجلس لانه وجب في هذا المجلس والتحق باصل العقد فكان بدل الصرف فشرط قبضه في المجلس الا ان اجتماعهما في مجلس العقد في أصل بدل الصرف وان افترقا قبل قبض الزيادة بطل العقد في حصة الزيادة خاصة كما لو كان مذكورا في أصل العقد ولم يقبض حتى افترقا * ولو اشترى سيفا محلى بمائة درهم وحليته خمسون درهما وتقابضا ثم زاد مشترى السيف درهما أو دينارا فهو جائز وان تفرقا قبل القبض لان الزيادة ليست في الحلية انما هي في ثمن السيف فان الزيادة تلتحق باصل العقد ولو كانت مذكورة في العقد كانت بمقابلة السيف دون الحلية ولو كان بائع السيف زاده دينارا

[ 85 ] أو قبضه قبل الافتراق جاز وان فارقه قبل أن يقبض انتقض من الثمن بحصة الدينار لان الزيادة تلتحق باصل العقد فيصير كانه صارف سيفا محلى ودينارا بمائة درهم فخمسون درهما من الثمن بمقابلة الحلية وتقسم الخمسون الباقية على قيمة الدينار وقيمة السيف بغير حلية فما يخص الدينار يجب رده لان العقد قد يبطل فيه بترك قبض الدينار في المجلس * ولو اشترى قلب فضة فيه عشرة دراهم بعشرة واشترى هو أو غيره ثوبا بعشرة ثم باعهما بربح ده يازده أو بوضيعة عشر أحد عشر جازت حصة الثوب ولا تجوز حصة القلب لمعنى الربا وهذا قولهما أما عند أبى حنيفة رضي الله عنه فيفسد العقد كله لاتحاد الصفقة ولو قال أبيعكهما بوضيعة درهم من عشرين أو بزيادة درهم على عشرين درهما كان جائزا وكانت الفضة بمثلها والثوب بما بقى لانه لم ينسب العشرين إلى رأس المال ولا إلى ما قام عليه به فكان هذا بيع مساومة وفي بيع المساومة يقابل الفضة مثل وزنها والباقى بمقابل الثوب بخلاف الاول فهناك نص على بيع المرابحة فيهما وفي بيع المرابحة لابد من اعتبار الثمن الاول وذلك يمنع من أن يجعل جميع الربح بمقابلة الثوب * ولو اشترى فضة بخمسين درهما وزنها كذلك واشترى شيأ بخمسين درهما وزنها كذلك واشترى سيفا بخمسين درهما بجفنه وحمائله ثم أنفق عليه خمسة دراهم وعلى الصياغة خمسة دراهم ثم قال يقوم على بمائة وعشرة فباعه مرابحة على ذلك بربح عشرة أحد عشر أو بربح عشرين درهما كان ذلك كله فاسدا لانه صرح بجعل بعض الربح بمقابلة الفضة والكل في حكم شئ واحد فإذا فسد العقد في بعضه فسد في كله ولو كان الثمن والنفقة دنانير جاز لان عند اختلاف الجنس لا يظهر الفضل الخالى عن المقابلة ولو اشترى فلسا بعشرة دراهم وفيه عشرة دراهم وقبض القلب وغصبه الآخر عشرة دراهم أو استقرض منه ذلك ثم افترقا فهو ضامن بمن القلب لان شرط بقاء العقد قبض البدل في المجلس وقد وجد فانه مستوف لحقه وان أخذ على سبيل الغصب والقرض لانه ظفر من جنس حقه من مال غريمه فيكون بالقبض مستوفيا لحقه لا مستقرضا ولا قابضا ولا يشترط اتفاقهما على المقاصة هنا بخلاف الدين الواجب قبل عقد الصرف إذا جعلا بدل الصرف قصاصا به وقد بيناه * ولو اشترى القلب مع ثوب بعشرين درهما وقبض القلب ونقد عشرة دراهم ثم افترقا كان المنقود من القلب خاصة استحسانا لان قبضه مستحق في المجلس وقبض ثمن الثوب ليس بمستحق وفي سائر البيوع انما يجعل المنقود من ثمنهما لاجل المعاوضة والمساواة ولا معاوضة بين المستحق وبين ما ليس بمستحق ولان في

[ 86 ] جعل ذلك من ثمنهما هنا نقض البيع في نصف القلب ولما كان يستحسن لتصحيح العقد فيه في الابتداء فالاستحسان للتحرز عن فساده بعد الصحة أولى ولو نقده العشرة وقال هي من ثمنهما جميعا فهو مثل الاول لان الشئ يضاف إلى الشيئين والمراد أحدهما قال الله تعالى يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان والمراد أحدهما وهو المالح وقال تعالى يا معشر الجن والانس ألم يأتكم رسل منكم فالمراد به الانس خاصة فهنا وان قال هو من ثمنهما فقد قصد إيفاء الحق المستحق عليه وايفاء ثمن القلب في مجلس العقد مستحق بخلاف ثمن الثوب فيصرف ذلك إلى ثمن القلب وان قال هي من ثمن الثوب خاصة وقال الآخر نعم أو قال لا وتفرقا على ذلك انتقض البيع في القلب لان الترجيح بالاستحقاق عند المساواة في العقد أو الاضافة ولا مساواة بعد تصريح الدافع بكون المدفوع من ثمن الثوب خاصة والقول في ذلك قوله لانه هو الملك فالقول في بيان جهته قوله * ولو كان اشترى سيفا محلى بمائه درهم وحليته خمسون درهما وقبض السيف ونقده خمسين وقال هي من ثمن السيف دون الحلية ورضى بذلك القابض أو لم يرض فهو سواء وفي القياس هو لما صرح به يبطل العقد بافتراقهما كما في الفصل الاول ولكنه استحسن فجعل المنقود من الجاهلية هنا لانا لو جعلنا المنقود ثمن الحلية يصح القبض والدفع ولو جعلناه ثمن السيف يبطل ذلك كله لان العقد في حصة الحلية يبطل بالافتراق قبل القبض ويبطل العقد ببطلانه في حصة السيف فيجب رد المقبوض فكان هذا تصريحا بما لا يفيد فيسقط اعتباره بخلاف الثوب فان هناك لو جعلنا المنقود من ثمن الثوب سلم للقابض بذلك الطريق. يوضحه ان الحلية والسيف شئ واحد وفي الشئ الواحد لا يعتبر تعيينه في المنقود أنه ثمن هذا الجانب دون الجانب الآخر بخلاف القلب والثوب وكذلك لو كان الثمن دنانير ولو اشترى فضة بخمسة دنانير واشترى سيفا وجفنا وحمائل بخمسة دنانير وأنفق على صناعته وتركيبه دينارا ثم باعه مرابحة على ذلك بربح ده يازده وتقابضا كان ذلك جائزا لان الجنس مختلف لا يظهر الفضل الخالى عن المقابلة وكذلك لو كان قلب فضة يقوم عليه بدينار وثوب لآخر يقوم بدينارين فباعاهما مرابحة بربح دينار أو بربح ده يازده فان الربح بينهما على قدر رأس كل واحد منهما لان الثمن الباقي في بيع المرابحة مقسوم على الثمن الاول وقد كان الثمن الاول بينهما أثلاثا وان كان قلب فضة لرجل وعشرة دراهم وثوب لاخر قيمته عشرة دراهم فباعاه من رجل بعشرين درهما باع كل واحد منهما الذي له الا أن

[ 87 ] البيع صفقة واحدة ثم نقد المشترى صاحب القلب عشرة فهى له خاصة لان كل واحد منهما تولى بيع ملكه بنفسه فإليه قبض ثمنه ولا شركة بينهما في المقبوض لانه لم يكن بينهما شركة في المبيع ولا ينتقض البيع ان تفرقا قبل أن ينقد الباقي لان الباقي ثمن الثوب ولو باعا جميعا الثوب وباعا جميعا القلب فنقد صاحب القلب عشرة ثم تفرقا انتقض البيع في نصف القلب بخلاف ما تقدم إذا كان بائعهما واحدا لان هناك جعلنا المنقود استحسانا لعدم التسوية بين المستحق وغير المستحق وهذا لا يوجد هنا لان كل واحد منهما استحق قبض نصف ثمن القلب فان استحقاق القبض للعاقد سواء باشره لنفسه أو لغيره وقد باعا جميعا القلب والقابض أحدهما فلا يمكن جعل نصف المنقود عوض ما باعه الآخر من القلب فان قالا كذلك فان قبض الموكل من ثمن القلب كقبض الوكيل فصاحب القلب إذا قبض ثمن القلب وهو في النصف عاقد وفي النصف موكل أمكن جعل المنقود كله ثمن القلب قلنا نعم ولكن الترجيح باعتبار الاستحقاق وقبض الموكل غير مستحق له بالعقد فانعدم المعنى الذي لاجله رجحنا ثمن القلب ولو باع لؤلؤة بمائة دينار على أن فيها مثقالا فإذا فيها مثقالان كان البيع جائزا لان الوزن في اللؤلؤ صفة والعقد انما ينعقد على عينه لاعلى صفته وكذلك لو باع دارا بالف درهم على أنها ألف ذراع فإذا هي الف وخمسمائة ذراع كان البيع جائزا على جميعها لان الذراعان في الدار صفة ألا ترى أن باختلافها تختلف صفة العين في الضيق والسعة ولا يتبدل الاسم ولو كان باعها على أنها ألف ذراع كل ذراع بدرهم كان بالخيار ان شاء أخذها بالف وخمسمائة وان شاء ترك لانه صرح بحعل كل درهم بمقابلة كل ذراع وقد تغير على المشترى شرط عقده فانه اشتراها على أن تسلم له بالف درهم والآن لاتسلم له الا بالف وخمسمائة فلزمه زيادة في الثمن ولم يرض بالتزامه فيثبت له الخيار * وكذلك قلب فضة اشتراه بعشرة دراهم على أن فيه عشرة فإذا فيه عشرون درهما فهذا كله درهم بدرهم سواء قال درهم بدرهم أو لم يقل فلم يأخذه بعشرين درهما ان لم يكن تفرقا عن المجلس وان شاء تركه عندنا وقال الحسن بن زياد وزفر رحمهما الله البيع باطل لانهما نصا على عقد الربا بتسمية العشرة بمقابلة قلب وزنه عشرون درهما ولكنا نقول مثل وزنها في البيع وذلك حكم ثابت بالشرع فيكون بمقابلة كل درهم درهما صرحا بذلك أو لم يصرحا وعند التصريح بذلك جاز البيع في جميع القلب بمثل وزنه فكذلك عند الاطلاق لان المستحق شرعا يكون أقوي من

[ 88 ] تنصيص المتعاقدين عليه بخلاف الذرعان في الدار ثم ان لم يتفرقا يخير لانه لزمه زيادة في ثمن القلب لم يرض بها فان كان تفرقا جاز له نصف القلب لانه ما قبض الا ثمن نصف القلب فكأنه باعه القلب بعشرين درهما ونقد في المجلس عشرة ولهذا لا يتخير لان العيب بفعله وهى المفارقة قبل أن يقبض بعض الثمن فان كان اشتراه بدينار فهو كله بدينار لان المسمى هنا بمقابلة عين القلب ولووزن في القلب صفة فان القلب مما يضره التبعيض وفيما يضره التبعيض الوزن صفة فان باختلاف الوزن تختلف صفته فيكون أثقل أو أخف ولكن لا يتبدل اسم العين ولو كان قال كل درهم بعشر دينار أخذه بدينارين ان شاء لانه أعقب منه كلامه تفسيرا فيكون الحكم لذلك التفسير ويصير بائعا كل درهم من القلب بعشر دينار فيتخير المشتري لما يلزمه من الزيادة وعلى هذا لو كان القلب أنقص وزنا في الفصلين جميعا وثبوت الجواز هنا وان انتقص عنه الثمن لتغير شرط عقده وقد يرغب الانسان في قلب وزنه عشرة مثاقيل ولا يرغب فيما إذا كان وزنه خمسة مثاقيل * ولو باع قلب فضة فيه عشرة وثوبا بعشرين درهما فنقده منها عشرة وقال نصفها من ثمن القلب ونصفها من ثمن الثوب وتفرقا انتقض البيع في نصف القلب لانه نص على أن نصف المنقود من ثمن الثوب ولو نص على أن جميع المنقود من ثمن الثوب جعل من ثمنه خاصة فكذلك نصفه وهذا بخلاف مالو قال المنقود من ثمنهما جميعا فانه يجعل كله من ثمن القلب لان هناك ما صرح به بقى فيه بعض الاحتمال فقد يضاف الشئ إلى شيئين والمراد أحدهما كما في قوله تعالى يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وقوله تعالى ألم يأتكم رسل منكم أما هنا بعد التصريح على التنصيف لا يبقى احتمال جعل الكل بمقابلة القلب وأما في السيف إذا سمى فقال نصفها من ثمن الحلية ونصفها من ثمن السيف ثم تفرقا لم يفسد البيع لانه لو صرح بان الكل بمقابلة السيف لم يعتبر تصريحه اما لان السيف مع الحلية شئ واحد وتصريحه على أن المنقود عوض جانب منه دون جانب غير معتبر أو لان المقبوض لا يسلم له بالطريق الذي نص عليه لان العقد يبطل في السيف ببطلانه في الحلية أو في بعضها ونحن نعلم أن قصدهما أن يسلم المقبوض للقابض ولاوجه لذلك الا أن يجعل بمقابلة الحلية * ولو قال أبيعك السيف بمائة درهم وخمسين نقدا من ثمن السيف والحلية وخمسين نسيئة من ثمن السيف والحلية ثم تفرقا كان البيع فاسدا لانه شرط الاجل في بعض ثمن الحلية وذلك مفسد للعقد والسيف شئ واحد فإذا فسد العقد في بعضه فسد في كله ولو كان هذا في القلب

[ 89 ] والثوب فسد البيع أيضا في قول أبى حنيفة رضى الله عنه وعندهما يجوز في الثوب وقد تقدم نظائره * ولو اشترى سيفا بمائة درهم على ان حليته خمسون درهما وتقابضا فإذا حليته ستون درهما ولم يتفرقا فالمشتري بالخيار ان شاء زاده عشرة دراهم وأخذ السيف وان شاء نقض البيع لانه لما سمى وزن الحلية خمسين درهما فقد صرح بتسمية الخمسين بمقابلة السيف فإذا ظهر أن الحلية ستون درهما وبمقابلة كل درهم درهم شرعا ظهر أن ثمن الحلية ستون درهما ويكون ثمنها مائة وعشرة ويتخير المشترى لانه لزمه زيادة في الثمن وان كانا تفرقا فالبيع منتقض لان ثمن سدس الحلية لم يقبض في المجلس وبانتقاض العقد في الحلية ينتقض في جميع السيف وكذلك لو كان في حلية السيف مائة درهم فان لم يتفرقا فان شاء زاده خمسين ردهما وأخذ السيف وان شاء ترك لان بمقابلة السيف خمسين وبمقابلة الحلية مثل وزنها وهذا بخلاف الابريق لان بيع نصف الابريق جائز فيمكن ايفاء العقد في نصف الابريق بعد الافتراق وبيع نصف الحلية لا يجوز وكذلك بيع السيف مع نصف الحلية لا يجوز لان فيه ضررا في التسليم فإذا بطل العقد في البعض بطل في الكل * ولو اشترى سيفا محلى وزن حليته خمسون درهما بعشرة دنانير وتقابضا وافترقا فإذا في السيف مائة درهم فالبيع جائز لانه يصير بتسمية وزن الحلية مسميا بمقابلة السيف خمسة دنانير وبمقابلة الحلية خمسة دنانير فلا يضره زيادة وزن الحلية بعد ذلك وقد بينا في القلب نظيره * ولو اشترى قلب فضة بدينار على أن فيه عشرة دراهم فإذا فيه عشرون درهما كان البيع جائزا في الكل ولو كان مكان القلب نقرة رد نصفها لان النقرة لا يضرها التبعيض والعقد انما يتعلق بالمسمى من الوزن إلا ترى إنه لو قال بعت منك وزن عشرة دراهم من هذه النقرة يجوز ولو قال من هذا القلب لا يجوز ولو باع قلب فضة لرجل وكله ببيعه ووكله آخر ببيع الثوب فباعهما جميعا صفقة واحدة بدينار أو عشرة دراهم على أن ثمن الثوب الدينار وثمن القلب الدراهم كان جائزا وان دفع القلب وقبض ثمنه فهو جائز ولا يشركه صاحب الثوب في ثمن القلب لان كل واحد منهما مسمى على حدة وبيع الوكيل بثمن منفصل كبيع الموكل بنفسه وكذلك لو كان الثمن عشرين درهما عشرة بيض ثمن القلب وعشرة سود ثمن الثوب فهذا التفصيل وتفصيل العشرة والدينار سواء. ولو باعهما بعشرين درهما صفقة واحدة ولم يبين أحدهما من صاحبه ثم نقده عشرة دراهم كان المنقود ثمن القلب لان البائع واحد وهو

[ 90 ] المستحق بقبض جميع الثمن فهذا ومالو باعهما لنفسه سواء وإذا كان المنقود من ثمن القلب شرعا كان ذلك لصاحب القلب لان اليد تملك الاصل ولا يشركه صاحب الثوب فيها لانعدام الشركة بينهما في أصل القلب ألا ترى انه لو كان البيع بعشرين درهما عشرة نقد وعشرة نسيئة فقبض النقد وقبض الثوب والقلب كان جائزا وكان المنقود من القلب خاصة والنسيئة في ثمن الثوب فكذلك إذا قبض البعض في المجلس دون البعض والله أعلم بالصواب (كتاب الشفعة) قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله إملاء الشفعة مأخوذة من الشفع الذي هو ضد الوتر لما فيه من ضم عدد إلى عدد أو شئ إلى شئ ومه شفاعة النبي للمذنبين فانه يضمهم بها إلى العابدين وكذلك الشفيع باخذه يضم المأخوذ إلى ملكه فيسمى لذلك شفعة وزعم بعض أصحابنا رحمهم الله ان القياس يأبى ثبوت حق الشفعة لانه يتملك على المشترى ملكا صحيحا له بغير رضاه وذلك لا يجوز فانه من نوع الاكل بالباطل وتأيد هذا بقوله لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفس منه ولانه بالاخذ يدفع الضرر عن نفسه على وجه يلحق الضرر بالمشتري في ابطال ملكه عليه وليس لاحد أن يدفع الضرر عن نفسه بالاضرار بغيره ولكنا نقول تركنا هذا القياس بالاخبار المشهورة في الباب * والاصح أن نقول الشفعة أصل في الشرع فلا يجوز أن يقال انه مستحسن من القياس بل هو ثابت وقد دلت على ثبوته الاحاديث المشهورة عن رسول الله وعن أصحابه رضوان الله عليهم. من ذلك ماروى أن رسول الله قال الشفعة في كل شئ عقارا وربع ومن ذلك ما بدأ محمد ابن الحسن الكتاب به ورواه عن المسور بن مخرمة عن رافع بن خديج أن سعد بن مالك رضى الله عنه عرض بيتا له على جار له فقال خذه بأربعمائة أما انى قد أعطيت به ثمانمائة ولكني أعطيكه باربعمائة لانى سمعت رسول الله يقول الجار أحق بصقبه وفيه دليل على أن من أراد بيع ملكه فانه ينبغى له أن يعرضه على جاره لمراعاة حق المجاورة قال ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ولانه أقرب الي حسن العشرة والتحرز عن الخصومة والمنازعة فلهذا فعله سعد رضى الله عنه وحط

[ 91 ] عنه نصف الثمن لتحقيق هذا المعنى وقيل لاتمام الاحسان وان تمام الاحسان أن يحط الشطر لما روى أن الحسن بن علي رضى الله عنه كان له دين على انسان فطالب غريمه فقال أحسن إلى يا ابن رسول الله فقال وهبت لك النصف فقيل له النصف كثير فقال وأين ذهب قوله تعالى واحسنوا ان الله يحب المحسنين سمعت جدى رسول الله يقول من تمام الاحسان أن يحط الشطر فاما قوله الجار أحق بسقبه فقد روي هذا الحديث بالسين والمراد القرب وبالصاد والمراد الاخذ والانتزاع يعنى لما جعله الشرع أحق بالاخذ بعد البيع فهو أحق بالعرض عليه قبل البيع أيضا وهو دليل لنا على ان الشفعة تستحق بالجوار فانه ذكر اسما مشتقا من معنى والحكم متى علق باسم مشتق فذلك المعنى هو الموجب للحكم خصوصا إذا كان مؤثرا فيه كما في قوله تعالى الزانية والزانى وقوله تعالى والسارق والسارقة وهذا المعنى مؤثر لان الاخذ بالشفعة لدفع الضرر فان الضرر مدفوع لقوله لاضرر ولاضرار في الاسلام وذلك يتحقق بالمجاورة يعنى الضرر البادى إلى سوء المجاورة على الدوام من حيث ابعاد النار واعلاء الجدار وإثارة الغبار ومنع ضوء النهار والشافعي يقول المراد بالجار الشريك فقد يطلق اسم الجار على الشريك قال الاعشى أيا جارتي بينى فانك طالق * كذاك أمور الناس عادو طارقه والمراد زوجته وهي شريكته في الفراش ولكنا نقول في هذا ترك الحقيقة إلى المجاز من غير دليل ثم الزوجة تسمى جارة لانها مجاورة في الفراش تتصرف عنه لا لانها تشاركه وفي الحديث ما يدل على بطلان هذا التأويل وأن سعدا رضى الله عنه عرض بيتا له على جار له وروى الحديث فذلك دليل على أن جميع البيت كان له وانه فهم من الحديث الجاز دون الشريك حين استعمل الحديث فيه * وعن الحسن في الشفعة لليتيم قال وصيه بمنزلة أبيه ان شاء أخذ والغائب على شفعته وفيه دليل ان الشفعة تثبت للصغير وأن وليه يقوم مقامه في الاخذ له لانه أخذ بطريق التجارة وفيه دفع الضرر عن التيامى وتوفير المنفعة عليهم ولهذا المقصود أقام الشرع وليه مقامه وفيه دليل ان الشفعة تثبت للغائب لان السبب المثبت لحقه قائم مع غيبته ولا تأثير للغيبة في ابطال حق تقرر سببه فإذا حضر وعلم به كان على شفعته لان الحق بعد ما يثبت لا يسقط الا باسقاطه والرضا بسقوطه صريحا أو دلالة وبترك الطلب عند الجهل به والغيبة لا يتحقق هذا المعنى لانعدام تمكنه عن الطلب وعن أبى سعيد الخدري أن النبي

[ 92 ] قال الخليط أحق من الشفيع والشفيع أحق من غيره والخليط هو الشريك في نفس المبيع والشفيع هو الشريك في حقوق المبيع كالشرب والطريق وقيل على عكس ذلك فقد روى بعض الرواة أن الشريك أحق من الخليط والخليط أحق من الشفيع فالشريك يكون في نفس المبيع والخليط يكون في حقوق المبيع سمى خليطا لاختلاط بينهما فيما يتأتى به الانتفاع مع تميز الملك * والشفيع هو الجار وفيه دليل أن حق الشفعة على مراتب وان البعض مقدم على البعض بقوة سببه وهذا انما يتأتي على مذهبنا فاما الشافعي فلا يوجب الشفعة الا للشريك فلا يتأتى هذا الترتيب على مذهبه والحديث يدل عليه وعن عبد الملك بن مروان عن عطاء عن جابر رضي الله عنهم عن النبي أنه قال الجار أحق بصقبه ينتظر بها وان كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا وهذا من أقوى ما يستدل به فانه لاشبهة في صحة هذا الحديث لان عبد الملك بن مروان كان من أهل الحديث وعطاء بن أبى رباح اما مطلق في الحديث وجابر رضي الله عنه من كبار الصحابة رضوان الله عليهم فلا طعن في اسناد هذا الحديث ولاوجه بحمل الحديث على الشريك فانه إذا حمل على الشريك كان هذا لغوا وانما يكون مفيدا إذا كان المراد جارا هو شريك في الطريق * قال كان شيخنا الامام يقول العجب منهم يزعمون أنهم من أصحاب الحديث ثم يتركون العمل بمثل هذا الحديث مع شهرته فلا يبقى بعد هذا الحديث لهذا اللقب معنى سوى أنهم يتركون العمل بمثل هذا الحديث فلاجله سموا أصحاب الحديث لا لعلمهم بالحديث وعن الشعبي قال من بيعت شفعته وهو حاضر فلم يطلب فلا شفعة له وبه نأخذ لان سكوته عن الطلب بعد علمه وتمكنه من الطلب دليل الرضا منه بمجاورة الجار الحادث فيلتحق بالجار القديم باعتبار رضاه وذلك يبطل شفعته ضرورة وعليه دل قول رسول الله الشفعة لمن واثبها أي لم يقعد عن طلبها وقال الشفعة كحل العقال فكنى بهذا عن سرعة سقوطها وعن شريح قال الشريك أحق من الخليط والخليط أحق من الجار والجار أحق من غيره وهو الصحيح على التفسير الذي قلنا ان الشريك في نفس المبيع والخليط في حقوق المبيع وعن عمرو بن الشريد عن أبيه لشريد بن سويد رضى الله عنهما قال قال رسول الله الجار أحق بشفعته ماكان والشريد هذا ممن صحب رسول الله في بعض أسفاره ثم روى عنه أنه قال أتيت رسول الله صلى

[ 93 ] الله عليه وسلم فاستنشدني من أشعار الجاهلية فكلما أنشدت شيأ قال ايه حتى أنشدت مائة بيت وأهل الحديث يرون حديثه هذا في الشفعة أن النبي سئل عن أرض بيعت ليس لاحد فيها شركة ولاقسم الا الجوار فقال الجار أحق بشفعته ماكان فهذا يدل على أن المراد حقيقته لانه نفى الشركة في السؤال وأثبت الجوار فقال ماكان وله معنيان أحدهما أن المراد من كان فان ما تذكر بمعنى من قال الله تعالى والسماء وما بناها فهو دليل على أن الشفعة للذكر والانثي والحر والمملوك والصغير والكبير والمسلم والذمي والثاني أن المراد بقوله ماكان أي ماكان أي يحتمل القسمة أو لا يحتمل القسمة فيكون دليلا لنا على الشافعي حيث يقول لا تثبت الشفعة الا فيما يحتمل القسمة وبظاهره يستدل من أوجب الشفعة في بعض المنقولات كالسفن ونحوها وهو قول أصحاب الظواهر ولكن ماروينا من قوله الشفعة في كل ربع أو عقار تبين أن المراد بقوله ماكان العقار دون المنقول وعن شريح انه قضى للنصراني بالشفعة وكتب في ذلك إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فأجازها وبهذا نأخذ دون ما رواه بعد هذا عن شريح أنه قال لاشفعة ليهودي ولا لنصراني ولا لمجوسي وبقوله الثاني كان يأخذ ابن أبى ليلى فيقول الاخذ بالشفعة رفق شرعى فلا يثبت لمن هو منكر لهذه الشريعة ولكنا نأخذ بما قضي به شريح فقد تأيد ذلك بامضاء عمر رضى الله عنه ثم أهل الذمة التزموا أحكام الاسلام فيما يرجع إلى المعاملات والاخذ بالشفعة من المعاملات وهو مشروع لدفع الضرر والضرر مدفوع عنهم كما هو مدفوع عن المسلمين وعن الحسن رضى الله عنه قال قضى رسول الله بالشفعة والجوار وفي بعض الروايات بالجوار وهو دليل لنا على استحقاق الشفعة بسبب الجوار فأما معنى اللفظ الاخر أن الجار كان منازعا قضى رسول الله له بالجوار وبالشفعة فهو دليل على ان الجوار يستحق به الشفعة حتى سمع رسول الله فيه الخصومة فقضي به وبالشفعة وعن الحسن قال إذا اقتسم القوم الارضين ورفعوا سربا بينهم فهم شفعاء وبه نأخذ فنقول الشركة في السرب تستحق به الشفعة لانها شركة في حقوق المبيع فيثبت باعتباره حق الشفعة كالشركة في نفس المبيع لان الحاجة إلى دفع الضرر البادى لسوء المجاورة يتحقق في الموضعين جميعا وعن شريح قال الشفعة بالابواب فأقرب الابواب إلى الدار أحق بالشفعة ولسنا نأخذ بهذا وإنما الشفعة عندنا