مبسوط السرخسي - الجزء الحادي و العشرون2
[ 90 ]
فهو ضامن في القياس قيمته للراهن وهو قول زفر وفى الاستحسان لا ضمان عليه وهو قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله وجه القياس أن بقبض الرهن ثبتت يد الاستيفاء للمرتهن ويتم ذلك بهلاك الرهن وصيرورته مستوفيا بهلاك الرهن بعد الابراء بمنزلة استيفائه حقيقة بعد الابراء فليزمه رد المستوفى ولا يقال انما يصير مستوفيا من وقت القبض حتى تعتبر قيمته من ذلك الوقت فيكون بريئا بعد الاستيفاء وهذا لان الابراء بعد الاستيفاء صحيح موجب لرد المستوفى كالبائع إذا قبض الثمن ثم أبرأ المشترى عن الثمن وقد قال بعد هذا في الرهن بالصداق إذا طلقها الزوج قبل الدخول بها ثم هلك الرهن لا يلزمها رد شئ على الزوج بطريق الاستحسان ولو كان الطريق فيه هذا للزمها رد النصف لان الطلاق قبل الدخول بعد استيفاء الصداق يلزمها رد نصف المستوفى ولا وجه لاسقاط الضمان الفائت في مالية الرهن بسبب الابراء عن الدين لان ضمان العقد بالقبض فيبقى بعد القبض وان سقط الدين كما لو استوفى الدين حقيقة أو اشترى بالدين عينا أو صالح منه على عين أو احاله على أنسان آخر بقى ضمان الرهن وان برئت ذمة الراهن عن الدين وكذلك لو تصادقا على أن لا دين بقي ضمان الرهن لبقاء القبض وان انعدم الدين ولو تبادلا رهنا برهن بقي ضمان الاول ما لا يرده على الراهن لبقاء القبض والمشترى إذا قبض المبيع فهو بالخيار ثم فسخ البيع بقى مضمونا بالثمن لبقاء القبض وان انفسخ البيع وإذا كان الخيار للبائع ففسخ البيع يبقى مضمونا بالقيمة على المشترى لبقاء القبض كما في الابتداء ولا يقال لو وجب الضمان على المرتهن انما يجب بسبب الابراء وهو متبرع فيه فلا يوجب عليه ضمانا لان وجوب الضمان عليه ليس بالابراء بل الاستيفاء بهلاك الرهن الا أنه قبل الابراء كانت تقع المقاصة وبعد الابراء لا يمكن اثبات المقاصة فيبقى المستوفي مضمونا عليه كما لو استوفاه حقيقة بعد الابراء ويلزمه ضمان المستوفى وان كان لو لم يسبق الابراء لم يكن عليه شئ وللاستحسان وجهان أحدهما أن ضمان الرهن يثبت باعتبار القبض والدين جميعا لانه ضمان الاستيفاء فلا يتحقق ذلك الا باعتبار الدين وبالابراء عن الدين انعدم أحد المعنيين وهو الدين والحكم الثابت بعلة ذات وصفين ينعدم بانعدام أحدهما (ألا ترى) انه لو رد الرهن سقط الضمان لانعدام القبض مع بقاء الدين فكذلك إذا أبرأ من الدين يسقط الضمان لانعدام الدين مع بقاء القبض وهذا بخلاف ما لو استوفى حقيقة لان هناك الدين بالاستيفاء لا يسقط بل يتقرر فان ما هو المقصود يحصل بالاستيفاء وحصول
[ 91 ] المقصود بالشئ ينهيه ويقرره ولهذا جاز الابراء عن الثمن بعد الاستيفاء فإذا بقي الدين حكما بقى ضمان الرهن وبهلاك الرهن يصير مستوفيا فتبين انه استوفي مرتين فيلزمه رد أحدهما فأما بالابراء فيسقط الدين فلا يبقى الضمان بعد انعدام أحد المعنيين وكذلك إذا اشترى بالدين أو صالح من الدين على عين فذلك استيفاء الدين بطريق المقاصة وكذلك إذا أحال على غيره لان بالحوالة لا يسقط الدين ولكنه ذمة المحال عليه تقوم مقام ذمة المحيل وهو بصدد أن يعود إلى ذمة المحيل إذا كان المحتال عليه مفلسا فلهذا بقى ضمان الرهن وكذلك بعد ما تبادلا رهنا برهن الدين والقبض باقيان في حق العين الاول فيبقى الضمان فيه وإذا تصادقا على أن لا دين فانما يسلم هذا فيما إذا كان تصادقهما بعد هلاك الرهن والدين كان واجبا ظاهرا حين هلك الرهن ووجوب الدين ظاهرا يكفى لضمان الرهن فصار مستوفيا فأما إذا تصادقا على أن لا دين والرهن قائم ثم هلك الرهن فان هناك تهلك أمانته لان بتصادقهما من الاصل وضمان الرهن لا يبقى بدون الدين والوجه الآخر وعليه الاعتماد أن مقصود الراهن بتسليم الرهن إلى المرتهن أن يبرئ ذمته عند هلاك الرهن من غير أن يلزمه شئ آخر وقد حصل له هذا المقصود بالابراء قبل هلاك الدين فلا يستوجب عند هلاك الرهن سببا آخر كمن عليه الدين المؤجل إذا عجل الدين ثم حل الاجل وصاحب المال إذا عجل الزكاة ثم تم الحول لا يلزمه شئ آخر لهذا المعنى بخلاف ما إذا استوفى الدين فهناك مقصوده لم يحصل لان ذمته انما برئت بما أعطى من المال وكذلك إذا اشترى بالدين أو صالح أو أحال أو تبادلا رهنا برهن فما هو المقصود له عند هلاك الرهن لم يحصل بهذه الاسباب وإذا تصادقا على أن لا دين له ثم هلك الرهن بعد ذلك لا يكون مضمونا لان مقصوده حصل بالتصادق حين لم يلزمه شئ آخر ولا يقال مقصود براءة ذمته عند هلاك الرهن بطريق الايفاء وانما برئت ذمته بطريق الاسقاط بالابراء أو الاسقاط عن الايفاء وهذا لان الاسباب غير مطلوبة لا عيانها بل لاحكامها فانما ينظر إلى حصول المقصود ولا ينظر إلى اختلاف الطريق بمنزلة ما لو قال لفلان على الف درهم قرضا وقال المقر له بل هو غصب يلزمه المال لايفاء ما هو المقصود وان اختلفا في السبب وكذلك لو قال لفلان على ألف درهم ثمن هذه الجارية التى بعتها وقال فلان الجارية جاريتك بعتها ولى ألف درهم يلزمه المال لحصول المقصود وهو سلامة الجارية له وان اختلفا في السيد فهذا مثله وهذا بخلاف البيع بالضمان فانه هناك انعقد بالقبض ولكن فسخ البيع يبطل بالهلاك قبل الرد كما
[ 92 ] يبطل البيع بالهلاك قبل التسليم وهنا الابراء ما يبطل بهلاك الرهن بعده لان هناك ما هو المقصود للبائع لا يحصل بفسخ البيع ما لم يعد المبيع إلى يده فلهذا بقى الضمان ولو منعه العبد بعد ما أبرأه عن الدين حتى مات في يده ضمن قيمته لانه كان أمينا فيه فبالمنع بعد طلب الحق يصير غاصبا كالمودع ولو ارتهن المرأة رهنا بصداقها وهو مسمى وقيمته مثله ثم أبرأته أو وهبته له ولم يقبضه حتى هلك عندها فلا ضمان عليها في الاستحسان وكذلك لو اختلعت منه قبل أن يدخل بها ثم لم يقبضه حتى مات لان مقصود الزوج هو براءة ذمة عن الصداق بالخلع من غير ان يلزمه شئ آخر وقد حصل وكذلك لو طلقها قبل أن يدخل بها وقد ابرأته عن الصداق ولو لم تبرئه من الصداق قبل الطلاق ولكن أبرأته من حقها قبل الطلاق أو لم تبرئه حتى هلك فلا ضمان عليها فيه أما إذا أبرأته فلحصول مقصود الزوج وإذا لم تبرئه فقد حصل مقصود الزو في النصف بالطلاق قبل الدخول وانما بقى ضمان الرهن في النصف الذى هو حقها فبهلاك الرهن يصير مستوفيا ذلك القدر خاصة فلهذا لا يلزمها رد شئ ولو تزوجها على غير مهر مسمى وأعطاها بمهر المثل رهنا فمهر المثل في نكاح لا تسمية فيه بمنزلة المسمى في النكاح الذى فيه تسمية فان طلقها قبل الدخول بها سقط جميع مهر المثل ولها المتعة ثم في القياس ليس لها أن تحبس الرهن بالمتعة وهو قول محمد والآخر وهو قول أبى حنيفة رحمهما الله وفى الاستحسان لها أن تحبس الرهن بالمتعة وهو قول أبى يوسف الاول وهو قول محمد رحمهما الله وقد بينا في كتاب النكاح ان عند محمد المتعة في حكم جزء من مهر المثل بمنزلة نصف مهر المسمى أؤ هو خلف عنه والرهن بالشئ يكون رهنا بخلفه على ما بينه في السلم وأبو يوسف يقول المتعة دين حادث ليس بجزء من مهر المثل لانه ثياب ومهر المثل دراهم ولا هو خلف عن مهر المثل لان كل واحد منهما يجب باعتبار ملك البضع في حال فلا يكون أحدهما خلفا عن الآخر وكيف يكون خلفا ولا تجب المتعة الا بعد سقوط مهر المثل بالطلاق قبل الدخول فإذا لم يكن الرهن بمهر المثل رهنا بالمتعة عند أبى يوسف قلنا ان هلك الرهن قبل أن يمنع لا ضمان عليها فيه لحصول مقصود الزوج وهو سقوط مهر المثل عنه بالطلاق وان منعته ما هي ضامنة قيمته وعند محمد لها أن تمنع فبالهلاك تصير مستوفية مقدار المتعة ولا ضمان عليها فيما زاد على ذلك لحصول مقصود الزوج وإذا أسلم الرجل خمسمائة درهم إلى رجل في طعام مسمى فارتهن منه عبدا يساوى ذلك الطعام ثم صالحه على رأس
[ 93 ] ماله ففى القياس له أن يقبض العبد ولا يكون للمرتهن أن يحبس الرهن برأس المال لان العبد كان مرهونا بالمسلم فيه وقد سقط لا إلى بدل ورأس المال دين آخر واجب بسبب آخر وهو القرض فلا يكون العبد مرهونا به كما لو كان له على غيره دراهم ودنانير فرهنه بالدنانير رهنا ثم أبرأه المرتهن عن الدنانير لا يكون له أن يحبس الرهن بالدراهم وفى الاستحسان له أن يحبس الرهن حتى يستوفى رأس المال لانه ارتهن بحقه الواجب بسبب العقد الذى جرى بينهما وحقه في المسلم فيه عند قيام العقد وحقه في رأس المال عند فسخ العقد فيكون له أن يحبس الرهن بكل واحد منهما كمن ارتهن بالمغصوب به فهلك المغصوب كان له أن يحبس الرهن حتى يستوفى قيمته لان الواجب بالغصب استرداد العين عند قيامه والقيمة عند هلاكه وهذا لان المسلم فيه مع رأس المال أحدهما بدل عن الآخر ولهذا لا يجوز الاستبدال بالمسلم فيه قبل الاقالة والرهن بالشئ يكون رهنا ببدله لان البدل يقوم مقام الاصل وحكمه حكم الاصل فان هلك العبد في يده من غير أن يمنعه فعلى المرتهن أن يعطى مثل الطعام الذى كان على المسلم إليه ويأخذ رأس ماله لانه بقبض الرهن صارت ماليته مضمونة بطعام السلم وقد بقى حكم الرهن إلى أن هلك فصار بهلاك الرهن مستوفيا طعام السلم ولو استوفاه حقيقة قبل الاقالة ثم تقايلا أو بعد الاقالة لزمه رد المستوفى واسترداد رأس المال فكذلك هناك وهذا لان الاقالة في باب السلم لا تحتمل الفسخ بعد ثبوتها فهلاك الرهن لا يبطل الاقالة وان صار مستوفيا طعام السلم ومحمد يحتاج إلى الفرق بين هذا وبين فصل المتعة فهناك جعل الرهن بعد الطلاق محبوسا بالمتعة وجعلها بهلاك الرهن مستوفية للمتعة وهنا جعل الرهن محبوسا برأس المال وجعله هناك هالكا بطعام السلم لان المتعة في جزء من مهر المثل فان الطلاق مسقط فلا يصلح أن يكون موجبا دينا آخر ابتداء وإذا كان بمنزلة الجزء فهو كنصف المسمى فانما يبقى حكم الضمان بقدره وهذا رأس المال ليس بجزء من المسلم فيه وعند هلاك الرهن انما يتم الاستيفاء من وقت القبض ولهذا تعتبر القيمة من وقت القبض فانما يصير مستوفيا لما صار مضمونا به * وتوضيحه ان بالطلاق سقط مهر المثل لا إلى بدل ولا يمكن ايفاء ضمان المهر في مهر المثل وقد سقط لا إلى بدل فلهذا بقى الرهن بقدر المتعة رهنا بالاقالة وسقط السلم فيه لا إلى بدل ولكن إلى بدل وهو رأس المال لما بينا ان أحدهما بدل عن الآخر فلهذا بقى ضمان الرهن بالطعام كما انعقد عند القبض وكذلك لو وهب له رأس المال بعد الصلح ثم
[ 94 ] هلك العبد فعليه طعام مثله لان المرهون مضمون بطعام السلم لا رأس المال فالابراء عن رأس المال وجوده كعدمه في ايفاء حكم الضمان بطعام السلم قال (ألا ترى) أن رجلا لو أقرض رجلا كر حنطة وارتهنه منه ثوبا قيمته مثل قيمته فصالحه الذى عليه الكر على كرى شعير يدا بيد جاز ذلك ولم يكن له أن يقبض الثوب حتى يدفع الكرين من الشعير ولو هلك الرهن عنده بطل طعامه ولم يكن له على الشعير سبيل وبيان هذا الاستشهاد ان حبس الرهن بعد هذا الصلح لا يمكن باعتبار ضمان الشعير لان الشعير مبيع عين والرهن مثله لا يجوز فعرفنا انه بقى مرهونا بالطعام لان سقوطه كان بعوض فبقى حكم الرهن والضمان فيه ما لم يأخذ العوض وكذلك في مسألة السلم الا أن هنا إذا هلك الرهن تم استيفاءه للطعام فيبطل العقد في الشعير كما لو استوفاه حقيقة ثم اشترى به شعيرا بعينه وفى السلم أيضا صار مستوفيا للمسلم فيه بهلاك الرهن ولكن اقالة السلم بعد استيفاء المسلم فيه صحيحة فلهذا يلزمه رد مثل ذلك الطعام ولو باعه كرا بدراهم ثم افترقا قبل أن يقبضها بطل البيع لانهما افتراق عن دين بدين وبقى الطعام عليه والثوب رهن به بخلاف الشعير فانه عين فانما الافتراق هنا عن عين بدين حتى لو كان الشعير بغير عينه وتفرقا قبل أن يقبضا كان البيع باطلا أيضا لانه دين بدين هكذا ذكر في الاصل وينبغى في هذا الموضع ان لا يصح البيع أصلا لان الشعير بغير عينه بمقابلة الحنطة يكون مبيعا وبيع ما ليس عند الانسان لا يجوز وإذا اشترى ألف درهم بمائة دينار وقبض الالف وأعطاه بالمائة الدينار رهنا يساويها ثم تفرقا فسد البيع لان الاستيفاء لا يتم مع قيام الرهن فانما افترقا في عقد الصرف قبل قبض أحد البدلين فإذا فسد الصرف وجب عليه رد الالف وليس له أن يأخذ الرهن حتى يوفيه الالف لما بينا أنه انما ارتهن بحقه الثابت بسبب عقد الصرف وذلك المائة الدينار عند بقاء العقد واسترداد الالف بعد انفساخ عقد الصرف كما في مسألة السلم فان هلك الرهن عنده صار مستوفيا للدنانير بهلاك الرهن فان عند القبض انعقد ضمان الرهن بالدنانير ولو استوفاه حقيقة لزمه رد المستوفى لفساد عقد الصرف فهنا أيضا ترد الدنانير ويرجع على المرتهن بالالف فان لم يتفرقا حتى ضاع الرهن فهو بالمائة الدنانير لان الاستيفاء تم بهلاك الرهن قبل الافتراق وقد بينا في كتاب الصرف والبيوع حكم الرهن ببدل الصرف ومن خلاف زفر وكذلك ان كان الراهن على يدى عدل لان في حكم الرهن يد العدل كيد المرتهن وإذا قبض المرتهن حقه من الراهن ثم هلك
[ 95 ] عنده فعليه أن يرد ما قبض وقد بينا معنى هذه المسألة وفى هذا اللفظ إشارة إلى أن سقوط الدين بهلاك الرهن على معنى ان ضمان الاستيفاء الذى ثبت بقبض الرهن يتم بهلاك الرهن ويصير كانه استوفى بقبض الدراهم بعد ما استوفى بقبض الرهن فيلزمه رد ما قبض لهذا ولو كان الدين طعاما قرضا فاشتراه الذى هو عليه بدراهم ودفعها إلى المرتهن ثم هلك الرهن كان على المرتهن أن يرد مثل ذلك الطعام على الراهن لانه بهلاك الرهن صار مستوفيا للطعام وقد سقط حقه عن الطعام حين باعه ممن عليه بدراهم وقبض الدراهم ولو ارتهن رجل عبدا بالف درهم يساويها فقضاها رجل تطوعا عن المطالب ثم هلك الرهن عنده فعلى الطالب أن يرد المال على المتطوع عندنا وقال زفر يضمن المرتهن ذلك للراهن وهو بناء على ما تقدم لان عنده الضمان انعقد بالقبض وصار حقا للراهن فيبقى ذلك ببقاء القبض والمتطوع ينزع بقضاء الدين فيكون ذلك كتبرع المرتهن بالابراء عن الدين فلا يتغير به حكم الضمان الثابت له وعندنا قضاء المتبرع للمال كقضاء المطلوب ولو كان قضاه الدين بنفسه ثم هلك الرهن تم استيفاء الدين بهلاك الرهن ووجب عليه رد المقبوض بسبب القبض فكذلك هنا يلزمه رد المقبوض بسبب القبض وانما قبضه من المتطوع فيرده عليه وعلى هذا لو اشترى عبدا بالف فنقدها رجل عنه متطوعا ثم رد العبد بعيب أو استحق رجع المال إلى المتطوع وكذلك لو أن امرأة نقد رجل مهرها تطوعا عن زوجها ثم ارتدت قبل الدخول بها رجع المال إلى المتطوع ولو طلقها قبل الدخول بها رجع نصف المال إلى المتطوع فلو لم يكن في النكاح تسمية رجع بمهر المثل إلى المتطوع والمتعة على الزوج لان التطوع باداء مهر المثل لا يكون تطوعا باداء المتعة كما ان الكفالة لمهر المثل لا تكون كفالة بالمتعة وزفر مخالف في هذا كله وما أشرنا إليه من المعنى صحيح في الفصول كلها وإذا جني العبد الرهن وقيمته ألف والدين ألف والجناية ألف أو أكثر فأبى المرتهن أن يفتكه وفداه الراهن بالجناية ثم مات العبد عند المرتهن فعلى المرتهن أن يرد على الراهن ألفا لان الفداء من المضمون في الرهن على المرتهن فان مالية الرهن تجني به وهو حق المرتهن والراهن في الفداء لا يكون متطوعا لانه قصد بالفداء تخليص ملكه فيستوجب الرجوع به على المرتهن وللمرتهن عليه مثله فيصير قصاصا وفى المقاصة آخر الدينين قضاء عن أولها فصار الراهن قاضيا دين المرتهن وقد بينا أنه لو هلك الرهن بعد ما اقتضى الدين وجب عليه رد ما اقتضى فهذا مثله وكذلك لو كان استهلك متاعا
[ 96 ] يستغرق رقبته فقضاه الراهن ثم مات العبد لان المستحق للدين ماليته وهو حق المرتهن فيكون ذلك عليه والراهن لا يكون متطوعا في اداء ذلك لتخليص ملكه كما في الاول ولو ارتهن عبدا بألف يساويها ثم تصادقا انه لم يكن عليه شئ وقد مات العبد فعلى المرتهن أن يرد عليه ألف درهم لان عند هلاك الرهن كان الدين واجبا ظاهرا فيصر بهلاك الرهن مستوفيا ولو استوفاه حقيقة ثم تصادقا على أن لا دين عليه يلزمه رد المستوفى وعن أبى يوسف أنه ليس عليه رد شئ لانهما تصادقا على انتفاء الدين عند هلاك الرهن وتصادقهما حجة في حقهما والاستيفاء بدون الدين لا يتصور وكذلك لو أخذه منه على أن يقرضه ألفأ لان الدين الموعود بمنزلة الدين المستحق في انعقاد ضمان الرهن به كما ان المقبوض على سوم الشراء كالمقبوض على حقيقة السوم في حكم الضمان فهلاك الرهن يصير مستوفيا فيجعل في الحكم كانه استوفاه حقيقة فيلزمه رده وانما أورده هذا ايضاحا للاول فان كون الدين واجبا ظاهر عند هلاك الرهن أقوى من الدين الموعود فإذا كان الرهن يهلك مضمونا بالدين الموعود ففيما كان واجبا ظاهرا أولى ولو أحال الراهن المرتهن على رجل بالمال ثم مات العبد قبل أن يرده فهو بما فيه لما بينا أن ضمان الرهن باق بعد الحوالة فيتم الاستيفاء بهلاك الرهن فيجعل هذا بمنزلة ما لو استوفى الطالب الدين من المحيل وذلك مبطل للحوالة فهذا مثله وكذلك لو أعطاه رهنا مكان الرهن الاول ثم هلك الرهن الاول قبل أن يرده فهو رهن بالمال لبقاء القبض والدين بعد تسليم العين الثاني إليه وإذا تم الاستيفاء بهلاك الرهن الاول بطل الرهن الثاني ولو هلك الثاني قبل هلاك الاول أو بعده فهو مؤتمن فيه لانه لم يوجد منهما مرهونا مضمونا بالدين فمن ضرورة بقاء الدين في الرهن الاول ابقاء ضمان الدين عن الثاني وانما بقى مقبوضا باذن المالك فيكون القابض أمينا فيه إذا هلك وكذلك لو ناقضه الراهن فقبل أن يرده هلك فهو هالك بالمال لبقاء والدين وهذا لان فسخ العقد معتبر بأصل العقد فكما أن ضمان الرهن لا يثبت بالعقد قبل القبض فكذلك لا يسقط بالفسخ قبل الرد وإذا زاد الرهن دراهم من المرتهن وجعلها في الرهن فانه لا يكون في الرهن وهما فصلان أحدهما الزيادة وصورته إذا رهنه ثوبا بعشرة يساوى عشرة ثم زاد الراهن المرتهن ثوبا آخر ليكون مرهونا مع الاول بالعشرة ففى القياس لا تصح هذه لزيادة وهو قول زفر رحمه الله لانه لابد من أن يجعل بعض الدين بمقابلة الزيادة ليكون مضمونا به وذلك متعذر مع بقاء حكم الرهن في
[ 97 ] الثوب الاول لبقاء القبض فهو نظير ما لو ناقصه الرهن أو تبادلا رهنا برهن على ما بينا وهذا في الحقيقة بناء على أصل زفر رحمه الله ان الزيادة في الثمن والبيع لا يثبت ملحقه بأصل العقد وقد بينا في البيوع وفى الاستحسان و هو قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله تعالى ونثبت الزيادة في الرهن في حكم الدين لان تراضيهما على الزيادة بعد العقد بمنزلة تراضيهما عليه عند العقد ولو رهنه في الابتداء يومين بالعشرة جاز الرهن وانقسم الدين على قيمته فكذلك هنا يقسم الدين على قيمة الاصل وقت العقد وعلى قيمة الزيادة وقت القبض وهذا بخلاف ما إذا تبادلا رهنا برهن فلم يوجد هناك اقتراض منهما على ثبوت حكم الرهن فيهما جميعا توضيحه انه بالناس حاجة إلى تصحيح هذه الزيادة وربما نطق المرتهن بالابتداء انه في الرهن وفاء بدينه ثم ثبت له خلاف ذلك فلا يرضى برهن لا وفاء فيه فيحتاج الراهن برد عين آخر ليطمئن قلبه والزيادة في الرهن تجوز ان ثبت حكما فان المرهونة إذا ولدت يكون الولد زيادة تثبت في الرهن حكما فيجوز اثباته أيضا فضلا والفضل الثاني في الزيادة بالدين فان المرتهن إذا زاد الراهن عشرة أخرى ليكون الرهن عنده رهنا بهما جميعا فهذه الزيادة لا تثبت في حكم الرهن في القياس وهو قول أبى حنيفة ومحمد وزفر رحمهم الله وفى الاستحسان تثبت وهو قول أبى يوسف رحمه الله وأوجهه قول أبى يوسف ان الدين مع الرهن يتحاذيان محاذاة المبيع مع الثمن حتى يكون المرهون محبوسا بالدين مضمونا به كالمبيع بالثمن عن الزيادة في الرهن يجعل ملحقة بأصل العقد فكذلك الزيادة في الدين كما في البيع فان الزيادة في الثمن والمبيع ثبتت على سبيل الالتحاق بأصل العقد وهنا مثله وكما ان الحاجة تمس إلى الزيادة في الرهن فقد تمس الحاجة إلى الزيادة في الدين بأن يكون في مالية الرهن فضلا على الدين ويحتاج الراهن إلى مال آخر فيأخذه من المرتهن ليكون الرهن رهنا بهما وهذا بخلاف المسلم فيه فالزيادة في المسلم فيه لا تجوز وان كانت تجوز في رأس المال لان جواز السلم بخلاف القياس فانه بيع المعدوم وانما جعل المسلم فيه كالموجود حكما لحاجة المسلم إليه والزيادة في رأس المال بين حوائج المسلم إليه فأما الزيادة في المسلم فيه فليس من حوائج المسلم إليه في شئ فلا يظهر هذا العقد فيه فاما جواز الرهن بالدين فثابت بمقتضى القياس إذ هو لحاجة المديون والزيادة في الدين من حوائج المديون والفرق لابي حنيفة ومحمد رحمهما الله بين الزيادة في الرهن وبين الزيادة في الدين من وجهين أحدهما أن الزيادة في الدين تؤدى إلى الشيوع في الرهن لان
[ 98 ] بعض الرهن يفرغ من الدين الاول يثبت فيه ضمان الدين الثاني ويبقى حكم الاول في البعض مشاعا ويثبت فيما يقابل الزيادة مشاعا والشيوع في الرهن يمنع صحة الرهن فأما الزيادة في الرهن فتؤدى إلى الشيوع في الدين لان بعض الدين يحول ضمانه من الرهن الاول إلى الثاني والشيوع في الدين لا يصير كما لو رهنه بنصف الدين رهنا ولا يقال الزيادة تثبت على سبيل الالتحاق باصل العقد فلا يؤدي إلى الشيوع فيه لانا نسلم هذا ولكنه مع الالتحاق بأصل العقد تثبت قيمته ملحقا فهو كما لو رهنه في الابتداء ثوبا بعشرين نصفه بعشرة ونصفه بعشرة وذلك لا يجوز وبه فارق البيع فالشيوع وتفرق التسمية لا يؤثر في افساد البيع والثانى أن الزيادة انما تصح ملحقة بأصل العقد في المعقود عليه والمعقود به والدين ليس بمعقود عليه ولا بمعقود به لان المعقود به ما يكون وجوبه بالعقد والدين كان واجبا قبل عقد الرهن بسببه ويبقى بعد فسخ الرهن فلا يملك اثبات الزيادة فيه ملقحة بأصل العقد فأما الرهن فمعقود عليه لانه لم يكن محبوسا قبل عقد الرهن ولا يبقى محبوسا بعد فسخ عقد الرهن فالزيادة في الرهن زيادة في المعقود عليه فيلتحق باصل العقد (وفقه هذا الكلام) أن صحة الزيادة باعتبار انه تصرف في العقد يعسر وصفه أو حكمه وذلك مستحق في الزيادة في الرهن لان الحكم قبل الزيادة ان الرهن الاول مضمون بعشرة وبعد الزيادة يكون مضمونا بخمسة فثبتت الزيادة فيه ملتحقة بأصل العقد فاما الزيادة في الدين فلا تغير وصف العقد ولا حكمه لان الرهن مضمون بالاقل من قيمته ومن الدين سواء وجدت الزيادة في الدين أو لم توجد فلهذا لا يثبت حكم الزيادة في ضمان الرهن وعلى هذا لو أنفق المرتهن على الرهن بأمر القاضى أو بامر صاحبه فذاك دين وجب له على الرهن وفى ثبوت حكم الجنس باعتباره اختلاف كما بينا وكذلك إذا كان الرهن يساوى الفين والدين ألفا فجنى المرهون وفداه المرتهن والراهن غائب فنصف الفداء من ذلك على المرتهن ونصفه وهو حصة الامانة على الراهن ولا يكون المرتهن متطوعا فيه عند أبى حنيفة على ما بيناه في باب الجنايات فهو دين حادث له على الراهن فلا يكون له أن يحبس الرهن بعد استيفاء الاول بمنزلة ما لو أقرضه مالا زيادة في الدين الاول والله أعلم بالصواب * (باب رهن الوصي والولد) * (قال رحمه الله) وإذا كان على الميت دين وله وصي فرهن الوصي بعض ما تركه عند غريم
[ 99 ] من غرمائه لم يجز للآخرين أن يردوه لان موجب عقد الرهن ثبوت يد الاستيفاء للمرتهن فليس للوصي أن يخص بعض الغرماء بايفاء دينه حقيقة ولو قبل ذلك كان للآخرين أن يبطلوه فكذلك حكم يد الاستيفاء ولان حقهم جميعا تعلق بالتركة فهو يبطل حق سائر الغرماء عن عين الرهن بتصرفه فليس له ذلك فان قضى دينهم قبل أن يردوه جاز لان المانع قد ارتفع بوصول حقهم إليهم واثبات يد الاستيفاء للمرتهن في هذا قياس حقيقة الاستيفاء ولو لم يكن للميت غريم آخر جاز الرهن وبيع في دينه لانه لو أوفاه الدين حقيقة جاز فكذلك إذا رهنه منه إذ ليس في الرهن ابطال حقه ولا حق غيره وقد كان يباع في دينه قبل الرهن فبعده أولى وإذا ارتهن الوصي بدين للميت على رجل جاز لانه يملك استيفاء الدين حقيقة ويكون هو في ذلك كالموصى فكذلك فيما هو وثيق للاستيفاء وكذلك لو كان الميت هو الذى ارتهنه فوصيه يقوم مقامه في امساكه الا أنه لا يبيعه بدون اذن الراهن لان التسليط على البيع بطل بموت المرتهن فالراهن انما رضى ببيعه ولم يرهن برأى غيره في البيع وان استدان الوصي لليتيم في كسوته وطعامه ورهن به أيضا وكذلك لو أنجز لليتيم فرهن أو ارتهن لان الرهن وثيقة للاستيفاء فيملكه من يملك حقيقة الايفاء والاستيفاء تسليم الرهن إلى المرتهن استحفاظا له في الحال وقضاء لدينه باعتبار المآل وكل واحد منهما يملكه الوصي كالايداع وايفاء الدين أو هو ايجاب حق للمرتهن على وجه ينتفع به اليتيم من حيث انه الذى يصير مقضيا عند هلاكه ويكون كالبيع والاجارة والوصى يملك ذلك في مال اليتيم وينبغى للوصي أن يتصرف على وجه يكون فيه نظر لليتيم يتجر فيه بنفسه أو بنصفه كما كانت عائشة رضى الله عنها تفعله في مال ولد أخيها أو يعمل في ماله مضاربة أو يدفعه إلى غيره مضاربة كما كان عمر رضى الله عنه يعطى مال اليتيم مضاربة وقد بينا هذا في أول المضاربة وإذا ارتهن الوصي خادما لليتيم من نفسه أو رهن خادما لنفسه من اليتيم بحق لليتيم عليه لم يجز اعتبارا بحقيقة الاستيفاء فانه لا يستوفى دين اليتيم من نفسه ولا دين نفسه من مال اليتيم من خلاف جنسه وهذا لان تصرفه مع نفسه لا ينفذ الا بمنفعة ظاهرة كالبيع والشراء وذلك لا يتحقق في الرهن والارتهان وكذلك اليتيم ان فعل ذلك لم يجز الا أن يجيزه الوصي بمنزلة بيعه وشرائه وكذلك ان فعل ذلك أحد الوصيين الا أن يجيزه الاخر في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وتجوز في قول أبى يوسف رحمه الله بناء على اختلافهم في أحد الوصيين يتقدر بالتصرف وهى بفروعها
[ 100 ] مذكورة في الوصايا ولو كانت الورثة كبارا كلهم لم يكن للوصي أن يرهن من متاعهم شيأ بدين يستدينه عليه وكذلك ان كانوا صغارا وكبارا لانه مشاع وكذلك لو كانوا كبارا محبوسين عن التصرف لانه انما يملك عليهم من التصرف ما يرجع إلى الحفظ والرهن ليس من ذلك في شئ فهو بمنزلة بيع العقار وللوصي أن يرهن بدين على الميت لانه قائم مقامه فيما هو من حوائج الميت وايفاء الدين من حوائجه ويملكه الوصي فكذلك الرهن به كانت الورثة صغارا أو كبارا وكان الكبير شاهدا واحتاج إلى نفقة ينفقها على الرقيق فرهن شيئا من متاعهم في ذلك فانه لا يجوز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وان كان غائبا جاز لان الاستدانة للانفاق على الرقيق من التصرفات التى ترجع إلى الحفظ والوصى يملك ذلك في حق الكبير الغائب كما يملك بيع العروض ولا يملك في حق الكبير الحاضر عندهما وعند أبى حنيفة رحمه الله باعتبار ولايته في نصيب الصفير تثبت له الولاية في ذلك في نصيب الكبير أيضا كما في البيع فانه يجوز بيعه الرقيق إذا كان في الورثة صغار وكبار فكذلك له ولاية الاستدانة للانفاق عليهم ثم كما يجوز له أن يقضى ذلك الدين من مالهم يجوز له أن يرهن به رهنا ولو رهن الوارث الكبير شيئا من متاع الميت وعلى الميت دين ولا وارث له غيره فان خاصم الغريم في ذلك أبطل الرهن وبيع له في دينه لان حقه تعلق بمالية العين التى رهنها فالوارث بتصرفه قصد ابطال حقه فيرد عليه قصده وهذا التصرف من الوارث معتبر بسائر التصرفات كالبيع ونحوه وذلك لا ينفذ من الوارث في التركة المشغولة بالدين فان قضى الوارث الدين جاز الرهن لان المانع حق الغريم وقد زال بوصول دينه إليه فينفذ الرهن من الوارث كما ينفذ سائر التصرفات وإذا لم يكن على الميت دين فرهن الوارث الكبير شيئا من متاعه بمال أنفقه على نفسه أو كان الوارث صغيرا ففعل ذلك الوصي ثم ردت عليهم سلعة بالعين كان الميت باعها فهلكت في أيديهم وصار ثمنها دينا في مال الميت وليس له مال غير ما رهن بالنفقة فالرهن جائز لانه حين سلم الرهن إلى المرتهن لم يكن على الميت دين والعين كانت ملكا للوارث فارغة عن حق الغير فلزمه حق المرتهن فيه ثم لحق الدين بعد ذلك برد السلعة بالعيب فلا يبطل ذلك حق المرتهن بمنزلة ما لو أقر الوارث بدين على الميت بعد الرهن وهذا الخلاف ما إذا استحق العبد الذى كان الميت باعه أو وجد حرا فان الرهن يبطل لانه تبين ان الدين كان واجبا على الميت حين رهن الوارث التركة فالحر لا يدخل في العقد ولا يملك
[ 101 ] عنه وبالاستحقاق يبطل البيع من الاصل فكان تصرف الوارث في التركة باطلا فاما بالرد بالعيب فلا يتبين أن الثمن كان مستحق الرد قبل أن يرد السلعة بالعيب وكان هذا دينا حادثا بعد تمام الرهن فلا يبطل الرهن ولكن الراهن ضامن لقيمته حتى يؤديه في دين الميت وصيا كان أو وارثا لانه لما لحق الميت دين وجب فصار ذلك من تركته والوارث قد منع ذلك بتصرفاته فكان في حكم المستهلك له فيضمن قيمته والوصى كذلك الا أن الوصي يرجع به على اليتيم لانه دين لحقه في تصرف باشره لليتيم فيرجع به في ماله وعلى هذا لو كان الميت زوج أمته وأخذ مهرها فاعتقها الوارث بعد موته قبل دخول الزوج بها فاختارت نفسها وصار المهر دينا على الميت كان الرهن جائزا والابن ضامنا له لانه دين لحق الميت بعد ما نفذ التصرف من الوارث ولا يتبين بهذا السبب قيام الدين عند تصرف الوارث وكذلك لو حفر بئرا في الطريق ثم تلف فيها انسان بعد موته حتى صار ضامنا دينا على الميت فانه لا يبطل التصرف من الوارث ولكنه ضامن للقيمة لانه أتلف حق الغريم في العين بتصرفه وإذا ارتهن الوصي متاعا لليتيم في دين استدانة عليه وقبضه المرتهن ثم ان الوصي استفاده من المرتهن لحاجة اليتيم فضاع في يد الوصي فقد خرج من الرهن لان الوصي فيما يتصرف لليتيم قائم مقامه ان لو كان بالغا ولو كان بالغا فرهن متاعه بنفسه ثم استعاده من المرتهن فهلك في يده لم يسقط الدين لانه عند هلاك الرهن يصير المرتهن مستوفيا ولا يمكن أن يجعل صاحب الدين مستوفيا دينه باعتبار المديون (ألا ترى) أن حكم الرهن لا يثبت بيد الراهن في الابتداء إذا جعل عدلا فيه فكذلك لا تبقى حكم يد الاستيفاء بعد ما رجع الرهن إلى الراهن وإذا لم يسقط الدين بهلاكه رجع المرتهن على الوصي بالدين كما كان يرجع به قبل الرهن ويرجع به الوصي على اليتيم وقد ضاعت العين من مال اليتيم لانه انما استعارها لحاجة اليتيم وإذا رهن الوصي متاع اليتيم في نفقة اليتيم فاقر بذلك بعد بلوغه وأراد أن يبطل الرهن فليس له ذلك لانه تصرف نفذ من الوصي في حال قيام ولايته ولزم فلا يملك اليتيم ابطاله بعد بلوغه كالبيع ولا يجوز للوصي أن يرهن متاع اليتيم من ابن له صغير أو من عبد له بآخر ليس عليه دين كان يرهنه من نفسه لانه في حق الابن الصغير هو الذين يباشر التصرف من الجانبين وكسب العبد الذى لا دين عليه ملك لمولاه فرهنه منه كرهنه من نفسه وان رهنه من ابن له كبير أو من أبيه أو من مكاتبه أو من عبد له بآخر عليه دين جاز لانه من كسبهم
[ 102 ] بمنزلة الاجنبي وهم أحق بالكسب منه يصرفون ذلك إلى حوائجهم وهذا بخلاف الوكيل بالبيع فانه لا يبيع من هؤلاء وكذلك الوصي لانه في البيع متهم في حق هؤلاء وفى الرهن لا يكون متهما لان حكم الرهن واحد وهو انه مضمون بالاقل من قيمته ومن الدين سواء رهنه عند هؤلاء أو عند أجنبي فلانتفاء التهمة ينفذ تصرفه معهم ولو رهن الوصي مال اليتيم ثم غصبه فاستعمله حتى هلك عنده فهو ضامن لقيمته لانه بالغصب صار جانيا على حق المرتهن مفوتا ليده المستحقة فهو في ذلك كالاجنبي ضامن لقيمته يقضى منه الدين إذا كان حالا والفضل لليتيم فان لم يكن حل فالقيمة رهن لانه في الغصب والاستعمال لا يكون عاملا لليتيم في ماله بل يكون هو فيه كاجنبي آخر فيتقرر الضمان عليه وان استدانه الوصي على نفسه ورهن متاعا لليتيم في ذلك فهو جائز وكذلك الولد في هذه وقد روى عن أبى يوسف رحمه الله لا يجوز شئ من ذلك لانه صرف مال اليتيم إلى منفعة نفسه من غير حاجة وليس للاب والوصى ذلك (ألا ترى) أنه ليس لهما أن يقضيا دينهما بمال الصغير فكذلك لا يكون لهما ان يرهنا متاع اليتيم بدينهما ولكنا نقول للاب والوصى أن يودعا مال الصغير من هذا الرجل والمنفعة للصغير في الرهن أظهر منه في الايداع لانه في الايداع إذا هلك بطل حق الصغير وفى الرهن إذا هلك صار المرتهن مستوفيا لدينه وكانا ضامنين للصغير مالية الرهن وهذا بخلاف حقيقة الايفاء لانه اخراج ملك الدين من ملك الصغير بغير عوض يدخل في ملكه بمقابلته في الحال فلا ينفذ منهما فأما بالرهن فلا تخرج العين عن ملكه ولكن يتعين حافط يحفظها وهو المرتهن فهو كالايداع من هذا الوجه وان سلطا المرتهن على بيعه فهو نظير التوكيل بالبيع ولهما ذلك في مال الصغير وفى الحقيقة هذه المسألة تنبنى على البيع فان الاب أو الوصي إذا باع مال اليتيم من غريم نفسه بمثل ما عليه من الدين عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى يصير الثمن قصاصا بدينه ويصير هو ضامنا للصغير وعند أبى يوسف رحمه الله لا يصير الثمن قصاصا بدينه فإذا كان من أصله أنه لا يملك قضاء دين نفسه بمال اليتيم بطريق البيع فكذلك بطريق الرهن وعندهما لما كان يملك ذلك بطريق البيع فكذلك بطريق الرهن لانه ليس في الرهن ضرر على الصبي الا أن يصير قاضيا دينه عند هلاك ضامنا مثله لليتيم فهو كالبيع في هذا الحكم وإذا رهن الاب من نفسه متاع الصغير فهو جائز كما يجوز بيعه مال الصغير لنفسه قال بخلاف الوصي لان الاب يملك التصرف مع نفسه وان لم يكن فيه منفعة
[ 103 ] ظاهرة للصغير بخلاف الوصي وهنا لان الاب غير متهم باعزاز نفسه على الولد والوصي متهم بذلك وكذلك لو رهنه الاب من عبد تاجر له ليس عليه دين لان أكثر ما فيه انه بمنزلة الرهن من نفسه وكسب عبده ملك له وهو يملك ذلك لما ذكر في الاصل في بيان الصك الذى يكتبه الاب إذا رهن مال نفسه من الصبى انى استقرضته من مالى كذا فانفقته في حاجتى وفى هذا اللفظ دليل على أن للاب ولاية الاقراض في مال ولده لان معاملته مع غيره أقرب إلى النفوذ منه مع نفسه فإذا جاز له أن يستقرض مال ولده لنفسه فلان يجوز له اقراضه من غيره أولى * والحاصل أن الوصي لا يقرض على اليتيم ولا يستقرض لانه تبرع وفى الاب روايتان وفى الرواية الظاهرة يقول لا يملك الاقراض لانه تبرع وليس للصغير فيه منفعة ظاهرة وفى هذه الرواية إشارة إلى أن للاب ذلك لانه غير متهم في حق ولده والظاهر أن لا يقرضه الا ممن يملك الاسترداد منه متى شاء فهو بمنزلة القاضي في ذلك وللقاضي ولاية الاقراض في مال اليتيم لتمكنه من الاسترداد متى شاء فكذلك الاب له ذلك وإذا رهن الاب فباع ابنه الصغير عند رجل فادرك الولد ومات الاب لم يكن للولد أن يسترد الرهن حتى يقضى المال لانه تصرف لزم من الاب في حال لقيام ولايته وهو في ذلك قائم مقام الولد أن لو كان بالغا فان كان الاب رهنه لنفسه فقضاء الابن فانه يرجع به في مال الاب بمنزلة المعير للرهن إذا قضى الدين وهذا لانه لا يتوصل إلى عين ماله الا بقضاء الدين فلم يكن متهما في ذلك وإذا رهن الاب متاعا لولده بمال أخذه لنفسه ولولده الصغير فهو جائز لانه لما ملك أن يرهن بدين أحدهم على الانفراد فكذلك بدينهما بخلاف ما إذا رهن عينا مشتركه بين ابنه الكبير والصغير فان ذلك لا يجوز ما لم يسلم الكبير لانه لا ولاية له على الكبير في رهن نصيبه ونصيب الصغير شائع فلا يمكن تصحيح الرهن في شئ منه فان هلك الرهن ضمن الاب حصته من ذلك للولد لانه بهلاك الرهن فصار قاضيا دين الصغير ودين نفسه بمال الصغير فيضمن الصغير حصته من ذلك والوصي في ذلك كالاب بعد موته وكذلك الجد أبو الأب إذا لم يكن له وصى لانه قام مقام الاب في التصرف بحكم الولاية الا أن الاب يملك أن يرهن مال أحد الصغيرين من الآخر والوصى لا يملك ذلك على قياس الرهن من نفسه وقد بينا الفرق بينهما في ذلك والله أعلم بالصواب
[ 104 ]
- (باب رهن الحيوان) * (قال رحمه الله) رهن الحيوان المملوك بالدين جائز بخلاف ما يقوله بعض العلماء رحمهم الله ان الحيوان عرضة للهلاك فهو بمنزلة ما يسرع إليه الفساد وما يسرع إليه الفساد كالخضر لا يجوز رهنه * ودليلنا على جوازه قوله ﷺ الرهن مركوب ومحلوب ولانه مال متقوم يجوز بيعه ويمكن استيفاء الدين من ماليته عند تعذر استيفائه من محل آخر فهو كسائر الاموال وما من شئ الا وهو عرضة للفناء في وقته ثم علفه وطعام الرقيق على الراهن لان وجوب النفقة على المالك بسبب ملك العين فالراهن بعد عقد الرهن مالك للعين كما كان قبله وفى كون الرهن في يد المرتهن منفعة للراهن فانه يصير بهلاكه قاضيا لدينه فيكون بمنزلة الوديعة والمؤجر بخلاف المستعار والموصى بخدمته لانه لا منفعة للمالك في كون العين في يد المستعير والموصي له وانما تخلص المنفعة لهما فتكون المنفعة عليهما فلهذا لا يرجعان بضمان الاستحقاق بخلاف المرتهن (توضيحه) ان الاعارة لا يتعلق بها اللزوم فيقال للمستعير ان ثبت فانفق عليه وانتفع به والا فرده والوصية بالعين وان كان يتعلق بها اللزوم فلم يأت ذلك بايجاب من الوارث فلا يلزمه نفقة في حال كونه ممنوعا من الانتفاع به واثبات اليد عليها وأما الرهن فانما يثبت للمرتهن فيه حق لازم بايجاب الرهن فلا يكون ذلك مسقطا للنفقة عنه وان كانت يده مقصورة عنه كالمستأجر وكذلك أجر الراعى فهو بمنزلة العلف لانه انما يلتزم بمقصود الراعى فيكون على المالك وعلى المرتهن ان يضمها إليه اما في منزله واما في منزل يتكارى له وليس على الراهن من ذلك شئ لان الحفظ على المرتهن ولا يتأنى حفظه الا في منزل فمؤنته تلك تكون على المرتهن وهذا لانه في الحفظ عامل لنفسه لانه يقصد به اضجار الراهن ولان موجب الرهن ثبوت يد الاستيفاء وما يكون موجب العقد فهو حق المرتهن وعن أبى يوسف رحمه الله قال ان كان في منزل المرتهن سعة فالجواب كذلك وان احتاج إلى أن يتكارى له منزلا فالكراء على الراهن لان أجرة المسكن كالنفقة (ألا ترى) انه على الزوج كالنفقة وان أصاب الرقيق جراحة أو مرض أو ديرت الدواب فاصلاح ذلك ودواؤه على المرتهن لان المالية انتقصت بما اعترض وبحسب ذلك يسقط من دين المرتهن ببرء المعالجة اعادة ما كان سقط من الدين أو أشرف على السقوط وهو محض منفعة للمرتهن والمداواة
[ 105 ] لا تكون قياس النفقة (ألا ترى) أن نفقة الزوجة على الزوج وأجرة الطبيب وثمن الدواء إذا مرضت عليها في مالها لا شئ على الزوج من ذلك وهذا إذا كانت قيمة الرهن والدين سواء فان كان الدين أقل من القيمة فالمعالجة على الراهن والمرتهن بحساب ذلك لان تقدر الدين من الرهن مضمون على المرتهن والزيادة على ذلك أمانة ومعالجة الامانة على صاحبها وهذا لان بالاصلاح ينتفع المرتهن في المضمون منه وفى الامانة المنفعة للراهن وهو نظير الفداء من الجناية بقدر المضمون من الرهن الفداء على المرتهن وبقدر الامانة على الراهن ونقصان السعر وزيادته لا يغير حكم الرهن والاعتبار بقيمته يوم رهن لان تغير السعر لا يؤثر في العين انما هو منوط برغائب الناس فيه وذلك يختلف باختلاف الاوقات والامكنة فلا يكون مضمونا على المرتهن * توضيحه ان نقصان السعر غير معتبر في ضمان العقود كالمبيع فان نقصان سعره لا يسقط شيئا من الثمن ولا يثبت الخيار للمشترى وكذلك في ضمان المقبوض كالمغصوب فنقصان سعره في يد الغاصب لا يلزمه شيئا من الضمان وضمان الرهن لا بد أن يعتبر بأحد هذين الضمانين وعن زفر رحمه الله ان بقدر ما ينتقص من سعر المرهون يسقط من الدين وقاس ذلك بنقصان العين من حيث ان الضمان الثابت بالرهن باعتبار المالية دون العين فان ضمان الاستيفاء والمالية ينتقص بنقصان السعر كما ينتقص بنقصان العين بخلاف سائر الضمانات فضمان الغصب ضمان العين ولهذا يملك العين به وكذلك ضمان البيع ونقصان السعر لا يؤثر في العين وان ذهبت عين الدابة عند المرتهن وقيمتها مثل الدين سقط ربع الدين لحديث زيد ابن ثابت رضى الله عنه قال في عين الدابة ربع قيمتها يعنى إذا فقئت وهذا بخلاف عين الآدمى فان بذهاب عينه يسقط نصف الدين لان الانتفاع بالدواب من حيث الحمل والركوب وذلك يمسها وانما يأتي ذلك بان تمشى بقوائمها وتبصر بعينها فيتوزع بدلها على ذلك وحصة العينين من ذلك النصف فبفوات أحدهما يذهب الربع وأما البصر في الآدمى فمقصود بنسفه والبطش كذلك والمشى كذلك فيجعل كل جنس بمنزلة النفس فبذهاب احدى العينين يجعل نصف النفس كالفائت حكما لهذا المعنى ولبن الناقة رهن معها وكذلك أصواف الغنم وأسمانها وأولادها وثمرة الاشجار وما ينبت من الاشجار في أرض الرهن رهن لان هذه زيادة مستولدة من العين بخلاف ما على الارض والدار تؤاجر لان ذلك ليس بمتولد من غير الرهن فلا يثبت فيه حكم الرهن وان هلكت هذه الزيادة لم يسقط شئ من الدين لانعدام
[ 106 ] السبب الموجب للضمان فيها وهو القبض مقصودا ثم لا خلاف ان المرتهن لا يملك الانتفاع بالرهن بدون اذن الراهن لنهى النبي ﷺ عن قرض جر منفعة ولو تمكن من الانتفاع أدى إلى ذلك ولان المنفعة انما تملك بملك الاصل والاصل مملوك للراهن فالمنفعة تكون على ملكه لا يستوفيها غيره الا بايجابها له وهو بعقد الرهن أوجب ملك اليد للمرتهن لا ملك المنفعة فكان ماله في الانتفاع بعد عقد الرهن كما كان قبله وكذلك الراهن لا ينتفع بالمرهون بغير اذن المرتهن عندنا وقال الشافعي رحمه الله فيما يمكنه الانتفاع به مع بقاء عينه للراهن أن ينتفع به بدون اذن المرتهن والمسألة في الحقيقة بناء على الاصل الذى بينا ان عندنا دوام يد المرتهن يوجب عقد الرهن والانتفاع به يفوت هذا الواجب لانه يعيده إلى يده لينتفع به وعنده يوجب الرهن حق المطالبة بالبيع في الدين عند حلول الاجل وذلك لا يفوت بانتفاع الراهن به ثم الحجة له في المسألة حديث أبى هريرة رضى عنه الله أن النبي ﷺ قال المرهون مركوب ومحلوب وعلى من يركبه ويحلبه نفقته ولا شك أن النفقة على الراهن فعرفنا أنه مركوب ومحلوب للراهن والمعنى فيه أن عقد الرهن لا يزيل الملك في الحال ولا في ثانى الحال ولكن يوجب للمرتهن حقال فكل تصرف من الراهن يقدره يبطل حق المرتهن فهو باطل كالبيع والراهن من غيره وكل تصرف لا يؤدى إلى ابطال حق المرتهن فالراهن يملكه باعتبار ملكه وهذا كالنكاح فانه لا يزيل ملك المولى عن الامة ولكن بوجب للزوج منها حقا فكل تصرف يؤدى إلى ابطال حقه كالوطئ والتزوج من الغير يمنع المولى منه وكل تصرف لا يؤدى إلى ابطال حق الزوج كالبيع والهبة لا يمنع المولى منه والاستيلاد لا يزيل ملك المولى ويوجب لها حقا وكل تصرف يؤدى إلى ابطال حق لها كالبيع يمنع للمولى منه وكل تصرف لا يؤدى إلى ابطال حقها كالوطئ والتزويج لا يمنع المولى منه ثم الانتفاع لا يؤدى إلى ابطال حق المرتهن بدليل انه لو انتفع به باذن المرتهن بقي عقد الرهن وحق المرتهن ولو كان هذا مبطلا حقه لكان يبطل حقه عن العين وان حصل باذنه كالبيع ولان الرهن وثيقة بالدين فلا يمنع المالك من الانتفاع بالملك كالكتابة والدليل عليه ان الراهن أحق ببدل المنفعة وهو الكسب والغلة فذلك دليل على انه أحق بالمنعفة أيضا وعقد الرهن عقد مشروع وبالاجماع المرتهن لا يتمكن من الانتفاع به فلو قلنا يمتنع على الراهن الانتفاع به لتعطلت العين عن الانتفاع بسبب هذا العقد وذلك مشبه تسييب أهل الجاهلية فيكون خلاف المشروع الا أنه
[ 107 ] انما ينتفع بالرهن إذا كان الدين مؤجلا واما إذا كان الدين حالا فللمرتهن أن يمنعه عن ذلك لاستحقاق المطالبة ببيعه في دينه في المال وهو كالبيع فان البائع يمنع المشترى من الانتفاع به إذا كان الثمن حالا ولا يمنعه إذا كان الثمن مؤجلا واختلف أصحاب الشافعي رحمهم الله في الاجارة فمنهم من يقول للراهن أن يؤاجره كما له أن ينتفع به بنفسه ومنهم من يقول ليس له ذلك لان ذلك مبطل لحق المرتهن بدليل أنه لو فعله باذن المرتهن بطل الرهن وكذلك يختلفون في وطئ الراهن الجارية المرهونة فمنهم من يقول يمنع من ذلك إذا كانت بكرا ولا يمنع إذا كانت ثيبا لانه ليس فيه ابطال حق المرتهن في شئ من المالية ومنهم من يقول يمنع وان كانت ثيبا لان فيه تعريض حق المرتهن للابطال بأن تعلق منه فتصير أم ولد له وفى الانتفاع لا يوجد هذا المعنى وحجتنا الاستدلال بقوله سبحانه وتعالى (فرهان مقبوضه) فهذا يقتضى أن يكون مقبوضا في حال ما يكون مرهونا وهو مرهون من حين يقبضه المرتهن الا أن يعتقه الراهن فينبغي أن يكون مقبوضا له وانتفاع الراهن يعدم هذا الوصف وقد بينا ان موجب هذا العقد ثبوت يد الاستيفاء هنا للمرتهن وأنه من جنس اليد التى ثبتت بحقيقة الاستيفاء والراهن لا يتمكن من الانتفاع ما لم يحوله من يد المرتهن إلى يده وفيه تفويت موجب العقد (ألا ترى) أن الدين إذا كان حالا كان الراهن ممنوعا من الانتفاع به لكونه مرهونا عند المرتهن فكذلك إذا كان مؤجلا وفصل البيع دليلنا ان هناك متى ثبت للبائع حق حبس المبيع كان المشترى ممنوعا من الانتفاع به لكونه مرهونا عند المرتهن الا أن حق الحبس هناك انما يثبت إذا كان الثمن حالا فهنا أيضا متى ثبت حق الحبس بعقد الرهن ينبغى أن يمنع الراهن من الانتفاع وحق الحبس ثابت سواء كان الدين مؤجلا أو حالا حتى انه في غير أوان الانتفاع وفيما لا ينتفع به مع بقاء عينه المرتهن أحق بامساكه وبهذا الكلام يتبين أن انتفاع الراهن تصرف مبطل لا يدل لحق المرتهن فيمنع منه وبأنه كان لا يبطل حق المرتهن به إذا حصل تسليطه فذلك على أن الراهن لا يمنع منه كما إذا كان الدين حالا وكما في الوطئ وتوهم العلوق بالوطئ موهوم ولما بنى الحكم على الموهوم ومثله يتحقق هنا فانه يتوهم الهلاك في حالة الركوب وانما يكون هذا في معنى تسييب أهل الجاهلية إذا لم يكن غرض صحيح فاما إذا كان فيه غرض صحيح وهو اضجار الراهن فلا يؤدى إلى ذلك المعنى فأما الحديث فلنا ان نقول الرهن محلوب ومركوب على معنى ان محلوب ومركوب للمرتهن باذن الراهن وللراهن باذن
[ 108 ] المرتهن ثم قيل الصحيح ان هذا الحديث موقوف على أبى هريرة ولم يثبت مرفوعا ولو ثبت فالمراد انتفاع المرتهن على ما فسره في بعض الروايات لان الدر يحلب وظهره يركب بنفقته والنفقة بازاء المنفعة تكون في حق غير المالك وهذا حكم كان في الابتداء لان المرتهن ينتفع بالرهن وينفق عليه ثم انتسخ ذلك بنهي النبي ﷺ عن قرض جر منفعة فان آجر المرتهن المرهون بغير اذن الراهن فالغلة له ويتصدق بها لانه بمنزلة الغاصب في ذلك فانه كما لا يثبت له بعقد الرهن حق الانتفاع به لا يثبت له حق ايجاب المنفعة للغير الا أن الاجر وجب لعقده فيكون له ويتصدق به لانه حصل بسب حرام شرعا وان كان الراهن أذن له في ذلك فقد خرج من الرهن ولا يعود فيه الا برهن مستقبل والغلة للراهن وقال ابن أبى ليلى رحمه الله هي رهن على حالها والغلة للمرتهن قضاء ممن حقها لان عقد الاجارة لا يلاقى المحل الذى لاقاه عقد الرهن فانه بعقد الاجارة يثبت للمستأجر ملك المنفعة والثابت للمرتهن ملك اليد الا أن رضا المرتهن في الاجارة شرط يتمكن به المالك من التسليم فاجارة المرتهن واجارة الراهن برضا المرتهن سواء على معنى أن الاجر للراهن وان عقد الرهن على حاله لان موجب العقدين ما اجتمعا في محل واحد ثم المرتهن يأخذ الاجر قضاء من حقه لانه ظفر بجنس حقه من مال المديون ولكنا نقول عقد الاجارة يوجب استحقاق اليد للمستأجر في العين وذلك ينافى موجب عقد الرهن فإذا نفذ ذلك من الراهن باذن المرتهن أو من المرتهن بطل عقد الرهن كالبيع إذا نفذ من أحدهما وتخرج العين من الرهن بهذا المعنى وإذا خرج الرهن كانت الغلة للراهن لانه بدل ما لم يثبت به حق المرتهن وهو المنفعة وبه فارق الثمن فانه بدل ما ثبت به حق المرتهن فيحول حقه إليه فان ركب المرتهن الدابة أو كان عبدا فاستخدمه أو ثوبا فلبسه أو سيفا فتلقده بغير اذن الراهن فهو ضامن له لانه مستعمل ملكه بغير اذنه فيكون كالغاصب بخلاف ما لو تقلد السيف على سيف أو سيفين عليه فان ذلك من باب الحفظ لا من باب الاستعمال وقد بينا الفرق بين ما يكون حفظا وبين ما يكون استعمالا في كتاب اللقطة والوديعة فان كان فعل ذلك باذن الراهن فلا ضمان عليه لان وجوب الضمان باعتبار التعدي وهو في الانتفاع لا يكون متعديا فإذا نزل عن الدابة ونزع الثوب وكف عن الخدمة فهى رهن على حالها ان هلك ذهب بما فيه وان هلك في حال الاستعمال باذنه هلك بغير شئ لان استعماله بتسليط المالك كاستعمال المالك بنسفه ولو استعمله الراهن فهلك في حال الاستعمال لم يسقط الدين ولو
[ 109 ] أعاده المرتهن إلى يده بعلة ما فرغ فهلك في حال الاستعمال كان مضمونا بالدين وكذلك إذا استعمله المرتهن وهذا لان في حال الاستعمال يده يد عارية وهى غير يد الاستيفاء (ألا ترى) انه باعتبار يد العارية لا يرجع بضمان الاستحقاق على الغير وباعتبار يد الاستيفاء يرجع فأما بعد الفراغ من الاستعمال لم تبق يد العارية لان تلك اليد المقصودة الاستعمال لا غير فظهر حكم يد الاستيفاء وكذلك لو أعاره غيره باذن الراهن أو أعاره الراهن باذن المرتهن فهلك في يد المستعير لا يسقط شئ من الدين لما قلنا ولكن للمرتهن أن يعيده ليد نفسه لان هذا في حقه بمنزلة الاعارة من الرهن فلا يبطل به حق المرتهن لان للمرتهن حقا مستحقا والاعارة لا يتعلق بها الاستحقاق والشئ لا ينقص بطريان ما هو دونه عليه بخلاف الاجارة فانه يثبت حقا مستحقا للمستأجر فهو مثل الرهن أو أقوى منه فيكون مبطلا للراهن وعلى هذا لو أذن له أن يرهنه فرهنه منه غيره وسلمه خرج من الرهن الاول لان الثاني مثل الاول في انه يوجب حقا مستحقا للمرتهن فيبطل به الاول ثم يد العارية تتقدم ضمان الرهن ولكن لا يرتفع عقد الرهن حتى لو ولدت في يد المستعير راهنا كان أو غيره كان الولد مرهونا ولو مات الراهن في هذا الحال كان المرتهن أحق بها من سائر الغرماء فعرفنا أن عقد الرهن باق فببقائه يتمكن المرتهن من اعادته إلى يده وإذا أثمر الكرم أو النخل وهو رهن فخاف المرتهن على الثمرة الهلاك فباعها بغير اذن القاضى لم يجز بيعه وهو ضامن لقيمتها لانه باع مال الغير بغير اذن مالكه فيكون غاصبا في ذلك ولا ضرورة في الاستبداد بهذا البيع لانه يتمكن منه ان استأذن الراهن فيه ان كان حاضرا أو يرفع الامر إلى القاضى إذا كان الراهن غائبا ليبيعه القاضى أو يأمره ببيعه فان ولاية النظر في مال الغائب للقاضي فإذا لم يفعل كان ضامنا وان جذ الثمرة أو قطف العنب فهو ضامن في القياس لانه تصرف منه في ملك الغير بغير اذنه وفى الاستحسان لا ضمان عليه لان هذا من الحفظ فانه لو ترك على رؤس الاشجار فسد فالجداد في أوانه حفظ وحفط المرهون حق المرتهن فان قيل البيع أيضا من الحفظ قلنا نعم ولكنه في البيع حفظ المالية دون العين فأما في الجدار فحفظ الملك في العين والمرتهن مسلط على ذلك فان ذلك من الحفظ للعين بمنزلة الجداد لان ترك الحلب يفسد الضرع واللبن وإذا رهن الرجل عدلا زطيا بالف درهم أو بمائة شاة أو عشرة من الابل وسلمها إليه ثم قضاه بعض المال لم يكن له أن يقبض شيئا من الرهن حتى يقضى المال
[ 110 ] كله لان العقد منفعه واحدة وكل جزء مما يتناوله العقد يكون محبوسا بجميع الدين فما لم يقض جميع الدين لا ينعدم المعنى المثبت بحق الجنس في شئ من الرهن كما في البيع وكذلك ان رهن مائة شاة بالف درهم كل شاة بعشرة ثم قضاه عشرة وفى الزيادات قال في هذه المسألة يكون له أن يسترد أي شاة شاء قال الحاكم فما ذكر في الزيادات قول محمد رحمه الله وما ذكر في كتاب الرهن قول أبى يوسف وكان أبو بكر الرازي ينكر ما ذكره الحاكم ويقول قد ذكر ابن سماعة في نوادره عن محمد مثل ما أجاب به في كتاب الرهن والصحيح أن المسألة على روايتين وجه هذه الرواية ظاهر فان المرهون محبوس بالدين كالمبيع بالثمن ثم في البيع لا فرق في حكم الحبس بين فصل الثمن والاجمال حتى انه إذا اشترى شاتين بعشره فنقده عشره لم يكن له أن يقبض واحدة منهما وكذلك في الرهن فأما وجه الرواية فالزيادات تفرق القيمة بتفرق الصفقة في الرهن بدليل انه لو رهن عبدا بألف درهم كل نصف بخمسمائة لا يجوز ولو رهن عبدا من رجلين نصفه من كل واحد منهما بدينه لا يجوز بخلاف حال الاجمال فعرفنا أن الصفقة تتفرق في باب الرهن بتفرق الثمن فكذلك رهن كل شاة بعقد على على حدة بخلاف البيع فهناك بتفرق التسمية لا تتفرق الصفقة بدليل أنه لو باعه عبدين بالف كل واحد منهما بخمسمائة فقبل العقد في أحدهم دون الآخر لم يجز كما في حال الاجمال وهذا لان البيع عقد تمليك والهلاك قبل القبض مبطل للبيع فبعد ما نقد بعض الثمن لو تمكن من قبض بعض المعقود عليه أدى إلى تفرق الصفقة قبل التمام بأن يهلك ما بقى فيفسخ البيع فيه بخلاف الرهن فان الهلاك ينتهى حكم الرهن بحصول المقصود به كما أن بالافتكاك ينتهى حكم الرهن فلو تمكن من استرداد البعض عند قضاء بعض الدين لا يؤدى ذلك إلى تفرق الصفقة لان أكثر ما فيه أن يهلك ما بقى فينتهى حكم الرهن منه فان قيل هذا في حال الاجمال موجود قلنا نعم ولكن في حال الاجمال حصة كل شاة من الدين غير معلوم متعين فاما عند التفصيل فما رهن به كل شاة معلوم بالتسمية فلهذا يمكن انفكاك البعض بقضاء بعض الدين به ولو رهنه شاتين بثلاثين درهما احداهما بعشرين والاخرى بعشرة ولم يبين هذه من هذه لم يجز الرهن لجهالة ما رهن به كل واحدة منها وهذه جهالة تفضى إلى المنازعة فان احداهما لو هلكت وثمنها عشرون فالراهن يقول هذه التى رهنتها بعشرين والمرتهن يقول بل هذه بعشرة فان بين كل واحد منهما كان جائزا لان الرهن مع الدين يتحاذيان محاذات المبيع مع الثمن وفى البيع
[ 111 ] إذا عين ثمن كل واحد منهما جاز العقد لانعدام الجهالة بخلاف ما إذا لم يبين فكذلك في الرهن ولو ارتهن عبدا بالف نصف بستمائة ونصفه بأربعمائة أو كل نصف بخمسمائة لم يجز لتمكن الشيوع في الرهن باعتبار تفرق التسمية فان كل جزء يصير محبوسا بما سمى بمقابلته وقد بينا أن الجزء الشائع لا يكون محلا لحكم الرهن وكذلك ان قال لرجلين رهنتكما هذا العبد بالف لكل واحد منهما نصفه خمسمائة بخلاف ما إذا رهنه بدينهما مجملا فهناك جميع الرهن يصير محبوسا بدين كل واحد منهما فكذلك العين وعند تفرق التسميه انما يثبت لكل واحد منهما حق الحبس فما أوجب له نصفا وهو الجزء الشائع وقد قررنا أن العين لا تحتمل التجزى في موجب الرهن كالنفس في حكم القصاص ثم قد يثبت قصاص واحد لرجلين في نفس واحدة عند الاطلاق ولا يتصور أن يثبت نصف القصاص لكل واحد منهما في نفس واحدة على الانفراد فكذلك حكم الحبس في الرهن يجوز أن يثبت لشخص في عين واحدة عند الاجمال ولا يثبت لكل واحد الحق في النصف عند القبض وإذا رهن عند رجل دابتين على أن يقرضه مائة درهم وقبض احدى الدابتين فبقيت عنده وقيمتها خمسون درهما وقيمة الباقية ثلاثون درهما فعلى المرتهن أن يرد على الراهن خمسين درهما لان الدين الموعود في حكم الاستيفاء بهلاك الرهن كالدين المقبوض بمنزلة المقبوض علي سوم الشراء يجعل في حكم الضمان كالمقبوض بحقيقة السداد ولو كان الدين واجبا كان المرتهن بهلاك احدى الدابتين مستوفيا قدر قيمتها إذا كانت قيمتها والدين سواء فهنا أيضا عند هلاك احداهما يصير مستوفيا خمسين درهما فعليه رد ذلك على الراهن ان بدا له أن يأخذ الاخرى ويقرضه فهو هنا مستقيم وان لم يفعل لم يجبر على شئ لان ما جرى بينهما ميعاد والمواعيد لا يتعلق بها اللزوم وان بقيت الاخرى أيضا عند الراهن ولم يدفع المرتهن إليه المائة أو قد دفعها ولم يختلفا في قيمة الدابتين فالقول قول المرتهن في الوجهين لان حاصل الاختلاف منهما في مقدار ما صار المرتهن مستوفيا مما سقط به دينه الواجب أو يلزمه رده ان يكن دفع إليه شيئا فالمرتهن ينكر الزيادة والراهن يدعى عليه ذلك فالقول قول المنكر وما أنفق المرتهن على الرهن والراهن غائب فهو منه تطوع لانه تبرع بالانفاق على ملك الغير بغير أمره فان أمره القاضى أن ينفق ويجعله على الرهن فهو دين على الرهن لان الانفاق بامر القاضى كالانفاق بأمر الراهن وللقاضي ولاية النظر في مال الغائب فيما يرجع إلى حفظ
[ 112 ] ملكه عليه والبيان في انه قال ويجعله دينا على الراهن وهكذا يقول في كتاب اللقطة وغيره وكان أبو بكر الاعمش رحمه الله يقول لا حاجة إلى هذه الزيادة ولكن مجرد أمره يكفى لان أمر القاضى كامر صاحب المال وأكثر مشايخنا رحمهم الله على أنه ما لم يصرح القاضى بهذا اللفظ لا يصير دينا لان أمر القاضى في هذا الموضع ليس لالزام المأمور فانه لا يلزمه الانفاق وان أمره القاضي بذلك ولكن المقصود النظر وهو متردد بين الامر بالانفاق حسبة وبين الامر بالانفاق ليكون دينا فعند الاطلاق لا يثبت الا أدناهما ولا يصير دينا الا بالقبض بخلاف أمر صاحب المال فهذا استقراض أو استيهاب يثبت أدناهما والادنى هناك الاستقراض ولا يصدق المرتهن على النفقة الا ببينة لانه يدعى لنفسه دينا في ذمة الراهن وهو غير مقبول القول فيما يدعيه لنفسه في ذمة غيره الا ببينة فان لم يكن له بينة حلف الراهن ما يعلم انه انفق على رهنه كذا كذا لان المنفق يدعى عليه الدين وهو ينكر فالقول قوله مع يمنيه ولانه يستحلف على فعل الغير وهو الانفاق من المأمور واليمين على فعل الغير يكون على العلم ولو ارتهن دابتين فنفقت احداهما ذهب من الدين بحسابه وكذلك لو كانت الباقيه مثلها وليس هذا كجناية الرقيق معناه إذا رهن عبدين بالف قيمة كل واحد منهما الف فقتل احدهما صاحبه كان الباقي منهما رهنا بسبعمائة وخمسين ويتحول إلى القاتل بعد ما كان على المقتول من الدين على ما بيناه في باب الجنايات وفى هذه الصورة من الدابتين كانت الباقيه رهنا بخمسمائة لان جناية احدى الدابتين على الاخرى هدر قال ﷺ جرح العجماء جبار فكان قتل احداهما الاخرى وموتها سواء بخلاف بنى آدم فانه من أهل جناية معتبرة في الاحكام فحصة الامانة من الجاني على المضمون من المجني عليه لابد ان يقام مقامه في تحويل ما كان على المجني عليه إلى الجاني وذلك نصف ما كان على المجني عليه ولو استحقت احداهما لم تنفك الاخرى الا بجميع المال لما بينا أن كل واحدة منهما محبوسة بجميع المال عند الاجمال وان هلكت احداهما هلكت بحصتها لان حكم الضمان يتوزع عليهما فعند هلاك احداهما انما يصير مستوفيا حصتها في الدين بمنزلة العين الواحدة يرهنها من رجلين بدين لهما في ان حكم الحبس يكون مخالفا لحكم استيفاء الدين عند الهلاك حتى يصير كل واحد منهما عند الهلاك مستوفيا نصف دينه ولو ولدت احداهما ولدا وقيمتهما سواء وقيمة الولد قيمة الام ثم بيعت التى لم تلد ذهب بنصف الدين لان الولد تابع للام داخل معها في حصتها
[ 113 ] فيقسم الدين أولا على قيمة الدابتين نصفين لاستوائهما ثم يقسم ثمن التى ولدت على قيمتها وقيمة ولدها فحصة التى لم تلد نصف الدين ولهذا ذهب بموتها نصف الدين وان بيعت التى ولدت ذهب ربع الدين لان نصف الدين انقسم على قيمتها وعلى قيمة ولدها فتوسط معها الولد إلى يوم الفكاك على هذه القيمة وقد بقى فكانت حصة الام ربع الدين وان لم تتفق هي واتفق ولدها لم يذهب من الدين شئ إذا كانت الولادة لم تنقص الام لان الولد هلك من غير صنع أحد وكان تابعا في حكم الرهن فصار كان لم يكن فان كانت الام ماتت فذهب ربع الدين ثم ولدت البنت بنتا مثلها كان الثنتان بثلثي النصف لان السفلى كالعليا في انها تابعة للام الاصلية فان العليا تبع ولا تبع للتبع فهو نظير ما لو ولدت الام ولدين قيمة كل واحد منهما مثل قيمتها فانها نقسم ما فيها على قيمتها وقيمة الولدين أثلاثا ويتبين ان الساقط بموت الام ثلث نصف الدين ولو كانت المسألة بهذه الصورة في البيع كان الساقط بموت الام ربع الثمن وقد قررنا هذا الفرق في آخر البيوع ان سقوط الثمن هناك بطريق انفساخ البيع والبيع بعد ما انفسخ لا يعود بحدوث الزيادة وهنا سقوط الدين بطريق انتهاء عقد الرهن لحصول المقصود به والمنتهى يكون متقررا في تعينه فبحدوث الزيادة يعود بعض ما كنا حكمنا بسقوطه بطريق الظاهر ولا يفتك الراهن شيئا من ذلك دون شئ لان العقد في الكل واحد باعتبار الاجمال ولو اعورت احدى العينين ذهب بموت الام أربعة اجزاء من أحد عشر جزأ من النصف ولو كان هذا في الرقيق بقيت الا ثنتان بثلاثة اخماس النصف وهذا لما بينا ان العين من الادنى نصف ومن الديه ربعها ففى الرقيق حين اعورت احدى الاثنتين ذهب نصفها فانما ينقسم ما في الام من الدين على قيمتها وقيمة العليا وقيمة نصف السفلى فيكون على خمسة في الام سهمان وفى الصحيحة من الاثنتين كذلك وفى العوراء سهم فلهذا سقط بهلاك الام خمسا النصف وبقى ثلاثة اخماس النصف وفى الدواب بالاعورار ذهب بالعور ربعها فانما ينقسم نصف الدين على قيمة الام والصحيحة من الولدين وثلاثة أرباع العوراء فكانت الام أربعه والصحيحة كذلك والعورا ثلاثة فلهذا قال يذهب بموت الام أربعة أجزاء من أحد عشر جزأ من النصف وإذا ارتهن الرجل أرضا ونخلا بالف درهم وقيمة الارض خمسمائة وقيمة النخل خمسمائة فاحترق النخل فالارض رهن بخمسمائة بخلاف البيع فان ضمان البيع ضمان عقد والنخل في العقد تبع وبهلاكه لا يسقط شئ من الثمن كاطراف
[ 114 ] العبد فاما ضمان الرهن فضمان قبض والاوصاف تفرد بالقبض فتفرد بالضمان فلهذا سقط بذهاب النخل نصف الدين إذا كانت قيمتهما سواء كان نبت في الارض نخل يساورى خمسمائة والارض والنخل بثلثي جميع المال لان النابت زيادة في الارض فيصير هو كالموجود في أن حكم الرهن ثبت في كل واحد منهما معا وتبين أن الدين ينقسم على قيمة الارض وقيمة النابت والذى احترق والقيم سواء كانما سقط بذهاب ما احترق حصتها وهو ثلث الدين وعن أبى يوسف رحمه الله قال ان كان الثابت منه عروق النخل التى احترق اسقط ربع الدين وان كان من غير ذلك من الارض سقط نصف الدين لان الثابت إذا كان فيه عروق فاحترقت فهو زيادة في النخيل خاصة فيقسم الدين أولا على قيمة الاصل وقيمة النخيل الموجود عند العقد نصفين ثم تقسم حصة النخيل على قيمتها وقيمة الثابت نصف فسقط باحتراق النخيل الموجودة ربع الدين بمنزلة الجاريتين إذا ولدت احداهما ثم ماتت الام وإذا ثبت النخيل من الارض كان زيادة في الارض دون النخيل فباحتراق النخيل سقط ما كان فيها وهو نصف الدين والنصف الباقي حصة الارض ينقسم عليها وعلى النخيل الثابت ولو ارتهن أرضا ليس فيا نخل فنبت فيها نخل وقيمة الارض مثل الدين وقيمة النخيل كذلك فما رهن بالمال وان ذهب النخيل لم يسقط من الدين شئ لانها زيادة حدثت بعد تمام الرهن ولم يضر مقصوده بالتناول حين هلكت قبل الفكاك فلا يسقط بهلاكها شئ من الدين كالولد ولو ارتهن أرضا وكرما وقيمته والدين سواء ثم أثمر ثمرا كثيرا يكون مثل قيمته ثم ذهب الشجر وسلم الثمر وقيمة الشجر والارض سواء فانه يذهب ثلث الثمن لما بينا ان الثمار زيادة في الشجر والارض جميعا لان الشجر تبع للارض ولا تبع للتبع فانقسم الدين على قيمة الثلاثة سواء فيذهب الشجر بثلث الدين فان ذهب الثمر بعد ذلك ذهب أيضا سدس جميع المال وليس المراد أنه بذهاب الثمر سقط شئ من الدين لان الثمار زيادة حادثة بعد تمام الرهن وفاتت من غير صنع أحد فكيف يسقط بهلاكها شئ من الدين ولكن الثمار صارت كأن لم تكن فتبين أن الدين انقسم على قيمة الارض وقيمة الاشجار نصفين وان بذهاب الاشجار سقط نصفه وبقيت الارض رهنا بنصف الدين وإذا ساق المرتهن دابة الرهن أو قادها فأصابت انسانا بيدها أو وطئته برجلها فهو على القائد والسائق لان القائد والسائق متلف بطريق السبب فيكون ضامنا مالكا أو غير مالك ولا يلحق الدابة ولا الراهن من ذلك شئ لانعدام سبب الاتلاف
[ 115 ] من الراهن وكون فعل الدابة هدرا شرعا وإذا ارتهن ثوبا يساوى خمسة دراهم ومثقال ذهب يساوى عشرة دراهم بخمسة فهلك الذهب ولبس الثوب حتى تخرق أو بدأ بالثوب فلبسه قبل هلاك الذهب فقد سقط ثلثا الدين بهلاك الذهب لان الدين انقسم على قيمة الذهب وقيمة الثوب وحصة الذهب ثلثا الخمسة فذهب ذلك بهلاك الذهب ويضمن قيمة الثوب لانه باللبس حتى تخرق صار غاصبا متلفا فيضمن قيمته يحسب له من ذلك ما كان منه وذلك ثلث الخمسة بطريق المقاصة ويؤدى ما زاد على ذلك إلى صاحب الثوب. ولو ارتهن عمامة تساوى نصف درهم ودرهم فضة بدرهم فهلكت الفضة ولبس العمامة حتى تخرقت فان الفضة تذهب بثلثي دينه لان حصتها من الدين الثلثان ويضمن قيمة العمامة بالاتلاف يحسب له منها ثلث الدرهم حصة ما كان فيها من الدين ويؤدي ما بقي. قال رحمه الله كان شيخنا الامام رحمه الله يقول هذه من أعجب المسائل في الوضع فمن عادة محمد رحمه الله أنه يرفع فيما يذكر منه قيمة الاشياء حتى يذكر ثوبا يساوى ألفا وجارية تساوى عشرين ألفا وهنا قال عمامة تساوى نصف درهم ولو كانت هذه العمامة خيشا لكانت قيمتها أكثر من هذا وقد كان صحيحا لانه قال لبس العمامة حتى تخرقت فلا تأويل لهذا سوى انه أراد بهذا تطييب قلوب طلبة العلم لان يثاب بما منهم يكون خلقة فيعملون إذا نظروا إلى هذه المسألة انه قد يكون في الناس من يكون ثوبه دون ثيابهم فيكون في ذلك بعض التسلى لهم ولا يجوز ارتهان الخمر والخنزير فيما بين المسلم والذمى لانه ليس بمال متقوم في حق المسلم منهما فان هلك عند المرتهن ذهب بما فيه ان كان الراهن كافرا لان خمر الذمي يكون مضمونا على المسلم بالقبض كما في الغصب وضمان الرهن ضمان القبض وان كان الراهن مسلما ذهب بغير شئ لان خمر المسلم لا يكون مضمونا على الذمي بالقبض كما في حال الغصب والاتلاف والله أعلم * (باب رهن الفضة بالفضة والكيل والوزن) * (قال رحمه الله) وإذا ارتهن الرجل قلب فضة فيه عشرة دراهم بعشرة دراهم فهذه المسألة على ثلاثة أوجه اما أن يكون قيمته مثل وزنه عشرة أو قيمته أقل من وزنه ثمانية أو قيمته أكثر من وزنه اثنى عشر وكل وجه من ذلك على وجهين اما أن يهلك القلب أو ينكسر اما إذا كانت قيمته مثل وزنه فان هلك القلب سقط حق المرتهن لان في وزنه وقيمته وفاء
[ 116 ] بالدين فيصير المرتهن مستوفيا كمال حقه بهلاكه وان انكسر فعلى قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله يضمن المرتهن قيمته ان شاء من جنسه وان شاء من خلاف جنسه لانه لا يمكن فيه الربا ويكون ما ضمنه رهنا عنده أن يحل أجل الدين ثم يستوفيه ضامن حقه والمكسور مملوك له بالضمان وعند محمد رحمه الله يخير الراهن ان شاء سلم المكسور للمرتهن بدينه وان شاء افتكه ببعض الدين وروى أصحاب الاملاء عن أبى يوسف وعن أبى حنيفة رحمهما الله ان الراهن يجبر على افتكاك اقتضاء جميع الدين وليس له أن يضمن المرتهن شيأ والاصل عند محمد رحمه الله أن حالة الانكسار معتبرة بحالة الهلاك والقلب عند الهلاك في هذا الفصل مضمون بالدين دون القيمة فكذلك عند الانكسار لان ضمان القيمة يوجب الملك في المضمون للضامن وضمان الدين لا يوجب ذلك وسبب كل واحد من الضمانين القبض ولا يجوز أن يتعلق بشئ واحد ضمانان من جنسين مختلفين فعند تعذر الجمع بينهما لابد أن يكون الثابت أحدهما وبالاجماع في حالة الهلاك القلب مضمون بالدين هنا فكذلك في حالة الانكسار (ألا ترى) أن المبيع لما كان مضمونا بالثمن استوى فيه حالة الهلاك وحالة الانكسار والمغصوب لما كان مضمونا بالقيمة استوى فيه حالة الهلاك وحالة الانكسار فهذه مثله الا أن عند الهلاك يتم الاستيفاء حكما بين الوزن لان الاستيفاء يكون من المالية والمالية في مال الربا عند المقابلة بالجنس يكون بقدر الوزن والكيل فأما عند الانكسار فلا يتم الاستيفاء لبقاء الوزن ولكنه يتخير الراهن ان شاء سلم المكسور للمرتهن وجعله في حكم الهلاك فيتم الاستيفاء وان شاء افتكه بقضاء الدين كما إذا انكسر القلب المبيع يخير المشترى بين أن يأخذه ويؤدى جميع الثمن وبين أن يفسخ البيع ويجعله في حكم المستهلك وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله قالا ضمان الرهن ضمان استيفاء والاستيفاء يكون من المالية ومالية القلب باعتبار وزنه والوزن قائم بعد الانكسار من كل وجه فلا يمكن جعل المرتهن مستوفيا رضى به الراهن أو لم يرض لان عند تسليم الراهن المكسور للمرتهن لابد من القبول لان المرتهن يمتلك المكسور وذلك ليس من حكم ضمان الاستيفاء إذا لم يهلك الرهن لا يملك المرتهن المرهون به ولهذا لو كان عبدا كان كفنه على الراهن وإذا تعذر جعل المرتهن مستوفيا قلنا الراهن ما رضى بقبضه الاعلى وجه يصير مستوفيا عند تعذر رده كما قبض فلا يكون راضيا بقبضه بدون هذا الشرط فالقلب في هذه الحال كالمقبوض بغير رضاه وهو المغصوب فيكون مضمونا بقيمتة ويخير المالك بين
[ 117 ] أن يشترط المسكور ولا يبيعه بشئ وبين أن يضمنه قيمته ويملك المسكور بضمان القيمة وبهذا تبين أنا لا نثبت ضمانين باعتبار قبض واحد ولكن باعتبار قبضين معناه أحدهما قبض برضا المالك والآخر قبض بغير رضاه وكالواحد منهما يعتبر في حالة أخرى وعلى الرواية الاخرى عند أبى حنيفة لا يضمنه المرتهن شيأ لان القبض بحكم الرهن يوجب ضمان الاستيفاء فقط والاستيفاء يكون من المالية وهو باعتبار الوزن ولم يفت شئ بالانكسار من الوزن انما قاتت الصفقة ولا قيمة للصفقة في مال الربا عند المقابلة بجنسها ومالا قيمة له لا يكون مضمونا بحكم الرهن وفواته لا يسقط من الدين ولا يثبت الخيار للراهن كفوات الزيادة إذا لم يتمكن بحدوثها نقصان في الاصل وأما إذا كانت قيمة القلب أقل من وزنه فهلك فعند أبى حنيفة رحمه الله يصير المرتهن مستوفيا دينه وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يضمن قيمته من خلاف جنسه كيلا يؤدى إلى الربا ولا يسقط شئ من الدين لانه لا يمكن أن يجعل مستوفيا قدر قيمته من الدين فان استيفاء العشرة بثمانية ربا ولا يمكن أن يجعل مستوفيا لجميع دينه باعتبار الوزن لان فيه اعتبار حق المرتهن في الجودة وكما يجب مراعاة حقه في الوزن يجب مراعاة حقه في الجودة ألا ترى أن الراهن لو أراد قضاء دينه بما هو دون حقه في الجودة لا يملك ذلك بغير رضا المرتهن فإذا تعذر جعله مستوفيا يجعل كالمقبوض بغير اذن المالك فيكون مضمونا بالقيمة على القابض إذا هلك وأبو حنيفة يقول ضمان الرهن ضمان استيفاء والاستيفاء يكون بالوزن وفى القلب وفاء بالدين فيجعل مستوفيا كمال حقه على معنى انه لما قبض الرهن مع علمه بهلاك الرهن يصير مستوفيا دينه باعتبار الوزن فكأنه رضى بدون حقه في الجودة وهذه المسألة نظير مسألة الجامع الصغير إذا كان له على غيره عشرة جياد وستوق فهلك في يده ثم علم أن المستوفى كان زيوفا فعند أبى حنيفة رحمه الله يسقط حقه وعند أبى يوسف رحمه الله نضمنه مثل المقبوض ويرجع بحقه ذكر قوله محمد في تلك المسألة كقول أبى حنيفة قال عيسى وهو قوله الاول أما قول الآخر فكقول أبى يوسف رحمه الله على قياس ما ذكره في كتاب الرهن إذ لا فرق بين النصيبين فان الرهن مقبوض فيكون بمنزلة المقبوض بحقيقة الاستيفاء وهناك المستوفى إذا تعذر رده للهلاك سقط حقه ولا يرجع بشئ عند أبى حنيفة لمكان الجودة فكذلك في الرهن وعندهما هناك يضمن مثل المستوفى ومقام رد المثل مقام رد العين لمراعاة حقه في الجودة فكذلك في الرهن
[ 118 ] فان قيل يستقيم هذا البناء وهناك عند القبض لو كان عالما بصفة المستوفى سقط حقه عندهم جميعا وهنا عند قبض الرهن هو عالم برداءة المقبوض قلنا نعم ولكن عند قبض الرهن ما كان يعلم انه يهلك في يده فيصير مستوفيا به حقه وانما يتم الاستيفاء هنا عند هلاك الرهن فبمجرد قبض الرهن لا يتم رضاه بسقوط حقه عند الجودة وعندهما بمنزلة مالو قبضه لاستيفاء حقين ولا يعلم أنه دون حقه في الجودة ولو انكسر القلب هنا ضمنه المرتهن قيمته من خلاف جنسه أما عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله فظاهر وعند محمد حالة الانكسار معتبرة بحالة الهلاك وفى حالة الهلاك عنده في هذا الفصل القلب مضمون بالقيمة دون الدين فكذلك عند الانكسار وانما يضمنه قيمته من خلاف جنسه للتحرز عن الربا وأما إذا كانت قيمته اثني عشر فانه ان هلك القلب سقط الدين عندهم جميعا لان في الوزن وفاء بالدين وفى القيمة كذلك وزيادة القيمة على الدين كزيادة الوزن فيلغى فتكون تلك الزيادة أمانة ويصير مستوفيا كمال حقه بهلاك الرهن وذكر ابن سماعة أن في قياس قول أبى يوسف يضمنه المرتهن قيمة خمسة أسداس القلب من خلاف جنسه ولا يسقط شئ من الدين لانه لا يمكن أن يجعل مستوفيا دينه بجميع القلب فان من أصله أن الجودة لا تفصل عن الاصل في حكم الضمان وفى هذا ابطال حق الراهن عن الجودة فكما يراعى حق المرتهن في الجودة فكذلك يراعى حق الراهن ولا يمكن أن يجعل مستوفيا دينه بما يساوى عشرة من القلب وهو خمسة أسداسه لان وزن ذلك ثمانية وثلث واستيفاء العشرة بثمانية وثلث يكون ربا فإذا تغير الاستيفاء قلنا يضمن خمسة أسداس القلب من خلاف جنسه ويكون مرهونا بالدين ولكن الاول أصح لما بينا أن زيادة الجودة لا تكون أعلى من زيادة الوزن والمرتهن آمن في تلك الزيادة فهلاكها في يده كهلاكها في يد الراهن وأما إذا انكسر القلب فعلى قول أبى حنيفة يضمن جميع القلب من خلاف جنسه ومن أصله أن المعتبر هو الوزن والصيغة تبع للوزن وليس للوزن هنا فضل على الدين فكان كله مضمونا بالدين وثبوت الحكم في التبع كثبوته في الاصل فمن ضرورة كون الاصل كله مضمونا أن تكون الجودة كلها مضمونة وحالة الانكسار ليست بحالة استيفاء الدين عنده فيكون ضامنا جميع القيمة من خلاف جنسه كما في المغصوب وروى بشر عن أبى يوسف رحمهما الله مثل هذه فأما ظاهر المذهب عند أبى يوسف فهو أن المرتهن يضمن قيمة خمسة أسداس القلب ويصير مملوكا له بالضمان وانما نهى عنه للتحرز عن الشيوع في الرهن
[ 119 ] وقد بينا أن الشيوع الطارئ في ظاهر الرواية كالشيوع المقارن وهذا لان من أصل أبى يوسف ان الضمان والامان تبع في الوزن والجودة لان الجودة والصنعة لها حكم المالية مع الاصل ولهذا يعتبر من القلب في القلب الموصى به ولو باع الوصي قلب اليتيم بمثل وزنه لا يجوز ويجعل محاباته بالجودة والصنعة كمحاباته بالوزن وكذلك في القلب المغصوب باعتبار فوات الصنعة والجودة يصير الغاصب ضامنا وإذا تقرر هذا قلنا خمسة أسداس القلب تصير مضمونة بجودته وصنعته وسدسه أمانة فالتغير بالانكسار فيما هو أمانة لا يعتبر فيما هو مضمون معتبر وحالة الانكسار ليست بحالة الاستيفاء عنده فيضمن قيمة خمسة أسداس من خلاف جنسه لهذه وأما عند محمد ان انتقص بالانكسار من قيمته درهم أو درهمان لجبر الراهن على الفكاك بقضاء جميع الدين لان من أصله أن الضمان في الوزن والامانة في الجودة والصنعة باعتبار أن الجودة والصنعة تابعة للوزن وأن الامانة في المرهون كذلك فيجعل الاصل بمقابلة الاصل والتبع بمقابلة التبع وهذه لان الصنعة مال من وجه كما قرره أبو يوسف أنها مال تبعا للاصل ولكن ليس لها حكم المالية والتقوم منفردة عن الاصل كما أن حكم الرهن فيما هو أمانة ثابت من وجه وهو الحبس بالدين وليس بثابت في حكم الضمان فإذا كانت الامانة هنا في الصنعة والجودة قلنا إذا لم تنقص بالانكسار أكثر من درهمين فالثابت ما كان أمانة فيجبر الراهن على الفكاك وان انتقص أكثر من ذلك فقد فات شئ من المضمون وحالة الانكسار عند محمد معتبرة بحالة الهلاك وفى هذا الفصل عند الهلاك يصير مستوفيا دينه فكذلك عند الانكسار يكون مضمونا بالدين ويتخير الراهن كما بينا وسوى هذا فصلان آخران ينقسم الواحد منهما على عشرة أوجه وقد بينا ذلك فيما أنشأه من شرح الزيادات ولم يذكر محمد معناهما في هذا الباب فهذا لم يذكره هنا ولو ارتهن ابريق فضة قيمته مائة درهم بعشرة دراهم فانكسر عنده فهو ضامنه بعشر قيمته مصوغا من الذهب كما قال في الكتاب والصحيح انه يتخير بين ان يضمنه بعشر من جنسه أو من خلاف لانه لا يؤدى إلى الربا فالقيمة مثل الوزن وقيل يؤول ما ذكر أن قيمته بدون الصنعة دون الوزن وهو انما يملك بالضمان عشر المكسور فيضمنه من خلاف جنسه كيلا يؤدى إلى الربا وإذا ملك عشر الابريق فالضمان بمعنى ذلك القدر للتحرز عن البيع ويكون تسعة أعشاره مع الذهب الذى عزله رهنا بالدين وهذا قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقد ذكر في
[ 120 ] نسخ ابن حفص أنه قول أبى يوسف فأما عند محمد فالراهن يجعل عشر المكسور للمرتهن بعينه ويرد تسعة اعشاره لانه يعتبر حالة الانكسار بحالة الهلاك ولو هلك في هذه المسألة كان المرتهن مستوفيا دينه بعشر الابريق وهذا مثله ولو ارتهن قلب فضة فيه عشرة دراهم بدرهم فكسر رجل القلب عنده ضمن قيمته من الذهب وكان رهنا والقلب له لان المرهون فات إلى بدل فيقوم البدل مقام الاصل ويبقى باعتباره جميع الدين فان أبى الراهن والمرتهن أن يدفع إليه القلب ورضيا أن يكون رهنا على حاله وهو مكسور فهو رهن ولا ضمان على ذلك الرجل لما بينا أن الفائت بالكسر الصنعة وهى لا تتقوم منفردة عن الاصل وكما لا يتقوم على الكاسر لوجود الرضا من الراهن به حين الانكسار فكذلك لا يقوم على المرتهن في الكتاب ذكرا بايهما جميعا والمعتبر اباء الراهن خاصة ولو ارتهن عشرة دراهم بيضا صرفا بعشرة سود فهلكت فهى بالسود لان الفصل في هذا الباب بالرهن إذ في الوزن والجودة وفاء بحق المرتهن وزيادة فيجعل عند الهلاك مستوفيا لدينه والزيادة أمانة ولو ارتهن قلب فضة جيدة بيضاء فيه عشرة دراهم بعشرة دراهم فضة سوداء فهلكت فالمرتهن مستوف لجميع دينه بالهلاك ولو انكسر ضمن المرتهن قيمته مصوغا من الراهن وكان رهنا فالدين والقلب له عند أبى حنيفة وعند محمد رحمهم الله يخير الرهن بين أن يفتك المكسور بقضاء جميع الدين وبين ان يسلمه للمرتهن بالدين وفى قول أبى يوسف للراهن أن يضمن المرتهن من القلب ذهبا بقدر قيمة فضة المرتهن السوداء ويكون ما بقي من القلب للراهن يقسم ذلك فيجمع مع الذهب الذى ضمنه المرتهن فيكون رهنا وهذه وما ذكرنا قبله في الوجه الثالث إذا انكسر القلب في التخريج سواء ولو ارتهن قلب فضة فيه عشرة دراهم بدينار فانكسر وقيمته والدينار سواء فان المرتهن يقوم قيمته من الذهب فيكون رهنا بالدينار والقلب له لانه في وزن القلب فضل على مالية الدين وحالة الانكسار في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله حال ضمان القيمة فيكون ضامنا قيمته عندهما ولو هلك هو بما فيه لان الدينار مقوم بالعشرة ففى ماليته وفاء بالدين عند الهلاك فيصير مستوفيا دينه وعند محمد في حال الانكسار أخص الراهن بالخيار ان شاء أخذ القلب مسكورا وأعطاه الدينار وان شاء جعل الفضة له بالدينار اعتبارا بهذا الحال بحال الهلاك ولو ارتهن قلب فضة فيه خمسون درهما بكر حنطة سلم أو قرض وقيمته والدين سواء فان هلك ذهب فيما فيه وان انكسر فهو على ما وصفت
[ 121 ] لك معناه ان عند أبى يوسف يكون ضامنا جميع قيمته من خلاف جنسه وعند محمد يخير بين ان يجعله للمرتهن بدينه وبين أن يفتكه بقضاء جميع الدين ولو ارتهن خاتم فضة فيه من الفضة وزن درهم وفيه فص يساوى تسعة دراهم بعشرة فهلك فهو بما فيه لان فيما بقي وفاء بالدين ولو ارتهن سيفا محلى قيمة السيف خمسون درهما ونصله خمسون بمائة درهم فهلكت فهو كالخاتم وان انكسر الفص والحلية بطل من الدين بحساب نقصان النصل لان النصل ليس بمال الربا فالنقصان في عينه يسقط من الدين بقدره واما الفضة فمن مال الربا فالجواب فيه كالجواب في مسألة القلب عند الانكسار وفى الخلاف بين أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله ولو ارتهن كر حنطة جيدة بكر ردئ فهلك فهو بما فيه وان أصحابه ما يفسده فعلى المرتهن كر مثله لان الفساد في الحنطة كالانكسار في القلب الا أن الحنطة مضمونة بالمثل والقلب بالقيمة وعند محمد ان شاء الراهن سلمه للمرتهن بالدين وان شاء اخذه معيبا وأعطاه دينه اعتبارا لحالة الفساد بحال الهلاك ولو كان الرهن كرا رديئا والدين كرا جيد فهلك فهو بما فيه عند أبى يوسف لان في القدر وفاء بالدين والمعتبر القدر عنده وعندها جميعا وهو نظير ما سبق من رهن القلب الردئ والعشرة السود بالعشرة البيض ولو رهن قلب فضة بعشرة دراهم وقال ان جئتك بالعشرة إلى شهر والا فهو بيع لك بالعشرة فالرهن جائز والشرط باطل لان البيع لا يحتمل التعليق بالشرط وقد بينا في تفسير قوله ﷺ لا يغلق الرهن ان المراد هذا وإذا كان الحكم في سائر الاعيان المرهونة هذا ففى القلب أولى لان البيع يدخله معنى الصرف هنا وإذا أعطى رجل رجلا قلب فضة فقال ارهنه لى عند رجل بعشرة دراهم وفى القلب عشرون فامسكه الوكيل عنده وأعطاه عشرة دراهم وقال رهنته لك كما أمرتنى ولم يقل رهنته عند أحد فهلك القلب عنده فان تصادقا بالذى كان رجع بالعشرة وكان مؤتمنا في القلب لانه لم يخالف فان قبضه ففضل المقبوض في يده امانة وهو كفيل على حفظه إلى أن هلك فهلك أمانة ويرجع بدينه ولا يكون هو بما صنع عاقدا عقد الرهن في القلب مع نفسه فيكون رهنا لا راهنا فلهذا لا يصير مستوفيا دينه بهلاك القلب وان تجاحدا فقال الآمر قد أقررت لى انك رهنته فلا شئ لك علي فهو كما قال لان القابض قد أقر بالرهن ومن حكمه باقراره أنه لا يجب على صاحب القلب شئ من العشرة بعد هلاك القلب والمقر بواحد بحكم اقراره ولكن يحلف صاحب القلب بالله ما يعلمه أمسكه لانه لو صدق في ذلك لرهنه إذا بعشرة فيحلف
[ 122 ] عند التكذيب لرجاء نكوله ولكنه يحلف على فعل الغير فيكون على الفعل فان قيل الاستحلاف يترتب على دعوى صحيحة ولم تصح الدعوى من المقر للتناقض فكيف يحلف الخصم قلنا موضوع المسألة أنه قال رهنته ولم يقل رهنته عند أحد فكان توفيقه بين الكلامين صحيحا انى رهنته عند نفسي ظنا منه أن ذلك صحيح وإذا تقدم التناقض بهذا التوقيف توجهت اليمين على الخصم وان قال الآخر قد أقررت أنك رهنته ثم زعمت لم تفعل فأنت ضامن للقلب فله أن يضمنه قيمة القلب مصوغا من الذهب ويرجع بالعشرة قال عيسى هذا غلط ولا معنى لايجاب ضمان القيمة على الوكيل لانه ان كان رهنه فليس عليه ضمان القيمة أيضا وليس هنا حالة ثالثة فبأى طريق يكون الوكيل ضامنا للقيمة وهذا نظير الظن الذى ذكرناه في كتاب الوديعة إذا ادعى المودع الهلاك ثم ادعى الرد ووجه ظاهر الرواية أنه من حيث الظاهر قد تناقض كلامه ومع التناقض لا يقبل قوله فكأنه ساكت حابس للقلب فيضمن قيمته * توضيحه انه لما قال رهنته أوجب هذا الكلام انه لم يبق لك عندي شئ فيجعل جاحدا الامانة بهذا الطريق ومن نكل أمانة في يده ضمنها فلهذا كان له أن يضمن الوكيل قيمته ولو ارتهن طوق ذهب فيه مائة وخمسون مثقالا بألف درهم فحال الحول والالف عند الراهن يتجر فيها فلا زكاة فيها على الراهن في رهنه ولا زكاة على المرتهن في الدين الذى له عنده فإذا قبض المال ورد الرهن فعلى المرتهن زكاة الالف لما مضى لوصول يده إليها وقد ذكرنا في كتاب الزكاة أن الزكاة تجب في الدين ولكن لا يجب الاداء الا بعد القبض وعلى الراهن زكاة الطوق لما مضى لان وجوب الزكاة في الذهب باعتبار العين الا أن العين كانت محبوسة عند الحق المرتهن فإذا وصلت يده إليه أدى الزكاة لما مضي وليس عليه في الالف زكاة لانه كان عليه مثلها دينا والمستغرق بالدين لا يكون نصاب الزكاة وإذا ارتهن كرى حنطة رديئة بكر حنطة جيدة وقيمتهما سواء فهلكا عنده فهو بما فيه لان في مالية الرهن وفاء بالدين وان أصابه ففسد فانه يضمن كرا مثل أحدهما ويكون له نصف الكرين جميعا ويرجع على الراهن بدينه في قياس قول أبى حنيفة لان حالة الفساد ليست بحال استيفاء الدين والمضمون منه المقبوض عند تعذر الدين كيلا فعند الفساد يضمن مثل ذلك القدر ويمكث الفاسد بالضمان مثل ما ضمن ولم يذكر قولهما في هذا الفصل وينبنى على قولهما في حالة الهلاك والفساد أن يكون ضامنا مثل أحد الكرين لانه لا يمكن أن يجعل مستوفيا دينه بالكرين لمعنى الربا ولا يمكن أن يجعل مستوفيا
[ 123 ] دينه بأحد الكرين لما فيه من ابطال حق المرتهن في الجودة وان ارتهن شيأ مما يوزن بشيئين مما يكال أو شيأ مما يكال بشيئين مما يوزن وفيه وفاء فهلك فهو بما فيه لان معنى الربا لا يتحقق مع اختلاف الجنس وفى مالية الرهن وفاء بالدين وان اصابه شئ أفسده ضمن المرتهن مثله وكان ذلك له ويرجع بدينه لقول أبى يوسف وقول أبى حنيفة رحمهما الله وفي قول محمد يتخير الراهن بين أن يجعله للمرتهن بدينه وبين ان يسترده بقضاء الدين ولو ارتهن بعشرة دراهم فلوسا تساويها فهلكت فهى بما فيها وان انكسرت دفعت فيه دينه بحساب ذلك لان الفلوس الرائجة لا تكون موزونة فانما رهنها وهى ليست بمال الربا فبالنقصان في عينها سقط من الدين بحساب ذلك وذلك أن تقوم مكسورة وغير مكسورة ثم هذا عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله ظاهر لان بيع فلس بعينه بفلسين باعيانهما جائز عندهما وانما الاشكال على قول محمد فانه لا يجوز ذلك الا باعتبار أن الفلوس مال الربا على الاطلاق ولكن باعتبار أنها لا تتعين عنده ولا يقابل أحد الفلسين شيئا من العوض وذلك مبطل للعقد في أموال الربا وغيرها ولو لم تنكسر ولكنها كسرت فهى رهن على حالها فان هلكت ذهبت بالعشرة لان كسادها بمنزلة تغير السعر وقد بينا أن تغير السعر في المرهون غير معتبر في سقوط الدين وضمان الرهن بالقبض كضمان الغصب ولو رد الفلوس المغصوبة بعينها بعد ما كسدت لم يلزمه شئ آخر وجعل الكساد بمنزلة تغير السعر هناك فكذلك في الرهن ولو ارتهن طستا أو تورا أو كوزا بدرهم أو أكثر من ذلك وفى الرهن وفاء وفضل فان هلك فهو بما فيه وان انكسر فما كان فيه لا يوزن ذهب من الدين بحساب النقصان وما كان منه يوزن فان شاء الراهن أخذه وأعطاه الدين وان شاء ضمن قيمته مصوغا من الذهب وكان ذلك للمرتهن وأخذ الراهن القيمة وأعطاه دينه في قول أبى يوسف قال الحاكم ورأيت في رواية أبى حفص وهو قول أبى حنيفة مكان قول أبى يوسف رحمهما الله وهذا صحيح على أصل أبى حنيفة أما عند أبى يوسف فانما يستقيم هذا الجواب على رواية سوى ما على ظاهر الرواية عند أبى يوسف ينبغى أن يضمن من قيمته بقدر الدرهم منه وكذلك نصل السيف والشئ من الحديد والصفر يكون مصوغا لا يباع وزنا بوزن كما يتبادر وما كان من ذلك يباع وزنا لم يذهب من الدين باعتباره شئ ولكن ان كان هو والدين سواء ضمن المرتهن قيمته مصوغا وكان رهنا مكانه وكان ذلك الشئ للمرتهن والدين على حاله في قول أبى يوسف وهنا
[ 124 ] ذكر قول أبى يوسف في الروايتين جميعا وهو صحيح لما ذكرنا من الزيادة فيه ان كان هو والدين سواء ولا اشكال فيه عند أبى حنيفة وإذا ارتهن عند رجل قلب فضة فيه عشرة دراهم على أن يقرضه درهما فهلك الرهن عند المرتهن قبل أن يقرضه فعليه درهم يعطيه اياه لما بينا ان الموعود منه الدين كالمستحق في أنه يصير مستوفيا بهلاك الرهن وكذلك على ان يقرضه شيئا ولم يسمه فهلك فقد صار مستوفيا ذلك الشئ وبيانه إليه فيقال للمرتهن أعطه ما يثبت بمنزلة ما ولو أقر له بشئ وكذلك ان قال أمسكه رهنا بنفقة يعطيها اياه وان قال أمسكه رهنا بدراهم فلا بد من أن يعطيه ثلاثة دراهم لان أدنى الجمع المتفق عليه ثلاثة وهو وما لو أقر له بدراهم سواء ولو قال آخذه رهنا بمحتوم حنطة أو محتوم شعير فهلك عنده كان على المرتهن محتوم شعير لان الاول متيقن به فعند الهلاك يجعل مستوفيا للاول ولذلك لو قال خذه رهنا بدين أراد بدرهم ولو رهن عند رجل خاتم فضة فيه درهم بنصف درهم فلوس فأعطاه شعيرا بفلس فغلت الفلوس فصارت ثلثين بدرهم ثم هلك الخاتم فهو بما فيه لان هذا نظير الشعير وهو غير معتبر في حكم الرهن وعند الهلاك انما يصير مستوفيا باعتبار قيمة الرهن وقت القبض وفى قيمته وقت القبض وفاء بالدين فيصير مستوفيا جميع الدين بهلاكه وكذلك لو كسدت ولم يبق أو رخصت فصارت تسعين بدانق لم يكن عليه الا تسعون فلسا وان هلك الخاتم ذهب بما فيه وان انكسر فان شاء المرتهن أبطل حقه ودفع به الخاتم مكسورا وان طلب حقه ضمن نصف قيمة الخاتم مصوغا من الذهب وأخذ نصف الفضة وكان الذهب ونصف الفضة الباقي رهنا بتسعين فلسا لان نصف الخاتم أمانة ونصفه مضمون فان الفضة وزن درهم وانما رهنه بنصف درهم فلوس فعرفنا ان نصف الخاتم مضمون ونصفه أمانة فعند الانكسار يضمن المرتهن قيمة المضمون من الخاتم من الذهب في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وفى قول محمد الراهن بالخيار ان شاء أخذه فاسدا وأدى الدين وان شاء جعل المضمون منه للمرتهن بدينه وأخذ الباقي منه ويبطل قدر الدين اعتبار الحال الهلاك بحال الانكسار وذكر الحاكم في المختصر في بيان قول أبى يوسف وان انكسر فان شاء الراهن أبطل الرهن وأخذ الخاتم مكسورا وهذا ان صح فمراده أنه يؤخذ مكسورا بقضاء جميع الدين ولا يسقط باعتبار النقصان شئ من الدين بخلاف ما تقدم في الطست والتور لان مصوغ ذلك ليس من مال الربا فانه لا يوزن فأما المصوغ من الفضة فمال الربا سواء
[ 125 ] كان ذلك مما يوزن عادة أو لا يوزن فلا يسقط شئ من الدين باعتبار النقصان المتمكن بالكسر ولكن يلزمه قضاء جميع الدين إذا أراد أخذه والله أعلم * (باب الشهادة في الرهن) * (قال رحمه الله) وإذا ادعى المرتهن الرهن وقد قبضه وأنكره الراهن فأقام شاهدين فشهد أحدهما أنه رهنه بمائة والآخر انه رهنه بمائتين فشهادتهما باطلة عند أبى حنيفة لاختلاف الشاهدين في المشهود به من المال لفظا ومعنى فالمائة غير المائتين وبدون ثبوت الدين لا يثبت الرهن وعندهما يثبت المائة إذا كان المدعى يدعى المائتين فتقبل شهادتهما ويقضى بالرهن بالمائة فان شهد أحدهما بمائة والآخر بمائة وخمسين والمرتهن يدعى مائة وخمسين فالرهن بمائة درهم لاتفاق الشاهدين على المائة لفظا ومعنى والخمسون عطف على المائة في شهادة أحدهما ولو ادعى المرتهن مائة بطلت شهادتهما لا كذاب المدعى أحد الشاهدين وهذا بخلاف البيع فالثمن هناك يجب بالعقد والعقد بمائة غير العقد بمائة وخمسين فلا يمكن القاضى من القضاء بواحد من العقدين وبدون السبب لا يجب المال وهنا الدين كان واجبا قبل عقد الرهن الا ان يكون وجوبه بالرهن فاختلاف الشاهدين في مقداره لا يمنع القاضى من القضاء بما اتفق عليه لفظا ومعنى عند أبى حنيفة أو معنى عندهما ولو شهد أحدهما بدنانير والآخر بدراهم كانت شهادتهما باطلة لاختلافهما في جنس المشهود به من الدين فلا بد من أن يدعى أحد المالين فيكون مكذبا شاهده الآخر ولو ادعى الراهن أنه رهنه بمائة وخمسين وهى قيمته وشهد له بذلك شاهد وشهد آخر على مائة وقال المرتهن لى عليه خمسون ومائة وهذا رهن بمائة منها فالقول قول المرتهن لان المنازعة بينهما في مقدار ما ثبت من يد الاستيفاء للمرتهن بقبض الرهن فيكون ذلك بمنزلة اختلافهما فيما استوفى من الدين فالراهن يدعى زيادة في ذلك والمرتهن ينكر فالقول قول المرتهن ولانه لو أنكر رهن العين بشئ من الدين كان القول قوله لان الرهن لا يتعلق به اللزوم في حق المرتهن فكذلك إذا أنكر الرهن ببعض المال فان أقام كل واحد منهما بينة على ما ادعى فالبينة بينة الراهن لحاجته إليها واثباته الزيادة فيما ثبتت فيه يد الاستيفاء وإذا اختلف الراهن والمرتهن في قيمة الرهن بعد هلاكه فالقول قول المرتهن لان بهلاك الرهن يصير المرتهن مستوفيا بقدر قيمتة فحاصل اختلافهما في مقدار
[ 126 ] ما صار مستوفيا فالراهن يدعى الزيادة والمرتهن ينكر فالقول قول المرتهن مع يمينه والبينة بينة الراهن لاثباته الزيادة بها وكذلك لو كانا ثوبين فهلك أحدهما ثم اختلفا في قيمة الهلاك فحاصل الخلاف بينهما فيما صار المرتهن مستوفيا بهلاك الثوب الذى هلك عنده وإذا رهن عبدا بالف درهم ثمن متاع باعه اياه فيقبض المتاع إلى أن يدفع إليه الرهن وجحد الراهن فأقام المرتهن بينة أنه باعه على ان يرهنه ذلك العبد فابى الآخر من دفع العبد لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو عاينا البيع بشرط الرهن لم يجبر الراهن على التسليم لان الرهن لا يتم الا بالقبض ولا يكون مرهونا غير مقبوض ولكن البائع بالخيار ان شاء أخذ متاعه الا أن يعطيه الآخر العبد رهنا أو يعطيه مكانه رهنا آخر برضاه لانه تغير عليه شرط عقده حين لم يعطه ذلك العبد رهنا فثبت له الخيار بين فسخ العقد وامضائة الا أن يعطيه ذلك العبد رهنا فحينئد قد وفى له بالشروط وان أراد أن يعطيه مكانه رهنا آخر يحتاج إلى رضاه به لانه انما رضى بالاول دون الثاني فالثاني لا يقوم مقام الاول الا برضاهما ولو لم يجحد الراهن ولكن هلك الرهن في يده أو استحق أو باعه أو أصابه عيب ينقصه فلبائع المتاع أن يأخذ رهنا آخر أو دراهم أو دنانير قيمة ذلك فله ذلك أو يأخذ متاعه لان قيمة الشئ عند تعذر تسليم عينه يقوم مقام العين فكان منع الراهن القيمة بعد هلاك العين كمنع العين في حال قيامه فلاجله تخير البائع وان كان الراهن قد استهلك المبيع أخذ البائع ثمنه حالا أو يعطيه قيمة الرهن دراهم أو دنانير مكانه رهنا لانه تعذر استرداد المبيع حين استهلكه المشترى والثمن حال فيطالبه بالثمن حالا أو يعطيه قيمة الرهن لان القيمة خلف عن العين عند تعذر تسليم العين والحاصل أن الراهن إذا أراد أن يعطيه عينا آخر يحتاج فيه إلى رضا البائع وهو نظير المغصوب بعد ما هلك إذا أراد الغاصب أن يعطيه عينا أخرى يحتاج إلى رضا البائع لان العين الثانية لا تقوم مقام الاولى الا بتراضيهما وإذا أراد أن يعطيه القيمة فالقيمة قائمة مقام العين فلا حاجة فيه إلى رضا البائع وهو نظير المغصوب بعد ما هلك إذا أراد الغاصب أن يعطيه عينا أخرى يحتاج إلى رضا المغصوب منه وإذا أعطاه قيمة المغصوب فليس له أن يأبى ذلك ويطلبه بشئ آخر وإذا ادعى العين الواحدة رجلان كل واحد منهما يقول لذى اليد قد بعتني بألف درهم وقبضت منك ويقيم البينة ففى القياس لا يقضى لواحد منهما بشئ لانه لو قضى بالبينتين انما يقضى لكل واحد منهما بالرهن بنصف وذلك ينعقد لمكان الشيوع ولم
[ 127 ] يذكر الاستحسان هنا انما ذكره بعد هذا على ما بينه وان أقام أحدهما البينة انه الاول أو ثبتت بينة كل واحد منهما فهو رهن لاولهما وقتا لانه أثبت حقه بعقد تام في وقت لا ينازعه فيه صاحبه وبثبوت حقه في ذلك الوقت يمنع ثبوت حق الثاني بعده ما لم يسقط حق الاول بانفكاك وان كان في يد أحدهما فهو أولى به لان تمكنه من القبض دليل سبق عقده ولان الآخر يحتاج إلى اثبات استحقاق اليد عليه وليس في بينته ما يوجب ذلك لجواز ان يكون عقد ذى اليد سابقا وذو اليد لا يحتاج إلى اثبات استحقاق اليد على صاحبه لان ذلك ثابت له بظاهر يده فكان ذو اليد أولى الا أن يقيم الآخر بينة أنه الاول فحينئذ شهوده صرحوا بسبق تاريخ عقده وبما يوجب استحقاق اليد له على يد ذى اليد والتاريخ المنصوص عليه يترجح على التاريخ المدلول عليه فان كانت يدهما جميعا فان علم الاول منهما فهو له وان لم تعلم الاولى لم يكن رهنا لواحد منهما في القياس وبه يأخذ وفى الاستحسان لكل واحد منهما نصفه رهنا بنصف حقه لان التعارض لما وقع بين البينتين والعمل بهما ممكن وجب العمل بهما بحسب الامكان (ألا ترى) أن في البيع عند التعارض يعمل بالبيعين جميعا بحسب الامكان ويجعل كانه باع منهما جميعا فكذلك في الرهن يجعل كانه رهن منهما جميعا ورهن العين من رجلين صحيح على أن يكون مضمونا بدين كل واحد منهما ووجه القياس ان عند التعارض والتساوي انما يقضى لكل واحد منهما بالنصف كما في البيع وذلك غير ممكن هنا لاجل الشيوع وقد بينا أن العين في حكم الرهن بمنزلة المرأة في حكم النكاح لا يحتمل التجزى وعند استواء البينتين في دعوى النكاح على امرأة واحدة لا يقضى بشئ فهذا مثله وانما أخذنا بالقياس هنا لان وجه الاستحسان أضعف ووجه القياس أقوى فان هذا ليس في معنى الرهن من رجلين لان هناك كل واحد منهما ثبت حقه في جميع الرهن حتى إذا قبض جميع دين أحدهما لا يسترد شيأ من الرهن ما لم يقبض دين الآخر لوجود الرضا من كل واحد منهما بثبوت حق صاحبه في الحبس معه وهنا لا يمكن القضاء بذلك لان كل واحد منهما غير راهن بحق صاحبه ولان هناك العقد في جانب الراهن واحد وهنا كل واحد منهما يثبت ببينته عقدا آخر والرهن من رجلين بعقدين مختلفين أو بينتين متفرقتين لا يجوز كما لو قال رهنت هذه العين منكما بالف نصفه منك بخمسمائة ونصفه منك بخمسمائة فقد ذكر الاستحسان فيما إذا كان الرهن في أيديهما ولم يذكر فيما إذا كانت العين في يد الراهن والاصح
[ 128 ] ان القياس والاستحسان منهما وقد تكلف بعض مشايخنا رحمهم الله فقالوا هناك لا يقضي قياسا واستحسانا لانه لو قضى لم يتمكن كل واحد منهما الا من قبض النصف وقبض النصف بحكم الرهن مشاعا لا يجوز وهنا العين في أيديهما فيمكن أن يجعل ذلك بمنزلة رهن العين من رجلين ولو مات الراهن وعليه دين والرهن في أيديهما وكل واحد منهما يقيم البينة أنه ارتهنه كان لكل واحد منهما نصفه ونصف حقه يباع له فان فضل عن نصيب كل واحد منهما شئ كان الفضل بين الغرماء بالتخصيص وان بقى من دين كل واحد منهما شئ ضرب كل واحد منهما بالدين فيما بقي له من الغرماء في التركة وهذا قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله استحسانا وقال أبو يوسف الرهن باطل وهو بين الغرماء بالتخصيص فأبو يوسف أخذ بالقياس وسوى بين ما بعد وفاة الراهن وحال حياته باعتبار المعنى الذى قلنا ان القاضي لا يتمكن من القضاء لكل واحد منهما بالرهن الا في النصف والشيوع لما كان يمنع صحة الرهن في حياة الراهن فكذلك بعد وفاته وهما فرقا لمعنيين أحدهما ان المقصود بعد موت الراهن اثبات الاختصاص دون الجنس وكل واحد منهما أثبت لنفسه حق الاختصاص بالعين حتى يباع له في دينه وهذا مما يحتمل الشركة في العين وهو نظير ما لو ادعى رجلان نكاح امرأة بعد موتها وأقام كل واحد منهما البينة فيقضى لكل واحد منهما بنصف ميراث الزوج بخلاف حال الحياة وكذلك لو ادعى اختان نكاح رجل بعد موته وأقامتا البينة يقضى لكل واحدة منهما بالميراث وبنصف ميراث بخلاف حال الحياة ولان الشيوع يمنع استحقاق دوام اليد واليد في حال حياة الراهن مستدامة للمرتهن فتمكن الشيوع يمنع القاضى من القضاء به فاما بعد موته فلا يستدام حبس الرهن ولكنه يباع في الدين والشيوع لا يمنع من ذلك فيقضى لكل واحد منهما ببيع النصف في دينه ولو كان الرهن في يد أحدهما وأقام كل واحد منهما البينة انه ارتهنه من رجل آخر فهو للذى في يديه لان الخارج يحتاج إلى اثبات الملك لراهنه أو لا وذو اليد قد اثبت انه مرتهن فلا يكون خصما في اثبات الملك عليه للراهن الخارج وهو لو حضر بنفسه لا يقبل دينه وما لم يثبت الملك له لا يثبت الرهن من جهته ولانه يحتاج إلى اثبات الدين أو لا على راهنه حتى يثبت حقه فيستحق العين على ذى اليد بحكم الرهن وذو اليد ليس بخصم عن رهن الخارج في اثبات الدين عليه وكذلك ان كان وقت المرتهن الخارج أو لا لهذين العينين انه ما لم يثبت ملك راهنه ودينه على الراهن لما ثبت حقه وان شهد شهوده بسبق التاريخ فإذا
[ 129 ] لم يستحقوا بقيت العين في يد ذى اليد فيكون القول قوله في بيان حقه وهو لذى يده وفى البيع بهذه الصورة بينة الخارج أولى لان كل واحد من المشتريين خصم عن بائعه في اثبات الملك له فكان البائعين حضرا أو أقاما البينة على الملك وأحدهما خارج والآخر ذو اليد وفى هذا بينة الخارج أولى وكذلك لو أقام كل واحد منهما البينة انه متاع فلان الآخر وانه ارتهنه منه بكذا وقبضه فهو أيضا رهن للذى في يديه ولا يقبل من الآخر بينة إذا كان صاحبه غائبا لان القضاء يكون على غائب ليس عنه خصم حاضر وقيل معنى هذه قضى على راهن ذى اليد بالملك وهو غائب والمرتهن لا يكون خصما عنه في القضاء بالملك عليه وكل واحد من المعنيين صحيح يقول فان كان صاحبه شاهدا يعنى راهن الخارج وصاحب الآخر غائبا لم أقض بينهما حتى يحضر راهن هذا لان ذا اليد أثبت بينته انه مرتهن فلا يكون خصما لراهن الخارج في اثبات الملك عليه ما لم يحضر راهن ذى اليد فإذا حضر قضيت به للمدعى الذى ليس في يديه وجعلته رهنا له ولا أنظر في هذا إلى الاول والآخر لان بعد حضورهما الدعوي دعوى الملك وبينة الخارج عنه تترجح على بينة ذى اليد وبالتاريخ في الرهن لا يثبت التاريخ بينهما في الملك فلهذا كانت بينة الخارج أولى وإذا كان عبد في يد رجل فادعى آخر أنه عبده رهنه من فلان بألف درهم وقبضه فلان منه وفلان غائب والذى في يديه يقول هو عبدى فانه يقضى به للمدعى لانه أثبت الملك لنفسه على من يدعى ان العين ملكه وهو خصم في اثبات الملك لنفسه وان زعم انه مرهون عند غيره لان الراهن ينتفع باثبات الملك لنفسه في العين حتى يصير قاضيا دينه بهلاك الرهن عند ظهور عقد الرهن ولكن لا تسلم العين إليه لانه مقر بأن اليد مستحقة عليه في هذه العين لغائب بحكم الرهن واقراره حجة عليه فينبغي للقاضي أن ينظر للغائب ذلك بأن يضعه على يدى عدل حتى يحضر الغائب قبضه بالدين أو يكذبه كما يفعل ذلك في سائر أمواله التى ليس لها حافظ يتعين ولو غاب الراهن وقال المرتهن هو رهن في يدى من قبل فلان بكذا وان هذا غصبه منى أو استعاره أو استأجره وأقام على ذلك بينة فانى أدفعه إليه لان المرتهن لا يكون دون المودع والمودع خصم للغائب منه في اقامة البينة للاسترداد فالمرتهن بذلك أولى لان بينته أثبتت استحقاق اليد له في هذه العين فان قيل كيف يقضى له بحقه وهو محتاج لاثبات الدين على راهنه أولا وذو اليد ليس بخصم عن راهنه في ذلك قلنا لا يقضى له بالرهن وانما يقضى بأن وصوله إلى يد ذى اليد كان من
[ 130 ] يده بجهة الغصب أو الاجارة أو الاعارة كما لو شهد به شهوده وذو اليد خصم له في ذلك (ألا ترى) أن شهود المدعى لو شهدوا أن ذا اليد أخذ منه هذا المال لامر بالرد عليه وان لم يشهدوا بالملك للمدعى فكذلك هنا وإذا اختلف الراهن والمرتهن في عين الراهن وأقاما البينة فالبينة بينة المرتهن لانه هو المدعى المحتاج إلى اثبات حقه بالبينة في العين التى ادعاها والراهن منكر لذلك ثم الالزام في بينته دون بينة الراهن لان الرهن لا يتعلق به اللزوم في جانب المرتهن وهو متمكن من الرد متى شاء فالعين التى أثبت الراهن بينة الرهن منها قد انتفى ذلك بجحود المرتهن فان جحوده أقوى من رده وتبقي دعوى المرتهن حقه في العين الاخرى وقد أثبته بالبينة وهو لازم في جانب الراهن وان كان الشيئان اللذان اختلفا فيهما قد هلكا في يد المرتهن فالبينة بينة الراهن لان المرتهن صار مستوفيا دينه بهلاك الرهن فالراهن هو المدعى للزيادة فيما أوفى وقد أثبته بالبينة ولو قال المرتهن ارتهنتهما جميعا وقال الراهن بل رهنتني هذا وحده وأقاما البينة فالبينة بينة المرتهن لانها أثبتت الزيادة في حقه وإذا قال المرتهن رهنتني هذا العبد بالف درهم وقبضته منك ولى عليك سوى ذلك مائتا دينار لم يعطى بها رهنا وقال الراهن غصبتني هذا العبد ولك على ألف درهم بغير رهن وقد رهنتك بالمائتى الدينار أمة يقال لها فلانة وقبضتها منى وقال المرتهن لم أرتهن منك فلانة أمتك والعبد والامة بقيا في يدى المرتهن فانه يحلف الراهن على دعوى المرتهن لان عقد الرهن معلق به اللزوم في جانب الراهن فالمرتهن يدعى عليه حقا لنفسه لو أقر به يلزمه فإذا أنكر يستحلف فان حلف يبطل الرهن في العبد وان نكل عن اليمين كان العبد رهنا بالالف وأما المرتهن فلا يحلف في الامة بشئ ولكنها ترد على الراهن لان عقد الرهن لا يكون لازما في جانب المرتهن فجحوده الرهن في الامة بمنزلة رده اياها وله أن يردها على الراهن وان كانت مرهونة عنده فالاستحسان لا يكون مفيدا فيها وان قامت البينة لهما أثبتت بينة المرتهن لانها ملزمة للراهن وبينة الراهن لا تلزم المرتهن شيئا في الامة فلا معنى للقضاء بها الا أن تكون الامة قد ماتت في يدى المرتهن فحينئذ يقضي ببينة الراهن أيضا لانه أثبت أن المرتهن صار مستوفيا المائتي الدينار بهلاك الامة في يده وذلك يلزمه في حق المرتهن وإذا أقام الراهن البينة أنه رهن هذا الرجل عبدا يساوى الفين بألف وقبضه منه وأنكر المرتهن ذلك ولا يدرى ما فعل العبد فالمرتهن ضامن لقيمة العبد كلها لان الراهن أثبت ببينته انه يسلم العبد
[ 131 ] إليه بحكم الرهن والمرتهن منكر لذلك وبحكم الرهن يقدر الدين من العين مضمونا عليه وما زاد على ذلك أمانة في يده والامين يضمن الامانة بالجحود فإذا جحد المرتهن ذلك فهو ضامن لقيمتها كلها لان ما لا يتوصل إلى عينه يجعل في حكم الهالك ولو أقر المرتهن ولم يجحد وادعى أن العبد مات عنده لم يضمن شيئا وذهب العبد بما فيه لاقرار الراهن أنه كان مرهونا عنده والراهن إذا هلك فهو بما فيه والمرتهن أمين في الزيادة وهو مقبول القول فيما يخبر به من موته في يده وإذا أقام الراهن البينة على المرتهن انه رهنه رهنا وقبضه ولم يسمه الشهود ولم يعاينوه فانه يسأل المرتهن عن الرهن والقول فيما يسمى من ذلك قوله مع يمينه لان الثابت بالبينة في حقه كالثابت باقراره ولو أقر انه ارتهن منه رهنا ثم قال هو هذا الثوب كان القول قوله في ذلك مع يمينه ان ادعى الراهن زيادة فكذلك إذا أثبت ذلك بالبينة ولو شهد شهود الراهن انه رهن عند هذا المرتهن ثوبا هرويا بمائة وهو يساوى خمسين وجحده المرتهن ولا يدرى ما فعل بالثوب فهو ضامن لقيمته يحسب له ذلك من دينه لان ما لا يتوصل إلى عينه فهو هالك وان لم يجحده ولكن جاء بثوب يساوى عشرين درهما فقال هو هذا لم يصدق لانه ثبت بالبينة ان المرهون ثوب يساوى خمسين والذى أحضره ليس بتلك الصفة فالظاهر يكذبه فيما قال فلا يقبل بيانه إذا جحد الراهن ذلك بخلاف الاول وإذا لم يقبل بيانه بقى المرهون هالكا في يده لانه لا يتوصل إلى عينه فيطرح منه خمسون درهما وإذا كان الراهن اثنين فادعى المرتهن عليهما رهنا وأقام البينة على أحدهما انه رهنه وقبضه والمتاع لهما جميعا وهما يجحدان الرهن فانه يستحلف الذى لم يقم عليه البينة ما رهنه لانه لو لم يقم البينة على واحد منهما توجهت اليمين عليهما فكذلك إذا لم يقم البينة على أحدهما وهذا لانه يدعى عليه ما لو أقر به لزمه فإذا أنكر استحلف عليه فان نكل ثبت الرهن عليهما. على أحدهما بالبينة وعلى الآخر بالنكول القائم مقام اقراره فان حلف رد الرهن عليهما لان في نصيب الذى حلف انتفى الرهن من الاصل فلا يمكن القضاء في نصيب الآخر لان نصيبه نصف شائع من العين ولو كان الراهن واحدا والمرتهن اثنين فقال أحدهما ارتهنت أنا وصاحبي هذا الثوب منك بمائة وأقام له البينة وأنكر المرتهن الآخر وقال لم نرتهنه وقد قبضا الثوب فجحد الراهن الرهن فان الرهن يرد على الراهن في قول أبى يوسف وقال محمد أقضى به رهنا وأجعله في يد المرتهن الذى أقام البينة أو على يدى عدل فإذا قضى الراهن المرتهن الذى
[ 132 ] أقام البينة ماله أخذ الرهن فان هلك الرهن ذهب نصيب الذى أقام البينة من المال فأما نصيب الآخر في الرهن فلا يثبت بالاتفاق لانه أكذب شهوده بجحوده ثم قال أبو يوسف لما انتفى الرهن في نصيب الجاحد انتفى في نصيب المدعى ايضا لاجل الشيوع كما في الفصل الاول وهذا لانه لا يمكن القضاء بجميعه رهنا للذى أقام البينة بدليل أنه لا يترك في يده وحده وان بهلاكه لا يسقط جميع دينه ولا يمكن القضاء له بالرهن في نصفه لاجل الشيوع ومحمد يقول هو قد أثبت ببينته الرهن في جميع العين وهو خصم في ذلك لانه لا يتوصل إلى اثبات حقه في نصيبه الا باثبات الرهن على الراهن وعلى المرتهن الآخر فعرفنا انه خصم في ذلك كله فيقضى بالرهن في جميع حق الآخر وبجحوده صار رادا للرهن في نصيبه وهو متمكن من ذلك ولكن لا يتمكن من ابطال حق الآخر في نصيبه فلا يجوز اعادة شئ منه إلى الراهن لان فيه ابطال حق المرتهن المدعى ولا يمكن الزام الجاحد امساكه مع رده بجحوده ويتعذر جعل الفضل في يد المرتهن المدعى لاقراره بان الراهن لم يرض بذلك فيجعل على يده وعلى يد عدل حتى يستوفى هو دينه فإذا سقط حقه ردت العين على الراهن وان هلك الرهن ذهب نصيبه من المال بخلاف الاول فهناك الشهود ما شهدوا بالرهن الا على أحد المالين فلا يمكن القضاء بالرهن على المالين بحكم تلك البينة فلهذا إذا حلف المنكر رد الرهن عليهما وإذا أقام رجل البينة أنه استودع ذا اليد هذا الثوب وأقام ذو اليد البينة أنه ارتهنه منهما فانه يؤخذ ببينة المرتهن لاثباته حقا لازما لنفسه ببينة أو يجعل كان الامرين كانا ويجوز أن يكون الثوب أولا وديعة عنده ثم يرهنه منه ولو كان الراهن أقام بينة أنه باعه اياه وأقام المرتهن البينة على الراهن جعلته بيعا لان البيع يرد على الرهن والرهن لا يرد على البيع ولان البيع يوجب الملك في البدلية والرهن لا يوجب ذلك فكان في بينة البيع زيادة اثبات ولو ادعى الراهن الرهن وأقام البينة وادعى المرتهن انه وهبه له وقبضه أخذت ببينة الهبة لان الهبة ترد على الرهن والرهن لا يرد على الهبة ولان الهبة توجب الملك في العين والرهن لا يوجب ذلك ولو ادعى رجل الشراء والقبض وآخر الرهن والقبض وأقام كل واحد منهما البينة وهو في يدى الراهن اخذت ببينة المشترى لما فيها من الزيادة وهو اثبات اليد في البدلين ولانه لا يكون الشراء دون الرهن لا محالة فلا بد من القضاء بالشراء في النصف ولا يمكنه القضاء مع ذلك بالرهن في النصف الآخر لاجل الشيوع فلهذا قضى
[ 133 ] ببينة المشترى بالكل الا أن يعلم أن الرهن كان قبله ولو كان في يدى المرتهن جعلته رهنا الا أن يقيم صاحب الشراء البينة ان الشراء كان أولا لان قبض المرتهن دليل سبق عقده ولان صاحب الشراء يحتاج إلى استحقاق اليد على ذى اليد وبينته لا توجب ذلك ولو كان في يد الراهن فادعى المرتهن الرهن والهبة فالصدقة لا تتم الا بالقبض ثم الرهن عقد ضمان والهبة والصدقة عقد تبرع وعقد الضمان أقوى من عقد التبرع فكان صاحب الرهن أولى الا أن يقيم الآخر البينة ان القبض بعلم البينة والصدقة كانت منه قبل الرهن وإذا استودع رجلا ثوبا ثم رهنه اياه فهلك قبل أن يقبض المرتهن الرهن فهو فيه مؤتمن لان يد المودع كيد المودع فما لم يقبضه المرتهن لا يثبت حكم يد الرهن له ولان اليد بحكم الوديعة دون اليد بحكم الرهن والا ضعف لا ينوب عن الاقوى فإذا لم يصر قابضا له بحكم الرهن بقى مؤتمنا فيه والقول فيه قوله بغير بينة لانه ينكر القبض بحكم الرهن فان أقام الراهن البينة انه قبضه بالرهن وهلك بعد ذلك وأقام المرتهن البينة انه هلك عنده بالوديعة قبل أن يقبضه للرهن فانه يؤخذ ببينة الراهن لانه يثبت ايفاء الدين ولان المودع ببينة يبقى قبضه بحكم الرهن ولا يثبت شيأ والبينات للاثبات دون النفى وإذا اختلف الراهن والمرتهن فقال الراهن هلك في يدك وقال المرتهن بل قبضته أنت منى بعد الرهن فهلك في يدك فالقول قول الراهن لان المرتهن يدعى عليه استردادا عارضا وهو ينكر والبينة أيضا بينة الراهن لانه يثبت ايفاء الدين ببينة والعمل بالبينتين ممكن فمن الجائز انه استرده منه ثم رده عليه فهلك في يده وان قال المرتهن هلك في يد الراهن قبل أن أقبضه فالقول قوله لانكار القبض والبينة بينة الراهن لاثباته ايفاء الدين ببينة وان قال المرتهن ارتهنته بمائة وقال الراهن بمائتين وقد قبضته فالقول قول المرتهن لانكاره الزيادة مما ثبتت له فيه يد الاستيفاء والبينة بينة الراهن لاثباته زيادة في الايفاء وان قال المرتهن رهنتني هذين الثوبين وقبضتهما وقال الراهن رهنتك أحدهما بعيد فالقول قول الراهن عبدا والدين ألف فذهبت عين العبد وهو يساوى ألفا فالقول قول الراهن لانكاره حقا للمرتهن في أحدهما والبينة بينة المرتهن لاثباته الزيادة في حقه وان كان الرهن عبدا والدين ألفا فذهبت عين العبد وهو يساوى الفا فقال الراهن كانت هذه قيمته يوم رهنتك فقد ذهب نصف حقك وقال المرتهن بل كانت قيمته خمسمائة يومئذ وانما زاد بعد ذلك فذهب ربع حقى فالقول قول الراهن مع يمينه لان الظاهر شاهد له
[ 134 ] فقيمته في الحال دليل على قيمته فيما مضى والبينة بينة الراهن لانه ثبت ببينته زيادة فيما أوفاه المرتهن فبينة نفى ملك الزيادة بالميت أولى والله أعلم * (باب رهن المكاتب والعبد) * (قال رحمه الله) المكاتب بمنزلة الحر في الرهن والارتهان لانه وثيقة لجانب الاستيفاء والمكاتب في ايفاء الدين باستيفائه كالحر فكذلك فيما هو وثيقة به فان رهن المكاتب عبدا فيه وفاء قبضه المولى فهو جائز لان المكاتبة دين يستوفى والرهن في هذا ليس كالكفالة فالكفالة له ببدل الكتابة لا تصح لان الكفالة وثيقة بجانب اللزوم والكفيل يلتزم في ذمته المطالبة التى هي على الاصيل لان الفائت بحقيقة الالتزام أصل الدين والمطالب فيما هو وثيقة بجانب بعضه فبهذا تبين انه لا يمكن الزام الكفيل مطالبة أقوى مما على الاصيل والمطالبة ببدل الكتابة على المكاتب ضعيفة لتمكنه من أن يعجز بنفسه وتعذر اثبات مثله في ذمة الكفيل فان هلك الرهن في يدى المولى فهو بما فيه ويعتق المكاتب لان استيفاء المولى بدل الكتابة تم بهلاك الرهن وان اعور ذهب نصف المكاتب لان العين من الآدمى نصفه ولا يعتق شئ منه كما لو استوفى نصف المكاتب حقيقة فان خاصم المكاتب المولى فيه وأراد دفع المال وأخذ رهنه فقال المولى قد أبق فانه يحلف على ذلك بعد أن يتأنى به وينتظر لجواز أن يكون المولى قد عينه قصدا منه الاضرار بالمكاتب وهو نظير المغصوب إذا زعم انه قد أبق فان القاضى يعجل بالقضاء بالقيمة ويحلف الغاصب على ذلك فهنا أيضا يحلف المولى فإذا حلف بطلت المكاتبة عن المكاتب لان الآبق ى توى فيه فهو كالهالك حقيقة فإذا قضى القاضى بذلك ثم وجد العبد بعد ذلك رد على المكاتب ورجع عليه المولى بالمال كما كان قبل الا بان وهو حر بالعتق الاول الماضي فيه لانه ناقض للعتق بعد ما نفذ بقضاء القاضى وهو نظير ما لو استوفى البدل فاستحق من يده كان العتق ماضيا ولو لم يكن قضى القاضى بعتقه حتى رجع العبد فهو مكاتب على حاله حتى يؤدي البدل وهو بمنزلة المغصوب إذا أبق فان رجع قبل ان يقضى القاضى بالقيمة فهو ملك للمغصوب منه وصار الاباق كان لم يكن وان رجع بعد القضاء بالقيمة كان القضاء ماضيا وكان العبد للغاصب كذا هنا يفترقان في حكم العتق فأما العبد فعلى ملك المكاتب في الوجهين جميعا وقال زفر رحمه الله إذا عاد بعد قضاء
[ 135 ] القاضى فهو على ملك المولى لتقرير الضمان عليه بقضاء القاضى وقاس ضمان الرهن بضمان الغصب ولكنا نقول ضمان الرهن ضمان استيفاء والاستيفاء حالة الرهن دون العين لان الاستيفاء بجنس الحق يتحقق ولا محاسبة باعتبار العين فيصير المرتهن مالكا للعين وان جعل مستوفيا بقضاء القاضى فلهذا يعود العبد إلى ملك المكاتب وأشبه هذا الغصب في المدبرة وروي الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله قال ان كان هذا أول ما أبق فانه يسقط من الكتابة حصة نقصان العيب لان هذا عيب حدث فيه عند المرتهن فيسقط بحصته من الدين كما لو تعيب بعيب محسوس ولو رهن رجل عبدا عن المكاتب لمكاتبته وفيه وفاء وقبضه المولى جاز كما لو تبرع باداء الكتابة عن المكاتب فان هلك بطلت الكتابة وعتق المكاتب لان الاستيفاء قد تم ولا يرجع الراهن على المكاتب بشئ لانه لم يأمره به فكان هو متبرعا فيما صنع ولو تبرع بمثله عن حر لم يرجع عليه فكذلك عن المكاتب وإذا كان المكاتبان كتابة واحدة وكل واحد منهما كفيل ضامن عن صاحبه بالمال فرهن أحدهما بالمكاتبة رهنا قيمته مثلها فهلك عند المولى عتقا ويرجع الراهن على المكاتب الآخر بحصته من الكتابة بمنزلة ما لو أوفى بدل الكتابة حقيقة وهذا لانه مطالب بجميع الكتابة متحمل عن الشريك حصته بأمره فيرجع عليه إذا أدى وهما كشخص واحد في حكم هذا العقد فيبقي ان يستويا في الغرم بسبب ولو كان الرهن بينهما نصفين فرهناه جميعا فهلك عند المولى عتقا تم ان كانت قيمتهما مختلفة تراجعا فيما بينهما بالفضل لان بدل الكتابة يتوزع عليهما بقدر قيمتهما فان كانت قيمة أحدهما ألفا وقيمة الآخر الفين كان بدل الكتابة عليهما أثلاثا وما زاد على الثلث إلى تمام النصف أوفاه العبد الاوكس من كسبه عن صاحبه بأمره فيرجع بذلك عليه وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم فرهنه بها عبدا يساوى خمسمائة ثم أعتقه الراهن فعتقه نافذ عندنا موسرا كان أو معسرا وهو أحد أقاويل الشافعي وفى قول آخر يقول لا ينفذ عتقه موسرا كان أو معسرا وفى قول آخر يقول ان كان موسرا ينفذ عتقه ويضمن قيمته للمرتهن وان كان معسرا لا ينفذ عتقه واحتج فقال الاعتاق ازالة ملك اليمين بالقول فلا ينفذ من الراهن في المرهون كالبيع وهذا لان امتناع نفوذ بيعه لمراعاة حق المرتهن فان حقه اما البيع في الدين أو استيفاء الدين من المالية وابطال هذا الحق عليه بالاعتاق أظهر منه بالبيع والبيع أسرع نفوذا من العتق حتى ينفذ البيع من المكاتب ولا ينفذ العتق فإذا لم ينفذ بيع الرهن لمراعاة حق المرتهن فلان
[ 136 ] لا ينفذ عتقه أولا والدليل عليه أن المرهون كالخارج عن ملك الراهن بدليل أنه لو أتلفه ضمن قيمته كالجنين ولو جنى عليه ضمن الارش ولو وطئها وهى بكر ضمن النقص ولو كان زايلا عن ملكه حقيقة لم ينفذ عتقه فيه فكذلك إذا كان كالزائل عن مكله والدليل عليه ان حق المرتهن في المرهون أقوي من حق الغرماء في مال المريض بدليل ان هناك لا يمتنع البيع على المولى وهنا يمتنع ثم حق الغرماء في العبد يمنع نفوذ عتق المريض إذا مات من مرضه فحق المرتهن أولى وعلى القول الآخر نقول الراهن مالك حقيقة وهو كالزائل عن ملكه حكما لحق المرتهن فان كان في اعتاقه ابطال حق المرتهن لم ينفذ عتقه وان لم يكن فيه ابطال حق المرتهن نفذ عتقه فإذا كان الراهن موسرا فليس في الاعتاق ابطال حق المرتهن أصلا لان ايجاب الضمان عليه ممكن ولو ألغينا العتق بطل حق العبد أصلا فلمراعاة حق العبد أنفذنا العتق ولمراعاة حق المرتهن أوجبنا الضمان ترجيحا لاهون الضررين وإذا كا معسرا لو أنفذنا العتق كان فيه ابطال حق المرتهن أصلا لان السعاية عندي لا تجب على العبد والسعاية في ذمة مفلس يكون تاويا فإذا كان في كل واحد من الجانبين صور الابطال رجحنا جانب المرتهن لان ثبوت حقه اسبق وهو نظير مذهبه في اعتاق أحد الشريكين نصيبه فانه لا يتجزأ إذا كان المعتق موسرا لامكان ايجاب الضمان ويتجزأ إذا كان المعتق معسرا ويستدام الرق فيما يبقى مراعاة لحق الساكت فهذا مثله * وجه قولنا انه مخاطب أعتق ملك نفسه فلا يلغى اعتاقه كالمشترى إذا أعتق المبيع قبل القبض وبيان الوصف ان موجب عقد الرهن اما ثبوت يد الاستيفاء للمرتهن كما قلنا أو حق البيع كما هو مذهبه وشئ من ذلك لا يزيل ملك العين فتبقى العين على ملك الراهن كما كانت ثم حق المرتهن انما يثبت في المالية والاعتاق تصرف في الرق بالازالة والرق غير المالية ألا ترى أنه ثبت حق الرق بدون المالية في الحبس وتبقي صفة الرق في أم الولد بدون المالية والمالية تنفصل عن الرق في غير بنى آدم والدليل عليه أنه لو حلف بعتق عبده ان دخل الدار ثم باعه ثم اشتراه فدخل الدار يعتق وبقيت اليمين بعد البيع لبقاء الرق وان زال الملك والمالية عنه والاعتاق تصرف في الرق ولا حق للمرتهن فيه فلابد من تنفيذه باعتبار انه صادف محلا هو خالص حق الراهن الا أن المالية المشغولة بحق المرتهن تتلف بهذا التصرف وقوام تلك المالية كان ببقاء الرق فيصير المعتق ضامنا لهذا ولهذا نفذ العتق في المبيع قبل القبض وذلك في معنى المرهون لانه محبوس بالدين الا أن الحبس
[ 137 ] ويلاقى العين والمالية دون الرق وبه فارق البيع فانه تمليك يمنع للعين نصف المالية وهو مشغول بحق المرتهن فقيام حقه يمنع نفوذه كما أن حق الحبس للبائع يمنع نفوذ بيع المشترى وهذا لان البيع كما يستدعى الملك في المحل يستدعى القدرة على التسليم ولهذا لا ينفذ في الآبق والجنين في البطن فكذلك لا ينفذ في المرهون لعجز الراهن عن تسليمه بخلاف المعتق * توضيحه ان نفوذ البيع يعتمد تمام الرضا ولهذا لا ينفذ مع الهزل وشرط الخيار والكره فكذلك عدم الرضا من صاحب الحق وهو المرتهن يمنع نفوذه فاما العتق فلا يعتمد نفوذه تمام الرضا حتى ينفذ مع الهزل وشرط الخيار فإذا كان عدم الرضا من صاحب الملك لا يمنع نفوذ العتق فمن صاحب الحق أولا ولان البيع يراد به ما ينتفع به وهو العين فكذلك لا يرد منه ما يتصور به وعتق المريض عندنا لا يلغو لقيام حق الغرماء ولكن يخرج إلى الحرية بالسعاية لا محالة فهنا أيضا ينبغى أن لا يلغو الا أن هناك هو بمنزلة المكاتب ما دام يسعى وهنا يكون حرا ومراده ان لزمته السعاية عند اعتبار الرهن لان العتق في المرض وصية والوصية تتأخر عن الدين الا أن العتق لا يمكن رده فيجب عليه السعاية في قيمته لرد الوصية وبهذا تبين ان الواجب عليه بدل رقبته ولا يسلم له المبدل ما لم يرد البدل وهنا السعاية على العبد ليست في بدل رقبته بل في الدين الذى في ذمة الراهن لان من حق المرتهن ذلك فوجوب السعاية عليه لا يكون مانعا من نفوذ عتقه في الحال ولهذا قلنا أن أيسر الراهن هنا رجع العبد عليه بما أدى من السعاية وهناك لا يرجع العبد على أحد بما ينبغى فيه من قيمته ولا معنى لمن قال ان المرهون في حكم الزائل عن ملك الراهن لان عقد الرهن لا يزيل الموت في الحال ولا في ثانى حال ووجوب الضمان على الراهن لاتلافه المالية المشغولة بحق المرتهن كالمولى يتلف المأذون فيكون ضامنا قيمته للغرماء لا باعتبار أن لحوق الدين للعبد يزيل ملك المولى ثم أكثر ما في الباب ان حق المرتهن نصا هو الملك وللراهن ملك حقيقة فيكون كالشراء بكفيل وعتق المالك في ملكه لا يمتنع بحق الشريك فلان لا يمتنع بحق المرتهن أولى ولو دبر الراهن صح تدبيره بالاتفاق أما عندنا فلان التدبير يوجب حق العتق له وإذا كان لا يمتنع حقيقة العتق بحق المرتهن فحق العتق أولى وعند الشافعي كذلك لان التدبير لا يمنع البيع فلا يكون مبطلا لحق المرتهن بحق العتق أولى ولو كانت أمة فاستولدها صح استيلاده عندنا وهو الصحيح من مذهب الشافعي لان الاستيلاد لما كان ينفذ بحق الملك للاب في جارية ولده عنده فلان ينفذ بحقيقة الملك للراهن فيها أولى فان كان الراهن موسر
[ 138 ] فهو ضامن قيمتها فيكون رهنا مكانها لما بينا انه متلف لحق المرتهن في المالية بما صنع فيكون ضامنا بدله وحكم البدل حكم المبدل فيكون رهنا كما لو أتلف الرهن اجنبي ضمن قيمته فان كان المال قد حل قبضه المرتهن بحقه لانه ظفر بجنس حقه من مال المديون فيأخذه قضاء من دينه ويرجع بالفضل وان كان الراهن معسرا كان للمرتهن أن يستسعى أم الولد والمدبر في الدين كله لان كسبهما مملوك للمولى فالراهن موسر قادر على اداء الدين بكسبهما ولو كان قادرا على ذلك بمال آخر لامر بقضاء الدين فكذلك إذا كان قادرا عليه بكسبهما ويستسعى المعتق البتة في قيمة خمسمائة لان كسب المعتق خالص حقه فلا يجبر على أن يقتضى به دين غيره ولكن قد سلمت له مالية رقبته وكان مشغولا بحق المرتهن فليزمه السعاية في ذلك القدر لاحتباسه عنده كما تجب السعاية على معتق البعض للشريك الساكت إذا كان المعتق معسرا ثم يرجع المعتق بذلك على الراهن لانه غير متبرع في قضاء دينه بخالص ملكه بل كان مجبرا على ذلك بسبب باشره الراهن ورضي به فيرجع به عليه كالكفيل عنه بامره إذا أدى ويرجع المرتهن بفضل دينه على الراهن فان ولدت المدبرة ولدا بعد ما قضى عليها بالسعاية ثم ماتت استسعى ولدها في جميع الدين لان ولدها بمنزلتها فان التدبير يسرى إلى الولد فولدها مدبر للمولى وكسبه له وهو قادر على قضاء الدين بسعايته فيستسعى الولد في جميع الدين كما كان يستسعى الام وهذا لان كسب المملوك لما كان للمالك فحكمه حكم المالك فيما يلزمه من قضاء الدين والراهن كان مجبرا على قضاء جميع الدين بملكه فكذلك المدبرة وولدها يؤمر كل واحد منهما بالسعاية في جميع الدين وان كان الولد من المولى قد ادعاه قبل الولادة لم يكن عليه سعاية لان الولد انفصل حرا فكسبه يكون مملوكا له دون المولى ولا يكون المولى قادرا على قضاء دين بكسبه * توضيحه ان الولد الذى ان انفصل من الام حرا لا يثبت فيه حكم الرهن لانه ليس بمحل له ووجوب السعاية عليه باعتبار حكم الرهن فاما الولد الذى انفصل مدبرا فهو جزء منها انفصل بصفتها وله حكم الرهن من حيث الاستسعاء في الدين لان هذا الولد جزء منها وقد انفصل بصفتها فليزمه السعاية لحكم الرهن كما لزمها ولو كان الرهن عبدا يساوى خمسمائة بالف فاعتقه الراهن وهو معسر ثم مات الراهن وترك خمسمائة فان المرتهن يأخذها ويسعى له العبد في مائتين وخمسين لان الواجب على العبد السعاية في مقدار قيمته وذلك نصف الدين شائع في الكل والخمسمائة التى استوفاها المرتهن من تركة الراهن نصفه مما
[ 139 ] وجب على العبد السعاية فيه وهو في ذلك كالكفيل عن المولى والاستيفاء عن الاصل يوجب براءة الكفيل فلهذا استسعى في نصف ما يبقي وهو مائتان وخمسون ولو كان العبد سعى له في قيمته قبل موته ثم مات الراهن وترك خمسمائة كانت بين المرتهن والعبد نصفين لان الباقي من دين المرتهن خمسمائة والعبد قد استوجب الرجوع على الراهن بالخمسمائة فتقسم تركته بينهما على مقدار دينهما وإذا رهن رجلا عبدا بالف درهم فاعتقه أحدهما وهو موسر وقيمة العبد ألف فهو ضامن لخمسمائة حصته من الدين وعلى شريكه مثلها لان العبد صار خارجا من الرهن عندهما لان العتق لا يتجزأ وعند أبى حنيفة لان معتق البعض لا يستدام فيه الرق فهو كالمكاتب لا يكون محلا للبيع وعلى كل واحد منهما قضاء نصيبه من الدين وهو خمسمائة ثم الحكم بين شريكين في تضمين المعتق أو الاستيفاء وما فيه من الخلاف قد بيناه في كتاب العتاق وان كان المعتق معسرا فللمرتهن أن يستسعى العبد في الالف كلها لان حقه كان ثابتا في جميع المالية وقد احتبس ذلك عند العبد بما انتفع هو به وهو الاعتاق ثم يرجع العبد على المعتق بخمسمائة لانه قضى دينه بذلك القدر على وجه لم يكن متبرعا فيه ولا يرجع على الآخر بشئ لان الآخر قد استوجب عليه السعاية في نصف القيمة لاحتباس نصيبه عنده وهب انه قضى دينه واستوجب الرجوع عليه ولكن له على العبد مثلها فيصير قصاصا به ولو أعتقه أحدهما ثم دبره الآخر فان كانا معسرين فهو كما وصفنا لك في الاول وان كانا موسرين ضمنا الالف للمرتهن وسعى المدبر للذى دبره في نصف قيمته مدبرا الا أنه بتدبير نصيبه صار مختارا سعاية العبد في نصيبه فانه يصير مستوفيا ملكه في نصيبه ويمنعه ذلك من تضمين المعتق فعرفنا انه صار مختارا للسعاية فنستسعيه في نصف قيمته مدبرا ولا يرجع واحد منهما على صاحبه بشئ لان الاول هو المتلف لنصيبه والثانى قد أبرأ الاول عن الضمان ولم يتلف عليه شيئا فلا رجوع لواحد منهما على صاحبه وإذا استعار الرجل من الرجل عبدا قيمته الف درهم ليرهنه فرهنه بالف درهم ثم أن مولاه أعتقه وهو موسر ضمن المال للمرتهن لانه كان رضى بتعلق حق المرتهن بمالية الرهن حين أعاره الرهن ثم أتلف على المرتهن ذلك بالاعتاق فيضمن له مثله ويرجع على الراهن لانه قضي بما أدى دين الراهن وكان مجبرا على ذلك (ألا ترى) انه لو قضى الدين ليسترد الرهن رجع به على الراهن فكذلك إذا استرده بالاعتاق وضمنه للمرتهن وهذا لان الراهن رضى برجوعه عليه متى صار دينه مقضيا بملكه (ألا ترى) انه لو هلك الرهن في يد المرتهن
[ 140 ] رجع المعير على المستعير بمقدار الدين لهذا المعنى فكذلك إذا قضاه بمال آخر وان كان المعتق معسرا والراهن موسرا ضمن الراهن المال ولم يرجع على أحد بشئ لانه قضي دين نفسه بماله وان كانا موسرين فللمرتهن أن يضمن أيهما شاء ان شاء الراهن باعتبار قيام دينه عليه وان شاء المتعق لاتلافه محل حقه وان كانا معسرين سعى العبد في جميع ذلك لان المالية سلمت له وقد كانت مشغولة بحق المرتهن ثم يرجع العبد على أيهما شاء ان شاء على الراهن لانه كان مجبرا على قضاء دينه بملك نفسه بسبب رضي به الراهن وهو عقد الرهن وان شاء على مولاه لانه هو الذى ألزمه ذلك باعتاقه اياه فان رجع به على المولى رجع به مولاه على الراهن كما لو كان المرتهن هو الذي رجع به على المولى فأداه وهذه لان أصل الدين على الراهن وإذا رهن الرجل أمة بالف درهم هي قيمتها فجاءت بولد يساوى الفا فادعاه بعد ما ولدته وهو موسر ضمن المال وان كان معسرا سعت الامة في نصف المال والولد في نصفه لان الدين انقسم عليهما نصفين بشرط بقاء الولد على هذه القيمة إلى وقت الفكاك ثم الراهن بالدعوة صار مستردا لهما لانه أوجب في الولد حقيقة العتق وفي الام حق العتق فيكون ذلك بمنزلة الفكاك المقر به في كل واحد منهما نصف الدين ويسعى كل واحد منهما في نصف الدين لسلامة محل ذلك له بالعتق وهو المالية فان لم يؤد الولد شيئا حتى ماتت الام قبل أن يفرغ من السعاية سعى ولدها في الاقل من نصف قيمته ومن نصف الدين على حاله لا يزاد عليه شئئ بموت الام لانه صار مقصودا بالاستسعاء حين صار مقصودا بالفكاك فبموت الام لا يتحول إليه شئ مما كان عليها لانه في حكم السعاية لم يكن تبعا لها (ألا ترى) أنه كان لزمه السعاية في حصته قبل موتها ولو مات الولد بعد هذا لم يتحول من سعايته إليها كذلك إذا ماتت هي ويرجع الولد بما سعى فيه على الاب وان قضى دينه بكسب هو خالص ملكه على وجه كان مجبرا عليه وإذا رهن الرجل عبدا يساوى ألف درهم بألف درهم مؤجلة أو قبضه المرتهن ثم أقر الراهن بالعبد لرجل لم يصدق على ذلك في حق المرتهن لانه متهم في حقه من حيث انه لا يقدر على تمليك العبد ابتداء لحق المرتهن فيخرج كلامه مخرج الاقرار ولكن المقر له ان شاء أدى المال وقبض الرهن لان اقرار المقر حجة في حقه فالمقر له يقوم مقام المقر فكما أن للمقر أن يؤدى المال ويقبض الرهن فللمقر له ذلك فان أداه حالا لم يرجع به على الراهن حتى يحل عليه لان أكثر ما فيه أنه كالمتحمل عنه دينا هو مؤجل عليه والكفيل بالدين المؤجل
[ 141 ] إذا عجل لم يرجع على الاصل حتى يحل الاجل فإذا حل رجع عليه فكذلك المقر له هنا وهذا لانه كان يضطر لاداء هذا المال لتخليص ملكه فلا يكون متبرعا فيه ولان الراهن أقر انه أعتق رقبة عبده بذلك فيكون له أن يرجع عليه بما أدى كالمعير للرهن إذا قضى الدين وللمقر له أن يستحلف المرتهن على علمه لانه لو اقر بما أقر به الراهن لزمه رد العين فإذا أنكر يستحلف ولكن يمينه على العلم لانه استحلاف على فعل الغير فان لم يؤد المال وأعتق العبد جاز عتقه لان الراهن باقراره بالملك للمقر له سلطه على اعتاقه ولو أعتقه بنفسه نفذ عتقه فكذلك إذا أعتق غيره بتسليطه وكان المرتهن بالخيار ان شاء أخذ الراهن بقيمة العبد لانه صار جانيا على حقه لتسببه بتنفيذ عتق المعتق فيه وهو اقراره بالملك له وان شاء ضمن المعتق ذلك لانه باعتاقه تسبب لاتلاف محل حقه وهو المالية فان أخذها المعتق رجع بها على الراهن لانه مقر أنه أغلق رقبة عبده وباعتبار ذلك لزمه هذا الضمان فيستوجب الرجوع عليه وان كانا معسرين استسعى المرتهن العبد في قيمته لان المالية التى هي محل حقه سلمت له ويرجع العبد بها على الراهن دون المعتق لان العبد مقر بان المعتق لم يؤذن له في رهنه وان الراهن كان في حكم الغاصب له واقراره في حق نفسه صحيح فلا يستوجب الرجوع على المتعق بشئ لهذا ويكون له أن يرجع بها على الراهن لانه هو الذى ألزمه هذه القيمة بما أوجب من حق المرتهن في ماليته فعند الاداء يرجع عليه ولو كان العبد معروفا للمعتق وقد كان اعاره الراهن ليرهنه فأعتقه وهو والراهن موسران فللمرتهن أن يرجع بقيمته على المعتق دون الراهن لان المعتق هو المتسبب لاتلاف محل حق المرتهن ولم يوجد من الراهن صنع يكون ذلك سببا منه لاتلاف محل حقه فلهذا كان رجوعه بالقيمة على المعتق دون الراهن بخلاف الاول فهناك قد وجد من الراهن تسبب لما به تلف محل حقه وهو اقراره بالملك وتسليطه المقر له على اعتاقه وان كان المعتق معسرا فللمرتهن أن يستسعى العبد في قيمته فيكون رهنا مكانه ويرجع بها العبد على المعير دون المستعير لان المعير هو الذى ألزمه ذلك باعتاقه بعد ما رضى بتعلق حق المرتهن بماليته بالاعادة ولم يوجد من المستعير تسبب في ايجاب القيمة عليه بعد ما تعلق حق المرتهن بماليته فإذا حل الدين أخذ المرتهن دينه من الراهن ورجعت القيمة إلى المعير بضمانه لان العبد لما رجع على المعير فقد استقر الضمان عليه فيجعل كانه هو الذى ضمن القيمة وهذا لان القيمة تقوم مقام العين ولو كانت العين باقية واستوفى المرتهن
[ 142 ] دينه من الراهن رجع العبد إلى المعير فكذلك القيمة وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم فرهنه بها عبدا يساوى الفين وقبضه المرتهن ثم أقر المرتهن أن الرهن لرجل غصبه الراهن منه لم يصدق المرتهن على الراهن لان العين باقية على ملك الراهن واقرار الانسان في ملك الغير باطل والمرتهن حافظ للعين كالامين واقرار المودع بالوديعة لغير المودع باطل إذا كان الايداع ظاهرا فيؤدى الراهن الدين ويأخذ العبد ولا سبيل للمقر على العبد ولا على ما أخذ المرتهن لان المرتهن أخذ دينه ورد العبد على من أخذ منه فانفسخ به حكم قبضه سواء كان المقبوض منه مالكا أو غير مالك كالمرتهن من الغاصب إذا رده عليه واقراره ليس بحجة على الراهن فلا سبيل للمقر له على العبد الذى في يده بغير حجة وان مات العبد في يدى المرتهن صار مستوفيا لدينه باعتبار الظاهر لان في قيمة الرهن وفاء بدينه وزيادة فكان ضامنا جميع قيمته للمقر له لان اقرار العبد كان في يده كالمغصوب فانه كان مملوكا للمقر له وقبضه بغير اذنه واقراره حجة عليه فيضمن جميع قيمته إذا تعذر رده بالهلاك ولو كان المرتهن لم يقر برقبة العبد ولكنه أقر ان له عليه دينا ألف درهم استهلكها وقد مات في يد المرتهن فان المقر يرجع على المرتهن بالف درهم لانه أقر ان ماليته كانت مستحقة بدين المقر له وانه في القبض بغير اذن صاحب الدين على جهة الرهن غاصب في حقه فإذا هلك في يده ضمن له مقدار حقه وهو الف درهم كما لو كان ما أقر به ظاهرا ولانه بالهلاك في يده صار مستوفيا دينه وهو ألف درهم من ماليته والمقر له كان أحق بماليته بزعمه فيغرم له ما صار مستوفيا دينه وهو ألف درهم ولو أقر المرتهن برقيته لرجل وقد كان الراهن جعل بينهما عدلا يبيعه واستوفى المرتهن حقه فباعه العدل بالف درهم ودفعه وقبض الثمن فنقد المرتهن منه ذلك ألف درهم وأعطى الراهن ألف درهم فإذا أجاز المقر له البيع أخذ الالف التى أخذها المرتهن لان اجازة البيع بالثمن حقه بزعم المرتهن وما استوفى المرتهن جزء من الثمن واقراره فيما وصل إليه حجة فيما أخذه الراهن وان لم يجز البيع فلا سبيل له على ما أخذ المرتهن لان المقر له يزعم أن عين العبد هي ملكه ولم يصل العبد إلى يد المرتهن قط ويزعم ان الثمن مال مشترى العبد ولا سبيل له على مال مشترى العبد في يد من كان وانما عليه ان يثبت ملكه في المشترى بالحجة ولو أثبت ذلك كان يأخذ العبد ولا سبيل له على الثمن ولكن المشترى هو الذى يرجع بالثمن فقبل الاثبات أولى ان لا يثبت له على الثمن سبيل ولو كان المرتهن لم يقر بالرقية ولكنه
[ 143 ] أقر ان العبد قد استهلك لرجل الفى درهم والمسألة بحالها فان المرتهن يدفع الالف التى قبض من ثمنه إلى المقر له أجاز البيع أو لم يجزه لان الرقبة لم تكن للمقر له فلا يضره أجاز البيع أو لم يجز ومعنى هذا ان حق صاحب الدين في مالية العبد دون عينه وعند اجازته البيع تسلم له المالية فالتمليك يكون من جهة المالك والذى قبض المرتهن من ثمنه مالية فعليه أن يدفع ذلك إلى المقر له باعتبار اقراره أما إذا أجاز البيع فظاهر وأما إذا لم يجز فهو يزعم ان المشترى حابس للمالية التى هي حقه ضامن له مثل ذلك وما قبضه المشترى ما له فقد ظفر بجنس حقه من مال غريمه فكان له أن يأخذه منه بخلاف الاول فهناك في زعمه ان العبد باق على ملكه (ألا ترى) أنه لو أقام البينة كان يسلم له ملك العبد فلا سبيل له على مال المشتري مع بقاء العبد على ملكه ثم لا يرجع المرتهن على الراهن بما أخذ منه المقر له لانه أخذ ذلك من حكم اقراره واقراره ليس بحجة على الراهن وإذا رهن الرجل عبدا يساوى الف درهم بالف درهم فخفر العبد عند المرتهن بئرا في الطريق ثم ان الراهن أدى الدين وأخذ عبده فوقعت في البئر دابة تساوى ألفا فان العبد يباع في الدين الا أن يفديه الراهن لانه بالحفر تسبب لاتلاف الدابة وهو متعد فيه فيكون كالمباشر في حكم الضمان ولو أتلف العبد دابة بيع في قيمتها الا أن يفديه المولى فان بيع بألف درهم وأخذها صاحب الدابة رجع الراهن على المرتهن بالدين الذى قضاه لان العبد تلف بفعل كان منه عند المرتهن وهو الحفر فتبين به أن الرد لم يسلم ويجعل هو كالهالك في يد المرتهن فصار هو مستوفيا دينه بالهلاك وقد استوفاه مرة أخرى فعليه رده (ألا ترى) ان العبد المغصوب لو فعل مثل هذا في يد الغاصب كان للمغصوب منه ان يرجع عليه بقيمته ويجعل كالهالك قبل الرد وان وقعت في البئر دابة أخرى تساوى ألفا فعطبت رجع صاحبها على صاحب الدابة الاولى وأخذ منه نصف ما أخذ لانهما مشتركان في ثمن العبد فان الجناية على الدائنين تستند إلى سبب واحد وهو الحفر وهما من جنس واحد فهو كما لو استهلك الدابتين معا فيكون ثمنه بينهما نصفين فإذا أخذ منه نصف ما أخذ لم يكن لصاحب الدابة الاولى أن يرجع على الراهن بشئ مما قبض من الدين لانه انما قبض ما كان أعطى المرتهن بطريق انه استوفى حقه مرتين ولم يقبض منه من قيمة العبد شيأ وحق صاحب الدابة في مالية العبد لا في مال آخر من ملك مولى العبد فان وقع في البئر حرا وعبد فمات فدمه هدر بمنزلة العبد إذا حفر بئرا في الطريق ثم استهلك مال انسان فبيع في قيمته ثم وقع في البئر
[ 144 ] انسان وهذا لان نفس الحفر ليس بجنابة و انما يصير جناية إذا اتصل الوقوع به والمستحق بجناية على الآدمى نفسه فعند الوقوع هو ملك المشترى وأصل فعل العبد لم يكن في ملكه فلا تتوجه عليه المطالبة بالدفع بفعل سبق ملكه ولا تتوجه المطالبة به على البائع لان فعل العبد موجبا سببا في ملكه والبيع كان بحق شرعى لا باختياره فلا يضر تعلقه به وهذا بخلاف ما لو كان الواقع دابة أخرى لان المستحق به من العبد كالمستحق بالاول فيمكن جعل الثمن مشطرا بينهما وهنا المستحق نفس العبد فلم يكن حق ولى الجناية من جنس حق صاحب الدابة الا قبض الثمن ولما تعذر اثبات حقه في الثمن واستحقاق نفس العبد غير ممكن من الوجه الذي قلنا كان دمه هدرا وإذا رهن الرجل أمة بالف درهم وقيمتها خمسمائة ثم قبضها وكاتبها فللمرتهن أن يبطل الكتابة لان الكتابة من الراهن تصرف يحتمل الفسخ وفى عوده اضرار بالمرتهن وكان له أن يفسخ ذلك لدفع الضرر عن نفسه كما يفسخ بيع الراهن وكما يفسخ أحد الشريكين كدابة شريكه ولو لم يكاتبها ولكنه دبرها فسعت في خمسمائة ثم ماتت وقد ولدت بنتا تساوى خمسمائة فعلى ولدها أن يسعى في خمسمائة لان الباقي من دين المرتهن هذا القدر وولدها بمنزلتها يدبر للراهن وهو أحق بكسبه فكما كان على الام أن تسعى في دين المرتهن باعتبار ان الراهن موسر بهذا الطريق فكذلك ولدها يسعى فيما يوفى دينه فان سعت البنت في مائة درهم ثم ولدت بنتا ثم ماتت البنت الاولى وقيمة الاولى والسفلى سواء فعلى السفلى ان تسعى فيما بقى كله لانها كالاولى مدبرة للراهن وهو أحق بكسبها والسفلى جزء من الاولى فبقاؤها كبقاء الاولى ولو رهن أمتين بالف درهم وقيمة كل واحدة منهما الف فدبرهما المولى ثم ماتت احداهما سعت الباقية في نصف الدين ويضمن المولى نصف الدين لان الدين انقسم بينهما بحكم الرهن نصفين ووجوب السعاية على كل واحدة منهما بعد التدبير كحكم الرهن وانما يجب على كل واحد منهما بقدر ما كان فيها من الدين والذى في الباقية نصف الدين فتسعى فيه ويضمن المولي نصف الدين لانه بالتدبير مسترد لها فكأنه افتكها ثم ماتت فعليه قضاء ما كان منها من الدين فان قيل فان ذهب ما قلتم ان السعاية على المدبرة باعتبار ان المالك لكسبها موسر بهذا الطريق قلنا نعم ولكن السعاية عليها بهذا الطريق كان بحكم الرهن في الدين الذى كانت هي مرهونة به فانها لو لم تكن مرهونة لم يكن عليها السعاية في ديون المولى ما دام المولى حيا وكل واحدة
[ 145 ] منهما كانت مرهونة بنصف الدين مقصودا بخلاف الاول فالسعاية على الولد هناك باعتبار انه جزء من أجزاء الام لان حكم الرهن ثابت فيه بطريق السعاية والام كانت مرهونة بجميع الدين وكان وجب عليها السعاية في جميع الدين بهذا الطريق فيجب ذلك على ولدها الذى هو جزء منها إذا كان مثلها في الصفة يقول فان ولدت هذه الباقية بنتا ثم ماتت قبل أن تسعى في شئ وقيمتها مثل قيمة أمها أو أقل أو أكثر سعت في خمسمائة تامة لانها جزء من أجزاء الام وقد كانت الام مرهونة بخمسمائة خرجت بالتدبر من الرهن ووجب عليها السعاية في ذلك فتجب على ولدها الذى هو جزء منها السعاية في ذلك القدر أيضا لان هذا الجزء نصفها ولو كانت ولدتها قبل التدبير ثم دبرهما جميع وقيمتها مثل قيمة أمها سعت في مائتين وخمسين لان حكم الرهن ثبت في الولد حين انفصل قبل التدبير وانقسم ما في الام من الدين على قيمتها وقيمة الولد بشرط بقاء الدين إلى يوم الفكاك على هذه القيمة وقد بقى فانه صار مقصودا بالتدبير وذلك بمنزلة الفكاك لانه يخرج به من الرهن فوجبت عليها السعاية فيما كان فيها من الدين وهو مائتان وخمسون وإذا صار مقصودا يوجب السعاية فيما كان على الام بخلاف بالاول فهناك انما انفصل الولد بعد ما خرجت الام من الراهن بالتدبير فلم يصر الولد مقصودا بالسعاية في شئ حين لم يصر مقصودا بالفكاك بل هو في حكم جزء من الام فعليه السعاية فيما وجب عليها وهذا بخلاف ما إذا انفصل الولد حرا لان الذى انفصل حرا ليس على صفة الام فان كسبه ليس لمولاه بل هو أحق به فلا يمكن أن يجعل تبعا في السعاية الواجبة بحكم الرهن فاما الذى انفصل مدبرا فهو نصف الام فيلزمه من السعاية ما كان على الام ولو رهن أمة تساوى الفا فولدت بنتا تساوى ألفا ثم دبر المولى الام وهو معسر فعلى الام ان تسعى في خمسمائة لان نصف الدين تحول منها إلى الولد وهو نائب فيه ما بقى الولد والمولى بالتدبير صار مستردا للام فعليها أن تسعى فيما كان فيها من الدين عند التدبير وذلك خمسمائة فان ماتت ابنتها سعت في الالف تامة لان الولد لم يصر مقصودا بالفكاك حين لم يدبر الولد وبالفكاك صار كان لم يكن فتبين ان جميع الدين كان في الام وقد أخرجها من الرهن بالتدبير فعليها أن تسعى في جميع الالف فان لم تمت البنت وماتت الام ثم دبر البنت فعلى البنت أن تسعى في خمسمائة لانها صارت مقصوده بالفكاك حين دبرها فيستقر ما كان فيها من الدين وذلك خمسمائة فعليها أن تسعى في ذلك وبعد ما صارت مقصودة
[ 146 ] لا تلزمها السعاية في شئ مما كان على أمها فان ولدت البنت بنتا وماتت البنت الاولى سعت السفلي في خمسمائة وان كانت قيمتها مائة لانها جزء من الاولى وهى تابعة للاولى في حكم هذا السعاية فانها ما صارت مقصودة بحكم الرهن ولو ولدت أمة الرهن بنتا ثم ولدت البنت بنتا وقيمة كل واحدة منهن الف درهم ثم دبرهن جميعا ثم ماتت الام والبنت الآن كان على السفلي ان تسعى في نصف الدين من انه لا يحتسب بالوسطى وقد طعن عيسى في هذه المسألة وقال ينبغى أن تسعى في ثلث الدين لانه كالقابض للوسطى بالتدبير وكيف لا تحتسب بها وقد صارت مقصودة بالفكاك والسفلى تابعة للام كالاولى فانقسم الدين عليهن أثلاثا ثم بالتدبير أخرجهن من الرهن فيتقرر في كل واحدة منهن ما كان فيها وهو ثلث الدين فعلى السفلى السعاية في ذلك القدر خاصة ولا تأويل لجواب محمد رحمه الله سوى أنه ذهب بالدين إلى انه وضع المسألة فيها إذا دبر الام والسفلى دون الوسطي فلهذا قال لا يحتسب بالوسطى (ألا ترى) انه بني عليه فقال وكذلك لو ماتت الام والبنت قبل التدبير ثم دبر السفلى ثم علل فقال لانى لا احتسب بالوسطى إذ لم يقع عليها التدبير فهذا يتعين ان مراده في الفصل الاول ما إذا لم يدبر الوسطى فاما إذا دبرهن جميعا فالجواب كما قال عيسى * ولو ولدت أمة الرهن ولدا يساوى ألفا ثم دبرهما فكل واحدة منهما صارت مقصودة بالسعاية في نصف الالف فبموت الام لا يتحول شئ من سعايتها إلى الولد ولو ماتت البنت سعت الام بالالف كلها وهذا التفريع غير مذكور في نسخ الاصل وانما ذكره الحاكم في المختصر والا ظهر انه غلق لان البنت صارت مقصودة بالفكاك فإذا ماتت بعد ذلك لا يمكن أن يجعل كأن لم يكن ولا يتحول ما كان منها من السعاية إلى الام وانما عليها السعاية في مقدار الخمسمائة وان صح هذا فوجهه ان الام في الاصل كانت مرهونة بجميع الدين وتمام الفكاك في الولد لا يحصل بالتدبير وانما تمام الفكاك بوصول حصة الولد من الدين إلى المرتهن ولم يصل إليه شئ فوجب على الام السعاية في جميع الدين لان حق المرتهن في استعساء الام في جميع الدين بعد التدبير كان ثابتا والراهن لا يملك ابطال ذلك الحق بتدبير الولد فلهذا سعت له في الالف كلها بخلاف ما إذا ماتت الام فالبنت ما كانت مرهونة بجميع الالف قط فلا تجب على البنت السعاية الا في مقدار ما كانت مرهونة به ولو رهن امة تساوى ألفا بالف إلى أجل فولدت ولدا يساوى ألفا فدبر المولى وهو موسر ضمن قيمته لانه أتلف حق المرتهن فيه
[ 147 ] بالتدبير فكأنه أتلفه بالاستهلاك فيضمن قيمته ويكون رهنا مع الام وان كان معسرا سعى العبد في خمسمائة مقدار ما كان مرهونا به فان مات الولد قبل أن يفرغ من السعاية كانت الام رهنا بألف لا تفتكها الا بها وان ماتت أمه كانت بخمسمائة لان المولى ضامن لقيمة الولد وبقاء قيمة الولد كبقاء عينه فكانت الخمسمائة من الدين فيه فانما يسقط بموت الام خمسمائة ولكن لو مات الولد كانت الام رهنا بجميع الدين لما بينا أن حق المرتهن في جنسها بجميع الالف كان ثابتا والمولى بتدبير الولد لا يملك ابطال حق ثابت للمرتهن في الام ولكن موته قبل التدبير وبعد التدبير سواء فيما يرجع إلى ابطال حق المرتهن فلهذا لم يكن له أن يفتك الام الا بجميع الالف * ورهن العبد التاجر من الاجنبي وارتهانه جائز لانه منفك الحجر عنه في ايفاء الدين واستيفائه كالمكاتب وكذلك ان رهن ولده أو والده لانه مالك له بخلاف المكاتب فان الوالدين والمولودين يتكاتبون عليه ويتعذر عليه بيعهم إذا ملكهم فلا يجوز له أن يرهنه أيضا وفي الاخوة كذل الجواب عندهما وعند أبى حنيفة لا يمتنع عليه بيع الاخوة فلا يمتنع عليه رهنهم بالدين أيضا وان رهن المأذون من مولاه أو ارتهنه ولا دين عليه لم يجز لان أكسابه ملك لمولاه وفى هذه الحالة هو لا يستوجب الدين على المولى ولا المولى عليه والرهن والارتهان لا يكون الا بدين واجب وان كان عليه جاز له أن يرهن من مولاه لانه يستوجب على المولى دينا يطالبه به ويستوفيه لحق الغرماء فيجوز أن يرتهن به أيضا ولا يجوز لمولاه أن يرتهن منه لان المولى لا يستوجب عليه دينا يطالبه به وانه مالك لرقبته وان كان عليه دين فلا يجوز له أن يرهن منه وإذا خذ العبد رهنا بشئ يقرضه فهلك الرهن عنده قبل أن يقرضه وقيمته والقرض سواء فهو ضامن لقيمته لان المقبوض على جهة الشئ كالمقبوض على حقيقة ولو أقرض ما لا وقبض به الرهن فهلك عنده كان هو بالهلاك مستوفيا وان كان أقرضه لا يجوز فكذلك إذا ارتهن على جهة الاقراض يصير مستوفيا بهلاكه ويجب عليه رد ما استوفى حين لم يكن له على مالك الرهن شئ وكذلك لو ارتهن بكفالة بالمال يصير مستوفيا بهلاك الرهن وان لم تصح كفالته في حق المولى وعليه رد ما استوفى ولا يجوز للعبد التاجر ان يرهن عن غيره رهنا وان أذن له مولاه فيه إذا كان عليه دين لان رهنه عن غيره بمنزلة قضائه دينه بكسبه وهو ينزع منه كالاقراض فلا يصح لحق غرمائه وان رضى به مولاه وكذلك لا يصح من المكاتب كنفس الاقرار وان لم يكن عليه دين جاز باذن المولى لان كسبه حق
[ 148 ] المولى ولو باشر المولى ذلك في كسبه جاز فكذلك إذا فعله العبد باذنه * وارتهان العبد التاجر من العبد التاجر جائز فيما يجوز من الاقرار لانها من صنع التجار ولا يجوز للعبد التاجر أن يرهن نفسه كما لا يجوز أن يبيع نفسه وقد بينا انه لو رهن مالا يملك بيعه لا يجوز ذلك وهو لا يملك بيع نفسه إذا موجبه ضد موجب الاذن فان موجب الاذن فك الحجر عنه وموجب بيع نفسه اثبات الحجر عليه فان فعل ذلك فاجازه المولى جاز ان لم يكن عليه دين غير ذلك (ألا ترى) انه لو باع نفسه بذلك الدين فاجازه المولى جاز فكذلك إذا رهنه وهذا لان المولي يملك مباشرة بيعه في هذه الحالة والاذن له في ذلك فاجازته في الانتهاء كالاذن في الابتداء وإذا رهن العبد أو ارتهن ثم حجر عليه فالرهن جائز لانه تصرف في حال انفكاك الحجر عنه وكذلك المكاتب إذا عجز ولا يجوز للعبد المحجور عليه ان يرهن ولا يرتهن الا أن يجبره المولى بمنزلة سائر التصرفات ومنها البيع والشراء وبمنزلة الايفاء والاستيفاء وإذا رهن المولى شيأ من متاع العبد المأذون وعليه دين لم يجز وان أجازه العبد لان كسبه حق غرمائه والمولى ضامن لما رهنه بحق الغرماء والعبد لا يملك اسقاط حق الغرماء باجازته رهن المولى ان لم يكن عليه دين جائز لان كسبه خالص حق المولى وكذلك لو أعار العبد سلعة رجلا أو رهنة فرهنه لم يجز لان هذا بمنزلة الاقراض منه لمالية المتاع فان أجازه المولى وعليه دين لم يجز لان المولى ممنوع من هذا التصرف في كسبه لحق غرمائه فلا ينفذ باجازته وكذلك ان أجازه الغرماء لان دينهم لا يسقط بالاجازة وهو بمنزلة ما لو أقرض العبد شيئا من كسبه لم يجز ذلك وان أجازه الغرماء ولو رهن الصبي الحر من غيره رهنا بامر أبيه لم يجز لانه بمنزلة الاقراض والاب لا يملك الاقراض في مال الصبي في ظاهر الرواية فكذلك الصبي لا يملك الاقراض بامر ابيه واشتراط الخيار للراهن في الرهن ثلاثة أيام جائز كما في البيع لان عقد الرهن يلزم من قبل الراهن وتأثير اشتراط الخيار في منع اللزوم مستفاد ذلك بشرط الخيار للراهن ولا معنى لاشتراط الخيار للمرتهن لانه لا يتعلق به اللزوم في حقه فانه متمكن من رده متى شاء بغير خيار وكذلك لا معنى لخيار الرؤية فيه لان ذلك لو ثبت انما يثبت للمرتهن وهو متمكن من رده بعد الرؤية متى شاء وليس له أن يأخذ مكانه رهنا آخر وان كان ذلك مشروطا لان حكم الرهن لا يثبت بدون القبض ولم
[ 149 ] يوجد منه القبض في عين أخرى فلا يكون له أن يطالب به فلهذا لا يثبت للمرتهن خيار الشرط والرؤية والله أعلم * (باب رهن أهل الكفر) * (قال رحمه الله) الرهن والارتهان جائز بين أهل الذمة فيما يجوز بيعهم فيه بمنزلة الايفاء والاستيفاء فهو المقصود بالرهن أو بمنزلة سائر المعاملات فالرهن منها وهم في المعاملات يسوون بنا فان رهنه خمرا فصارت خلا فان كانت قيمته مثل قيمتها يوم ارتهنها فهو رهن على حاله لان العين باقية في المالية وما لم يتقوم لم يتغير بتغير هذا الوصف وضمان الرهن باعتبار المالية فبتغير الوصف إذا لم يكن بقضاء باقى المالية لا يعتبر وكذلك لو رهنه عصيرا فصار خمرا لان العين بكل واحد من الوصفين مال متقوم في حقهم ولو رهنه شاة فماتت سقط الدين لفوات المالية في ضمان المرتهن وفيها وفاء بالدين فان دبغ المرتهن جلدها فهو رهن لان الجلد بالدبغ صار مالا متقوما وهو مما تناوله الرهن فبقدر ما جنى من المالية يعود من الدين وهذا بخلاف الشاة المشتراة إذا ماتت قبل القبض فدبغ البائع جلدها فان سقط شئ من الثمن لا يعود هناك لان سقوط الثمن بانفساخ البيع وبه عاد العبد إلى ملك البائع فالجلد المدبوغ ملك البائع فلا يعود الملك فيه بعد ما انفسخ فاما سقوط الدين هنا فبطريق الاستيفاء وانتهاء حكم الرهن مع بقاء الدين على ملك الراهن فالجلد المدبوغ يكون ملكا له وقد كان حكم الرهن فيه متقررا بالانتهاء فلهذا يعود من الدين حصة ما جنى من مالية الجلد فان كان الدين عشرة دراهم وكانت الشاة تساوى عشرة والجلد يساوي درهما فهو رهن بدرهم وان كانت الشاة يساوي عشرين يوم ارتهن والدين عشرة وكان الجلد يساوى درهما يومئذ فالجلد رهن بنصف درهم والحاصل أن انقسام الدين على مالية الجلد واللحم وقت عقد الرهن وقد علمنا ان بمقابلة كل درهم من الرهن نصف درهم من الدين لان قيمة الشاة ضعف الدى فتعود مالية الجلد بعود نصف ماليته من الدين وذلك نصف درهم فان كانت الشاة يوم ارتهنت تساوى خمسه والجلد يساوى درهما فقد ذهب من الدين أربعة والجلد رهن بستة لان الخمسة من الدين كانت باقية وقد عاد من الساقط بقدر مالية الجلد وهو درهم وكل جزء من الرهن محبوس بجميع فلهذا كان الجلد مرهونا بما بقى من الدين وهو ستة وان هلك هلك
[ 150 ] بدرهم ولو ارتهن المسلم من مسلم وكافر خمرا فصارت في يده خلا لم يجز الرهن لانعدام المالية والتقوم في الخمر بخمر في حق المسلم وموجب الرهن ثبت بالعقد عند القبض والخمر ليس بمحل لذلك في حق المسلم فبطل العقد لانه لم يصادف محله والعقد الباطل بحدوث الصلاحية في المحل المضاف إليه لا ينقلب صحيحا كما لو اشترى مسلم خمرا فتخللت أو صيدا قبل الاخذ ثم أخذه البائع وللراهن ان يأخذ الخل ولا يعطيه أجرا لان عين ملكه تغير بطبعه من غير ان زاد المرتهن فيه شيئا من ملكه أو أحدث فيه صنعا والدين عليه كما كان ان كان الراهن مسلما وان كان الراهن كافرا وكانت قيمته يوم رهن والدين سواء فله ان يدع الخل ويبطل الدين لانه قبض الخمر على وجه الضمان فخمر الكافر يجوز ان تكون مضمونة على المسلم بالقبض وبالتخلل فان مقصود المضمون له بصفة الخمرية كانت مقصودة له ولا وجه لاسقاط شئ من الدين باعتباره فكان له ان يجعل العين في حكم المستهلك ويصير المرتهن مستوفيا دينه بطريق المقاصة قيل هذا قول محمد كما هو أصله في القلب إذا انكسر انه تعتبر حالة الانكسار بحالة الهلاك والاصح أنه قولهم جميعا لان أبا حنيفة وأبا يوسف رحمهما الله هناك في حال الانكسار يوجبان ضمان القيمة لان تمليك العين بضمان القيمة من الضامن ممكن وهنا ذلك غير ممكن والمضمون بالرهن هو الخمر والمسلم ليس من أهل أن يكتسب بسبب ملك الخمر ببدل فلم يبق إلا أن يكون له أن يدع الخل ويبطل الدين وهذا بخلاف ما إذا كان المرتهن ذميا لان هناك العقد صحيح فباعتبار صحة العقد يكون المضمون هو المالية والمالية لم تتغير بالتخلل وهنا العقد باطل والمضمون بالقبض هو العين لان الراهن ما رضى بقبضه الا باعتبار العقد فبدونه أشبه قبض الغصب ولو غصب المسلم من ذمى خمرا فتخللت عنده كان للمغصوب منه ان يدع الخل ويضمنه قيمته فهنا أيضا له ان يدع الخل ويختار تضمين القيمة ثم يصير قصاصا بدينه وقيمته يوم الرهن والدين سواء وبهذا التحقيق يظهر الاستيفاء عن القدر الذى ذكرنا لابي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله في الفرق بين هذا وبين القلب المستهلك فانه لا فرق سوى أن القيمة هناك من خلاف جنس الدين فلا يصير قصاصا بالدين وهنا القيمة من جنس الدين فيصير قصاصا بالدين ولو ارتهن مسلم عصيرا فصار خمرا والراهن مسلم أيضا لم يكن للراهن ان يأخذه وللمرتهن أن يخللها ويكون رهنا كما كان يبطل منها على حساب ما نقص من الدين لان بحدوث صفة الخمرية تنعدم المالية في حق المسلم وذلك مسقط للدين الا ان
[ 151 ] المرتهن متمكن من اعادة المالية بالتخليل فلا يكون للراهن ان يبطل عليه ذلك بأخذها فإذا خللها المرتهن وقد عادت المالية وبعودها يعود حكم الرهن كما في الشاة الميتة إذا دبغ جلدها الا انه ان كانت مالية الخل دون مالية العصير فقد انتقضت المالية بتغير حديث في عين المرهون فهو بمنزلة العيب يسقط بحصته من الدين وان كان الراهن كافرا فله أن يأخذ الرهن فيكون الدين على حاله وليس للمسلم أن يخللها لان بحدوث صفة الخمرية لم تنعدم المالية في حق الراهن وقد فسد العقد به لان الطارئ بعد العقد قبل حصول المقصود به كالمقترن بالعقد والمسلم لو ارتهن خمرا من كافر لم يصح فكذلك إذا ارتهن عصيرا فتخمر يفسد العقد كما لو اشترى عصيرا فتخمر قبل القبض وإذا فسد العقد كان للراهن أن يأخذها والدين عليه كما كان لان شيئا من المالية لم يفت في ضمان المرتهن وليس للمسلم أن يخللها هنا لان صفة الخمرية مقصودة للكافر فليس للمسلم أن يبطلها عليه بالتخلل فان خللها فهو ضامن لقيمتها يوم خللها لانه صار غاصبا بما صنع فهو كما لو غصب خمر ذمى وخللها فيضمن قيمتها والخل له ويرجع بدينه لان رد القيمة كرد العين فلا يسقط شئ من دينه عن الراهن ولو رهن الذمي عند الذمي جلد ميتة فدبغه المرتهن لم يكن رهنا لان الميتة ليست بمال في حقهم ولا يجوز بيعها بينهم فلا يجوز رهنها ثم ما لم يكن مرهونا فبحدوث صفة المالية فيه لا يصير مرهونا وللراهن أن يأخذه ويعطيه قيمة الدباغة ان كان دبغه شئ له قيمة بمنزلة من غصب جلد ميتة فدبغه وإذا ارتهن الذمي من الذمي خمرا ثم أسلم فقد خرجت من الرهن لان الاسلام الطارئ بعد العقد قبل تمام المقصود به كالمقارن للعقد بمنزلة التخمر في العصير في حق المسلم فان خللها فهو أن أصل العقد كان صحيحا ثم فسد لانعدام المالية والتقوم بسبب استلامهما في حقهما فإذا خللها المرتهن فقد عاد فيها صفة المالية والتقوم فكانت رهنا على حالها وكذلك لو أسلم أحدهما أيهما كان ثم صار خلا فهو رهن وينقص من الدين بحساب ما نقص منها لنقصان المالية بتغير صفة العين وإذا ارتهن الكافر من الكافر خمرا ووضعها على يدى مسلم عدل وقبضها فالرهن جائز لان العدل في القبض نائب عن المرتهن والمرتهن من أهل العقد على الخمر وحكم فعل النائب يظهر في حق المنوب عنه على أن يجعل فعله كفعل المنوب عنه والمسلم ليس من أهل القبض منهم عند عقد الرهن له فأما هو فمن أهل القبض منهم عند عقد الرهن لغيره ولكنها تنزع من المسلم لانه مأمور بالامساك عن الخمر ممنوع عن الاقتران منها بقوله تعالى فاجتنبوه فينزع من يده
[ 152 ] ويوضع على يدى ذمى عدل دين مراعاة للنظر من الجانبين بمنزلة مسلم رهن من مسلم شيأ ووضعه على يدى عدل فمات العدل فانه يوضع على يدى عدل آخر والحربي المستأمن في الرهن والارتهان كالذمي فان رجع إلى دار الحرب ثم ظهر المسلمون على الدار فأخذوه أسيرا وله في دار الاسلام رهن بدين عليه فقد بطل الدين وصار الرهن الذى في يديه بذلك الدين في قول أبى يوسف وقال محمد يباع الرهن فيستوفى المرتهن دينه وما بقي فهو في عين أسره فأبو يوسف يقول تبدلت نفسه بالاسر وصار مملوكا بعد ان كان مالكا فيسقط الدين بفوات محله وهو الذمة المشغولة فالدين لا يجب في ذمة العبد الا شاغلا مالية رقبته لضعف الذمة بالرق وذلك غير ممكن هنا لان الشئ يقتضي صفاء ملك المالية في الشئ الثاني فلفوات المحل يسقط الدين ثم الرهن الذى في يديه اما باعتبار ان يده إليه أقرب من يد الاسير فيصير هو متملكا له كمن أسلم في دار الحرب إذا ظهر المسلمون على الدار كان معقولا به لانه صار محررا لها بسبق يده إليها أو لان المرهون كان محبوسا عنده إلى أن يصل إليه دينه وقد وقع اليأس عند ذلك فبقي محبوسا في يده على التأبيد ولا تظهر فائدة ذلك الا بان يصير مملوكا له وقد كان هو بحكم يده أخص بغرمه حتى لو هلك سقط دينه فيكون أخص بقيمته فيملكه بذلك الدين وجه قول محمد ان سقوط الدين عند الاسترقاق لفوات المحل ولم يفت المحل هنا لان الذمة بقيت صالحة لبقاء الواجب فيها والرهن خلف في حكم الاستيفاء فيبقي الدين باعتبار هذا الخلف كالمديون إذا مات يبقى الدين باعتبار التركة لانها خلف عن الذمة في حكم الاستيفاء فإذا بقي الدين بقى حكم الامان في عين الرهن بحق المسلم المرتهن فيباع في دينه وإذا استوفى دينه سقط حقه فيكون الباقي لمن أسره لان المرتهن في الباقي كان أمينا يده فيه كيد صاحب الامانة فكأنه كان في يد المأسور والاسر كما يملك المأسور بالقهر يملك ما في يده ولا يمكن أن يجعل مملوكا للمرتهن بضمان الرهن لان ضمان الرهن لا يوجب الملك في العين ولا بطريق الاغتنام لان ببقاء يد المرتهن وحقه يبقى الاحراز ولا يفوت فلا يكون محلا للاغتنام ما لم يسقط حق المرتهن والاحراز كان باعتبار حقه لانه لم يبق للمأسور حق فلهذا كان الباقي لمن أسره وان كان عنده رهن لمسلم أو ذمى بدين له عليه رد الرهن على صاحبه وبطل دينهم عندهم جميعا لانه بالرق خرج عن أن يكون أهلا لملكه المال فقد صار مملوكا ما لم يخلفه الثاني في ملك الدين لان ذمة المسلم لا تدخل تحت القهر فإذا لم يملكه بالشئ سقط اما لفوات المطالبة به أصلا أو لان
[ 153 ] المسلم محرز ما في ذمته فيملكه ويسقط عنه والرهن مردود على صاحبه لانه ملك الرهن فلا يملكه الثاني لبقاء احراز المسلم أو الذمي له فلهذا كان مردودا عليه وإذا ارتهن الحربى من الحربى رهنا فقبضه ثم خرجا بامام فاختصما فيه لم يقض بينهما لانهما لم يستأمنا ليجرى عليهما الحكم بل ليتجرا ويعودا إلى دارهما وهذه المعاملة كانت منهما حيفا حين لم يكونا تحت ولاية الامام فما لم يلتزما حكم الاسلام لم يقض في ذلك بينهما ولو جاء مسلمين أو ذميين ثم اختصما في الرهن وهو بعينه أبقيت الرهن على حاله لانهما التزما حكم الاسلام وابتدآ الرهن والارتهان صحيح بينهما بعد هذا الالتزام فيبقي أيضا ما كان جرى بينهما ورهن المرتهن المرتد وارتهانه موقوف عند أبى حنيفة فسائر تصرفاته فان قتل على ردته وهلك الرهن في يدى المرتهن وقيمته والدين سواء وقد كان الدين قبل الردة والرهن من مال اكتسبه قبل الردة أو كان الدين في ردته باقرار منه أو ببينة قامت عليه والرهن مما اكتسبه في الردة أيضا فهو بما فيه لان الرهن بمنزلة ايفاء الدين عند هلاكه فيتغير بحقيقة الايفاء وانما يوفى دين الاسلام من كسب الاسلام ودين الردة من كسب الردة في ظاهر الرواية عنه فلا فائدة في نقض الرهن هنا وان كان في الرهن فضل على الدين فان المرتهن يضمن الفضل لان الرهن لم يصح في الفضل كما في حقيقة الايفاء ولو استدان دينا في ردته ورهن به متاعا اكتسبه في الردة وكان الدين قبل الردة والمتاع من كسبه في الردة فالمرتهن ضامن لقيمته ويكون ذلك كبائع ما اكتسب في الردة ويرجع المرتهن بماله فيما اكتسبه قبل الردة لان كسب الردة عنده فئ وكسب الاسلام ميراث فإذا أو في دين الاسلام في كسب الردة فقد أوفاه من محل هو فئ للمسلمين فيرد ذلك لمراعاة حق المسلمين بايجاب ضمان القيمة على المرتهن وكذلك إذا أو في دين الردة من كسب اكتسبه قبل الردة لانه قضى بما هو حق الورثة دينا لزمه في حالة الردة ومحل ذلك الدين كسب الردة لان الغنم مقابل بالغرم فيكون المرتهن ضامنا قيمته للورثه وفى روايته عن أبى يوسف وعن أبى حنيفة رحمهما الله انما يقضى الدينان من كسب الردة لان حق المسلمين انما يثبت في كسب الردة باعتبار أنه مال ضائع وذلك إذا فرغ عن دينه وكسب الاسلام يثبت فيه حق ورثته بالردة فصار خارجا عن ملكه وانما يقضى دينه مما كان على ملكه إلى وقت موته فعلى هذا يقول ان كان الرهن من كسب الردة فهو بما فيه باى العينين كان وان كان من كسب الاسلام فالمرتهن ضامن قيمته للورثة وفى رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله يقضى الدينان من كسب
[ 154 ] الاسلام إذا أمكن لانه كان مملوكا له موروثا عنه والميراث يتأخر عن الدين فعلى هذا إذا كان الرهن من كسب الاسلام فهو بما فيه وان كان من كسب الردة فالمرتهن ضامن قيمته للمسلمين ويرجع بدينه في كسب الاسلام وأما عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله حكم الكسبين سواء في انه ميراث عنه وتصرفه من حيث الرهن والارتهان نافذ وكان الرهن بما فيه وكذلك إذا أسلم عند أبى حنيفة لان باسلامه ينفذ الرهن كما ينفذ سائر تصرفاته وقول أبى حنيفة في رهن المرتده وارتهانها كقولهما لان رهنها ينفذ كما تنفذ سائر تصرفاتها فانها لا تقتل والرجل يقتل وإذا ارتهن المسلم من مسلم عبدا مرتدا وقبضه وهو لا يعلم به فقتل عنده فهو من مال الراهن والدين عليه وكذلك لو كان حلال الدم بقصاص فقتل عند المرتهن ولو كان قد سرق عند الراهن فقطعت يده عند المرتهن لم يذهب من الدين شئ وكان رهنا بالدين كله وأما العبد الزانى أو القاذف أو الشارب خمرا عند الراهن إذا ضرب الحد عند المرتهن فدخله من ذلك نقصان فذلك من مال المرتهن وهذا كله في قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله مثل ذلك الا في السرقة والقتل فانه يقوم سارقا ويقوم غير سارق ويقوم حلال الدم ومحقون الدم فيسقط من الدين باعتبار قيمته سارقا أو حلال الدم ويكون على الراهن تفاوت ما بين القيمتين إذا قتل وفى السارق يسقط من الدين نصف قيمته سارقا ويكون مرهونا بما وراء ذلك وأصل هذه المسألة في البيع إذا اشترى عبدا سارقا أو حلال الدم فقتل أو قطعت يده عند المشترى وقد بيناه في البيوع وان اختلف الراهن والمرتهن في ذلك فقال الراهن رهنتك وهو مسلم وقال المرتهن رهنته وهو كافر فالقول قول المرتهن والبينة بينة الراهن لان المنازعة بينهما في استيفاء الدين والمرتهن ينكر شيأ من الدين بما فعل به عنده والراهن يدعى ذلك فالقول قول المنكر مع يمينه وعلى الراهن اثبات ما يدعى بالبينة والله أعلم * (باب رهن المضارب والشريك) * (قال رحمه الله) وإذا رهن المضارب رهنا من المضاربة بدين استدامه عليها فان كان رب المال أمره بان يستدين ويرهن فالرهن جائز والدين عليهما لان الاستدامة هو الشراء بالبينة وذلك ليس من حكم المضاربة فالمضاربة تستدعى رأس مال حاضر وذلك معدوم
[ 155 ] في الاستدانة ولكن استدانة المضارب بامر رب المال بمنزلة استدانتهما جميعا فيكون المشترى بينهما نصفين والثمن عليهما نصفان سواء كانت المضاربة بالنصف أو بالثلث فإذا رهن بهذا الدين الذى عليهما متاعا باذن رب المال فهلك الرهن وفيه وفاء صار المرتهن مستوفيا للثمن وعلى المضارب نصفه لرب المال لان مال المضاربة ملك رب المال وقد قضى به دينا عليهما بامره فيضمن له مقدار حصته من ذلك كالمستعير للرهن إذا صار قاضيا دينه بهلاك الرهن ضمن مثله للمعير وان كان لم يأمره أن يستدين عليهما فانما استدان على نفسه وقضى بمال المضاربة دينا عليه فيكون مخالفا في حق رب المال ضامنا له قيمة المرهون كله وإذا ارتهن المضارب بدين من المضاربة جاز لان الارتهان بمنزلة الاستيفاء والى المضارب استيفاء الدين الواجب للمضاربة ولو كانت المضاربة ألفين واشترى عبدا بالف وقبضه ونقدها ثم اشترى متاعا باالف الاخرى وقبضه على ان أعطاه العبد بها رهنا فهو جائز لان الرهن بمنزلة الاستيفاء والدين الواجب بتصرفه للمضاربة انما يقتضيه من مال المضاربة وإذا مات رب المال والمضاربة عروض فرهن المضارب منها شيأ لم يجز لان المضاربة تنتقض بموت رب المال كالشركة وانما يملك من التصرف بعد ذلك ما ينض به المال ويرد رأس المال ويقسم الربح مع الورثة والرهن ليس من هذا في شئ بما لا يملك أن يرهن فيكون هو ضامنا بخلاف ما لو باع شيأ من المال لانه ان باعه بالنقد فهو تصرف في الذى ينض به المال وان باعه بالعرض فكذلك أيضا لان هذا العرض ربما لا يشترى بالنقد فتبادله بعرض آخر يشترى ذلك منه بالنقد وإذا رهن رب المال متاعا من المضاربة وفيه فضل لم يجز لان حق المضارب في الفضل مملوك له فلا يصح رهن رب المال فيه بغير رضا المطالب فلا يصح فيما وراء ذلك لاجل الشيوع فان لم يكن فيه فضل على رأس المال فهو جائز لانه رهن ملك نفسه بدينه ولكن يضمن قيمة ذلك لانه صار مخرجا له من المضاربة وكان فيه حق للمضارب (ألا ترى) انه لو نهاه عن التصرف فيه لا يعمل بنهيه فيصير ضامنا لحقه كما لو استهلكه وعلى قول زفر لا يضمن له شيئا وأصل الخلاف فيما إذا باع المضارب شيئا من رب المال ولا فضل في المال فعندنا يجوز البيع وعند زفر لا يجوز البيع وبيانه في المضاربة وكذلك لو باع رب المال متاعا في هذه الحالة وأكل ثمنه ورهن المفاوض وارتهانه بدين المفاوضة جائز عليه وعلى شريكه كالاستيفاء لانهما فيما هو من التجارة كالواحد من المتفاوضين يقوم مقام صاحبه ولو وجب عليه دين من جناية فرهن به رهنا من المفاوضة
[ 156 ] كان جائزا وهو ضامن حصة شريكه وليس لشريكه أن ينقض الرهن لانه سلطه على أن يرهن ويبيع فلا يكون له أن ينقضه ولكن إذا هلك الرهن صار قابضا فنصيب شريكه من الرهن دين عليه فلهذا ضمن له قيمة نصيبه ولو أعار الشريك انسانا متاعا ليرهنه كان جائزا عليهما في قياس قول أبى حنيفة ولا يجوز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله بمنزلة الكفالة إذا كفل أحد المتفاوضين بدين وقد بيناه في كتاب الكفالة ولو استعار متاعا من رجل وقبضه ورهنه كان جائزا لان هذا من صنع التجار ففعل أحدهما فيه كفعلهما فان هلك وقيمته والدين سواء ضمن المال الذى أعاره لانه صار ضامنا دينه بملكه وإذا ارتهن المفاوض رهنا فوضعه عند شريكه فضاع فهو بما فيه لان كل واحد من المتفاوضين يحفظ المال بيد صاحبه كما يحفظه بيد زوجته فيسلم إلى صاحبه بمنزلة تسليمه إلى زوجته وإذا رهن أحد شريكي العنان رهنا بدين عليهما لم يجز وكان ضامنا للرهن لان كل واحد منهما في نصيب صاحبه وكيل بالبيع فقط والوكيل بالبيع لا يملك الرهن وإذا لم يصح رهنه في نصيب شريكه لم يصح في نصيبه ويكون ضامنا نصيب صاحبه للخلاف ولو ارتهن بدين لهما أدياه وقبض لم يجز على شريكه لان لا يملك استيفاء نصيب شريكه فانه غير مالك لذلك ولا مباشر سبب وجوبه فان هلك في يده ذهب بحصته من الدين ويرجع شريكه بحصته على المطلوب ويرجع المطلوب على المرتهن بنصف قيمة الرهن وان شاء الشريك ضمن شريكه حصته لان أخذه الرهن بمنزلة استيفاء المال وقد بينا وجه هذه المسألة مع ما فيها من طعن عيسى في كتاب الشركة ولو كانت شركتهما على أن يعمل كل واحد منهما برأيه فيها فما رهن أحدهما أو ارتهن فهو جائز على صاحبه لان صاحبه أجاز صنيعه على العموم فيما هو من عمل التجارة والرهن والارتهان من هذه الجملة وإذا استودع الرهن صاحبه أو أحدا من عياله لم يضمن لانه يحفظ المرهون على الوجه الذى يحفظ مال نفسه وانما يحفظ مال نفسه بيد هؤلا عادة فكذلك المرهون لو أخذ رهنا بدين لهما وهلك عنده فقال شريكه لم تأخذه رهنا وقال الآخر أخذته رهنا فهلك عندي فان كان هو ولى حقيقة البيع فالقول قوله لان هذا منه اقرار بالاستيفاء وهو المختص بملك الاستيفاء فيجوز اقراره به وان وليها الآخر لم يصدق في هذا الا أن يكون كل واحد منهما قد أجاز ما صنع صاحبه أو أذن له أن يعمل في ذلك برأيه في الرهن فحينئذ يملك الاستيفاء فيما وجب بمعاملة صاحبه فيصح اقراره بالاستيفاء والرهن فيه أيضا وان كانت شركتهما الثلث
[ 157 ] والثلثين على أن يعمل كل واحد منهما برأيه فادان أحدهما دينا من الشركة فهو جائز لان كل واحد منهما منفرد برأيه فلو ادان أحدهما دينا من الشركة فهو جائز لان كل واحد منهما فوض الامر إلى رأى صاحبه فيما هو من عمل التجارة والادانة من ذلك ان رهن أو ارتهن فهو على قدر الشركة بينهما على الثلث والثلثين والكفيل بالدين بامر المكفول عنه إذا ارتهن من المكفول عنه رهنا وقبضه فهو جائز وان لم يكن أدى المال بعد لان بنفس الكفالة يجب المال للكفيل على الاصيل كما يجب للطالب على الكفيل ولكنه مؤجل إلى أن يؤدي عنه (ألا ترى) أنه إذا طولب طالب وإذا لوزم لازم وإذا أدى رجع والرهن بالدين المؤجل صحيح وإذا افترق الشريكان ثم هلك الرهن في يد أحدهما ثم قال أخذت هذا الرهن من فلان بدينى ودينك في الشركة قبل أن نفترق وقال الآخر أخذته بعد ما افترقتا فان كان ادان بدين في الشركة وحده فلا فائدة في هذا الاختلاف لانه يملك أخذ الرهن بها في الشركة وبعدها فان الاستيفاء إليه خاصة فكما يصح مباشرته عليها يصح اقراره وان كان الآخر ادانه فعلى المرتهن البينة أنه أخذه في الشركة فان جاء ببينة على ذلك وقد أجاز كل واحد منهما ما صنع صاحبه فهو جائز لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة وفعل أحدهما في الشركة عند اجازة صاحبه صنيعه كفعل صاحبه وان لم يكن أجاز كل واحد منهما ما صنع صاحبه ولم يقل له اعمل فيه برأيك لم يجز على شريكه وان كان أخذه في الشركة ولو أن رجلا ادان رجلا ألفا واحدة أخذ بها رهنا منه لم يجز ذلك على رب المال كما لو استوفاه حقيقة لان صاحب المال لم يكن يأمره بذلك ولا يضمن آخذ الرهن شيئا لانه هنا بمنزلة العدل في حق الراهن وانما قبض العين باذنه فلا يكون مضمونا عليه وعيسى في مسألة الطعن انما يستدل بهذا وقد بينا الفرق بينهما في كتاب الشركة ولو كان قال وكلنى بقبض المال وأمرني ان آخذ به منك رهنا فأخذ به منك رهنا قيمته مثل الدين فهلك عنده قال يضمن قيمته للراهن لانه انما رضى بتسليم المال إليه على انه وكيل تبرأ ذمته بهلاك الرهن في يده وقد تبين أنه لم يكن وكيلا فكان قابضا بغير اذنه ضامنا للقيمة ولو كان المطلوب صدقه بالوكالة لم يرجع المطلوب على الوكيل بشئ لان في زعمه أنه كان أمينا في قبض الرهن وانه استفاد البراءة بهلاك الرهن في يده الا ان الطالب ظلمه بالرجوع عليه مرة أخرى بدينه ومن ظلم ليس له أن يظلم غيره وزعمه معتبر في حقه فلا يرجع على الوكيل بشئ لهذا ولو كان لرجل على رجل عشرة دراهم فجاء رجل وقال قد
[ 158 ] وكلني فلان بأخذها منك أو ابتاع منك بيعا بها فاصنع فيها ما شئت فأعطاه ثوبا بخمسة دراهم ورهنه ثوبا بخمسة وقبضهما وصدقه المطلوب في ذلك فهلك الثوبان عنده ضمن ثمن الثوب الذى اشتراه لانه وكيل بالشراء بتصادقهما ولكن الوكيل بالشراء مطلوب بالثمن ضامن له ولم تقع المقاصة بدين الطالب حين جحد الوكالة ولم يضمن الذى ارتهنه لانه عدل فيه بزعمهما ويرجع الطالب على الغريم بالعشرة لان الوكالة لم تثبت في حقه حين جحد وحلف فيرجع بماله على المطلوب والله أعلم * (باب العارية في الرهن) * (قال رحمه الله) وإذا استعار الرجل من الرجل ثوبا ليرهنه فما رهنه به من قليل أو كثير فهو جائز أما جواز الاستعارة للرهن فلان الدين يتعلق بمالية الرهن والمعير يرضى بتعلق حق صاحب الدين بملكه واستحقاق ماليته به كما ان الوكيل بالدين يلتزم المطالبة في ذمته على وجه يستحق به قضاء الدين من ماله وذلك منه تبرع صحيح فلهذا مثله والدليل عليه أنه لو أمر عبده بان يكفل بمال صح والدين لا يجب على العبد الا شاغلا لمالية رقبته فإذا ملك شاغل مالية رقبة العبد بطريق الاذن الكفالة تملك ذلك بطريق الاعارة للرهن لان الثابت بالرهن للمرتهن بعض ما ثبت بحقيقة الاستيفاء وهو ملك اليد فإذا جاز أن يثبت له ملك اليد والعين جميعا بايفاء غير المديون من ماله على طريق التبرع يجوز أن يثبت ملك اليد له بالرهن أيضا وإذا جاز أن يفصل ملك اليد على ملك العين بقاء للبائع جاز أن ينفصل ملك اليد عن ملك العين ثبوتا للمرتهن ثم ما رهنه به من قليل أو كثير فهو جائز لان المعير أطلق فالتقييد شئ زيادة عليه فلا يثبت ذلك بالمطلق وهذا الاطلاق لا يمنع صحة الاعارة لانه لا يفضى إلى المنازعة بمنزلة الاعارة للانتفاع مطلقا ولو سمى له سببا فرهنه بأقل منه أو أكثر ضمنه أما إذا رهنه بأكثر فلانعدام الرضا من المعير بالزيادة لان الانسان قد يرضى بأن يكون ملكه محبوسا بما تيسر عليه أو على المستعير قضاؤه دون ما تيسر عليهما وأما إذا رهنه بأقل فلان المعير انما رضي بشرط أن يصير المرتهن عند الهلاك مستوفيا للعشرين ليرجع هو على المستعير بذلك فإذا رهنه بأقل فعند الهلاك انما يرجع المعير على المستعير بذلك القدر والحاصل أن التقييد متى كان مفيدا فهو معتبر والتقييد هنا مفيد في المنع من الزيادة والنقصان جميعا وكذلك لو قال ارهنه
[ 159 ] بجنس فرهنه بجنس آخر فهو تقييد لانه يتعسر على المعير أداء جنس دون جنس وكان مقصوده من التقييدات يتمكن من غير ملكه بأداء الجنس الذى هو متيسر عليه وكذلك ان أمره أن يرهنه من رجل فرهنه من غيره لان هذا التقييد مفيد فالناس يتفاوتون في الحفظ وأداء الامانة وكذلك لو قال ارهنه بالكوفة فرهنه بالبصرة لان هذا التقييد مفيد فقد يرضى الانسان بان يكون ماله في بلدة دون بلدة ومتى صار مخالفا فانه يصير ضامنا قيمته وللمعير الخيار ان شاء ضمن المستعير وثم عقد الرهن بينه وبين المرتهن وان شاء ضمن المرتهن ورجع المرتهن بما ضمن وبالدين على الراهن وقد بينا ذلك في الاستحقان ولو استعار ثوبا ليرهنه بعشرة فرهنه بعشرة وقيمته عشرة أو أكثر فهلك عند المرتهن بطل المال عن الراهن لان الاستيفاء قد ثم بهلاك الرهن ووجب مثله لرب الثوب على الراهن لانه قبض الثوب وسلمه برضاه وذلك يمنع وجوب ضمان العيب ولكن صار قاضيا دينه بهذا القدر من ماليته ومن قضى دينه بمال الغير يضمن له مثل ذلك المال وكذلك لو أصابه عيب ذهب من الدين بحسابه ووجب مثله لرب الثوب على الراهن لانه صار قاضيا هذا القدر من الدين بماله والجزء معتبر بالكل فان كان الثوب يساوى خمسة وهو رهن بعشرة فاعسر الراهن ولم يجد ما يفتكه به ثم هلك الثوب في يد المرتهن ذهب بخمسة وعلى الراهن خمسة للمرتهن وهو مقدار الزيادة على قيمة الرهن من الدين وهى خمسة لرب الثوب لانه صار موفيا خمسة من دينه بمالية ثوبه فيعزم له مثله ولو كانت قيمته مثل الدين وأراد المعير أن يفتكه حين أعسر الراهن لم يكن للمرتهن أن يمتنع من دفعه إليه إذا قضاه دينه بخلاف ما إذا تبرع أجنبي بقضاء الدين فلصاحب الدين أن لا يفتكه منه لان المعير بالايفاء هنا يقصد تخليص ملكه فكان بمنزلة المديون الذى يقصد بالايفاء تفريغ ذمته فاما الأجنبي فلا يقصد تخليص ملكه ولا ذمته بل هو متبرع على الطالب فله أن لا يقبل تبرعه * توضيحه أن المرتهن هنا رضى باستيفاء دينه بملك الغير فلا فرق في حقه بين مالية الرهن وبين مال آخر يعطيه وهو في الاباء بعد الرضا يكون متعينا وبهذا الحرف يرجع المعير على الراهن بما أدى عنه لان الراهن رضى بان يصير دينه مقضيا بملك المعير على وجه يرجع عليه بمثله وهو إذا هلك الرهن فلا فرق في ذلك بين مالية الرهن وبين مال آخر يؤديه ولو هلك ثوب العارية عند الراهن قبل أن يرهنه أو بعد ما افتكه فلا ضمان عليه فيه لان حفظه العين في الحالين باذن المالك وبالهلاك قبل الرهن أو بعد الفكاك لا يصير قاضيا شيأ من دينه بماليته
[ 160 ] وان قال رب الثوب هلك قبل أن يفتكه وقال الراهن هلك بعد ما افتككته أو قبل ان أرهنه فالقول قوله والبينة بينة رب الثوب أما إذا قال هلك قبل ان أرهنه فلانكاره السبب الموجب للضمان وحاجة رب الثوب إلى اثبات ذلك بالبينة وأما إذا قال هلك بعد ما افتككته فلان رب الثوب يدعى عليه ايفاء الدين بماليته وهو منكر لذلك فالقول قول المنكر مع يمينه وعلى المدعي البينة فان قيل هنا الراهن قد أقر بسبب وجوب الضمان وهو رهنه الثوب بدينه أو ادعى ناسخه وهو الفكاك فلا يقبل قوله في ذلك الا بحجة كالغاصب يدعى رد المغصوب قلنا لا كذلك فالرهن باذن صاحب الثوب ليس بسبب موجب للضمان على أحد وانما الموجب للضمان عليه لرب الثوب فراغ ذمته عن الدين بسبب ماليه الرهن (ألا ترى) انه بذلك القدر يستوجب الرجوع عليه وبالرهن لا يحصل شئ من ذلك فكانت دعواه الهلاك بعد الفكاك ودعواه الهلاك قبل الرهن في هذا المعنى سواء ولو اختلف الراهن والمرتهن فقال المرتهن قبضت منك المال وأعطيتك الثوب وأقام البينة وقال الراهن بل أقبضتك المال وهلك الثوب عندك وأقام البينة فالبينة بينة الراهن لانه ثبت ببينة ايفاء الدين بمالية الرهن والمرتهن ينفى ذلك بقوله أعطيتك الثوب وترجيح الثياب بالاثبات أصل فان كان الثوب عارية فقال رب الثوب أمرتك ان ترهنه بخمسة وقال المستعير بعشرة فالقول قول رب الثوب لان الاذن يستفاد من جهته ولو أنكره كان القول قوله فكذلك إذا أقر به مقيدا بصفة والبينة بينة المستعير لاثباته الزيادة وحاجته إليه ولو استعار عبدا يساوى الف درهم ليرهنه بالف فرهنه بالف ولم يقبضه حتى مات العبد عند المرتهن فعلى المرتهن ألف درهم للراهن لان الدين الموعود كالدين المستحق لانه يصير مستوفيا بهلاك الرهن ولا يكن للمرتهن على الراهن مثله ليصير قصاصا فعليه رد المستوفى إلى الراهن وعليه الف درهم لصاحب العبد لان سلامة هذا القدر له من مالية الرهن باستيفائه من المرتهن كسلامته له ببراءة ذمته عنه فان رهنه وأخذ الالف ثم أعتقه الغير جاز عتقه لقيام ملكه في العبد بمد الرهن وقد قررناه في اعتاق الراهن وللمرتهن أن يرجع بالمال دينا على الراهن لانه دينه ثابت في ذمته والمعير صار مستردا للرهن بالاعتاق وان شاء رجع به على رب العبد لان حق المرتهن تعلق بماليته برضاء المعير وقد استهلكه باعتاقه فهو كما لو استهلكه بالاتلاف وهو في هذا الحكم كاجنبي آخر فيضمن قيمته وتكون القيمة رهنا في يده حتى يقبض دينه من الراهن
[ 161 ] ثم يردها على المعير لان استرداد القيمة كاسترداد العين وان لم يعتقه ولكن الراهن أقر أنه قد قبض العبد ثم مات عنده وادعى ذلك المرتهن وكذلك المعير فان الراهن يصدق على قبضه العبد لان المال عليه للمرتهن وهو قد أقر ببقاء دينه عليه كما كان وقوله حجة عليه وكذلك لو كان العبد حيا فقبضه الراهن ثم قال اعور عندي ولم أعطه المال بعد وصدقه المرتهن فالقول قول الراهن لاقراره بوجوب جميع الدين عليه للمرتهن ولو قضي الراهن المرتهن المال وبعث وكيلا يقبض العبد فهلك عنده ضمنه المستعير أيضا لصاحبه بمنزلة ما لو قبضه المستعير بنفسه ثم دفعه إلى الاجنبي الا أن يكون الوكيل من عياله لانه لو قبضه بنفسه ثم دفعه إليه لم يضمنه فيدمن في عياله في حفظ الامانة كيده ولو استعار عبدا من رجلين فرهنه بامرهما عند رجل ثم قضى نصف المال وقال هذا فكاك من نصيب فلان خاصه لم يكن له ذلك وكان من جميع العبد لان جميع العبد مرهون بالدين صفقة واحدة وكل جزء منه محبوس بجميع الدين (ألا ترى) انه لو فرق القيمة في الابتداء وقال نصيب فلان بنصف المال ونصيب فلان بنصف المال لا يجوز ذلك فهو في الانتهاء بهذا التفصيل يريد ابطال الرهن في النصف الباقي وهو لا يتمكن من ذلك ولو استعار عبدا فرهنه بالف وقيمته ألف ثم قضي المال وهلك العبد عند المرتهن فلا ضمان على الراهن والمرتهن ضامن للالف يردها على مولى العبد قال عيسى رحمه الله هذا خطأ ولكن الصحيح أن الراهن ضامن للالف لصاحب العبد والمرتهن ضامن للالف للراهن لما هلك في يد المرتهن فقد تم الاستيفاء الذى انعقد بقبض الرهن وعلى المرتهن رد ما استوفى بايفائه وانما استوفاه من الراهن فيرده عليه والراهن صار قاضيا دينه بملك المعير فيقوم له مثل ذلك قال الحاكم ويحتمل أن يكون أداه فقوله لا ضمان على الراهن ضمان القيمة لانه لا يتحقق منه خلاف يترك استرداد الرهن مع قضاء الدين بخلاف ما لو استرده ثم دفعه إلى المرتهن يكون ضامنا قيمته للخلاف بالتسليم للاجنبي قال ورأيت جواب هذه المسألة في رواية أبى حفص المرتهن ضامن للالف يردها على الراهن ويردها الراهن على مولى العبد ولم يقل لا ضمان علي الراهن وهو الاصح كما قال عيسى ولو استعار عبد الرهن أو دابته فاستخدم العبد وركب الدابة قبل أن يرهنهما بمال بمثل قيمتهما ثم قضى المال ولم يقبضهما حتى هلكا عند المرتهن فلا ضمان على الراهن لانه قد برئ عن الضمان حين رهنهما فان كان أمينا خالف ثم عاد إلى الوفاق فيبرأ عن الضمان حين رهنهما فان قيل أليس
[ 162 ] أن المستعير إذا خالف بمجاوزة المكان لم يبرأ عن الضمان ما لم تصل العين الي صاحبها وهذا مستعير قد خالف فيكف يبرأ عن الضمان قبل وصول المال إلى صاحبه قلنا لان يد المستعير كيد نفسه فبالعود إلى المكان المشروط لا يصير اداء للعين لصاحبها حقيقة ولا حكما بخلاف المودع فان يده كيد المالك فبالعود الي الوفاق يصير اداء عليه حكما وما نحن فيه نظير مسألة الوديعة لان تسليمه إلى المرتهن يرجع إلى تحقيق مقصود المعير حتى لو هلك بعد ذلك يصير دينه نقضا فيستوجب المعير الرجوع على الراهن بمثله وكان ذلك بمنزلة الرد عليه حكما فلهذا برئ به من الضمان قال والمال على المرتهن يرده على المعير هكذا ذكر في رواية أبى حفص وفى رواية أبى سليمان قال والمال على المرتهن يرده على الراهن ثم يأخذه المعير وقيل وهو الصحيح لان المرتهن صار مستوفيا دينه بهلاك الرهن وظهر أنه استوفى الرهن فعليه أن يرد المستوفى ثانيا علي من استوفاه منه وهو الراهن ويرجع المعير على الراهن لما صار قاضيا من دينه بملكه ولو قبل الراهن الرهن وقبضه ثم ركب الدابة أو استخدم العبد فهو ضامن لا ستعماله ملك الغير بغير أمره فان لم تعطب في الرگوب والخدمة ثم عطبت بعد ذلك من غير صنعه فلا ضمان عليه لانه بعد الفكاك بمنزلة المودع لا بمنزلة المستعير والمودع إذا خالف ثم ترك الخلاف برئ من الضمان ولو استعار أمة ليرهنها فرهنها ثم وطئها الراهن أو المرتهن فانه يدرأ له الحد عنهما أما المرتهن فلانه ثبت ملك العبد بعقد الرهن وذلك مسقط للحد وأطلق الجواب هنا وفسر في كتاب الحدود فقال إذا قال ظنتها تحل لى وهو الصحيح فملك اليد الثابت للمرتهن هناك كملك اليد للزوج في العدة في حق المكانة وذلك انما يسقط الحد إذا قال ظننت انها تحل لى وكذلك لو وطئها الراهن وقال طننتها تحل لي لان حقه فيها نظير حق المرتهن فله حق ايفاء الدين بماليتها وللمرتهن حق استيفاء الدين من ماليتها فكما يسقط الحد باعتبار هذا المعنى عن المرتهن فكذلك عن الراهن ويكون المهر علي الواطئ لان الوطئ في غير الملك لا ينفك عن حدأ ومهر والمهر بمنزلة الزيادة المنفصلة المتولدة من العين لانه بدل المستوفى والمستوفى في حكم جزء من العين فيكون رهنا معها فإذا افتكها الراهن سلمت الامة ومهرها لمولاها كما لو كانت ولدت ولو وهب لها هبة أو اكتسبت كسبا فذلك لمولاها لما بينا أن حكم الرهن لا يثبت في الزيادة حتى هي غير مطالبة من العين ولكنها تملك بملك الاصل وملك الاصل للمعير فكذلك الغلة والكسب يكون له والله أعلم
[ 163 ]
- (باب رهن الارضين وغيرها) * (قال رحمه الله) وإذا ارتهن أرضا فيها نخل وشجر وقبضها فهو جائز وسقى النخل والشجر على الراهن لان سقى النخل بمنزلة علف الدواب ونفقة المماليك ليقي منتفعا بها فيكون على الراهن باعتبار ملكه كما كان قبل الرهن وان أنفق المرتهن عليها فهو متطوع الا أن يكون بامر القاضى وجعله دينا على الراهن وقد بينا ذلك في النفقة وليس للمرتهن أن يبيع ثمرة النخيل وان خاف الفساد عليها لانه حافظ لها وبحق الحفظ لا يثبت له ولاية البيع لما فيه من ترك حفظ العين الا بأمر الراهن أو بامر القاضى ان كان الراهن غائبا لان للقاضى ولاية النظر في مال الغائب وبيع ما يخاف الفساد على عينه من النظر ويدخل البناء والشجر في رهن الارض والدار وان لم يذكر كما في البيع وكذلك ثمر النخيل والشجر وزرع الارض يدخل في الرهن من غير ذكر لقصدهما إلى تصحيح الرهن وقلة الضرر على الراهن في دخولهما فيه بخلاف البيع والهبة وقد بينا هذا الفرق فيما سبق وإذا أخذ السلطان العشر من الغلة لم ينقص ذلك من الدين لانه أخذ ذلك بحق مستحق على الراهن فهو في حق المرتهن بمنزلة الاستحقاق ولا يبطل به الرهن فيما يبقي لان مقدار العشر من الغلة يبقى على ملك الراهن ما لم يأخذه السلطان (ألا ترى) انه لو أدى العشر من موضع آخر جاز فصح الرهن في الكل ثم خرج هذا الجزء بأخذ السلطان والباقى مقسوم فلا يتمكن بسببه الشيوع في الرهن قارنا ولا مقارنا ولو أخذ السلطان العشر من الراهن لم يرجع الراهن في غلة الارض بشئ لان الرهن في الكل صحيح لمصادفة العقد ملكه ولو أخذها المرتهن فأدى عشرها أو خراجها لم يرجع على الراهن بذلك لانه ان تطوع بالاداء فلانه متبرع فيما أدى وان أكرهه السلطان فهو ظالم في حقه لانه ليس عليه من الخراج والعشر شئ والمظلوم لا يرجع الا على الظالم وليس للراهن أن يزرع الارض المرهونة لان ذلك انتفاع منه بالمرهون وهو ممنوع من ذلك عندنا بحق المرتهن وكذلك لا يؤاجرها لانه لما منع من الانتفاع بنفسه فلان يمنع من تمليك منفعتها من غيره ببدل أولى وهذا لانه بالاجارة يوجب للغير حقا لازما وفى تصحيحها ابطال حق المرتهن في استدامة اليد فان فعل ذلك فالاجر له لانه وجب بعقده بدلا عن منفعة مملوكة له وكذلك المرتهن لا يزرعها لان الملك فيها لغيره فلا يزرعها ولا يؤاجرها بغير اذنه فان فعل ذلك ضمن ما نقص الارض وتصدق بالاجر ان أجر و يفصل الزرع أما ضمان النقصان فلانه بالزراعة متلف
[ 164 ] جزأ منها وأما التصدق فلانه فصل حصل له من ملك الغير بسبب حرام شرعا ولو أذن له الراهن في الاجارة ففعل أو سلم المرتهن للراهن أن يؤاجر أو يرهن ففعل خرجت من الرهن ولا يعود فيه لان الاجارة عقد لازم من الجانبين ويستحق به تسليم العين والرهن يتعلق به اللزوم في جانب الراهن وقد بينا ان الشئ ينقصه ما هو مثله أو أقوى منه فمن ضرورة نفوذ العقد الثاني بطلان الرهن الاول ولو أعادها باذن الراهن وقبضها المستعير خرجت من الرهن ما دامت في يد المستعير ولم يرد به خروجها من العقد وانما أراد خروجها من الضمان الثابت بيد المرتهن لان يد المستعير يد نفسه ولهذا يتقرر عليه ضمان الاستحقاق وتلزمه مؤنة الرد فباعتباره لا تبقى يد المرتهن وضمان الراهن باعتبار يد المرتهن فأما عقد الرهن فباق لان الاعارة لا توجب حقا لازما للمستعير والشئ لا ينقصه ما هو دونه فلهذا لا يبطل الحق الثابت للمرتهن فيكون له أن يستردها متى شاء ولو كانت جارية فولدت في يد المستعير كان الولد رهنا معها وللمرتهن ان يستردهما لما قلنا وكذلك ان زرع المستعير الارض باذنهما فالاعارة لا تلزم بعد الزراعة كما كان قبلها ولو ارتهن أرضا فغرقت وغلب عليها الماء حتى جرت فيها السفن وصارت نهرا لا يستطاع أن ينتفع بها ولا ينحسر عنها الماء فلا حق للمرتهن على الراهن لان المرهون صار في حكم المستهلك خصوصا في حق المال فانه خرج عن أن يكون منتفعا به وبفوات مالية الرهن يصير المرتهن مستوفيا دينه ولان المرتهن انما يطالب الراهن بالدين إذا قدر على تسليم الرهن إليه بعد استيفاء الدين كما قبضه منه وهو عاجز عن ذلك فهو نظير العبد المرهون إذا أبق فان نضب الماء عنها فهى رهن على حالها لان ماليتها عادت بصيرورتها منتفعا بها كما كانت وان أفسد منها شيئا ذهب من الدين بحسابه والله أعلم. * (باب رهن الرجلين وارتهانهما) * (قال رحمه الله) وإذا كان لرجلين على رجل دين هما فيه شريكان أو لاحدهما دنانير وللآخر دراهم أو حنطة أو غيرها فرهنهما بذلك رهنا واحدا فهو جائز من أي وجه كان كالواحد من الدينين لان جميع الرهن يكون محبوسا بدين كل واحد منهما لاتحاد الصفقة ولانه لا شيوع في المحل باعتبار عدد المستحقين وهو نظير قصاص يجب لجماعة على شخص
[ 165 ] فانه لا يتمكن الشيوع في المحل باعتبار عدد المستحقين فان قضى أحدهما ماله لم يأخذ الرهن حتى يقبض الثاني ماله لثبوت حق الحبس لكل واحد منهما في جميع الرهن بدينه وان تلف الرهن عنده استرد الذى قضاه ما أعطاه لان بهلاك الرهن يصير كل واحد منهما مستوفيا دينه من نصف مالية الرهن فان في الرهن وفاء بدينهما فتبين أن القابض استوفى حقه مرتين فعليه رد ما قبضه ثانيا وقد بينا أن باستيفاء الدين يتقرر حكم ضمان الرهن ولا يبطل ما لم يعد الرهن إلى يد الراهن وإذا ارتهن الرجل من الرجلين دارا بحق له عليهما فهو جائز لانه لا شيوع في الرهن انما الشيوع في ملك الراهنين فان قضاه أحدهما نصف المال لم يأخذ شيئا من الدار حتى يقضى صاحبه ما عليه لان جميع الرهن محبوس بكل جزء من الدين وقد رضينا فذلك دين أوجبا له الرهن في جميعها صفقة واحدة وإذا كانت الارض بين رجلين فرهناها من رجل له عليهما مال وأحدهما شريك في ذلك المال والمال متفرق لم يجز الرهن من قبل أنه لا يكون راهنا لنفسه فلما بطل بعضه بطل كله ومعنى هذا أن ملكه لا يجوز أن يكون مرهونا بشئ من نصيبه من المال وبطلان الرهن في جزء من الارض شائع يبطل الرهن في جميعها وإذا ارتهن الرجل من الرجلين أرضا أو دارا ولاحدهما أكثر من نصفها وقبض فهو جائز لاتحاد الصفقة وثبوت حق المرتهن في حبس الكل وانتفاء الشيوع عن المحل في موجب الرهن وأكثر ما فيه ان دينهما سواء فصاحب الكبير كالمعير نصيبه من صاحبه ليرهنه معه وذلك مستقيم وإذا كان المرتهن اثنين والراهن اثنين فرهناهما دارا وجعلاها أثلاثا أو نصفين من قبل أنهما قد فصلا بعض الرهن من بعض معناه أن يفرق التسمية فيما أوجبا لكل واحد منهما بمنع ثبوت حق الحبس لكل واحد منهما في جميعه أو يوجب ذلك تفريق التسمية كما في البيع من رجلين بتسمية متفرقة وبتفرق التسمية يتمكن الشيوع في محل فيما أوجباه لكل واحد منهما وذلك مبطل للرهن ولو كان لاحدهما الف درهم وللآخر ألفا درهم على حدة فرهناهما الدار جميعا كان جائزا ولصاحب الالفين الثلثان وللآخر الثلث يعنى مقدار ما صار مضمونا بالدين الذى على كل واحد منهما فأما حق الحبس فثبت للمرتهن في الجميع لاتحاد الصفقة والشيوع في الضمان لا يمنع صحة الرهن كما لو كانت قيمة الرهن أكثر من الدين وكذلك لو كان جنس المالين مختلفا فباختلاف جنس المال لا تتفرق الصفقة لاتحاد الايجاب منهما فان مات أحد الراهنين فورثه الآخر فالرهن على حاله لان وارث
[ 166 ] الميت يخلفه في ملكه بعد موته وكان نصيبه في حياته مشغولا بحق المرتهن فكذلك بعد موته وإذا شارك الراهن المرتهن في الرهن ونقضاه وهو في يدى المرتهن فهو رهن على حاله حتى يقبضه الراهن لان ضمان الرهن انعقد بالقبض والدين يبقى شائعا بينهما وفسخ العقد معتبر بأصل العقد فكما ان ضمان الرهن لا يثبت بالعقد قبل القبض فكذلك لا يسقط بالفسخ قبل الرد فان بدا للمرتهن أن يملكه فله ذلك وليس للراهن أن يأخذه لان بعد العقد قبل التسليم كان للراهن أن يمتنع من التسليم فكذلك بعد الفسخ قبل الرد للمرتهن أن يمتنع من الرد حتى يستوفى دينه اعتبارا لاحد الجانبين بالآخر فبه تتمم المعادلة وان بدا للراهن أن يتركه كان للمرتهن أن يرده لانه قبل الفسخ كان يتمكن من ذلك فبعده أولى وإذا كان المرتهن اثنين فأراد أحدهما رد الرهن لم يكن له ذلك حتى يجتمعا على الرد لان حق الحبس لكل واحد منهما ثابت في الجميع ولا ولاية لاحدهما على الآخر في اسقاط حقه ولانه لو تمكن من رد نصيبه بطل به الرهن في نصيب الآخر فان الشيوع الطارئ كالشيوع المقارن في ظاهر الرواية ورضاه غير معتبر في الحاقه بالضرر بالعين كما لا يعتبر رضا الراهن بذلك في ابطال حق المرتهن ولو اختلفا في أصل الرهن فقال أحدهما لم نرتهن وقال الآخر بل قد ارتهنا وأقام البينة وقال الراهن لم أرهنه لم يكن رهنا حتى يجتمعا على الدعوى وهو قول أبى يوسف وقد بينا هذا الخلاف فيما سبق وكذلك ان كانا شريكين شركة عنان أو مفاوضة وليس هذا كالذى كان رهنا فنقضه أحدهما فان في المتفاوضين يجوز نقض أحدهما على شريكه لان فيما هو من التجارة كل واحد منهما يقوم مقام شريكه فأما إذا أنكر أحدهما الرهن فقد أكذب شهوده ومع اكذابه يتعذر القضاء بالرهن في نصيبه فيتعذر القضاء به في نصيب الآخر لاجل الشيوع ولو كانا شريكي عنان فرهنا جميعا رهنا لم يكن لاحدهما أن ينقضه دون صاحبه لانهما كالاجنبي في نقض كل واحد منهما الرهن في نصيب صاحبه فان شركة العنان لا تتضمن الا الوكالة بالبيع والشراء وفيما سوى ذلك كل واحد منهما في حق صاحبه ينزل منزلة الاجنبي فان نقضه وقبضه فهلك عنده كان المرتهن ضامنا لحصة الذى لم ينتقض لانه صار مخالفا برد حصته على الآخر ويرجع عليهما بماله ويرجع بنصف القيمة التى ضمن على الذى قبض منه الرهن لان القابض منه لا يرده عليه بمنزلة غاصب الغاصب في حقه والغاصب الاول إذا ضمن رجع بما ضمن على الغاصب الثاني فهذا مثله قال عيسى هذا خطأ والصواب أن لا يرجع
[ 167 ] المرتهن بما ضمن على القابض لانه هو الذى سلمه إليه مع علمه أنه ليس بمالك له فهو في حقه كمودع الغاصب فإذا ملك الغاصب بالضمان كان مسلما ملك نفسه إلى الاجنبي طوعا وقد هلك في يد القابض من غير فعله فلا ضمان عليه الا أن يكون ادعي الوكالة من صاحبه ودفعه المرتهن من غير تصديق فحينئذ يرجع عليه لاجل الغرور الممكن من جهته بدعواه الوكالة من صاحبه وقد قيل في تصحيح جواب الكتاب ان حالة الشركة التى بينهما توهم كثيرا من الناس جواز قبض أحدهما له في حقهما فيقوم ذلك مقام الغرور الذى يمكن بادعاء أحدهما الوكالة فكما يرجع هناك بما ضمن فكذلك هنا ولو كان رهنه أحدهما باذن شريكه ثم نقض الرهن وقبضه وسلم ذلك المرتهن جاز ذلك لانه هو الذى رهنه (ألا ترى) أن المستعير للرهن إذا نقض الرهن واسترد العين برضا المرتهن كان جائزا فكذلك هنا والله أعلم * (باب جناية الرهن بعضه على بعض) * (قال رحمه الله) وإذا ارتهن الرجل عبدين بالف درهم وقيمة كل واحد منهما الف فقتل أحدهما صاحبه فان الباقي يكون رهنا بتسعمائة وخمسين والاصل فيه أن يقال نصف كل واحد من العبدين مشغول بنصف الدين ونصفه فارغ فالنصف الذى هو مشغول من القاتل جنى على نصف شائع من المقتول نصف ذلك مما هو مشغول ونصفه مما هو فارغ وكذلك النصف الذى هو فارغ من القاتل جنى على نصف شائع من المقتول نصفه من المشغول ونصفه من الفارغ وجناية الفارغ هدر وجناية المشغول على المشغول هدر وجناية الفارغ على المشغول معتبرة وانما قلنا ذلك لان العبدين على ملك الراهن بعد عقد الرهن كما كانا قبله وجناية أحدهما قبل عقد الرهن على الآخر خطأ هدر لان المستحق بجناية الخطأ نفس الجاني ملكا وهو مملوك لمولى المجني عليه ولو اعتبرت الجناية لاستحق بها على نفسه ملك نفسه وهذا لغو فكذلك بعد عقد الرهن لا يمكن اعتبار الجناية لحق الراهن وانما يجب اعتبار الجناية لحق المرتهن لان في حق المرتهن تمييز البعض عن البعض كان لثبوت حق الاستيفاء له في نصف كل واحد منهما (ألا ترى) أن جناية الراهن على المرهون تعتبر الحق المرتهن فكذلك جناية ملك الراهن على حق المرتهن تكون معتبرة لحق المرتهن إذا عرفنا هذا فنقول جناية الفارغ على الفارغ لو اعتبرت انما تعتبر لحق الراهن إذ لا حق للمرتهن في المحل المجني
[ 168 ] عليه من حيث الاستيفاء فلا يعتبر وكذلك جناية المشغول على المشغول غير مفيد اعتبارها في حق المرتهن لانه لابد من أن يسقط ماله من الحق في أحدهما أما المجني عليه إذا جعل فائتا لا إلى بدل وأما الجاني إذا أقيم مقام المجني عليه بالدفع فانه في حق نفسه يصير تاويا وإذا كان اعتبار الجناية في حق المرتهن وجناية المشغول على المشغول لا يفيد اعتبارها في حقه كان هدرا وكذلك جناية المشغول على الفارغ لو اعتبرت انما تعتبر لحق الراهن فالمرتهن يتصور باعتبار هذه الجناية لانها إذا لم تعتبر لم يسقط من دينه وإذا اعتبرت سقط بعض دينه فلهذا لا يعتبر وأما جناية الفارغ على المشغول فهى معتبرة لحق المرتهن ففيه توفير المنفعة عليه لانها لو لم تكن معتبرة كان المجني عليه فائتا لا إلى بدل فيسقط ما كان فيها من الدين وإذا اعتبرت دفع الجاني بالمجنى عليه فيتحول ما كان في المجني عليه من الدين إلى الجاني لفوات المشغول إلى خلف فإذا ظهر اعتبار جناية الفارغ على المشغول قام هذا الربع من الجاني مقام ذلك الربع من المجني عليه فيتحول ما كان فيه وذلك مائتان وخمسون إلى الجاني وقد كان فيه خمسمائة بحكم العقد فتجتمع فيه من الدين سبعمائة وخمسون ويسقط مائتان وخمسون حصة جناية المشغول على المشغول فان ذلك هدر فيكون كالهالك من غير صنع أحد وإذا أردت اختصار هذا الكلام قلت السبيل أن ينظر إلى مقدار الفارغ من الجاني فيتحول مما كان من المجني عليه قدر ذلك إلى الجاني ان كان نصفا فالنصف وان كان ثلثا فالثلث وان كان ربعا فالربع وان كان عشرا فالعشر وأبو يوسف يستدل بهذه المسألة في جواز الزيادة في الدين حكما في هذه المسالة في حق العبد الجاني كذلك يجوز اثباته قصدا ولكن هذا ليس بقوى لانا انما لم نجوز الزيادة في الدين بحكم الرهن لمعنى الشيوع باعتبار تفرق التسمية وذلك لا يتحقق هنا ولو لم يقتله ولكن فقأ عينه كان الباقي ستمائة وخمسة وعشرين والمفقوء بمائتين وخمسين لان بذهاب العين المفقوءة تلف نصف نصفه وبقى النصف فانما يبقى فيه نصف ما كان من الدين وذلك مائتان وخمسون والذى كان في العين مائتان وخمسون ونصف الجاني فارغ فيتحول بحساب ذلك إلى الجاني باعتبار جناية الفارغ على المشغول وذلك مائة وخمسة وعشرون ويسقط نصفه بجناية المشغول على المشغول فيجمع في الفاقئ ستمائة وخمسة وعشرون ولا يفتكهما الا جميعا لاتحاد العقد فيهما ولو ان المفقوءة عينه فقأ بعد ذلك عين الفاقئ بقى في الفاقئ الاول ثلثمائة واثنا عشر ونصف لان نصفه فات بفق ء العين وقد كان الدين فيه ستمائة وخمسة وعشرين فبعد فوات النصف انما يبقى فيه نصف
[ 169 ] ذلك وهو ثلثمائة واثنا عشر ونصف ولحق الفاقئ الآخر مائة وستة وخمسون وربع لان الفاقئ الآخر نصفه فارغ باعتباره يتحول نصف ما كان في عين المفقوء إليه بجناية الفارغ على المشغول ويسقط نصفه بجناية المشغول على المشغول والذى كان في العين المفقوءة ثلثمائة واثنا عشر ونصف يسقط ويلحق الفاقئ الآخر نصفه وذلك مائة وستة وخمسون وربع مع المائتين والخمسين التى كانت بقيت فيه ولو كان كل واحد منهما فقأ عين الآخر معا ذهب من الدين ربعه بقى في عنق كل واحد منهما ثلاثة أرباع خمسمائة لان في عيني الفاقئ في كل واحدة منهما نصف الخمسمائة يتحول نصف ذلك من المجني عليه إلى الجاني باعتبار جناية الفارغ على المشغول ويسقط نصفه حصة جناية المشغول على المشغول فانما يسقط مما في كل واحدة منهما ربع خمسمائة ويكون كل واحد منهما مرهونا من الحاصل بثلاثة أرباع خمسمائة وإذا كان الرهن أمتين قيمة كل واحدة منهما ألف درهم فولدت كل واحدة منهما بنتا تساوى الفا والدين الف فقتلت احدى الاثنتين صاحبتها لم يبطل شئ من الدين لان كل واحدة من البنتين مملوكة للراهن غير مضمونة على المرتهن وقد بينا أن اعتبار الجناية لحق المرتهن لا لحق الراهن ولا منفعة للمرتهن في اعتبار هذه الجناية فيجعل كان احداهما هلكت من غير صنع أحد فلا يسقط شئ من الدين فان ماتت أم المقتولة بقيت القاتلة وأمها بستمائة وسبعة وثمانين ونصف الام من ذلك بمائتين وخمسين والبنت بمائتين وخمسين من الرهن الاول وبمائة وسبعة وثمانين ونصف مما لحقها من الجناية لان كل واحدة منهما لما ولدت انقسم ماكان فيها من الدين على قيمتها وعلى قيمة البنت فكان في البنت المقتولة مائتان وخمسون وفى أمها مثل ذلك وفي البنت القاتلة مائتان وخمسون فلما قتلت احدى الاثنتين الاخرى نظرنا إلى مقدار الفارغ من القاتلة وذلك ثلاثة أرباعها لان قيمتها ألف وفيها مائتان وخمسون فتحول مقدار ذلك مما كان في المقتولة إلى القاتلة والذى كان في المقتولة مائتان وخمسون فثلاثة ارباع ذلك مائة وسبعة وثمانون ونصف تحول ذلك إلى القاتلة باعتبار جناية الفارغ على المشغول وربع ذلك كان عاد إلى أم المقتولة لفوات ذلك الجزء من ولدها لا إلى خلف وقد سقط ذلك بموتها مع ما بقي فيها فلهذا افتك القاتلة مع أمها بستمائة وسبعة وثمانين ونصف ولم يعتبر هذا التوزيع قبل موت أم المقتولة لان ذلك غير مفيد فان اعتباره إذا جاء أو ان سقوط شئ من الدين قبل موت أم المقتولة سواء جعلت المقتولة فائتة لا إلى بدل أو القاتلة لم يسقط
[ 170 ] شئ من الدين فلهذا لا يعتبر (قال رضى الله عنه) وفى جواب هذه المسألة بعض اشكال عندي لان الخمسمائة التى في أم المقتولة انما انقسمت عليها وعلى ولدها نصفين بشرط بقاء الولد على تلك القيمة إلى وقت الفكاك ولم يبق فان بعض المقتولة هلك ولم يخلف بدلا وهو ما تلف بجناية المشغول على الفارغ وبجناية الفارغ على الفارغ وبجناية المشغول على المشغول فكيف يستقيم تخريج الجواب على ان المشغول من المقتولة ربعها (قال رضى الله عنه) والذى تخيل لى بعد التأمل في الجواب عن هذا السؤال ان جناية القاتلة على المقتولة فيما جعل هدرا يكون كجناية الراهن لانه انما جعل ذلك هدرا باعتبار جناية ملكه على ملكه ويستقيم أن يجعل فعل المملوك كفعل المالك ولاجله جعل هدرا وفعل الراهن بمنزلة الفكالك فيتم به ذلك الانقسام ولا يبطل * فان قال قائل كما تعتبر جناية الفارغ على المشغول ينبغى أن تعتبر جناية المشغول على الفارغ في أصل الرهن لان المشغول من أصل الرهن مضمون فيكون هذا كجناية المغصوب على وديعة المغصوب منه في يد الغاصب * قلنا الفرق بينهما ظاهر فان ضمان الغصب ضمان العين وهو يوجب الملك في العين إذا تقرر فباعتبار المال المغصوب يكون للغاصب إذا تقرر عليه ضمانه وتبين ان هذه جناية عند الغاصب على ملك المغصوب منه فكان معتبرا فاما ضمان الرهن ضمان الاستيفاء والعين فكحكم الامانة (ألا ترى) أن تقرر هذا الضمان لا يوجب الملك في العين للمرتهن فلا يتبين ان جنايته حصلت على عبد غير مالكه فلهذا لا تعتبر هذه الجناية الا لحق المرتهن من الوجه الذى قررنا وإذا ارتهن عبدين كل واحد منهما بخمسمائة وقيمة كل واحد منهما ألف وارتهن كل واحد منهما بعقد على حدة فقتل أحدهما صاحبه فانه يخير الراهن والمرتهن فان شاء جعلا القاتل مكان المقتول وبطل ما كان في القاتل من الدين وان شاء افديا القاتل بقيمة المقتول والفداء عليهما نصفين فكانت هذه القيمة هنا مكان المقتول وكان القاتل رهنا على حاله لان كل واحد من هذين رهن على حدة معناه أن الصفقة متفرقة والدين مختلف وكل واحد منهما محبوس بغير ما كان الآخر محبوسا به أما إذا كان جنس الدين مختلفا بان كان أحدهما رهنا بخمسمائة والآخر بخمسين دينارا فهو ظاهر وكذلك إذا اتفق جنس المالين (ألا ترى) انه لو ادى ما على أحدهما من الدين كان له أن يفتكه فكان هذا بمنزلة ما لو كان كل واحد منهما مرهونا عند رجل آخر فاعتبار جناية أحدهما على الآخر مفيد في حق المرتهن فوجب اعتباره بمنزلة جناية المرهون على عبد أجنبي أو جناية عبد أجنبي
[ 171 ] على المرهون بخلاف الاول فالعقد هناك صفقة واحدة وكل واحد منهما محبوس بالدين الذي به الآخر محبوس (ألا ترى) انه لو أدى خمسمائة لم يكن له أن يسترد واحدا منهما مثل الدين الذي فيه ان جناية أحدهما على الآخر هل تعتبر فظاهر المذهب أن ذلك معتبر لتفرق العقد من الوجه الذي قررنا. وروى ابن سماعة عن أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهم الله لا تعتبر جناية أحدهما على الآخر إذا كان جنس الدين واحدا لان العبدين لمالك واحد ولا فائدة في اعتبار الجناية في حق المرتهن فان لم تعتبر الجناية سقطت الالف التى في المقتول لفواته لا إلى خلف وان اعتبرت سقطت الالف التى في القاتل لما اقيم مقام المقتول بالدفع بالجناية ولا فائدة للمرتهن بكون الساقط من دينه هذا الالف دون تلك الالف فلهذا لا تعتبر أصلا فاما إذا كان في قيمة كل واحد منهما فضل على الدين فاعتبار الجناية مفيد في حق المرتهن لان الفداء في حصة الامانة على الراهن إذا عرفنا هذا فنقول ان اختار الدفع قام القاتل مقام المقتول وخلا مكان القاتل فيصير هو في معنى الهالك يسقط ما فيه من الدين ويتحول إليه ما كان في المقتول فان اختار الفداء فالفداء بقيمة المقتول ونصف القاتل مضمون فحصة ذلك من الفداء على المرتهن ونصفه أمانة وحصة ذلك من الفداء على الراهن فيغرم كل واحد منهما خمسمائة ثم هذه القيمة قائمة مقام المقتول فيكون بما كان رهنا في المقتول وقد فرغ القاتل من الجناية فيبقى رهنا على حاله ولو كان فقأ أحدهما عين الآخر قيل لهما ادفعاه أو افدياه بارش على الآخر لما قلنا فان دفعاه فقد خلا مكان الجاني فيبطل ما فيه من الدين وهو خمسمائة وان فدياه كان الفداء عليهما نصفين وكان الجاني رهنا على حاله لانه فرغ من الجناية وكان الفداء رهنا مع المفقوءة عينه بالدين الذى كان فيه لان نصفه فات إلى خلف فيبقى الدين الذى فيه تبعا للخلف فان قال المرتهن لا أبقي الجناية وادع الرهن على حاله فله ذلك لان اعتبار هذه الجناية لحق المرتهن فان العبدين كل واحد منهما ملك الراهن فإذا لم يطلب المرتهن حقه لم تعتبر الجناية ويجعل كان العين ذهبت من غير صنع أحد فيسقط نصف ما كان في المفقوءة عينه من الدين والباقى رهن على حاله بما كان فيه من الدين وان طلب المرتهن الجناية فقال الراهن أنا أفديه وقال المرتهن لا أفدى ولكني أختار الدفع فللراهن أن يفدى بارش الجناية كلها لان جناية المملوك تثبت الخيار للمالك بين الدفع والفداء فلا يمكن المرتهن ابطال هذا الخيار على المالك وليس في اختيار الراهن الفداء ضرر على المرتهن فإذا فداه بارش
[ 172 ] الجناية فانه يكون له نصف ذلك غرما على المرتهن في العبد الجاني لان الفداء في النصف الذى هو مضمون على المرتهن والراهن غير متطوع في هذا الفداء لانه يطهر به ملكه عن الجناية فلهذا كان نصف الفداء غرما له على المرتهن في العبد الجاني فيبطل من حقه في العبد الجاني نصفه بطريق المقاصة لان الراهن استوجب عليه مثل ما كان للمرتهن عليه في هذا النصف ويبقى الجاني رهنا بمائتين وخمسين والمفقوءة عينه مع الفداء رهنا بما كان فيه وان أبى الراهن أن يفدى وقال المرتهن أنا أفدى بجميع الارش فدى وكان متطوعا فيه لا يلحق الراهن مما فدى منه شئ لانه تبرع بفداء ملك الغير ولم يكن مجبرا عليه وان كان الراهن غائبا ففداه المرتهن كان على الراهن نصف ذلك الفداء دينا وهو قول أبى حنيفة وفى قولهما يكون متطوعا وأصله في جناية المرهون على الاجنبي وبيانه يأتي في بابه ان شاء الله تعالى. وإذا كان العبد يساوى ألفا وهو رهن بالف فقتل نفسه أو فقأ عين نفسه فليس في ذلك أرش وهذا مثل بلاء نزل به من السماء لان جناية المرء على نفسه هدر حرا كان أو مملوكا وكانه مات أو ذهبت عينه من غير صنع أحد فان كان مرهونا بمثل قيمته سقط بذهاب عينه نصف الدين وان كان بمثل نصف قيمته سقط بذهاب عينه ربع الدين وان كان الرهن أمة تساوى ألفا بالف فولدت بنتا تساوى ألفا فجنت البنت فدفعت بها لم يبطل من الدين شئ لان البنت خلا مكانها بالدفع فكأنها ماتت فان فقأت الام عين البنت فدفعت الام وأخذت البنت فهي رهن بالف كاملة مكان الام لان الام لما دفعت بالجناية صارت كامة أخرى للمدفوع إليه فتعتبر جناية الام عليها لحق المدفوع إليه فلهذا تدفع الام برضا الراهن والمرتهن وتؤخذ النبت كما هو الحكم في الجثة العمياء ثم البنت رهن بجميع الالف مكان الام عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقال محمد يسقط نقصان العينين من الدين وتكون البنت رهنا بما بقى وهكذا الحكم فيما إذا فقأت عين عبد آخر فدفعت وأخذ ذلك العبد فمحمد يقول المجني عليه قائم مقام الجاني حين أخذ بدفع الجاني فكان الامة مرهونة بما فيها وذهبت عيناها فيسقط نقصان العينين من الدين ووجه ظاهر الرواية أن المجني عليه انما قام مقام الجاني على هذه الصفة لان الامة دفعت بفق ء العينين فلا يستند الدفع والاخذ إلى ما قبل الفق ء فتبين ان المأخوذ قام مقام المدفوع على هذه الصفة وان حكم الرهن لم يثبت في عينه فلهذا لا يسقط شئ من الدين بخلاف ما إذا ذهبت عينا الامة المرهونة فان ماتت البنت ماتت بجميع
[ 173 ] الدين لانها قائمة مقام أم المدفوعة وبموتها كان يسقط جميع الدين فلذلك يموت من قام مقامها فان فقأت البنت بعد ذلك عينى الام فدفعت وأخذت الام عمياء فانه ينبغى في القياس أن تكون رهنا بجميع المال لانها قائمة مقام البنت المدفوعة ولكنا ندع القياس ونجعل الرهن على الاول وقد عاد إلى حاله فيذهب من الدين بحساب ما نقص من العينين لان جميع الدين كان في الام التى هي الاصل وعاد إليها المال فسقط اعتبار ما تخلل بين ذلك من الزوائد ويجعل كأنها كانت مرهونة إلى الآن وذهبت عيناها وعلى رواية محمد رحمه الله في القياس يتحول إلى الام ما زاد على نقصان عينى البنت وفى الاستحسان يتوزع ذلك المقدار على ما بقى من الام وعلى نقصان عينها فتسقط حصة نقصان العينين وتكون هي مرهونة بما بقي وإذا استعار رجل من رجلين عبدين قيمة كل واحد منهما ألف فرهنهما بالف ففقأ أحدهما عين الآخر ثم ان المفقوءة عينه فقأ عين الفاقئ فان المستعير يفتك العبدين بتسعمائة وثمانية عشر درهما وثلاثة ارباع درهم وهذه المسألة تشتمل على أحكام ثلاثة حكم بين المستعير والمرتهن فيما يسقط من الدين وما بقى وحكم بين المستعير والمعيرين فيما يرجع كل واحد منهما به عليه وحكم بين المعيرين. أما الذي بين المستعير والمرتهن فيقول رهن العبدين منه بعقد واحد فكأنهما جميعا على ملكه وهى مسألة أول الباب حين فقأ أحدهما عين الآخر سقط من الدين مائة وخمسة وعشرون وتحول إلى االفاقئ مثله باعتبار جناية الفارغ على المشغول فصار الفاقئ مرهونا بستمائة وخمسة وعشرين فلما فقأ الآخر عينه فقد فات نصفه فانما بقى فيه ثلثمائة واثنا عشر ونصف وسقط نصف ثلثمائة واثنا عشر ونصف وهو مائة وستة وخمسون وربع وتحول مثله إلى الفاقئ فكان الساقط من الدين مرة مائة وخمسة وعشرين ومرة مائة وستة وخمسين وربعا وذلك مائتان واحد وثمانون وربع بقى من الالف سبعمائة وثمانية عشر وثلاثة ارباع فيقبلهما بهذا وأما الحكم الذى بين المستعير والمعيرين فهو ان كل واحد منهما يرجع عليه بما صار قاضيا بملك المفقوءة عينه أولا مائة وخمسة وعشرين فيغرم له ذلك المقدار ويملك مولى المفقوءة عينه أخيرا مائة وستة وخمسين وربعا فيغرم له ذلك المقدار وأما الحكم الذى بين المعيرين فانه يجبر مولى العبد الفاقئ أولا بجناية عبده على عبد غيره ويقال له ادفع ثلاثة ارباع عبدك أو افده بثلاثة ارباع أرش عين العبد الآخر لان مقدار الربع من الارش قد وصل إلى مولى المفقوءة عينه أولا من جهة المستعير وهو مائة وخمسة وعشرون فلهذا بقي حكم الجناية في ثلاثة أرباع
[ 174 ] العبد فان دفعه فليس له علي صاحبه شئ لان بالدفع صار مملوكا لمولى المفقوءة عينه أولا فيتبين أنه جنى عبده على عبده وذلك باطل وفيه نوع شبهة فانه انما يدفع ثلاثة أرباعه ويبقى الربع على ملكه وفى ذلك القدر يجعل جناية المفقوءة عينه أولا على ملك مولى الفاقئ فكأنه ذهب وهم محمد رحمه الله إلى أن الدفع في جميع العبد فلهذا قال ليس له على صاحبه شئ ومثل هذا يقع إذا طال التفريغ وان فداه بثلاثة ارباع ارش العين قيل لرب العبد المفقوءة عينه أولا ادفع من عبدك ثلاثة اخماسه وثلاثة أثمان خمسه ونصف ثمن خمسه أو افده بمثل ذلك من أرش العين لان العبد الفاقئ الاول طهر عن الجناية حين فداه مولاه ثم قد جنى عليه العبد المفقوءة عينه أولا فلا بد من اعتبار جنايته إلى أنه قد وصل إليه من جهة المستعير مائة وستة وخمسون وربع وذلك خمس الارش ونصف خمسه ونصف ثمن خمسه لان الارش خمسمائة فخمسمائة ونصف خمسه خمسون وستة وربع نصف ثمنه خمسة لان ثمن المائة اثنا عشر ونصف فنصف ثمها ستة وربع فانما بقي من حقه ثلاثة أخماسه وثلاثة اثمان خمسه ونصف ثمن خمسه فيخير بين الدفع والفداء في هذا المقدار وعلى ذلك يسلم لصاحبه ولا يرجع واحد منهما على صاحبه بشئ وإذا كان الربع أمة تساوى ألفا بالف فولدت ولدا يساوى ألفا ثم جنت الام جناية فدفعت بقي الولد بخمسمائة لان الدين انقسم على قيمة الام وقيمة الولد نصفين بشرط بقاء الولد على هذه القيمة إلى وقت الهلاك وقد بقى فالام لما دفعت بالجناية خلا مكانها فكأنها ماتت فلهذا بقى الولد بخمسمائة فان فقأ الولد عينى الام فدفع بها وأخذت الام عادت إلى حالها الاولى رهنا بالف غير انه يذهب من الالف بحساب ما ذهب من بصرها لان الولد حين دفع فكأنه مات وتبين به بطلان ذلك الانقسام والام حين أخذت عادت رهنا كما كانت بجميع الالف الا أن عينها ذهبت فكأنها ذهبت من غير صنع أحد فسقط حصة ذلك من الالف وإذا كان الرهن أمة بالف تساوى خمسمائة فولدت ولدين كل واحد منهما يساوى ألفا فجنى أحدهما جناية فدفع بها ثم فقأت الام عينه فدفعت الام فأخذ الولد مكانها فهذا الولد الاعمى والصحيح بالالف كلها لان الولد الجاني حين دفع صار كان لم يكن ولم يسقط شئ من الدين باعتباره والتحق هذا بعبد آخر للمدفوع إليه فحين فقأت الام عينه فدفعت واحدا مكانها قام مقامها وقبل جنياتها كانت هي مع الولد الصحيح بالالف فكذلك المأخوذ بها مع الصحيح بجميع الالف فان مات الاعمى ذهب نصف الدين لانه قائم مقام الام ولو ماتت
[ 175 ] الام سقط بموتها نصف الدين فكذلك سقط بموت من قام مقامها فان جنى الولد الجاني على الام فدفع وأخذته الام مكانه عاد الرهن على حاله وذلك من الالف بحساب ما انتقص من الام بالجناية عليها لما بينا أنها كانت مرهونة في الاصل وعادت كما كانت فيجعل ما انتقص منها بالجناية كالثابت من غير صنع أحد فسقط حصة ذلك من الدين استحسانا كما بينا وإذا استعار عبدين من رجلين كل واحد منهما يساوى ألفا فرهنهما بالف فقتل أحدهما صاحبه ففى هذه المسألة أحكام ثلاثة كما بينا أما الحكم فيما بين المستعير والمرتهن فانه يسقط من الدين مائتان وخمسون والقاتل رهن بتسعمائة وخمسين بمنزلة ما لو كانا مملوكين له فقتل احدهما صاحبه وهناك سقط نصف ما كان في المقتول من الدين وتحول نصفه إلى القاتل بجناية الفارغ على المشغول فيفتك القاتل بسبعمائة وخمسين ويغرم لمولى المقتول مائة وخمسين مقدار ما صار قابضا من دينه بملكه يقال لمولى القاتل ادفع ثلاثة ارباع إلى مولى المقتول أو افده بسبعمائة وخمسين لانه قد وصل إليه ربع حقه مائتان وخمسون من جهة المستعير فانما بقى من حقه ثلاثة ارباع ولو لم يقتله ولكن فقأ عينه كانا جميعا رهنا بثمانمائة وخمسة وسبعين وكان الباقي من ذلك ستمائة وخمسة وعشرين لان بذهاب العين فات نصفه وحصة ذلك من الدين مائتان وخمسون سقط نصفه وتحول نصفه إلى الفاقئ بجناية الفارغ على المشغول وقد كان في الفاقئ خمسمائة فلهذا يفتك الفاقئ بستمائة وخمسة وعشرين والمفقوءة عينه بمائتين وخمسين ويرد الراهن على مولى المفقوءة عينه مائة وخمسة وعشرين لانه صار قابضا هذا القدر من دينه بملكه ثم يقال لمولى الفاقئ ادفع ثلاثة ارباع عبدك أو افده بثلاثة ارباع أرش العين لانه قد وصل إلى مولى المفقوءة عينه ربع حقه من جهة الراهن وذلك مائة وخمسة وعشرون ولو كان الرهن أمتين والمسألة بحالها فولدت كل واحدة منهما ولدا يساوى الفا ثم ان احدى الامتين قتلت صاحبتها بطل من الدين اثنان وستون درهما ونصف ولزم القاتلة من الجناية مائة وسبعة وثمانون ونصف لان ما في كل واحدة منهما من الدين انقسم عليها وعلى قيمة ولدها نصفين فحين قتلت احداهما الاخرى ففى المقتولة مائتان وخمسون فالفارغ من القاتلة ثلاثة أرباعها وبقدر الفارغ من القاتلة يتحول الدين من المقتولة إليها وثلاثة ارباع مائتين وخمسين مائة وسبعة وثمانون ونصف كل ربع اثنان وستون ونصف فلهذا سقط اثنان وستون ونصف بجناية المشغول على المشغول وتحول مائة وسبعة وثمانون ونصف إلى القاتلة بجناية الفارغ على
[ 176 ] المشغول فان مات ولد القاتلة بطل عنها من هذه الجناية اثنان وستون ونصف لان ولدها لما مات فقد بطل الانقسام فيما كان فيها وتبين أن نصفها كان مشغولا ونصفها فارغ فانما يتحول من المقتولة إليها بقدر الفارغ وذلك مائة وخمسة وعشرون وسقط ما سوى ذلك وقد كنا أسقطنا اثنين وستين ونصفا فسقط مثل ذلك ليكون الساقط مائة وخمسة وعشرين وان ماتت بنت الجارية المقتولة لزم القاتلة من الجناية مائة وخمسة وعشرون أخرى لانه تبين بطلان انقسام الدين بين المقتولة وولدها حين مات الولد وتبين أن جميع الخمسمائة كان فيها وان نصف ذلك سقط وتحول نصفه إلى القاتلة وذلك مائتان وخمسون فلهذا كانت القاتلة رهنا بسبعمائة وخمسين والولدان لما ماتا فكأنهما لم يكونا أصلا ولو كان الولدان جنيا فافتكهما الراهن رد على مولى المقتولة اثنين وستين ونصفا مقدار ما صار قابضا من دينه بملكه ودفع مولى الامة القاتلة كلها الا نصف ثمنها أو فدى بتسعمائة وسبعة وثلاثين ونصف لان الواصل إلى مولى المقتول اثنان وستون ونصف وذلك نصف ثمن حقه لان حقه في الالف قيمة المقتولة وثمن الالف مائة وخمسة وعشرون فنصف ثمنها اثنان وستون ونصف فلهذا يحط ذلك القدر عن مولى القاتلة ويخير بين الدفع والفداء فيما بقى وإذا رهن أمتين بالف تساوى كل واحدة منهما ألفا فولدت كل واحدة منهما ولدا يساوى ألفا ثم ان أحد الولدين قتل أمه لم يلحقه من الجناية شئ وذهبت الام بمائتين وخمسين كأنها ماتت لان ما كان فيها من الدين انقسم عليها وعلى ولدها نصفين ولكن الولد جزء منها وهو تابع لها في حكم الرهن وقد بينا أن اعتبار الجناية لحق المرتهن بحكم الرهن فيجعل جناية الولد عليها في حكم الرهن كجنايتها على نفسها ولو قتلت نفسها كان ذلك وموتها سواء فكذلك إذا قتلها ولدها فيسقط ما كان فيها من الدين وذلك مائتان وخمسون ولو كانت الام هي التى قتلت ولدها أو فقأت عينه لم يسقط من الدين شئ بمنزلة ما لو مات الولد أو ذهبت عينه من غير صنع أحد ولو لم يكن كذلك ولكن أحد الولدين قتل الولد الآخر كانت أم المقتول وثلاثة أثمان القاتل رهنا بخمسائة وخمسة أثمان القاتل وأمه رهن بخمسمائة وقد ذكرنا المسألة قبل هذه ولكنه أبهم الجواب هناك فقال لا يسقط من الدين شئ وهنا بين التقسيم في القاتل وجه ما ذكرنا هنا ان كل واحد من الولدين تبع لامه فالنصف منه تبع للنصف الفارغ والنصف تبع للنصف المشغول وقد انقسم الدين الذى في كل واحد منهما عليها وعلى ولدها نصفين فثلاثة ارباع القاتل فارغ وربعه مشغول وقد
[ 177 ] جنى هذا الفارغ على ثلاثة ارباع الفارغ من المقتول وربع المشغول وقد بينا أن المعتبر جناية الفارغ على المشغول وذلك نصف ثلاثة ارباع ونصف ثلاثة ارباع يكون ثلاثة اثمان فقام نصف ثلاثة أرباعها مقام الفائت مما كان مشغولا بما كان فيها فلهذا كانت أم المقتولة وثلاثة أثمان القاتل رهنا بالخمسمائة التى كانت في أم المقتولة وخمسة أثمان القاتل وأمه رهنا بخسمائة فان مات القاتل لم ينقص من الدين شئ لانه كان نماء حادثا وقد هلك فصار كان لم يكن وان لم يمت القاتل وماتت أمه ذهب ربع الدين حصة ما كان فيها وقد بينا أن الخمسمائة التى كانت فيها انقسمت عليها وعلى ولدها نصفين والولد باق وانما يذهب بموتها ربع الدين ولو لم تمت أمه وماتت الاخرى ذهب من الدين خمسة أثمان خمسمائة لانه كان فيها أربعة أثمان خمسمائة وفى ولدها مثل ذلك فحين قتل ولدها تحول إلى القاتل ثلاثة أرباع ما كان في المقتول باعتبار جناية الفارغ على المشغول ولم يحول الربع باعتبار جناية المشغول على المشغول فكان ذلك كالهالك من غير صنع أحد فيعود ذلك القدر إلى أمه وقد كان في أمه نصف الخمسمائة وعاد إليها ربع النصف الآخر وذلك خمسة أثمان خمسمائة فيسقط ذلك بموتها ويبقى في عنق القاتل ثلاثة أثمان خمسمائة وذلك مائة وسبعة وثمانون ونصف لان كل ثمن اثنان وستون ونصف مع ما كان في عنقه وهو خمسون ومائتان من دين أمه فيقبلهما الراهن بذلك وقد بينا شبهة هذه المسألة وما فيها من الاشكال فيما سبق وكذلك لو كان الرهن عبدين قيمة كل واحد منهما الف بالف فقتل كل واحد منهما أمة قيمتها قليلة أو كثيرة فدفعت به ثم ولدت كل واحدة منهما ولدا يساوى الام ثم قتلت احدى الامتين ابن الاخرى أو قتل احدى الاثنين صاحبه فهذا كالاول فيما ذكرنا من التخريج لان كل أمة دفعت بعبد هي قائمة مقامه في حكم الرهن فهذا وما لو كان الرهن في الامتين في الابتداء سواء وإذا ارتهن أمة وعبدا بالف درهم يساوى كل واحد منهما الف درهم فولدت الامة ولدا يساوى الفا فهى وولدها بخمسمائة والعبد بخمسمائة لان الولد زيادة فيما كان في أمة خاصة فان جنى ولدها على انسان فدفع به لم يبطل من الرهن شئ لانه خلا مكانه بالدفع فكأنه مات فان فقأ الولد عيني العبد جميعا فأخذ الولد ودفع العبد فالولد بخمسمائة خاصة وأمه بخمسمائة لان الولد لما دفع صار كعبد آخر للمدفوع إليه فإذا فقأ عيني العبد فدفع العبد وأخذ الولد قام الولد مقام العبد وتحول إليه ما كان في العبد من الدين وهو خمسمائة فان قتلت الام الولد أو قتل الولد الام فالقاتل منهما
[ 178 ] بتسعمائة وخمسين بمنزلة مسألة أول الباب إذا كان الرهن عبدين فقتل احدهما صاحبه فان قتل العبد المدفوع هذا القاتل فدفع به كان رهنا بتسعمائة وخمسين لانه قام مقام المقتول الا ان قدر أن نقصان العينين يسقط من ذلك لان العبد كان رهنا في الابتداء وعاد رهنا كما كان وما تخلل من الزوال بطريق الاستحسان يصير كأن لم يكن وكانه ذهبت عيناه من غير صنع أحد فيسقط نقصان العينين بما فيه من الدين ويفتكه بما بقى والله أعلم * (باب جناية الرهن على الراهن والمرتهن) * (قال رحمه الله) وإذا كانت قيمة العبد الف درهم وهو رهن بالف أو أكثر فجني على الراهن جناية خطأ في نفس أو دونها فالجناية باطلة وهو رهن على حاله لانه بعد عقد الرهن باق على ملك الراهن وجناية المملوك على المالك فيما يوجب المال يكون هدرا لانه لو جنى على غيره كان المستحق به ملك المولى وماليته فيه فإذا جنى عليه لا يثبت له الاستحقاق على نفسه بخلاف الجناية الموجبة للقصاص فالمستحق به دمه والمولى من دمه كاجنبي آخر (ألا ترى) أن اقرار المولى عليه بالجناية الموجبة للقصاص باطل وبالجناية الموجبة للمال صحيح واقراره على نفسه بالجناية الموجبة للمال باطل * توضيحه ان الجناية بعد عقد الرهن على المرهون غير معتبرة لحق المالك كما قبل الرهن وانما يعتبر لحق المرتهن فقد قررنا هذا في الباب المتقدم وليس في اعتبار جنايته على الراهن منفعة للمرتهن بل فيه ضرر عليه فكان حق المرتهن في هذه الجناية كانه ليس اعتبار الجناية بالجناية عليه وكذلك لو كانت هذه الجناية على مملوك الراهن أو على متاعه فليس في اعتبارها منفعة للمرتهن ولا يمكن اعتبارها لحق الراهن لان المستحق به ماليته فلا يعتبر اصلا ولو كان جنى على المرتهن في نفس أو فيما دونها جناية خطأ فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله هو هدر أيضا وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله هو معتبر فيخاطبان بالدفع أو الفداء بمنزلة ما لو جنى على أجنبي آخر وجه قولهما أن المرتهن غير مالك للعين والمستحق بالجناية ملك العبد وإذا كان المرتهن منه كاجنبي آخر يعتبر جنايته عليه كما يعتبر على غيره وهذا على أصلهما مستقيم فان عندهما جناية المغصوب على الغاصب معتبرة فكذلك جناية المرهون على المرتهن لان كل واحد منهما ضامن غير مالك ثم في اعتبار هذه الجناية فائدة للمرتهن لانهما إذا اختارا الدفع تملك المرتهن العين أو من يخلفه ان كان قتل وان
[ 179 ] كان سقط حقه في الدين ولكن بضمان الدين ما كان يثبت له ملك العين فربما يكون له في ملك العين غرض صحيح فيستفيد ذلك باعتبار الجناية وربما يكون بقاء الدين مع التزام الفداء أنفع له ففى اثبات الخيار له توفير النظر عليه وقد بينا أن اعتبار الجناية لحق المرتهن صحيح وبه فارق ما لو جنى على مال المرتهن لانه لا منفعة للمرتهن في اعتبار تلك الجناية فانه لا يستحق بها الملك ولكن المستحق بالدين مالية العبد فتباع فيه أو يقضيها المولى وذلك مستحق له بدينه فلا فائدة في اعتبار جنايته على ماله فلهذا لا يعتبر وأبو حنيفة رحمه الله يقول المرتهن في الرهن إذا كانت قيمته مثل الدين بمنزلة المالك في حكم جنايته (ألا ترى) انه لو جنى على غيره كان الفداء على المرتهن بمنزلة ما لو كان مالكا فكذلك في الجناية عليه يجعل كالمالك فلا تعتبر جنايته عليه وهذا لان أصل حق المجني عليه في بدل الفائت وهو الارش الا أن للمولى أن يخلص نفسه من ذلك بدفع العبد ان شاء ولا يمكن اعتبار جنايته على المرتهن في استحقاق أصل البدل لانه لو وجب ذلك كان قراره عليه ولا يجب على نفسه ارش الجناية ولا يمكن اعتبار جنايته لمنفعة ثبوت الملك له في العبد فان ذلك لا يكون الا باختيار الراهن والراهن لا يختار ذلك خصوصا إذا لم يكن عليه من الفداء شئ فصار هذا وجنايته على مال المرتهن سواء (ألا ترى) ان في جانب الراهن سوى بين جناية المغصوب على المغصوب منه أو على الغاصب والمرهون مضمون على المرتهن كما أن المغصوب مضمون على الغاصب فسوى بينهما في جانب الضمان فقال لا تعتبر جناية المرهون على المرتهن كما لا تعتبر جناية المغصوب على الغاصب وفرق بينهما في جانب المالك فقال ضمان الغاصب إذا تقرر وجب الملك فإذا اعتبرنا جنايته على المغصوب منه واستقر الضمان على الغاصب ثبت الملك له من وقت الغصب فتبين أن العبد جني على غير ملكه فلهذا اعتبر فأما ضمان الرهن وان تقرر على المرتهن فلا يوجب الملك له في العين فلا يتبين به ان جنايته كانت على غير مالكه فلهذا كان هدرا فصار الحاصل أن المرهون من حيث انه مضمون المالية كالمغصوب ومن حيث ان عينه أمانة كالوديعة فلاعتبار أنه كالامانة من وجه تجعل جنايته على المالك هدرا ولاعتبار أنه كالمغصوب من وجه تجعل جنايته على الضامن هدرا قال ولو كانت الجناية منه على ابن الراهن أو ابن المرتهن كان كالجناية على الاجنبي يدفع بها أو يفدى بمنزلة جنايته قبل عقد الرهن قال لان ابن الراهن وابن المرتهن في ملك العبد وماليته كأجنبي فجنايته عليهما توجب الدفع أو الفداء وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله انه لا تعتبر جنايته على
[ 180 ] ابن الراهن ولا على ابن المرتهن إذا كان هو المستحق لتركة ابنه لانه لو وجب الارش هنا لوجب له فيكون بمنزلة جنايته على نفسه وكما لا تعتبر جنايته على الراهن والمرتهن لخلوه عن الفائدة فكذلك لا تعتبر جنايته على ابن أحدهما ولو كانت قيمته الفين والدين الفا فجني على الراهن أو على ماله كانت الجناية باطلة لان نصفه مضمون ونصفه أمانة وحين كان الكل مضمونا لم تعتبر جنايته على الراهن وعلى ماله لقيام ملكه هنا أولى ولو جنى على المرتهن في نفسه أو رقيقه قيل للراهن ادفعه أو افده أما على قولهما فغير مشكل وأما على قول أبى حنيفة رحمه الله فجنايته هنا معتبرة في ظاهر الراوية وروى أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله أنه لا يعتبر لان الكل محبوس لحق المرتهن فلا تعتبر جنايته عليه كما في المسألة الاولى ووجه ظاهر الرواية أن النصف منه أمانة هنا ولا بد من اعتبار جنايته على المرتهن في ذلك النصف لانه بمنزلة الوديعة وجناية الوديعة على المودع معتبرة ولو جنى على أجنبي كان الفداء في هذا النصف على الراهن فإذا جنى على المرتهن كان في اعتبار جنايته منفعة للمرتهن فلهذا تعتبر بخلاف الاول وعن زفر رحمه الله قال للمرتهن أن يبطل الرهن ثم يطالب بموجب الجناية لان عقد الرهن ليس بلازم في جانب المرتهن فيمكن من ابطاله وإذا أبطله صار كان لم يكن ولكن ليس هذا بقوي لان النصف منه مضمون وقد صار مستحقا كفعله عند الضامن فكيف يتمكن من ابطال الرهن في ذلك النصف إلا أن يبطل حقه في ذلك النصف فحينئذ يكون لهذا الوجوب معنى ثم التخريج على ظاهر الرواية أن يقال للراهن ادفعه أو افده لان الراهن هو المالك للعبد وانما يخير المالك بين الدفع والفداء في جناية عبده فان دفعه وقبله المرتهن بذلك صار عبدا له وبطل الدين لان ملك الراهن تلف بفعله فهو أسوة العبد في ضمان المرتهن فيكون كالهالك في يده في حكم سقوط الدين كما لو جنى على أجنبي فدفعاه به وان فداه كان على الراهن نصف الفداء حصة الامانة ونصف الفداء على المرتهن حصة المضمون فتسقط حصته لانه لا يستوجب على نفسه دينا ويستوفى من الراهن حصته من الفداء ويكون العبد رهنا على حاله لانه فرغ من الجناية وان قال المرتهن لا أبقى الجناية فهو رهن على حاله لان اعتبار الجناية لحقه فإذا سقط حقه بقى مرهونا عل حاله وإذا أفسد متاعا للمرتهن وقيمته ألفان وهو رهن بالف فان طلب المرتهن أخذه بقيمة المتاع فانه يعرض على الراهن فان شاء قضى عنه نصف ذلك الدين وجعل نصفه على المرتهن فإذا قضى الراهن نصف ذلك الدين فرغ حصة الامانة منه وحصة المضمون فارغة من ذلك لان
[ 181 ] المرتهن لا يستحق على نفسه دينا فيكون رهنا على حاله وان كرهه بيع العبد في ذلك كله لان النصف الذى هو امانة يباع في الدين حين أبى المالك ان يقضى عنه وبعد بيعه لا يمكن ايفاء الرهن في النصف الآخر لاجل الشيوع فالشيوع الطارى في الرهن كالمقارن وفى بيع الكل جملة توفير المنفعة عليهما فلهذا يباع العبد كله ويقضى منه ثمن الدين فان بقى بعد ذلك من الثمن شئ أخذ الراهن نصفه والمرتهن نصفه قل الدين أو كثر لان نصف ما بقي بدل الامانة فيسلم للراهن ونصفه بدل المضمون في الدين فيستوفيه المرتهن قضاء من دينه وما زاد على ذلك من حقه تاو لتلف المالية بفعل باشره العبد في ضمانه وإذا قتل الرهن مولاه أو المرتهن عمدا فعليه القصاص في الوجهين لان المستحق بالعمد دمه وكل واحد منهما في دمه كأجنبي آخر وإذا قتل قصاصا سقط الدين لان ماليته تلفت بسبب باشره في ضمان المرتهن فان كان العبد يساوى الفين والدين ألف فقتل المرتهن عمدا فعفا أحد اثنين فانه يقال للراهن وللذى جنى ادفعا نصف العبد إلى الذى لم يعف أو افدياه بثلاثة أرباع نصف الدية لان بعفو أحدهما انقلب نصيب الآخر مالا وثبت الخيار للمالك بين الدفع والفداء بمنزلة مالو كانت الجناية موجبة للمال في الابتداء والخطاب بالدفع يكون مع المال الا انه لا يتمكن من الدفع الا برضا العافى بماله من الحق فيه باعتبار الرهن على سبيل الخلافة عن المرتهن فلهذا قال يقال لهما ادفعا وانما يدفعان نصف العبد لان حق الذى لم يعف في نصف الجناية وقد بينا في هذه الصورة جنايته على المرتهن فيما دون النفس انهما إذا اختارا الدفع دفع جميع العبد إلى المرتهن فكذلك يدفع إلى أحد ابنيه نصف العبد وبطل نصف الدين بدفع النصف إليه كما لو دفع جميعه إلى المرتهن بطل جميع الدين وهذا لان نصف هذا المدفوع مما كان مضمونا بالدين فسقط نصف الدين باعتبار فواته وكان لهما على الراهن نصف الدين بينهما نصفين لان الرهن قد بطل في النصف الآخر لاجل الشيوع فيرجعان على الراهن بنصف الدين وان اختار الفداء فداه بثلاثة ارباع نصف الدية لان على الراهن ربع الدية حصة الذى لم يعف من النصف الذى هو أمانة وعلى العافى عن الدية حصة نصيبه من المضمون بالدين فيكون جملة ما عليهما ثلاثة أثمان الدية فإذا فدياه بذلك فرغ العبد من الجناية فكان رهنا على حاله بالدين وإذا كان العبد رهنا بين رجلين بالف وهو يساوى ألفين فقتل أحدهما عمدا وله وليان فعفا أحدهما فانه يقال للراهن والمرتهن الباقي وللذى عفا ادفعوا نصف العبد إلى الذى لم يعف لان نصيبه انقلب مالا بعفو
[ 182 ] صاحبه كما في الفصل الاول فان دفعوه بطل الرهن في جميع العبد للشيوع فبطل نصف الدين فكان نصف الراهن بينهم على حاله وان فدوه بسبعة أثمان نصف الدية فعلى الراهن من ذلك أربعة أسهم حصة الامانة مما انقلب مالا من الجناية وعلى المرتهن الباقي سهمان حصة المضمون بدينه من هذا النصف وعلى المولي الذى على حصة المضمون بدينه من هذا النصف وقد سقطت حصة المضمون بدين الذى لم يعف لان ذلك وجب له على نفسه وذلك لا يجوز والله أعلم * (باب جناية الرهن على غير الراهن والمرتهن) * (قال رحمه الله) وإذا كان العبد رهنا بالف وهو يساوى ألفين فقتل رجلا خطأ فان شاء الراهن والمرتهن دفعاه وبطل الرهن وان شا آفدياه بالدية كل واحد منهما بالنصف وكان رهنا على حاله وقد بينا أن المخاطب بالدفع هو المالك لان في الدفع تمليك العين وانما يملكها من هو مالك الا انه لا يملك الدفع هنا بدون رضا المرتهن فربما يكون الفداء أنفع للمرتهن وقد بينا أن حق المرتهن في جناية الرهن مرعي فلهذا قال يخاطبان بالدفع وإذا دفعاه وقد تلف ملك الراهن فيه بسبب كان في ضمان المرتهن فلهذا سقط دينه وهذا بخلاف ما إذا باعه الراهن باذن المرتهن لان هناك يقدم الفكاك على البيع فيصير كان البائع افتكه ثم باعه فلهذا لا يسقط دين المرتهن وهنا لا يقدم الفكاك على الدفع بل يدفع بالجناية وهو مرهون لانه جنى وهو كذلك وانما يستحق دفعه على الصفة التى كانت الجناية منه فيها فلهذا يسقط الدين * يوضحه ان بالبيع يفوت الملك إلى بدل وهو الثمن فيبقى حق المرتهن ببقاء بدل صالح للاشغال لحق المرتهن وفى الدفع بالجناية لا يوجد ذلك وان اختار الفداء فدياه بالدية كل واحد منهما بالنصف لان نصفه مضمون ونصفه أمانة والفداء في المضمون على المرتهن لانه هو الذى ينتفع به وقد أشرفت ماليته على الهلاك وبالفداء يحيا وفيه ابقاء دين المرتهن وكان الفداء في المضمون عليه لهذا وفى النصف الذى هو أمانة على الراهن بمنزلة أجرة الطبيب وثمن الادوية فان فدياه فقد فرغ من الجناية فيكون رهنا على حاله بالدين فان قال أحدهما ادفع وقال الآخر أفدى فليس يستقيم ذلك لانه ان قال المرتهن ادفع فهو غير مالك فلا يمكن أن يملك غيره وان قال الراهن ادفع فهو ممنوع من تمليكه ببدل يتعلق به حق المرتهن بغير رضاه وهو البيع فلان يكون ممنوعا من تمليكه لا ببدل يتعلق به حق
[ 183 ] المرتهن بغير رضاه كان أولى فان دفعه الراهن والمرتهن غائب فللمرتهن إذا قدم ان يبطل دفعه وان يفديه لان في دفعه ضررا على المرتهن وليس في فداء المرتهن ضرر على الراهن وكذلك لو دفعه المرتهن والراهن غائب فالمرتهن غير مالك فكان دفعه باطلا إذا لم يرض به الراهن فان فداه الراهن والمرتهن غائب فهو جائز لانه بالفدء يطهر ملكه عن الجناية وليس فيه ابطال شئ من حق المرتهن فانه إذا حضر فاما أن يساعده على ذلك فيرد عليه نصف ما فداه به أو يأبى ذلك فيكون المرهون هالكا في حقه ويسقط دينه ولا يرجع عليه الراهن بشئ وانما لم يجعل الراهن متبرعا في الفداء لانه قصد به تطهير ملكه عن الجناية وهو محتاج إلى ذلك فلا يكون متبرعا في نصيب المرتهن كالمعير للرهن إذا قضى الدين ثم ان رد عليه المرتهن نصف الفداء بقى مرهونا كما لو فدياه به وان أبى ذلك فقد خرج من الرهن لان المرتهن حين أبى الفداء فقد رضي باتوائه فيجعل في حقه كأنه هلك وما توصل الراهن إليه إلا بمال أعطى بمقابلته ولو فداه المرتهن والراهن غائب فهو جائز أيضا لانه لا ضرر على الراهن في هذا الفداء وهو لا يكون في هذا دون أجنبي آخر الا أن المجني عليه لا يجبر على قبول الفداء من الاجنبي ويجبر على قبوله من المرتهن لانه يقصد به اصلاح رهنه واحياء حقه فيكون هو في ذلك كالمالك ثم على قول أبى حنيفة رحمه الله لا يكون هو متطوعا في نصيب الراهن من الفداء فيرجع على الراهن بنصف ذلك الفداء ولا يكون العبد به رهنا لان هذا بمنزلة الزيادة في الدين فلا يثبت في حكم الرهن بخلاف ما إذا كان الراهن حاضرا ففداه المرتهن فانه يكون متطوعا في نصيب الراهن من الفداء ولا يرجع عليه بشئ منه وروى زفر رحمه الله عن أبى حنيفة رحمه الله على عكس هذا أن الراهن إذا كان حاضرا فالمرتهن لا يكون متطوعا من الفداء وان كان غائبا فهو متطوع في الفداء وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله المرتهن متطوع في الفداء لا يرجع بشئ منه على الراهن حاضرا كان الراهن أو غائبا لان نصف المرهون أمانة في يد المرتهن كالوديعة والمودع إذا فدي الوديعة من الجناية كان متطوعا وهذا لانه تعين التزامه باختياره من غير أن يكون مضطرا إليه ومجبرا عليه ففى النصف الذي هو أمانة ليس للمرتهن ملك العين ولا حق استيفاء الدين من المالية وأبو حنيفة رحمه الله يقول المرتهن أحد من يخاطب بالفداء في هذه الحالة فلا يكون متبرعا فيه كالراهن وهذا لان الراهن انما لم يكن متبرعا لانه قصد بالفداء تطهير ملكه والمرتهن قصد بالفداء احياء حقه لانه يتوصل إلى جنس العين
[ 184 ] واستدامة اليد عليه بحكم الرهن لا بالفداء ثم في ظاهر الرواية قال هذه الحاجة له عند غيبة الراهن فما عند حضرة الراهن فهو متمكن من استطلاع دائنه والمطالبة بالمساعدة معه اما على الفداء أو الدفع وفى حال غيبة الراهن يعجز عن ذلك فيكون محتاجا إلى الفداء فلهذا لم يكن في الفداء متطوعا عند حاجته إليه وهو بمنزلة أحد المشتريين إذا قضى البائع جميع الثمن والآخر غائب لا يكون متطوعا في نصيب صحابه بخلاف ما إذا كان حاضرا وعلى الرواية الاخرى يقول في حال غيبة الراهن لا حاجة له إلى الفداء لان المجني عليه لا يخاطبه بالدفع ولا يتمكن من أخذ العبد منه ما لم يحضر الراهن فكيون متبرعا في الفداء فاما في حال حضرة الراهن فالمجبنى عليه يخاطب بالدفع أو الفداء ولا يتوصل المرتهن إلى استدامة يده الا بالفداء فلا يكون متبرعا فيه كصاحب العلو إذا بنى السفل ثم بني عليه علوه متبرعا في حق صاحب السفل فهذا مثله وإذا كانت الامة رهنا بالف وقيمتها الف فولدت ولدا يساوى الفا ثم جنى الولد على الراهن أو على ملكه فلا شئ في ذلك لان الولد ملك الراهن وهو بمنزلة الامانة في يد المرتهن وجناية الامانة على المالك وعلى ملكه هدر ولو جنى على المرتهن لم يكن بد من أن يدفع أو يفدى لان جناية الاماته على الامين كجنايتها على أجنبي آخر فان دفع لم يبطل من الدين شئ بمنزلة ما لو مات وان اختار الفداء كان على الراهن نصف الفداء لان الولد جزء من أجزاء الام فجنايته على المرتهن كجناية الام وكذلك لو جنى على أجنبي فالفداء عليهما بمنزلة الام وهذا لان الدين انقسم على قيمة الام وقيمة الولد نصفين فنصف الولد مشغول بالدين (ألا ترى) أن الام لو ماتت لم يسقط بهلاكها الا نصف الدين فالفداء في جناية المشغول بالدين يكون على المرتهن وفى جناية الفارغ من الدين على الراهن وإذا كان العبد رهنا بالف وقيمته الالف فاستهلك مالا لرجل فذلك دين في عنقه يباع فيه ويستوفى صاحب المال ماله لان حق المرتهن في الرهن لا يكون أقوى من ملك المالك ثم حق المتلف عليه في ثمنه مقدم على حق المالك فكذلك يكون مقدما على حق المرتهن وإذا استوفى صاحب المال ماله كان ما بقى للمرتهن فان كان ماله قد حل اقتضاه لانه من جنس حقه وان لم يكن كان رهنا مكان الاول لحصته حتى يحل فيأخذه والزيادة على ذلك من حق المرتهن قد سقطت لفوات المالية في ضمانه وان كان الرهن عبدا يساوى ألفا بالف ففقأ عينى عبد يساوى مائة فدفع الرهن وأخذ العبد أعمى فهو رهن بالف يفتك بها شاء الراهن أو أبى لانه قائم مقام العبد المرهون حين دفع
[ 185 ] وأخذ مكانه فكما بقى جميع الدين ببقاء الاول على حاله ويجبر الراهن على الفكاك فكذلك يبقى ببقاء خلفه فان أصابه عيب ينقصه ذهب من الدين بحساب ذلك يعنى ان كان العيب ينقصه الخمس سقط خمس الالف وان كان النصف فنصف الاول وإذا انتقص سعره لم يسقط من الدين شئ بمنزلة الاول لو كان باقيا على حاله وهذا قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله يقوم المأخوذ صحيح العينين ويقوم أعمى فيبطل من الدين فضل ما بينهما ويصير الاعمى رهنا بما بقى لانه قائم مقام الاول ولكنه أعمى فكان الاول على حاله ذهبت عيناه فتسقط حصة العينين من الدين ويكون رهنا بما بقى فان شاء الراهن أخذه وأعطاه ما بقى فيه من الدين وان شاء سلمه للمرتهن بما بقى من الدين للتغير الحاصل في ضمان المرتهن وهو مستقيم على أصل محمد رحمه الله وقد بينا في انكسار القلب ان الراهن يتخير بين أن يسلمه للمرتهن بدينه فيجعله في حكم الهلاك وبين أن يفتكه بقضاء الدين فهذا مثله والله أعلم بالصواب * (باب الجناية على الرهن) * (قال رحمه الله) وإذا كان العبد رهنا بالف وقيمته ألف فصار يساوي ألفين ثم قتله رجل فعليه الفان قيمته يوم قتله فان أدى ألفا فالمرتهن أحق بهذه الالف لان حق المرتهن في مالية الرهن مقدم على حق الراهن وقد كان جميع المالية في الاصل مشغولا لحق المرتهن فالزيادة الحادثة بيع محض لانها لم تكن في أصل الرهن فكل مال اشتمل على اصل وبيع فما يخرج منه يكون من الاصل وما سواه يكون من البيع كمال المضاربة إذا توى بعضه على الغريم كان ما خرج من رأس المال والتاوى من الربح ولو كانت قيمته في الاصل ألفين فانما خرج من قيمته بين الراهن والمرتهن نصفين وما توى بينهما لان النصف مشغول لحق المرتهن والنصف بمنزلة الامانة في يده وحق الراهن فيه أصل فكان بمنزلة العبد المشترك إذا قتل فما يخرج من قيمته يكون بينهما وما يتوى يكون بينهما وان لم يقتل ولكنه فقئت عينه ثم توى فالارش على الفاقئ لانه ذهب نصف الدين في الفصلين لان العين من الآدمى نصفه فان كانت قيمته في الاصل ألفا فبفوات نصفه يذهب نصف الدين وان كانت تساوى ألفين فبفوات العين يفوت منه نصف شائع نصفه من المضمون ونصفه من الامانة فلفوات نصف المضمون يسقط نصف الدين وان كان الرهن أمة تساوى الفا بالف فولدت ولدا يساوي الفا ثم جنت الام جناية فدفعت بها ذهب نصف الدين لان نصف الدين تحول منهما
[ 186 ] إلى ولدها فحين دفعت خلا مكانها فيذهب ما بقى فيها وهو نصف الدين كما لو ماتت وان فديا الام فالفداء عليهما نصفين لانه لما تحول نصف الدين إلى الولد بقى المشغول بالدين من الام نصفها والنصف أمانة فكان الفداء عليهما لهذا فان مات الولد فالفداء الذى أعطى المولي قضاء من الدين والام رهن بما بقى لان الولد حين مات قبل الفكاك صار كأن لم يكن فتبين أن جميع الرهن كان مضمونا بالدين وان الفداء كله كان على المرتهن والراهن لم يكن متطوعا فيما أدى فاستوجب الرجوع به على المرتهن وبيع المقاصة مقدرة بقدره فيصير الراهن قاضيا نصف الدين وتبقى الحادثة رهنا بما بقى من الدين ولو كان الرهن عبدا يساوى ألفا بالف فقتله عبد يساوى مائة فدفع به فهو رهن يفتكه بجميع الدين في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله ان شاء الراهن أخذه وأدى الدين كله وان شاء سلمه للمرتهن بدينه وأما زفر رحمه الله فمر على أصله فان عنده لو كان العبد الاول بحاله وتراجعت قيمته إلى مائة لنقصان السعر فانه يفتكه بمائة ويسقط ما زاد على ذلك من الدين فكذلك إذا كانت قيمة المدفوع مكانه مائة وعندنا بنقصان سعر الرهن لا يسقط شئ من الدين ولا يتخير الراهن فكذلك هنا عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله لان المدفوع قائم مقام المقتول فيفتكه الراهن بجميع الدين وعند محمد رحمه الله يتحول جميع الدين من المقتول إلى المدفوع الا أن للراهن الخيار لتغير العين في ضمان المرتهن بمال منه أوصى به وافتكه بجميع الدين وان شاء سلمه للمرتهن بدينه بخلاف ما إذا انتقص سعر الاول لان العين لم تتغير هناك وهو نظير المبيع في يد البائع إذا انتقص سعره لا يتخير المشترى وإذا قتله عبد ودفع به يخير المشترى وهذا بخلاف ما إذا تراجع سعر الاول إلى مائة ثم قتله حر فغرم قيمته مائة فانه يسقط من الدين تسعمائة ويأخذ المرتهن المائة قضاء من مثلها وزفر رحمه الله يستدل بهذا الفصل ولكنا نقول الدراهم لا تفك والمائة لا يجوز أن يكون بمقابلتها أكثر من مائة فانه لا يتصور استيفاء جميع الدين منها بحال بخلاف العبد المدفوع فانه يجوز أن يكون بمقابلته ألف درهم شراء فكذلك جنسا بالدين ويتوهم استيفاء جميع الدين من ماليته بان تزاد قيمته حتى يشتري بألف حتى ان الحر القاتل لو عزز الدنانير حتى تبلغ قيمة هذه الدنانير الف درهم وان كان المدفوع صحيحا فذهبت عينه ذهب نصف الدين لان المدفوع قائم مقام المقتول ففوات نصفه بذهاب عينه كفوات نصف المقتول بذهاب عينه ولو كانت أمة ففات عتق العبد المرهون فدفعت به فهما جميعا رهن
[ 187 ] بألف لان المدفوع خلف عن الفائت من العين فيتحول إليه ما كان فيها من الدين وان ماتت الامة فكأن العين فاتت من غير صنع أحد وكذلك لو قتل هذا العبد الاعور عبد فدفع به كان رهنا مع الامة أيهما مات فات بخمسمائة وان كانت قيمهما مختلفة لان المدفوع بالاعور قائم مقامه فيتحول إليه ما كان في الاعور من الدين وموته كموت ذلك الاعور فان قتل أحدهما صاحبه كان القاتل رهنا بخمسمائة وان كان فيه فضل لانهما بمنزلة العبد الاول المرهون فان أحدهما مدفوع بعينه والاخر بنفسه وكان الاول فقأ عين نفسه أو قتل نفسه بعد ما فقأت الامة عينه ودفعت به فلهذا سقط بقتل احدهما صاحبه من الدين خمسمائة ويجعل كأنه مات وكذلك لو فقأ أحدهما عين صاحبه ذهب ربع الدين كما لو ذهبت عينه بغير صنع أحد وإذا كان العبد رهنا بألف وقيمته ألف فعليه عبدان يدفعان فهما جميعا رهن بالف فان قتل أحدهما صاحبه كان الباقي رهنا بخمسمائة وان كانت قيمة كل واحد منهما ألفا أو أكثر بمنزلة مالو مات أحدهما لانهما جميعا خلف عن العبد المرهون وكل واحد منهما مدفوع بنصفه وكان الاول أتلف نصفه بان فقأ عين نفسه وكذلك ان مات أحدهما أو جنى فدفع فالباقي رهن بنصف المال ولو كان الرهن عبدين بالف يساوي كل واحد منهما خمسمائة فزاد كل واحد منهما حتى صار يساوي الفا ثم قتل أحدهما صاحبه كان الباقي رهنا بسبعمائة وخمسين على ما يكون له عليه في الزيادة لو كان في الاصل لان عند الجناية نصف كل واحد منهما فارغ ونصفه مشغول وجناية الفارغ على المشغول معتبرة فباعتبارها يتحول نصف ما كان في المقتول إلى القاتل ولو لم يقتل أحدهما صاحبه ولكن قتل كل واحد منهما عبدا فدفع به وقيمة المدفوع به قليلة أو كثيرة ثم قتل أحد المدفوعين صاحبه كان القاتل رهنا بسبعمائة وخمسين لانهما قائمان مقام المقتولين فقتل احدهما صاحبه كقتل أحد المرهونين في الاصل صاحبه وإذا كان الرهن عبدين بألف وقيمة كل واحد منهما الف فقتلهما عبد واحد فدفع بهما ففقأ عين نفسه أو جرح نفسه فانه يذهب بحساب ذلك ولا يكون عليه ارش لانه شخص واحد وان كان قائما مقام المرهونين وجناية المرء على نفسه لا تعتبر بحال فكان هذا وما لو ذهبت عينه من غير صنع أحد سواء فسقط من الدين بحساب ذلك والله أعلم (تم الجزء الحادى والعشرون من مبسوط الامام السرخسى) (ويليه الجزء الثاني والعشرون أوله باب الغصب في الرهن)
[ 188 ]
- (فهرس الجرء الحادى والعشرين من كتاب المبسوط) * * (للامام السرخسى الحنفي رحمه الله) * 2 باب الصلح في الوصايا 9 باب الصلح في الجنايات 25 باب الشهادة في الصلح 26 باب الصلح في الدين 32 باب الخيار في الصلح 35 باب الصلح في الدين 43 باب الصلح في السلم 55 باب الصلح في الغصب 60 باب الصلح في العارية والوديعة 62 باب الحكمين 63 كتاب الرهن 91 باب الابراء والهبة للكفيل 93 باب اقرار أحد الكفيلين بأن المال عليه 96 باب بطلان المال عن الكفيل من غير اداء ولا ابراء 98 باب رهن الوصي والولد 104 باب رهن الحيوان 115 باب رهن الفضة بالفضة والكيل والوزن 125 باب الشهادة في الرهن 134 باب رهن المكاتب والعبد 149 باب رهن أهل الكفر 154 باب رهن المضارب والشريك 163 باب رهن الارضين وغيرها 164 باب رهن الرجلين وارتهانهما 167 باب جناية الرهن بعضه على بعض 178 باب جناية الرهن على الراهن والمرتهن 182 باب جناية الرهن على غير الراهن والمرتهن 185 باب الجناية على الرهن * (تمت) *