مبسوط السرخسي - الجزء الخامس عشر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

المبسوط السرخسي ج 15

[ 1 ] (الجزء الخامس عشر من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيظا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسي (تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان

[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم (كتاب القسمة) (قال الشيخ الامام الاجل لزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى إملاء القسمة من الحقوق اللازمة في المحل المحتمل لها عند طلب بعض الشركاء وجوازها بالكتاب والسنة) أما الكتاب فقوله تعالى ونبئهم أن الماء قسمة بينهم والسنة ما أشهر من قسمة رسول الله الغنائم بين الصحابة رضوان الله عليهم وقسمة المواريث وغير ذلك والناس يعاملون من لدن رسول الله إلى يومنا هذا وانما تجب بعد طلب بعض الشركاء لان كل واحد من الشريكين قبل القسمة منتفع بنصيب صاحبه فالطالب للقسمة يسأل القاضي أي يخصه بالانتفاع بنصيبه ويمنع الغير من الانتفاع بملكه فيجب على القاضي اجابته إلى ذالك وفى القسمة شيئان المعادلة في المنفعة وتمييز نصيب أحدهما من نصيب الاخر وهى تتنوع نوعين أحدهما تمييز محض وهو القسمة في المكيلات والموزونات و لهذا ينفرد بعض الشركاء حتى أن المكيل والموزون من جنس واحد إذا كان مشتركا بين اثنين وأحدهما غائب كان للحاضر أن يتناول من ذلك من مقدار نصيبه وبعد ما اقتسما نصيب كل واحد منهما عين ما كان مملوكا له قبل القسمه ولهذا يبيعه مرابحة على نصف الثمن ونوع هو تمييز فيه معنى المبادلة كالقسمة فيما يتفاوت من الثياب والحيوانات فانما يتميز عند اتحاد الجنس وتقارب المنفعة ولهذا يجبر القاضي عليها عند طلب بعض الشركاء وفيها معنى المبادلة على معنى أن ما يصيب كل واحد منهما مما يصفه كان مملوكا له ونصفه عوض عما أخذه صاحبه من نصيبه ولهذا لا ينفرد به أحد الشريكين ولا يبيع أحدهما نصيبه مرابحة إذا عرفنا هذا فنقول بدأ الكتاب بحديث يسير بن يسار عن رسول الله صلى الله عليه أنه قسم جبريل على ستة وثلاثين سهما جمع ثمانية عشر للمسلمين وسهم رسول الله معهم وثمانية عشر سهما فيها أرزاق أزواج رسول الله

[ 3 ] ونوائبه واعلم أن خيبر كانت ستة حصون الشق والنطاة والكيبة والسلاليم والغموس والوطيخة الا أن الاموال والمزارع كانت في ثلاثة حصون منها والنسق والنطاة والكيبة وقد افتتح بعض الحصون منها عنوة وقهرا وبعضها صلحا على ماروى ان كنانة من أبى الحقيق مع قومه صالح على النزول وذلك معروف في المغازى فما افتتح منها كان لرسول الله خالصا فانهم انما خرجوا لما وقع في قلوبهم من الرعب وقد خص الله سبحانه وتعالى رسوله بالنصرة بالقاء الرعب في قلوب أعدائه قال نصرت بالرعب مسيرة شهر والى ذلك أشار الله تعالى في قوله وما أفاء الله على رسوله منهم إلى قوله ولكن الله يسلط رسله على من يشاء فجمع رسول الله تلك الحصة مع الخمس في الشطر وقسم الشطرين بين الغانمين وقد فسر ذلك محمد بن اسحاق والكلبي على ما ذكر بعد هذا عنهما أن النبي قسم خيبر على ثمانية عشر سهما جميعا وكانت الرجال ألفا وربعمائة والخيل مائتي فرس وكان على كل مائة رجل فكان على رضى الله عنه على مائة وكان عبيد السها على مائة وكان عاصم بن عدى رضى الله عنه على مائة وكان القاسم في النسق والنطاة وكانت النسق ثلاثة عشر سهما والنطاة خمسة أسهم وكانت الكتيبة فيها خمس الله وطعام أزواج رسول الله صلي الله عليه وسلم وعطاياه وكان أول سهم خرج من النسق سهم عاصم رضي الله عنه وفيه سهم رسول الله الحديث إلى آخره فهذا الحديث يبين معنى الحديث الاول ففى الحديث الاول ذكر الشطرين وأن أصل القسمة كانت علي ستة وثلاثين سهما وفى الحديث الاخر ذكر مقدار ما قسم بين الغانمين انه قسم على ثمانية عشر سهما وفيه دليل على أن للامام في المغانم قسمين قسمة على العرفاء وأصحاب الرايات وقسمة أخرى على الرؤس الذين هم تحت كل راية وانما يفعل ذلك لان اعتبار المعادلة بهذا الطريق أيسر فانه لو قسم ابتداء على الرؤس ربما يتعذر عليه اعتبار المعادلة ثم لم يجعل رسول الله صلي الله عليه وسلم باسم نفسه سهما ولكن كان سهمه مع سهم بن عاصم ابن عدى رضي الله عنه فقيل أنه تواضع بذلك وقيل انما فعل ذلك لانه ما كان يساوى اسمه اسم في المزاحمة عند خروج القرعة ولهذا خرج سهم عاصم بن عدي رضى الله عنه أولا لان فيه سهم رسول الله وهذا أولى مما يقوله بعض مشايخنا أن العرافة مذمومة في الجملة فيتحرز من ذلك فان في الجهاد وقسمة الغنائم العرافة غير مذمومة (ألا ترى) انه

[ 4 ] اختار لذلك الكبار من الصحابة كعلى وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهم ثم بظاهر الحديث استدل أبو يوسف ومحمد في أن سهم الفرس ضعف سهم الرجل لانه قال وكانت الرجال ألفا وربعمائة والخيل أربعمائة فرس فعرفنا أنه كان لكل مائة من الرجال سهم وعرفنا أنه كان لكل مائة من الرجال سهم ولكل مائة من الخيل سهمان ولكن أبو حنيفة يقول المراد بالرجال الرجالة قال الله تعالى يأتوك رجالا وعلى كل ضامر والمراد بالخيل الفرسان يقال عارت الخيل قال الله وأجلب عليهم بخيلك ورجلك أي بفرسانك ورجالتك فهذا يتبين أن الرجال كانوا ألفا وستمائة وانه أعطى الفارس سهمين والراجل سهما وفيه دليل انه لا بأس باستعمال القرعة في القسمة فقد استعمل رسول الله ذلك في قسمة الغنيمة مع نهيه صلوات الله عليه عن القمار فدل ان استعماله ليس من القمار وذكر عن مسروق رحمه الله انه لم يأخذ عن القضاء رزقا ففيه دليل أنه من ابتلى بالقضاء وكان صاحب يسار فالاولى له أن يحتسب ولا يأخذ كفايته من مال بيت المال وان كان لو أخذ جاز له وبيانه بما روى عن عمر رضى الله عنه فيه قال ما أحب أن يأخذ قاضي المسلمين أجرا ولا الذي على الغنائم ولا الذي على المقاسم ولم يرد به حقيقة الاجر فالاستئجار على القضاء لا يجوز ولا يستوجب الاجر علي القضاء وان شرط ولكن مراده الكفالة التى يأخذها القاضى من بيت المال فالمستحب له عند الاستغناء أن لا يأخذ ذلك قال الله تعالى ومن كان غنيا فليستعفف وقد بينا الكلام في هذا الفصل فيما أمليناه من شرح أدب القاضى والذى على الغنائم يحفظها والذي على المقاسم من وجد كالقاضي لانه عامل للمسلمين ولكنه ليس بمنزلة القاضى في الحكم حتى يجوز استئجاره على ذلك ان لم يكن له فيه ذالك ان لم يكن له فيه نصيب وتأويل الحديث إذا كان له نصيب في ذلك فاستئجار أحد الشركاء على العمل في المال المشترك لا يجوز كما لا يجوز استئجار القاضي على القضاء ذكر عن يحيى بن جزار ان عبد الله بن يحيى كان يقسم لعلى رضى الله عنه الدور والارضين ويأخذ على ذلك الاجر وقد بينا فوائد هذا الحديث في أدب القاضى وجواز الاستئجار لعمل القسمة بخلاف عمل القضاء وعن عامر ان رسول الله بعث عليا رضي الله عنه إلى اليمين فاتى بركاز فأخذ منه الخمس وترك أربعة أخماسه للواجد وأتاه ثلاثة يدعون غلاما كل واحد يقول ابني فاقرع بينهم قضى بالغلام للذى خرجت قرعته وجعل عليه الدية لصاحبيه قال الراوى فقلت لعامر هل رفع عنه بحصته قال لا أردى أما حكم الخمس في الركاز فقد بيناه

[ 5 ] في كتاب الزكاة وأما حكم القرعة فالشافعى رحمه الله يستدل بظاهر هذا الحديث في المصر على القرعة في دعوى النسب عند الاشتباه ولسنا نأخذ بذلك ان فعله هذا كان بعد حرمة القمار أم قبله وانه عرض ذلك على رسول الله فرضي به أو لم يرض عليه ثم لعل القضاء له بحجة أقامها وكان استعماله القرعة ليطيب القلوب وانما رجحه في القضاء لترجيح في حجته من يد أو غيره وقوله فقضى للذى خرجت قرعته مذكور على سبيل التعريف لا لان الاستحقاق كان بالقرعة كما يقال قضى القاضى لصاحب الطيلسان وما ذكر في آخره من انه جعل عليه الدية لصاحبيه مشكل لا يتضح فالحي الحر لا يتقوم بالدية وان كان هذا الغلام مملوكا لهم أو من جارية مشتركة بينهم فاقرار كل واحد منهم أنه ابنه يوجب حرية نصيبه ويسقط حقه في التضمين وكذلك ما أشكل على السائل حيث قال هل رفع عنه بحصته فان الدية اسم يجمع بدل النفس وقد كان في ذلك حصة الذي قرع فلابد من أن يرفع عنه بحصته في الموضع الذى يجب كاحد الشركاء في العبد إذا قبله الا أن عامر لم يحارف ألم يرد ما سمع فقال لاأدرى فكأنه لم يتكلف لذلك لعمله ان هذا ليس بحكم مأخوذ به فبهذا يتبين ضعف هذا الحديث في استعمال القرعة في النسب وعن إسماعيل بن إبراهيم قال خاصمت أخى إلى الشعبي في دار صغيرة أريد قسمتها ويأنى ذلك فقال الشعبي رضى الله عنه لو كانت مثل هذه فخط بيده مقدار آجرة قسمتها بينكم فقال وخطها على أربع قطع وفيه دليل على أن القاضى يقسم المشترك عند طلب بعض الشركاء وان أبى ذلك بعضهم لان الذى طلب القسمة متظلم من صاحبه أنه يشفع بملكه ولا ينصفه في الانتفاع والذي يتعنت وانما يبنى القاضى قضاءه على التماس المتظلم الطالب للانصاف دون المتعنت ولهذا لا تجب القسمة فيما لا يحتملها عند طلب بعض الشركاء لان الطالب هنا متعنة فانه قبل القسمة ينتفع بنصيبه وبالقسمة تنقطع عنه المنفعة وأما قول الشعبي في مقدار آجرة خطها على الارض قسمتها بينكم علي وجه التمثيل دون التحقيق للمبالغة في دار الذى يأتي القسمة منهما فيما يحتمل لان مقدار الاجرة يحتمل القسمة وهو نظير قوله من بنى مسجد الله كمفحص قطاه بنى الله له بيتا في الجنة والمسجد لا يكون كمفحص القطاة وانما قال ذلك للمبالغة في بيان الميل وقال أبو حنيفة رحمه الله أجرة القسام إذا استأجره الشركاء للقسمة بينهم على عدد الرؤس لا على مقدار الانصباء وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله على مقدار الانصباء ويستوي في ذلك قاسم القاضي وغيره وهو رواية عن أبى

[ 6 ] حنيفة رحمه الله وجه قولهم أن هذه مؤنة تلحق الشركاء بسبب الملك فيكون بينهم على وجه النفقة علي قدر الملك كالنفقة وأجرة المكيال والوزان ان استأجروه ليفعل ذلك فيما هو مشترك بينهم وهذا لان المقصودها بالقسمة أن يتوصل كل واحد منهم إلى الانتفاع بنصيبه ومنفعة نصيب صاحب الكبير أكبر من منفعة نصيب صاحب القليل أو لان الغرم مقابل بالغنم ثم الغنم بين الشركاء علي قدر الملك يعنى الثمار والاولاد فكذلك الغرم عليهم بقدر الملك ولابي حنيفة رضى الله عنه أن عمله لهم سواء وانما يستحق الاجر بذلك فيكون الاجر عليهم بالتسوية كما إذا استوت الانصباء وبيان الوصف أن القسام لا يستحق الاجر بالمساحة ومد الاطناب والمشى علي الحدود فانه لو استعان في ذلك بارباب الملك استوجب كمال الاجر إذا قسم بنفسه فعرفنا أنه لا يستوجب الاجر بالقسمة وهى تمييز نصيب كل واحد منهم ولا تفاوت بينهم في ذلك فكما يتميز نصيب صاحب الكبير بعمله عن نصيب صاحب القليل يتميز نصيب صاحب القليل عن نصيب صاحب الكبير وربما يكون عمله في نصيب صاحب القليل أكبر والحساب لا يدق إذا استوت الانصباء وانما يدق عند تفاوت الانصباء وتزداد دقته بقلة بعض الانصباء فلعل تمييز نصيب صاحب القليل أسوأ من تمييز نصيب صاحب الكبير ولكن لا يعتبر ذلك لان التمييز حصل بعمل واحد وهما في ذلك العمل سواء بخلاف الزوائد فانها تتولد من الملك فانما تتولد بقدر الملك وبخلاف النفقة فانها لابقاء الملك وحاجة الكبير إلى ذلك أكثر من حاجة صاحب القليل ولا معنى لما قال أن منفعة صاحب الكثير هنا أكثر لان ذلك لكثرة نصيبه لا للعمل الذي استوجب الاجر به فاما أجر الكيال والوزان فقد قال بعض مشايخنا هو علي الخلاف فان المكيل والموزون يقسم بذلك والكيال والوزان بمنزلة القسام والاصح أن أبا حنيفة رضى الله عنه يفرق بينهما فنقول هنا انما لا يستوجب الاجر بعمله في الكيل والوزن ألا تري أنه لو استعان في ذلك بالشركاء لم يستوجب الاجر وعمله في ذلك بالشركاء لم يستوجب الاجر وعمله في ذلك لصاحب الكثيرأ كثر فكل عاقل يعرف أن كيل مائة قفيز يكون أكثر من كيل عشرة أقفزة فلهذا كانت الاجرة عليهما بقدر الملك بخلاف القسام فذكر أن الاولى أن يجعل لقاسم الارضين رزقا من بيت المال حتى لا يأخذ من الناس شيئا وان لم يجعل رزقا له فقسم بالاجر فهو جائز لان القسمة ليست كعمل القضاء فالقضاء فرض هو عبادة والقاضى في ذلك نائب عن رسول الله صلي الله عليه وسلم والقسمة

[ 7 ] ليست من ذلك في شئ ولكنها تتصل بالقضاء لان تمام انقطاع المنازعة يكون بالقسمة فمن هذا الوجه القسام نائب عن القاضي فالاولى أن يجعل كفايته في مال بيت المال ومن حيث ان عمله ليس من القضاء في شئ يجوز له أخذ الاجر على ذلك والقسام بمنزلة الكاتب للقاضى في ذلك وقد قررنا هذا في أدب القاضى وكذلك ما ذكر بعده من حديث شريح رحمه الله ومالى لاأرتزق استوفى منهم وأوفيهم أصبر لهم نفسي في المجلس وأعدل بينهم في القضاء فقد بينا ان شريحا رحمه الله كان يأخذ كفايته من بيت المال على ماروى ان عمر رضي الله عنه كان يرزقه مائة درهم على القضاء فزاده على رضى الله عنه وذلك لكثرة عياله حتى جعل له في كل شهر خمسمائة درهم ولعل عاتبه بعض أصدقائه على أخذ الاجر وقال له احتسب فقال شريح في جوابه ما قال ومراده انى فرغت نفسي عن أشغالي لعمل المسلمين فآخذ كفايتى من مال المسلمين وكأنه بهذا الكلام أشار إلى الاستدلال بما جعل الله تعالى من النصيب في الصدقات للعامين عليها فانهم لما فرغوا أنفسهم لعمل الفقراء استحقوا الكفاية في مال الفقراء وذكر عن محمد بن اسحق والكلبي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان إذا سافر أقرع بين نسائه قالت عائشة رضى الله عنها فاصابتني القرعة في السفرة التى أصابني فيها ما أصابني تريد به حديث الافك واعلم بان المرأة لاحق لها في القسم عند سفر الزوج فكان لرسول الله أن لا يسافر بواحدة منهن وأن يسافر بمن شاء منهن من غير قرعة ولكنه كان يقرع بينهن تطييبا لقلوبهن فاستعمال القرعة في مثل هذا الموضع جائز عند العلماء أجمع رحمهم الله وبهذا الحديث قلنا إذا تزوج أربع نسوة فله أن يقرع بينهن لابدائه بالقسم لان له أن يبدأ بمن شاء منهن فيقرع بينهن تطييبا لقلوبهن ونفيا لتهمة الميل عن نفسه وانما أورد الحديث للحكم المذكور بعده أنه لا بأس للقسام أن يستعجل القرعة في القسمة بين الشركاء قاسم القاضي وغيره في ذلك سواء وهو استحسان وفى القياس هذا لا يستقيم لانه في معنى القمار فانه تعليق الاستحقاق بخروج القرعة والقمار حرام ولهذا لم يجوز علماؤنا استعمال القرعة في دعوى النسب ودعوى الملك وتعيين العتق ثم هذا في معنى الاستقسام بالازلام الذى كان بعبادة أهل الجاهلية وقد حرم الله تعالى ذلك ونص على ذلك انه رجس وفسق ولكنا تركنا بالسنة والتعامل الظاهر فيه من لدن رسول الله إلى يومنا هذا من غير نكير منكرثم هذا ليس في معنى القمار ففى القمار أصل الاستحقاق يتعلق بما يستعمل فيه وفي هذا

[ 8 ] الموضع أصل الاستحقاق بكل واحد منهم لا يتعلق بخروج القرعة ثم القاسم لو قال عدلت أنا في القسمة فخذ أنت هذا الجانب وأنت هذا الجانب كان مستقيما الا أنه ربمايتهم في ذلك فيستعمل القرعة لتطييب قلوب الشركاء ونفى تهمة الميل عن نفسه وذلك جائز ألا ترى أن يونس عليه السلام في مثل هذا استعمل هذا القرعة مع أصحاب السفينة كما قال الله تعالى فساهم فكان من المدحضين وهذا لانه علم أنه هو المقصود ولكن لو ألقى نفسه في الماء ربما ينسب إلى مالا يليق بالانبياء عليهم السلام فاستعمل القرعة لذلك وكذلك زكريا عليه السلام استعمل القرعة مع الاحبار في ضم مريم عليها السلام إلى نفسه وقد كان علم أنه أحق بها منهم لان خالتها كانت تحته ولكن استعمل القرعة تطييبا لقلوبهم قال الله تعالى إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ثم ان كان القاضى هو الذي يقسم بالقرعة أو نائبه فليس لبعض الشركاء أن يأتي ذلك بعد خروج بعض السهام كما لا يلتفت إلى إباء بعض الشركاء قبل خروج القرعة وان كان القاسم يقسم بينهم بالتراضي فرجع بعضهم بعد خروج بعد السهام كان له ذلك الا إذا خرجت السهام كلها الا واحدا لان التمييز هنا يعتمد التراضي بينهم فلكل واحد منهم أن يرجع قبل أن يتم وبخروج بعض السهام لايتم فكان هذا كالرجوع عن الايجاب قبل قول المشترى فاما إذا خرج جميع السهام الا واحدا فقد تمت القسمة لان نصيب ذلك الواحد تعين خرج أولم يخرج فلا يملك بعضهم الرجوع بعد تمام القسمة * دار بين ورثة اقتسموها وفضلوا بعضا علي بعض بفضل قيمة البناء على بعض بفضل قيمة البناء والموضع فهو جائز لانه يعتبر في القسمة المعادلة في المالية والمنفعة ولا يتأتى ذلك في المساواة في الزرع والبناء يكون في جانب دون جانب وبعض العرصة تكون أفضل قيمة من البعض وأكثر منفعة فان مقدم الدار يرغب فيه مالا يرغب في مؤخره وفي اعتبار هذه المعادلة لابد من تفضيل البعض على البعض في المساحة وان اقتسموا الارض مساحة والبناء والقيمة قيمة بقيمة عدل فهو جائز عند التراضي لا يشكل وكذلك إذا قضي القاضى به لان المعادلة في الارض باعتبار المساحة تتسر وقد يتعذر ذلك في البناء لما بين الابنية من التفاوت العظيم في القيمة فقسمة البناء بالتقديم تكون أعدل وإذا جاز قسمة الكل باعتبار القيمة فقسمة البعض كذلك وان كان البناء حين اقتسموا الارض غير معروف القسمة فهذا في القياس لا يكون لان البناء والارض تتناولهما قسمة واحدة وإذا لم تعرف قيمة البناء فقد تعذر تصحيح القسمة في البناء للجهالة فلا تصح القسمة في الارض أيضا كما هو الاصل في العقد

[ 9 ] الواحد إذا فسد في بعض المعقود عليه فسد في الكل ولكنا استحسنا وجوزنا هذا لمعينين (أحدهما) أنهم ميزوا البناء عن الارض في هذه القسمة حين خالفوا بينهما في طريق القسمة فاعتبروا في الارض المعادلة في المساحة وفى البناء المعادلة في القيمة فصار بمنزلة أرضين يقسم كل واحدة منهما قسمة على حدة وفى ذلك تصح القسمة في احديهما قبل ظهور المساحة في الاخرى فكذلك هنا تجوز القسمة في الارض قبل أن يظهر قيمة البناء (والثانى) أن حكم القسمة في الارض لايتم بالمساحة ولكن يتوقف تمام القسمه فيها على معرفة قيمة البناء وقسمتها بالقيمة لا تتم القسمة الابعد ظهور المعادلة في الكل ومعرفة كل واحد من الشركاء نصيبه وانما يعتبر حال تمام العقد وإذا كان يتم في المعلوم لم تضرهم الجهالة في الابتداء كما لو اشترى أحد الثياب الثلاثة على أنه بالخيار يأخذ أيهما شاء ويسمى لكل واحد ثمنا وإذا كانت الدار ميراثا بين قوم حضور كبار تصادقوا عند القاضي عليها وأرادوا القسمة بها فان فعلوا ذلك عن تراضى منهم لم يمنعهم القاضي من ذلك لان هذا تصرف منهم فيما بقى في أيديهم بطريق مشروع ولو تصرفوا في ذلك ببيع أو هبة لم يمنعوا منه فكذلك بالقسمة وان سألوا القاضى أن يقسمها بينهم فان أبا حنيفة قال القاضى لا يقسم العقار بينهم باقرارهم حتى تقوم البينة على أصل الميراث وقال أبو يوسف ومحمد يقسمها بينهم ويشهد أنه قسمها باقرارهم وقضى بذلك عليهم دون غيرهم لان اليد فيها لهم ومن في يده شئ فقوله مقبول فيه ما لم يحضر خصم ينازعه في ذلك وليس هنا خصم ينازعهم فلا حاجة لهم إلى اقامة البينة لاثبات ملكهم فيها وإذا كان الملك ثابتا لهم بقولهم انما سألوا القاضى أن يقسم بينهم ملكهم فعليه أن يجيبهم إلى ذلك كما لو زعموا أن الدار مملوكة لهم ولم يذكروا ميراثا ولاغيره وسألوه أن يقسمها بينهم قسمهم القاضى بطلبهم وأشهدوا أنه قضى بذلك عليهم دون غيرهم نظرا منه لغائب عسى يحضر فيدعى لنفسه فيها حقا فكذلك هنا والدليل عليه انه لو كانت في أيديهم عروض أو منقول سوى العقار فاقروا انها ميراث بينهم وطلبوا قسمتها قسمها القاضى باقرارهم واشهد على انه قسمها باقرارهم لاعتبار يدهم فكذلك في العقار لان اليد تثبت على العقار كما تثبت على المنقول وكذلك لو كان في أيديهم دار فاقروا أنها دارهم اشتروها من فلان الغائب وسألوا القاضى قسمتها اجابهم القاضي إلى ذلك بهذا الطريق فكذلك في الميراث إذ لا فرق بينهما لانهم في الموضعين أقروا بأصل الملك لغيرهم ثم أخبروا بانتقال الملك إليهم بسبب محتمل مشروع فإذا جاز له أن يعتمد القسمة

[ 10 ] على قولهم فكذلك في الشراء وكذلك في الميراث ولابي حنيفة رحمه الله طريقان أحدهما على قولهم في أن قضاء القاضى هنا يتناول الميت ويصير هو مقضيا عليه بقسمة القاضى وقولهم ليس بحجة عليه فلابد لهم من اقامة البينة ليثبت بها حجة القضاء على الميت وبيانه من وجهين (أحدهما) أن التركة قبل القسمة مبقاة على ملك الميت بدليل ان حقه يثت في الزوائد التي تحدث حتى يقضى منه ديونه وينفذ وصاياه وبالقسمة ينقطع حق الميت عن التركة حتى لا يثبت حقه فيما يحدث بعد ذلك من الزوائد فكان فيه قضاء على الميت يقطع حقه (والثانى) ان القاضى يثبت له الولاية على الميت في تركته فيما يرجع إلى النظر وينفذ تصرفه إليه إذا كان فيه نظر للميت فبم يخبرون القاضي بثبوت ولايته على الميت ليلزم الميت قضاؤه فيما يرجع إلى النظر وذلك أمر وراء ما في أيديهم فلا يكون قولهم في ذلك حجة فيكلفهم اقامة البينة على ذلك وتقبل هذه البينة من غير خصم لانها تقوم لاثبات ولاية النظر للقاضى في حق من هو عاجز عن النظر لنفسه وهذا بخلاف مااذا اقتسموا بانفسهم لان فعلهم لا يلزم الميت شيئا وبخلاف العروض لان معنى النظر للميت هناك في القسمة من وجهين (أحدهما) أن العروض يخشي عليها النوى والتلف وفى القسمة تحصين وحفظا لها فاما العقار محصنة بنفسها لا يخشى عليها التلف ففى القسمة قضاء على الميت يقطع حقه عنها (والثانى) ان في العروض ما يأخذه كل واحد منهم بعد القسمة يصير مضمونا عليه بالقبض في حق غيرهم ففى جعل ذلك مضمونا عليهم معنى النظر للميت وذلك لا يوجد في العقار فانها لا تصير مضمونة على من أثبت يده فيها عند أبى حنيفة رحمه الله وهذا بخلاف ما زعموا انها مملوكة لهم لان القضاء بالقسمة هناك لا يقتصر عليهم ولا يعتدى إلى غيرهم إذ لم يثبت فيها أصل الملك لغيرهم فاما في الشراء فقد روى عن أبى حنيفة رحمه الله في غير الاصول أن القاضى لا يقسمها بينهم وسوى بين الشراء والميراث ولكن على هذا الطريق نسلم كما هو ظاهر الرواية فنقول قضاؤه بالقسمه في المشتري لا يتضمن قطع حق البائع لان بعد البيع والتسليم لا يبقى المبيع على حكم ملك البائع بخلاف الميراث ولانه لا يثبت للقاضي الولاية على الغائب بالتصرف في أمواله فهم ما أخبروا القاضي بثبوت ولايته على البائع الغائب بخلاف الميراث على ما قررنا والطريق الآخر لابي حنيفة أنه لا يتمكن من القضاء بالقسمة حتى يقضى بموت المورث ويتعلق بموته أحكام غير مقصودة على مافى أيديهم من وقوع التفريق بينه وبين زوجته وعتق أمهات أولاده ومدبراته وحلول آجاله وقولهم ليس بحجة في شئ

[ 11 ] من ذلك فلا يشتغل القاضى بالقسمة حتى تقوم البينة عنده على الموت وأصل الميراث بخلاف العروض فالقسمة فيها للتحصين لا لتحصيل الملك (ألا ترى) ان القسمة في العروض تجرى بين المودعين للحفظ فلا يتضمن القضاء بموته فاما في العقار القسمة لتحصيل الملك ولايكون ذلك الا بعد القضاء بموته وعلى هذا الطريق يأخذ في مسألة الشراء برواية النوادر لانه لا يتمكن من القضاء بالقسمة حتى يقضى بالبيع وزوال ملك البائع وقولهم ليس بحجة عليه ولئن سلمنا فنقول الحكم المتعلق بالبيع هناك مقصود على ما في أيديهم فيستقيم أن يجعل ذلك نائبا في حقهم باقرارهم بخلاف الميراث وإذا كان في الورثة صغير أو كبير غائب والدار في أيدى الكبار الحضور فكذلك الجواب عند أبى حنيفة رحمه الله لا يقسمها القاضى بينهم حتى تقوم البينة على أصول المواريث لانها لما لم يقسم في الفصل الاول مع أن الورثة كلهم كبار حضور ففي هذا الفصل أولى أن لا يقسم لان في قسمته قضاء على الغائب والصغير بقولهم وعلي قول أبى يوسف ومحمد يقسمها بينهم ويعزل حق الغائب والصغير ويشهد أنه قسمها باقرار الحضور الكبار وان الغائب والصغير على حجتهما كما في الفصل الاول لان الدار كلها في يد الكبار الحضور وليس في هذه القسمة قضاء على الصغير والغائب باخراج شئ من يدهما بل فيها نظر لهما بظهور نصيبهما مما في يد الغير فانه بالقسمة يعزل نصيب الغائب والصغير وكان هذا محض نظر في حق الغائب والصغير وللقاضي هذه الولاية وان كان شئ من العقار في يد الصغير أو الغائب لم أقسمها باقرار الحضور حتى تقوم البينة على أصل الميراث لان في هذه القسمة قضاء على الغائب والصغير باخراج شئ مما كان في يده عن يده وكذلك ان كان الكبير أودع ماكان في يده منها رجلا حين غاب لان المودع أمين فلا يكون خصما في ذلك ولايجوز للقاضى أن يقضي على الغائب بحضور أمينه فلهذا لا يقسم حتى تقوم البينة فإذا قامت البينة قبلها القاضى لانها تقوم لاثبات ولاية القاضى في تركة الميت ولان الورثة يخلفون الميت في الميراث فينتصبون خصما عنه وينصب بعضهم خصما عن بعض فقل ما تخلو تركة عن هذا فان الورثة يكثرون وقل ما يحضرون فلو لم يقبل القاضى البينة ولم يقسمها لمكان غائب أو صغير أدى إلى الضرر والضرر مدفوع وكذلك إذا حضر القاضي اثنان من الورثة والعقار في أيديهما وأقاما البينة على أصل الميراث فان القاضي يقسمها بينهم ويوكل بنصيب الغائب والصغير من يحفظه لانه يجعل أحد الحاضرين خصما عن الميت وعن الصغير والغائب والآخر خصما عن نفسه

[ 12 ] فيتمكن من قبول هذه البينة والعمل بها بحضور مدع ومدعى عليه وإذا كان الحاضر واحدا لم يقسمها القاضي ولم يقبل منه البينة لانه ليس معه خصم فان الحاضر لو كان خصما عن نفسه فليس هنا خصما عن الميت وعن الغائب وان كان هذا الحاضر خصما عنهما فليس هنا من يخاصم عن نفسه ليقيم البينة عليه بذلك بخلاف مااذا كان الحاضر اثنين من الورثة والثانى أن الحاضر إذا كان واحدا فهو غير متظلم في طلب القسمة ولاطالب للانصاف إذ ليس معه من ينتفع بملكه حتى يقول للقاضي أقسمها بيننا لكيلا ينتفع بملكي غيرى فإذا حضر اثنان فكل واحد منهما يطلب القسمة ليسأل القاضى أن يمنع صاحبه من الانتفاع بنصيبه وذلك مستقيم وان كان فيهم خصم صغير جعل له القاضي وصيا لان للقاضى ولاية النظر للصبى في نصيب الوصي ووصى الصغير قائم مقام الصغير فكأنه بالغ حاضر فتقبل البينة حينئذ ويأمر بالقسمة باعتبار أنه يجعل احدهما مدعيا ولآخر مدعى عليه واحدهما خصما عن نفسه والآخر عن الميت والغائب وان كان العقار شراء بينهم ومنه غائب لم أقسمها بينهم وان أقاموا البينة على الشراء حتي يحضر الغائب لان في الميراث انما قسمها عند حضور جماعة منهم لتعذر اشتراط حضورهم عند القسمة بطريق العادة وهذا لا يوجد في الشراء فقد كانوا حاضرين عند الشراء فتيسر اشتراط حضورهم عند القسمة أيضا ولان الحاضر من المسيرين لا ينتصب خصما عن الغائب لان النائب بالشراء لكل واحد منهم ملك جديد بسبب باشره في نصيبه ولايجوز القضاء على الغائب بالبينة إذا لم يكن عنه خصم حاضر فاما في الميراث لا يثبت للورثة ملك متجدد بسبب حادث وانما ينسب إليهم ماكان من الملك للمورث بطريق الخلافة ولهذا يثبت لهم حق الرد بالعيب على بائع المورث ويصح اقالتهم معه فيستقيم أن يجعل بعضهم خصما عن البعض في ذلك لاتحاد السبب في حقهم وهو الخلافة عن الميت وإذا كانت الدار ميراثا وفيها وصية بالثلث وبعض الورثة غائب وبعضهم شاهد فاراد الموصي له بالثلث القسمة وأقام البينة على المواريث والوصية فان الدار تقسم على ذلك لان من حضر من الورثة ينتصب خصما عن الميت وعن سائر الورثة فتقبل بينة الموصى له بذلك عليهم وإذا قبلت بينته قسمت الدار بينهم على ذلك ولو أن بيتا في دار بين رجلين أراد أحدهما قسمته وامتنع الآخر وهو صغير لا ينتفع واحد منهما بنصبيه إذا قسم لم يقسمه القاضى بينهما لان الطالب للقسمة بينهما متعنت فان قبل القسمة يتمكن كل واحد منهما من الانتفاع بنصيبه وبالقسمة يفوت ذلك فالطالب

[ 13 ] منهما انما يقصد التعنت والاضرار بشريكه فلا يجيبة القاضى إلى ذلك وكذلك لا يقسم الحائط والحمام بين رجلين لان في قسمته ضررا والمقصود بالقسمة اتصال منفعة الملك إلى كل واحد من الشركاء وفى الحائط والحمام تفوت المنفعة بالقسمة لان كل واحد منهما لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة كما كان ينتفع قبل القسمة فلا يقسمه القاضى بينهم لانه لا يشتغل لما لا يفيد ولا بما فيه اضرار ولو اقتسموا بينهم بالتراضى لم يمنعهم من ذلك لانهم لو أقدموا على اتلاف الملك لم يمنعهم من ذلك في الحكم فكذلك إذا تراضوا القسمة فيما بينهم فان كانت دار بين رجلين ولاحدهما فيها بعض قليل لا ينتفع به إذا قسم فاراد صاحب الكثير القسمة قسمها بينهم وان أبى ذلك صاحب القليل عندنا (وقال) ابن أبى ليلى رحمه الله لا يقسمها وكذلك ان كان سائر الشركاء لا ينتفعون بانصبائهم الا هذا الواحد الطالب للقسمة فانه يقسمها بينهم وان كان الطالب صاحب القليل لم يقسمها إذا كان هو لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة وعلى قول ابن أبى ليلى رحمه الله لا يقسمها عند اباء بعضهم الا إذا كان كل واحد منهم ينتفع بنصيبه بعد القسمة لان المقصود بالقسمة تحصيل المنفعة لاتفويتها والمعتبر في القسمة المعادلة بين الشركاء في المنفعة فإذا كان بعضهم لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة فهذه قسمة تقع على ضرر والقاضى لا يجبر الشركاء على مثله كما لو كان الطالب من لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة ولنا أن الطالب للقسمة يطلب الانصاف من القاضي ولا يتعنت لانه يطلب منه أن يخصه بالانتفاع بملكه ويمنع غيره من الانتفاع بملكه وهذا منه طلب للاصناف فعلى القاضي أن يجيبه إلى ذلك بخلاف ما إذا كان الطالب للقسمة من لا ينتفع بنصيبه لانه متعنت في طلب القسمة والقاضى يجيب المتعنت بالرد يوضحه أن بعد القسمة وان تعذر على صاحب القليل الانتفاع بنصيبه فذلك لقلة نصيبه لا لمعنى من جهة صاحب الاكبر وذلك لا يعتبر في حق صاحب الكبير فيصير هذا في حقه وما إذا كان كل واحد منهما ينتفع بنصيبه بعد القسمة سواء والحاكم في المختصر (قال) إذا كان الضرر على أحدهما دون الآخر قسمتها أيهما طلب القسمة وهذا غير صحيح والصحيح أنه انما يقسم إذا طلب ذلك صاحب الكبير خاصة ومنهم من صحح ما ذكره الحاكم رحمه الله وقال صاحب القليل رضي بالضرر حين طلب القسمة وصاحب الكبير منتفع بالقسمة فيقسمه القاضي بينهم لهذا ولكن الاول أصح لان رضاه بالتزام الضرر لا يلزم القاضي شيئا وانما الملزم طلبه الانصاف من القاضى واتصاله إلى منفعة ملكه وذلك لا يوجد عند طلب صاحب القليل

[ 14 ]

  • ألا ترى أن كل واحد منهما إذا كان بحيث لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة وطلبا جميعا القسمة من القاضي لم يقسمها القاضي بينهما فكذلك إذا كان الطالب من لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة والرجال والنساء والحر والمملوك وأهل الاسلام وأهل الذمة في القسمة سواء لانها من حقوق الملك والمقصود التوصل بها إلى منفعة الملك وهو في ذلك سواء وإذا اقتسم الرجلان دارا ورفعا بينهما طريقا فهو جائز لانهما قسما بعض المشترك وبقيا شركتهما في البعض وهو موضع الطريق فيجوز ذلك اعتبار للبعض بالكل ولان المقصود بالقسمة أن ينتفع كل واحد منهما بنصيبه وانما يتم ذلك إذا رفعا طريقا بينهما وما يرجع إلى تتميم المقصود بالقسمة لا يكون مانعا صحتها وان كان نصيب احدهما أكثر من نصيب الاخر ينبغى أن يبين ذلك في كتاب القسمة ويذكر كيف الطريق بينهما لانه بقى في موضع الطريق ماكان لهما من الشركة في جميع الدار وقد كانت شركتهما فيها على التفاوت فانما يحصل التوثق أن يبين ذلك في كتاب القسمة لانهما إذا لم يبينا ذلك فربما يدعي صاحب الاقل المساواة بينهما في رقبة الطريق ويحتج على ذلك بأنه مساو في استعماله بالتطرق فيه وانما يكتب الكتاب بينهما للتوثق فينبغي أن يكتب على وجه يحصل به معنى التوثق لهما وإذا كانت الدار بين رجلين وفيها صفة فيها بيت وباب البيت في الصفة ومسيل ماء ظهر البيت على ظهر الصفة فاقتسما فأصاب الصفة أحدهما وقطعه من الساحة ولم يذكر طريقا ولا مسيل ماء وصاحب البيت يقدر أن يفتح بابه فيما أصابه من الساحة ويسيل ماءه في ذلك فاراد أن يمر في الصفة على حاله ويسيل ماءه على ماكان فليس له ذلك سواء اشترط كل واحد منهما أن له ما أصابه بكل حق له أو لم يشترط ذلك والقسمة في هذا بخلاف البيع فانه لو باع البيت وذكر في البيع الحقوق والمرافق دخل الطريق ومسيل الماء وان لم يذكر الحقوق والفرق أن المقصود بالبيع ايجاب الملك وقصد المشترى أن يتمكن من الانتفاع وذلك انما يتم بالطريق والمسيل لاأن ذلك خارج من المحدود فلا يدخل في البيع بمطلق التسمية للبيت الا بذكر الحقوق والمرافق فالمقصود بالقسمة تمييز أحد الملكين من الآخر وان يختص كل واحد منهما بالانتفاع بنصيبه على وجه لا يشاركه الاخر فيه وانما يتم هذا المقصود اذالم يدخل الطريق والمسيل لتمييز نصيب أحدهما عن الآخر من كل وجه فلهذا لايدخل مع ذكر الحقوق والمرافق توضيح الفرق أن المقصود بالبيع الاسترباح وذلك باعتبار المالية والمالية تختلف بدخول الطريق والمسيل في البيع

[ 15 ] فعند ذكر الحقوق والمرافق عرفنا أنهما قصدا ذلك فاما في القسمة المقصود التميز دون الاسترباح فبذكر الحقوق والمرافق لا يتبين أنهما لم يقصدا التمييز في أن لا يبقى لاحدهما في نصيب الآخر طريق ميسل ماء ولو لم يكن له مفتتح للطريق ولا مسيل ماء فانه ذكر في كتاب القسمة أن لكل واحد منهما ما أصابه بكل حق له جازت القسمة وكان طريقه في الصفة ومسيل مائه على طريق سطحه كما كان قبل القسمة وان لم يذكر الحقوق والمرافق فالقسمة فاسدة بخلاف البيع فانه يكون صحيحا وان لم يذكر الحقوق والمرافق لان المقصود بالبيع ملك العين وهذا المقصود يتم للمشترى وان كان يتعذر عليه الانتفاع لعدم الطريق والمسيل له كمن اشتري مهرا صغيرا أو أرضا سبخة فانه يجوز وان كان لا ينتفع بالمشترى وهذا لانه ترك النظر لنفسه حين لم يذكر الحقوق والمرافق ليدخل الطريق والمسيل فلا يشتغل بالنظر له فاما في القسمة المقصودة اتصال كل واحد منهما إلى الانتفاع بنصيبه فإذا لم يكن له مفتتحا إلى الطريق ولا مسيل ماء فهذه قسمة وقعت على ضرر فلا يجوز الا أن يذكر الحقوق والمرافق فيستدل بذلك على أنهما قصد ادخال الطريق والمسيل لتصحيح القسمة لعلمها أن القسمة لا تصح بدونهما في هذا الموضع بخلاف ما سبق توضيحه أن المعتبر في القسمة المعادلة في المنفعة وإذا لم يكن له طريقا ولا مسيل ماء لا يحصل معنى المعادلة في المنفعة فلا تصح القسمة كما لو استأجر مهرا صغيرا أو أرضا سبخة للزراعة لم يجز لفوات ما هو المقصود وهو المنفعة فان قيل فعلي هذا ينبغى أن يدخل الطريق والمسيل وان لم يذكر الحقوق والمرافق لتصحيح القسمة كما إذا استأجر أرضا دخل الشرب والطريق وان لم يذكر الحقوق والمرافق لتحصيل المنفعة قلنا هناك موضع الشرب والطريق ليس مما تتناوله الاجارة ولكن يتوصل به الانتفاع بالمستأجر والاجير انما يستوجب الاجرة إذا تمكن المستأجر من الانتفاع ففى ادخال الشرب توفير المنفعة عليهما وأما هنا موضع الطريق والمسيل داخل في القسمة و موجب القسمة اختصاص كل واحد منهما بما هو نصيبه فلو أثبتنا لاحدهما حقا في نصيب الآخر تضرر به الآخر ولايجوز الحاق الضرر به بدون رضاه وانما دليل الرضا اشتراطه الحقوق والمرافق فلهذا لايدخل الطريق والمسيل بدون ذكره الحقوق والمرافق ولو رفعا طريقا بينهما وكان على الطريق ظلة وكان طريق احدهما على تلك الظلة وهو يستطيع أن يتخذ طريقا آخرا فاراد صاحبه أن يمنعه من المرور على ظهر الظلة لم يكن له ذلك لان أصل الطريق

[ 16 ] مشترك بينهما وكما أن أسفله ممر لهما فكذلك أعلاه فهو لا يريد بهذا أن يحدث لنفسه حقا في نصيب شريكه وانما يريد أن يستوفى حقه فلا يمنع من ذلك بخلاف ما تقدم فهناك انما يريد اتخاذ طريق ومسيل لنفسه في ملك خص به صاحبه وليس له ذلك وكان أبو حنيفة رحمه الله يقول في العلو الذي لاسفل له وفى السفل الذى لاعلو له يحسب في القسمة ذراع من السفل بذراعين من العلو وقال أبو يوسف رحمه الله يحسب العلو بالنصف والسفل بالنصف ثم ينظر كم جملة ذرع كل واحد منهما فيطرح من ذلك النصف وقال محمد رحمه الله يقسم ذلك على القيمة قيمة العلو أو قيمة السفل وقيل ان أبا حنيفة رحمه الله أجاب بناء على ما شاهد من عادة أهل الكوفة في اختيار السفل على العلو وأبو يوسف رحمه الله أجاب بناء على ما شاهده من عادة أهل بغداد في التسوية بين العلو والسفل في منفعة السكنى ومحمد شاهد اختلاف العادات في البلدان فقال انما يقسم على القيمة وقيل بل هو بناء على أصل آخر وهو أن عند محمد رحمه الله وعند أبى حنيفة رضي الله عنه لصاحب السفل منفعتان منفعة السكنى ومنفعة البناء فانه لو أراد أن يحفر في سفله سردابا لم يكن لصاحب العلو منعه من ذلك فلصاحب العلو منفعه واحدة وهى منفعة السكنى فانه لو أراد أن يبنى على علوه علوا آخرا كان لصاحب السفل منعة من ذلك والمعتبر في القسمة المعادلة في المنفعة فلهذا جعل بمقابلة ذراع من السفل ذراعين من العلو وأبو يوسف رحمه الله يقول لصاحب العلو أن يبنى على علوه إذا كان ذلك لا يضر بالسفل كما أن لصاحب السفل أن يحفر سردابا في السفل إذا كان لا يضر بصاحب العلو فاستويا في المنفعة فيحصل ذراع من السفل بذراع من العلو وحجته لاثبات هذا الاصل ان صاحب العلو يبنى على ملكه كما أن صاحب السفل يتصرف في ملكه واتصال العلو بالسفل كاتصال بيتين متجاورين فلكل واحد منهما أن يتصرف في ملكه على وجه لا يلتحق الضرر لصاحبه وأبو حنيفة رحمه الله يقول صاحب السفل بحفر السرداب يتصرف في الارض وهي خالص ملكه وصاحب العلو يحمل ما يبنى على حائط السفل أيضا وهو مملوك لصاحب السفل وزيادة البناء تصير بحائط صاحب السفل لا محالة ويتبين ذلك في الثاني ان كان لا يتبين في الحال ولايكون له أن يفعل ذلك بدون رضاء صاحب السفل ومحمد في هذا الفصل وافق أبا يوسف ولكن في القسمة يقول تعتبر القيمة لان العلو والسفل بناء والمعادلة في قسمة البناء تتيسر ولان في بعض البلدان تكون قيمة العلو أكثر من قيمة السفل وهو كذلك

[ 17 ] بمكة وبمصر وفى بعض البلدان قيمة السفل أكثر من قيمة العلو كما هو بالكوفة قيل كل موضع تكثر النداوة في الارض يختار العلو عن السفل وفى كل موضع يشتد البرد ويكثر الريح يختار السفل على العلو وربما يختلف ذلك أيضا باختلاف الاوقات فلا يمكن اعتبار المعادلة إلا بالقيمة فاستحسن القسمة في العلو والسفل باعتبار القيمة ثم تفسير المسألة في فصلين أحدهما أن يكون بينهما سفل علوه لغيرهما وعلو سفله لغير هما فاراد القسمة فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله يجعل بمقابلة كل ذراع ذراع والثاني أن يكون المشترك بين الشركاء بيتا لسفله علو وسفل لاعلو له بان كان العلو لغيرهم وعلو لاسفل له فعند أبى حنيفة رحمه الله يجعل بازاء مائة ذراع من العلو الذى لاسفل له ثلاثة وثلثين ذراعا وثلثا من البيت الكامل وبأزاء مائة ذراع من السفل الذى لاعلو له ستة وستين ذراعا وثلثي ذراعا من البيت الكامل لان العلو عنده مثل نصف السفل كما في الفصل الاول وعند أبى يوسف رحمه الله يجعل بازاء خمسين ذراعا من البيت الكامل مائة ذراع من السفل الذى لاعلو له ومائة ذراع من العلو الذى لاسفل له لان السفل والعلو عنده سواء فخمسون ذراعا من البيت الكامل بمنزلة مائة ذراع خمسون منها سفل وخمسون منهما ملو ومحمد رحمه الله في ذلك كله يعتبر المعادلة بالقيمة وعليه الفتوى وإذا كانت الدور بين قوم فاراد أحدهم أن يجمع نصيبه منها في دار واحدة وأتى ذلك بعضهم قسم القاضي كل دار بينهم على حدة ولم يضم بعض انصبائهم إلى بعض الا أن يصطلحوا على ذلك في قول أبى حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله الرأى في ذلك إلى القاضي وينبغى أن ينظر في ذلك فان كانت انصباء أحدهم إذا جمعت في دار كان أعدل للقسمة جمع ذلك لان المعتبر في القسمة المعادلة في المنفعة والمالية والمقصود دفع الضرر وإذا قسم كل دار على حدة ربما يتضرر كل واحد منهم لتفرق نصيبه وإذا قسم الكل قسمة واحدة يجتمع نصيب كل واحد منهم في دار وينتفع بذلك والقاضى نصب ناظرا فيمضى قضاءه علي وجه يرى النظر فيه كما يمضى قضاءه في المجتهدات على ما يؤدى إليه اجتهاده ولان الدور في حكم جنس واحد لاتحاد المقصود بها وهو السكنى والجنس والواحد يقسم بين الشركاء قسمة واحدة كالغنم والثياب الهروية الا أنها تتفاوت منفعة السكنى باختلاف البلدان وباختلاف المحال فمن هذا الوجه نسبه البلدان الاجناس المختلفة فعند تعارض الادلة الرأى للقاضي فيرجح بعضها بطريق النظرو أبو حنيفة رحمه الله يقول الدور أجناس مختلفة بدليل انها لا تثبت صداقا بمطلق التسمية حتى إذا تزوج امرأة علي دار فهو

[ 18 ] بمنزلة مالو تزوجها على ثوب (وكذلك) لو وكل وكيلا بشراء دار لم يصح التوكيل وبعد اعلام الجنس جهالة الوصف لا تمنع صحة الوكالة فعرفنا أنها أجناس مختلفة والاجناس المختلفة لا تقسم قسمة واحدة الا باصطلاح الشركاء علي ذلك وهذا لان في الاجناس المختلفة معنى المعاوضة يغلب علي معنى التمييز والمعاوضة تعتمد التراضي وفى الجنس الواحد معنى التمييز يغلب وذلك داخل تحت ولاية القاضي ففى الدور معنى المعاوضة يغلب لان قبل القسمة يتيقن بان نصيب كل واحد منهم في أمكنة متفرقة فإذا جمعها في مكان واحد يكون ذلك بطريق المعاوضة وإذا قسم كل ذراع علي حدة فمعنى التمييز فيه يغلب لان نصيب كل واحد منهم يكون في أمكنة متفرقة بعد القسمة كما كان قبلها ثم المقصود بالقسمة تمكين كل واحد منهم من الانتفاع بملكه فلابد من اعتبار المعادلة في المنفعة والتفاوت في المنفعة في الدور تفاوت عظيم فانما يختلف باختلاف البلدان وباختلاف المحال وباختلاف الجيران وبالقرب من الماء وبالبعد عنه وبالقرب من الربط والبعد عنه والظاهر أنه يتعذر عليه اعتبار المعادلة في المنفعة إذا قسمها قسمة واحدة وأن قسمة كل دار على حدة أعدل ثم هي ثلاثة فصول عنده الدور والبيوت والمنازل فالدور سواء كانت متفرقة أو متلازمة لا يقسم عنده قسمة واحدة إلا برضاء الشركاء والبيوت تقسم قسمة واحدة سواء كانت متفرقة أو مجتمعة في مكان واحد لانها تتفاوت في منفعة السكنى فالبيت اسم لمسقف واحد له دهليز فلا يتفاوت في المنفعة عادة (ألا ترى) انها تؤجر بأجر واحد في كل محلة فتقسم قسمة واحدة وبالمنازل ان كانت مجتمعة في دار واحدة متلازمة بعضها ببعض تقسم قسمة واحدة وان كانت متفرقة تقسم كل منزلة على حدة سواء كانت في محال أو في دار واحدة بعضها في أقصاها وبعضها في أدناها لان المنزل فوق البيت ودون الدار فالمنازل تتفاوت في منفعة معنى السكنى ولكن التفاوت فيها دون التفاوت في الدور فهى تشبه البيوت من وجه والدور من وجه فلشبهها بالبيوت قلنا إذا كانت متلازمة تقسم قسمة واحدة لان التفاوت فيها تقل في مكان واحد ولشبهها بالدور قلنا إذا كانت في أمكنة متفرقة لا تقسم قسمة وهما في الفصول كلها يقولان ينظر القاضى إلى أعدل الوجوه فتمضى القسمة علي ذلك ولو اختلفوا في قيمة البناء فقال بعضهم يجعل البناء بذرع من الارض وقال بعضهم يجعلها على الدراهم والصحيح أن القاضى يجعلها علي الذرع إذا تيسر عليه ذلك لان الدراهم ليست من الميراث والثابت لقاضي ولاية قسمة الميراث بينهم فإذا جعل على ذلك الذرع كان ذلك تصرفا في

[ 19 ] محل ولايته وإذا جعل ذلك علي الدراهم كان ذلك تصرفا منه وراء محل ولايته وربما لا يقدر كل أحد علي تحصيل الدراهم وأدائها فليس للقاضى أن يكلفه ذلك توضيحه انه إذا جعل ذلك على الدراهم فالذي وقع البناء في نصيبه الدرهم دين عليه وربما ينوي ذلك عليه وان كان يخرج فنفس القسمة يتعجل نصيب من وقع البناء في نصيبه ويتأخر نصيب الآخر إلى خروج الدين منه فتنعدم المعادلة بذلك وإذا جعل ذلك علي الذرع يتعجل وصول نصيب كل واحد منهم إليه ويتم القسمة ولاحق لبعضهم علي بعض فهذا أولى الوجهين وإذا تعذر عليه اعتبار المعادلة علي الذرع فله أن يقسم على الدراهم عندنا (وقال) مالك رحمه الله ليس له ذلك الا أن يصطلحوا عليه أو تكون الدراهم يسيرة لان في القسمة علي الدراهم محض المعاوضة وهو بيع نصيب أحدهما من البناء بما يوجب له من الدراهم على صاحبه وليس للقاضى ولاية المعاوضة إلا عند تراضى الخصمين عليه الا أن اليسير من الدراهم ربما يتحقق فيه الحاجة والضرورة فيتعدى إليه حكم ولايته للحاجة وأصحابنا رحمهم الله يقولون هذه الحاجة تتحقق في الكثير كما تتحقق في القليل لان قيمة نصيب أحدهما من البناء ربما يكون أضعاف جميع قيمة الارض فتتعذر عليه القسمة بطريق مقابلة قيمة البناء بالذرع من الارض أو يقع جميع الساحة لاحدهما فلا يتمكن صاحب البيت من الانتفاع بالبناء بدون الارض وإذا كلف نقل البناء تنقطع المنفعة عنه فلهذا قلنا عند الضرورة يجوز له أن يجعل القسمة في البناء على الدراهم وهذا لان ولاية القسمة تثبت له فلا يتعدى فيتعدي ولايته إلى مالا يتأتى له القسمة الا به كالجد مع موصي الاب يصح منه تسمية الصداق في النكاح وان كان التصرف في المال الي الوصي دون الجد وكذلك الاخ ليس له ولاية التصرف في المال ثم له ولاية التسمية في الصداق باعتبار ثبوت الولاية في التزويج ولو اختلفوا في الطريق فقال بعضهم يرفع طريقا بيننا وقال بعضهم لا يرفع نظر فيه الحاكم فان كان يستقيم لكل واحد منهم طريقا يفتحه في نصيبه قسمه بينهم بغير طريق يرفع كما بين عنهم وان كان لا يستقيم ذلك رفع طريقا بينهم لان المقصود بالقسمة توفير المنفعة على كل واحد منهم ثم موضع الطريق مشترك بينهم كغيره فإذا كان يستقيم لكل واحد منهم طريق يفتحه في نصيبه فالذي يقول لا يرفع طريقا بطلب القسمة في جميع المشترك وذلك ممكن مع اعتبار المعادلة في المنفعة فيجيبه القاضى إلى ما التمس وإذا كان لا يستقيم ذلك ففى قسمة موضع الطريق قطع المنفعة عنهم وذلك ضد ما هو المقصود بالقسمة

[ 20 ] والقائل لا يرفع طريقا في هذا الموضع متعنت توضيحه انه لو كان المشترك بينهم موضع الطريق فقط فطلب بعضهم قسمته وفيه ضرر على كل واحد منهم لم يجبه القاضي إلى ذلك وان كان فيه منفعة للطالب أجابه القاضى إلى ذلك فكذلك إذا كان المشترك موضع الطريق وغيره ولو اختلفوا في سعة الطريق وضيقه جعل الطريق بينهم على عرض باب الدار وطوله على أدنى ما يكفيهم لان باب الدار متفق عليه والمختلف فيه يرد إلى المتفق عليه ثم لا فائدة في جعل الطريق أعرض من باب الدار لانه ما لم يدخل الحمل من باب الدار لا يحمله في ذلك الطريق وإذا جعل الطريق أضيق من باب الدار يتضرر به الشركاء ومقصود كل واحد منهم أن يحمل إلى مسكنه في ذلك الطريق ما يدخله في باب الدار فلهذا يجعل الطريق بينهم على عرض الدار وطوله وإذا وقع الحائط لاحد القسمين وعليه جزوع للاخر ووقعت القسمة على أن يكون هكذا أولم يذكرا ذلك في القسمة فانه يترك على حال لانه وجد كذلك عند تمام القسمة ويجوز أن يكون ملك الحائط لاحدهما وللآخر عليه حق وضع الجذوع فيترك على حاله الا أن يشترط قلع الجذوع عنه فحينئذ يجب الوفاء به للحديث الشرط أملك وكذلك لو كان أزج وقع على حائط على هذه الصفة أو درجة وكذلك اسطوانة وقع عليها جذوع وكذلك روشن وقع على صاحب العلو مشرف علي نصيب الآخر فاراد صاحب السفل أن يقطع الروشن ليس له ذلك إلا أن يشترط قطعه لان حق قرار هذه الاشياء تجوز أن تكون مستحقا لانسان في حائط غيره فإذا تمت القسمة بينهما على هذه الصفة يجب تركها كذلك ألا ترى انه لو أصاب أحدهما ثبت علو والآخر السفل لم يكن لصاحب السفل أن يهدم العلو فاما إذا وقعت الساحة لاحدهما وللآخر أطراف جذوع شاخصة فيها فاراد صاحب الساحة قطع تلك الجذوع فان كانت اطراف الجذوع بحيث يمكن البناء عليها فليس له أن يقطع ذلك لان هذا لجواز أن يكون قراره مستحقا لانسان في ساحة غيره وان كان بحيث لا يمكن البناء عليها فلصاحب الساحة أن يجبره على قطع ذلك أو تفريغ هواء الساحة عنه بما يقدر عليه لان ذلك لا يجوز أن يكون حقا مستحقا له في ملك الغير إذ هو لا ينتفع به من حيث البناء عليه ولو وقعت شجرة في نصيب أحدهما وأغصانها متدلية إلى نصيب الآخر فقد ذكرني رستم عن محمد رحمه الله ان له ان يجبره علي قطع تلك الاغصان وهذا مما لا يستحق اقراره في ملك الغير بسبب من الاسباب وذكرني سماعة عن محمد رحمه الله انه يترك كذلك لانه بالقسمة استحق

[ 21 ] الشجرة باغصانها فترك الاغصان على ما كانت عليه عند تمام القسمة بمنزلة الازج والدرجة وإذا أصاب رجلا مقصورة من الدار وأصاب من الآخر منزل طريق علو هذا المنزل في هذه المقصورة ولم يذكروا ذلك عند القسمة فلا طريق له في المقصورة لانه يقدر على أن يجعل طريقه في حقه من غير ضرر والقسمة لتمييز نصيب احدهما من نصيب الآخر وتمام التمييز إذا لم يبق لاحدهما حق في نصيب الآخر فإذا أمكن ذلك من غير ضرر يجب امضاء القسمة عليه وإذا أصاب احدهما قسمة ساحة في القسمة فأراد أن يبنى فيها ويرفع بناء وأراد الآخر منعه وقال انك تسد على الريح والشمس فله أن يرفع بناء مابدا له لان الساحة ملكه والساحة حق خالص له وللانسان أن يتصرف في ملك نفسه بما يبدوا له وليس للجار ان يمنعه عن ذلك وله أن يتخذ فيها حماما أو تنورا أو مخرجا لانه يتصرف في خالص ملكه أرأيت لو أراد أن يجعل فيها رحا أو حدادا أو قصارا كان للآخر أن يمنعه من ذلك والحاصل أن من تصرف في خالص ملكه لم يمنع منه في الحكم وان كان يؤدى إلى الحاق الضرر بالغير ألا ترى أن من اتجر في حانوته نوع تجارة لم يمنع من ذلك وان كانت تكسد بسببه تجارة وان أصحاب الحوانيت يتأذون بغبار سنابك الدواب المارة وان يتأذى المارة بدخان نيرانهم التى يوقدونها في حوانيتهم ثم ليس للبعض منع البعض من ذلك وللانسان أن يسقى أرضه وليس لجاره أن يمنع من ذلك مخافة أن يقل ماء بئره فعرفنا أن المالك مطلق التصرف فيما هو خالص حقه وان كف عما يؤذي جاره كان أحسن له قال صلي الله عليه وسلم ما زال جبريل عليه السلام يوصي بالجار حتى ظننت أنه سيورثه والتحرز عن سوء المجاورة مستحق دينا ولكنه لا يجبر علي ذلك في الحكم والحيلة للجار أن يتصرف في ملك على وجه يدفع به ضرورة عن نفسه ويحول بينه وبين مقصوده علي ما حكى أن رجلا جاء إلى أبى حنيفة رضى الله عنه فقال أن جارى اتخذ مجمدة بجنب حائطي فقال اتخذ أنت أتونا بجنب الحائط ليذيب هو ما يجمع من الجمد وعلى هذا قال في الكتاب لو فتح صاحب البناء في علو بنائه بابا أو كوة فتأذى بذلك صاحب الساحة فليس له أن يمنعه من ذلك لان اتخاذ الباب والكوة يرفع نقص الحائط ولو رفع جميع البناء لم يكن للآخر أن يمنعه منه فلهذا أولى ولكنه يبنى في ملكه ما يستره ان شاء وليس لصاحب الكوة أن يمنعه عن ذلك وكذلك هذا الحكم في الدارين والجارين ولو اتخذ رجل بئرا في ملكه كرياسا أو بالوعة أو بئر ماء فنز منها حائط جاره وطلب

[ 22 ] تحويل ذلك لم يجبر على تحويله لان تصرفه في خالص ملكه وان سقط الحائط من ذلك لم يلزمه ضمانه لانه غير متعدى في هذا السبب والمسبب إذا كان غير متعدى في تسببه فهو غير ضامن لما تلف به كما لو سقط انسان في بئره هذا وإذا قسم رجلان دارا فأخذ أحدهما حيزا والآخر حيزا فوقع لاحدهما حائط للظاهر منه على آجرتين وأسه على أربع وقد دخل في نصيب صاحبه من ذلك آجرة فقال صاحب الحائط أنا آخذ من نصيبك مادخل فيه من أس حائطي لم يكن له ذلك وانما له ما ظهر من الحائط على وجه الارض لانه بالقسمة استحق الحائط والحائط اسم للبناء المرتفع من وجه الارض فاما الاس الذى ليس عليه بناء مرتفع عن وجه الارض فهو أرض لا حائط والارض واقع في قسم الآخر فلو استحقه صاحب الحائط انما يستحقه حريما لحائطه وليس للحائط حريم وإذا قسم الشريكان دارا أو دارين بينهما لم يكن للجار في ذلك شفعة لان كل واحد منهما شريك لصاحبه والشريك مقدم على الجار ألا ترى ان احدهما لو باع نصيبه من صاحبه لم يكن للجار فيه الشفعة ثم في دار واحدة معنى التمييز في القسمة تغلب علي معنى المعاوضة والشفعة تختص بالمعاوضة مال بمال وإذا اقتسم الرجلان دارا ورفعا طريقا بينهما ثم أراد قسمة الطريق بعد ذلك فان كانت قسمته تستقيم بغير ضرر قسمته بينهما وان كانت لا تستقيم ولايكون لاحدهما طريق لم أقسمه ثم لان في القسمة هنا معنى الضرر والمقصود بالقسمة توفير المنفعة علي كل واحد منهما لاتفويتها وإذا اصطلح الرجلان في القسمة على ان أخذ أحدهما دارا الآخر منزلا في دارأخري أو على ان أخذ أحدهما دارا والآخر نصف دار أخرى أو على ان أجر كل واحد منهما سهاما معلومة من دار على حدة أو علي أن أخذ أحدهما دارا والآخر عبدا أو ما اشبهه ذلك من الاصطلاح في الاجناس المختلفة فذلك جائز لان هذه معاوضة تجرى بينهما بالتراضي ولا ربا في شئ مما تناوله تصرفه ولو اصطلحا في دار واحدة على أن يأخذ أحدهما الارض كلها والآخر البناء كله فهو جائز للتراضي فان الارض والبناء كل واحد منهما مال متقوم مبادلة نصيب احدهما من الارض بنصيب الآخر من البناء صحيح فان شرط على أن يكون البناء له ينقضه وتكون الارض للآخر فهو جائزو ان اشترط أن لا يقلع بناءه فهذا فاسد لان صاحب الارض لا يتوصل بهذه القسمة إلى الانتفاع بالارض ولان هذا في معنى بيع شرط فيه اعارة أو اجارة فان صاحب البناء لما شرط ترك البناء في أرض الآخر فان كان بمقابلة هذا الترك شئ من العوض

[ 23 ] فهو اجارة فاسدة شرطت في بيع وان لم يكن بمقابلتها شئ من العوض فهو اعارة مشروطة في في البيع وإذا كانت الدار في طريق ليس بنافذ لها فيه باب فاقتسمها أهلها على أن يفتح كل انسان منهم في ذلك الزقاق لنفسه فهو جائز وليس لاهل الزقاق منعهم من ذلك لان كل واحد منهم يفتح الباب يرفع بعض الحائط ولو رفعوا جميع الحائط لم يكن لاهل الزقاق منعهم عن ذلك ولان لكل واحد منهم يفتح الباب برفع بعض الحائط ولو رفعوا جميع الحائط لم يكن لاهل الزقاق منعهم عن ذلك ولان لكل واحد من الشركاء حق المرور في هذا الطريق إلى أن يتوصل إلى ملكه وكل واحد منهم يفتح الباب يريد أن يستوفى حق نفسه ولا يريد الزيادة على ذلك ولو كانت مقصورة بين ورثة بابها في درا مشتركة ليس لاهل المقصورة فيها الا طريقهم فاقتسموا المقصورة على أن يفتح كل واحد منهم بابا من نصيبه في الدار العظمى لم يكن لهم ذلك لان لهم طريقا واحدا في موضع معلوم من عرصة الدار فهم يريدون هذه الزيادة في ذلك بان يجعلوا جميع صحن الدار ممرا فيكون لاهل الدار منعهم من ذلك ومن أصحابنا من يقول لا يمنعون من فتح الباب لان ذلك رفع بعض الحائط والحائط خالص حقهم وانما يمنعون من التطرق في غير الموضع المعروف طريقا لهم في صحن الدار ولكن في ظاهر الجواب قال يمنعون من فتح الابواب لانهم إذا تمكنوا من ذلك فربما يدعى كل واحد منهم بعد تقادم الزمان لهم طريقا خاصا في صحن الدار ويستدل على ذلك بالباب المركب وقد يعتمد ذلك بعض القضاة فيفصل الحكم به فلهذا منعوا من فتح الابواب ولاهل الدار أن يبنوا مابدا لهم في صحن الدار بعد أن يتركوا لهم طريقا واحدا بقدر عرض باب الدار العظمى لان ذلك القدر من حقهم متفق فيرد عليه ما وراء ذلك الموضع وما سوى ذلك من صحن الدار فهو ملك خاص لاهل الدار فلهم ان يبنوا فيها ما أحبوا ويفتح أهل المقصورة مابدا لهم من الابواب في ذلك الموضع لانهم بفتح هذه الابواب لايبنون لانفسهم زيادة على مقدار حقهم وان كان لاهل هذه المقصورة دارا أخرى إلى جنب هذه المقصورة فوقعت هذه الدار في قسم رجل منهم فاراد أن يفتح بابا في هذا الطريق المرفوع بينهم فليس له ذلك لانه لا طريق لهذه الدار فيها فسا كنها يريد اثبات طريق لنفسه في طريق مشترك الشركة فيها خاصة والطريق الخاص بمنزلة الملك فكما لا يمكن من احداث طريق لنفسه في ملك الغير فكذلك في الطريق الخاص وان اشترى الذى اصابته المقصورة هذه الدار فاراد أن يجعل طريقها في

[ 24 ] مقصورة ثم يمر في ذلك الطريق المشترك فله إذ كان الدار والمقصورة واحدا لان الكل في حكم منزل واحد وان كان ساكن المقصورة غير ساكن الدار لم يكن له ذلك لانهما منزلان وكما انه ليس لساكن الدار أن يتطرق في هذا الطريق من داره فكذلك لا يكون له أن يتطرق فيه من المقصورة لان لصاحب المقصورة أن يرضى بتطرقه فما هو خالص ملكه وهو المقصورة ولا يعتبر رضاه بذلك في ملك الغير وهو الطريق وفرق بين هذا وبين الشرب فان من له أرض بجنب نهر شربها من ذلك النهر إذا اشترى بجنب أرضه أرضا أخرى وأراد أن يسقى الارض الاخرى من هذا النهر باجراء الماء في أرضه لم يكن له ذلك وفى الطريق له ذلك إذا كان ساكن الدار والمقصورة واحدا لان هناك يستوفى من الماء فوق حقه فان حقه في هذا النهر مقدار ما يسقى به أرضه فإذا سقى به أرضين فهو يستوفى أكثر من حقه فيمنع من ذلك وفى الطريق هو الذى يتطرق سواء دخل المقصورة فقط أو يحول من المقصورة إلى الدار فلهذا لايمنع من ذلك إذا كان ساكن الدار والمقصورة واحدا وإذا اقتسم الرجلان دارا فأخذ أحدهما طائفة وفي نصيب الآخر ظلة على الطريق وكنيف شارع فالقسمة في هذا كالبيع وقد بينا في كتاب الشفعة ان كنيف الشارع بدخل في بيع الدار سواء ذكر الحقوق والمرافق أو لم يذكر والظلة عند أبى حنيفة لايدخل الا بذكر الحقوق والمرافق وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يدخل إذا كان مفتحها في الدار سواء ذكر الحقوق والمرافق أولم يذكر فكذلك في القسمة فان هدم أهل الطريق تلك الظلة لم تنتقض القسمة لانه انما استحق البناء بالقسمة أما الارض من طريق المسلمين وانما يستحق بالقسمة ما كان مشتركا بينهم قبل القسمة والمشترك البناء دون الارض ولا يرجع على شريكه بشئ لانهما كانا يعلمان أن الظلة على الطريق فان لهم منها نفس البناء لاحق القرار وذلك سالم له وإذا اقتسما دارا فلما وقعت الحدود بينهما إذا أحدهما لا طريق له ولا يقدر على طريق فالقسمة مردودة لانها وقعت على الضرر والمقصود تحصين كل واحد منهما بالانتفاع بملكه لاقطع ملك المنفعة عند وقد تبين أن في هذه القسمة قطع منفعة الملك عن أحدهما فكانت مردودة وان كان له حائط يقدر على أن يفتح بابا يمر فيه رجل ولا تمر فيه الحمولة فالقسمة جائزة لتمكنه من الانتفاع بنصيبه بالتطرق إليه من هذا الجانب فالاصل في الطريق مرور الناس فيه فاما مرور الحمولة فيه لا يكون الا نادرا ويتعذر ذلك لا يمتنع عليه استيفاء ما هو المقصود وان كانت بحيث لا يمر فيه رجل فليس هذا بطريق ولا تجوز القسمة

[ 25 ] لما فيها من قطع منفعة الملك عن احدهما وان كان اقتسما على أن لا طريق لفلان وهو يعلم أنه لا طريق له فهو جائز بتراضيهما لانه رضي بذلك لنفسه وانما لم تصح القسمة لدفع الضرر عنه فإذا رضى بالتزام الضرر سقط اعتبار ذلك الضرر وإذا اقتسما دارا على أن يستوفى أحدهما من الآخر دارا له بالف درهم فالقسمة على هذا الشرط باطلة لان فيها معنى البيع واشتراط هذا في البيع مبطل له لنهى النبي عن صفقتين في صفقة وكذلك كل قسمة على شرط هبة أو صدقة فهى فاسدة كالبيع وكذلك كل شراء على شرط قسمته فهو باطل لان اشتراط القسمة في الشراء كاشتراط الشراء في القسمة وإذا كانت القسمة على أن يزيد شيئا معروفا فهو جائز لانه لو شرط في البيع زيادة في الثمن مقدار مسمى أو زيادة في المبيع شيئا بعينه جاز ذلك فكذلك في القسمة و الله أعلم (باب قسمة الدور بالدراهم يريدها) (قال رحمه الله أحدهما وإذا كانت الدار بين رجلين فاقتسماها على أن يرد أحدهما على الآخر دراهم مسماة فهو جائز) لان في حصة الدراهم المشروطة العقد بيع وقد تراضيا عليه وجواز البيع يعتمد المراضات وقد بينا أن الشريكين عند القسمة يحتاجان إلى ذلك عادة الا أن القاضى لا يفعله الا عند الضرورة فاما إذا تراضيا على القسمة فذلك مستقيم منهما ثم كل ما يصلح أن يكون عوضا مستحقا بالبيع يجوز اشتراطه في هذه القسمة عند تراضيهما عليه فالنقود حالة كانت أو مؤجلة والمكيل والموزون معينا أو موصوفا مؤجلا أو حالا يجوز استحقاقه عوضا في البيع فكذلك في القسمة فان كان لشئ من ذلك حمل ومؤنة فلابد من بيان مكان الايفاء فيه عند أبى حنيفة رحمه الله كما في السلم والاجارة وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ان بينا للتسليم مكانا جاز ذلك وان لم يبينا جازت القسمة ويتعين للتسليم موضع الدار وكان ينبغى في القياس أن يتعين موضع العقد كما في السلم عندهما ولكنهما استحسانا فقالا تمام القسمة يكون عند الدار وانما يجب عند تمام القسمة فيتعين موضع الوجوب فيه للتسليم كما في الاجارة عندهما يتعين موضع الدار لا موضع العقد لان وجوب الآخر باستيفاء المنفعة وذلك عند الدار يكون وان كانت الزيادة شيئا من الحيوان بعينه فهو جائز وان كان بغير عينه لم يجز موصوفا كان أو غير موصوف مؤجلا كان أو حالا لان الحيوان لا يستحق في الذمة عوضا عما هو مال وان كان بعينه

[ 26 ] وشرط أن لا يسلمه إلى شهر فهو فاسد لانه شرط الاجل في العين وذلك مفسد للبيع لكونه غير منتفع به بل فيه ضرر على المتملك للعين بالعقد من غير منفعة للآخر فيه فكذلك في القسمة ولو كانت الزيادة ثيابا موصوفة إلى أجل معلوم فهو جائز وان لم يضرب له أجلا لم يجز كما في البيع وهذا لان الثياب تثبت في الذمة سلما ولا تثبت في الذمة قرضا والسلم لا يكون إلا مؤجلا والقرض لا يكون الا حالا فعرفنا بذلك أنها تثبت في الذمة مؤجلا ثبوتا صحيحا ولا تثبت حالا وإذا كان ميراث بين رجلين في دار وميراث في دار أخرى فاصطلحا على أن لاحدهما مافى هذه الدار وللآخر ما في تلك الدار وزاد مع ذلك دراهم مسماة فان كانا سميا سهاما كم هي سهم من كل دار جاز لان ما يستحقه كل واحد منهما بالقسمة والبيع معلوم له وان لم يسميا ذلك لم يجز لجهالة ما يستحقه كل واحد منهما وهذه جهالة تفضي إلى تمكن المنازعة بينهما في الثاني وان سميا مكان السهام أذرعا مسماة مكسرة جاز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ولم يجز في قول أبى حنيفة رحمه الله وأصل الخلاف فيما ذكرنا في البيوع إذا باع ذراعا في عشرة أذرع من هذه الدار فالقسمة نظير البيع في ذلك داران بين ثلاثة نفر اقتسموها على أن يأخذ أحدهما احدى الدارين والثانى الدار الاخرى على أن يرد الذى أخذ الدار الكبري على الذي لم يأخذ شيئا دراهم مسماة فهو جائز لانه اشترى نصيب الشريك الثالث بما أعطاه من الدراهم ولو اشترى نصيب الشريكين جميعا بالدراهم جاز فكذا إذا اشترى نصيب أحدهما ثم قاسم الشريك الآخر على قدر ملكها في الدارين وذلك مستقيم أيضا فقد بينا أن الدور تقسم قسمة واحدة بالتراضى وكذلك ان أخذ الدار الكبرى اثنان منهم وأخذ الثالث الدار الصغرى واذ كانت دارا واحدة بينهم وأخذها اثنان منهم كل واحد منهما طائفة معلومة على أن يرد على الثالث دراهم معلومة فهو جائز لانهما اشتريا نصيبه بما نفذاله من الدراهم وكذلك ان اشترطوا على أحدهما ثلثى الدراهم لفضل في منزله فذلك جائز لانه يكون مشتريا ثلثى نصيب الثالث وصاحبه الثلث وكذلك دار بين شريكين اقتسماها نصفين على أن يرد أحدهما على الآخر عبدا بعينه على أن زاده الآخر مائة درهم فهو جائز لان بعض العبد عوض عن المائة الدراهم وبعضه عوض عما أخذ مالك العبد من نصيب صاحبه بالقسمة من الدار وذلك مستقيم وكذلك لو اقتسماها على أن يأخذ أحدهما البناء وأخذ آخر الخراب على أن يرد صاحب البناء على الاخر دراهم مسماة فذلك جائز لان بعض ما أخذ من البناء عوض مستحق له بالقسمة وبعضه مبيع له بما

[ 27 ] نقد من الد راهم وكذلك لو أخذ أحدهما السفل والآخر العلو واشترط أحدهما على صاحبه دراهم مسماة لان السفل مع العلو كالبيتين المتجاورين يجوز بيع كل واحد منهما فكذلك يجوز اشترط فضل الدراهم على أحدهما في قسمة العلو والسفل شرط ذلك على صاحب العلو أو على صاحب السفل والله أعلم (باب قسمة الدور بتفضيل بعضها على البعض بغير دراهم) (قال رحمه الله وإذا كانت الدار بين رجلين فاقتسماها فأخذ أحدهما مقدمهما وهو الثلث والآخر أخذ مؤخرها وهو الثلثان جاز ذلك) لان المعتبر في القسمة المعادلة في المالية والمنفعة والظاهر أن ذلك لا يتأتى مع اعتبار المساواة في المساحة ومالية مقدم الدار فوق مالية مؤخرها لكثرة الرغبة في المقدم دون المؤخر وتتفاوت المنفعة بحسب ذلك فالقسمة لا تخلو في العادة عن التفاوت في المساحة ولا يعد ذلك ضررا وانما الضرر بالتفاوت في المنفعة والمالية ففى ذلك تعتبر المعادلة بينهما فان كانت الدار بينهما أثلاثا فأخذ صاحب الثلث نصيبه ما بقى من الدار وهو أكثر من حقه فهو جائز بمنزلة البيع لوجود التراضي منهما وقد بينا أن المال الذى لا يجرى فيه الربا يعتبر لجواز المبايعة فيه المراضاة فكذلك ان كان الذي وقع في قسم الآخر ليست له غلة فهو جائز لانه رضي به لغرض له وهو غير متهم في النظر لنفسه فيه ولو اشتراه بمال عظيم جاز شراؤه فكذلك إذا اختار أحدهما أخذه في القسمة بقسمه وإذا اقتسما دارا بينهما على أن لكل واحد منهما طائفة من الدار على ان رفعا طريقا بينهما ولاحدهما ثلثه وللآخر ثلثاه فهذا جائز وان كانت الدار في الاصل بينهما نصفين لان رقبة الطريق ملك لهما محل للمعاوضة فقد شرط أحدهما لنفسه بعض نصيب صاحبه من الطريق عوضا عن بعض ما سلم إليه من نصيبه في المنزل الذي أخذه صاحبه بالقسمة وذلك جائز وان أخذهما طائفة منهما يكون قدر الثلث وأخذ الآخر طائفة تكون قدر النصف ورفعا طريقا بينهما يكون مقدار السدس فهو جائز لانهما نفيا شركتهما في موضع الطريق وقسما ما وراء ذلك على الاخماس فأخذ أحدهما ثلثة أخماسه والآخر خمسه ولو قسما الكل بينهما بهذه الصفة جاز فكذلك إذا اقتسما البعض وبقيا شركتهما في البعض ليكون ذلك طريقا لهما ولو اشترطا أن يكون الطريق بينهما على قدر مساحة مافى أيديهما فهو جائز لانهما لو قسما الكل على هذه المساحة

[ 28 ] جاز فكذلك إذا اشترطا أن يتركاه مشتركا للطريق بينهما على قدر هذه المساحة وكذلك ان شرطا أن يكون الطريق لصاحب الاقل ويكون للآخر ممرة فيه فهو جائز لان عين الطريق مملوك لهما فقد حصل أحدهما نصيبه من عين الطريق لصاحبه عوضا عن بعض ما أخذه من نصيب صاحبه بالقسمة ولكن بقى لنفسه حق الممر في ذلك جائز بالشرط كمن باع طريقا مملوكا له من غيره على أن يكون له حق الممر فان ذلك جائز بمثله بيع السفل على أن يكون حق القرار العلو له عليه وان لم يشترطا شيئا من ذلك فالطريق بينهما على قدر ما ورثا لانهما نفيا شركتهما في قدر الطريق فيبقى في هذا الجزء عين ماكان لهما من الشركة في الكل وإذا كانت دار بين رجلين وبينهما شقص من دار أخرى فاقتسماها على أن يأخذ أحدهما الدار والآخر الشقص ولم يسميا سهام الشقص لم يجز ذلك للجهالة فان أقرا أنهما كان يعرفان كم هو يوم اقتسما فهو جائز لان عين التسمية في العقد غير مقصودة بل المقصود اعلام المتعاقدين بها وقد تصادقا على أنه كان معلوما لهما وان عرف ذلك أحدهما وجهله الآخر فالقسمة مردودة وقد بينا في كتاب الشفعة انه إذا اشترى نصيب فلان من الدار فان كان المشترى يعلم كم نصيبه جاز البيع وان كان البائع يعلم ذلك دون المشترى لم يجز في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله ويجوز في قول أبى يوسف الآخر رحمه الله وينبغى أن يكون الجواب في القسمة علي ذلك التفصيل أيضا وقيل بل هذا الجواب صحيح في القسمة وهو قولهم جميعا لان المعتبر في القسمة المعادلة في المنفعة والمالية ولا يصير ذلك معلوما لكل واحد منها الا إذا كان الشقص معلوما لكل واحد منهما فلهذا قلنا إذا جهل أحدهما ذلك فالقسمة مردودة فاما البيع عقد معانية يقصد للاسترباح والمشترى هو الذى يقبض البيع فيشترط أن يكون مقداره معلوما له فاما حق البائع في الثمن معلوم فلتحقيق هذا المعنى يظهر الفرق وإذا اقتسم الرجلان دارا على أن أخذ أحدهما الثلث من مؤجرها بجميع حقه وأخذ الثلثين من مقدمها بحقه فهو جائز وان كان فيه غبن لانهما تراضيا عليه والقسمة نظير البيع فلا يمتنع جوازها بسبب الغبن عند تمام التراضي من المتعاقدين عليه وما لم تقع الحدود بينهما والتراضي بعد القسمة فلكل واحد منهما أن يرجع كما في البيع قبل تمام العقد بالايجاب والقبول لكل واحد منهما أن يرجع فكذلك في القسمة وتمام القسمة بوقوع الحدود بينهما وإذا كانت أقرحة الارض متفرقة بين رجلين فهي كالدور عند أبى حنيفة رحمه الله يقسم كل قراح بينهما

[ 29 ] على حدة الا إذا تراضيا على أن يقسما الكل قسمة واحدة وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ينظر القاضي في ذلك فيقسمها بينهم على أعدل الوجهين كما هو مذهبهما في الدور وهذا لان الاراضي المتفرقة تتفاوت فيما هو المقصود منهما في العلة والصلاحية للرطبة والكرم وغير ذلك بمنزلة تفاوت الدور المتفرقة تتفاوت فيما هو المقصود منها أو أكبر من ذلك فكما أن هناك لتعذر المعادلة في المنفعة قال أبو حنيفة رحمه الله تقسم كل دار على حدة فكذلك الجواب في الاقرحة وإذا كانت القرية ميراثا بين قوم اقتسموها فاصاب أحدهم قراح وغلات في قراح وأصاب الآخر قرحا كرم فهو جائز لان هذا النوع من القسمة يعتمد الرضا وما أصاب كل واحد منهما غير مال متقوم يجوز بيعه فيجوز استحقاقه بالقسمة أيضا وإذا أصاب بعضهم بستان وكرم وبيوت وكتبوا في القسمة بكل حق هو لها أولم يكتبوا ذلك فله ما فيها من الشجر والبناء ولا يدخل في ذلك الثمر والزرع وقد بينا هذا في كتاب الشفعة في البيع فهو كذلك في القسمة وان كتبوا بكل قليل وكثير هو فيها أو منها دخل ذلك في القسمة وفى كتاب المزارعة قال لايدخل الزرع والثمر بهذا اللفظ ولكن قال هناك بكل قليل وكثير هو فيها ومنها من حقوقها فيما ذكر في آخره يتبين ان المراد ادخال الطريق والشرب دون الزرع والثمر وهناك أطلق بكل قليل وكثير هو فيها أو منها والثمر والزرع من هذه الجملة فعند إطلاق اللفظ تدخل في القسمة ومن جعل المسألة على روايتين فقد بينا وجه الروايتين في كتاب الشفعة وإذا اقتسم نفر بينهم أرضا على أن لا طريق لهم ولاشرب ورضوا بذلك فهو جائز لوجود التراضي منهم على التزام الضرر إلا أنهم قالوا القاضي لا يشتغل بهذه القسمة وان تراضوا عليه لان القاضى لا يشتغل بما لا يفيد ولكن ان فعلوا ذلك لم يمنعهم من ذلك كما لو طلبوا من القاضى قسمة الحمام بينهم لا يفعل وذلك وان فعل ذلك لم يمنعهم من ذلك وان كانت أرض بين قوم لهم نخل في غير أرضهم فاقتسموا على أن يأخذ اثنان منهم الارض وأخذ الثالث النخيل باصولها فهذا جائز لان النخلة بمنزلة الحائط منها ولو شرط لاحدهم في القسمة حائطا ينصبه جاز فكذلك النخلة وان شرطوا أن لفلان هذه القطعة وهذه النخلة وهو في غير تلك القطعة وللآخر قطعة وللثالث القطعة التى فيها تلك النخلة فاراد أن يقطع النخلة فليس له ذلك والنخلة لصاحبها باصلهالما بينا أن النخلة كالحائط وتسمية الحائط في القسمة يستحقه بأصله فكذلك تسمية النخلة وهذا لانها نخلة ما لم تقطع فاما بعد القطع هو جذع فمن ضرورة

[ 30 ] استحقاق النخلة استحقاق أصلها وكذلك على هذا لو أقر لانسان بنخلة استحقاقها بأصلها وذكر في النوادر في البيع اختلافا بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله قال عند أبى يوسف رحمه الله يستحقها باصلها وعند محمد رحمه الله لا يستحق بأصلهاإلا بالذكر فقيل الجواب في الاقرار كالجواب في البيع على الخلاف فأبو يوسف رحمه الله يسوى بين القسمة والبيع ومحمد رحمه الله يفرق بينهما فنقول في القسمة بعض نصيب أحدهما باعتبار أصله ملكه وأصل ملكه فيها نخلة وانما تكون نخلة قبل القطع فمن ضرورة استحقاقه البعض باصله استحقاق جميع النخلة باصلها وكذلك في الاقرار فهو اخبار بملك النخلة له وانما تكون نخلة باصلها فاما البيع ايجاب ملك مبتدا فلا يستحق به الا المسمى فيه والنخلة اسم لما ارتفع من الارض لا الارض فلا يجوز أن يثبت له الملك ابتداء في شئ من الارض بتسمية النخلة في البيع فلهذا يشترط فيه ذكر الاصل فان قطعها فله أن يغرس مكانها مابدا له لانه قد استحق له ذلك من الارض فكما كان له أن يبقى الاولى فيها قبل القطع فكذلك له أن يغرس مكانها أخرى فان أراد أن يمر إليها فمنعه صاحب الارض فالقسمة فاسدة لانها وقعت على الضرر فلا طريق له الي نخلته وقد بينا أن القسمة متى وقعت على ضرر فهى فاسدة وان الطريق الخاص لايدخل الا بذكر الحقوق والمرافق فان كانوا ذكروا في القسمة بكل حق هو لها فالقسمة جائزة وله الطريق إلى نخلته لانه نص على شرط الحقوق والمرافق ولا يقصد بهذا اللفظ الا شرط الطريق فكأنه شرط الطريق إلى نخلته أيضا وإذا كانت قرية وأرض ورحا ماء بين نفر فاقتسموها فاصاب رجل الرحاء وأصاب الآخر أقرحة معلومة وأصاب الاخر بيوت وأقرحة فاقتسموها بكل حق هو لها فأراد صاحب النهر أن يمر إلى نهره في أرض قسمة فمنعه ذلك ليس له أن يمنعه وله الطريق إلى نهره إذا كان نهره في وسط أرض وهذا ولا يخلص إليه الا بذلك لانه لا يتمكن من الانتفاع بنهره ما لم يخلص إليه ولا طريق له إلى ذلك الا في أرض قسيمه وقد اشترط في القسمة كل حق هو لها فعرفنا انه انما شرط ذلك لاجل هذا الطريق والطريق بالشرط يصير مستحقا له في نصيب قسيمه وان كان النهر منعرجا مع حد الارض له طريق إليه في غير الارض لم يكن له أن يمر في أرض هذا لان القسمة لتمييز ملك أحدهما من ملك الآخر وتمام ذلك بان لا يبقي لاحدهما حق في نصيب الآخر واتمام القسمة في هذا الفصل ممكن بهذه الصفة فلا يستحق الطريق بذكر الحقوق والمرافق وفي الاول

[ 31 ] لا يمكن اتمام القسمة بهذه الصفة فيجعل الطريق مستحقا له بذكر الحقوق وقد تقدم بيان هذا الفرق في البيت والصفة وان كان في وسط أرض هذا ولم يشترطوا المرافق والطريق ولا كل حق هو لها ولا كل قليل وكثير هو فيها أو منها فلا طريق له في أرض هذا لما بينا انه لا يستحق في نصيب قسيمه حقا من غير لفظ يدل عليه في القسمة والقسمة فاسدة لانها وقعت على ضرر الا أن يقدر على أن يمر في بطن النهر بان انكشف الماء عن موضع من النهر فان قدر على هذا فالقسمة جائزة وطريقه في بطن النهر ليمكنه من الانتفاع بنصيبه بهذه الصفة وطريقه لافي بطن النهر زيادة منفعة له ولم يشترط ذلك لنفسه فلا يستحقه ولا تبطل القسمة لاجله مع تمكنه من الانتفاع بنصيبه لان حرمانه هذه الزيادة بتركه النظر لنفسه عند القسمة وان كان للنهر مسناة من جانبيه يكون طريقه عليها فهو جائز وطريقه عليها دون أرض صاحبه وان ذكر الحقوق في القسمة لتمكنه من الانتفاع بالنهر بالتطرق على مسناته وان لم يذكروا المسناة في القسمة فاختلف صاحب النهر والارض فيها فهى لصاحب النهر لملتقى طينه وطريقه في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وقال أبو حنيفة رحمه الله هو لصاحب الارض وهذا بناء على مسألة كتاب الشرب أن عند أبى حنيفة رحمه الله لا حريم للنهر وعندهما للنهر حريم من جانبيه مثل عرض بطن النهر فإذا كان عندهما للنهر حريم كان اشتراط النهر لاحدهما في القسمة اشتراطا لحريمه له فهو أولى به وعند أبى حنيفة رحمه الله لاحريم للنهر وقد جعلا في القسمة النهر حدا لملك صاحبه والمسناة من جنس الارض يصلح لما يصلح له الارض من الغرس والزراعة ولا يصلح لما يصلح له من اجراء الماء فيه فيكون صاحب الارض أولى به وان لم يكن للنهر طريق الا في أرض لقسيمه واشترطوا عليه أن لا طريق له في هذه الارض فهو جائز ولا طريق له إذا علم يومئذ أنه لا طريق له لان فساد القسمة لدفع الضرر عنه وقد رضى هو بالتزام الضرر والشرط أملك وكذلك النخلة والشجرة نصبت احداهما في أرض الاخر واشترطا أن لا طريق له في أرض صاحبه فهو والنهر سواء ولو كان نهر يصب في أجمه كان لصاحبه ذلك المصب على حاله لانه محتاج إليه مستعجل له وقد وقعت القسمة على هذه الصفة فيترك على ذلك لما بينا في جذوع لاحدهما على حائط الاخر فالمصب يجوز أن يكون مستحقا لصاحب النهر في ملك الغير كالجذوع وإذا كان نهر لرجل يمر في ملك رجل آخر فاختلفا في مسناة على النهر فهى لرب الارض في قول أبى حنيفة رحمه الله وعندهما للمسناة لصاحب النهر وهذا بناء على مسألة

[ 32 ] حريم النهر وعلى سبيل الابتداء هما يقولان لصاحب النهر في المسناة يد من حيث الاستعمال فانه بالمسناة من الجانبين يجرى ماؤه في النهر مستويا والاستعمال يد وعند المنازعة القول قول ذى اليد ولابي حنيفة ان الظاهر يشهد لرب الارض لان المسناة من جنس الارض يصلح لما يصلح له الارض وملك الاخر في النهر وهو العمق الذي يجرى فيه الماء وما وراء ذلك يكون لصاحب الارض باعتبار الظاهر حيث يثبت للاخر استحقاقه بالحجد الا أنه ليس له أن يهدمها فان ذلك يضر بالنهر لان الماء يفيض عدم المسناة فهو مملوك لصاحب الارض ولصاحب النهر فيه حق استمساك الماء به فلا يهدمها لحقه كحائط لانسان عليه جذوع لاخر ليس لصاحب النهر أن يهدمه ولكن لصاحب الارض أن يغرس على المسناة مابدا له لانه يتصرف في ملكه وليس فيه ابطال حق صاحب النهر فهو بمنزلة حائط سفله لرجل وعلوه لاخر ولصاحب العلو أن يحدث على علوه مابدا له ما لم يضر بالسفل وإذا كانت القرية والارض بين قوم اقتسموا الارض مساحة على ان من أصابه شجر أو بيوت في أرضه فهى عليه بقيمتها دراهم فهو جائز وهذا استحسان بمنزلة رجلين يقتسمان دارا على ان لكل واحد منهما ما أصابه من البناء بالقيمة فهو جائز وان لم يسميا ذلك استحسانا وقد بيناه قال ألا ترى أنه لو كانت دار بين رجلين فيها ساحة وبناء لهما ولاخر فاقتسماها على أن أخذهما الساحة وأخذ الاخر موضع البناء على أن البناء بينهم على حاله ثم أراد الذي أصابه الساحة أن يأخذ نصيبه من البناء لم يكن له ذلك لان فيه ضررا على صاحبه ولكن له قيمة حقه من ذلك أجبره عليه فإذا كنت أجبره على أخذ القيمة بغير شرط فهى إذا كان بشرط أجوز وان لم يسميا ذلك ومعنى هذا أن البناء وصف للساحة وتبع لها فإذا استويا في ملك البيع وتفرد احدهما بملك الاصل كان لصاحب الاصل أن يتملك على شريكه من الوصف بالقيمة ألا ترى أن صبغ الغير لو اتصل بثوب الغير كان لصاحب الثوب أن يتملك الصبغ على صاحبه بالقيمة باعتبار انه وصف لملكه وهذا بخلاف مااذا كان البناء كله لانسان في ساحة الغير لان هناك صاحب البناء يتمكن من رفع بنائه من غير اضرار بصاحب الساحة فلا يكون لصاحب الساحة حق تملك البناء عليه بغير رضاه وأما إذا كان البناء مشتركا فهو لا يتمكن من رفع نصيبه من البناء بدون الاضرار بصاحب الساحة لانه ما لم يرفع جميع البناء لا يمكن قسمته بينهما فلهذا كان لصاحب الاصل أن يرفع الضرر عن نفسه ويتملك نصيبه عليه بضمان القيمة توضيحه أن البناء تبع من وجه حتى يدخل في

[ 33 ] بيع الاصل من غير ذكر كالصبغ في الثوب وهو أصل من وجه حتى يجوز بيعه على الانفراد فيوفر حظه على الشبهين فلشبهه بما هو أصل لا يكون لصاحب الارض أن يتملك على صاحب البناء جميع البناء بغير رضاه ولشبهه بالبيع يكون له عليه أن يتملك نصيبه من البناء إذا كان مشتركا بينهما وان اشترطوا ذلك بدنانير فالدنانير كالدراهم في انها لا تستحق إلا ثمنا في الذمة وكذلك ان اشترطوا مكيلا أو موزونا موصوفا في الذمة فذلك ثمن بمقابلة العين والبناء عين فاشتراط المكيل والموزون في الذمة بمقابلة البناء بمنزلة اشتراط الثمن فهو كاشتراط الدراهم والدنانير وان شرطوا شيئا من ذلك بعينه أو من غير ذلك من العروض والحيوان فذلك باطل لانه مبيع يرد عليه العقد مقصودا فجهالته عند العقد تكون مبطلة للعقد وهذا لان الثمن معقود به (ألا ترى) أن قيامه في ملك المشترى عند العقد ليس بشرط لصحة العقد فكذلك ترك تسمية المقدار فيه عند ابتداء القسمة لايمنع جواز القسمة إذا كان معلوم المقدار عند تمام القسمة فاما العين يكون معقودا عليه ويشترط وجوده في ملك العاقد وقدرته على تسليمه عند العقد فكذلك يشترط أن يكون معلوما بالتسمية عند العقد أو بالاشارة إلى عينه وهذا لانه إذا لم يكن معلوما فهو يكون مشتريا للعين بقيمته وذلك لا يجوز وفي الثمن هنا يقتسمان المشترى بعضه بالمساحة وبعضه بالقيمة وذلك جائز والفضة والذهب التبر والاواني المصوغة في هذا بمنزل المكيل والموزون بعينه وهذا دليل على أن يتعين التبر وانه يستحق مبيعا وقد تقدم الكلام فيه في كتاب الشركة والصرف ولو أقامت الورثة البينة على المواريث وسألوا القاضى قسمته وعلى الميت دين وصاحب الدين غائب لم يقسم شيئا من أجناس التركة لان الدين مقدم على الميراث والقسمة ليتوصل كل واحد من الشركاء إلى الانتفاع بنفسه وذلك للورثة بعد قضاء الدين قال الله تعالى من بعد وصية يوصى بها أو دين فلا يشتغل القاضي بالقسمة قبل قضاء الدين كما لا يشتغل به في حياة المورث فان كان الدين أقل من التركة فسألوه أن يوقف منها قدر الدين ويقسم الباقي فعل ذلك استحسانا وفي القياس لا يفعل لان الدين شاغل لك جزء من أجزاء التركة حتى لو هلك جميع التركة الا مقدار الدين كان ذلك لصاحب الدين وهذا القياس قول أبى حنيفة الاول ولكنه استحسن وقال قل ما تخلو التركة عن دين يسير ويقبح أن يوقف عشرة آلاف درهم بدين عشرة دراهم فالاحسن أن ينظر الفريقين جميعا فيقف من التركة قدر الدين لحق الغرماء ويقسم ما زاد على ذلك بين

[ 34 ] الورثة مراعاة لحقهم وفيه نظر للميت أيضا من حيثح ح أن وارثه يقوم بحفظ ما يصيبه من ذلك ويكون ذلك مضمونا عليه ما لم يصل إلى صاحب الدين حقه ولا يأخذ كفيلا بشئ من ذلك أرأيت لو لم يجد الوارث من يكفل عنه أولم يجد الغريم من يكفل عنه أيسع القاضي امساك حقه وهو يعرف أنه حقه وانما يطلب الكفيل بشئ لم يلحقه بعد ولكنه يخاف ذلك وعسي لايلحقه شئ وهذا قول أبى حنيفة رحمه الله وفي الجامع الصغير قال هذا شئ احتاطه القضاة وهو جورأى مائل عن طريق القصد فقد بينا المسألة في كتاب الدعوى وان لم يعلم القاضي بالدين سألهم هل هي دين أم لا فان قالو لا فالقول قولهم ويقسم المال بينهم لتمسكهم بالاصل وهو فراغ ذمة الميت عن الدين ولان المال في أيديهم فقد زعموا أنه خالص حقهم فيقبل فيه قولهم ما لم يحضر خصم ينازعهم فان ظهر دين بعد ذلك نقض القسمة بينهم لانه لو كان الدين معلوما لم يشتغل بالقسمة فكذلك إذا ظهر بعد القسمة لانه تبين أن القسمة كانت قبل أوانها فان أوان القسمة بعد قضاء الدين وكذلك لو قسم قبل أن يسألهم عن الدين الا أن يقضوا الدين الذي ظهر قبل أن تنقض القسمة فحينئذ لا ينقضها لارتفاع الموجب لنقضها كمالا ينقض سائر تصرفات الوارث إذا قضى الدين من موضع آخر وكذلك لو لحق وارث آخر لم يعرفه الشهود ولم يشهدوا عليه لان القسمة تنتقض في كلها لانه تبين انها وقعت بغير محضر بن بعض الشركاء ولو لم تنقض القسمة تضرر به هذا الوارث لانه يحتاج إلى أن يستوفي مما وصل إلى كل واحد منهم مقدار نصيبه فيتفرق نصيبه في مواضع فلهذا تنتقض القسمة ويستقبل بينهم وان أقر أحدهم لرجل بدين وجحد ذلك بعضهم قسمت التركة بينهم على المواريث لان الدين المانع من ذلك لا يظهر في حق الجاحدين ثم يؤمر المقر بقضاء الدين من نصيبه إذا كان في نصيبه وفاء بذلك عندنا وعند الشافعي رحمه الله يقضي من نصيبه بقدر حصته وقد بينا المسألة في الاقرار ولو قسم القاضي التركة بينهم ثم أقام رجل البينة أن الميت أوصي له بالف درهم وهي تخرج من ثلثه فالقسمة تبطل لان الوصية بالمال المرسل إذا كان يخرج من الثلث يستحق سابقا على الميراث كالدين فظهور هذه الوصية بعد القسمة كظهور الدين فان غرم الوارث هذه الالف من مالهم مضت القسمة لوصول حق الموصي له بكماله إليه كما لو قضوا الدين وكذلك لو قضى ذلك واحد منهم على أن لا يرجع عليهم بشئ وهو سواء في الدين والوصية وان أراد أن يرجع عليهم لم تجز القسمة لان قيام حقه في التركة كقيام حق صاحب الدين والموصي له

[ 35 ] قبل أن يقضيه في المنع من القسمة الا أن يقضوه بالحصص فان فعلوا ذلك قبل نقض القسمة فالقسمة ما فيه ولو كان صاحب الوصية أقام البينة على أنه أوصى له بالثلث أبطلت القسمة لان الموصى له بالثلث شريك الورثة في التركة حتى تزداد حصته بزيادة التركة وتنقص بنقصان التركة فثبوت وصيته بالبينة كظهور وارث آخر لم يكن معلوما وقت القسمة فتنتقض القسمة لحقه وإذا كانت القرية وأرضها بين رجلين بالشراء فمات أحد وترك نصيبه ميراثا فاقام ورثته البينة على الميراث وعلى الاصل وشريك أبيهم غائب لم يقسم حتى يحضر الغائب لان حضور ورثة الميت لو كان حيا وقد بينا في الشركة في المشتراة ان غيبة بعض الشركاء يمنع القاضي من القسمة وان قامت البينة على الشراء فهذا مثله ولو حضر الغائب وغاب بعض الورثة قسمتها بينهم لان من حضر من الورثة قائم مقام الميت وحضوره كحضور الميت لو كان حيا ولان بعض الورثة في التركة خصم عن البعض وحضور بعضهم كحضور جماعة اما وارث الميت لا يكون خصما عن شريكه المشترى معه فلهذا لا يشتغل بالقسمة عند غيبة الشريك ولو كان الاصل بين رجلين ميراثا من أبيهما فمات أحدهما وترك نصيبه ميراثا بين ورثته فحضروا وغاب عمهم وأقاموا البينة على أصول ميراث الجد قسمتها بينهم ويعزل نصيب عمهم وكذلك لو كان عمهم حاضرا وغاب بعض بنى أخيه لان الاصل ميراث هنا وفي الميراث بعض الورثة يكون خصما عن البعض فيجعل حضور بعضهم كحضور جماعتهم للقسمة عند اقامة البينة ويعزل نصيب كل غائب من ذلك كما لو كانت الشركة بالميراث بينهم من رجل واحد وإذا اقتسم القوم القرية وهى ميراث بينهم بغير قضاء قاض وفيهم صغير ليس له وصى أو غائب ليس له وكيل لم تجز القسمة لانه لاولاية لهم على الغائب والصغير والظاهر أن نظرهم لانفسهم في هذه القسمة فوق نظرهم للغائب والصغير بخلاف القاضي إذا قسم بينهم فله ولاية النظر على الصبي والغائب والظاهر انه ينظر له شفقة لحق الدين بعجزه عن النظر لنفسه وكذلك لو اقتسموها بامر صاحب الشرط أو عامل غير القاضي كالعامل على الرستاق أو الطسوج على الخراج أو على المعونة لانه لا ولاية لهؤلاء على الغائب والصغير فوجود أمرهم كعدمه وكذلك لو رضوا بحكم بعض الفقهاء فسمع من بينهم على الاصل والميراث ثم قسمها بينهم بالعدل وفيهم صغير لاوصى له أو غائب لا وكيل له لم تجز لان الحكم لا ولاية له على الغائب والصبي فانه صار حكما بتراضى الخصوم فيقتصر ولايته على من وجد منه الرضا بحكمه فان أجاز الغائب أو

[ 36 ] كبر الصبي فاجاز فهو جائز لان هذا العقد مجيزا حال وقوعه (ألا ترى) أن القاضي لو أجاز جاز وهو نظير مالو باع إنسان مال الصبي فكبر الصبي وأجاز ذلك وان مات الغائب أو الصغير فاجاز وارثه لم يجز في القياس وهو قول محمد رحمه الله لان الملك حادث للورثة فلا تعمل اجازة الوارث كما لو باع إنسان ماله وأجاز وارثه بعد موته البيع لم يجز ذلك لهد المعنى وفي الاستحسان يجوز وهو قولهما لان الوارث يخلف المورث فأجازته بعد موته كاجازة المورث في حياته وحرف الاستحسان وبه يتضح الفرق بين هذا وبين سائر التصرفات أن الحاجة إلى القسمة قائمة بعد موت المورث كما كان في حياته فلو نقضت تلك القسمة احتيج إلى اعادتها في الحال بتلك الصفة وانما تكون اعادتها برضى الوارث فلا فائدة في نقضها مع وجود الاجازة منه لتعاد برضاه بخلاف البيع فانا لو نقضنا ذلك البيع عند الموت لا تقع الحاجة إلى اعادته فالبيع لا يكون مستحقا في كل عين لا محالة فلهذا لا يعمل اجازة الوارث فيه بعد تعين جهة البطلان فيه بموت المورث والله أعلم (باب قسمة الحيوان والعروض) (قال رحمه الله وإذا كانت الغنم بين قوم ميراثا أو شراء فاراد بعضهم قسمتها وكره ذلك بعضهم وقامت البينة على الاصل فان القاضي بقسمها بينهما) لان اعتبار المعادلة في المنفعة والمالية عند اتحاد جنس الحيوان ممكن للتقارب في المقصود فيغلب معنى التمييز في هذه القسمة على معنى المعاوضة وبمعنى التمييز يثبت للقاضي ولاية اجبار بعض الشركاء عليه وكذلك كل صنف من الحيوان أو غيره من الثياب أو ما يكال أو يوزن فعند اتحاد الجنس يجبر القاضي على القسمة عند طلب بعض الشركاء الا في الرقيق فان أبا حنيفة رحمه الله يقول لا يقسم الرقيق بينهم إذا كره ذلك بعضهم وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يقسم ذلك بينهم بطلب بعضهم لان الرقيق جنس واحد إذا كانوا ذكورا أو إناثا ومراعاة المعادلة في المنفعة ممكن لتقارب المقصود فيقسمها بينهم عند طلب بعضهم كما في سائر الحيوانات (ألا ترى) أن الرقيق كسائر الحيوانات في سائر العقود من حيث أنها تثبت في الذمة مهرا ولا تثبت سلما فكذلك في القسمة يجعل الرقيق كسائر الحيوانات والدليل عليه أن الرقيق يقسم في الغنيمة كسائر الاموال فكذلك في القسمة بين الشركاء وأبو حنيفة رحمه الله يقول التفاوت في الرقيق أظهر منه في الاجناس المختلفة فان الاجناس

[ 37 ] المختلفة قد تتفاوت في المالية والرقيق يتفاوت تفاوتا فاحشا ثم قسمة الجبر لا تجري في الاجناس المختلفة فكذلك في الرقيق وهذا لان المعتبر المعادلة في المالية والمنفعة وذلك يتفاوت في الادمى باعتبار معاني باطلة لا يوقف عليها حقيقة كالدهن والكتابة وقد يرى الانسان من نفسه ما ليس فيه حقيقة أو أكثر مما هو فيه فيتعذر اعتبار المعادلة في المالية وبترجح معنى المعاوضة في هذه القسمة على معنى التمييز فلا يجوز الا بالتراضي والدليل على الفرق بين الرقيق وسائر الحيوانات أن الذكور والاناث في سائر الحيوانات جنس واحد وفي الرقيق هما جنسان حتى إذا اشترى شخصا على أنه عبد فإذا هي جارية لم يجز الشراء بخلاف سائر الحيوانات وما كان ذلك الا باعتبار معنى التفاوت وهذا بخلاف قسمة الغنيمة فانها تجري في الاجناس المختلفة وكان المعنى فيه أن حق الغانمين في معنى المالية دون العين حتى كان للامام بيع المغانم وقسمة الثمن فانما يعتبر اتصال مقدار من المالية إلى كل واحد منهم فاما في الشركة الملك حق الشركاء في العين والمالية فللامام حق التمييز بالقسمة على طريق المعادلة وليس له ولاية المعاوضة فإذا كان يتعذر اعتبار المعادلة هنا بطريق التمييز لا يثبت للقاضي ولاية الاجبار على القسمة الا أن يكون مع الرقيق شي ء آخر من غنم أو ثياب أو متاع فحينئذ يقسم ذلك كله وكان أبو بكر الرازي رحمه الله يقول تأويل هذه المسألة أنه يقسم ذلك برضاء الشركاء فاما مع كراهة بعضهم القاضي لا يقسم لانه إذا كان عند اتحاد الجنس في الرقيق لا يقسم قسمة الجبر عند أبى حنيفة رحمه الله فعند اختلاف الجنس أولى والاظهر أن قسمة الجبر هنا تجري عند أبى حنيفة رحمه الله باعتبار أن الجنس الاخر الذي هو مع الرقيق يجعل أصلا في القسمة وحكم القسمة جبرا يثبت فيه فيثبت في الرقيق أيضا تبعا وقد يثبت حكم العقد في الشئ تبعا وان كان لا يجوز اثباته فيه مقصودا كالشرب والطريق في البيع والمنقولات في الوقت وكانه استحسن ذلك لانه قال ما تخلو تركة يحتاج فيها إلى قسمة القاضي عن الرقيق وإذا كان مع الرقيق شئ آخر فباعتبار المعادلة في المالية يتيسر بخلاف مااذا كان الكل رقيقا فعند مقابلة الرقيق بالرقيق يعظم الغبن والتفاوت وعند مقابلة الرقيق بمال آخر يقل التفاوت وان كان الذي بين الشركاء ثوب زطي وثوب هروى وبساط ووسادة لم يقسمه الا برضاهم لان في الاجناس المختلفة القسمة تكون بطريق المعاوضة فان كل واحد من الشريكين يتملك على شريكه نصيبه من الجنس الذي يأخذ عوضا عما يملكه من نصيب نفسه من الجنس الاخر وفي المعاوضات لابد من

[ 38 ] التراضي فان كان في الميراث بينهم رقيق وثياب وغنم ودور وضياع فاقتسوها بينهم وأخذ كل واحد منهم صنفا جاز ذلك لوجود التراضي منهم على انشاء المعاوضة وان رفعوا إلى القاضي قسم كل صنف بينهم على حدة ولا يضيف بعضها إلى بعض لان للقاضي ولاية التمييز بالقسمة وانما يغلب معنى التمييز إذا قسم كل واحد من صنف على حدة ولان القاضي يعتبر المعادلة في كل ما يتهيأ له اعتباره وقسمة كل صنف على حدة أقرب إلى المعادلة فأما اتفاقهم على القسمة يعتمد التراضي دون المعادلة وإذا تمت بتراضيهم بعد ذلك كيف وقعت القسمة وإذا كانت الغنم بين رجلين فقسهما نصفين ثم أقرعا فأصاب هذا طائفة وهذا طائفة ثم ندم أحدهما وأراد الرجوع فليس له ذلك لان القسمة قد تمت بخروج السهام وكذلك لو رضيا برجل قسمها ولم يألوا أن يعدل في ذلك ثم أقرع بينهما هو جائز عليهما لان فعله بتراضيهما كفعلهما وان تساهموا عليها قبل أن يقسموها فأيهم خرج سهمه عدوا له الاول فالاول فهذا يجوز لانه مجهول لايعرف ما يصيب كل واحد منهم بالقسمة وفي القسمة معنى البيع فالجهالة التى تفضى إلى المنازعة تفسدها كما تفسد البيع وان كان في الميراث ابل وبقر وغنم فجعلوا الابل قسما والغنم قسما والبقر قسما ثم تساهموا عليها وأقرعوا على أن من أصابه الابل رد كذا درهما على صاحبيه نصفين فهو جائز لان القسمة لا تتم بينهم الا بخروج القرعة وعند ذلك من وجب عليه الدراهم ومن وجب له معلوم بخلاف الاول فهناك عند خروج القرعة ما يأخذه كل واحد ممن خرجت القرعة باسمه مجهول فيما يتفاوت فان ندم أحدهم بعد ما وقعت السهام لم يستطع نقض ذلك لان القسمة تمت بالتراضى فان رجع عن ذلك قبل أن يقع السهام فله ذلك لان القسمة لم تتم بعد ونفوذ هذه القسمة باعتبار المراضات فيعمل الرجوع من كل واحد منهم قبل تمامها كما في البيع يصح الرجوع بعد الايجاب قبل القبول وكذلك ان وقع سهم وبقى سهمان فرجع عن ذلك جاز رجوعه وان وقعت السهام كلها الا سهم واحد لم يكن لبعضهم أن يرجع بعد ذلك لان القسمة قد تمت فبخروج سائر السهام يتعين ما يصيب السهم الباقي خرج أو لم يخرج وان كان الثوب بين رجلين فاراد أحدهما قسمته لم يقسم لان في قسمته ضررا فانه يحتاج إلى قطع الثوب بينهما وفي قطعه اتلاف جزء منه فلا يفعله القاضي مع كراهة بعض الشركاء فان رضيا بذلك جميعا قسمه بينهما لوجود الرضا منهما بالتزام هذا الضرر وقد قال بعض مشايخنا القاضي لا يفعل ذلك وان تراضيا عليه ولكن ان اقتسما فيما بينهما لم يمنعهما من ذلك لان في هذه

[ 39 ] القسمة اتلاف جزء والقاضي بقضائه يحصل ولا يتلف وقد تقدم نظيره فيما لا يحتمل القسمة كالحمام وغيره فان اقتسماه فشقاه طولا أو عوضا بتراض منهما فهو جائز وليس لواحد منهما ان يرجع بعد تمام القسمة وان كانت الثياب بين قوم ان اقتسموها لم يصب كل واحد منهم ثوب تام فان القاضي لا يقسمها بينهم لانها تحتاج إلى القطع وفيه اتلاف جزء وان تراضوا بينهم على شئ جاز ذلك ولو كانت ثلاثة بين رجلين فأراد أحدهما قسمتها وأبى الاخر فانى انظر في ذلك ان كانت قسمتها تستقيم من غير قطع بان تكون قيمة ثوبين مثل قيمة الثالث فان القاضي يقسمها بينهما فيعطى أحدهما ثوبين والاخر ثوبا وان كان لا يستقيم لم أقسمها بينهم الا ان تراضوا فيما بينهم على شئ هكذا قال في الكتاب والاصح أن يقال ان استوت القيمة وكان نصيب كل واحد منهما ثوب ونصف فانه يقسم الثوبين بينهما ويدع الثالث مشتركا وكذلك ان استقام أن يجعل أحد القسمين ثوبا وثلثي الاخر والقسم الاخر ثوبا وثلث الاخر أو أحد القسمين ثوبا وربعا والاخر ثوبا وثلاثة أرباع فانه يقسم بينهم ويترك الثوب الثالث مشتركا لانه تيسير عليه التمييز في بعض المشترك ولو تيسر ذلك في الكل كان يقسم الكل عند طلب بعض الشركاء فكذلك إذا تيسر ذلك في البعض والله أعلم بالصواب (باب الخيار في القسمة) (قال رحمه الله وإذا اقتسما الشريكان عقارا أو حيوانا أو متاعا ولم ير أحدهما قسمه الذي وقع له ثم رآه فهو بالخيار ان شاء رد القسمة وان شاء أمضاها) واعلم بان هذه المسائل في قسمة يتفقان عليها دون ما يفعله القاضي فله ولاية اجبار الشركاء عند طلب بعضهم فلا معنى لاثبات خيار الرؤية فاما فيما لا يتفقان عليه القسمة تعتمد التراضي كالبيع فكما أن في البيع الرضا لايتم الا برؤية العين الذي يدخل في ملكه فكذلك في القسمة والمكيل والموزون والذهب التبر وأوان الذهب والفضة والجواهر في ذلك كله سواء وإذا كانت الفا درهم بين رجلين كل الف في كيس فاقتسما على أن أخذ أحدهما كيسا والاخر أخذ الكيس الاخر وقد رأى أحدهما المال كله ولم يره الاخر فالقسمة جائزة على الذي رآه وعلى الذي لم يره ولاخيار لواحد منهما في ذلك على قياس البيع فان عدم الرؤية في الثمن لا يثبت الخيار للبائع فكذلك في القسمة والمعنى ان الدراهم والدنانير اثمان محضة ولا مقصود في عينها انما المقصود الثمنية وبمعرفة المقدار

[ 40 ] يصير المقصود معلوما على وجه لا يتفاوت ضم الرضا به قبل الرؤية بخلاف سائر الاعيان الا أن يكون قسم الذي لم ير المال شرهما فيكون له الخيار لانه انما رضي بقسمه على أن يكون في الصفة مثل ما أخذه صاحبه فإذا كان دون ذلك لم يتم رضاه فيخير في ذلك كما لو رأى عند الشراء جزءا من المكيل أو الموزون ثم كان ما بقى شرا مما رأى فانه يثبت له الخيار فإذا اقتسم الرجلان دارا وقد رأى كل واحد منهما ظاهر الدار وظاهر المنزل الذي أصابه ولم يرجو فيه فلا خيار لهما إلا على قول زفر رحمه الله وقد بينا المسألة في البيوع ان برؤية الظاهر من حيطان الدار المشتراة يسقط خيار الرؤية عندنا ولا يسقط عند زفر رحمه الله ما لم يدخلها فكذلك القسمة وكذلك ان اقتسما بستانا وكرما فأصاب أحدهما البستان والاخر الكرم ولم ير واحد منهما الذي أصابه ولا رأى جوفه ولانخله ولاشجره ولكنه رأى الحائط من ظاهره فلا خيار لواحد منهما ورؤية الظاهر مثل رؤية الباطن وبه يتبين أن قول من يقول جوابه في الدار بناء على دور الكوفة فانها لا تتفاوت الافي السعة والضيق ضعيف جدا ففى البستان المقصود يتفاوت بتفاوت الاشجار والنخيل ولم يشترط رؤية شئ من ذلك عرفنا ان المعنى فيه ان ما يتعذر الاستقصاء برؤية كل جزء منه مقام رؤية الجميع في اسقاط خيار الرؤيه وكذلك في الثياب المطويه يجعل رؤية جزء من ظاهر كل ثوب كرؤية الجميع في اسقاط الخيار واشتراط الخيار في القسمة جائز فهو في البيع لانها في اعتبار تمام الرضا كالبيع وفي احتمال الفسخ كذلك والخيار بعدم تمام الرضا فانما يشترط الفسخ أولئلا يثبت صفة اللزوم مع بقاء الخيار في جانب من شرط الخيار لنفسه فان مضت الثلاثة ثم ادعى أحدهما الرد بالخيار في الثلاثة وادعي الاخر الاجازة فالقول قول مدعى الاجازة لان مضى المدة قبل ظهور الفسخ متمم للعقد فمن يدعى الاجازة يتمسك بما يشهد له الظاهر به وان أقاما البينة فالبينة بينة من يدعى الرد لان بينته تثبت الفسخ وهو المحتاج إلى الاثبات دون صاحبه وسكنى الدار التى وقعت في سهم صاحب الخيار رضا منه بها وابطال للخيار وقد بينا اختلاف الروايات في هذه المسألة في البيوع وان مراده حيث يقول ذلك رضا منه إذا تحول إليها وسكنها بعد القسمة وحيث يقول لا يكون رضا إذا كان ساكنا فيها فاستدام السكنى وكذلك ان بنى أو هدم فيها شيئا أو جصصها أو طين فيها حائط أو ذرع الارض أو سقاها أو قطف الثمرة أو غرس الشجر أو لقح النخل أو كسح الكرم فهو كله رضا لانه تصرف لا يفعل عادة الا في الملك ومباشرته دليل الرضا بملكه في ذلك المحل ودليل

[ 41 ] الرضا كصريح الرضا في سقوط الخيار به ويجوز قسمة الاب على الصغير والمعتوه في كل شئ ما لم يكن عليهما فيه غبن فاحش لان له ولاية البيع عليهما ما لم يكن فيه غبن فاحش ويجعل رضاه في ذلك كرضاهما أن لو كانا من أهل الرضا فكذلك في القسمة وكذلك وصي الاب في ذلك قائم مقام الاب بعد موته فكذلك الجد أب الاب إذا لم يكن وصيا ويجوز قسمة وصي الام إذا لم يكن أحد من هؤلاء فيما سوى العقار من تركة الام لا نه قائم مقام الام في ذلك وتصرفها في ملك ولدها الصغير بالبيع صحيح فيما سوى العقار فكذلك تصرف وصيها بعدها وهذا لان لها ولاية الحفظ والبيع والقسمة فيما سوى العقار فيه معنى الحفظ ولا يوجد ذلك في العقار وكذلك وصي الاخ والعم وابن العم في ميراثه منهم ولايجوز فيه قسمته في ميراثه من غيرهم لان الوصي قائم مقام الموصى فيثبت له ولاية الحفظ عليه فيما ورث منه ولان في حفظ ذلك منفعة للموصى فانه إذا ظهر عليه دين يباع ذلك في دينه وليس له ولاية الحفظ فيما ورث من غيره كما لم يكن للموصي فيه ولاية وهذا ليس في حفظه معنى النظر للموصي انما فيه معنى النظر لليتيم ولا ولاية لوصي العم وابن العم على اليتيم وهذا بخلاف وصى الاب فقد كان للاب ولاية على الصغير في جميع ذلك ووصيه بعده يقوم مقامه وإذا كان له أب أو وصى أو جد لم تجز قسمة وصى هؤلاء فيما سوى العقار في تركتهم عليه لان الاب قائم مقامه أن لو كان حاضرا بالغا وعند ذلك لا يكون لوصي هؤلاء عليه ولاية القسمة في شئ من ذلك فكذلك إذا كان له أب يقوم مقامه وهذا لان نظر الاب له يكون عن شفعة وافرة وولاية كاملة كنظره لنفسه ولا حاجة مع وجوده إلى اعتبار نظر وصي العم له بخلاف حال عدم الاب والوصى ويجوز قسمة وصى الاب على الابن الكبير الغائب فيما سوى العقار لانه قائم مقام الاب فيما يرجع إلى حفظ تركته والقسمة فيما سوى العقار ترجع إلى حفظ التركة ولا تجوز قسمة الام والعم والاخ والزوج على امرأته الصغيرة والكبير الغائب وان لم يكن لاحد منهم أب ولاوصى أب لانه لا ولاية لاحد من هؤلاء على الصغير فلا ينفذ تصرفه من حيث القسمة والبيع عليه وقد بينا انه انما ينفذ عليه من قسمة هؤلاء فيما يرجع إلى الحفظ من تركة الموصى خاصة دون غيره فاما في سائر أموال الصغير هم ووصيهم كالاجانب ولايجوز قسمة الكافر والمملوك والمكاتب على ابنه الحر الصغير المسلم لانه لا ولاية له عليه فالكفر والرق يخرجه من الاهلية للولاية على المسلم ولا تجوز قسمة الملتقط على اللقيط وان كان يعوله لانه لا ولاية له

[ 42 ] عليه في التصرف في ماله بيعا وشراء فالقسمة مثله والوصى الذي يقيمه القاضي في أمر اليتيم بمنزلة وصى الاب إذا جعله وصيا في كل شئ لان له ولاية كاملة على الصغير نعم المال والنفس جميعا كولاية الاب فوصيه أيضا كوصي الاب وان جعله وصيا في النفقة خاصة أو في حفظ شئ عنده لم تجز قسمته لان نصيب القاضي اياه وصيا قضاء منه والقضاء يقبل التخصيص وهذا بخلاف مااذا جعله الاب وصيا في شئ خاص لان ايصاء الاب إليه اثبات الولاية بعد موته والولاية لا تحتمل التجزئ والمعنى في الفرق أن قسم القاضي يتصرف مع بقاء رأى القاضي فلا حاجة إلى اثبات ولايته من غير ما أمر القاضي به لتمكن القاضي من النظر في ذلك بنفسه له فيكون من هذا الوجه نصيب القيم بمنزلة الوكيل فاما وصي الاب انما يتصرف بعد موت الاب وزوال تمكنه من النظر لنفسه فالحاجة تمس إلى تعميم ولايته فيما يحتاج الصبي إلى من ينظر فيه له ومن وجد من الشركاء بنصيبه عيبا بعد تمام القسمة كان له أن يرده بالعيب وينقض القسمة ان كان شيئا واحدا أو كان مكيلا أو موزونا كما ينقض البيع بالرد بالعيب وسواء كانت القسمة باصطلاحهما أو بحكم الحاكم لان الحاكم انما يميز نصيب كل واحد منهما فيما أعطاه على أنه سليم من العيب فيثبت لكل واحد منهما استحقاق السلامة عن العيب سواء كانت القسمة بالتراضى أو بقضاء القاضي فبوجود العيب يفوت ماكان مستحقا له فيتخير لذلك (قال وان كان الذى أصابه عدد من الغنم أو الثياب رد الذي به العيب خاصة بعد القبض كما هو في البيع فانه لو اشترى شاتين وقبضهما ثم وجد باحديهما عيبا رد المعيب خاصة فهذا مثله ويكون المردود بينه وبين أصحابه لانتقاض القسمة فيه بالرد ويرجع في جميع ما أصابهم بقدر ذلك) لان عند الرد بالعيب يكون رجوعه بعوض المردود والعوض حصته هنا مما أصابهم فيرجع عليهم بقدر ذلك كما يرجع في البيع بالثمن إذا رد المبيع بالعيب وان أصابه دار أو خادم فسكن الدار بعد ما رأى العيب أو استخدم الجارية لم يكن هذا رضا بالعيب استحسانا وفي القياس هو رضا لانه تصرف لا يفعله الانسان الا في ملكه عادة فاقدامه عليه دليل الرضا بتقرير ملكه وهو كالعرض على البيع أو زراعة الارض أو طحن الطعام أو قطع الثوب بعد العلم بالعيب ولكنه استحسن فقال الاستخدام والسكنى قد يفعله الانسان في ملك الغير عادة باذن المالك وبغير اذن المالك فلا يكون ذلك دليل الرضا ولانه يفعل ذلك على سبيل الاختيار لينظر أن هذا العيب هل يمكن نقصانا في مقصوده أولا فلا يجعل ذلك دليل الرضا منه وقيل جوابه هنا في السكنى

[ 43 ] بناء على احدى الروايتين في السكنى مدة خيار الشرط إذ لافرق بين الفصلين ومنهم من فرق فقال حقه هنا في المطالبة بالجزء الفائت وفي اسقاط حقه اضرار به ومجرد السكنى منه لا يكون رضا بالتزام الضرر فاما في خيار الشرط حقه في الفسخ فقط وفي جعل السكنى بمنزلة الرضا اسقاط لحقه في الفسخ ولكن ليس في ذلك كثير ضرر (ألا ترى) أنه إذا تعذر رده بخيار الشرط لا يرجع بشئ وان تعذر رده بالعيب رجع بحصته من الثمن وإذا ركب الدابة أو لبس الثوب أو سقى الزرع فهذا رضاء بالعيب لانه تصرف لا يفعله الانسان الافي ملكه عادة وان لبس الثوب لينظر إلى قده أو قال قدره فهذا رضاء بالعيب وليس برضا في الخيار لانه انما يشترط الخيار لهذا حتى ينظر أنه صالح له أم لا ولا يعرف ذلك الا باللبس فلهذا لا يجعل ذلك دليل الرضا منه بسقوط الخيار وفي العيب ثبوت الخيار له لفوات صفة السلامة وتمكن النقصان في المالية ولا تأثير للبس في معرفة ذلك فكأن لبسه الثوب بعد العلم بالعيب دليل الرضا بملكه وإذا باع ما أصابه بالقسمة من الدار ولا يعلم بالعيب فرد المشترى عليه بذلك العيب فان قبله بغير قضاء القاضي فليس له أن ينقض القسمة لان هذا بمنزلة الاقالة والاقالة في حق شريكه كالشراء المبتدا وان قبله بقضاء قاض فله أن ينقض القسمة والبينة في ذلك واباء اليمين سواء لانه فسخ لبيعه من الاصل فعاد من الحكم ماكان قبله وان كان المشترى هدم من الدار شيئا قبل أن يعلم بالعيب لم يكن له أن يردها ولكن يرجع على البائع بنقصان العيب ولا يرجع البائع على شريكه بشئ لانه تعذر الرد عليه باعتبار اخراجه نصيبه من ملكه وفي نظيره في البيع اختلاف بين أبى حنيفة وصاحبيه رحمهم الله موضع بيانه كتاب الصلح فينبغي أن يكون الجواب في القسمة كذلك وان كان الشريك هو الذي هدم شيئا منه ولم يبعه ثم وجد به عيبا رجع بنقصان العيب في أنصباء شركائه الا أن يرضوا بنقض القسمة ورده بعينه مهدوما لانه تعذر الرد لدفع الضرر عنهم فإذا رضوا بذلك رد عليهم وإذا أبوا أن يرضوا به فكما يجب النظر لهم يجب النظر لمن وقع في سهمه فلهذا يثبت له حق الرجوع بنقصان العيب على شركائه في أنصبائهم والله أعلم (باب الاستحقاق في القسمة) (قال رحمه الله وإذا كانت الدار بين رجلين نصفين فاقتسماها فاخذ أحدهما الثلث من

[ 44 ] مقدمها وقيمته ستمائة وأخذ الاخر الثلثين من مؤخرها وقيمته ستمائة وهى ميراث بينهما أو شراء ثم استحق نصف مافى يدى صاحب المقدم فان أبا حنيفة رحمه الله قال في هذا يرجع صاحب المقدم على صاحب المؤخر بربع مافى يده وقيمة ذلك مائة وخمسون درهما ان شاء وان شاء نقص القيمة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يرد ما في يده ويبطل القسمة فيكون ما بقى في أيديهما بينهما نصفين وفي رواية أبى حفص رحمه الله ذكر محمد مع أبى حنيفة وهو الاصح فقد ذكر ابن سماعة انه كتب إلى محمد يسأله عن قوله في هذه المسألة فكتب إليه أن قوله كقول أبى حنيفة رحمه الله وجه قول أبى يوسف رحمه الله أن استحقاق نصف ما في يد صاحب المقدم شائعا ظهر لهما شريك ثالث في الدار والدار المشتركة بين ثلاثة نفر إذا اقتسمها اثنان منهم لا تصح القسمة كما لو استحق المستحق ربع الدار شائعا يوضحه ان استحقاقه الدار وان كان من نصيب صاحب المقدم خاصة فذلك يؤدى إلى الشيوع في الكل لانه إذا أخذ المستحق نصف مافى يد صاحب المقدم رجع بحصته ذلك فيما في يد صاحب المؤخر فيكون ذلك بمنزلة مالو كان المستحق جزءا شائعا في الكل وجه قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله ان القسمة في معنى البيع واستحقاق بعض المبيع لا يبطل البيع فيما بقى ولكن يثبت الخيار للمشترى بين نقض البيع في الباقي وبين الرجوع بعوض المستحق كما لو اشترى نصف داره فاستحق ذلك النصف فكذلك في القسمة ولئن كان بطريق التمييز فهو أبعد عن الانتقاض فيما بقي باستحقاق بعضه وهذا لان ما تبين بالاستحقاق لايمنع ابتداء القسمة فانه لو كان مؤخر الدار بين شريكين ولهما شريك ثالث في نصف المقدم بنصفه فاقتسما على أن أخذ أحدهما نصبهما من النصف المقدم مع ربع النصف المؤخر وأخذ الاخر ما بقى كان ذلك جائزا وما لا يمنع ابتداء القسمة لايمنع بقاءها بطريق الاولى بخلاف مااذا كان المستحق جزءا شائعا في جميع الدار لان استحقاق ذلك لو كان ظاهرا لم تجز القسمة بينهما ابتداء فكذلك لا يبقى وبهذا تبين ان هذا بمنزلة مالو استحق من المقدم بيت بعينه فكما أن هناك - لا تبطل القسمة فيما بقى فكذلك هنا وانما يرجع صاحب المقدم على شريكه بربع مافى يده إذا اختار امضاء القسمة لانه لو استحق جميع المقدم رجع على شريكه بنصف مافى يده فإذا كان المستحق نصفه يرجع عليه بنصف نصف مافى يده يوضح ان جميع قيمة الدار ألف ومائتي درهم وباستحقاق نصف المقدم يتبين ان المشترك بينهما تسعمائة فحق كل واحد منهما في أربعمائة وخمسين والذي بقى في يد

[ 45 ] صاحب المقدم يساوى ثلثمائة وما في يد صاحب المؤخر يساوى ستمائة فيرجع عليه بربع ما في يده وقيمته مائة وخمسون حتى يسلم لكل واحد منهما ما يساوى أربعمائة وخمسين فلو كان صاحب المقدم باع نصف ما في يده واستحق النصف الباقي فانه يرجع في قول أبى حنيفة رحمه الله على صاحبه بربع ما في يده ان كان الذي باع بألف درهم أو بعشرة دراهم وعند أبى يوسف رحمه الله يرجع فيما في يد صاحبه من الدار فيكون بينهما نصفين ويضمن نصف قيمة ما باع لصاحبه وفي قول محمد رحمه الله اضطراب كما بينا وهذا بناء على الفصل الاول عند أبى يوسف رحمه الله يتبين بالاستحقاق ان القسمة كانت فاسدة والمقبوض بالقسمة الفاسدة ينفذ البيع فيه كالمقبوض بالشراء الفاسد ويكون مضمونا بالقيمة فلهذا يضمن نصف قيمة ما باع لشريكه وما في يد صاحب المؤخر بينهما نصفان وعند أبى حنيفة رحمه الله القسمة كانت صحيحة فيما بقى وكان له الخيار في بعض القسمة فبالبيع سقط خياره ويتعين حقه في الرجوع بعوض المستحق وذلك ربع مافى يد صاحب المؤخر كما بينا وكذلك أرض بين رجلين نصفان وهى مائة جريب فاقتسما على أن أخذ أحدهما بحقه عشرة أجربة تساوى ألف درهم ثم باع كل واحد منهما الذي أصابه بأقل من قيمته أو أكثر ثم استحق جريب من العشرة الاجربة فرد المشترى ما بقى منهما على البائع ففى قياس قول أبى حنيفة رحمه الله يرجع على صاحب التسعين جريبا بخمسين درهما وفي قول أبى يوسف رحمه الله تكون التسعة الاجربة بينهما نصفين ويضمن صاحب التسعين جريبا خمسمائة درهم لصاحبه لان عند أبى يوسف رحمه الله يتبين فساد القسمة باستحقاق مقدار جريب من العشرة شائعا وبيع صاحب العشرة الاجربة قد انفسخ من الاصل يرد الباقي عليه بعيب التبعيض وكأنه لم يبع ذلك فهي بينهما نصفين وصاحب التسعين جريبا قد باع ما قبضه بقسمة فاسدة فينفذ بيعه ويضمن نصف قيمته لصاحبه بقدر حصته وذلك خمسمائة درهم وعند أبى حنيفة رحمه الله القسمة كانت صحيحة وتبين بالاستحقاق أن المشترى بينهما ما يساوى ألفا وتسعمائة لكل واحد منهما تسعمائة وخمسون والسالم للذي أخذ عشرة أجربة تسعمائة ولصاحبه الف فيرجع على صاحبه بخمسين درهما لانه قد باع ما في يده وإذا رجع بذلك سلم لكل واحد منهما تسعمائة وخمسون وإذا كانت مائة شاة بين رجلين فاقتسماها على ان أخذ أحدهما أربعين منها ما تساوى خمسمائة وأخذ الاخر منها ستين تساوى خمسمائة فاستحقت شاة من الاربعين تساوى عشرة دراهم فانه يرجع بخمسة

[ 46 ] دراهم في الستين شاة عندهم جميعا وأبو يوسف رحمه الله يفرق بين هذا وبين ما سبق باعتبار أن المستحق شاة بعينها فلا يوجب ذلك نقض فيما بقى وتبين أن المشترى بينهما تسعمائة وتسعون درهما والذي سلم لاخذ الاربعين ما يساوى أربعمائة وتسعين لصاحب الستين ما يساوى خمسمائة فيرجع عليه بمقدار الخمسة لتكون حصة كل واحد منهما ما يساوي أربعمائة وخمسة وتسعين وانما يرجع بذلك في الستين شاة لانها باقية في يده فيضرب هو في التسين بخمسة دراهم وصاحبه باربعمائة وخمسة وتسعين فالسبيل أن يجعل كل خمسة بينهما فيكون الستين سهما على مائة سهم للمستحق عليه سهم ولصاحب الكثير تسعة وتسعون سهما منها وفي ظاهر الرواية ليس للمستحق عليه أن ينقض القسمة فيما بقى كما لو اشترى عددا من الغنم فاستحق واحد منهما بعد القبض وفي رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله أن ينقض القسمة فيما بقي وهكذا في البيع ليفرق الصفقة عليه فالعقد في المستحق يبطل من الاصل فلا فرق بينهما بعد القبض وقبله وإذا كان كر حنطة بين رجلين نصفين عشرة أقفزة منها طعام جيد على حدة وثلاثون قفيزا رديئ على حدة فأراد أحدهما أن يأخذ العشرة بحقه ويأخذ شريكه الثلثين بحقه لم يصح ذلك لان في هذه القسمة معنى البيع ومبادلة الحنطة بجنسها متفاضلا ربا فان رد الذي أخذ الثلاثين قفيزا ثوبا بعينه على صاحبه واقتسما على ذلك جاز بناء على أصلنا أن الفصل يجعل بمقابلة الثوب احتيالا لتصحيح العقد وان استحق من الثلاثين عشرة مخاتيم فانه يرجع عليه بنصف الثوب وفي زيادات الزيادات (قال) في هذه المسألة يرجع بثلث الثوب وسدس الطعام الجيد وقيل ما ذكر ثممة جواب القياس وما ذكر في كتاب القسمة جواب الاستحسان وجه القياس أنه لو استحق جميع الطعام الرديئ يرجع على صاحبه بجميع الثوب ونصف الطعام الجيد والعشرة ثلث الثلاثين فعند استحقاق العشرة يرجع بثلث ذلك اعتبارا للبعض بالكل وبيان المعنى فيه أن عشرة من الثلاثين أخذها باعتبار ملكه وعشرة بالمقاسمة بمقابلة العشرة التى أخذها صاحبه وعشرة عوضا عن الثوب والعشرة المستحقة شائعة في الكل ثلثها فيما أخذ بقديم ملكه فلا يرجع فيه على أحد بشئ والثلث مما أخذه عوضا عن الثوب فيرجع بعوضه وهو ثلث الثوب والثلث مما أخذه بالمقاسمة فيرجع بما يقابله من الطعام الجيد بقدر حصته وذلك قفيز وثلثا قفيز لان العشرة كلها لو استحقت رجع عليه بخمسة أقفزة فإذا استحق الثلث رجع عليه بثلث الخمسة وثلثها قفيز وثلث قفيز سدس الطعام الجيد

[ 47 ] ووجه الاستحسان أن المستحق انما يجعل شائعا في الكل إذا استوت الجهالة فاما إذا تفاوتت فلا كما إذا باع ثوبا وقلبا وزنه عشرة دراهم وبعشرين درهما وتقابضا ثم استحقت عشرة من العشرين فان المستحق يجعل من ثمن الثوب خاصة لانه لو جعل بعضه من ثمن القلب بطل العقد في القلب بقدره ولو جعل من ثمن الثوب لم يبطل العقد في شئ من القلب فيجعل ذلك من ثمن الثوب لابقاء العقد صحيحا حين لم تثبت المساواة فهناك كذلك لان المقصود بالقسمة التمييز والمعاوضة فيها بيع ولا مساواة بين المقصود والبيع فپلا يجعل شئ من المستحق مما أخذه بالمقاسمة لابقاء معنى التمييز بحسب الامكان ولو جعل شئ من المستحق بمقابلة العشرة التى أخذها بالقسمة تنتقض القسمة فيحتاج إلى اعادتها ثانية فلا يجعل شئ بمقابلة كيلا ينتقض وإذا جعلنا المستحق ما وراء العشرة المقسومة يكون النصف من العشرة لمشتراة والنصف العشرة الموزونة لم يرجع به على أحد وما أخذ من العشرة المأخوذة على وجه الشراء رجع بحصته من الثمن وثمنه نصف الثوب فلهذا يرجع عليه بنصف الثوب ولكن يجعل المستحق نصف العشرين الذى أخذه بمقابلة الثوب وعشرة من تلك العشرة أخذها بقديم ملكه وعشرة عوضا عن الثوب فنصف المستحق مما كان بمقابلة الثوب فلهذا يرجع بنصف الثوب خاصة وإذا كان كر حنطة وكر شعير بين رجلين فاقتسماه فاخذ أحدهما ثلاثين مختوما حنطة رديئة وعشرة مخاتيم شعيرا جيدة وأخذ الآخر عشرة مخاتيم حنطة جيدة وثلاثين مختوما شعيرا رديئا ثم استحق نصف الشعير الرديئ فانه يرجع عليه بربع عشرة مخاتيم حنطة وهذا غلط بين فان العشرة المخاتيم حنطة جيدة في يد المستحق عليه فكيف يرجع بربعه والصحيح مافى النسخ العتيقة أنه يرجع بربع المخاتيم حنطة يعنى بثلاثين مختوما حنطة رديئة التي أخذها صاحبه يرجع بربع ذلك وهو سبعة اقفزة ونصف وهو جواب الاستحسان وفى القياس على ما ذكره في زيادات الزيادات يرجع عليه بخمسة أقفزة حنطة رديئة وقفيزين ونصف شعير جيد وجه القياس انه لو استحق جميع الشعير الرديئ من يده رجع علي صاحبه بثلث الحنطة الرديئة عشرة أقفزة ونصف الشعير الجيد خمسة أقفزة فان استحق نصف الشعير الرديئ يرجع بنصف كل واحد منهما وبيانه من حيث المعنى انه أخذ الثلاثين قفيزا شعيرا رديئا عشرة بقديم ملكه وعشرة بالمقاسمة فقد أخذ صاحبه عشرة أقفزة شعيرا " جيدا " وعشرة بالمعاوضة وعوضه عشرة أقفزة من الحنطة الرديئة التى أخذها صاحبه من نصيبه فإذا استحق النصف كان ثلث المستحق

[ 48 ] مما أخذه بقديم ملكه فلا يرجع باعتباره على أحد بشئ وثلثه مما أخذه صاحبه بالمعاوضة فيرجع بعوضه على صاحبه وذلك خمسة أقفزة من الحنطة الرديئة وثلثه مما أخذه بالمقاسمة فيرجع على صاحبه بنصف ذلك قدر حصته من الشعير الجيد وذلك قفيزان ونصف ووجه الاستحسان مابينا ان المستحق لا يجعل شئ منه من المأخوذ بالمقاسمة لابقاء معنى التمييز وانما يجعل نصفه من المأخوذ بقديم ملكه ونصفه من المأخوذ بالمعاوضة فيرجع بعوض ذلك على صاحبه وذلك سبعة أقفزة ونصف من الطعام الرديئ وربع الثلاثين قفيزا يكون سبعة أقفزة ونصف فلهذا قال يرجع بربع المخاتيم حنطة وإذا كانت الدار بين رجلين نصفين فاقتسماها وأخذ أحدهما النصف المقدم وقيمته ستمائة وأخذ الآخر النصف المؤخر وقيمته أربعمائة على أن يرد عليه صاحب النصف المقدم مائة درهم ثم باع كل واحد منهما ما أصابه ثم استحق نصف النصف المقدم ورجع المشترى على بائعه بحصة ذلك من الثمن وأنفذ البيع في البقية فان صاحب المقدم يرجع على صاحب المؤخر بمائة وخمسين درهما خمسون منها نصف المائة التى نقده ومائة منهما ربع قيمة النصف المؤخر لانه لو استحق جميع المقدم رجع على شريكه بالمائة التى أعطاها وبقيمة نصف النصف المؤخر وذلك مائتا درهم فإذا استحق نصف ذلك يرجع بنصف الثلثمائة وذلك مائة وخمسون وهذا لان في حصة المائة كان هو مشتريا وقد استحق نصف المبيع فيرجع بنصف الثمن وتبين أن المشترى بينهما ما يساوي سبعمائة وان حق كل واحد منهما من ذلك ثلثمائة وخمسون فصاحب المؤخر أخذ أربعمائة والسالم لصاحب المقدم ما يساوى مائتين وخمسين بالمقاسمة فيرجع على شريكه بربع ما أخذ وذلك مائة درهم فعند ذلك يصل إلى كل واحد منهما ما يساوى ثلثمائة وخمسين كمال حقه ولو كان مكان المائة ثوب قائم بعينه يرجع بنصف الثوب وبمائة درهم لان المستحق مما أخذه عوضا عن الثوب نصفه فيرجع بعوضه وذلك نصف الثوب وإذا كانت أرض ودار بين رجلين فاقتسماهما فأخذ أحدهما الدار والآخر الارض على أن يرد صاحب الارض على صاحب الدار عبدا قيمته ألف درهم وقيمة الدار الف درهم وقيمة الارض الفان وقبضه ثم أن صاحب الدار باع الدار فاستحق إنسان منها علو بيت يكون ذلك البيت والسفل عشر الدار فلما استحق العلو ذهب نصف العشر ورجع المشترى على البائع بحصة ذلك من الثمن وأمسك الباقي من الدار فان صاحب الدار يرجع بستة عشر وأربع دوانق من قيمة الارض على صاحب الارض في قياس قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وفى قياس قول

[ 49 ] أبى يوسف رحمه الله يرجع بذلك في رقبتها ويكون شريكا به في الارض وقيل لا خلاف بينهم في الحقيقة وتأويل قول أبى حنيفة رحمه الله لانه لا ينتفع بذلك اليسير من الارض فلهذا جعل له حق الرجوع بذلك القدر من القيمة حتى إذا رضى هو بالرجوع في رقبة الارض بذلك القدر يكون له ذلك وانما كان رجوعه بهذا المقدار لان نصف الارض بمقابلة العبد ونصفها أخذه بالمقاسمه مع الدار وقد كان قيمة الدار الف درهم فلما استحق منها ما يساوى نصف العشر وذلك خمسون درهما تبين أن المشترك ما يساوى الف درهم وتسعمائة وخمسين وان حق كل واحد منهما فيما يساوى الف وأربعمائة وخمسة وسبعين وقد أخذ صاحب الارض الفى درهم الف بمقابلة ما أدى من العبد والف بالمقاسمة وأخذ الآخر تسعمائة وخمسين فيرجع على صاحبه بستة عشر درهما وأربع دوانيق في الارض حتى يكون السالم له بالمقاسمة تسعمائة وستة وستين وثلثان ولصاحبه مثل ذلك بالمقاسمة قال أبو عصمة وفى هذا الجواب نظر بل ينبغى أن يكون رجوعه بما يساوى خمسة وعشرين لان نصيب كل واحد منهما الف وأربعمائة وخمسة وسبعون كما بينا ولكنا نقول هذا بناء علي الاصل الذي بينا لابي حنيفة رحمه الله أن العلو مثل نصف السفل حتى قال في القسمة يحسب ذراع من السفل بذر اعين من العلو فإذا استحق علو بيت يكون ذلك العلو مع السفل عشر الدار عرفنا أن المستحق ثلث العشر وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث فانما يرجع على شريكه بنصف ذلك وذلك ستة عشر وثلثان فيستقيم الجواب بناء على ذلك الاصل وإذا وقعت القسمة في دار واحدة أو أرض واحدة وبناء أحدهما في نصيبه ثم استحق ذلك الموضع من نصيبه فرد القسمة وأراد أن يرجع بقيمة بنائه على شريكه لم يكن له ذلك لان الرجوع بقيمة البناء في الشراء لاجل الغرور ولاغرور في القسمة فان الشريك مجبر على القسمة عند طلب شريكه فلا يصير عاد الشريك فيما يجبره القاضي عليه فلهذا لا يرجع شريكه عليه بقيمة البناء بمنزلة الشفيع إذا أخذ الدار بالشفعة وبنى فيها ثم استحقت ونقض بناءه لم يرجع على المشترى بقيمة البناء وقد بينا في آخر الشفعة نظيره في الجارية المأسورة ومن نظائره أيضا أحد الشريكين في الجارية إذا استولدها ثم استحقت وضمن قيمة الولد لم يرجع على شريكه بشئ من ذلك وكذلك إذا استولد جارية ابنه ثم استحقت وضمن قيمة الولد لم يرجع بذلك علي الابن لانعدام معنى الغرور منه وهذا بخلاف الغاصب فان المغصوب منه إذا ضمن قيمة الجارية ثم استولدها الغاصب ثم استحقت وضمن

[ 50 ] الغاصب قيمة الولد رجع به على المغصوب من رواية عن أبى يوسف ولم يرو عن غيره خلافه لان المغصوب منه في تضمين القيمة هناك مختار فانه كان متمكنا من أن يصبر حتى تطهر الجارية فيتحقق الغرور من جهته حين ملكها من الغاصب بضمان القيمة ولو وقعت القسمة في دارين أو أرضين وأخذ كل واحد منهما احدهما ثم استحقت احداهما بعد ما بنى فيها صاحبها رجع علي صاحبه بنصف قيمة البناء قيل هذا قول أبى حنيفة رحمه الله بناء علي أصله ان قسمة الجبر لا تجرى في الدور والاراضي بهذه الصفة وعلى قولهما تجرى قسمه الجبر فيها فهذا والدار الواحدة عندهما سواء (قال) رحمه الله والاصح عندي ان هذا قولهم جميعا لانهما ما أطلقا الجواب في قسمة الجبر في الدور ولكن قال ان رأى القاضي المصلحة في أن يقسمها قسمة واحدة فله ذلك وهما أقدما على القسمة قبل أن يري القاضى المصلحة في ذلك فيكون هذا معاوضة بينهما عن اختيار منهما والغرور بمثله يثبت فيرجع على صاحبه بنصف قيمة البناء لان نصف الموضع الذى بنى فيه أخذه بقديم ملكه ونصفه بالمعاوضة وكذلك ان اقتسما جاريتين فوطئ احدهما الجارية التى أخذها فولدت له ثم استحقت وضمن قيمة الولد رجع علي صاحبه بنصف قيمة الولد وهذا قول أبى حنيفة رحمه الله لان قسمة الجبر عنده لا تجري في الرقيق فتكون هذه معاوضة بينهما عن اختيار فاما عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله قسمة الجبر تجرى في الرقيق فلا يتحقق معنى الغرور ولا يرجع على صاحبه بشئ من قيمة الولد ويكون له نصف الجارية التى في يد شريكه لان القسمة قد بطلت باستحقاق نصيب أحدهما فان كان باعها ضمنه نصف قيمتها لانها كانت مقبوضة بقسمة فاسدة فنفذ بيعه فيها ويضمن لصاحبه قيمة حصته منها وذلك النصف وكذلك إذا اقتسما منزلين متفرقين في دار واحدة فقد بينا ان المنازل المتفرقة في حكم القسمة كالدور المتفرقة فان كان القاضي قسم الدور المختلفة بين الشركاء وجمع نصيب كل واحد منهم في دار على حدة وأجبرهم على ذلك فبنى أحدهم في الدار التى أصابته ثم استحقت وهدم بناؤه لم يرجع على شركائه بقيمة البناء لان القاضي حين رأى جمعها في القسمة صارت كدار واحدة فان معنى الغرور في الدار الواحدة انما ينعدم باعتبار ان القاضي يجبر الشركاء على ذلك وقد تحقق ذلك هنا بما رآه القاضي فينعدم الغرور به فلهذا لا يرجع على شركائه بشئ من قيمة البناء وإذا اقتسما الرجلان دارين فاخذ أحدهما دارا والآخر دارا فبنى احدهما في الدار التى أخذها وهدم وأنفق ثم استحق من الاخرى موضع جذع في حائط أو مسيل ماء

[ 51 ] أو طريق أو حائط بأصله أو بناء بيت فالذي استحق ذلك من يده بالخيار ان شاء نقض القسمة كلها وهدم ما أحدث هذا من البناء وضمنه قيمة ماهدم وان شاء لم ينقض القسمة ولم يرجع بشئ ورضى بما في يده وقيل هذا الجواب قولهما فاما عند أبى حنيفة رحمه الله لا يكون له أن ينقض بناء شريكه على ما قال في الجامع الصغير المشتري شراء فاسدا إذا بنى في الدار المشتراة انقطع به حق البائع في الاسترداد عند أبى حنيفة رحمه الله وليس له أن ينتقض بناء المشتري وعندهما له أن ينقض بناءه فهنا إذا اختار نقض القسمة تبين أن صاحبه أخذ الدار بقسمة فاسدة فهى كالمأخوذة بالشراء الفاسد قال الحاكم رحمه الله ويحتمل أن هذا الجواب على مذهبهم جميعا تخريجا على ما هو الصحيح عند أبى يوسف من مذهب أبى حنيفة رحمهما الله إذا بنى المشترى في الدار المشتراة شراء فاسدا فانه ذكر في الجامع الصغير شكافى رواية أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله أن الدار تترك للمشترى شراء فاسدا من أجل بنائه حيث قال فيما أعلم وقيل هذه من احدى المسائل التى جرت فيها المحاورة بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله في رواية عن أبى حنيفة رحمه الله وقوله لا يرجع بشئ يحتمل أن يكون جوابا في استحقاق موضع الجذع ومسيل الماء خاصة لان لما سواهما حصة من الدرك فعند الاستحقاق لابد أن يرجع بذلك أو بقيمته ان تعذر الرجوع بعينه لاجل البناء ولو أخذ أحدهما دارا وأخذ الاخر دارين قيمتها سواء فاستحقت احداهما لم يكن له أن ينقض القسمة وكانت له الدار الباقية ويرجع بربع الدار التى أخذ الآخر بمنزلة مالو اشترى دارين وقبضهما فاستحقت احداهما فلا خيار له في الاخرى وانما يرجع بحصة المستحق من الثمن فهنا أيضا لاخيار له في الباقية فيرجع بعوض المستحق وذلك ربع الدار المستحق وذلك ربع الدار التى أخذها الآخر لان الدارين كلاهما لو استحقتا رجع عليه بنصف الدار التى في يده فإذا استحقت احداهما و قيمتهما سواء رجع بنصف النصف وهو الربع كما قررنا والله أعلم (باب ما لا يقسم) (قال رحمه الله ولا يقسم الحمام والحائط وما أشبه ذلك بين الشركاء لما فيها من الضرر والمقصود بالقسمة توفير المنفعة فإذا أدى إلى الضرر وقطع المنفعة عن كل واحد منهما على الوجه الذى كان قبل القسمة لم يجبر القاضى عليه) فان رضوا به جميعا قسمه لوجود التراضي

[ 52 ] منهم بالتزام الضرر ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول هذا في الحمام فكل واحد منهما ينتفع بنصيبه بجهة أخرى بأن يجعله بيتا وربما كان ذلك مقصود كل واحد منهم فاما في الحائط ان رضوا بالقسمة لينتفع كل واحد منهم من غير هدم فكذلك الجواب وان رضوا بالهدم وقسمة الاسهم لم يباشر القاضى ذلك لما فيه من اتلاف الملك ولكن ان فعلوا ذلك فيما بينهم لم يمنعهم من ذلك وفي البيت الصغير لا يقسمه القاضى بينهم إذا كره ذلك بعضهم ولان نصيب كل واحد منهم بعد القسمة ما ينتفع به الا أن تتفاوت انصباؤهم وكان صاحب الكبير ينتفع بنصيبه بعد القسمة وهو الطالب للقسمة فحينئذ يقسمه القاضى لانه متظلم يطلب من القاضى أن يمنع الغير من الانتفاع بملكه ولو كان بناء بين رجلين في أرض رجل قد بنيا باذنه ثم أراد قسمة البناء وصاحب الارض غائب فلهما ذلك بالتراضي وان امتنع أحدهما لم يجبر عليه لان كل واحد منهما بعد القسمة لا يتمكن من ابقاء نصيبه من البناء والانتفاع به فالارض لغيرهما بطريق العارية أو الاجارة في أيديهما وكل جزء منه كذلك بينهما ولكل واحد منهما أن يمنع صاحبه من الاختصاص بالانتفاع بما هو مستعار له أو مستأجر فكان لكل واحد منهما أن يكلف صاحبه رفع البناء لو صحت القسمة وفيه ضرر عليهما فلا يفعل القاضي لا يفعل ذلك إذا أتى أحدهما وان كان أراد هدم البناء ففى هذه القسمة اتلاف الملك وقد بينا أن القاضى لا يفعل ذلك ولكن ان أرادا فعله لم يمنعهما عن ذلك وان أخرجهما صاحب الارض هدماه لان صاحب الارض له عارية في أيديهما وللمعير في العارية حق الاسترداد متى شاء فيكلفهما هدم البناء ثم النقض يحتمل القسمة بينهما فيفعله القاضي عند طلب بعض الشركاء وإذا كان طريق بين قوم ان اقتسموه لم يكن لبعضهم طريق ولامنفذ فاراد بعضهم قسمته لم أقسمه لما في القسمة من الضرر على بعض الشركاء بقطع منفعة ملكه عنه ويستوى ان كره صاحب الكثير أو صاحب القليل لانه كان لكل واحد منهما حق التطرق إلى ملكه في هذا الطريق قبل القسمة وصاحب القليل من ذلك مستو بصاحب الكثير وفي القسمة تفويت هذا الحق عليه بخلاف البيت فهناك الانتفاع بعين البيت وصاحب الكثير فيه غير مستو بصاحب القليل وانقطاع المنفعة عنه لقلة نصيبه لا لاجل القسمة فلهذا قسم القاضي هناك بطلب صاحب الكثير وهنا لا يقسم إذا كان في قسمته ضرر على بعضهم دون بعض في صغر أو أنه لا يجد طريقا الا أن يتراضوا جميعا وان كان يكون لكل واحد منهم طريقا نافذ قسمته إذا طلب ذلك أحدهم لانه ليس في القسمة

[ 53 ] تفويت المنفعة على بعضهم بل فيها تخصيص كل واحد منهم بالانتفاع في ملكه ورقبة الطريق مشتركة بينهم بمنزلة الارض فتقسيمها بطلب بعضهم وان كان طريق بين رجلين ان اقتسماه لم يكن لواحد منهما فيه ممر وكل واحد منهما يقدر أن يفتح في منزله بابا ويجعل طريقه من وجه آخر فأراد أحدهما قسمته وأبى الآخر قسمته بينهما لانه لاضرر علي واحد منهما في القسمة فكل واحد منهما يتمكن من التطرق إلى ملكه من جانب آخر ولافرق في حقه بين التطرق من هذا الجانب وبينه من الجانب الآخر وإذا كان مسيل ماء بين الرجلين أراد أحدهما قسمة ذلك وأبى الآخر فان كان فيه موضع يسيل فيه ماؤه سوى هذا قسمته وان لم يكن له موضع الا بضرر لم أقسمه وهذا والطريق سواء فالمقصود هنا الانتفاع بتسييل الماء وهناك بالتطرق ولافرق في حق كل واحد منهما بين أن يسييل ماؤه من هذا الجانب أو من جانب آخر إذا كان يتيسر له ذلك من غير ضرر وانما شرط هذه الزيادة لان التصويب قد يكون من جانب ولا يمكن جعل ذلك في جانب آخر بلا ضرر وان كانت أرض صغيرة بين قوم ان اقتسموها لم يصب كل واحد منهم شئ ينتفع به فأراد بعضهم قسمتها لم أقسمها وهو وما تقدم من البيت الصغير سواء وان كانت حانوت في السوق يبيعان فيه أو يعملان بايديهما سواء فاراد أحدهما قسمته فانى انظر في ذلك فان كان نصيب كل واحد منهما يعمل فيه قسمته بينهما وان كان لم يصبه ذلك لم أقسمه بينهما لمعنى الضرر وان كان الزرع بين ورثة في أرض لغيرهم فأرادوا قسمة الزرع فان كان قد أدرك لم أقسمه بينهم حتى يحصد بالتراضى ولا بغير التراضي لان الحنطة مال الربا فلا يجوز قسمته مجازفة الا بكيل ولا يمكن قسمته بالكيل قبل الحصاد وان كان بقلا لم أقسمه لما في ذلك من الضرر على كل واحد منهم فانه لا يتمكن بعد القسمة من ترك نصيبه بغير رضاء أصحابه لان موضعه من الارض عارية لهم جميعا الا أن يشترطوا في البقل أنه يجز كل واحد منهم ما أصابه فإذا اقتسموها على هذا بتراضيهم أجزته لما بينا ان في هذه القسمة اتلاف جزء فلا يباشره القاضي ولا يمنع الشركاء منه ان تراضوا عليه ولو كانت أرض بين رجلين فأرادا أن يقتسما زرعها دون الارض لم يجز ذلك ان اشترطا تركه في الارض إلى وقت الادراك وان اشترطا جز ذلك واجتمعا عليه أجزته والقسمة في هذا كالبيع فكما لا يجوز شراء الزرع قبل الادراك بشرط الترك ويجوز بشرط القطع فكذلك القسمة وكذلك طلع في نخل بين قوم ان اقتسموا الطلع على أن يتركوا على النخل لم يجز وان اقتسموه على أن

[ 54 ] يقطع كل واحد منهم ما أصابه أجزت ذلك بمنزلة الشراء فان استأذن رجل منهم أصحابه بعد القسمة في ترك ما أصابه فاذنوا له فادرك وبلغ طاب له الفضل وان تركه بغير رضاهم يصدق بالفضل بمنزلة المشتري للثمار على رؤس النخيل قبل الادراك ان ترك باذن البائع طاب الفضل وكل شئ يحتاج في قسمته إلى كسر أو قطع لم أقسمه بينهم لما في ذلك من اتلاف الجزء الا أن يرضي جميع الشركاء فان رضوا قسمته فالمراد انى لا أمنعهم من أن يفعلوا ذلك بالتراضي فاما أن يباشر القاضي ذلك فلا وان أوصي بصوف علي ظهر غنمه لرجلين فأراد قسمته قبل الجز لم أقسمه وكذلك اللبن في الضرع لان ذلك مال الربا فانه موزون أو مكيل فلا يمكن قسمته الا بوزن أو كيل وذلك بعد الحلب والجز فاما الولد في البطن فلا يجوز شركته بين الشركاء بحال لمضي الضرر والجهالة ولان المقصود بالقسمة الحيازة وذلك فيما في البطن لا يتصور لان كل واحد منهما لا يتمكن من اثبات اليد على نصيبه قبل الانفصال وكذلك لو قسما ذلك بينهما بالتراضى لم يجز وان كانت قوصرة تمر بينهما أودن خل فاراد أحدهما قسمته لان هذا مما يتأتى فيه الكيل والوزون والقسمة فيه تمييز محض لكل واحد من الشريكين أن ينفرد به فكذلك يفعله القاضي عند طلب بعض الشركاء وان كانت خشبة أو باب أو رحاء أو دابة بين رجلين فأراد أحدهما قسمتها لم تقسم لانها لا تحتمل القسمة من غير ضرر وكذلك اللؤلؤة والياقوتة لا يمكن قسمتها إلا بضرر ويقسم اللؤلؤ واليواقيت بين الشريكين إذا أراد ذلك أحدهما لان التعديل في المنفعة والمالية ممكن إذا كانت باعيانها وان كانت جنة بين رجلين فأراد أحدهما قسمتها وأبى الآخر فان كان في قطعها ضرر على واحد منهما لم أقسمها وان لم يكن في ذلك ضرر قسمتها وقطعتها بمنزلة الثوب الواحد وان كان حبا كثيرا قسمته بينهما لانه لا حاجة إلى القطع هنا في القسمة وهو نظير الثياب إذا كانت من نوع واحد وتقسم نقرة الفضة والذهب وما أشبه ذلك مما ليس بمصوغ من الحديد والصفر والنحاس لانه لا ضرر في قطع ذلك على واحد منهما وكذلك علو بين رجلين نصيب كل واحد منهما ما ينتفع به والسفل لغيرهما أو سفل بينهما والعلو لغيرهما فكذلك كله يقسم إذا طلب بعض الشركاء لان العلو والسفل كل واحد منهما مسكن وفي القسمة توفير المنفعة على كل واحد منهما وإذا كان بين رجلين بئرا وعين أو قناة أو نهر لا أرض مع ذلك بينهما فأراد أحدهما قسمة ذلك وأبى الآخر فانى لا أقسم ذلك بينهما لانه غير محتمل للقسمة وفيه ضرر علي كل واحد منهما

[ 55 ] فان كان مع ذلك أرض ليس لها شرب الا من ذلك قسمت الارض بينهما وتركت القناة والبئر والنهر على حالها لكل واحد منهما شربه منها وان كان كل واحد منهما يقدر على أن يجعل لارضه شربا من مكان آخر أو كانت أرضين وانهار متفرقة أو آبار قسمت ذلك كله فيما بينهم لانه لاضرر على واحد منهم في هذه القسمة أو قسمة النهر والعين هنا تبع لقسمة الاراضي فهو بمنزلة البيع فالشرب يدخل في بيع الارض تبعا وان كان البيع لا يجوز فيه مقصودا فكذلك في القسمة وقال أبو حنيفة رحمه الله لاأجبر واحدا منهما على البيع في شئ مما سميناه في هذا الكتاب وان طلب ذلك شريكه وكان مالك رحمه الله يقول إذا كان المشترك بحيث لا يحتمل القسمة بين الشريكين فان القاضي يجبر أحدهما على بيع نصيبه إذا طلب الآخر ذلك أو يبيع ذلك بنفسه ويقسم الثمن بينهما لانه لا طريق لتوفير المنفعة على كل واحد منهما الا هذا وإذا ثبت له ولاية الاجبار على القسمة لتوفير المنفعة على كل واحد منهما فكذلك يثبت له ولاية الاجبار على البيع في كل موضع تتعذر القسمة ولايقال كل واحد منهما يقدر على بيع نصيبه وحده لانه يتضرر بذلك فالا شقاص لا تشتري الا بثمن وكس فينبغي أن تثبت له ولاية الاجبار على البيع لدفع الضرر وحجتنا في ذلك أن في الاجبار على البيع معنى الحجر على الحد وذلك غير جائز عندنا ثم كل واحد منهما متمكن من بيع نصيبه وحدة فلا حاجة إلى اجبار الشريك على ذلك لفوذ تصرفه في نصيبه تبعا قوله بان لا يشترى منه الا بوكس قلنا انه لا يملك نصيبه الا مشتركا ويتوفر عليه نصيبه مشتركا انما يحصل له زيادة على ذلك فلا حق له في الزيادة توضيحه أن ولاية الاجبار لمعنى الاحراز وتحصيل الملك كما في القسمة وفي الاجبار هنا ازالة الملك وللناس في أعيان الملك أغراض (ألا ترى) أنه ليس لواحد منهما أن يجبر صاحبه على بيع نصيبه منه فلان لا يكون له ان يجبره على بيع نصيبه من غيره كان أولى والله أعلم بالصواب (باب قسمة الدار فيها طريق لغير أهلها) (قال رحمه الله ذكر عن عكرمة رضي الله عنه عن رسول الله أنه قال اذرعوا الطريق سبعة أذرع ثم ابنوا وبظاهر هذا الحديث يأخذ بعض العلماء رحمهم الله فيقول عند المنازعة بين الشركاء في الطريق ينبغى أن يقدر الطريق سبعة أذرع ولسنا نأخذ

[ 56 ] بذلك) لان هذا خبر واحد فيما تعم به البلوى وقد ظهر عمل الناس فيه بخلافه فانا نرى الطرق التى اتخذها الناس في الامصار متفاوتة في الذرع ولو كان الحديث صحيحا لما اجتمع الناس على ترك العمل به لان المقدار الثابت بالشرع لا يجوز لاحد أن يتجاوز إلى ما هو أكثر منه أو أقل ثم يحمل الحديث على تأويل وهو انه كان ذلك في حادثة بعينها وراء حاجة الشركاء إلى ذلك القدر من الطريق فأمرهم أن يتركوا ذلك القدر ويبنوا فيما وراء ذلك لبيان المصلحة لهم في ذلك لا ليصيب مقدار في الطريق شرعا وإذا كانت الدار بين رجلين فأراد قسمتها وفيها طريق لغيرهما فأراد صاحب الطريق أن يمنعهما من القسمة ليس له ذلك ويترك الطريق عرضه عرض باب الدار الاعظم وطوله من باب الدار إلى باب الذي له الطريق ويقسم بقية الدار بين الرجلين على حقوقهما لانه لاحق لصاحب الطريق في بقية الدار ويترك الطريق بينهما نصفين على ماكان عليه من جميع الدار بينهما قبل القسمة فان رقبة الطريق ملكهما ولم يباشر فيه قسمة فيبقى على ماكان بينهما قبل القسمة ولصاحب الطريق ممره في ذلك وانما جعل الطريق بعرض باب الدار لان ذلك طريق متفق عليه فإليه يرد المتنازع فيه ولانه لا فائدة له في الزيادة على ذلك لانه انما يحمل في هذا الطريق ما يدخله من باب الدار إلى باب داره فيكفيه لذلك طريق عرضه عرض باب الدار الاعظم وطوله إلى باب داره وليس لهم قسمة هذا الطريق الا أن يتراضوا بينهم جميعا لان حق التطرق فيه مستحق لصاحب الطريق فكما لا يكون لصاحبي الدار أن يفوتا ذلك عليه بالبناء فكذلك لا يكون لهما أن يفوتا ذلك عليه بالقسمه وان باعوا هذه الدار وهذا الطريق برضامنهم جميعا اقتسموا الثمن يضرب فيه صاحب الارض بثلث الطريق وصاحب الممر بالثلث لان المقصود بالطريق المرور فيه وصاحب الممر في ذلك مساوى للشريكين في رقبة الطريق بحق مستحق له فساواهم أيضا في ثمن حصة الطريق وكان الكرخي رحمه الله يقول تأويل هذه المسألة إذا كان هو شريكا في أصل الطريق فاما إذا كان له حق الممر ولا شركة له في أصل الطريق فلا حصة له من أصل الثمن لان الثمن بمقابلة العين دون المنفعة فيختص به مالك العين وقد كان لصاحب الممر حق في المنفعة دون العين فان رضي بالبيع كان ذلك منه رضا بسقوط حقه فلا يكون له في الثمن شركة (ألا ترى) ان بيع الممر وحده بدون رقبة الطريق لا يجوز فتبين بهذا ان شيئا من الثمن لا يقابل ما هو حق صاحب الممر وقد روى عن محمد رحمه الله أنه قال لصاحب الممر مقدار حقه من الثمن وبيان ذلك ان الطريق بين

[ 57 ] الشريكين إذا كان فيه حق الممر لآخر يكون قيمة ملكها أنقص منه إذا لم يكن لغيرهما حق الممر فيه فقد رد ذلك النقصان حق صاحب الممر بقيمة الطريق مع ذلك النقصان بين الشريكين نصفين فيضرب كل واحد منهم في الثمن عند البيع بمقدار حقه والاصح ما ذكر في ظاهر الرواية لانه لا مقصود في الطريق الا الممر والمالية والتقوم باعتبار المقصود ولاجله يجوز البيع فإذا استووا في ذلك كان حق كل واحد منهم مستحقا على سبيل التأييد ولا يتم البيع الا برضاهم فلهذا قلنا بانهم يستوون في الثمن وان كان في الدار مسيل ماء لرجل فاراد أصحابها قسمتها لم يكن لصاحب المسيل منعهم من القسمة ولكن بتر كون له مسيله وهذا والطريق سواء فيما بينا من المعنى وان كان فيها طريق لرجل وطريق لآخر من ناحية أخرى فانه يعزل طريق واحد عرضه عرض باب الدار إلى باب كل واحد منهما ويقسم ما بقى من الدار بين أهلها لان مقصود كل واحد من صاحبي الطريق التطرق فيه إلى ملكه ويتوفر هذا المقصود على كل واحد منهما بطريق واحد من باب الدار عرضه باب الدار إلى الموضع الذى يفترق فيه طريق كل واحد منهما إلى باب داره فكل واحد منهما في المطالبة بطريق له خاص من باب الدار الاعظم يكون متعنتا فلا يلتفت إلى تعنته ولكن إلى الموضع الذي يفترق الطريق بهما يترك لهما طريقا واحدا ثم من ذلك الموضع لكل واحد منهما الطريق إلى باب داره وان كان باب صاحب الدار أعظم من باب الدار الاعظم لم يكن له من عرض الطريق الا بمقدار عرض باب الدار لان مالا يدخل في باب الاعظم لا يتمكن هو من حمله في هذا الطريق فان كان أوسع من باب الدار الاعظم وكذلك ان كانت صفة رجل في دار رجل وطريقها إلى باب الدار لم يكن على أهل باب الدار أن يتركوا له من الطريق الا قدر عرض باب الدار دون عرض باب الصفة ولو كان له منزل بطريقه في الدار فقسمت الدار وترك له الطريق فاراد أن يفتح من منزله إلى هذا الطريق بابين أو ثلاثة كان له ذلك لان فتح الباب هدم بعض الحائط ولو أراد أن يرفع جميع الحائط لم يكن لاحد أن يمنعه من ذلك فكذا إذا أراد أن يفتح فيه بابين أو ثلاثة وهذا لانه هو الذي يتطرق في هذا الطريق من أي باب دخل منه في منزله ولا يستحق ببابين إلا ما يستحقه بباب واحد فهو بهذا التصرف لم يزد على مقدار حقه فيما يستوفيه ولو كان هذا المنزل بين اثنين فقسماه بينهما وفتح كل واحد منهما بابا إلى الطريق كان لهما ذلك لان لهما حق التطرق في هذا الطريق إلى منزلهما فلا فرق بين أن يتطرقا فيه من باب أو بابين وان كان صاحب المنزل

[ 58 ] واحدا فاشترى دارا من وراء هذا المنزل وفتحها إليه واتخذ لها طريقا في هذا المنزل وفي هذا الطريق فان كان ساكن الدار والمنزل واحدا فله أن يمر من الدار في المنزل وفي الطريق المرفوع بينهم لان له حق التطرق في هذا الطريق إلى منزله وبعد مادخل منزله فلا يمنعه أحد من أن يدخل داره لانه ينتقل من ناحية من ملكه إلى ناحية أخرى ولانه لاضرر على أهل الطريق إذا كان ساكن الدار والمنزل واحدا وان كان للدار ساكن آخر لم يكن له أن يمر في هذا الطريق لانه ماكان لصاحب الدار حق التطرق في هذا الطريق فليس له أن يحدث لنفسه فيه حقا وصاحب الممر يريد أن يستوفي من ملك الغير أكثر من حقه وليس له ذلك بخلاف مااذا كان صاحب المنزل والدار واحدا وقد بينا الفرق بين الطريق والشرب في هذا ولو اختصم أهل الطريق في الطريق وادعى كل واحد منهم انه له فهو بينهم بالسوية إذا لم يعرف أصله لاستوائهم في اليد على الطريق والاستعمال له ولا يجعل على قدر مافى أيديهم من ذرع الدار والمنزل لان حاجة صاحب المنزل الصغير إلى الطريق كحاجة صاحب الدار الكبيرة وهذا بخلاف الشرب فان عند اختلاف الشركاء فيه يجعل بينهم على قدر أراضيهم لان الحاجة هناك تختلف بكثرة الاراضي وقلتها فيجعل ذلك بينهم على قدر حاجتهم عند اشتباه الامر لاعتبار الظاهر وهنا حاجتهم إلى التطرق في الطريق سواء فلهذا يجعل الطريق بينهم سواء وبهذا تبين ما أشرنا إليه في المسألة الاولى أن صاحب المنزل باضافة الدار المشتراة إلى منزله لا يثبت لنفسه زيادة حق في الطريق ولو كان يعتبر في قسمة الطريق ذرع ملك كل واحد منهم عند الاشتباه لم يكن لصاحب المنزل أن يضيف الدار المشتراة إلى منزله وان عرف أصل الطريق كيف كان بينهم جعلته بينهم على ذلك لان ما اعتبرناه نوع من الظاهر فانما يصار إليه إذا لم تعلم حقيقة الحال بخلافة فان كانت دارا لرجل ولآخر فيها طريق مات صاحب الدار واقتسم ورثته الدار بينهم ورفعوا الطريق لصاحب الطريق ولهم ثم باعوه فارادوا قسمة ثمنه فلصاحب الطريق نصفه وللورثة نصفه لان الورثة قائمون مقام المورث ولو كان هو حيا فباعاه كان الثمن بينهما نصفين فبموته وكثرة ورثته لا يزداد نصيبه ولا ينقص نصيب صاحب الطريق وان لم يعرف ان أصل الدار بينهم ميراث وجحدوا ذلك قسم ذلك على عدد رؤسهم ورأس صاحب الطريق لانهم مستوون في الحق في الطريق وقد بينا ان البناء على الظاهر واجب ما لم يعلم خلافه وكل واحد منهما في الظاهر أصل في نصيب نفسه فيعتبر هذا الظاهر في قسمة ثمن الطريق بينهم وإذا

[ 59 ] كان في يد رجل بيت من الدار وفي يد آخر بيتان وفي يد آخر منزل عظيم وكل واحد منهم يدعي جميع الدار فكل واحد منهم ما في يده لان الظاهر يشهد له فيما في يده وساحة الدار بينهم أثلاثا لاستوائهم في اليد عليها فان كل واحد منهم مستعمل للساحة بكسر الحطب فيها وغير ذلك من وجوه الانتفاع بالساحات وان مات أحدهم عن ورثة كان لورثته ثلث الساحة لانهم قائمون مقامه في ذلك وان اقتسموا دارا ورفعوا طريقا بينهم صغيرا أو عظيما أو مسيل ماء لذلك فهو جائز لانه صلح جرى بينهم عن تراض وإذا اقتسم القوم دارا وفيها كنيف شارع على الطريق الاعظم أو ظلة فليس يحسب ذرع الظلة والكنيف في ذرع الدار لان ما تحت ذلك طريق هو حق لجماعة المسلمين فكيف يذرع ذلك في قسمة الدار بينهم (ألا ترى) أن عند أبى حنيفة رحمه الله لكل واحد من المسلمين أن يخاصم في رفع البناء وعندهما رحمهما الله إذا كان فيه ضرر للمسلمين فكذلك فعرفنا أنه لاحق للشركاء فيه الا في نقض البناء فيعتبر قيمة ذلك في القسمة بينهم فاما أن يذرع مع ذرع الدار فلا ولو كانت الظلة على طريق غير نافذ قد كان ذرعها يحسب في ذرع الدار لان حق قرار الظلة على ذلك الطريق مستحق لهم مشترك فهو بمنزلة علو في الدار سفله لغيرهم وقد بينا الاختلاف في كيفية القسمة في العلو والسفل بالذرع بين الشركاء والله أعلم (باب القسمة الدار للميت وعليه دين أو وصية) (قال رحمه الله وإذا اقتسم الورثة دار الميت وعليه دين ردت القسمة قليلا كان الدين أو كثيرا أما إذا كان الدين مستغرقا للتركة فلان الورثة لا يملكون التركة ولا ينفذ تصرفهم فيها والقسمة تصرف بحكم الملك وأما إذا قل الدين فلانه شاغل لكل جزء من التركة ولان القسمة للاحراز ولا يسلم للوارث شئ من التركة الا بعد قضاء الدين فهذه قسمة قبل أوانها فهو كقسمتهم في حياة الميت فان كان للميت مال سوى ذلك بعته في الدين ونفذت القسمة) لان كل مال الميت محل لقضاء الدين والمانع للقسمة قيام حق الغريم فإذا وصل إليه حقه من محله زال المانع من نفوذ القسمة وكذلك ان لم يكن للميت مال سوى ذلك فادى الورثة الدين من أموالهم على قدر مواريثهم أو ابراء الغريم الميت من الدين جازت القسمة لزوال المانع أما بوصول حقه إليه أو بسقوط دينه بالابراء وكما أن سائر تصرفات الورثة في التركة تنفذ إذا

[ 60 ] وصل إلى الغريم حقه فكذلك القسمة وإذا كان فيه وصية بالثلث لم تجز قسمة الوصي والورثة على الموصى له الغائب بغير قضاء قاض لان الموصي له بالثلث شريك الورثة في عين التركة حق لو أراد ايفاء حقه من محل آخر لم يملكوا ذلك فان كان هو غائبا وليس عنده خصم حاضر لم تجز القسمة والوصى لا يكون خصما عن الموصى له لانه قائم مقام الميت والملك الثابت للموصى له ملك متجدد والوصى انما ينتصب خصما عمن يكون خلف الميت في الملك الذي كان ثابتا للميت فلهذا يجوز قسمة الوصي مع الموصى له على الورثة ولا تجوز قسمته مع الورثة على الموصي له وانما تنظر القسمة بغير قضاء قاض لان القاضي إذا كان هو الذي قسم بعد قضائه لمصادفته موضع الاجتهاد وثبوت الولاية له علي الموصي له الغائب فيما يرجع إلى النظر له وإذا اقتسم الورثة دارا وفيهم وارث غائب وليس للميت وصي ولا للغائب وكيل ثم قدم الغائب فله أن يبطل القسمة وكذلك الصغير إذا كبر لانه لا ولاية للحضور مع الورثة على الغائب والصغير خصوصا في تصرفهم مع أنفسهم والقسمة بهذه الصفة وما ينقل ومالا ينقل في ذلك سواء وان كان شئ من ذلك ميراثا بين قوم ولادين على الميت ولا وصية ثم مات بعض الورثة وترك عليه دينا أو أوصي بوصية أو كان له وارث غائب أو صغير ولا وصي له فاقتسم الورثة الدار بغير قضاء قاض فللغرماء أن يبطلوا القسمة وكذلك أهل الوصية والوارث الغائب والصغير لان لهم شركة فيما اقتسموا من التركة اما في العين أو في المالية ولم يكن عنهم خصم حاضر ولانهم قائمون مقام الميت الثاني في حصته ولو كان هو حيا غائبا لم تنفذ قسمتهم عليه ان لم يحضر عنه خصم فكذلك بعد موته وإذا اقتسم الورثة دارا بينهم واشهدوا على أنفسهم بالقسمة ثم ادعت امرأة الميت مهرها وأقامت عليه البينة فلها أن تنقض القسمة ولايكون قسمتها واقرارها بالميراث خروجا من دينها لان دين الوارث كدين أجنبي آخر وللورثة أن يقضوا الدين من مال آخر لهم فيستخلصوا التركة لانفسهم فهى انما وافقت معهم في القسمة على أن يقضوا مهرها من محل آخر فلا يكون ذلك منها ابراء للميت عن المهر ولا اقرار بانه لادين لها ويكون لها ان تنقض القسمة لان القسمة لا تنفذ الا بشرط قضاء الدين واجازة الغريم القسمة قبل أن يصل إليه الدين لا يكون معتبرا بل وجود ذلك كعدمه لان تقديم قضاء الدين لحق الميت لا لحق الغريم خاصة فإذا لم يقضوا دينها كان لها أن تنقض القسمة وكذلك لو ادعى وارث آخر دينا على الميت فهو والمهر سواء ولو أن

[ 61 ] وارثا ادعى وصية لابن له صغير له الثلث وأقام البينة وقسموا الدار فان هذه القسمة لا تبطل حق ابنه في الوصية لان الاب لو أراد أن يرد هذه الوصية أو يبطل حق ابنه عنها بعد موت الموصي لا يملك ذلك فكذلك مساعد الورثة على القسمة لا يبطل حق ابنه في الوصية الا أن الاب ليس له أن يطلب وصية ابنه ولا أن يبطل القسمة لان القسمة تمت به ومن سعي في نقض ما قدتم ضل سعيه واقدامه على القسمة معهم اقرار بانه لاوصية لابنه لما بينا ان الموصى له بالثلث شريك الورثة في العين فالقسمة لا تصح بدون تميز حقه فيكون اقدامه على القسمة مع الورثة اقرارا بانه لاوصية لابنه بخلاف الدين فان قضاء حق الغريم من محل آخر جائز ولا يصير هو بدعوى الدين بعد القسمة مناقضا أو ساعيا في نقض ما قد تم به ويصير بدعوى الوصيه لابنه مناقضا في كلامه فلا تسمع دعواه وللابن إذا كبر أن يطلب حقه ويرد القسمة وإذا كانت الدار ميراثا بين قوم فاقتسموها على قدر ميراثهم من أبيهم ثم ادعى أحدهم أن أخاله من أبيه وأمه قد ورثاه معهم وأنه مات بعد ابنه فورثه هو وأراد ميراثه منه وقال انما قسمتهم لي ميراث من أبى ولم يكتبوا في القسمة انه لا حق لبعضهم فيما أصاب البعض وأقام البينة على ذلك لم تقبل بينته ولم تنقض القسمة لانه لما ساعدهم على القسمة وقد أقر أن جميع الدار ميراث بينهم من الاب فيكون في دعواه أن بعض الدار لاخيه مناقضا وهو بهذا الكلام يسعى في نقض ما قد تم به لان تمام القسمة كان برضاه وان كانوا كتبوا في القسمة أنه لاحق لبعضهم فيما أصاب البعض فهو أبقى لدعواه ومراده من قوله ولم يكتبوا ازالة الاشكال وبيان التسوية في الفصلين في الجواب فكذلك لو أقام البينة انه اشتراها من ابنه في حياته أو انه وهبا له وقبضها منه أو أنها كانت لامه ورثها منها لم تقبل بينته لانه مناقض في كلامه شارع في نقض ما قد تم به وإذا كانت القرية ميراثا بين ثلاثة نفر من أبيهم فمات أحدهم وترك ابنا كبيرا فاقتسم هو وعماه القرية على ميراث الجد وقبض كل واحد منهم حصته ثم أن ابن الابن أقام البينة على أن الجد أوصي له بالثلث لم تقبل بينته لانه لما ساعدهم على القسمة فقد أقر أنه لاوصية له فيها فكان هو في دعوى الوصية بعد ذلك مناقضا ولو ادعى لنفسه دينا على ابنه وأقام البينة على هذا الدين كان له أن يبطل القسمة لما بينا أن مساعدته اياهم على القسمة لا تكون اقرارا على أنه لادين على ابنه وانما ساعدهم على القسمة ليتبين نصيب الابن فيستوفى دينه منه (ألا ترى) أن الدين لو كان لغيره فاجاز الغريم

[ 62 ] القسمة كان ذلك باطلا وكان له أن يبطل القسمة فكذلك الوارث إذا كان هو الغريم ومعنى هذا أنه لا معتبر باجازة الغريم في القسمة لان المانع من نفوذها قيام دينه وذلك لا يختلف باجازته وعدم اجازته فلا يكون هو في دعوي الدين ساعيا في نقض ما قد تم به بخلاف مااذا ادعى الشركة في العين بالوصية بالثلث فالقسمة هناك تتم برضاه كما لو كان الموصى له أجنبيا آخر فيكون هو في دعوى الوصية ساعيا في نقض ما قد تم به وإذا ادعى الوارث أنه كان اشترى نصيب أبيه منه في حياته بثمن مسمى ونقده الثمن وأقام البينة على ذلك فهو جائز ولا يبطل ذلك بالقسمة لانه خصم في نصيبه سواء كان شراء أو ميراثا وقد تمت القسمة بحضرته ورضاه وإذا كانت الارض ميراثا بين قوم فاقتسموها وتقابضوا ثم أن أحدهم اشترى من الآخر قسمه وقبضه ثم قامت البينة بدين على الاب فان القسمة والشراء جميعا يبطلان وكذلك لو اشتراه غير وارث لان القسمة والشراء كلاهما تصرف من الوارث في التركة فلا ينفذ مع قيام الدين وإذا ورث ثلاثة نفر عن أبيهم دارا فاقتسموها أثلاثا وتقابضوا ثم أن رجلا غريبا اشترى من أحدهم قسمه وقبضه ثم جاء أحد الباقين فقال أنا لم أقسم فاشترى منه الثلث من جميع الدار ثم جاء الثالث فقال قد اقتسمناها وأقام البينة على ذلك وصدقه البائع الاول وكذبه الثاني وقال المشترى لاأدرى أقسمتم أم لا فالقسمة جائزة لانها تثبت بحجة أقامها من هو خصم والثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ثم القسمة بعد تمامها لا تبطل بجحود بعض الشركاء ويتبين أن الاول باع نصيب نفسه خاصة فكان بيعه صحيحا وأما الثاني انما باع ثلث الدار شائعا ثلث ذلك من قسمه وثلثا ذلك من نصيب غيره وانما ينفذ بيعه في نصيبه خاصة ويتخير المشتري فيه ان شاء أخذ ثلث قسمه بثلث الثمن وان شاء ترك لتفرق الصفقة عليه ولايقال ينبغى أن ينصرف بيعه إلى نصيبه خاصة لتصحيح عقده لانه ملكه في منزل معين وهو انما باع ثلث الدار شائعا فلا يمكن تنفيذ ذلك البيع في منزل معين بخلاف ما قبل القسمة فانه إذا باع ثلث الدار فانه ينصرف بيعه إلى نصيبه لان نصيبه ثلث شائع في جميع الدار كما باعه ولو كان المشترى أقر في الشراء الاول بالقسمة وأقرفي الشراء الآخر أنها لم تقسم والمسألة على حالها كان القضاء بينهم على ما وصفته لان في اثبات القسمة بينهم هم الخصماء ولاقول للمشترى في ذلك ولان المشترى في كلامه الثاني مناقض وقول المناقض غير معتبر في حق غيره ولكنه معتبر في حقه حتى إذا رد البيع الثاني فانه يرد عليه من نصيب الاول

[ 63 ] ثلثه لانه أقر به له وكانه جحده في الكلام الاول ولكن الاقرار بعد الجحود صحيح وان أمضي البيع لزمه ثلثا الثمن بثلث نصيب الاول وثلث نصيب الثاني لان زعمه معتبر في حقه فبقدر ما يسلم له بزعمه يلزمه ثلثه وقد سلم له بزعمه ثلثا ما اشتراه من الثاني ويرجع بثلث الثمن حصة نصيب الثالث لان ذلك لم يسلم له ويبقى في يد البائع الثاني ثلثا قسمه الذي أصابه لان المشترى منه ما سلم إليه ذلك القسم إلا الثلث وإذا أقر الرجل ان فلانا مات وترك هذه الارض وهذه الدار ميراثا ثم ادعى بعد ذلك أنه أوصى له بالثلث فانى أقبل منه البينة على ذلك ولا يخرجه قوله هذا من وصيته وكذلك لو ادعى دينا قبله لان محل الدين والوصية التركة وبعد الموت توصف التركة بأنها ميراث وان كان فيها دين أو وصية على معنى أنه كان ملكا للميت إلى وقت موته وانه ميراث لورثته إذا سقط الدين أو رد الموصي له فلا يكون هو في دعوى الدين والوصية مناقضا في كلامه بخلاف مااذا ادعى شراء من الميت أو هبة أو صدقة فانه لا يسمع دعواه ولاتقبل بينته على ذلك لانه مناقض في كلامه فان التركة اسم لما كان ملكا للمورث إلى وقت موته والمشترى منه في حياته لا يكون مملوكا عند موته وكذلك لو أقر أنها ميراث من غير أبيه فذلك غير مسموع منه للتناقض وإذا اقتسما القوم دارا ميراثا عن الميت والمرأة مقرة بذلك وأصابها الثمن وعزل لها علي حدة ثم ادعت انه أصدقها اياها وأنه اشتراها بصداقهما فانه لا يقبل ذلك منها لانها لما ساعدتهم على القسمة فقد أقرت انها كانت للزوج عند موته وصار ميراثا فيما بينهم فهى مناقضة في هذه الدعوى بعد ذلك وكذلك إذا اقتسموا فأصاب كل انسان طائفة بجميع ميراثه عن أبيه ثم ادعى أحدهم في قسم الآخر بناء أو نخلا زعم أنه هو الذي بناه أو غرسه وأقام البينة بذلك لم يقبل منه لانه قد سبق منه الاقرار أن جميع ذلك ميراث لهم من الاب لان هذا القسم صار ميراثا لاخيه من أبيه وذلك يمنعه من دعوى الملك لنفسه لامن جهة أبيه ولو اقتسموا دارا أو أرضا فيها زرع ونخيل حامل ولم يذكروا الحمل في القسمة وانما أشهدوا بما أصاب كل واحد منهم بميراثه من أبيه فان الزرع والثمار لا يدخلان في هذه القسمة حتى كان لكل واحد منهم أن يطلب نصيبه منها لان القسمة في هذا كالبيع وقد بينا أن الثمار والزرع لا يدخلان في البيع ان لم يشترط بكل قليل وكثير هو منه أو فيه فكذلك لا يدخلان في القسمة ولو كانت للدار والارض غلة من اجارة كانت أو من ثمن ثمرة دين على رجل لم يدخل ذلك في القسمة لانه غير متصل بما جرت القسمة بينهم فيه

[ 64 ] وبقى ذلك بينهم على المواريث ولو شرطوا ذلك في قسم رجل كانت القسمة فاسدة لان كل واحد منهم يصير مملكا نصيبه من ذلك الدين ممن شرط له بما يملك عليه من نصيبه من العين وتمليك الدين من غير من عليه الدين بعوض لا يجوز ولو اقتسموا على أن ضمن أحدهم دينا على الميت مسمى كان هذا باطلا إذا كان في أصل القسمة لان القسمة كالبيع ولو شرط على المشترى في البيع أن يضمن دينا على البائع كان باطلا فكذلك إذا شرط في القسمة وان ضمنه بغير شرط في القسمة على أن لا يبيع الوارث الميت ولا ميراثه بشئ من ذلك وعلى أن يبرئ الغرماء الميت كان هذا جائزا ان رضى الغرماء بضمانه كما لو ضمنه أجنبي آخر بشرط براءة الميت ورضي الغرماء بذلك وهذا لان المانع من القسمة قيام الدين على الميت وقد زال ذلك فان أبى الغرماء أن يقبلوا ضمانه فلهم نقض القسمة لقيام دينهم على الميت وهو مانع من نفوذ القسمة وان تراضوا بضمانه وابرؤا الميت ثم نوى المال عليه رجعوا في مال الميت حيث كان لانهم أبرءوه بشرط وهو أن يسلم لهم دينهم من جهة الضامن فإذا لم يسلم كانوا على حقهم في اتباع تركة الميت بمنزلة المحتال عليه إذا مات مفلسا فان الدين يعود إلى ذمة المحيل والله أعلم بالصواب (باب دعوى الغلط في القسمة) (قال رحمه الله وإذا اقتسم القوم أرضا ميراثا بينهم أو شراء وتقابضوا ثم ادعى أحدهم غلطا في القسمة فانه لا يشتغل باعادة القسمة بمجرد دعواه) لان القسمة بعد تمامها عقد لازم فمدعي الغلط يدعى لنفسه حق الفسخ بعد ما ظهر سبب لزوم العقد وقوله في ذلك غير مقبول كالمشترى إذا ادعى لنفسه خيارا بسبب العيب أو الشرط ولكن ان أقام البينة على ذلك فقد أثبت دعواه بالحجة فتعاد القسمة بينهم حتى يستوفي كل ذى حق حقه لان المعتبر في القسمة المعادلة وقد ثبت بالحجة أن المعادلة بينهم لم توجد كما لو ثبت المشتري العيب بالبينة وان لم يكن له بينة وأراد ان يستحلفهم على الغلط فله ذلك لانهم لو أقروا بذلك لزمهم فإذا أنكروا استحلفوا عليهم لرجاء النكول فمن حلف منهم لم يكن له عليه سبيل ومن نكل عن اليمين جمع نصيبه إلى نصيبه ثم يقسم ذلك بينهما على قدر نصيبهما لان الناكل كالمقر واقراره حجة عليه دون غيره ففيما في يده يجعل كان ما أقر به حق فيقسم بينهما على قدر نصيبهما وكذلك

[ 65 ] كل ما يقسم فهو على هذا لا يعاد ذرع شئ من ذلك ولا مساحته ولا كيله ولاوزنه إلا بحجة لان الظاهر ان القسمة وقعت على سبيل المعادلة وانه وصل إلى كل ذى حق حقه والبناء على الظاهر واجب ما لم يثبت خلافه وإذا اقتسم رجلان دارين وأخذ احدهما دارا والاخر دارا ثم ادعى احدهما غلطا وجاء بالبينة ان له كذا كذلك ذراعا في الدار التى في يد صاحبه وفصلا في قسمة فانه يقضى له بذلك الذرع ولا تعاد القسمة وليس هذا كالدار الواحدة في قول أبى يوسف رحمهما الله واما في قول أبى حنيفة فالقسمة فاسدة والدار ان بينهما نصفان لان الثابت بالبينة كالثابت باتفاق الخصمين ومن أصل أبى حنيفة رحمه الله ان هذه القسمة بمنزلة البيع حتى لا تجوز الا بالتراضى وبيع كذا كذا ذراعا من الدار التى في يد الغير لا يجوز في قول أبى حنيفة رحمه الله وقد بيناه في البيوع فكذلك إذا شرط ذلك لاحدهما في دار صاحبه في القسمه كانت القسمة فاسدة وأما على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله هذا بمنزلة البيع أيضا لما بينا ان قسمة الخبر في الدار انما تجري عندهما إذا رأى القاضي المصلحة فيه فأما بدون ذلك فهو كالبيع ولكن من أصلهما أن بيع كذا كذا ذراعا من الدار جائز فكذلك اشتراط ذلك في القسمة لاحدهما لايمنع صحة القسمة وبه فارق الدار الواحدة لان معنى التمييز هناك يغلب على المعاوضة في القسمة ولهذا لا يجبر عليه بعض الشركاء عند طلب البعض فإذا شرط لاحدهما كذا كذا ذراعا في نصيب صاحبه لا يحصل التمييز بهذه القسمة بل الشرط والشيوع يبقى بذلك القدر فلا تصح القسمة بخلاف الدارين فمعنى المعاوضة هناك يغلب على ما بينا وتتحقق المعاوضة مع شرط كذا كذا ذراعا لاحدهما في دار صاحبه وإذا اقتسما أقرحة فأصاب أحدهما قراحان والآخر أربعة أقرحة ثم ادعى صاحب القراحين أحد الا قرحة التى في يد الآخر وأقام البينة انه له فأصابه في قسمة فانه يقضي له به لانه أثبت الملك لنفسه في تلك العين بالقسمة وأثبت انه لم يقبضه واستولى عليه شريكه بغير حق فيقضي له بذلك كما لو ثبت ذلك باقرار صاحبه وكذلك هذا في الاثواب فان لم يكن للمدعى بينة كان له أن يستحلف الذي في يده الثوب لان ذي اليد مستحق له باعتبار يده ظاهرا ولكن لو أقر بما ادعى حق صاحبه امر بتسليمه إليه فإذا انكر استحلف على ذلك وان اقام البينه على ثوب بعينه مما في يد صاحبه انه أصابه في قسمة وجاء الآخر ببينة انه أصابه في قسمة فالبينة بينة الذي ليس الثوب في يده لان دعواهما في الثوب دعوى الملك وبينة الخارج فيه تترجح على بينة ذي اليد لانه هو المحتاج

[ 66 ] إلى اقامة البينة وهو المثبت على صاحبه لما يدعيه بالبينة وكذلك هذا الاختلاف في بيوت الدار وان اقتسما مائة شاة فاصاب أحدهما خمس وخمسون شاة وأصاب الاخر خمس وأربعون شاة ثم ادعى صاحب الاوكس غلطا في التقويم لم تقبل بينته على ذلك وهذه المسألة في الحاصل على ثلاثة أوجه أحدهما ان يدعى الغلط في التقويم وذلك غير مسموع منه وان أقام البينة على ذلك لانه شاع في نقض ما قد تم به والقيمة تعرف بالاجتهاد وذلك يختلف باختلاف المقومين واختلاف الاوقات والامكنة ولانه بهذه البينة لا يثبت شيئا في ذمة غيره انما يثبت قيمة ما تناوله فعل القسمة وفعل القسمة لاقى العين دون القيمة وذلك يختلف باختلاف مقدار القيمة بخلاف الغصب فان بينة المغصوب منه على مقدار قيمته تقبل لانه يثبت ذلك دينا في ذمة الغاصب فالمغصوب مضمون بالقيمة دينا في ذمة الغاصب توضيحه أن القسمة في معنى البيع ومع بقاء عقد البيع لاتقبل البينة على قيمة المبيع من أحد المتعاقدين على صاحبه فكذلك في القسمة والثاني أن تكون الدعوى في عدد ما أخذ كل واحد منهما بان قال أحدهما لصاحبه احدث احدى وخمسين غلطا أو أحدث أنا تسعة وأربعين وقال الآخر ما أحدث أنا الا خمسين فالقول قوله مع يمينه وعلى المدعي البينة لان الاختلاف بينهما في مقدار المقبوض فالقول قول المنكر للزيادة وعلى من يدعى الزيادة فيما قبض صاحبه اثباته بالبينة ولانه يدعى شاة مما في يد صاحبه انها ملكه اصابته في القسمة وصاحبه ينكر ذلك فالقول قوله مع يمينه والثالث ان قال أخطأنا في العدد وأصاب كل واحد منا خمسين خمسين وهذه الخمسين خطأ كان منا وقال الآخر قد اقتسمنا على هذا لك خمس وأربعون ولى خمس وخمسون وليس بينهما بينة والغنم قائمة بعينها تحالفا وتراد لان القسمة في معنى البيع واختلاف المتبايعين في البيع حال قيام السلعة توجب التحالف والتراد فكذلك في القسمة لانه عقد محتمل للفسخ بعد لزومه بالتراضى فيفسخ بالتحالف أيضا وان أقام كل واحد منهما بينة على ذلك ردت بالقسمة لان صاحب الخمس وأربعين هو المدعى وهو المثبت ببينته فيترجح كذلك بينته ويصير كأن خصمه صدقه فيما قال فتبطل القسمة ويستقبلانها على وجه المعادلة وإذا اقتسما دارا ولم يشهدا على القسمة حتى اختلفا فقال هذا أصابني هذه الناحية وهذا البيت فيها وقال الذي هي في يديه أصابني هذا كله تحالفا وترادا لان الاختلاف بينهما في المعقود عليه في الحاصل وان كانت لهما بينة على القسمة أنفذت بينتهما على ما يشهد به الشهود كما لو اتفق الخصمان عليه وهذا لان ما أصاب

[ 67 ] كل واحد منهما معلوم بحدة وقد تحقق التمييز بينهما بهذه القسمة بخلاف ما تقدم فهناك أبتت بينة صاحب الخمس وأربعين انه بقى من حقه خمس شائعة فيما أخذه صاحبه فلهذا تبطل القسمة وان اختلفا في الحد فيما بينهما فقال احدهما هذا الحد لى قد دخل في نصيب صاحبه وقال الآخر هذا الحد لى قد دخل في نصيب صاحبه فان قامت لهما بينة أحدث بينة هذا وبينة هذا لان كل واحد منهما ثبت الملك لنفسه في جزء مما في يد صاحبه بعينه واجتمع ذلك الجزء بينة الخارج وبينة ذى اليد فيترجح بينة الخارج وان لم يقم لهما بينة أستحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه وجعل لكل واحد منهما يدعي لنفسه جزءا معينا في يد صاحبه وان أراد أحدهما أن يرد القسمة ردها بعد ما يتحالفان لما يبنا أن الاختلاف بينهما في المعقود عليه وفي مقدار ما حصل لكل واحد منهما بالقسمة وذلك موجب للتحالف وبعد التحالف ترد القسمة إذا طلب ذلك احدهما كما في البيع * رجل مات وترك دارا وابنين فاقتسما الدار وأخذ كل واحد منهما النصف وأشهد على القسمة والقبض والوفاء ثم ادعي أحدهما بيتا في يد صاحبه لم يصدق على ذلك الا أن يقر به صاحبه من قبل أن قد أشهد على الوفاء يعنى أنه أقر باستيفاء كمال حقه فبعد ذلك هو مناقض فيما يدعيه في يد صاحبه فلا تقبل بينته على ذلك ولكن ان أقر به صاحبه فاقراره ملزم اياه والمناقض إذا صدقه خصمه فيما يدعى ثبت الاستحقاق له ولو لم يكن له أشهد بالوفاء ولم يسمع منه اقرار بالقسمة حتى قال اقتسمنا فأصابني في هذه الناحية وهذا البيت والناحية في يده والبيت في يد صاحبه وقال شريكه بل أصابني البيت وما في يدى كله فانى أسأل المدعى عن البيت أكان في يد صاحبه قبل القسمة فلم يدفعه إليه أو غصب منه بعد القسمة فان قال كان في يدى بعد القسمة فغصبناه وأعرته أو أجرته لم أنقض القسمة لتصادقهما على شريكه بقبض لكل واحد منهما جميع نصيبه وبقى دعواه أن البيت وصل إلى يد صاحبه من يده وصاحبه جاحد لذلك فالقول قوله مع يمينه وان كان قال في يد صاحبي قبل القسمة فلم يسلمه الي تحالفا ويراد أن الاختلاف بينهما في مقدار ما أصاب كل واحد منهما بالقسمة وقد بينا أن الاختلاف في المعقود عليه يوجب التحالف في القسمة فكذلك الاختلاف في الحد وعلى هذا القسمة في جميع أجناس الاموال يكون الجواب على التقسيم الذى قلنا إذا ادعى أحدهما شيئا في يد صاحبه ولو ادعى غلطا في الذرع فقال أصابني الف وأصابك الف فصار في يدك الف ومائة وفي يدي تسعمائة وقال الآخر أصابك ألف وأصابني الف فقبضتها

[ 68 ] ولم أزد فالقول قول الذي يدعي قبله الغلط مع يمينه لان صاحبه يدعى عليه أنه قبض زيادة على حقه وهو منكر لذلك وان قال أصابني الف ومائة و أصابك الف ومائة وقال الآخر أصابني الف وأصابك الف فقبضت أنت الفا ومائة وقبضت تسعمائة تحالفا وتراضيا لانهما تصادقا على أن المدعى عليه قبض الف ومائة وانما الاختلاف بينهما في مقدار نصيبه بالقسمة فالمدعى يقول نصيبك الف والمدعى عليه يقول نصيبي الف ومائة والاختلاف في المعقود عليه يوجب التحالف بينهما ولان المدعى لم يقر بقبض المائة هنا والمدعى عليه يدعى ذلك فلابد من استحلافه وقد توجهت اليمين على المدعى عليه لما بينا فلهذا تحالفا وترادا ولو قال كنت قبضتها فقبضتها لم أنقض القسمة وأحلف المدعى قبله الفصل لانهما تصادقا على انتهاء القسمة بقبض كل واحد منهما تمام نصيبه ثم ادعى أحدهما الغصب على صاحبه وهذا هو الحرف الذي تدور عليه هذه الفصول أن القسمة حيازة وتمامها بالقبض فإذا تصادقا على قبض كل واحد منهما تمام نصيبه بالقسمة لم يكن الاختلاف بينهما بعد ذلك اختلافا في المعقود عليه وإذا اختلفا في مقدار ما قبضه كل واحد منهما كان ذلك اختلافا في المعقود عليه فيثبت حكم التحالف بينهما ولو اقتسما مائة شاة فصار في يد أحدهما ستون وفي يد الآخر أربعون فقال الذي في يده الاربعون أصاب كل واحد منا خمسون وتقابضنا ثم غصبني عشرا باعيانها وخلطتهما بغنمك فهى لا تعرف وجحد ذلك الآخر الغصب وقال بل أصابني ستون وأنت أربعون فالقول قوله مع يمينه لتصادقهما على أن كل واحد منهما قبض كمال حقه بالقسمة ثم ادعى أحدهما الغصب على صاحبه وأنكر صاحبه ذلك فالقول قوله مع يمينه فلو قال الاول أصابني خمسون فدفعت الي أربعين وبقي في يدك عشرة لم تدفعها الي وقال الآخر أصابني ستون وأصابك أربعون تحالفا وتراد الان الاختلاف بينهما في مقدار ما أصاب كل واحد منهما ولو كان أشهد عليه بالوفاء قبل هذه المقالة كان القول قول الذي في يده ستون لاقرار صاحبه باستيفاء كمال حقه ولا يمين عليه لان صاحبه مناقض في الدعوى بعد ذلك الاقرار وبالدعوى مع التناقض لا يستحق اليمين على الخصم فان ادعى الغصب بعد القبض حلف المنكر عليه لان دعوى الغصب منه دعوى صحيحة ولا تناقض فيها فيستوجب فيها اليمين على المنكر وان لم يشهد بالوفاء فقال الذي في يده الاربعون كانت غنم والدي مائة شاة فأصابني خمسون وأصابك خمسون وتقابضنا ثم غصبني عشرا وهى هذه وقال الذي في يده الستون بل كانت

[ 69 ] غنم والدي مائة وعشرين فأصابني ستون وأنت ستون ولم أغصبك وقد تقابضنا فان هذا قد أقر بفصل عشر من الغنم ليس فيها قسمة لان الآخر انما أقر بقسمة المائة وهو منكر للقسمة فما زاد على المائة وقد أقر ذو اليد ان هذه العشرة زيادة على المائة وادعى القسمة فيها ووصول مثلها إلى صاحبه وصاحبه منكر فالقول قوله مع يمينه وإذا حلف بقيت هذه العشرة في يده غير مقسومة فيردها ليقسم بينهما فان لم يقر بفصل على مائة وقال كانت مائة فأصابني ستون وأنت أربعون فالقول قوله مع يمينه على الغصب الذي ادعاه صاحبه قبله من قبل أن شريكه قد أبرأه من خصه المائة ولم يبرأ من حصته من الفضل عليها فان كانت قائمة بعينها اقتسماها نصفين والا أفسدت القسمة لجهالة العشرة التى لم تتناولها القسمة فالغنم تتفاوت وبجهالة ما لم تتناوله القسمة يصير ما تناولته القسمة مجهولا فالسبيل أن ترد الستون والاربعون وتستقبل القسمة فيما بينهما لفساد القسمة الاولى والله أعلم (باب قسمة الوصي على أهل الوصية والورثة) (قال رحمه الله وإذا كان في الميراث دين على الناس فادخلوه في القسمة لم يجز لما بينا ان من وقع الدين في نصيبه يكون متملكا على أصحابه نصيبهم من الدين بعوض وتمليك الدين من غير من عليه الدين بعوض لا يجوز) وكذلك لو اقتسموا الدين فاخذ كل واحد منهم من حقه فيها دينا على رجل خاصة لم يجز لان كل واحد منهم مملك نصيبه مما في ذمة زيد من صاحبه لم يتملك عليه من نصيبه مما في ذمة عمر وإذا كان تمليك الدين من غير من عليه الدين لا يجوز بعوض عين فلان لا يجوز بعوض دين أولى وكذلك ان كان الدين كله على رجل واحد فقسمتهم فيه قبل القبض باطلة لان القسمة حيازة ولا يتحقق ذلك فيما في الذمة ولا تجوز قسمة وصي الاب بين الصغير لان القسمة في معنى المعاوضة وليس للوصي ولاية بيع مال أحد القسمين من صاحبه لانه لا ينفرد بالتصرف الا عند منفعة ظاهرة لليتيم وفي هذا التصرف أن نقع احدهما أضر بالآخر وان كان معهم ورثة كبار فان قسم نصيب الصغيرين معا جاز ذلك لان المعاوضة في مال الصغيرين مع الوارث الكبير جائزة فكذلك قسمة نصيب الصغيرين معا مع الوارث الكبير (قال) في الاصل وكذلك الاب ومراده هذا الفصل لا ما قبله فقسمة الاب مع ابنيه الصغيرين جائزة لانه يملك بيع مال أحدهما من صاحبه بخلاف الوصي فيفرده

[ 70 ] بالتصرف ولا يتقيد بشرط منفعة ظاهرة للصبي ولا تجوز قسمة وصى الميت على الكبار وهم كارهون لانه لا ولاية له عليهم في المعاوضة والتصرف في مالهم إذا كانوا حضورا فان كان فيهم غائب فقاسم الوصي عليه لم يجز في العقار وجاز في غيره لان القسمة في العروض من الجفظ وللوصي ولاية الحفظ في نصيب الكبير الغائب فكان له في نصيبه من القسمة ما يرجع إلى الحفظ فاما العقار فحصته بنفسها وليس في قسمتها معنى الحفظ بل هو مطلق التصرف ولا ولاية له في نصيب الكبير الغائب في مطلق التصرف وان كان فيهم صغير وكبير غائب وكبير حاضر فعزل الوصي نصيب الكبير الغائب مع نصيب الصغير وقاسم الكبار الحضور فهو جائز في العقار وغيرها في قول أبى حنيفة رحمه الله ولايجوز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله على الكبير الغائب في العقار وهذه تنبنى على ما بيناه في كتاب الشفعة ان عند أبى حنيفة بثبوت ولايته في نصيب الصغير يملك بيع جميع التركة من العقار وغيره وعندهما لا يملك البيع الا في نصيب الصغير فكذلك القسمة لان فيها معنى البيع وكذلك الحكم في وصى الذمي لانه في ملك التصرف كوصي المسلم فان كان الوصي ذميا والميت ورثته مسلمين فانه يخرج من الوصية لان في الوصية نوع ولاية ولا ولاية للكافر على المسلم وان قاسم على الصغير قبل أن يخرج جازت قسمته مثل قسمة الوصي المسلم لان القسمة تصرف منه كسائر التصرفات والانابة في التصرف بعد الموت كالا نابة في الحياة بالوكالة ولو وكل المسلم ذميا بالتصرف نفذ تصرفه عليه فكذلك إذا جعله وصيا في التصرف بعد موته قلنا ينفذ تصرفه بطريق النيابة ما لم يخرج من الوصاية لاعتبار معنى الولاية وكذلك لو كان الوصي عبدا لغير الميت فهو وصي نافذ التصرف بطريق النيابة بمنزلة مالو وكله في حياته حتى يخرجه القاضي من الولاية فالرقيق ليس من أهل أن تثبت له الولاية على غيره لانه لا ولاية له على نفسه وانما يتعدى إلى الغير عند وجود شرط التعدي ماكان للمرإ من الولاية على نفسه ولا تجوز قسمة الكافر والمملوك على الولد الصغير الحر المسلم كما لا تجرى عليه سائر تصرفاته لانه لا ولاية له عليه وهو ليس بنائب عن الصغير في التصرف لينفذ بطريق النيابة ويجعل كتصرف المنوب عنه ولايجوز قسمة الحربي المستأمن على ابن صغير له ذمى لان الذمي من اهل دارنا ولا ولايه للحربى على من هومن اهل دارنا ويجوز على ابن له مثله لثبوت ولايته عليه قال الله تعالى والذين كفروا بعضهم أولياء بعض الاية ولا تجوز قسمة المرتد إذا قتل على ردته على ولد له صغير مثله مرتد

[ 71 ] لانه لا ولاية له عليه ولانه لا ولاية له على التصرف في ماله إذا قتل على ردته حتى تبطل قسمته لنفسه وسائر تصرفاته إذا قتل على الردة في قول أبى حنيفة رحمه الله ففى حق ولده الصغير أولى والمعتوه المغلوب بمنزلة الصغير في جميع ما وصفنا لانه لا ولاية له علي نفسه وهو محتاج إلى تصرف الولى له كالصغير وأما المبرسم والمغمى عليه والذي يجن ويفيق فلا تجوز عليه القسمة إلا برضاه أو وكالته في حال افاقته لان بهذه العوارض لاتزول ولايته عن نفسه فلا يصير موليا عليه وإذا كان يجوز تنفيذ التصرف له وعليه برأيه في حال افاقته بطريق التوكيل فلا حاجة إلى اقامة رأى الولى مقام رأيه بخلاف الصغير والمعتوه فانه لا يمكن تنفيذ التصرف له وعليه باعتبار رأيه في ذلك فأقمنا رأى الولى مقام رأيه لتحقق الحاجة وأهل الذمة في القسمة بمنزلة أهل الاسلام الا في الخمر والخنزير يكون بينهم فأراد بعضهم قسمتها وأبى بعضهم فاني أجبرهم على القسمة كما أجبرهم على قسمة غيرها لان الخمر والخنزير مال متقوم في حقهم كالخل والغنم في حق المسلمين وان اقتسموا فيما بينهم خمرا وفضل بعضهم بعضا في كيلها لم يجز الفضل في ذلك فيما بينهم لانه مال الربا فانه مكيل أو موزون وفي حكم الربا هم يستوون بالمسلمين فهو مستثنى من عقد الذمة وإذا كان وصيى الذمي مسلما كرهت له مقاسمة الخمر والخنزير ولكنه يوكل من يثق به من أهل الذمة فيقاسم الصغير ويبيع ذلك بعد القسمة لان المسلم ممنوع من التصرف في الخمر والخنزير والقسمة نوع تصرف فينبغي أن يفوض ذلك إلى ذمى ولا يشكل جواز ذلك على أصل أبى حنيفة رحمه الله لانه يجوز للمسلم أن يوكل الذمي بالتصرف له في الخمر والخنزير وكذلك على قولهما هنا لان الوكيل نائب عن الصغير وحكم تصرفه يثبت للصغير (ألا ترى) أنه يرجع بما يلحقه من العهدة في مال الصغير والوصيى فيما يأمر من ذلك كالقاضي وأمر القاضي الذمي بالبيع والقسمة في خمور يتامى اهل الذمة صحيح فكذلك أمر الوصي به وان وكل الذمي المسلم بقسمة ميراث فيه خمر وخنزير لم يجز ذلك من المسلم كما لا يجوز بيعه وشراؤه في الخمر والخنزير لانه انما يتصرف للغير بوكالته في مال يجوز له أن يتصرف فيه لنفسه لو كان مملوكا له وليس للمسلم الوكيل ان يوكل بقسمة ذلك غيره لان الموكل لم يرض برأى غيره فيه فان فوض ذلك إليه فوكل ذميا به جاز وإذا أسلم أحد الورثة فوكل ذميا بمقاسمة الخمر والخنزير مع سائر الورثة جاز في قول أبى حنيفة رحمه الله ولم يجز في قولهما لان في القسمة معنى البيع فهو كالمسلم يوكل الذمي ببيع الخمر والخنزير ولو أخذ نصيبه من الخمر فجعله خلا كان المسلم ضامنا

[ 72 ] لحصة شركائه من الخمر التى خللها لان القسمة لم تصح عندهما كما لو باشر بنفسه فانما قبض نصيب شركائه من الخمر بحكم عقد فاسد وقد خللها فيكون ضامنا لنصيبهم من القيمة ويكون الخل له وإذا كان في تركة الذمي خمرا وخنزير وغرماؤه مسلمون وليس له وصي فان القاضي يوكل ببيع ذلك رجلا من أهل الذمة فيبيعه ويقضي به دين الميت لان من يأمره القاضي يكون نائبا عن الميت ولهذا يرجع بما يلحقه من العهدة في مال الميت والميت كافر فيجوز بيع الذمي خمرة على سبيل النيابة عنه والغرماء انما يقبضون الثمن بدينهم لا أن يكون بيع قيم القاضي واقعا لهم والمكاتب كالحر في القسمة لانه من صنيع التجار وفيها معنى المعاوضة كالبيع وان عجز بعد القسمة لم يكن لمولاه فسخها لان القسمة تمت في حال قيام الكتابة فهو كبيع أو شراء أتمه المكاتب ومقاسمته مع مولاه جائزة لانه في التصرف مع المولى بيعا أو شراء كاجنبي آخر فكذلك المقاسمة ولا تجوز مقاسمة المولى على المكاتب بغير رضاه سواء كان المكاتب حاضرا أو غائبا لانه في حكم التصرف في كسبه كاجنبي آخر فان فعل ذلك ثم عجز المكاتب وصار ذلك لمولاه لم تجز تلك القسمة كما لا ينفذ سائر تصرفاته بعجز المكاتب لانه حين تصرف كان هو من كسب المكاتب كالاجنبي وان وكل المكاتب بالقسمة وكيلا ثم عجز أو مات لم يجز لوكيله أن يقاسم بعد ذلك لان الوكيل نائب عن الموكل وقد زالت ولاية الموكل بعجزه وبموته حتى لا ينفذ منه هذا التصرف بعد العجز لو باشره لنفسه فكذلك من وكيله وان أعتق فهو على وكالته لان ولايته بالعتق ازدادت قوة فتصرف الوكيل له بعد عتقه كتصرفه بنفسه وان أوصى المكاتب عند موته إلى وصى فقاسم الوصي ورثة المكاتب الكبار لولده الصغير وقد ترك وفاء فان قسمته في هذا جائز على ما تجوز عليه قسمة وصى الحر لانه يؤدي كتابته ويحكم بحريته حال حياته وكانه أدى الكتابة بنفسه ثم مات فيكون وصيه في التصرف على ولده الصغير كوصي الحر وقال في الزيادات وصيه بمنزلة وصى الحر في حق الابن الكبير الغائب حتى يجوز قسمته فيما سوي العقار وما ذكر هناك أصح لانه لا يثبت للمكاتب على ولده الصغير ولاية مطلقة وان استندت حريته إلى حال حياته لانه في تلك الحال مشغول بنفسه لا يمكنه أن ينظر إلى الولد فلا تثبت له الولاية وانما تثبت الولاية المطلقة للوصي إذا كان للموصى ولاية مطلقة (ألا ترى) أن وصى الاخ والعم لا يثبت له من الولاية الاقدر ماكان للموصى فهنا أيضا كان للموصي على ولده الصغير المولود في الكتابة من الولاية ما يرجع إلى الحفظ ولا ولاية له

[ 73 ] عليه فوق ذلك فكذلك وصيه بعد موته وما زاد على هذا من البيان قد ذكرنا في إملاء شرح الزيادات وان لم يترك وفاء فقاسم الوصي الولد الكبير للولد الصغير وقد سعوا في المكاتبة لم يجز لانه لا ولاية له على الولد الصغير فانه مكاتب للمولى إذا اختار المضي على الكتابة فان أدوا المكاتبة قبل أن يردوا القسمة أجزت القسمة لانهم لما أدوا الكتابة حكم بعتق المكاتب وكان وصيه كوصي الحر على هذه الرواية حتى يملك استئناف القسمة فكذلك تنفذ تلك القسمة منه لانه لا فائدة في الاشتغال بنقض قسمة يحتاج إلى اعادتها والعبد التاجر بمنزلة الحر في القسمة لانه من صنيع التجار وهو نظير البيع فإذا قاسم العبد التاجر عبدا تاجرا مثله وهما لرجل واحد جاز ذلك ان كان عليهما دين أو على أحدهما وان لم يكن على واحد منهما دين فقسمتهما باطلة بمنزلة البيع والشراء وهذا لان كسبهما لمالك واحد والقسمة في مال هو خالص لمالك واحد لاتتحقق ولان مقاسمة كل واحد منهما مع عبد مولاه كمقاسمته مع مولاه ولو كانا مكاتبين لرجل واحد جازت قسمتهما لان كل واحد من المكاتبين في كسبه بمنزلة الحر في التصرف ولا ملك للمولى في كسب واحد منهما فان قاسم العبد التاجر مولاه دارا وعليه دين جازت القسمة وان لم يكن عليه دين لم تجز القسمة لان المولى من كسب عبده المديون بمنزلة الاجنبي في التصرف وان تصرف العبد لغرمائه وكذلك لو كانت الدار بين العبد ورجل آخر فقاسم مولى العبد الشريك بغير رضاء العبد فان لم يكن على العبد دين فهو جائز وان كان عليه دين قليل أو كثير لم يجز الا أن يسلمه العبد بمنزلة سائر تصرفات المولى في كسبه وان قاسم العبد التاجر رجلا أجنبيا دارا " بغير أمر مولاه وعليه دين أو لادين عليه فهو جائز لانه من نوع التجارة وقد استفاده بمطلق الاذن في التجارة ولا تجوز قسمة العبد المحجوز عليه بغير أمر من المولى والحاصل أن القسمة تصرف كالبيع والشراء فانما تصح ممن يملك البيع والشراء في ذلك المحل ولو كان عبد بين رجلين أذن له أحدهما في التجارة فاشترى هو ورجل آخر دارا جاز ذلك في حصة الذى أذن له لان الاذن فك الحجر وقد ثبت ذلك في نصيب الذي أذن له فينفذ تصرفه باعتباره في حصته كما لو كاتب أحد الشريكين نصيبه من العبد وان قاسم العبد شريكه فهو جائز كما لو باع نصيبه من شريكه أو من غيره جاز ذلك لثبوت حكم انفكاك الحجر في نصيب الاذن منه ولو كانت دار بينه وبين مولاه الذي لم يأذن له فقاسمها اياه جاز ذلك لان نفوذ تصرفه مع الاجنبي بسبب انفكاك الحجر عنه في نصيب