مبسوط السرخسي - الجزء الثامن

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

المبسوط السرخسي ج 8

[ 1 ] (الجزء الثامن من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيظا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسي (تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان

[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم (كتاب المكاتب) (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله الكتابة لغة هو الضم والجمع يقول كتب البغلة إذا جمع بين سفريها بحلقة ومنه فعل الكتابة لما فيها من الضم والجمع بين الحروف فسمى العقد الذى يجرى بين المولى وعبده بطريق المعاوضة كتابة إما لانه لا يخلو عن كتبة الوثيقة عادة ولهذا سمى مكاتبة على ميزان المفاعلة لان العبد يكتب لمولاه كما يكتب المولى لعبده ليكون في يد كل واحد منهما ما يتوثق به أو سمى كتابة لان المولى به يضم العبد إلى نفسه في اثبات صفة المالكية له يدا فان موجب هذا العقد ثبوت المالكية للعبد يدا في نفسه وكسبه لان المالكية عبارة عن ضرب قوة وقد ثبتت له هذه القوة بنفس العقد حتي يختص بالتصرف في منافعه ومكاسبه ويذهب للتجارة حيث شاء ولهذا لا يمنعه المولى من الخروج للسفر ولو شرط عليه أن لا يخرج كان الشرط باطلا لان ذلك ثابت له بضرورة هذه المالكية ومقصود المولى من اثبات هذه المالكية له أن يتمكن من أداء المال بالتكسب وربما لا يتمكن منه الا بالخروج من بلدة إلى بلدة وموجب العقد ما يثبت بالعقد المطلق ثم عتقه عند أداء المال لاتمام هذه الماليكة لان العقد معاوضة فيقتضى المساواة بين المتعاقدين وأصل البدل يجب للمولى في ذمته بنفس العقد ولكن لا يتم ملكه الا بالقبض لان الذمة تضعف بسبب الرق فان صلاحية الذمة لوجوب المال فيها من كرامات البشر وذلك ينتقض بالرق كالحل الذى ينبنى عليه ملك النكاح ولهذا لا يثبت الدين في ذمة العبد الا متعلقا بمالكية رقبته وهذا لا يتحقق فيما كان واجبا للمولى لان المالكية حقه فلهذا كان ما يجب له ضعيفا في ذمته فثبت للعبد بمقابلته مالكية ضعيفه أيضا ثم إذا تم الملك المولى بالقبض تتم المالكية للعبد أيضا وتمام المالكية لا يكون الا بالعتق فيعتق لضرورة اتمام المالكية

[ 3 ] ثم جواز هذا العقد ثبت بالنص قال الله تعالى والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم ان علمتهم فيهم خيرا وبظاهر الآية يقول داود ومن تابعه إذا طلب العبد من مولاه أن يكاتبه وقد علم المولى فيه خيرا يجب عليه أن يكاتبه لان الامر يفيد الوجوب وقال بعض مشايخنا الامر قد يكون لبيان الجواز والاباحة كقوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا وقوله ان علمتم فيهم خيرا مذكور على وفاق العادة والعادة ان المولى انما يكاتب عبده إذا علم فيه خيرا ولكن هذا ضعيف فانه إذا حمل على هذا لم يكن مفيدا شيئا وكلام الله تعالى منزه عن هذا ولكن نقول الامر قد يكون للندب والاباحة ثابتة بدون هذا الشرط والندب متعلق بهذا الشرط فانما ندب المولى إلى أن يكاتبه إذا علم فيه خيرا ثم الكتابة قد تكون ببدل منجم مؤجل وقد تكون ببدل حال عندنا بظاهر الآية فالتنجيم والتأجيل زيادة على ما يتلى في القرآن ومثل هذه الزيادة لا يمكن اثباتها بالرأى فعرفنا أنه ليس بشرط بل هو ترفيه والشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز الكتابة الا مؤجلا منجما أقله نجمان قال لان العبد يلتزم الاداء بالعقد والقدرة على التسليم شرط لصحة التزام التسليم بالعقد وهو يخرج من يد مولاه مفلسا فلا يقدر على التسليم الا بالتأجيل والاكتساب في المدة فإذا كان مؤجلا منجما كان ملتزما تسليم ما يقدر على تسليمه فيصح وإذا كان حالا فانما يلتزم تسليم ما لا يقدر على تسليمه فلا يصح العقد توضيحه أن صفة الحلول تفوت ما هو المقصود بالكتابة لانه يثبت للمولى حق المطالبة عقيب العقد والعبد عاجز عن الاداء ويتحقق عجزه بفسخ العقد فيفوت ما هو المقصود وكل وصف يفوت ما هو المقصود بالعقد يجب نفيه عن العقد وذلك لا يكون الا بالتنجيم والتأجيل قال وهذا بخلاف السلم على أصله فان المسلم إليه قبل العقد كان من أهل الملك والعاقل لا يلتزم الا تسليم ما يقدر على تسليمه فعرفنا قدرته على التسليم بهذا الطريق وهنا العبد قبل العقد لم يكن أهلا للملك فيتيقن بعجزه عن التسليم في الحال ولان بعقد السلم يدخل ملك المسلم إليه بدل بقدرته على تسليم المسلم فيه في الحال وهو رأس المال وهنا بالعقد لا يدخل في ملك العبد شئ بقدرته على تسليم البدل في الحال (وحجتنا) في ذلك أن البدل في باب الكتابة معقود به كالثمن في باب البيع والقدرة على تسليم الثمن ليس بشرط لصحة الشراء فالقدرة على تسليم البدل في باب الكتابة مثله وهذا لان العقد انما يرد على المعقود عليه فتشرط القدرة على تسليم المعقود عليه ولهذا لا يجوز البيع الا بعد أن يكون المبيع

[ 4 ] مملوكا للبائع مقدور التسليم له ولهذا شرطنا الاجل في السلم لان المسلم فيه معقود عليه وهو غير مقدور التسليم في الحال لانه غير مملوك للمسلم إليه وقدرته على التسليم لا تتحقق الا بملكه فلا يجوز الا مؤجلا ليثبت قدرته على التسليم بالتحصيل في المدة ولان الكتابة عقد ارفاق فالظاهر ان المولى لا يضيق على المكاتب ولا يطالبه بالاداء ما لم يعلم قدرته عليه الا انه لا يذكر الاجل ليكون منفضلا في تأخير المطالبة منعما عليه كما كان في الاصل العقد وليمتحنه بما تفرس فيه من الخير حتى إذا تبين له خلافه تمكن من فسخ العقد وبه فارق السلم لانه مبنى على الضيق والمماكسة فالظاهر انه لا يؤخر عنه بعد توجه المطالبة له اختيارا فلهذا لا يجوز الا بذكر الاجل ليثبت به قدرته على التسليم ثم يعتق المكاتب بأداء المال سواء قال له إذا أديت إلى فأنت حر أو لم يقل له وللشافعي قول انه لابد من أن يضمر هذا بقلبه ويظهر بلسانه وهذا بعيد لما بينا ان العتق عند الاداء حكم العقد وثبوت الحكم بثبوت السبب والقصد إلى الحكم والتكلم به بعد مباشره العقد ليس بشرط كما في البيع فان اضمار التمليك بالقلب واظهاره باللسان ليس بشرط لثبوته عند مباشرة البيع فهذا مثله وان عجز عن أول نجم منها أو كانت حالة فلم يؤدها حين طالبه بها رد في الرق لتغير شرط العقد وتمكن الخلل في مقصود المولى وقد بينا خلاف أبى يوسف في كتاب العتاق ويستوى ان شرط ذلك في الكتابة أو لم يشرط وحكي ابن أبى ليلى قال هذا إذا شرط عند العقد ان يرده في الرق إذا كسرنجما فان لم يشترط ذلك فما لم يكسر نجمين لا يرد في الرق وهذا فاسد لان تمكن الخلل فيما هو مقصود العاقد يمكنه من الفسخ سواء شرط ذلك في العقد أو لم يشترط كوجود العيب بالمبيع وهذا لان موجب العقد الوفاء بمقتضاه وبدونه ينعدم تمام الرضا وانعدام تمام الرضا في العقد المحتمل للفسخ يمنع ثبوت صفة اللزوم والعاقد في العقد الذى لا يكون لازما متمكن من الفسخ شرط ذلك أو لم يشترط كما في الوكالة والشركة فان كاتبه على ألف منجمة فان عجز عن نجم فمكاتبته الفا درهم لم تجز هذه المكاتبة لان هذا العقد لا يصح الا بتسيمة البدل كالبيع وفى باب البيع لا تصح التسمية بهذه الصفة لكونها مترددة بين الالف والالفين فكذلك في المكاتبة وهذا في معنى صفقتين في صفقة واحدة وقد ورد النهي في ذلك ثم فيه تعليق وجوب بعض البدل بالخطر وهو عجزه عن اداء نجم وهذا شرط فاسد تمكن فيما هو من صلب العقد وهو البدل فيفسد به العقد وقد قررنا هذا الاصل في العتاق وان كاتبه على ألف

[ 5 ] درهم على نفسه وماله وللعبد ألف درهم أو أكثر فهو جائز ولا يدخل بينه وبين عبده ربا قال عليه الصلاة والسلام لاربابين العبد وسيده ثم مقصود المولى الارفاق بعبده واشتراط مال العبد للعبد في الكتابة يحقق هذا المقصود لانه كما لا يتمكن من الكسب الا بمنافعه لا يتمكن من تحصيل الربح الا برأس مال له فلتحقق معني الارفاق صح اشتراط ماله له والربا هو الفضل الخالى عن العوض والمقابلة إذا كان مستحقا بمعاوضة محضة فما يكون بطريق الارفاق كما قررنا لا يكون ربا فان كان في يده مال سيده لم يدخل ذلك في الكتابة لانه شرط له في العقد مالا مضافا إليه واضافة المال إلى المرء اما ان يكون بكونه ملكا له أو لكونه كسباله والعبد ليس من أهل الملك فالاضافة إليه لكونه كسبا له بل يده فيه يد مولاه فهو كسائر الاموال التى في يد المولى وانما يدخل في هذه التسمية كسبه من مال ورقيق وغير ذلك لانه مضاف إليه شرعا قال عليه الصلاة والسلام من باع عبدا وله مال وكذلك ما كان سيده وهبه له أو وهبه له غيره بعلمه أو بغير علمه لان ذلك كله كسبه فانه حصل له بقبوله وعدم علم المولى لا يخرجه من أن يكون كسباله فيدخل ذلك كله في هذه التسمية ثم موجب عقد الكتابة ان يكون هو أحق بكسبه واشتراط ما اكتسبه قبل العقد ليس من جنس ما هو موجب العقد فيكون داخلا في هذا الايجاب فاما مال المولى الذى ليس من كسب العبد ليس بجنس ما هو موجب العقد فلا يستحقه بهذه التسمية وان كاتبه على أن يخدمه شهرا فهو جائز استحسانا وفى القياس لا يجوز لان الخدمة غير معلومة وفيما لا يصح الا بتسمية البدل لابد من أن يكون المسمى معلوما ثم خدمته مستحقة لمولاه بملكه رقبته وانما يجوز عقد الكتابة إذا كان يستحق به المولى ما لم يكن مستحقا له ولكنه استحسن فقال أصل الخدمة معلوم بالعرف ومقداره ببيان المدة وانما تكون الجهالة في الصفة وذلك لا يمنع صحه تسميته في الكتابة كما لو كاتبه على عبد أو ثوب هروى ثم المولى وان كان يستخدمه قبل الكتابة فلم يكن ذلك دينا له في ذمة العبد وبتسميته في العقد يصير واجبا له في ذمته فهو بمنزلة الكسب كان مستحقا لمولاه قبل العقد وانما يؤدى بدل الكتابة من ذلك الكسب ولكن لما كان وجوبه في الذمة بالتسمية في العقد صح العقد بتسميته وكذلك ان كاتبه على أن يحفر له بئرا قد سمى طولها وعرضها وأراه مكانها أو على أن يبني له دارا قد أراه آجرها وجصها وما يبني بها فهو على القياس والاستحسان الذى قلنا وان كاتبه على أن يخدم رجلا

[ 6 ] شهرا فهو جائز في القياس لان المولى انما يشترط الخدمة لنفسه ثم يجعل غيره نائبا في الاستيفاء فهو واشتراطه الاستيفاء بنفسه سواء الا أنه قال هنا يجوز في القياس بخلاف الاول لان خدمته لم تكن مستحقة لذلك الرجل قبل العقد وانما تصير مستحقة بقبوله بالعقد فأما خدمته لمولاه وحفر البئر وبناء الدار كان مستحقا له قبل العقد بملك رقبته وذلك الملك يبقى بعد الكتابة فبهذا الحرف يفرق بينهما في وجه القياس وان كاتبه على ألف درهم يؤديها إلى غريم له فهو جائز لانه شرط المال لنفسه بالعقد ثم أمره بأن يقضى به دينا عليه وجعل الغريم نائبا في قبضه منه وقبض نائبه كقبضه بنفسه وكذلك ان كاتبه على ألف درهم يضمنها لرجل عن سيده فالكتابة والضمان جائزان وهذا ليس بضمان هو تبرع من المكاتب بل هو التزام أداء مال الكتابة إلى من أمره المولى بالاداء إليه ولا فرق في حقه بين أن يلتزم الاداء إلى المولى وبين أن يلتزم الاداء إلى من أمره المولى بالاداء إليه وان ضمن لرجل مالا بغير اذن سيده سوى الكتابة لم يجز لانه انما يضمن المال ليؤديه من كسبه وكسبه لا يحتمل التبرع فكذلك التزامه بطريق التبرع ليؤديه من كسبه لا يجوز وهذا لانه بقى عبدا بعد الكتابة ولا يجب المال في ذمة العبد الا شاغلا لمالية رقبته أو كسبه فإذا كان بطريق التبرع لم يكن شغل كسبه فلا يثبت دينا في ذمته للحال وكذلك ان أذن له المولى في ذلك لان المولى ممنوع من التبرع بكسبه فلا يعتبر اذنه في ذلك وبه فارق القن فانه لو كفل باذن مولاه صح لان المولى مالك للتبرع بمالية رقبته وكسبه فإذا أذا أذن له في هذا الالتزام يثبت المال في ذمته متعلقا بمالية رقبته فكان صحيحا وان ضمن عن السيد لغريم له بمال على أن يؤديه من المكاتبة أو قبل الحوالة به فهو جائز لانه لا يتحقق معنى التبرع في هذا الالتزام فانه مطلوب ببدل الكتابة سواء كان طالبه به المولى أو المضمون له ولان دين الكتابة وجب في ذمته شاغلا لكسبه حتى يؤديه من كسبه فما يلتزم اداؤه من الكتابة فهو متمكن من اداء ذلك من كسبه فلهذا صح هذا الضمان وان كاتبه على مال منجم ثم صالحه على أن يجعل بعضها ويحط عنه ما بقى فهو جائز لانه عبده ومعنى الارفاق فيما يجرى بينهما أظهر من معنى المعاوضة فلا يكون هذا مقابلة الاجل ببعض المال ولكنه أرفاق من المولى بحط بعض البدل وهو مندوب إليه في الشرع ومساهلة من المكاتب في تعجيل ما بقى قبل حل الاجل ليتوصل به الي (إلى) شرف الحرية وهو مندوب إليه في الشرع أيضا بخلاف ما لو جرت

[ 7 ] هذه المعاملة بين حرين لان معنى المعاوضة فيما بينهما يغلب على معنى الارفاق فيكون هذا مبادلة الاجل بالدراهم ومبادلة الاجل بالدراهم ربا وكذلك ان صالحه من الكتابة على شئ بعينه فهو جائز لان دين الكتابة يحتمل الاسقاط بالابراء وقبضه غير مستحق فالاستبدال به صحيح كالثمن في البيع وهذا لان في الاستبدال اسقاط القبض بعوض وإذا جاز اسقاط القبض بما هو ابراء حقيقة وحكما بغير عوض فكذلك بالعوض وان فارقه قبل القبض لم يفسد الصلح لانه افتراق عن عين بدين ألا ترى أنه لو اشترى ذلك الشئ بعينه بما عليه من الكتابة جاز وان لم يقبضه في المجلس وان صالحه على عرض أو غيره مؤجل لم يجز لانه دين بدين ونهى رسول الله عن الكالى بالكالى فان كاتبه على ألف ردهم منجمة على أن يؤدى إليه مع كل نجم ثوبا قد سمى جنسه أو على أن يؤدى مع كل نجم عشرة دراهم فذلك جائز لان ما ضمه إلى المسمى في كل نجم يكون بدلا مشروطا عليه بمنزلة الالف الذى ذكره أولا والثوب الذى هو مسمى الجنس يصلح ان يكون بدلا في الكتابة لانه مبنى على التوسع فكان هذا بمنزلة قوله كاتبتك على كذا وكذا وهو صحيح يتضح فيما ذكر بعده أنه لو قال له على ان تؤدى مع مكاتبتك ألف درهم لانه لا فرق بين ان يقول كاتبتك على ألف درهم مع ألف درهم أو يقول على ألف درهم وألف درهم وإذا ثبت ان جميع ذلك بدل فإذا عجز عن اداء شئ منه بعد حله رد في الرق وان كاتبه على ألف درهم فاداها ثم استحقت من يد المولى فالمكاتب حر لوجود شرط عتقه وهو الاداء والعتق بعد وقوعه لا يحتمل الفسخ فالاداء وان بطل بالاستحقاق بعد الوجود لا يبطل العتق ولان المكاتبة لم تقع على هذه الالف بعينها يريد به أن بدل الكتابة كان في ذمته وما يؤديه عوض عن ذلك فان الديون تقضى بأمثاله لا بأعيانها وبدل المستحق مملوك للمولى بالقبض والمكاتب قابض لما في ذمته فيكون مملوكا له وان كان بدله مستحقا ومن ملك ما في ذمته سقط عنه ذلك فلهذا كان حرا ويرجع عليه السيد بألف مكانها لان قبضه قد انتقض بالاستحقاق فكأنه لم يقبض أو وجد المقبوض زيوفا فرده فلهذا رجع بألف مكانها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب

[ 8 ] (باب مالا يجوز من المكاتبة) (قال) رضى الله عنه وإذا كاتب الرجل عبده على قيمته لم يجز لان عقد الكتابة لا يصح الا بتسمية البدل كعقد البيع والقيمة مجهول الجنس والقدر عند العقد فلم تصح تسميته وهو تفسير العقد الفاسد فان موجب الكتابة الفاسدة القيمة بعد تمامها فإذا أدى إليه القيمة عتق لان العقد انعقد مع الفساد فينعقد موجبا لحكمه والاصل أن العقد الفاسد معتبر بالجائز في الحكم لان صفة الفساد لا تمنع انعقاد أصل العقد بل تدل على انعقاده فان قيام الوصف بالموصوف فان الصفة تبع وبانعدام التبع لا ينعدم الاصل ثم العقود الشرعية لا تنعقد الا مفيدة للحكم في الحال أو في الثاني ولا يمكن تعرف حكم العقد الفاسد من نفسه لان الشرع لم يرد بالاذن فيه فلابد من أن يتعرف حكمه من الجائز ولان الحكم يضاف إلى أصل العقد لا إلى صفة الجواز والذى يتعلق بصفة الجواز لزوم العقد بنفسه وذلك لا يثبت مع الفساد فأما حكم العتق عند أداء البدل مضاف إلى أصل العقد وأصل العقد منعقد وقد وجد أداء البدل لانا ان نظرنا إلى المسمى فهو القيمة وان نظرنا إلى الواجب شرعا عند فاسد العقد فهو القيمة فلهذا يعتق بأداء القيمة وان كاتبه على ثوب لم يسم جنسه لم يجز لان الثياب أجناس مختلفة وما هو مجهول الجنس لا يثبت دينا في الذمة في شئ من المعاوضات كما في النكاح وان أدى إليه ثوبا لم يعتق لانا لم نعلم بأداء المشروط حقيقة فاسم الثوب كما يتناول ما أدى يتناول غيره ولم يوجد أداء بدل الكتابة أيضا حكما لان بدل الكتابة هو القيمة في العقد الفاسد وباداء الثوب لا يصير مؤديا القيمة فلهذا لا يعتق (فان قيل) المسمى ثوب وهذا الاسم حقيقة لما أدى فينبغي أن يعتق وان لم يكن هذا هو البدل حكما كما لو كاتبه على خمر فأدى (قلنا) نعم المسمى ثوب ولكنا نقول الثياب متفاوتة تفاوتا فاحشا فلا وجه لتعيين هذا الثوب مسمى لانه لو تعين لم يكن للمولى أن يرجع عليه بشئ آخر فانه مال متقوم وقد سلم له وفى هذا ضرر عليه فلدفع الضرر عنه لا يتعين هذا مسمى ولان هذا بمنزلة الاسم المشترك وفى المشترك لا يتعين بمطلق الاسم ولا عموم للاسم المشترك فلهذا لا يعتق بأداء الثوب وكذلك لو كاتبه على خمر أو خنزير أو دار بغير عينها لان الدار لا تثبت في الذمة في شئ من العقود ولان اختلاف البلدان والمحال في الدار كاختلاف الاجناس في

[ 9 ] الثياب ولهذا لو وكله بشراء دار له لم يصح التوكيل وان كاتب أمته على ألف درهم على ان يطأها مادامت مكاتبة لم تجز الكتابة وقد بينا هذه المسألة بما فيها من الاختلاف والطعن في كتاب العتاق فان وطئها السيد ثم أدت الكتابة فعليه عقرها لما بينا أن العقد الفاسد معتبر بالجائز في الحكم وفى الكتابة الجائزة يلزمه العقر بالوطئ ويتقرر عليه إذا أدت الكتابة فكذلك في الفاسد وهذا بخلاف البيع الفاسد فان البائع إذا وطئ الجارية المبيعة قبل التسليم ثم سلمها إلى المشترى فاعتقها لم يكن على البائع عقر في الوطئ والفرق بينهما ان الملك للمشترى في البيع الفاسد يحصل عند القبض مقصورا عليه لان السبب ضعيف فلا يفيد الحكم حتى يتقوى بالقبض فلا يتبين بقبض المشترى أن وطئ البائع كان في غير ملكه بل كان وطؤه في ملكه فلا يلزمه العقر ولهذا لو وطئها غير البائع قبل التسليم بشبهة كان العقر للبائع ولو اكتسب كسبا كان ذلك للبائع بخلاف الكتابة فانها إذا تمت بأداء البدل يثبت الاستحقاق لها من وقت العقد حتى لو وطثت بشبهة كان العقر لها ولو اكتسبت كانت الاكتسابات كلها لها فلهذا يجب العقر على المولى بوطئها وحقيقة المعنى في الفرق أن موجب الكتابة اثبات المالكية لها في اليد والمكاسب وذلك في حكم المسلم إليها بنفس العقد لما لها من اليد في نفسها الا أن المولى كان متمكنا من الفسخ والاسترداد لفساد السبب فإذا زال ذلك بالعتق تقرر الاستحقاق لها بأصل العقد ووزانه (ووزنه) المبيع بعد قبض المشترى فانه يكون مملوكا له ويتمكن البائع من فسخ العقد لفساد السبب فإذا زال ذلك بالاعتاق تقرر الملك له من وقت القبض وإذا كاتب عبده مكاتبة فاسدة ثم مات المولى فأدى المكاتبة إلى الورثة عتق استحسانا وفى القياس لا يعتق لان العقد الفاسد لكونه ضعيفا في نفسه لا يمنع ملك الوارث ومن ضرورة انتقاله إلى الوارث بطلان ذلك العقد ولو عتق بالاداء انما يعتق من جهة الوارث والوارث لم يكاتبه ولكنه استحسن فقال ما هو المعقود عليه مسلم إلى العبد بنفس العقد فيموت المولى لا يبطل حقه وان تمكن الوارث من ابطاله لفساد السبب كالمبيع في البيع الفاسد بعد التسليم فان البائع إذا مات لا يملكه وارثه ولا يبطل ملك المشترى فيه وان كان الوارث يتمكن من استرداده وتملكه لفساد السبب حتى لو أعتقه المشترى نفذ عتقه فكذلك هنا بعد الموت يبقى العقد ما لم يفسخ الوارث وإذا بقى العقد كان أداء البدل إلى الوارث القائم مقام المورث كأدائه إلى

[ 10 ] المورث في حياته فلهذا يعتق به وان كاتب أمته مكاتبة فاسدة فولدت ولدا ثم أدت المكاتبة عتق ولدها معها اعتبارا للعقد الفاسد بالجائز في الحكم لما بينا أن الاستحقاق إذا تم لها بالاداء فانه يحكم بثبوته من وقت العقد كما في استحقاق الكسب وان ماتت قبل أن تؤدى فليس على ولدها أن يسعى في شئ لانه انما يلزمه السعاية فيما كان واجبا على أمه ومع فساد العقد لم يكن عليها شئ من المال فكذلك لا يكون على ولدها فان استسعاه في مكاتبة الام فأداه لم يعتق في القياس لان العقد فاسد والاستحقاق به ضعيف والحق الضعيف في الام لا يسرى إلى الولد وفى الاستحسان يعتق هو وأمه مستندا إلى حال حياتها اعتبارا للعقد الفاسد بالجائز في الحكم ولان الولد جزء منها وكان أداؤه في حياة الام كادائها فكذلك بعد موت الام أداؤه كأدائها وان كاتبها على ألف درهم على أن كل ولد تلده فهو للسيد أو على أن تخدمه بعد العتق فالكتابة فاسدة لان هذا الشرط مخالف لموجب العقد وهو متمكن في صلب العقد فيفسد به العقد ولانها بالكتابة تصير أحق بأولادها واكسابها ولو شرط عليها مع الالف شيئا مجهولا من كسبها لم تصح الكتابة فكذلك إذا شرط مع الالف ما تلده لنفسه لان ذلك مجهول ثم ان أدت مكاتبتها تعتق وفيه طعن بشر وقد بيناه في كتاب العتاق وان كاتبها على ألف درهم إلى العطاء أو الدياس أو إلى الحصاد أو إلى نحو ذلك مما لا يعرف من الاجل جاز ذلك استحسانا وفي القياس لا يجوز لان عقد الكتابة لا يصح الا بتسمية البدل كالبيع وهذه الآجال المجهولة إذا شرطت في أصل البيع فسد بها العقد فكذلك الكتابة ولكنه استحسن فقال الكتابة فيما يرجع إلى البدل بمنزلة العقود المبنية على التوسع في البدل كالنكاح والخلع ومثل هذه الجهالة في الاجل لا يمنع صحة التسمية في الصداق فكذلك في الكتابة وهذا لان الجهالة المستدركة في الاجل نظير الجهالة المستدركة في البدل وهو جهالة الصفة بعد تسمية الجنس فكما لا يمنع ذلك صحة التسمية في الكتابة فكذلك هذا فان تأخر العطاء فانه يحل المال إذا جاء أجل العطاء في مثل ذلك الوقت الذى يخرج فيه لان المقصود وقت العطاء لا عينه فان الآجال تقدر بالاوقات ولها أن تعجل المال وتعتق لان الاجل حقها فيسقط باسقاطها ولها في هذا التعجيل منفعة أيضا وهو وصولها إلى شرف الحرية في الحال ولو كاتبها على ميتة فولدت ولدا ثم أعتق السيد الام لم يعتق ولدها معها لان أصل العقد لم يكن منعقدا فان الكتابة لا تنعقد الا بتسمية

[ 11 ] مال متقوم والميتة ليست بمال متقوم ألا ترى أن البيع به لا ينعقد حتى لا يملك المشترى المبيع بالقبض فكذلك الكتابة وإذا لغى العقد يبقى اعتاق الام بعد انفصال الولد عنها فلا يوجب ذلك عتق ولدها بخلاف ما إذا كاتبها على ألف درهم مكاتبة فاسدة فولدت ولدا ثم أعتق السيد الام عتق ولدها معها لان العقد هناك منعقد مع الفساد فثبت حكمه في الولد اعتبارا للفاسد بالجائز ثم عتق الام باعتاق السيد اياها بمنزلة عتقها بأداء البدل فيعتق ولدها معها وان كاتبها على ألف درهم وهى قيمتها على أنها إذا أدت فعتقت فعليها ألف أخرى جاز على ما قال لانه جعل بدل الكتابة عليها ألفى درهم الا أنه علق عتقها بأداء الالف من الالفين وذلك صحيح فإذا أدت الالف عتقت وعليها الاف الاخرى كما كان الشرط بينهما إذ لا يبعد ان تكون مطالبة ببدل الكتابة بعد عتقها كما لو استحق البدل بعد ما أدت إلى المولى تبقى مطالبة ببدل الكتابة وقد عتقت بالاداء وان كاتبها على حكمه أو حكمها لم تجز المكاتبة لانه ما سمى في العقد مالا متقوما فحكمه قد يكون بغير المال كما يكون بالمال فإذا أدت قيمتها لم تعتق لان أصل العقد لم يكن منعقدا باعتبار أنه لم يسم فيه مالا متقوما فهذا والكتابة على الميتة سواء وان كاتبها على عبد بعينه لرجل لم يجز وكذلك ما عينه من مال غيره من مكيل أو موزون وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه يجوز حتى أنه ان ملك ذلك العين فأداه إلى المولى عتق أو عجز عن ادائه رد في الرق لان المسمى مال متقوم وقدرته على التسليم بما يحدث له من ملك فيه موهوم فتصح التسمية كما في الصداق إذ سمى عبد غيره فتصح التسمية بهذا الطريق فاما في ظاهر الرواية يقول بأن العتق في عقد المعاوضة يكون معقودا عليه وقدرة العاقد على تسليم المعقود عليه شرط لصحة العقد في العقود التى تحتمل الفسخ وملك الغير ليس بمقدور التسليم للعبد فلا تصح تسميته بخلاف النكاح فشرط صحة التسمية هناك ان يكون المسمى مالا متقوما لا ان يكون مقدور التسليم لان القدرة على التسليم فيما هو المقصود بالنكاح ليس بشرط لصحة العقد ففيما ليس بمقصود أولى ثم روى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى انه ان ملك ذلك العين فأدى لم يعتق الا ان يكون المولى قال له إذا أديت إلي فأنت حر فحينئذ يعتق بحكم التعليق وذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله تعالى ان قول زفر رحمه الله تعالى كذلك وهو رواية الحسن بن أبي مالك عن أبى يوسف رحمه الله تعالى وروى أصحاب الاملاء عن أبى

[ 12 ] يوسف رحمه الله تعالى انه قال يعتق بالاداء قال له المولى ذلك أو لم يقل لان العقد منعقد مع الفساد لكون المسمى مالا متقوما وقد وجد الاداء فيعتق كما لو كاتبه على خمر فأدى ووجه قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان ملك الغير لم يصر بدلا في هذا العقد بتسميته لانه غير مقدور التسليم له إذا لم يسم شيئا اخر معه فلم ينعقد العقد أصلا فانما يكون العتق باعتبار التعليق بالشرط فإذا لم يصرح بالتعليق قلنا بأنه لا يعتق كما لو كاتبه على ثوب أو على ميتة وان قال كاتبتك على هذه الالف درهم وهى لغيرها جازت المكاتبة لان النقود لا تتعين في عقود المعاوضات فانما ينعقد العقد بألف هي دين في ذمتها ألا ترى ان تلك الالف لو كانت من كسبها لم تجبر على ادائها بعينها وإذا أدت غيرها عتقت وكذلك ان قالت كاتبني على ألف درهم على ان أعطيها من مال فلان فالعقد جائز وهذا الشرط لغو لان الالف تجب في ذمتها فالتدبير في أداء ما في ذمتها إليها وإذا كاتبها واشترط فيها الخيار لنفسه أو لهما جاز ذلك لان عقد الكتابة يتعلق به اللزوم ويحتمل الفسخ بعد انعقاده ويعتمد تمام الرضا فيكون كالبيع في حكم شرط الخيار لهما أو لاحدهما لان اشتراط الخيار للفسخ بعد الانعقاد ينعدم به تمام الرضا باللزوم فان ولدت ولدا ثم أسقط صاحب الخيار خياره فالولد مكاتب معها لان لزوم العقد عند اسقاط الخيار يثبت من وقت العقد الا ترى ان في البيع تسلم الزوائد المنفصلة والمتصلة للمشترى إذا تم العقد بالاجازة فكذلك في الكتابة وان مات المولى قبل اسقاط الخيار والخيار له أو ماتت الامة والخيار لها فالخيار يسقط بموت من له كما في البيع ويسعى الولد فيما عليها لانه مولود في كتابتها وان أعتق المولى نصفها قبل ان يسقط خياره فهذا منه فسخ الكتابة كما لو أعتق جميعها وإذا انفسخت الكتابة فعليها السعاية في نصف قيمتها في قول أبى حنيفة وكذلك لو أعتق السيد ولدها كان هذا فسخا للكتابة لان الولد جزء منها وهو داخل في كتابتها فاعتاقه الولد كاعتاق بعضها وان كان الخيار لها فالولد يعتق باعتاق المولى ولا يسقط عنها به شئ من البدل لان الولد تبع لا يقابله شئ من البدل ولهذا لو مات لا يسقط عنها شئ من البدل وان كاتبها على ألف درهم تؤديها إليه نجوما واشترط أنها ان عجزت عن نجم فعليها مائة درهم سوى النجم فالكتابة فاسدة لتعلق بعض البدل بشرط فيه خطر وقد تقدم نظير هذا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب

[ 13 ] (باب مكاتبة العبدين (قال) رضى الله عنه وإذا كاتب الرجل عبدين له مكاتبة واحدة على ألف درهم وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه على أنهما ان أديا عتقا وان عجزا ردا في الرق فهو جائز استحسانا وقد بيناه في العتاق فان أدى أحدهما جميع الالف عتقا لوصول جميع المال إلى المولى ولان أداء أحدهما كأدائهما فان كل واحد منهما مطالب بجميع المال وهما كشخص واحد في حكم الاداء حتى ليس للمولى أن يأبى قبول المال من احدهما ثم يرجع المؤدى على صاحبه بحصته حتى إذا كانت قيمتها سواء رجع بنصفه لانه تحمل عنه بأمره وكذلك لو أدى احدهما شيئا رجع على صاحبه بنصفه قل ذلك أو كثر اعتبارا للبعض بالكل بخلاف مال على حرين وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه فان أدى أحدهما هناك النصف بكون عن نفسه خاصة لانه في النصف أصيل والمال على الاصيل أقوى منه على الكفيل وصرف المؤدى إلى الاقوى ممكن لانه يجوز الحكم ببراءة ذمة أحدهما عن نصيبه قبل براءة الآخر وهنا لا يمكن جعل المؤدى من نصيب المؤدى خاصة لانه إذا جعل كذلك برئت ذمته عما عليه من البدل فيعتق والحكم بعتق أحدهما قبل وصول جميع المال إلى المولى متعذر فلهذا جعلنا المؤدى عنهما فيرجع على صاحبه بنصفه وللسيد أن يأخذ أيهما شاء بجميع المال لان كل واحد منهما التزم جميع المال على أن يكون أصيلا في النصف كفيلا في النصف وان مات أحدهما لم يسقط عن الحى شئ منها لانه مات عن كفيل فيبقى عقد الكتابة في حق الميت ببقاء كفيله ولان الحى منهما محتاج إلى تحصيل العتق لنفسه ولا يتوصل إلى ذلك الا بأداء جميع المال فلحاجته بقى مطالبا بجميع المال وان أدى يحكم بعتقهما جميعا وان أعتق المولى أحدهما تسقط حصته لوقوع الاستغناء له باعتاق المولى اياه ولان المولى باعتاقه اياه يصير مبرئا له عن حصته من بدل الكتابة وابراء الاصيل إبراء الكفيل أو يجعل اعتاقه كقبض حصته من البدل منه بطريق انه أتلفه بتصرفه فلهذا يعتق الآخر بأداء حصته من البدل ولو كانتا أمتين فولدت احداهما وأعتق السيد ولدها لم يسقط شئ من المال عنهما لان الولد تبع لا يقابله شئ من البدل والمولى باعتاقه لا يكون مبرئا ولا يكون قابضا لشئ من بدل الكتابة والمسألة على ثلاثة أوجه أحدهما ما بينا والثانى

[ 14 ] أن يكاتبهما على ألف درهم مكاتبة واحدة ولم يزد على هذا وفي هذا إذا أدى أحدهما حصته من المال يعتق لان المولى حين أوجب العقد لهما ببدل واحد فقد شرط على كل واحد منهما حصته من المال وكذلك هما بالقبول انما يلتزم كل واحد منهما حصته فلا يكون للمولى أن يطالب كل واحد منهما الا بقدر حصته وبالاداء برئت ذمته فيحكم بحريته والثالث أن يقول المولى إذا أديا عتقا وان عجز ردا في الرق ولا يذكر كفالة كل واحد منهما عن صاحبه فعند زفر رحمه الله تعالى جواب هذا الفصل كجواب الثاني يعتق أحدهما بأداء حصته لان كل واحد منهما لم يلتزم بالقبول الا حصته ألا ترى أنه ليس للمولى أن يطالب أحدهما بجميع المال وان احدهما إذا أدى جميع المال لم يرجع على صاحبه بشئ بخلاف ما إذا شرط كفالة كل واحد منهما عن صاحبه ولكنا نقول لا يعتق واحد منهما ما لم يصل جميع المال إلى المولى لان ما شرط المولى في العقد يجب مراعاته إذا كان صحيحا شرعا وقد شرط العتق عند أدائهما جميع المال نصا فلو عتق احداهما بأداء حصته كان مخالفا لشرطه ولان كلام العاقل محمول على الفائدة ما أمكن ولو عتق احدهما بأداء حصته لم يبق لقول المولى ان أديا عتقا وان عجزا ردا فائدة وما استدل به زفر رحمه الله تعالى ممنوع فان عندنا هذا كالفصل الاول في جميع الاحكام فلهذا قلنا ما لم يصل جميع المال إلى المولى لا يعتق واحد منهما رجل كاتب عبدا له على نفسه وعلى عبد له غائب بألف درهم جاز ذلك استحسانا وفى القياس الحاضر منهما يصير مكاتبا بحصته من الالف إذا قسم على قيمته وقيمة الغائب لانه لا ولاية للحاضر على الغائب في قبول العقد في حقه فانما يصح قبوله في حق نفسه فلا يلزمه الا حصته من البدل والدليل عليه أنه ليس للمولى ان يطالب الغائب بشئ من البدل فعرفا ان حكم الكتابة لم يثبت في حقه وانما يثبت في حق الحاضر خاصة وجميع البدل ليس بمقابلته فلا يلزمه الا حصته من البدل وجه الاستحسان أن المولى شرط للعتق وصول جميع المال إليه فلا يحصل هذا المقصود إذا أوجبنا على الحاضر حصته فقط ولكن اما ان يجعل كانه كاتب الحاضر على الالف وعلق عتق الغائب بأدائه وهذا التعليق ينفرد به المولى أو يجعل العقد كأنه بقبول الحاضر منعقدا فيما لا يضر بالغائب لان تأثير انعدام الولاية للحاضر على الغائب في دفع الضرر عنه لا في منع أصل العقد فان انعقاد العقد بكلام المتعاقدين وهو مملوك لهما ولهذا جعلنا البيع الموقوف سببا تاما قبل اجازة المالك ولكن لا يثبت به ما يضر بالمالك وهو

[ 15 ] ازالة ملكه فكذلك هنا لا ضرر على الغائب في انعقاد العقد في حقه ولا في عتقه عند اداء الحاضر انما الضرر في وجوب البدل عليه فلا يثبت هذا الحكم بقبول الحاضر وهذا هو الاصح فان أدى الحاضر المال عتقا لانعقاد العقد في حقهما ووصول جميع البدل إلى المولى سواء قال في الكتابة إذا أديت فانتما حران أو لم يقل ولا يرجع على الغائب بشئ لانه لم يجب في ذمته شئ من البدل ولو كان واجبا وأدى هذا بغير أمره لم يرجع عليه فإذا لم يكن واجبا فأولى وان مات الغائب لم يرفع عن الحاضر شئ منه لانه ما كان على الغائب شئ من البدل ولان العقد بقى في حق الغائب بعد موته ببقاء من يؤدى بدل الكتابة عنه وان مات الحاضر فليس للمولى أن يطالب الغائب بشئ من البدل لانه لم يلتزم له شيئا ولهذا كان لا يطالبه بشئ في حياة الحاضر فكذلك بعد موته ولكن ان قال الغائب انا أؤدى جميع المكاتبة وجاء بها وقال المولى لا أقبلها ففى القياس للمولى أن لا يقبل لانه متبرع غير مطالب بشئ من البدل فيسقط بموت من عليه حين لم يترك وفاء وانفسخ العقد فبقى الغائب عبدا قنا للمولى وكسبه له فيكون له أن لا يقبل المؤدى منه بجهة الكتابة ولكنه استحسن فقال ليس للمولى أن لا يقبل منه ويعتقان جميعا بأداء هذا الغائب لان حكم العقد ثبت في حق الغائب فيما لا يضر به وذلك بمنزلة البيع بحكم العقد في حق الحاضر فيكون الحاضر مع الغائب هنا بمنزلة مكاتب اشترى ولده ثم مات وقد بينا أن الولد هناك لا يطالب بالبدل ولكن ان جاء به حالا فأدى عتقا جميعا فهذا مثله والمعنى ان الحاضر مات عمن يؤدى البدل ويختار ذلك لتحصيل الحرية لنفسه وهو الغائب فتبقى الكتابة ببقائه بهذه الصفة حتى إذا اختار الاداء يكون أداؤه كاداء الحاضر ولكن لا يثبت الاجل في حقه لان الاجل ينبنى على وجوب المال فانه تأخير للمطالبة ولا وجوب على الغائب وإذا كانا حيين فأراد المولى بيع الغائب لم يكن له ذلك في الاستحسان لما بينا أن بقبول الحاضر تم السبب في حق الغائب فيما لا يضره وامتناع بيعه على المولى لا يضره فيجعل قبول الحاضر عنه في هذا الحكم كقبوله بنفسه وبهذا تبين أن الاصح هذا الطريق دون طريق تعليق عتقه بأداء الحاضر لان مجرد تعليق العتق بالشرط لا يمنع بيع المولى فيه قبل وجود الشرط رجل قال لعبده قد كاتبت عبدى فلانا الغائب على كذا على أن تؤديها عنه فرضي بذلك الحاضر فهذا لا يجوز لان الحاضر هنا مملوك قن لم يدخله المولى في الكتابة والمولى لا يستوجب على عبده دينا وقد بينا أن بقبول الحاضر لا يمكن ايجاب المال في ذمة الغائب

[ 16 ] وجواز عقد الكتابة لا ينفك عن وجوب البدل وإذا لم يجب البدل هنا على أحد لم يجز العقد بخلاف الاول فقد وجب المال هناك على الحاضر لما صار مكاتبا ولكن ان أدى الحاضر هنا المال إلى المولى عتق الغائب استحسانا وفى القياس لا يعتق لان العقد صار لغوا حين لم يتعلق به وجوب البدل على أحد وجه الاستحسان أن هذا التصرف من المولى إما أن يجعل كتعليقه عتق الغائب بأداء الحاضر وهو ينفرد بهذا التعليق أو يجعل العبد بمباشرة المولى وقبول الحاضر منعقدا في حق الغائب فيما لا يضر به وعتقه عند أداء الحاضر ينفعه ولا يضره فيثبت حكم العقد في حقه بمباشرتهما لان المولى يستبد بالتصرف الموجب لعتق العبد لا في الزام المال في ذمته والاداء يتحقق بدون تقدم الوجوب كما يتحقق ممن ليس بواجب عليه وهو المتبرع وان كاتب الحر على عبد لرجل على أن ضمن عنه المكاتبة لم يجز لانه لم يجب البدل بقبول الحر على العبد ولا يمكن ايجاب بدل الكتابة على الحر ابتداء بقبوله ولان الحر لا يضمن عنه ما لم يجب عليه ولو ضمن عنه لسيده ما كان واجبا عليه من بدل الكتابة لم يجز فإذا ضمن ما لم يجب عليه أولى وكذلك ان كان هذا العبد ابنا لهذا الحر وهو صغير أو كبير لانه لا ولاية للحر على ولده المملوك في الزام المال عليه فهو كالاجنبي في ذلك وكذلك عبد وابن له صغير لرجل واحد كاتب الاب على ابنه لم يجز لان الاب لما لم يدخل في الكتابة لم يلزمه البدل وليس له ولاية على الابن في الزام البدل اياه لكونه مملوكا الا أنه ان أدى الاب عنه في الوجهين يعتق استحسانا لما بينا رجلان لكل واحد منهما عبد فكاتباهما معا على ألف درهم كتابة واحدة ان أديا عتقا وان عجزا ردا في الرق قال يكون كل واحد منهما مكاتبا بحصته لصاحبه حتى إذا أدى حصته من البدل إلى مولاه يعتق لان كل واحد منهما انما يستوجب البدل على مملوكه ويعبتر شرطه في حق مملوكه لا في حق مملوك الغير فانما وجب لكل واحد منهما على مملوكه بقبوله حصته من الالف فإذا أدى فقد برئت ذمته من بدل الكتابة فيعتق بخلاف ما إذا كانا لشخص واحد لان شرط المولى في حقهما معتبر وقد شرط انهما لا يعتقان الا بوصول جميع المال إليه فلهذا لا يعتق واحد منهما هناك بأداء حصته ولو كاتب عبدا له صغيرا يعقل ويعبر عن نفسه جاز لانه من أهل العبارة وقول معتبر عند اذن المولى ألا ترى أنه لو أذن له في التجارة نفذ تصرفه فكذلك إذا أوجب له الكتابة وإذا أذن له في القبول فيعتبر قبوله لان فيه منفعة له وان كان

[ 17 ] صغيرا لا يعقل فلا معتبر بقبوله والكتابة لا تنعقد بمجرد الايجاب بدون القبول حر كاتب على عبد لرجل فأدى إليه المكاتبة يعتق ولا يرجع الحر بالمال على العبد ولا على المولى أما على العبد فلانه لم يلتزم شيئا من المال ولا أمر الحر بالاداء عنه وأما على المولى ففى القياس له أن يسترد المال لانه رشاه حيث أعتق عبده فيثبت له حق الرجوع عليه كما لو قال له أعتق عبدك بألف درهم وأعطاها اياه فأعتقه كان له أن يرجع فيما أعطاه ويضمنه ان كان قد استهلكه فكذلك فيما سبق توضيحه أن المال لو كان واجبا على العبد فضمنه عنه الحر للسيد وأدى كان له أن يرجع عليه فيسترد منه ما أدى إليه فإذا لم يجب المال على العبد أولى ولكنه استحسن وقال انه تبرع بأداء المال عنه ولو كان العبد قبل الكتابة ثم أدى حر عنه على سبيل التبرع لم يرجع بالمؤدى على المولى فكذلك الحر إذا كان هو القابل للعقد لان قبوله كقبول العبد فيما لا يضر به ولانه لو رجع صار المولى مغرورا من جهته بقبوله وأدائه ودفع الضرر والغرور واجب فلهذا جعلناه متبرعا بأداء بدل الكتابة فلا يرجع به على أحد رجل كاتب عبدين له كتابة واحدة ان أديا عتقا وان عجزا ردا ثم عجز أحدهما فرده المولى في الرق أو قدمه إلى القاضي فرده وهو لا يعلم بمكاتبة المولى الآخر معه ثم أدى الآخر جميع المكاتبة فانهما يعتقان جميعا لانهما كشخص واحد ألا ترى أنهما لا يعتقان الا بأداء جميع المال معا وكما جعلا في حق العتق كشخص واحد فكذلك في العجز فبعجز أحدهما لا يتحقق تغير شرط الكتابة على المولى ما لم يظهر عجز الآخر فلهذا لا ينفذ قضاء القاضى برده في الرق ولان في هذا القضاء اضرارا بالغائب لانه يسقط حصة الغائب من البدل لا محالة إذا نفذ قضاء القاضى بعجزه والغائب لا يعتق بأداء حصته فيتضرر من هذا الوجه والحاضر ليس بخصم عن الغائب فيما يضره وكذلك ان استسعى الغائب بعد ذلك في نجم أو نجمين ثم عجز فرده هو أو القاضى فهذا باطل لان رد الاول في الرق لما لم يصح صار ذلك كالمعدوم فلا يتحقق العجز بهذا الآخر لتوهم قدرة الاول بالاداء بعد العجز فلهذا لا يصح ردهما في الرق الا معا وكذلك إذا كاتب الرجلان عبدا واحدا مكاتبة واحدة فغاب أحدهما وقدم الآخر العبد إلى القاضى وقد عجز لم يرده في الرق ما لم يجتمع الموليان لان العقد واحد باتحاد القابل ولان من ضرورة الحكم بعجزه في نصيب الحاضر الحكم بعجزه في نصيب الغائب أيضا والحاضر ليس بخصم عن الغائب فلا يرد في الرق ما لم يجتمعا ولو كان المولى واحدا فمات عن

[ 18 ] ورثة كان لبعضهم ان يرده في الرق بقضاء القاضى اما لان كل واحد منهم خصم عن الميت ورده في الرق قضاء على الميت لانه يبطل به حقه في الولاء ولان بعض الورثة خصم عن بعض فيما هو ميراث بينهم الا ترى ان أحد الورثة إذا أثبت دينا على انسان بالبينة للميت ثبت في حق الكل وكذلك إذا ثبت عليه دين ولكن لورده بغير قضاء لم يصح ذلك منه لان للآخرين رأيا في المسامحة والمهلة معه فلا يكون له ولاية الاستبداد بقطع رأيهم وان كان المكاتب هو الميت عن ولدين لم يكن للمولى أن يرد أحدهما في الرق حتى يجتمعا لان كل واحد منهما بانفراده كاف لبقاء عقد الكتابة باعتباره فبعجز أحدهما لا يظهر عجز الميت كما لا يظهر عجزه بعدم أحدهما عند وجود الآخر الا ترى انه لو عجز أحدهما وأدى الآخر عتقا جميعا فلهذا لا يردهما في الرق حتى يجتمعا وإذا كاتب عبدين له مكاتبة واحدة فارتد أحدهما وقتل الآخر فان الحى لا يعتق ما لم يؤد جميع المكاتبة مراعاة لشرط المولى كما في حال حياة الآخر وان أدى عتقا جميعا لانهما في حكم الاداء كشخص واحد فبعد موت أحدهما يبقى العقد في حقه ببقاء من يؤدى بدل الكتابة وهو الحى فلهذا عتقا بأدائه وان كان المرتد حين قتل ترك له كسبا اكتسبه في ردته فان المولى يأخذ من ذلك المال جميع المكاتبة لانه مات عن وفاء فيبقى عقد الكتابة لحاجته إلى تحصيل الحرية ولا يحصل ذلك الا بأداء جميع المال فلهذا أخذ المولى جميع المكاتبة من تركته ويعتقان جميعا ثم يرجع ورثته على الحى بحصته كما لو أداه في حياته وهذا لانه مضطر في الاداء حيث لا يتوصل إلى العتق الا به وبهذا تبين فساد استدلال زفر فان عنده أحدهما إذا أدى لا يرجع على صاحبه وان عندنا يرجع بعد مقالة المولى إذا أديا عتقا وان عجزا ردا ثم بقية الكسب ميراث لهم لما بينا في العتاق أن قيام حق المولى في كسبه يمنعنا أن نجعل كسب ردته فيئا فيكون ميراثا لورثته وكذلك ان كان المرتد لحق بدار الحرب أخذ الباقي بجميع المكاتبة لان أكثر ما فيه أن لحاقه بدار الحرب كموته والآخر لا يتوصل إلى العتق الا بأداء جميع البدل فإذا أدى رجع على المرتد بحصته إذا رجع كما يرجع في تركته أن لو مات وان لم يرجع حتى مات في دار الشرك عن مال وظهر المسملون على ماله لم يرجع هذا المؤدى فيه بشئ لان ذلك المال صار فيئا للمسلمين إذ لم يبق فيه للمولى حق حين حكم بحريته والدين لا يبقى في المال الذى صار فيئا وان وجده قبل القسمة ألا ترى أن حرا لو استدان دينا ثم ارتد والعياذ بالله ولحق بدار الحرب ولم يخلف مالا هنا فظهر المسلمون عليه وعلى ماله فقتلوه لم

[ 19 ] يكن لغرمائه على ماله سبيل لانه صار فيئا وهذا لان السبي يوجب صفاء الحق في المسبي للسابى ولا يصفو له الحق إذا بقي الدين فيه وان عجز المكاتب الحاضر والآخر مرتد في دار الحرب لم يرده القاضى في الرق لان لحاقه بدار الحرب لم يتم لما بقي حق المولى في كسبه ورقبته فهو بمنزلة الغائب في دار الاسلام وقد بينا أنه إذا كان أحدهما غائبا لا يحكم بعجز الحاضر قبل رجوعه فهذا مثله فان رد القاضى هذا في الرق لم يكن ردا للآخر حتى إذا رجع مسلما لم يرد إلى مولاه رقيقا لما بينا أن الحاضر ليس بخصم عن الغائب وان عجز الغائب لم يظهر بعجز الحاضر فلهذا لا تنفسخ الكتابة في حق الغائب وان كان مرتدا في دار الحرب رجل كاتب عبدا له وامرأته مكاتبة واحدة وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه ثم ولدت ولدا فقتل الولد فقيمته للام دون الاب لانه جزء منها يتبعها في الرق والحرية فيتبعها في الكتابة أيضا فلهذا كان بدل نفسه لها وكسبه وأرش الجناية عليه كله لها وان قتله المولى فعليه قيمته وكان قصاصا بالكتابة ان كانت قد حلت أو رضيت هي بالقصاص ان لم تكن حلت لان الاجل حقها فيسقط باسقاطها كما لو عجلت المال ثم ترجع على الزوج بحصته إذا حلت الكتابة لانها صارت مؤدية جميع البدل بالمقاصة فترجع على الزوج بحصته بحكم الكفالة ولكن رضاها بسقوط الاجل يعتبر في حقها دون حق الزوج فلهذا لا ترجع عليه الا بعد حل المال وان كان في القيمة فضل على الكتابة فذلك الفضل وما ترك الولد من مال فهو للام دون الاب لان الولد قتل وهو مملوك وقد كان تبعا للام في الكتابة فكسبه وما فضل من قيمته يكون لها خاصة وكذلك ان كان الولد جارية فكبرت وولدت ابنة ثم قتلت الابنة السفلى كانت قيمتها للجدة لان السفلى كالعليا في انها تابعة للجدة داخلة في كتابتها وان ماتت الجدة وبقى الولدان والزوج كان على الولدين من السعاية ما كان على الجدة لانهما في حكم جزء منها فيسعيان فيما كان عليها وان أدى أحد الولدين لم يرجع على صاحبه بشئ لانه مؤد عن الجدة وكسبه في حكم اداء بدل الكتابة بمنزلة كسب الجدة فلا يرجع على صاحبه بشئ لهذا ولكنه يرجع على الزوج بحصته كما لو أدت الجدة في حياتها جميع البدل رجعت على الزوج بحصته ثم يسلم له ذلك دون الآخر لانه كسبه وانما يسلم للجدة من كسبه قدر ما يحتاج إليه لاداء بدل الكتابة وتحصيل الحرية لنفسها فما فضل من ذلك يسلم للمكتسب وهذا هو الذى رجع به فاضل عن حاجتها فيكون للمكتسب خاصة رجل كاتب عبدين له مكاتبة واحدة

[ 20 ] بألف درهم وقيمتهما سواء فأدى أحدهما مائتي درهم ثم أعتقه المولى بعد ذلك فانه يرجع بنصف ما أدى على صاحبه لانه قبل العتق كان قد استوجب الرجوع على صاحبه بنصف ما أدى قل ذلك أو كثر فلا يبطل ذلك بعتقه لان عتقه مقرر لحقه لا مبطل له ثم يرفع عن الآخر نصف ما بقى من الكتابة اعتبارا للبعض بالكل وقد بينا أنه لو أعتق أحدهما في حال بقاء جميع الكتابة صار كالقابض للنصف أو كالمبرئ له عن النصف فكذلك في حق الباقي هنا وكذلك لو أعتق الذى لم يؤد لان اداء أحدهما كادائهما فلا يختلف حكم عتقهما وايهما عتق فانه يؤخذ على حاله بمكاتبة صاحبه لانه بمنزلة الكفيل عنه وقد صحت هذه الكفالة تبعا لعقد الكتابة حين كان مطالبا بجميع المال قبل عتق صاحبه فكذلك يبقى مطالبا بنصيب صاحبه بعد عتقه فإذا أدي رجع به عليه وليس من ضرورة امتناع صحة كفالته ابتداء بما يبقي على صاحبه بعد حريته امتناع بقاء ما كان ثابتا ألا ترى أن الاباق يمنع ابتداء البيع ولا يمنع بقاءه والعدة تمنع ابتداء النكاح ولا تمنع بقاءه والله سبحانه أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب مكاتبة المكاتب) (قال) رضى الله عنه قد بينا ان للمكاتب ان يكاتب استحسانا فان أعتقه بعد الكتابة لم ينفذ عتقه كما قبله لانه لا يملكه حقيقة وهو متبرع في اعتاقه وكذلك ان وهب له نصف المكاتبة أو كلها لانه ابراء بطريق التبرع وكذلك لو قال المكاتب لعبده إذا أعطيتني ألف درهم فأنت حر فهذا باطل ولو أدى لم يعتق لان تعليق العتق بالشرط لا يصح ممن ليس باهل للتنجيز كالصبى وهذا بخلاف الكتابة لانه عقد معاوضة بمنزلة البيع أو أنفع منه في حق المكاتب ولهذا احتمل الفسخ بالتراضى ولو اعتبر معنى التعليق فيه لم يحتمل الفسخ مكاتب كاتب جاريته ثم وطئها فعلقت منه فان شاءت مضت على الكتابة لان الاستيلاد لا ينافى ابتداء الكتابة فكذلك بقاءها وإذا اختارت ذلك أخذت عقرها لان المكاتب فيما يلزمه من العقر بالوطئ كالحر وقد بينا أن الحر إذا وطئ مكاتبته يلزمه عقرها لانها صارت أحق بنفسها فكذلك المكاتب وان شاءت عجزت نفسها فتكون بمنزلة أم ولده لا يبيعها كما لو استولد المكاتب جاريته فان عجزت نفسها فأعتقها المولى لم يجز كما لو أعتق جارية من كسب مكاتبه بخلاف ما لو أعتق

[ 21 ] ولدها لان الولد داخل في كتابته حتى يعتق بعتقه فيكون مملوكا للمولى فأما الام لم تدخل في كتابته ألا ترى أنها لا تعتق بعتقه ولكنها أم ولد له يطأها ويستخدمها فلم تصر مملوكة للمولى لان ثبوت ملك المولى لضرورة التبعية في الكتابة وامتناع بيعها لانها تابعة للولد في هذا الحكم لا أنها داخلة في الكتابة وان مات الولد لم يكن للمكاتب أن يبيعها أيضا لان امتناع البيع فيها كان تبعا لحق الولد وحق الولد بموته لا يبطل فكذلك حق الام وانما امتنع بيعها تبعا لثبوت نسب ولدها منه وذلك باق بعد موته مكاتب كاتب جاريته ثم استولدها المولى فعليه العقر لها لانها صارت أحق بنفسها والولد مع أمه بمنزلتها لانه جزء منها وقد بينا في كتاب العتق أنه لا يمكن الحكم بحرية ولدها مجانا ولا بالقيمة فان عجزت أخذ المولى الولد بالقيمة استحسانا لانها بالعجز صارت أمة قنة للمكاتب والمولى إذا استولد أمة مكاتبه يكون الولد حرا بالقيمة استحسانا والجارية مملوكة للمكاتب بمنزلة المغرور وان كان المكاتب هو الذى وطئها ثم مات ولم يترك مالا فان لم تلد مضت على الكتابة لان المكاتب مات عن وفاء باعتبار ما عليها من البدل وقد بينا ان الوفاء بمال هو دين له معتبر كالوفاء بالمال العين وان كانت ولدت خيرت فان شاءت رفضت مكاتبتها وسعت هي وولدها في مكاتبة الاول وان شاءت مضت على مكاتبتها لانه تلقاها جهتا حرية اما اداء كتابة نفسها لتعتق مع ولدها به أو اداء كتابة المكاتب بعد رفض مكاتبتها لانها بمنزلة أم الولد والمكاتب إذا مات عن أم ولد له ومعها ولد مولود في الكتابة سعت هي مع ولدها في المكاتبة ويعتقان بالاداء فهذا مثله ولو كان ترك مالا فيه وفاء بالمكاتبة أديت مكاتبته وحكم بحريته وحرية ولده وتبطل المكاتبة عنها لانها صارت أم ولد للمكاتب فعتق بموته حين حكمنا بحريته ووقع الاستغناء لها عن اداء مكاتبتها وان عجزت هي والمولى هو المدعى للولد والمكاتب الاول ميت فالولد حر وعلى المولى قيمته لان كتابة المكاتب باق بعد موته للوفاء بها وبولدها وقد بينا انها لو عجزت في حياة المكاتب أخذ المولى ابنه بالقيمة فكذلك بعد موته وان كان بالقيمة وفاء بالمكاتبة عتق المكاتب لان المولى صار مستوفيا لبدل الكتابة بالمقاصة وكانت الام مملوكة لورثة المكاتب ان كان له وارث سوى المولى وان لم يكن صارت للمولى بالارث وكانت أم ولد له لانه ملكها وله منها ولد ثابت النسب مكاتب كاتب عبده ثم كاتب عبده أمته فاستولدها المكاتب الاول أخذت منه عقرها لما سقط الحد عنده بشبهة حق الملك له فيها بعد عجزها

[ 22 ] وعجز من كاتبها ومضت على كتابتها لانها أحق بنفسها ومكاسبها وولدها بمنزلتها لانه جزء منها فان عجزت كان الولد للمكاتب الاول بالقيمة لان حق المكاتب في كسب مكاتبه كحق الحر فان الثابت له حق الملك وفي حق الملك المكاتب والحر سواء فكما ان الحر يأخذ ولده بالقيمة في هذه الصورة استحسانا فكذلك المكاتب الا ان الحر إذا أخذه بالقيمة كان حرا مثله والمكاتب إذا أخذه بالقيمة كان مثله أيضا داخلا في كتابته لان كسب المكاتب يحتمل الكتابة ولا يحتمل الحرية فان أعتق المولى هذا الولد نفذ عتقه لانه لما دخل في كتابته صار ملكا للمولى فان كاتب المكاتب عبده ثم كاتب الثاني أيضا عبدا له ثم عجز الاوسط فالمكاتب الآخر يصير للمكاتب الاول لان الاوسط صار عبدا قنا له ومكاتبه أيضا يصير مكاتبا له ولا يكون عجز الاوسط عجزا للآخر فإذا أدى عتق وان عجز كان عبدا له ثم ذكر مسألة العتاق إذا ولدت المكاتبة ابنتا ثم ولدت الابنة ابنتا ثم أعتق المولى احداهن وقد بينا ذلك بتمامه هناك رجل كاتب جاريتين له مكاتبة واحدة ثم استولد احداهما فالولد حر والام مع الجارية الاخرى مكاتبة كما كانت ولا خيار لها في ذلك بخلاف ما إذا كاتب مكاتبة وحدها لان هناك لها أن تعجز نفسها قبل الاستيلاد وتفسخ الكتابة به فكذلك بعد الاستيلاد وهنا لم يكن لها أن تعجز نفسها قبل الاستيلاد وتفسخ الكتابة لحق الاخرى فانهما كشخص واحد فلا يظهر العجز في حق احداهما دون الاخرى ألا ترى أن الاخرى لو أدت المكاتبة بعد ما عجزت هذه نفسها عتقا فلهذا لا تخير وكذلك لو كانت إحداهما ولدت بنتا فاستولد السيد البنت لم تصر أم ولد له والولد حر بغير قيمة لان المكاتبة تسعى لتحصيل الحرية لنفسها وأولادها وأولاد أولادها وفى هذا تحصيل مقصودها ولانه لو تحقق عجزها كان ولد الولد الولد حرا بغير قيمة لثبوت نسبه فكذلك قبل عجزها ومعنى قوله ان الابنة لا تصير أم ولد انه لا يبطل عنها حكم تبعية الام في الكتابة لان مقصود الام في حقها لا يحصل بالاستيلاد ألا ترى أنا لو أخرجناها من المكاتبة وجعلناها أم ولد للمولى لم تعتق بأداء المال لان في هذا تفويت مقصوده فلهذا ابقينا حكم الكتابة فيها حتى تعتق الام بالاداء مكاتبة كاتبت عبدا ثم ولدت ولدا ثم ماتت ولم تدع شيئا قال يسعى الولد فيما على أمه لانه مولود في كتابتها ولا يجوز ان يعتبر ما على المكاتب في اسقاط السعاية عنه لان ذلك دين لا يمكن اداء كتابتها منه قبل حله ألا ترى أنه لو كان لها على حر

[ 23 ] دين إلى أجل قضى على الولد بالسعاية فكذلك هنا فان كان نجم الكتابة إلى سنة فقضى على الولد بالسعاية فعجز عنها عند حله قبل حلول ما على المكاتب أو قبل حلول الدين الذى على الأجنبي فانه يرد في الرق لانه قائم مقام الام ولو عجزت هي في حياتها عن أداء نجم حل عليها ردت في الرق ولا يلتفت إلى مالها من الدين المؤجل على غيرها لانها لا تصل إلى ذلك الا بعد حله فقبل الحلول بمنزلة المعدوم في تحقق عجزها حتى ترد في الرق فكذلك ولدها بعد موتها فان رد في الرق ثم خرج الدين من الأجنبي أو المكاتب فهو للمولى والولد رقيق له لان كتابتها قد بطلت بقضاء القاضى برد الولد في الرق فهذا المال كسب أمته فيكون للمولى مع ولدها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب كتابة العبد على نفسه وولده الصغار) (قال) رضى الله عنه رجل كاتب عبده على نفسه وولده الصغار قال هو جائز لانه لو كاتب عبدا حاضرا نفسه وعلى غائب جاز إذا قبل الغائب فهذا مثله أو أولى لان ولده إليه أقرب من الاجنبي فان عجز قبل ادراك الولد أو بعده فرد في الرق كان ذلك ردا للولد أيضا لان الاولاد صغار عاجزون عن الكسب ولانه ليس عليهم شئ من المال انما المال على الاب وقد تحقق عجزه فيرد في الرق ويكون ذلك ردا في حق من من دخل في العقد تبعا له لان ثبوت الحكم في التبع بثبوته في الاصل وهذا بخلاف المكاتبين إذا عجز أحدهما لان هناك الآخر مطالب بالمال فبعجز احدهما لا يظهر العجز في حق الاخر وهنا الاولاد لا يطالبون بشئ من المال لان الاب مملوك لا ولاية له على أولاده في الزام المال اياهم فلهذا يتم العجز به كما تم العقد بقبوله فان أدرك ولده فقالوا نحن نسعى في المكاتبة لم يلتفت إليهم لان المكاتبة قد سقطت برد الاب في الرق وكذلك لو كانوا بالغين حين عجز الاب لانه ليس عليهم شئ من المال فقدرتهم على السعاية وعجزهم عنها سواء وان مات الاب ولم يدع شيئا سعوا في المكاتبة على النجوم وكان ينبغى في القياس أن لا يثبت النجوم في حقهم ولكن ان جاؤا بالمال حالا والا ردوا في الرق كما بينا في العبد الغائب والحاضر إذا مات الحاضر ولكن قال هنا قبول الاب الكتابة في حق اولاده صحيح فيما يرجع إلى مقصوده وعتق الاولاد من مقاصده كعتق نفسه فكما يثبت الاجل ويبقي باعتبار بقائه لتحصيل

[ 24 ] مقصوده فكذلك يبقى باعتبار بقاء الولد لانه من مقاصده بخلاف العبد الغائب فانه لا مقصود للحاضر في عنقه توضيحه ان حال الاولاد هنا كحال ولد مولود في الكتابة لان ذلك الولد كما حدث حدث مكاتبا وهذا الولد كما عقد عقد الكتابة صار مكاتبا ثم ذلك الولد يسعي على النجوم فهذا الولد مثله يقرره ان سبب الولاية وهو الابوة ثابت هنا حتى إذا تم سقوط حق المولى بعتقهما كان له الولاية فيعتبر قيام السبب أيضا فيما ينفعهما ولا يضر بالمولى وفي القول بان الولد يسعى في النجوم منفعة لهما فان كانوا صغارا لا يقدرون على السعاية ردوا في الرق لتحقق العجز في حق الاب حين لم يخلف ما يؤدى به بدل الكتابة ولا من يؤدى عنه وان كانوا يقدرون عليها فسعى بعضهم في المكاتبة فأداها لم يرجع على اخوته بشئ لانه ما أدى عنهم إذ لم يكن عليهم شئ من المال وانما أدى عن الاب لان المال عليه الا ترى انه لو أدى في حياة الاب لم يرجع على إخوته بشئ فكذلك بعد موته فان ظهر للاب مال كان ميراثا بينهم لاستناد حريتهم إلى ما استند إليه حرية أبيهم ولم يكن لهذا ان يأخذ من تركه الاب ما أدى لانه متبرع فيما أدى إذ لم يكن مطالبا بشئ من المال كما في حال حياة الاب ولانه بمنزلة الاب في المكاتبة فانما يؤدى لتحصيل العتق لنفسه وكسبه فيما يؤدى به البدل ككسب أبيه فلهذا لا يرجع بالمؤدى في تركة أبيه وكان للمولى أن يأخذ كل واحد من الاولاد بجميع المال لا باعتبار أنه دين في ذمته ولكن باعتبار انه قائم مقام أبيه وفيما هو من حقوق الاب كان قبوله صحيحا في حق الاولاد فيأخذ كل واحد منهما بجميع المال كأنه ليس معه غيره ولهذا لو مات بعضهم لا يرفع عن بقيتهم شئ من المكاتبة كما لو كان معدوما في الابتداء وهذا لان المكاتبة واحدة في حقهم وفي حق الاب فلا يعتق أحد منهم الا بوصول جميع المال إلى المولى فان أعتق المولى بعضهم رفع عنهم بحصة قيمة المعتق لان اعتاق المولى بعضهم بمنزلة القبض منه لحصته وفيما يرجع إلى منفعتهم لكل واحد منهم حصة من البدل وان كان الاب هو القابل لان العقد مضاف إلى الكل قصدا بخلاف الولد المولود في الكتابة إذا أعتقه المولى فانه لا يسقط شئ من البدل لانه كان تبعا في العقد وشئ من البدل لا يقابل التبع وان كان فيهم جارية فاستولدها السيد أخذت عقرها وهى مكاتبة على حالها ليس لها ان تعجز نفسها لمكان إخوتها ألا ترى أنهم لو أدوا عتقت هي أيضا وان كان الولد كبارا حين كاتب على نفسه وعليهم بغير أمرهم وأدى الكتابة عتقوا ولم يرجع بشئ منها عليهم

[ 25 ] في هذا الوجه ولا في الوجه الاول لان بقبوله لم يلزمهم شئ من البدل فكان هو مؤديا المال عن نفسه لا عنهم رجل كاتب عبدا له وامرأته مكاتبة واحدة على أنفسهما وأولادهما وهم صغار ثم ان انسانا قتل الولد فقيمته للابوين جميعا يستعينان بها في الكتابة لانهما قبلا الكتابة عليهم وحالهما في ذلك على السواء إذ لا ولاية لواحد منهما عليه ولا يمكن جعل هذه القيمة للمولى لان الولد صار مكاتبا لقبولهما فلا يبقى للمولى سبيل على كسبه ولا على قيمة رقبته فلابد من أن تؤخذ القيمة منه فتكون للابوين لانهما كانا ينفقان عليه في حياته فكانا أحق بحضانته وهذا بخلاف الولد المولود بينهما بعد الكتابة فان قيمته للام خاصة لان ثبوت الكتابة في الولد هناك بطريق التبعية وجانب الام يترجح في ذلك لانه جزء منها وهنا ثبوت الكتابة في حق الولد بالقبول والقبول منهما جميعا وان غاب الاب فاراد المولى سعاية الولد لم يكن له ذلك لان وجوب المال بقبولهما كان عليهما دون الولد فما بقيا حيين لم يكن على الولد شئ من المال وليس للابوين سبيل على كسب الولد لانه مكاتب للمولى مقصودا بالعقد معهما وليس للابوين سبيل على كسب المكاتب بخلاف الولد المولود في الكتابة فانه تبع للام فكانت أحق بكسبه لتستعين به على أداء البدل وان مات الولد وترك مالا فماله للابوين مثل قيمته على ما بينا أنه مكاتب معهما فلا سبيل للمولى على ماله ولكنهما يأخذان ماله فيستعينان به على أداء البدل وان أعتق السيد الولد رفعت حصته عن الابوين لما بينا أن العقد تناوله مقصودا فكان له من البدل حصته وان لم يكن للمولى أن يطالبه به لانعدام القبول من جهته وصار المولى قابضا بعتقه حصته وان لم يعتقه وأراد أن يأخذه بشئ من الكتابة لم يكن له ذلك ما بقى أحد الوالدين لان قبولهما عليه غير معتبر في الالزام والابوان هما الاصلان في وجوب المال عليهما بالقبول فما بقى شئ من الاصل لا يظهر حكم الخلف فإذا ماتا قلنا ان وقعت الكتابة والولد صغير سعى فيها على النجوم بعد موتهما كما يسعى الولد المولود في الكتابة وان وقعت وهو كبير فعليه أن يؤدى المكاتبة حالة والا رد في الرق بمنزلة العبد الحاضر والغائب لانه لا ولاية للابوين على الولد الكبير بعد سقوط حق المولى عنه فهو بمنزلة الاجنبي في حقهما فلا يبقى الاجل بعد موتهما لان الاجل لتأخير المطالبة وهو غير مطالب لانعدام القبول منه أو ممن له ولاية عليه فقلنا ان جاء بالمال حالا والا رد في الرق والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب

[ 26 ] (باب مكاتبة الوصي) (قال) رضي الله عنه وللوصي أن يكاتب عبد اليتيم استحسانا وفى القياس لا يصح ذلك منه لانه ارفاق للحلل واعتاق باعتبار المآل وجه الاستحسان أن الوصي قائم مقام اليتيم فيما فيه النظر له والكتابة أنظر له من البيع لان بالبيع يزول ملكه عن العين قبل وصول البدل إليه وبالكتابة لا يزوال ملكه عن العين الا بعد وصول المال إليه وتسقط نفقته عنه في الحال وإذا تعذر وصول المال إليه بعجزه تفسخ للكتابة فكان عبدا له على حاله فإذا ملك البيع ملك الكتابة بالطريق الاولى فان وهب المال له بعد الكتابة لم يجز لانه تبرع بما لا يملكه فلا يصح من جهته ولا من جهة الصبى لانه ليس بقائم مقامه في التبرع وان أقر بالقبض صدق لانه المال وجب بعقده وهو يملك مباشرة قبضه فيصح اقراره بالقبض أيضا (فان قيل) فعلى قياس هذا ينبغي أن تصح هبته في حق المكاتب لما كان الوجوب بعقده كما لو باعه من انسان ثم أبرأ المشترى عن الثمن جاز في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى (قلنا) لان في البيع هو كالعاقد لنفسه فيما هو من حقوق عقده ولهذا كان قبض الثمن إليه بعد بلوغ اليتيم فأما في الكتابة هو معبر عن اليتيم ولهذا لا يملك قبض البدل بعد بلوغ اليتيم فيكون هو بالهبة متبرعا بما لا يملكه ولان هبة البدل من المكاتب اعتاق له والوصى لا يملك الاعتاق فأما الاقرار بالقبض ليس باعتاق ولكنه إقرار بما يملك الانشاء فيه وان قال قد كنت كاتبته وأدى إلى لم يصدق لان الاقرار بالكتابة وقبض البدل اعتاق له (فان قيل) أليس انه يملك انشاء الكتابة واستيفاء البدل فينبغي أن يصح اقراره به (قلنا) انما يملك الانشاء لانه يدخل بتصرفه في ملك اليتيم ظاهرا مثل ما يخرجه عن ملكه وذلك لا يوجد في الاقرار (فان قيل) فكذلك إذا أقر باستيفاء البدل بعد ما باشر الكتابة (قلنا) هناك بمباشرة الكتابة يدخل في ملكه ظاهرا مثل ما يخرجه من ملكه ثم بالاقرار بالقبض ليس يخرج من ملكه شيئا انما يقرر ملكه في البدل بقبضه ولو وكل الوصي بقبض بدل الكتابة جاز لانه يملك مباشرة القبض بولايته فيصح توكيله به غيره كالاب فان كاتبه ثم أدرك اليتيم فلم يرض به فالكتابة ماضية لانه تصرف نفذ من الوصي في حال قيام ولايته فلا يملك اليتيم ابطاله بعد البلوغ كالبيع وهذا لان فعله في حال

[ 27 ] بقاء ولايته كفعل اليتيم بنفسه غير أنه لا يدفع المال إلى الوصي لان ولاية القبض له كان بطريق نيابته عن اليتيم وقد زال ذلك فهو كدين وجب ليتيم لا بعقد الوصي لا يملك الوصي قبضه بعد بلوغه وهذا لان العاقد في باب الكتابة سفير ألا ترى أن الوكيل بالكتابة لا يملك القبض وأنه ليس عليه تسليم المعقود عليه فلا يقبض البدل بحكم العقد أيضا ولكن القبض إلى اليتيم بعد بلوغه ولا يعتق المكاتب الا بالاداء إليه أو إلى وكيله وكذلك لو كان القاضى عزل الوصي الذى كان كاتب وجعل غيره وصيا كان قبض البدل إلى الثاني دون الاول حتى لو أدى إلى الاول أو أدى إلى اليتيم لم يعتق ولا يجوز لاحد الوصيين ان يكاتب بغير اذن صاحبه في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ويجوز في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى بمنزلة بيع أحد الوصيين عبداليتيم فان عندهما لا ينفرد به أحدهما لان الاب أقام رأيهما مقام رأى نفسه ورأى المثنى لا يكون كرأى الواحد وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول تصرف الوصي بحكم ولايته ولكل واحد من الوصيين ولاية تامة ولا يجوز للوصي أن يعتق على مال كما لا يعتق بغير مال لان العبد يخرج من ملك اليتيم بنفس القبول والبدل في ذمة مفلسة كالتاوي وكذلك لا يبيع نفس العبد منه بمال لانه اعتاق بجعل ألا ترى أنه إذا صح عتق بنفس القبول قبل اداء المال بخلاف الكتابة ولا يجوز للوصي ان يكاتب إذا كانت الورثة كبارا غيبا كانوا أو حضورا لانه ليس له على الورثة الكبار ولاية وانما له حفظ المال عليهم فانما يملك التصرفات فيما يرجع إلى الحفظ والكتابة ليست من هذه الجملة ألا ترى انه لا يبيع العقار (قال) وكذلك لو كانوا صغارا فادركوا ثم كاتبه الوصي لم يجز كما لو كانوا كبارا ألا ترى أنهم لو كاتبوه بانفسهم صح منهم وانما ثبت الولاية للوصي في حال لا يملك المولى عليهم مباشرة التصرف بنفسه وكذا ان كان بعض الورثة كبارا فأبوا أن يجيزوا كتابة الوصي لم تجز مكاتبته لانه لا ولاية له في نصيب الكبار والصغير لو كان بالغا فكاتب نصيبه بنفسه كان للآخر أن يفسخ الكتابة فكذا إذا فعله الوصي وان كانت الورثة صغارا وعلى الميت دين فكاتب الوصي عبدا من تركته لم يجز وان كان الدين لا يحيط بماله لان حق الغريم مقدم وما لم يصل إليه كمال حقه لا يسلم شئ من التركة إلى الوارث فلا يمكن تصحيح كتابته للغريم إذ ليس للوصي عليه ولاية ولا لليتيم لانه لا يسلم له شئ الا بعد وفاء الدين ولا للميت لان حقه في تفريغ ذمته ويتأخر ذلك في كتابته فلهذا لم يجز عقده الا ان يستوفى الغريم

[ 28 ] حقه من بقية التركة فحينئذ تنفذ الكتابة لان المانع قيام حق الغريم وقد زال ذلك بوصول دينه إليه وكذلك ان كان مكان الدين وصية بالثلث لانه لا ولاية للوصي على الموصى له في كتابة نصيبه وثلث العبد بالوصية صار له فلا تنفذ الكتابة من الوصي فيه كما لو كان بعض الورثة كبارا رجل أوصى بثلث ماله وله عبيد لا مال له غيرهم وترك يتامى صغارا فكاتب الوصي بعض الرقيق فأدي إليه جميع المكاتبة فانه يعتق حصة الورثة منه لان ثلثى المكاتب كان مملوكا لهم والوصى قائم مقامهم في الكتابة ولو كانوا بالغين فكاتبوا واستوفوا البدل عتق نصيبهم فكذلك إذا فعله الوصي فيأخذ الموصى له من المكاتب حصته لان ثلث العبد بموت الوصي صار له وانما أدى بدل الكتابة من كسبه وثلث الكسب حقه فكان له أن يستوفي ذلك من الوصي وله أن يضمن الورثة حصته من العبد ان كانوا أغنياء لانهم معتقون له وأحد الشريكين إذا أعتق وهو موسر يكون ضامنا لنصيب شريكه والصبى لا ينفى اليسار فلا يمنع وجوب ضمان العتق أيضا وقد بينا في العتاق أن الرق لا يمنع وجوب ضمان العتق فالصبي أولى لان الرق ينافى حقيقة الملك والصبى لا ينافيه وليس له أن يضمن الوصي شيئا لان الوصي نائب عن الورثة بمنزلة الوكيل لهم بعد البلوغ فلا يكون معتقا وانما يجب الضمان على المعتق والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب مكاتبة الامة الحامل) (قال) رضى الله تعالى عنه رجل كاتب أمة له حاملا فما في بطنها داخل في كتابتها ذكر أو لم يذكر كما يدخل في بيعها لانه جزء منها ولانها لو حبلت بعد الكتابة وولدت كان الولد داخلا في كتابتها فإذا كان موجودا عند العقد أولى فان استثنى ما في بطنها لم تجز الكتابة كما لو باعها واستثنى ما في بطنها وهذا لانه بالاستثناء يشترط ما في بطنها لنفسه وهو شرط فاسد متمكن في صلب العقد فتبطل به الكتابة كما لو استثنى وطأها أو خدمتها لنفسه وان كاتب ما في بطنها دونها لم يجز كما لو باع ما في البطن وهذا لان ما في البطن بمنزلة جزء منها فلا يحتمل الكتابة مقصودا ولان الكتابة لا تتم الا بالقبول والقبول من الجنين لا يتحقق وليس لاحد عليه ولاية القبول الام وغيرها فيه سواء لان القابل لا يمكن أن يجعل نائبا فان نيابة الغير شرعا فيما يكون متصورا من المنوب عنه وان كاتبها وهى حامل

[ 29 ] فولدت ثم ماتت سعى الولد في مكاتبتها على نجومها لانه جزء منها انفصل بعد ثبوت حكم الكتابة فيها والنجوم تبقي ببقاء مثل هذا الجزء وان كان عليها دين سعى فيه أيضا لان هذا الجزء قائم مقامها وهى في حياتها كانت تسعى في الدين والكتابة جميعا فان أدى الولد المكاتبة قبل الدين عتق وأخذه الغرماء بالدين حتى يسعى لهم فيه استحسانا وفي القياس لا يعتق لان كسب الولد فيما يرجع إلى حاجتها ككسبها وانما يبدأ من كسبها بالدين قبل الكتابة لان الدين أقوى من الكتابة ألا ترى أنه لا يسقط عنها بالعجز ولكنه استحسن فقال الولد قائم مقامها وهى في حياتها لو أدت الكتابة قبل الدين عتقت وكان للغرماء أن يطالبوها بالدين فكذلك الولد إذا أدى وهذا لان ذمة الولد خلف عن ذمتها ولهذا بقيت النجوم ببقاء الولد فهما دينان في ذمته فإذا قضي أحدهما من كسبه صح قضاؤه ولا سبيل للغرماء على ما أخذه المولى لان حقهم في ذمته فيطالبونه بأن يسعى لهم كما لو كانت هي التي أدت الكتابة في حياتها وان عجز عن المكاتبة رده القاضى رقيقا وبيع في الدين للغرماء كما لو عجزت هي في حياتها وهذا لان الدين ثابت في ذمته والدين في ذمة الرقيق يثبت متعلقا بمالية الرقبة فيباع فيه وان كان المولى قد قبض منه شيئا من المال فهو سالم له كما لو كان أخذ منها في حياتها وهذا لانه بمنزلة غريم من الغرماء وللمكاتب أن يقضى بعض غرمائه ويسلم المقبوض للقابض عتق المكاتب أو عجز لانه في قضاء الدين بكسبه كالحر وإذا قتل الولد خطأ أخذت الدية من عاقلة القاتل فيبدأ منها بقضاء الدين لان بدل نفس الولد بمنزلة كسبه وذلك في حاجتها بمنزلة مالها فيبدأ منه بقضاء الدين ثم بالكتابة لان الذمه لما خربت تعلقت الحقوق بالمال فيبدأ بالاقوى والدين أقوى من الكتابة ثم تقضى الكتابة بعد ذلك والباقى يكون لورثة الابن دون ورثة الام لانه يحكم بعتقها وعتق الولد بأداء المكاتبة ولا حق لها فيما كان فاضلا عن حاجتها من بدل نفس الولد وكسبه ألا ترى أن الولد لو كان حيا كان الفضل سالما له فكذا يسلم لورثته بعد موته ويستوى ان كاتبها وهي حامل أو ولدت في كتابتها وان ماتت الام وتركت مالا وفاء بالدين الذى عليها فقبض المولى ذلك من الكتابة تعتق الام والولد إذا كان الولد هو الذى أدى إليه لانه خلف عنها فأداؤه كأدائها الا أن الغرماء أحق بذلك المال يأخذونه من المولى لان حقهم تعلق بمالها بعد الموت كما يتعلق حق غرماء الحر بماله بعد موته وحقهم أقوى من حق المولى وليس للابن ولاية ابطال حقهم فلهذا

[ 30 ] أخذوا المال منه ثم يرجع هو على الابن ببدل الكتابة ولكن لا يبطل العتق كما لو استحق المقبوض من البدل وهذا بخلاف ما إذا لم تترك مالا وأدى الولد الكتابة من كسبه لان هناك حق الغرماء في ذمته كحق المولى وهو مكاتب قائم مقام الام فيملك تخصيص بعض الغرماء بقضاء الدين من كسبه وان كان المولى هو الذى قبض مالها من غير أداء الولد إليه لم يعتق لان هذا مال الغرماء فالمولى غاصب في أخذه لا مستوف لبدل الكتابة بخلاف ما إذا أدى الولد لانه يكون مؤديا بدل الكتابة بمال هو حق غيره ألا ترى أنه لو كان في يدها مال مغصوب لانسان فغصب المولى ذلك منها لم تعتق ولو أدت إليه بجهة الكتابة عتقت فكذلك بعد موتها وان كان القاضى دفعه إليه وهو لا يعلم أن عليها دين فهو بمنزلة الباب الاول تعتق هي وولدها لان أداء القاضي كأداء الولد أو أقوى منه لان القاضي له ولايه قضاء دين الميت من ماله كما يكون لمن يخلفه ذلك وان أعتق المولى ولدها في حياتها عتق ولم يرفع عنها شئ من الكتابة لانه تبع محض لا يقابله شئ من البدل إذا لم يكن من أهل القبول وقت عقد الكتابة فهو كالولد المولود في الكتابة وان ماتت ولم تترك مالا فأعتق المولى الولد جاز العتق لانه قائم مقامها ولو أعتقها المولى جاز العتق وان كان عليها دين وبقى حق الغرماء في ذمتها فكذلك إذا أعتق ولدها وهذا لان حق غرمائها لا يتعلق بذمة الولد ما بقيت الكتابة انما يتعلق بالكسب وبالعتق لا يفوت شئ من محل حقهم فلا يمنع نفوذ العتق من المولى ولا يفوت الغرماء شئ من محل حقهم ولا يضمن للغرماء شيئا ولكن الولد يسعى لهم في الدين كما كان يفعله قبل العتق رجل كاتب أمته وهى حبلى أو حبلت من بعد ثم أعتق نصفها قبل أن تلد عتق من الولد مثل ذلك لان الجنين تبع لها وثبوت الحكم في التبع بثبوته في الاصل فلهذا يعتق منه بقدر ما عتق منها وهى بالخيار ان شاءت سعت في نصف المكاتبة وان شاءت سعت في نصف القيمة في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان العتق عنده يتجزى وقد تلقاها جهتا حرية الكتابة والسعاية فتختار أيتهما شاءت فان ماتت بعد ما ولدت يسعى الولد فيما على أمه لانها بمنزلة المكاتبة سواء اختارت السعاية في نصف المكاتبة أو نصف القيمة والولد مولود في كتابتها فيسعى فيما عليها ولا يسعى في شئ من قيمة نفسه لان ثبوت العتق في نصفه بطريق التبعية للام فلا ينقلب مقصودا فيما كان فيه تبعا وان كان عليها دين يسعى الولد في جميع الدين أيضا لانه قائم مقامها فيما كان عليها من الدين والكتابة وهذا لانه لا يعتق

[ 31 ] الا بعتقها فكان هذا والولد المولود في الكتابة سواء وان أعتقه المولى لم يبطل عنه الدين لان الدين قد ثبت في ذمته على أن يؤدى من سعايته باعتبار خلافته عنها فلا يبطل باعتاق المولى اياه كما لا يبطل باعتاق المولى اياها وان كان هذا الولد جارية فعلقت من المولى ثم مات المولى عتقت بجهة الاستيلاد لانها كانت كالمكاتبة للمولى وسعت في الدين الذى على أمها كما لو كان المولى أعتقها في حياته ولم تسع في المكاتبة لان سعايتها في المكاتبة كان لتحصيل العتق لنفسها وقد عتقت ولان المولى باعتاقه اياها بعد موت الام يصير مبرئا لها عن بدل الكتابة ألا ترى أنه لو أعتق أمها في حياتها كان مبرئا لها عن بدل الكتابة فكذلك الولد ويستوى ان أعتقها قصدا أو بالاستيلاد وإذا كاتب الرجل أمة فولدت ولدا فجنى على الولد جناية أو اكتسب مالا فجميع ذلك للام لانه تابع لها في الكتابة فكسبه وأرش طرفه لها وليس للولد أن يمنع شيئا منها وان كان كبيرا فان عتقا ثم ماتت الام فذلك ميراث عنها سواء كانت أخذت منه أو لم تأخذ بخلاف ما يكتسبه الولد بعد موتها وهذا لان في حال بقاء الاصل لا عبرة للتبع فكان كسب الولد ككسبها ولو اكتسبت ثم عتقت وماتت كان كسبها ميراثا عنها سواء كان في يدها أو في يد غيرها فكذلك كسب ولدها فأما بعد الموت فات ما هو الاصل ولكن بقى الولد خلفا عنها فيما كان من حاجتها وحاجتها إلى أداء البدل لتعتق به فلهذا كان ما وراء ذلك من كسب الولد له وان مات الولد بعد العتق من تلك الجراحة كان جميع قيمته للام لان الجاني صار قاتلا له فان بالعتق لا تنقطع السراية هنا حين لم يتبدل المستحق وإذا صار قاتلا له وهو مكاتب وقت جنايته فيكون الواجب عليه القيمة ويكون ذلك سالما للام وان مات الولد عن مال وورثة أحرار ثم ماتت الام قبل أن تأخذه ولم تترك شيئا فذلك المال مالها لان سبب الاستحقاق تم لها في حياتها فلا يبطل حقها بموتها ولكن القيمة مالها ويأخذ المولى منه المكاتبة والباقى ميراث عنها ويجوز لولد المكاتبة ان يبيع ويشترى لانه بمنزلة أمه مكاتب فيملك التصرف وان كان كسبه لها بحكم التبعية في الكتابة فان لحقه دين ثم ماتت الام سعى في جميع ذلك كما كان يسعى في حياتها فان أكتسب مالا قضى منه الدين الذى عليه وعلى أمه وسعى في الكتابة لانه مع لحوق الدين اياه هو قائم مقام الام بعد موتها فيسعى في جميع ما عليها وان مات بدئ بدينه لان دينه في ذمته أقوى من حيث انه أسبق تعلقا وانه أصيل فيه لمباشرة سببه فيبدأ من كسبه بدينه ثم بدين أمه ألا ترى ان المكاتبة لو أذنت لعبدها في

[ 32 ] التجارة فلحقه دين ثم ماتت كان غرماء العبد أحق بمالية الرقبة من غرمائها فكذلك الولد وهذا لان كسبه لها بعد ما يفرغ من حاجته فان حاجة المكتسب في كسبه مقدم على حاجة غيره مكاتبة ولدت بنتا فكبرت وارتدت ولحقت بالدار ثم أسرت لم تكن فيئا لانها مكاتبة تبع لامها والمكاتبة لا تملك بالاسر فتحبس حتى تتوب أو تموت كما لو كانت الام هي التى فعلت ذلك وبهذا ونحوه يتبين فساد قول من يقول من أصحابنا ان أحدا لا يتكاتب على أحد فان الابنة لو لم تصر مكاتبة حقيقة لصارت فيئا بالاسر فان ماتت المكاتبة عن غير وفاء فان القاضى يخرج الابنة من الحبس حتى تسعى فيما على امها لان حبسها لحق الشرع وحق الامة والمولى فيها وفي سعايتها مقدم على حق الشرع الا ترى ان الامة إذا ارتدت لم تحبس ولكنها تدفع إلى المولى يستخدمها ويحبسها فكذلك الابنة هنا تخرج لتسعى فيما على أمها مكاتبة ولدت ولدا ثم قتلها الولد فقتلها بمنزلة موتها وليس عليه من جنايته شئ لانه جزء منها فكأنها جنت على نفسها ولانه لو جنى على غيرها كان موجب جنايته في كسبه وكسبه لها فلو وجب لها بجنايته شئ انما يجب فيما هو من حقها فلا يكون مفيدا وان جنت الام جناية على انسان ثم ماتت قبل ان يقضى عليها بشئ سعى الولد في الجناية والكتابة لانه قائم مقامها وهى في حياتها كانت تسعى فيها فان عجز نظر فان كان القاضي قضى لولى الجناية بالقيمة فهو بمنزلة الدين على الولد يباع فيه وان كان القاضى لم يقبض لولى الجناية بشئ بطلت الجناية بعجزه كما لو عجزت في حال حياتها قبل قضاء القاضى ثم ماتت وهذا لان حق ولى الجناية في رقبتها وانما يصير دينا في ذمتها بقضاء القاضى فإذا ماتت قبل القضاء بطل حقه لفوات محله فكذلك هنا والله أعلم بالصواب (باب مكاتبة الرجلين) (قال) وإذا كاتب الرجلان عبدهما مكاتبة واحدة فأدى إلى أحدهما حصته لم يعتق نصيبه منه ما لم يؤد جميع المكاتبة اليهما لان العقد واحد في حق المكاتب فلا يعتق شئ منه باداء بعض البدل كما لو كان لرجل واحد وهذا لان المقبوض غير سالم للقابض بل لشريكه أن يستوفي منه نصفه لانه مال وجب لهما بسبب واحد عوضا عما هو مشترك بينهما فكان اداؤه إلى أحدهما كادائه اليهما وان أعتقه أحدهما جاز لانه مالك لنصيبه متمكن من اعتاقه

[ 33 ] بعد الكتابة كما كان متمكنا منه قبل ذلك وكذلك ان وهب له نصيبه من المكاتبة أو ابرأه عنه عتق لانه لو كان مالكا لجميعه كان معتقا له بابرائه عن جميع البدل فكذلك إذا كان مالكا لبعضه كان معتقا لحصته بابرائه اياه عن حصته من البدل بمنزلة مالو قال له أنت حر بخلاف ما لو استوفى حصته وهذا لان ما أسقط بالهبة والابراء نصيبه خاصة فيتحقق به براءة ذمة المكاتب عن نصيبه فأما المستوفي ليس بنصيبه خاصة حتى كان لشريكه ان يشاركه فلا يتم براءة ذمته عن نصيبه بهذا الاستيفاء وكذلك ان سلم الشريك للقابض ما قبض أو كان قبض نصيبه باذن شريكه لانه لا يتم سلامة المقبوض له بهذا أيضا حتى لو عجز الغلام كان المأخوذ بينهما نصفين وهذا لانه انما سلم المقبوض بشرط أن يسلم له ما في ذمة المكاتب فإذا فات شرطه بالعجز رجع بنصف ما قبض كالمحال عليه إذا مات مفلسا يعود الدين إلى ذمة المحيل ثم المكاتب بالخيار بعد اعتاق أحدهما اياه ان شاء عجز ويكون الشريك بالخيار بين التضمين والسعاية في نصف القيمة والعتق في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وبين العتق والسعاية ان كان المعتق معسرا لانه بتعجيزه نفسه انفسخت الكتابة فيكون حكمه حكم عبد مشترك بين اثنين يعتقه أحدهما وعلى قول أبي يوسف رحمه الله يضمن المعتق نصف قيمته ان كان موسرا ويسعى العبد في نصف قيمته ان كان معسرا كما هو مذهبه في العبد المشترك وعلى قول محمد رحمه الله يضمن الاقل من نصف القيمة ونصف ما بقي من الكتابة وكذلك يسعى العبد في الاقل عند عسرة المعتق لان وجوب الضمان والسعاية لدفع الضرر عن الشريك ويندفع الضرر عنه بايجاب الاقل كأن حقه وقت الاعتاق كان في الاقل ألا ترى أنه يعتق نصيبه باتصال ذلك إليه والضرر يندفع عنه باتصال حقه إليه وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول اعتبار الاقل بحكم بقاء الكتابة وحين عجز نفسه فقد انفسخت الكتابة فكان حق الساكت في نصف العبد عينا ولا يندفع الضرر عنه الا باتصال نصف القيمة إليه ولا معنى لاعتبار الاقل بعد ذلك وان اختار المضى على المكاتبة ثم مات عن مال كثير أخذ المولى الذى لم يعتق نصف المكاتبة من ماله كما كان يطالبه به في حياته ثم الباقي بعد ذلك لورثته وإذا كاتب الرجلان عبدين بينهما مكاتبة واحدة ان أديا عتقا وان عجزا ردا فانه يكون كل واحد منهما مكاتبا بينهما على حدة بحصته وذلك بأن يقسم المسمى على قيمتهما فيكون كل واحد منهما مكاتبا بحصته وإذا أدى أحدهما حصته اليهما عتق بخلاف ما لو كانا لرجل واحد لان هناك كل واحد منهما

[ 34 ] يمكن أن يجعل ملتزما لجميع البدل البعض بطريق الاصالة والبعض بطريق الكفالة مراعاة لشرط المولى والمالك واحد فلا يكون ذلك منهما كفالة على الحقيقة فأما هنا نصف كل واحد منهما لمالك على حدة فلو جعلنا كل واحد منهما مطالبا بجميع البدل كان بحكم الكفالة في البعض وفى نصف ذلك كفالة من كل واحد منهما عن مملوك هو لغير مولاه فيكون كفالة حقيقة ولا تصح الكفالة من المكاتب ولا ببدل الكتابة فلهذا كان كل واحد منهما مطالبا بحصته خاصة يعتق بأداء ذلك اليهما كما لو كاتبه كل واحد منهما بعقد على حدة عبد بين رجلين كاتب احدهما نصيبه بغير اذن شريكه فللشريك أن يرد المكاتبة وقال ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى ليس له ذلك بمنزلة ما لو أعتق أحدهما نصيبه أو بمنزلة ما لو باع أحدهما نصيبه لان تصرف المكاتب لاقى خالص ملكه ولكنا نقول هذا عقد محتمل للفسخ وفى ابقائه ضرر على الشريك الآخر أما في الحال فلانه يتعذر عليه بيع نصيبه وأما بعد الاداء فلانه يتعذر عليه استدامة الملك في نصيبه فلدفع الضرر عن نفسه يتمكن من فسخ عقد شريكه وإذا جاز فسخ الكتابة لدفع الضرر عن المتعاقدين فلان يجوز فسخه لدفع الضرر عن غيرهما ممن لم يرض بعقدهما أولى ولا يبعد أن يلاقى تصرف الانسان ملكه ثم للغير أن يفسخه لدفع الضرر عن نفسه كالراهن يبيع المرهون أو الآجر يبيع المؤاجر فان أعتقه الشريك الآخر بعد ذلك نفذ عتقه عندنا وقال ابن أبى ليلى لا ينفذ عتقه حتى ينظر ماذا يصنع في المكاتبة فان أداها عتق وضمن الذى كاتبه نصيب شريكه والولاء كله له وان عجز ينفذ عتقه وهذا بناء على أصله أن الكتابة لا تتجزى وأن المولى بعقد الكتابة يستحق الولاء فإذا صار المكاتب مستحقا لجميع ولائه لا يملك الآخر ابطاله عليه بالاعتاق ولكن يتوقف حكم اعتاقه لتوقف ملكه في نصيبه فان أدى الكتابة تبين أن نصيب الشريك كان منتقلا إلى المكاتب فيضمن المكاتب له نصف قيمته والولاء كله له وان عجز تبين أنه كان مشتركا بينهما فينفذ عتق المعتق في نصيبه فأما عندنا نصيب الشريك باق على ملكه عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى غير مكاتب وعندهما مكاتب كان متمكنا من فسخ الكتابة فيعتق نصيبه باعتاقه وإذا أعتق فالمكاتب بالخيار في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ان شاء مضى على الكتابة وادى البدل وكان ولاؤه لهما وإذا اختار ذلك فليس للمكاتب ان يضمن المعتق شيئا لانه ما اتلف عليه شيئا من حقه وان شاء عجز نفسه فعند ذلك يخير الذى كاتبه بين عتقه

[ 35 ] واستسعائه وتضمين شريكه لما بينا وعندهما يعتق كله باعتاق أحدهما وان كان المعتق موسرا فللآخر حق التضمين فان كان معسرا فللآخر حق الاستسعاء على ما بينا من الاختلاف بينهما وعلى هذا لو كاتب الآخر نصيبه أيضا عند أبن أبى ليلي لا ينفذ منه وعندنا ينفذ ويكون مكاتبا بينهما وليس للمكاتب الاول أن يفسخ عقد الثاني وان باشره بغير اذنه لان ثبوت حق الفسخ لمعنى دفع الضرر ولا ضرر عليه هنا لان نصيبه مكاتب ثم المسألة في كتابة أحد الشريكين على ثلاثة أوجه أحدها ان يكون بغير اذن شريكه ويستوفى البدل قبل ان يفسخ الشريك الكتابة فنقول على قول أبى حنيفة رحمه الله يعتق نصيبه لوجود شرط العتق وهو أداء البدل ثم يكون للساكت ان يأخذ من المكاتب نصف ما أخذ من العبد لان المؤدى كسبه وكسبه كان مشتركا بينهما فله ان يأخذ نصف ذلك منه ونصف ما بقي من الكسب في يد العبد أيضا ثم يرجع المكاتب على العبد بما أخذه منه شريكه لان جميع البدل كان بمقابلة نصيبه وقد سلم نصيبه للعبد أيضا ولم يسلم للمولى نصف البدل فيرجع به عليه كما لو استحقه مستحق آخر من يده ثم ان كان المكاتب موسرا فللشريك خير بين ثلاثة أشياء وإذا اختار التضمين يرجع المكاتب بما ضمن على العبد ويكون الولاء كله له وان اختار الاستسعاء أو الاعتاق أو كان المكاتب معسرا فالولاء بينهما وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى الجواب كذلك الا أن المكاتب لا يرجع على العبد بالنصف الذى أخذه شريكه منه لان عندهما صار الكل مكاتبا فان جميع البدل مقابل بجميع الكسب ولم يسلم له الا النصف وقد سلم للمولى من جهته نصف البدل أيضا ثم ان كان المكاتب موسرا فليس للساكت الا التضيمن وان كان معسرا فليس له الا الاستسعاء والوجه الثاني أن يكاتب أحدهما نصيبه باذن شريكه فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى إذا استوفي البدل عتق نصيبه وللشريك أن يرجع عليه بنصف ما أخذ أيضا وبنصف ما بقى من الكسب في يد العبد لانه أداه من كسبه واذنه في العقد لا يكون اذنا في قبض البدل ألا ترى أن الوكيل بالكتابة لا يملك قبض البدل فلهذا كان هذا الفصل والفصل الاول سواء عنده الا في حكمين أحدهما أنه لا يكون للآخر حق فسخ الكتابة والآخر أنه لا يكون له أن يضمن المكاتب بعد العتق لوجود الرضا منه بالسبب وعلى قولهما اذنه في كتابة نصيبه يكون اذنا في كتابة الكل فيصير الكل مكاتبا بينهما الا أن بقبض أحدهما جميع البدل لا يعتق ما لم يصل إلى الآخر نصيبه لان

[ 36 ] المكاتب في نصيبه كان وكيلا والوكيل بالكتابة لا يملك القبض للبدل فإذ وصل إلى الآخر نصيبه حينئذ يعتق وما بقي من الكسب كله سالم للعبد والوجه الثالث أن يأذن أحدهما لشريكه في أن يكاتب نصيبه ويقبض البدل فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى إذا قبض المكاتب البدل فليس للشريك أن يرجع بشئ من المقبوض لانه قبضه برضاه وصار هو آذنا للعبد في أن يقضى دينه بكسبه فلا يثبت له حق استرداد شئ من القابض بخلاف الاول وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يعتق كله بقبض المكاتب سواء وصل إلى الشريك نصيبه أو لم يصل لانه كان وكيلا من جهته في قبض البدل فيعتق العبد بالاداء إليه والمقبوض مشترك بينهما ولا سبيل للشريك على ما بقي من كسب العبد في يده سواء وصل إليه نصيبه مما قبضه المكاتب أو لم يصل بأن هلك في يده لان هلاك نصيبه في يد وكيله كهلاكه في يده وان كان أحد الشريكين كاتب جميع العبد فقول أبى حنيفة رحمه الله تعالى في هذا كقولهما حتى إذا عتق بالاداء إليه رجع الشريك عليه بنصف المقبوض وإذا كان بغير اذنه لم يكن له أن يرجع على العبد بشئ من ذلك لان جميع البدل هنا بمقابلة جميع الكسب والرقبة ولم يسلم له من جهة المكاتب الا النصف وقد سلم للمكاتب نصف البدل أيضا فلا يرجع عليه بشئ آخر فان أذن احدهما لصاحب أن يكاتب نصيبه ويقبض البدل ثم نهاه بعد ما قبض بعضه صح نهيه لان أذنه للمكاتب في قضاء دينه بنصيبه من الكسب لا يكون ملزما شيئا اياه فيكون له أن يرجع عن ذلك حتى يشاركه فيما يقبض بعده ولا يشاركه فيما كان قبض قبل النهى اعتبارا للبعض بالكل وان كاتب أحدهما نصيبه بغير اذن شريكه فلم يعلم به شريكه حتى كاتبه نصيبه باذن الاول ثم علم بكتابة الاول فأراد ردها لم يكن له ذلك لانه بمباشرة الكتابة في نصيبه صار مسقطا لخياره فان الخيار له كان لدفع الضرر وقد التزم ذلك الضرر ثم ما يأخذ واحد منهما بعد هذا منه فهو سالم له لا يشاركه الآخر فيه لان نصيب كل واحد منهما صار مكاتبا بعقد باشره بنفسه فلا يكون بينهما في البدل شركة كما لو باع كل واحد منهما نصيبه بعقد على حدة بخلاف ما إذا كاتباه معا لان البدل هناك وجب لهما بعقد واحد وان كان الاول أخذ منه شيئا قبل كتابة الثاني كان للثاني أن يشاركه فيه لان الثاني انما يكون مسقطا حقه عن كسبه بكتابة نفسه فيقتصر ذلك على ما يكتسبه بعد كتابته فلا يتعدى إلى ما كان قبله وان أذن كل واحد منهما لصاحبه في مكاتبة نصيبه منه فهذا اذن له

[ 37 ] في القبض ولا يرجع أحدهما فيما قبض الآخر ولا يشركه وقوله وهذا اذن له في القبض تجوز في العبارة فان الاذن في الكتابة لا يكون اذنا في القبض ولكن انما لا يرجع واحد منهما على صاحبه لان المكاتب صار أحق بجميع كسبه ونصيب كل واحد منهما من البدل واجب بعقد على حدة فلا شركة بينهما في المقبوض وان كاتب أحدهما نصيبه منه بعد ما أذن له صاحبه في الكتابة والقبض فقبض بعض الكتابة ثم عجز الغلام ففى القياس للشريك أن يرجع على القابض بنصف المقبوض لانه انما رضى بقبضه ليعتق نصيبه به ولم يعتق حين عجز الغلام ولانه انما رضى الآذن بأن يقضي العبد دينه بنصيبه من الكسب وبعد العجز لا دين فبقي هو كسب عبد مشترك بينهما فله أن يأخذ منه نصفه وفى الاستحسان لا سبيل له عليه فيما قبض اعتبارا للبعض بالكل وهذا لانه صار مسقطا حقه عن المقبوض حين أذن له في قبضه فلا يعود حقه فيه بعجز الغلام ألا ترى أنه لو تبرع انسان بقضاء بعض البدل عن المكاتب ثم عجز المكاتب عما بقي لم يكن للمتبرع استرداد ما تبرع به فهذا مثله وإذا كاتب احدهما كله بغير اذن شريكه ثم وهب للعبد نصف المكاتبة لم يعتق منه شئ كما لو كان العبد كله له وهذا لانه أضاف الهبة إلى نصف شائع فلا يتعين لذلك حصة نصيبه خاصة فلهذا لا يعتق وان قال وهبت لك جميع حصتي من هذه المكاتبة عتق إما لان جميع البدل وجب بعقده فكان هذا وقوله وهبت لك المكاتبة كلها سواء أو لانه برئ من حصته من البدل حين أضاف الهبة إلى نصيبه خاصة بمنزلة ما لو كاتباه ثم وهب أحدهما جميع حصته الا أن الاول أصح لان العبد هنا لا يعتق الا بأداء جميع البدل إليه فعلم أن هبة جميع حصته تكون هبة لجميع المكاتبة مكاتبة بين رجلين علقت من احدهما فهى بالخيار لانه تلقاها جهتا حرية فان شاءت عجزت فكانت أم ولد له ويضمن لشريكه نصف قيمتها ونصف عقرها لانها أمة بينهما وقد استولدها وان شاءت مضت على الكتابة وأخذت عقرها فان مضت على الكتابة ثم علقت من الآخر ثم عجزت فالولد الاول للاول والولد الثاني للثاني لان نصفها في الظاهر مكاتب له حين استولدها وذلك يكفى لثبوت نسب الولد الثاني منه وهي أم ولد للاول لانه استحق حق أمية الولد في جميعها الا أن المكاتبة في نصيب الآخر كان مانعا من ظهور هذا الاستحقاق قبل العجز وقد ارتفع هذا المانع بالعجز فصارت أم ولد له من ذلك الوقت ألا ترى أن الخيار إذا سقط في البيع

[ 38 ] بشرط الخيار يثبت الملك للمشتري من وقت العقد حتى يستحق الزوائد وإذا صارت أم ولد له فعليه نصف قيمتها للثاني وعلى الثاني جميع قيمة الولد لانه تبين أنه استولد مملوكة الغير ولكنه كان مغرورا باعتبار ظاهر الملك فيكون ولده حرا بالقيمة ولم يذكر حكم العقر لانه على رواية هذا الكتاب وجب نصف العقر على الثاني ونصف العقر على الاول فيكون احدهما قصاصا بالآخر وقد بينا في كتاب الدعوى أن الاصح وجوب جميع العقر على الثاني ثم يكون النصف بالنصف قصاصا ويبقي للاول نصف العقر على الثاني وبينا هناك ان قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى أيضا انه حين استولدها أحدهما صار الكل أم ولد له وهى مكاتبة فلا يصح استيلاد الثاني بعد ذلك ولا يثبت النسب منه بالدعوى مكاتبة بين رجلين ولدت بنتا ثم وطئ أحدهما الابنة فعلقت منه قال ثبت نسبه منه لان الابنة بمنزلة أمة مكاتبة بينهما فيثبت نسب ولدها من احدهما بالدعوى كما ثبت نسب ولد المكاتبة والابنة على حالها ليس لها أن تخرج نفسها من المكاتبة لتكون أم ولد للمستولد لانها تابعة في العقد فلا تملك فسخ العقد في حق نفسها مقصودا ولا ولاية لها على فسخ العقد في حق أمها ولان الام انما كانت تعجز نفسها عما عليها من البدل وليس على الولد شئ من البدل وقد كان للام منفعة في التخيير فخيرناها ولا منفعة للابنة في ذلك وعلى المستولد عقرها لانه وطئها وهى مكاتبة ولكن عقرها للام بمنزلة كسبها وانها تابعة للام في الكتابة فان عجزت المكاتبة صارت الابنة أم ولد للواطئ لان المانع من ظهور أمية الولد في نصيب شريكه منها قد ارتفع بعجز الام وانما تصير أم ولد له من حين علقت منه فلهذا يضمن لشريكه نصف قيمتها يوم علقت منه وان لم تعجز فاعتق الشريك الآخر الابنة بعد علوقها من الاول عتقت عند أبى حنيفة رحمه الله لان نصيبه من الابنة باق على ملكه ما بقيت الكتابة فيها فينفذ عتقه ولا سعاية عليها لان نصيب المعتق عتق باعتاقه ونصيب الآخر بمنزلة أم الولد ولا سعاية على أم الولد للمستولد في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى بمنزلة أم ولد بين شريكين أعتقها أحدهما وولدها حر لانه ثابت النسب من المستولد وقد عتقت بذلك لكونه متمكنا من اعتاقه ولا سعاية عليه في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى أيضا لان اعتاق الشريك نصيبه من الام يكون اعتاقا لنصيبه منه كما بينا من عتق السفلى باعتاق العليا على أصله والمكاتبة باقية على حالها تعتق بالاداء أو تعجز فتكون أمة بينهما مكاتبة بين رجلين ولدت فاعتق

[ 39 ] أحدهما الولد عتق نصيبه منه لكونه مالكا لنصيبه بسبب دخوله في مكاتبة الام وهو على حاله حتى تعجز الام أو تعتق لانه لما صار تبعا لامه في الكتابة لا ينقلب مقصودا ما بقى حكم التبعية ولان الام لها حق في كسب الولد فلا يتمكن المعتق من ابطال حقها في كسبه فان عتقت عتق معها لبقاء حكم التبعية في النصف الذى بقى رقيقا منه فان عجزت فقد زال معنى التبعية وصار الولد مقصودا وهو مشترك بينهما أعتقه أحدهما وقد بينا حكم العبد المشترك يعتقه أحد الشريكين وإذا اختار التضمين يضمنه نصف قيمته وقت اعتاقه لا وقت عجز الام لان وجوب الضمان بسبب الاعتاق فتعتبر القيمة عند ذلك كما تعتبر قيمة المغصوب وقت الغصب مكاتبة بين رجلين ولدت بنتا فوطئا الابنة فعلقت فولدت منهما ثم ماتا فالابنة حرة لانها كانت أم ولد لهما فتعتق بموتهما كما لو اعتقاها وهذا لانها استغنت عن تبعية الام لما ظهر لها من سبب العتق مجانا وتبقي الام على مكاتبتها لان نفوذ العتق في التبع لا يوجب عتق الاصل ولو كانت الام هي التى ولدت منهما ثم ماتا عتقت هي بجهة الاستيلاد وعتق ولدها أيضا لانه تبع لها وثبوت العتق في التبع بثبوته في الاصل ولان عتقها بالاستيلاد كعتقها باعتاق منهما ابتداء وقد بينا أنهما إذا أعتقاها عتق الولد معها لان اعتاقهما اياها بمنزلة الاستيفاء لما عليها من المكاتبة وان عجزت ثم ولدت منهما بعد ذلك فالولد الاول رقيق لان بعجزها انفسخت الكتابة وصار الولد الاول رقيقا ثم يثبت فيها حق أمية الولد بعد انفصال هذا الولد عنها وحق العتق لا يسري إلى الولد المنفصل كحقيقة العتق وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إذا كاتب أحد الشريكين بغير اذن شريكه ثم علقت منه فهى أم ولد له وأبو حنيفة رحمه الله تعالى في هذا لا يخالفهما لان نصيب الشريك عنده لم يصر مكاتبا فتصير أم ولد للمشترى ولكنه حفظ جوابهما ولم يحفظ جواب أبى حنيفة وهى مكاتبة على حالها لان الكتابة لا تنافى الاستيلاد سابقا ولا طارئا ويضمن نصف قيمتها ونصف عقرها للشريك وهذه اجازة للمكاتبة لان العقد في حق الشريك لدفع الضرر عنه وقد زال ذلك بتحول نصيبه إلى المستولد قال وهذا بمنزلة رجل له أم ولد كاتبها يريد به التشبيه في حكم لزوم الكتابة فأما في مسألة الاصل المستولد ضامن نصف العقر لان كتابته في نصيبه كان نافذا ومن استولد مكاتبته يلزمه العقر لها وقد فسره بعد هذا فقال جارية بين رجلين كاتبها احدهما بغير اذن شريكه ثم

[ 40 ] وطئ الذى كاتبها قبل ان يعلم شريكه بالمكاتبة فولدت منه فهي أم ولد له والمكاتبة جائزة ويضمن الواطئ نصف قيمتها ونصف عقرها للشريك ونصف العقر لها وللمكابتة الخيار لانه تلقاها جهتا حرية فان اختارت الكتابة أخذت نصف العقر منه وان اختارت ان تكون أم ولد له لم يكن لها نصف العقر لان استحقاقها نصف العقر لكونها أحق بنفسها بعقد الكتابة وقد زال ذلك حين اختارت الاستيلاد فان أم الولد لا تستوجب على مولاها دينا وان أجاز شريكه المكاتبة بعدما علقت منه فاجازته باطلة وهى مكاتبة لانه أجاز عقدا باطلا ولان نصيبه تحول إلى المكاتب بالاستيلاد وانما كان يعتبر اجازته باعتبار ملكه فان وطئها الذى لم يكاتب فعلقت منه فهى أم ولد الذى علقت منه لانه مالك لنصيبه منها فصح استيلاده فيها والمكاتبة على حالها جائزه حتى يردها الواطئ لانه لا منافاة بين الاستيلاد والكتابة وكل واحد منهما يطرأ على صاحبه فلم يكن اقدامه على الاستيلاد إبطالا منه للكتابة ولكنه لو انفسخت الكتابة بعد ذلك صار الكل أم ولد له لان المانع من انتقال نصيب الشريك إليه بالاستيلاد هو الكتابة وقد ارتفعت وان كاتبها احدهما باذن شريكه ثم استولدها الآخر فان شاءت عجزت وكانت أم ولد المستولد لزوال المانع في نصيب الشريك وان شاءت مضت على كتابتها وأخذت منه نصف العقر لان الكتابة في نصيب الشريك لازمة حين باشرها باذن شريكه وتأخذ منه نصف العقر لانها أحق بنفسها في ذلك النصف فإذا أدت المكاتبة عتقت ولم تسع للمستولد في شئ لان نصيبه منها أم ولد ولا سعاية على أم الولد للمستولد في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وان كاتب احدهما نصيبه بغير اذن شريكه فاكتسبت مالا وقضت منه الكتابة فعتقت ثم اكتسبت مالا ثم حضر الذى لم يكاتب فله نصف ما اكتسبته قبل اداء الكتابة ولها نصفه لان نصيب المكاتب منها مكاتب ونصيب الشريك مملوك له والكسب يملك بملك الاصل وما اكتسبته بعد اداء الكتابة فهو لها لان عندهما تعتق كلها بعتق البعض وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يعتق نصيب المكاتب ونصيب الشريك بمنزلة المكاتب لما عليها من السعاية والمكاتب أحق بكسبه من المولى فلهذا لم يكن للشريك شئ مما اكتسبت بعد اداء الكتابة فان ماتت قبل ان تؤدى شيئا وتركت مالا فنصفه للذى لم يكاتب لانه كسب نصيبه منها ويأخذ الذى كاتب النصف الباقي في المكاتبة لان كسب نصيبه منها والمكاتبة كانت نافذة في نصيبه فيأخذ بدل

[ 41 ] الكتابة من تركتها بعد موتها ثم يأخذ الذى لم يكاتب نصف قيمتها مما بقى ان كان شريكه معسرا لانه يثبت له حق استسعائها في نصف القيمة ان كانت حية وقد ماتت عن مال فيأخذ تلك السعاية من مالها والباقى ميراث لورثتها الاحرار لانه حكم بعتقها بأداء السعاية مستندا إلى حال حياتها فان لم يكن لها وارث غيرهما كان ما بقي بينهما نصفين لان نصيب كل واحد منهما عتق على ملكه في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى فهى مولاة لهما وان شاء أن يضمن شريكه لانه موسرا كان له ذلك لان المكاتب صار معتقا لنصيبه ثم يرجع به المكاتب في مالها كما يرجع عليها لو كانت حية ويكون ولاؤها وميراثها له ان لم يكن لها وارث لانه تملك نصيب شريكه بالضمان وان كانت ماتت بعد ما أدت المكاتبة وقد تركت مالا لا يدرى متى اكتسبته قبل الاداء أو بعده فالمال له لان الكسب حادث فيحال حدوثه إلى أقرب الاوقات وهو ما بعد أداء الكتابة ولان سبب الاستحقاق لها لانه قد ظهر وهو اكتسابها واستحقاق النصف لشريكه لم يعلم سببه وهو كون نصيبه قنا حين اكتسب ولا يقال قد عرفنا نصيبه مملوكا قنا له فيجب التمسك بذلك حتى يتبين خلافه لان هذا ظاهر علم زواله بعد ما أدت الكتابة واستصحاب الحال انما يعتبر إذا لم يكن خلافه معلوما في الحال جارية بين رجلين كاتبها أحدهما بغير اذن شريكه فأدت إليه الكتابة ثم وطئها الآخر فعلقت منه قال تسعى له في نصيبه لان نصيبه بمنزلة المكاتب لما عليها من السعاية ولا تصير أم ولد له أما عندهما لانها عتقت بأداء الكتابة وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لانه تعذر استدامة الملك لما نفذ فيها من العتق من جهة المكاتب وانما تكون أم ولد له إذا عجزت عن السعاية وليس لها ذلك ههنا حتى لو مات المستولد قبل أن تؤدى السعاية عتق نصيبه بجهة الاستيلاد وسقط عنها السعاية عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى رجل كاتب جارية ثم مات عن ابنين فاستولدها أحدهما فهي بالخيار ان شاءت عجزت فكانت أم ولد له ويضمن نصف قيمتها ونصف عقرها لشريكه لان الكتابة انفسخت بالعجز فصارت مشتركة بينهما ارثا قد استولدها أحدهما وان شاءت مضت على كتابتها وأخذت عقرها لان المكاتب لا يورث ما بقيت الكتابة وقد سقط الحد عن الواطئ بشبهة حق الملك الثابت له فيها بانعقاد سببه فيجب العقر لها وإذا كاتب الرجلان جارية بينهما مكاتبة واحدة ثم ارتد أحدهما عن الاسلام فأدت المكاتبة اليهما ثم قتل مرتدا قال لا تعتق وليس أداؤها إلى المرتد بشئ في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى

[ 42 ] وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تعتق لان قبض المرتد عندهما جائز كقبض المسلم بمنزلة قولهما في تصرفات المرتد وأما في قول أبى حنيفة تصرفات المرتد تتوقف وتبطل بقتله فكذلك قبضه نصيبه من البدل كان موقوفا وبالقتل تبين أنه كان حق الوارث فكان قبضه باطلا وترجع الورثة على الشريك بنصف ما أخذ كما لو كان هو أخذ نصيبه وحده ولهذا لا يعتق نصيب الشريك منها أيضا ثم يستسعونها في النصف الباقي فان عجزت ردت في الرق بمنزلة مكاتبة أدت نصف البدل إلى الموليين ثم عجزت ثم أشار في الاصل إلى أنه وان كاتبه في حالة الردة لم يجز قبضه لبدل الكتابة بخلاف ما إذا باعه في حالة الردة وقبض ثمنه كان جائزا من قبل ان بالردة صار ماله كأنه للوارث والعاقد في باب الكتابة لا يستحق قبض البدل بعقده إذا كانت المكاتبة لغيره بخلاف العاقد في باب البيع فان حق قبض الثمن له وان كان البيع لغيره وكان في هذا الكلام نظر لان بيعه في كسب اسلامه لا ينفذ بعد الردة ما لم يسلم وبعد الاسلام يجوز قبضه في المكاتبة وفى الثمن جميعا وانما هذا الفرق فيما إذا كان البيع والكتابة قبل الردة فلا يجوز قبضه لبدل الكتابة بعد الردة ويجوز قبضه الثمن بحق العقد ونما لحقه الحجر بالردة كالعبد المأذون إذا باع شيئا ثم حجر عليه مولاه كان قبضه الثمن صحيحا ولو لحق المرتد منهما بدار الحرب فأدت جميع الكتابة إلى الشريك الآخر لم تعتق لان قبضه نصيب ورثة المرتد باطل وان أدت إلى الشريك الباقي والى ورثة المرتد عتقت إذا كان قد قضى بلحاقه كما لو مات فدفعت الكتابة إلى الشريك الحى والى ورثة الميت وان عجزت بعد ما ارتد أحدهما فردها في الرق ثم قتل المرتد على ردته فهي على مكاتبتها لان فسخ الكتابة في نصيب المرتد باطل عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ككتابته والكتابة إذا كانت واحدة لا يمكن فسخها في البعض دون البعض بسبب العجز كما لو كان أحد الموليين غائبا فعجزت عن المكاتبة لم يسفخ القاضي العقد بخصومة الشاهد منهما حتى يحضر الآخر وإذا ارتد الشريكان معا ثم عجزت المكاتبة فرداها في الرق فان أسلما فهى أمة قنة بينهما وان قتلا على الردة فهى على مكاتبتها وان كانت المكاتبة بين رجلين فولدت بنتا ثم ان أحذ الموليين وطئ الابنة فعلقت منه ووطئ الآخر الام فعلقت منه فقالتا نحن نعجز فذلك لهما ومراده أن للام ان تعجز نفسها لانه تلقاها جهتا حرية وأما الولد فليس من هذا الخيار في شئ لانه ليس عليه شئ من البدل

[ 43 ] فإذا اختارت الام المضى على الكتابة أخذت كل واحدة منهما عقرها من الواطى وعقر الابنة يكون للام بمنزلة الكسب وان عجزت كانت كل واحدة منهما أم ولد للذى وطئها ويضمن نصف قيمتها ونصف عقرها لشريكه وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إذا كاتب الرجل نصيبه من عبده بغير اذن شريكه فللشريك أن يرد ذلك ولا يرده الا بقضاء القاضى الا أن يرضى العبد ومولاه الذى كاتبه أن ينقض الكتابة وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى أيضا لان ثبوت حق الفسخ للآخر مختلف فيه بين العلماء فلا يتم الا بقضاء القاضى أو التراضي كالرجوع في الهبة وهذا لان الفاسخ انما يفسخ باعتبار ملكه والعاقد يمنعه من ذلك باعتبار ملكه أيضا فإذا استوت الاقدام كان الفضل إلى القاضى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب مكاتبة الرجل شقصا من عبده) (قال) رضى الله عنه وإذا كاتب الرجل نصف عبده جاز ذلك وصار كله مكاتبا بذلك في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لان الكتابة عندهما لا تتجزأ كالعتق وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يقتصر على القدر الذى كاتب منه فان أدى المكاتبة عتق منه ذلك القدر ويسعى فيما بقى من قيمته على قدر ما يطيق بمنزلة رجل أعتق بعض عبده ومعنى هذا أنه ليس للمولى أن يطالبه بالسعاية في الحال ولكن بجعله منجما عليه بحسب ما يعلم أنه يطيق اداءه لانه معسر فيستحق النظرة النى الميسرة بالنص ولان مقصود تكميل العتق دون التضييق عليه وان اكتسب العبد مالا قبل الاداء إليه فنصفه له ونصفه للمولى لان نصفه مملوك للمولى غير مكاتب والكسب يملك بملك الاصل وما اكتسب بعد الاداء ليس للمولى منه شئ لان النصف منه عتق بالاداء والنصف الآخر يستسعى كالمكاتب فيكون هو أحق بجميع كسبه بعد الاداء وإذا كاتب نصفه ثم أراد أن يحول بينه وبين الكسب لم يكن له ذلك لان مقصود المولى بالكتابة تمكينه من التقلب والتكسب ليؤدي به البدل وقد ثبت هذا الحق للمكاتب بكتابة النصف لازما فكما لا يكون له أن يفسخ الكتابة لا يكون له أن يحول بينه وبين الكسب وإذا أراد أن يخرج من المصر فله أن يمنعه في القياس لان نصفه مملوك له وللمولى أن يمنع ملكه من السفر ولا يتأتي (يتأتى) السفر في قدر ما صار مكاتبا

[ 44 ] منه وحده فكان للمولى أن يمنع دفعا للضرر عن ملكه كمن استأجر دابة ليركبها هو ليس له أن يركب غيره أو استأجر ثوبا ليلبسه هو ليس له أن يلبس غيره لان الركوب واللبس يتفاوت فيه الناس فيصير المستأجر ممنوعا من التصرف فيما يملكه من المنفعة على وجه يلحق الضرر بصاحب الثوب ولكنه في الاستحسان لا يمنع من ذلك لان المولى أثبت له حق التقلب والتكسب وربما لا يحصل له هذا المقصود في المصر والخروج من المصر للطلب طريق ظاهر بين الناس فيصير مثبتا له ذلك الحق حين كاتب نصفه فلا يمنعه بعد ذلك منه وهذا أولى الوجهين بالاخذ به لان المقصود من هذا العقد الارفاق به وكذلك لو أراد أن يستخدمه أو يستسعيه يوما ويخلى عنه يوما للكسب فله ذلك في القياس لان خدمته ومنفعته ككسبه فكما أن للمولى أن يأخذ نصف كسبه فكذلك له أن يجعل نصف خدمته لنفسه بالتهايؤ بينه وبين نفسه وفى الاستحسان لا يعرض له في شئ حتى يؤدى أو يعجز لانه أثبت له حق التقلب والتكسب وذلك بمنافعه يكون فمن ضرورة ثبوت هذا الحق له لازما ان يكون أحق بمنافعه وهذا أولى الوجهين بالاخذ به لانه ارفاق به وليس فيه ضرر على مولاه فانه إذا اكتسب بمنافعه كان للمولى أن يأخذ نصفه فيكون هذا تحويلا لحقه من المنفعة إلى الكسب ولا ضرر فيه ولو جعلنا المكاتب أحق بكسبه كان فيه ابطال حق المولى عن نصف الكسب فلهذا لا يعتبر الارفاق في ذلك وإذا كاتب نصف جاريته فولدت ولدا كان ولدها بمنزلتها ونصف كسبه للمولى لان نصف الولد مملوك كنصف الام ونصف كسبه للام لانه داخل في كتابتها فتأخذ حصة ذلك من كسبه فان أدت عتق نصفها ونصف الولد معها ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته لان كل واحد منهما معتق البعض وقد احتبس ما بقي من ملك المولى فيه عنده وكل واحد منهما مقصود في هذه السعاية فإذا اكتسب الولد بعد ذلك فذلك الكسب له دون أمه ومولاه لانه صار كالمكاتب بما لزمه من السعاية في نصف قيمته مقصودا وان ماتت الام قبل أن تؤدى شيئا من كتابتها يسعى الولد في المكاتبة لان نصفه تبع للام في الكتابة فيقوم مقامها بعد موتها في السعاية وفى المكاتبة فإذا أداها عتق نصفها كما لو أدت في حال حياتها ويسعى بعد ذلك في نصف قيمته ولا يسعى في نصف قيمة أمه لان في السعاية في نصف القيمة كل واحد منهما مقصود فلا يجب عليه ما كان واجبا عليها من السعاية لان ذلك في حكم التبعية ولا تبعية هنا في حق

[ 45 ] ذلك النصف وهو بمنزلة رجل أعتق نصف جاريته ونصف ولدها ثم ماتت الام فلا سعاية على الولد من قبل الام ولو كان أعتق نصف أمته وهى حبلى فولدت بعد ذلك أو حبلت بعد العتق فهذا الولد يسعى فيما على أمه إذا ماتت لان جميع الولد تبع لها ألا ترى أنه ليس عليه شئ من السعاية مقصودا فيسعى فيما عليها بعد موتها وإذا كاتب نصف أمته فولدت ولدا ثم ماتت الام وتركت مالا وعليها دين قضى الدين من جميع تركتها أولا لان نصفها مكاتب ونصفها مأذون ودين المأذون في كسبه مقدم على حق المولى ويكون للمولى نصف ما بقي بعد الدين لان نصفه ملكه وكسب ذلك النصف له بعد الفراغ من الدين ونصف المكتسب لها فيؤدى من ذلك كتابتها فان بقي شئ أخذ المولى نصف قيمتها لانه كان يستسعيها في نصف القيمة بعد أداء الكتابة لو كانت حية فيأخذ ذلك من تركتها بعد موتها والباقى ميراث لورثتها لانا حكمنا بموتها حرة ولا يرث هذا الولد منها شيئا لان استناد العتق في الولد إلى حال حياتها كان في النصف الذى هو تبع لها وفى النصف الباقي الولد مقصود فان عليه أن يسعى في نصف قيمته ولا يعتق الا بعد أداء سعايته فكان بمنزلة المملوك عند موت أمه فان لم تدع الام شيئا سعى الولد في الدين كله لان في حكم الدين الولد قائم مقام لام كولد المأذونة وولد المكاتبة يسعى في الكتابة أيضا لهذا المعنى ثم يسعى في نصف قيمة نفسه لانه معتق النصف بعد أداء الكتابة ولا يسعى في نصف قيمة الام لما بينا أنه ليس بتبع لها في هذا النصف فان أدى الكتابة قبل أن يؤدى دين الغرماء عتق نصفه ونصف أمه كما لو أدت في حياتها ولم يرجع الغرماء على المولى بما أخذ لكنهم يتبعون الولد بالدين لانه قائم مقامها فأخذه بدل الكتابة منه كأخذه منها وإذا أخذ منها كان المأخوذ سالما والغرماء يتبعونها بديونهم فكذلك الولد وما اكتسب الولد قبل أن يؤدى الكتابة فنصفه للمولى بعد الدين لان الولد بمنزلتها وقد بينا أنه يبدأ بالدين من كسبها ثم يسلم للمولى نصف ما بقى باعتبار ملكه في نصفها فكذلك الولد رجل كاتب نصف أمته فاستدانت دينا سعت في جميع الدين لان كتابة النصف من المولى يتضمن الاذن للنصف الآخر في التجارة على ما بينا أنه تمليك لها من التقلب والتكسب ومن ضرورته الاذن في التجارة فان عجزت كان جميع الدين في جميع رقبتها تباع في ذلك لان جميع الدين ظهر وجوبه في حق المولى باعتبار الاذن

[ 46 ] فتباع فيه بعد العجز وكذلك ان كانت لشريكين وكاتبها أحدهما باذن شريكه فاستدانت دينا ثم عجزت فالدين في جميع رقبتها تباع فيه لان رضا الشريك بالكتابة يتضمن الاذن لها في التجارة في نصيب نفسه ضرورة عبد بين رجلين اذن له احدهما في التجارة فاستدان دينا فهو في نصيب الآذن خاصة لان الاذن رضى بتعلق الدين بمالية رقبته وذلك منه صحيح في نصيبه دون نصيب شريكه وكذلك ان كاتب احدهما بغير اذن شريكه لان الشريك لم يرض بتعلق الدين بنصيبه ولا بثبوت حكم الاذن في نصيبه بخلاف ما إذا كانت الكتابة باذنه فان اشترى الذى أذن له في التجارة نصيب شريكه بعد ما لحقه الدين فالدين في النصف الاول خاصة كما لو كان قبل شرائه وكذلك ما استدان بعد هذا بغير علم مولاه لان حكم الاذن لم يثبت في المشترى بنفس شرائه وهذا النصف كان محجورا قبل الشراء وتأثير الشراء في رفع الاذن الثابت لا في اثباته وان علم أنه يشترى ويبيع فلم ينهه فالقياس كذلك لان شراءه وبيعه صحيح باعتبار الاذن في نصفه وتأثير سكوت المولى في اثبات الرضا بتصرفه لينفذ ذلك دفعا للضرر والغرور عمن عامله وذلك حاصل بدون ثبوت الاذن في النصف الباقي فلا يجعل سكوته اذنا وفى الاستحسان يلزمه جميع ذلك في جميع الرقبة اعتبارا للبعض بالكل فانه لو كان الكل محجورا فرآه المولى يبيع ويشترى فلم ينهه صار الكل ماذونا فكذلك إذا كان النصف محجورا لان سكوته عن النهى بعد العلم بتصرفه بمنزلة التصريح بالاذن وإذا كاتب نصف عبده لم يكن له أن يبيع الباقي لانه ثبت للعبد حق التكسب والتقلب لازما وفى بيع الباقي ابطال هذا الحق عليه فان باعه من العبد عتق النصف الذى باعه لان بيع النصف من نفسه اعتاق وكتابة البعض لا تمنع اعتاق ما بقى منه لان في الاعتاق تقرير حقه لا ابطاله وله الخيار ان شاء عجز وسعى في نصف قيمته وان شاء مضى على الكتابة فان مضى على الكتابة وأدى بعضها ثم عجز حسب له ما أدى من نصف القيمة وسعى فيما بقي منه لان بعتق النصف صار هو أحق بجميع كسبه وللمولى عليه اما الكتابة واما نصف القيمة فما سبق فيه يكون محسوبا مما له عليه وكذلك بدل الكتابة في حال قيام العقد أو نصف القيمة بعد العجز عنه وما كان كسبه قبل أن يشترى نفسه فله نصفه وللمولى نصفه لان نصفه كان مملوكا للمولى حين اكتسب هذا المال فان كان أدى إلى المولى شيئا قبل أن يشترى نفسه فقال المولى اطرح نصف ذلك المؤدى لان لى نصف الكسب فله ذلك ان كان أداه

[ 47 ] من شئ اكتسبه وان كان أداه من دين استدانه فلا شئ للمولى من ذلك لما قلنا انه في النصف الآخر مأذون له ولا يسلم كسبه للمولى الا بعد الفراغ من دينه ولو كاتب نصف عبده ثم اشترى السيد من المكاتب شيئا جاز الشراء في نصفه لان النصف منه مكاتب والنصف مأذون وشراء المولى من مكاتبه مفيد وشراؤه من المأذون إذا لم يكن عليه دين غير مفيد فلهذا كان نصف المشترى للسيد بنصف لثمن والنصف الآخر للسيد بقديم ملكه وان اشترى المكاتب من مولاه عبدا ففى الاستحسان جاز شراؤه في الكل كما لو اشتراه من غيره لان النصف منه مكاتب والنصف مأذون وفى القياس لا يجوز شراؤه الا في النصف لان النصف منه مكاتب والنصف مملوك للمولى وشراء المملوك من مولاه لا يجوز إذا لم يكن عليه دين لانه غير مفيد ويجوز إذا كان عليه دين لانه مفيد فكذلك هنا وبالقياس نأخذ لانه أقوى الوجهين فالعقود الشرعية غير مطلوبة بعينها بل لفائدتها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب كتابة العبد المأذون) (قال) رضى الله عنه وإذا كاتب الرجل عبده المأذون جاز إذا لم يكن عليه دين وان كان عليه دين يحيط برقبته أو لا يحيط بها فللغرماء أن يردوا الكتابة بمنزلة ما لو باعه المولى لان هناك الغرماء يتوصلون إلى حقهم من الثمن في الحال وهنا لا يتوصلون إلى حقهم لان بدل الكتابة منجم مؤجل عليه فإذا كان لهم أن ينقضوا البيع لدفع الضرر عنهم فلان يكون لهم أن ينقضوا الكتابة أولى فان أخذ المولى الكتابة أو بعضها ثم علم الغرماء بذلك فلهم أن يأخذوا ذلك من المولى لان حق الغرماء في كسبه مقدم على حق المولى فلا يسلم للمولى شئ من كسبه ما بقى حق الغرماء ولكن العبد قد عتق ان كان أدى جميع الكتابة لوجود الشرط بمنزلة مالو أعتقه المولى فان قيام الدين عليه لا يمنع صحة اعتاق المولى اياه فان بقي من دينهم شئ كان لهم أن يضمنوا المولى قيمته لان مالية رقبته كان حقا للغرماء حتى يبيعوه في دينهم وقد أبطل المولى ذلك عليهم بالاعتاق فيضمن قيمته ثم يتبعون العبد ببقية دينهم لانه كان في ذمته وبالعتق تقوى ذمته ولا يرجع المولى على العبد بالمكاتبة لانه انما كاتبه ليؤدي البدل من كسبه وهو كان عالما في ذلك الوقت أن كسبه مشغول بالدين فيكون راضيا بقبض البدل مشغولا ولان

[ 48 ] البدل للمولى بما أوجبه للعبد من الحق في كسبه وانما أوجب له الحق في كسبه مشغولا بالدين فإذا سلم البدل للمولى مشغولا بالدين تتحقق المساواة وان لم يأخذ المولى المكاتبة ولم يردها الغرماء حتى قضى المولى دينهم جازت الكتابة لان المانع دينهم وقد ارتفع بوصول دينهم فجازت الكتابة كما لو باعه ثم قضى الدين وهذا لان المانع حق الغرماء وقد ارتفع بوصول دينهم إليهم ولا يرجع على العبد بما أدى عنه من الدين لانه ظهر ملكه بما أدى فهو كما إذا أدى الفداء عن العبد الجاني ولانه أصلح مكاتبته فيكون عاملا لنفسه في ذلك ولانه لم يكن مطالبا باداء هذا الدين وكان هو في الاداء كمتبرع آخر وكذلك ان أبى المولى أن يؤدى الدين فأداه الغلام عاجلا لانه سقط حقهم بوصول دينهم إليهم من جهة العبد رجل كاتب أمته وعليها دين فولدت ولدا وأدت المكاتبة ثم حضر الغرماء فلهم أن يأخذوا المكاتبة من السيد لانه كسبها ويضمنونه قيمة الجارية لانه أتلف ماليتها عليهم بالعتق ويرجعون بفضل الدين ان شاؤا على الجارية وان شاؤا على الولد لان حق الغرماء كان متعلقا بمالية الولد لما انفصل بعد لحوق الدين اياها ألا ترى أنه يباع في ديونهم وقد احتبست تلك المالية عند الولد بالعتق فيبيعونه بدينهم ان شاؤا ولكن لا يأخذون منه الا مقدار قيمته لان وجوب الدين عليه باحتباس ماليته عنده فيتقدر بذلك القدر وان شاؤا رجعوا على الجارية بجميع ديونهم لان ذمتها تأكدت بالعتق وليس لهم أن يضمنوا المولى قيمة الولد لانه ما صنع في الولد شيئا وانما عتق الولد تبعا للام بجهة الكتابة وان ماتت الام بعد أداء بدل الكتابة فعلى الولد الاقل من قيمته ومن الدين لما قلنا أمة بين رجلين أذن لهما أحدهما في التجارة فاستدانت دينا ثم كاتب الآخر نصيبه منها باذن شريكه فابى الغرماء أن يجيزوا ذلك فلهم ذلك لانهم استحقوا بيع نصيب الآذن في ديونهم وفى لزوم الكتابة في النصف الآخر ابطال هذا الحق عليهم لان مكاتب البعض لا يباع ولان اذن الشريك غير معتبر في حق الغرماء لان حقهم في نصيبه مقدم على حقه فيجعل وجود اذنه كعدمه فان رضوا به جاز لان المانع حقهم وان لم يحضر الغرماء حتى أخذ المولى الكتابة عتق نصيبه لوجود شرطه ويأخذ الغرماء نصف ما أخذ من كسبه ونصف حصة نصيب الآذن وهو مشغول بديونهم ثم يرجع به الذى كتابه على المكاتبة لان نصيب المكاتب من الكسب قد سلم لها ولم يسلم له جميع البدل

[ 49 ] من جهتها فكان له أن يرجع عليها بما استحق من ذلك من يده أمة مأذون لها في التجارة عليها دين فولدت ولدا وكاتب السيد الولد فللغرماء أن يردوا ذلك ان لم يكن بالام وفاء بالدين لان حقهم تعلق بمالية الولد حتى يباع به في ديونهم وفى الكتابة ابطال ذلك الحق عليهم وان كان فيها وفاء جازت الكتابة لان حقهم يصل إليهم من مالية الام ببيعها في ديونهم وهذا لان الام أصل والولد تبع وإذا كان في الاصل وفاء بالدين لم يكن شئ من التبع مشغولا بالدين ألا ترى أنه إذا كان في كسبها وفاء بالدين لا تباع رقبتها فيه فكذلك إذا كان فيها وفاء بالدين لا يباع ولدها فيه فلهذا جازت الكتابة فان أعتق السيد الولد كان لهم أن يضمنوه قيمته إذا لم يكن في الام وفاء بالدين لان حقهم تعلق بماليته عند عدم الوفاء في الام وقد أتلف ذلك عليهم بالاعتاق فيضمن لهم قيمته كما لو أعتق الام فان كان السيد معسرا فلهم أن يستسعوا الابن فيما بقى من الدين لان حقهم كان متعلقا بماليته وقد احتبس ذلك عنده بالعتق فكان لهم أن يستسعوه في الاقل من قيمته ومما بقى من الدين وان كانت الام عليها دين فولدت ولدا فشب الولد وباع واشترى ولزمه دين ثم جاء الغرماء الاولون فردوا المكاتبة فقد بطلت المكاتبة بردهم لقيام حقهم في مالية الام تباع الام لغرمائها ويباع الولد لغرمائه خاصة دون غرماء أمه لان دينه في ذمته وقد تعلق بماليته فهو آكد من دين غرماء الام إذ ليس في ذمته من ديونهم شئ ألا ترى أن دين العبد ودين المولى إذا اجتمعا في مالية العبد بعد موت المولى يقدم دينه على دين المولى (فان قيل) هناك دينه أسبق تعلقا بماليته وهنا دين غرماء الام أسبق تعلقا بمالية الولد (قلنا) الترجيح بالسبق انما يكون بعد المساواة في القوة وقد بينا أن دين الولد أقوى حتى يبقى كله بعد العتق والضعيف لا يظهر في مقابلة القوى ولا معنى للترجيح بالسبق مع التفاوت في القوة والضعف وكذلك ان لم يكن كاتب الام ولكنه اذن للولد في التجارة لان بالاذن يتعلق دينه بمالية رقبته كما يتعلق بثبوت حكم الكتابة فيه رجل كاتب عبدين له تاجرين عليهما دين مكاتبة واحدة فغاب أحدهما ثم جاء الغرماء فليس لهم أن يردوا الحاضر في الرق لان كتابتهما واحدة فلا يردان في الرق الامعا والحاضر لا ينتصب خصما عن الغائب فكان غيبة أحدهما كغيبتهما ألا ترى أنه لورد الحاضر في الرق وبيع في الدين ثم أدى الغائب البدل عتقا جميعا وبطل البيع فعرفنا ان رد الحاضر في الرق غير مفيد شيئا ولكنهم يستسعونه فيما عليه من الدين لان ديونهم ثابتة

[ 50 ] في ذمته فيأخذون ذلك من كسبه وما أدى من المكاتبة فالغرماء أحق به لان ذلك من كسبه أيضا وليس لهم أن يضمنوا المولى قيمتها لان المولى ما أتلف ماليتهما على الغرماء ولا كسبهما ألا ترى أنهما لو حضرا ردا في الرق وبيعا للغرماء في الدين وهذا لان اتلاف المالية على الغرماء يكون بثبوت حقيقة العتق في الرقبة أو حق العتق وبمجرد الكتابة لم يثبت شئ من ذلك ولهذا احتمل الكتابة الفسخ ألا ترى ان حق الغرماء بمنزلة حق الشريك ولو كاتب أحد الشريكين لم يكن للشريك الآخر أن يضمنه شيئا قبل اداء بدل الكتابة فكذلك الغرماء ولكنهم ان شاؤا ضمنوه قيمة هذا العبد الشاهد لانه منعهم من بيعه بتصرفه والتأخير كالابطال في ايجاب الضمان ولو أبطل حق البيع بتصرفه بالتدبير كان ضامنا لهم فكذلك إذا أخره وليس لهم ان يضمنوه قيمة الغائب لان امتناع بيعه ليس بتصرفه بدليل أنه لو حضر تمكنوا من بيعه ولو حضر العبدان فأجاز الغرماء مكاتبة أحدهما لم يكن لهم أن يردوا الاخر في الرق لان مكاتبتهما واحدة فاجازتهم العقد في احدهما يكون إجازة في الآخر والله أعلم بالصواب (باب ميراث المكاتب) (قال) وإذا مات المكاتب عن وفاء وعليه دين وله وصايا من تدبير وغيره وترك ولدا حرا وولدا ولد في المكاتبة من أمته بدئ من تركته بديون الاجانب لان دين الاجنبي أقوى من دين المولى حتى يبقى دين الأجنبي عليه بعد العجز دون دين المولى ثم بدين المولى ان كان ثم بالمكاتبة لان دين المولى أقوى من بدل الكتابة إذ ليس لبدل الكتابة حكم الدين ما لم يقبض ولانه يملك أن يعجز نفسه عن المكاتبة فيسقطها عن نفسه ولا يملك أن يعجز نفسه عن سائر الديون سوى المكاتبة ثم بالمكاتبة بعد ذلك فان أديت حكم بحريته والباقي ميراث بين أولاده وبطلت وصاياه لانه تبرع وقد بينا أن استناد العتق انما يظهر في حكم الكتابة دون وصاياه ووصايا المكاتب في الحاصل على ثلاثة أوجه (أحدها) أن يوصى بشئ من أعيان كسبه فهذه الوصية باطلة سواء أدى الكتابة في حال حياته أو مات قبل الاداء لان في الوصية بالعين يراعي قيام ملك الموصى وقت الايصاء وملكه وقت الايصاء لا يحتمل الوصية (والثانى) أن يقول إذا عتقت فثلث مالى وصية لك فان أدعى بدل الكتابة وعتق ثم

[ 51 ] مات جازت الوصية لان المتعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز وان لم يؤد حتى مات فهذه لوصية باطلة (والثالث) أن يقول ثلث مالى وصية لفلان ثم يؤدى بدل الكتابة ثم يموت فهذه الوصية باطلة عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى صحيحة عندهما وهو نظير ما تقدم في العلق إذا قال كل مملوك أملكه فيما استقبل فهو حر ثم عتق فملك مملوكا فان مات المكاتب وترك ألفا وعليه للمولى ألف درهم دين وبدل الكتابة بدئ ببدل الكتابة استحسانا وفي القياس يبدأ بالدين لان الدين أقوى من بدل الكتابة وللاستحسان وجهان (أحدهما) أن المولى لو قبض هذا المال بجهة الكتابة يسلم له من تلك الجهة ولو قبضه من جهة الدين لا يسلم له من تلك الجهة لانه تبين أنه مات عاجزا والمولى لا يستوجب على عبده دينا (والثانى) أنه إذا قبض بجهة الكتابة سلم المال له ووصل المكاتب إلى شرف الحرية وإذا قبض بجهة الدين لا يسلم له الا ذلك المال أيضا ولا تحصل الحرية للعبد فكان قبضه من جهة يحصل بها للعبد الحرية أولى وان لم يترك مالا الا دينا على انسان فاستسعى الولد المولود في الكتابة ولا دين على المكاتبة سواها فعجز عنه وقد أيس من الدين أن يخرج فانه يرد في الرق لان الدين المأيوس ناو فلا يثبت باعتباره القدرة على الاداء وبدونه قد تحقق عجز الولد ولو تحقق عجز الام في حياتها لكانت ترد في الرق ولا معتبر بالدين المأيوس عن خروجه فكذلك إذا تحقق عجز الولد فإذا خرج الدين بعد ذلك كان للمولى لانه كسب أمته وإذا ماتت المكاتبة عن وفاء وولد قد كوتب عليه مكاتبة واحدة وهو صغير أو كبير أو عن ولد مولود في مكاتبتها ورثه بعد قضاء مكاتبتها لان عتق الولد لا يستند إلى ما يستند إليه عتق الاب اما لانه مكاتب معه مضموم إليه في العقد أو لانه تبع له وان كان الولد مفردا بكتابته فأداها بعد موت الاب قبل قضاء مكاتبة الاب أو بعده لم يرثه لانه مقصود بالكتابة فانما يعتق من وقت أداء البدل مقصورا عليه لان الاستناد للضرورة ولا ضرورة في حقه هنا فإذا لم يستند عتقه كان هو عبدا عند موت أبيه فلهذا لا يرثه وان مات المولى عن مكاتبه وله ورثة ذكور واناث ثم مات المكاتب عن وفاء فانه يؤدى كتابته فيكون ذلك بين جميع ورثة المولى لانه ماله فيكون ميراثا لهم عنه كسائر أمواله وما فضل عنها فللذكور منهم دون الاناث ان لم يكن للمكاتب وارث سوى ورثة المولى لان باداء مكاتبته بعد موته بحكم بحريته وكان ولاؤه للمولى لانه مستحق ولاءه بكتابته في حياته فانما يخلفه في الميراث

[ 52 ] بالولاء الذكور من عصبته دون الاناث وكذلك ان لم يمت المكاتب حتى أدى المكاتبة إليهم أو وهبوها له أو أعتقوه ثم مات فميراثه للذكور من ورثة المولى لان بهذه الاسباب عتق على ملكه فانه عتق وهو مكاتب والمكاتب لا يورث فلهذا كان ولاؤه للمولى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب مكاتبة الصغير) (قال) رضي الله عنه رجل كاتب عبدا صغيرا لم يعقل لم تجز لان الكتابة لا تنعقد إلا بالقبول والذى لا يعقل ليس من أهل القبول فان كان يعقل جاز لانه من أهل القبول ألا ترى أن اذن المولى له في التجارة يصح وانه يقبل الهبة والصدقة لانه نفع فكذلك الكتابة وإذا صح العقد كان هو بمنزلة الكبير في جميع الاحكام وان كان لا يعقل فكاتبه ثم أداها عنه رجل فقبلها المولى لم يعتق لان أداء البدل انما يعتبر بعد انعقاد العقد ولم ينعقد العقد حين لم يقبله أحد فلا يحصل العتق بالاداء كما لو كاتب ما في بطن جاريته فجاء رجل وأدى عنه المال لم يعتق ثم يرد المال على صاحبه لان أداءه لمقصود ولم يحصل ذلك المقصود ولانه أداه باعتبار سبب باطل وإذا كاتب عبدين صغيرين يعقلان مكاتبة واحدة فهما كالكبيرين في ذلك لان الصغير الذى يعقل من أهل قبول الكتابة فكان كالكبير فيما ينبني عليه وقد بينا ان حقيقة الكفالة لا تثبت في هذه الكتابة إذا كان العبدان لرجل واحد والصغيران فيه كالكبيرين رجل كاتب على عبد لرجل رضيع رضى المولى بذلك لا يجوز لانه لا ولاية للقابل على عبد الغير ولا يلزمه البدل بالقبول في كتابة الغير ولكن ان أدى إليه المكاتبة عتق استحسانا وفى القياس لا يعتق لما بينا في الفصل الاول لان قبول الرجل على الرضيع غير معتبر ولكنه استحسن هنا فقال يعتق وقال في وجه الاستحسان أجعل هذا بمنزلة قوله إذا أديت إلى كذا فعبدي حر ومعنى هذا أنه خاطب الاجنبي هنا بالعقد فيمكن أن يجعل معلقا عتقه بأداء الاجنبي وفى الاول ما خاطب الأجنبي بعقد انما خاطب به الذى لا يعقل فلا يمكن أن يجعل معلقا عتقه بأداء الاجنبي وحقيقة المعني فيه أن العقد هنا منعقد لقبول الأجنبي ولكن لم يلزم مراعاة لحق المولى حتى لم يجب له البدل على أحد فإذا أدى إليه المكاتبة فقد وصل إليه حقه فقلنا بأنه يعتق ألا ترى أنه لو كاتب حرا على عبد له غائب

[ 53 ] ثم رجع الغائب فأجاز كان العقد جائزا ولو أدى القابل قبل رجوع الغائب عتق الغائب ولو أدى البدل الا درهما ثم رجع الغائب فأجاز فعليه اداء الدراهم الباقي ويعتق إذا أدى فبهذا تبين معنى الاستحسان في الرضيع والله أعلم بالصواب (باب مكاتبة عبده على نفسه) (قال رضى الله عنه رجل كاتب عبده على نفسه وعلى عبد له آخر غائب بغير أمره على الف درهم مكاتبة واحدة وضمنها الحاضر فان مكاتبته على نفسه جائزه ولا يجوز على الغائب لانه لا ولاية له على الغائب في الالزام وقد بينا أن على طريقة القياس الحاضر يصير مكاتبا بحصته من البدل وعلى طريقة الاستحسان يصير مكاتبا بجميع البدل ويثبت حكم العقد في حق الغائب فيما لا يضره حتى يمتنع بيعه ويعتق بأداء الحاضر جميع المال ولا يرجع هو على الغائب بشئ لانه لم يكن له على الغائب شئ من البدل ولا كان هو مأمورا بالاداء عنه وان عجز الحاضر رد في الرق لان المال عليه خاصة وقد تحقق عجزه ولا قول للغائب في ذلك من قبول ولا رد لان العقد غير موقوف على اجازته بل قد نفذ حين وجب جميع المال على الحاضر وانما ثبت حكم العقد في حقه تبعا ولا قول للتبع في القبول والرد وان أدى الحاضر حصته لم يعتق استحسانا لانه ملتزم جميع البدل والمولى غير راض بعتقه ما لم يؤد جميع البدل وان مات عن غير وفاء فان عجل الآخر جميع المكاتبة قبل منه استحسانا لانه تبع في حكم العقد بمنزلة الولد المشترى في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وكذلك ان وقع العقد مع هذا والآخر حاضر ساكت لان سكوته لا يكون التزاما للبدل وإذا لم يكن عليه شئ من البدل فحضوره وغيبته سواء وكذلك المكاتب على نفسه وولد له صغير إذ لا ولاية للمملوك على ولده في الزام البدل الا في وجه واحد ان مات الوالد سعى الولد في المكاتبة على نجومها بمنزلة الولد المولود في الكتابة وقد بينا معنى هذا رجل كاتب جارية له على نفسها وعلى جارية أخرى ثم استولد السيد المكاتبة فاختارت العجز فلها ذلك لانها مقصودة في الكتابة والمال كله عليها وقد تلقاها جهتا حرية فلها الخيار وان استولد الاخرى فعلى طريقة القياس تصير أم ولد له لانها غير داخلة في الكتابة وتسعى المكاتبة في حصتها من المال وعلى طريقة الاستحسان تكون على حالها حتى ينظر ما تصنع الاخرى لان حكم الكتابة

[ 54 ] قد تناولها تبعا ولهذا امتنع بيعها وقد بينا أن قول التابع لا يعتبر وان ظهر له حق عتق لجهة أخرى فإذا أدت الاخرى عتقا جميعا وان عجزت فحينئذ تصير أم ولد له وان كان دبر لم يرفع عن المكاتبة شئ من الكتابة لان بالتدبير لا يتغير حكم الكتابة فيها بخلاف ما لو أعتقها فانه يسقط حصتها من البدل لتغير حكم العقد فيها بالاعتاق ألا ترى أنه لو أعتق الحاضرة منهما سقط حصتها وجعل كالقابض للمال منهما فكذلك إذا أعتق الاخرى يجعل كالقابض لحصتها من البدل لان الاخرى انما التزمت المال عنهما ولو أدت الغائبة وجب القبول منها فكذلك تسقط حصتها باعتاقه اياها وان لم يدبرها ولكنها ولدت ولدا لم يكن له أن يبيع ولدها لان الولد بمنزلة الام وما كان له أن يبيعها لثبوت حكم الكتابة فيها فكذلك لا يبيع ولدها واكره للمولى ان يطأها لان حكم الكتابة قد ثبت فيها على وجه الاستحسان ألا ترى أنه امتنع بيعها فكذلك يحرم وطؤها كالولد المولود في الكتابة وان قتلت فأخذ المولى قيمتها وفيها وفاء بالكتابة عتقت المكاتبة لان قيمة نفسها ككسبها ولو ماتت عن كسب كان يوفي بدل الكتابة من كسبها ويحكم بحريتها فكذلك يجعل المولى مستوفيا لبدل الكتابة بما أخذ من قيمتها ولم يرجع المولى على المكاتبة بشئ منه لانها لو كانت حية فأدت الكتابة لم يرجع على المكاتبة بشئ فكذلك من خلفها وهو الولى بسبب الولاء لا يكون له أن يرجع على المكاتبة بشئ والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب الكتابة على الحيوان وغيره) (قال) رجل كاتب عبده على عبد مؤجل أو على وصيف جاز استحسانا وفي القياس لا يجوز لان هذا العقد لا يصح الا بتسمية البدل فلا يثبت الحيوان دينا في الذمة كالبيع والاجارة وفى الاستحسان قال هذا عقد مبنى على التوسع في حكم البدل والبدل بمقابلة ما يثبت للعبد من صفة المالكية وذلك ليس بمال والحيوان يثبت دينا في الذمة بدلا عما ليس بمال كما في الصداق ثم قيمة الوصيف أربعون دينارا في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما على قدر الغلاء والرخص وان جاء بوصيف وسط أو قيمته أجبر المولى على القبول كما في الصداق وقد بينا معنى هذا في النكاح وان كاتبه على دابة أو ثوب لم يجز حتى يبين الجنس لان اسم الدابة والثوب يشتمل على أجناس ومع جهالة الجنس لا تصح التسمية في شئ من العقود

[ 55 ] كما في الصداق والخلع رجل كاتب عبده على جارية فدفعها إليه فوطئها المولى فولدت منه ثم استحقها رجل قال يأخذها المستحق وعلى المولى عقرها وقيمة ولدها لانه مغرور فانه استولدها على انها مملوكته ثم يرجع المولى بقيمة الولد على المكاتب ولا يرجع بالعقر لانه مغرور من جهة المكاتب والمغرور يرجع على الغار بقيمة الولد دون العقر وهذا لان المكاتب في حكم الغرور من المولى كالاجنبي ألا ترى أنه لو ابتاع من مكاتب له جارية فاستولدها ثم استحقها مستحق أخذها وعقرها وقيمة ولدها ويرجع المولى على المكاتب بالثمن وبقيمة الولد كما لو اشتراها من أجنبي آخر ثم لا يبطل عتق المكاتب لانه قد عتق بتسليم الجارية إلى المولى والعتق بعد وقوعه لا يبطل باستحقاق البدل ولكن يرجع المولى على المكاتب بالجارية التى كاتب عليها لان قبضه انتقض بالاستحقاق من الاصل فيما يحتمل النقض فيكون رجوعه بموجب العقد كما لو كانت الكتابة على دراهم فاستحقت بعد القبض وان كاتب على دار قد سماها ووصفها أو على أرض لم يجز لان الدار والارض لا تثبت دينا في الذمة في شئ من العقود وهو مجهول جهالة فاحشة والى نحو هذا أشار فإذا لم يعين الدار فقد كاتب على شئ لا يعرف وإذا عينها فقد كاتب على ما لا يملك دينا وقد بينا اختلاف الروايات في الكتابة على الاعيان ولو كاتبها على ياقوتة أو لؤلؤة أو ما أشبه ذلك من العروض لم يجز أما إذا كانت بعينها فلانه لا يملك وان كانت بغير عينها فان الياقوتة واللؤلؤة لا تثبت دينا في الذمة صداقا فكذلك في الكتابة وهذا لان التفاوت في اليواقيت واللؤلؤ عظيم في المالية وهذه الجهالة فوق جهالة الجنس في معنى التفاوت في المالية وهو مقصود وان كاتبه على كر حنطة أو ما أشبه ذلك من المكيل والموزون جاز وله الوسط من جنسه لان جنس المسمى معلوم وجهالة الصفة لا تمنع صحة التسمية في الكتابة بخلاف السلم وان كاتبه على وصيف فأعطاه وصيفا وعتق به ثم أصاب السيد به عيبا فاحشا رده على المكاتب ويرجع بمثله لان بدل الكتابة كالصداق يرد بالعيب الفاحش ولم يرجع المكاتب رقيقا بعد ما عتق وكذلك ان استحق نصف الوصيف كان للمولى أن يرد ما بقى لان الشركة عيب فاحش يرد الصداق به فكذلك بدل الكتابة فيرده انشاء ويطالبه بموجب العقد وهو وصيف وسط والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب

[ 56 ] (باب كتابة أهل الكفر) (قال) رضى الله عنه ذمى ابتاع عبدا مسلما فكاتبه فهو جائز ولا يرد لان شراءه صحيح عندنا فانما كاتب ملكه وكان مجبرا على بيعه ليزول به ذل الكفر عن المسلم وقد حصل هذا بالكتابة لان المكاتب بمنزلة الحر يدا وان كاتبه على خمر أو خنزير لم يجز لان القابل مسلم وهو ليس من أهل أن يلتزم في ذمته الخمر بالعقد ولكنه ان أدى الخمر عتق لان الكتابة انعقدت مع الفساد فيعتق بأداء البدل المشروط وعليه قيمته لان رقبته سلمت له بحكم عقد فاسد فيلزمه قيمته وكذلك ان كان المولى هو المسلم وقد بينا هذا الحكم فيما إذا كانا مسلمين فإذا كان أحدهما مسلما أولى ذمى كاتب عبدا كافرا على خمر فهو جائز لان الخمر في حقهم مال متقوم بمنزلة الخل والعصير في حقنا فان أسلم العبد فالمكاتبة جائزة وعليه قيمه الخمر وهذا استحسان وفى القياس يبطل العقد لان الاسلام ورد والحرام مملوك بالعقد غير مقبوض فيجعل كالمقترن بالعقد كما في البيع ولكنه استحسن فقال قد صحت الكتابة بصحة التسمية في الابتداء وباعتبار صحة العقد يثبت للعبد صفة المالكية يدا فباسلامه يتأكد ملك المالكية ولا يجوز أن يكون اسلامه مبطلا مالكيته واذ بقيت الكتابة وقد تعذر عليه تسليم الخمر باسلامه مع بقاء السبب الموجب للتسليم فيجب قيمته كما لو تزوج الذمي ذمية على خمر بغير عينها ثم أسلم احدهما الا أن أبا يوسف رحمه الله تعالى هناك يوجب مهر المثل لان بقاء العقد بعد فساد التسمية هناك ممكن فيجعل الاسلام الطارئ كالمقارن وهنا لا يمكن ابقاء العقد مع فساد التسمية ولابد من ابقاء العقد لما قلنا فتبقي التسمية معتبرة أيضا فلهذا يجب قيمة الخمر وان كاتبه على ميتة أو دم لم يجز لان هذا ليس بمال في حقهم وشرط حصة التسمية في الكتابة ان يكون المسمى مالا ثم قد بينا حكم هذا في حق المسلمين أنه لا يعتق بالاداء لان العقد غير منعقد أصلا الا أن يكون المولى قال في الكتابة إذا أديت إلي فانت حر ثم أداه وقبله السيد فيعتق بقوله أنت حر لا بالاداء ولا يرجع عليه السيد بشئ فكذلك في حق الذمي لان معنى انعدام المالية في الميتة يعمهما وإذا كاتب النصراني أم ولده فادت بعض الكتابة ثم أسلمت ثم عجزت فردها القاضى وقضى عليها بالقيمة لتعذر بيعها بسبب الاستيلاد فانه لا يحتسب بما أخذه بالسيد منها بهذه القيمة وكذلك ان أدته بعد اسلامها لانها حين

[ 57 ] ردت في الرق صارت مملوكة له وصار هو أحق بجميع مكاسبها ألا ترى أنه لو أسلم كان متمكنا من استدامة الملك فيها وكسبها سالم له فانما قضى عليها بالسعاية بعد ما صار هذا المال للسيد فلهذا لا يحتسب بذلك المال من هذه القيمة ذمى وطئ مكاتبته فولدت منه فهى بالخيار ان شاءت مضت على الكتابة وان شاءت عجزت وكذلك ان أسلمت فهى على خيارها فان مضت على الكتابة أخذت عقرها من سيدها وان عجزت نفسها قضى عليها بالسعاية في قيمتها لانها أسلمت وهى أم ولده ولا عقر على السيد لان عقرها ككسبها وقد بينا حكم الكسب في الفصل الاول فكذلك هنا عبد كافر بين مسلم وذمى فكاتب الذمي نصيبه باذن شريكه على خمر تجوز المكاتبة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولا تجوز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لان عندهما الكتابة لا تتجزى ولا يمكن تنفيذها في نصيب المسلم بالخمر فكذلك في نصيب الكافر وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى الكتابة تتجزى فيقتصر العقد على نصيب الكافر خاصة ولو باعه من كافر بخمر جاز فكذلك إذا كاتبه على خمر ولا يضمن للمسلم فيما أخذ النصراني من الخمر سواء كاتب باذنه أو بغير اذنه لان الخمر ليس بمال متقوم في حق المسلم والعبد قضى به دينا عليه وقد استهلكه القابض فلا يكون له ان يرجع عليه بشئ منه لان الذمي لا يضمن الخمر للمسلم بالاستهلاك وان كاتباه جميعا على خمر مكاتبة واحدة لم يجز في نصيب واحد منهما لان العقد واحد ألا ترى أنه لا يعتق الا بأداء جميع البدل لو كان دراهم وقد تعذر تصحيحه في نصيب المسلم إذا كان البدل خمرا فلا يصح في نصيب الآخر أيضا إذ لو صححناه يعتق بأداء نصيب الآخر من الخمر إليه وذلك خلاف شرطهما فان أدى اليهما عتق لوجود الشرط وعليه نصف قيمته للمسلم لان العقد في نصيبه فاسد وقد تقرر بالاداء مع صفة الفساد فيرجع على العبد بقيمة نصيبه وللذمي نصف الخمر لان المفسد قد زال في نصيبه حين عتق بالاداء وتسمية الخمر في حقه كان صحيحا وقد سلم له نصف الخمر كما شرط فلهذا لا يرجع على العبد بشئ ولو أن ذميين كاتبا عبدا على خمر ثم أسلم أحدهما فلهما جميعا قيمة الخمر يوم أسلم لان العقد واحد فيجعل اسلام أحدهما في تعذر قبض الخمر كاسلامهما ولو أسلما تحول الخمر قيمة عليه ولا يعتق بأداء الخمر بعد ذلك فكذلك إذا أسلم أحدهما وهذا لان نصيب المسلم تحول إلى الدراهم باسلامه ومن ضرورته تحول نصيب الآخر إلى الدارهم أيضا لان العقد في نصيبهما واحد فلهذا

[ 58 ] لا يعتق نصيب واحد منهما بأداء الخمر وإذا قبض احدهما حصته من القيمة كان المقبوض مشتركا بينهما والباقى مشترك بينهما كما لو قبض أحدهما الخمر قبل الاسلام وهذا لان القيمة انما سميت قيمة لقيامها مقام العين وإذا مات عبد المكاتب فالمكاتب أحق بالصلاة عليه لانه كسبه وقد كان أحق به في حياته وعليه كفنه بعد موته فيكون هو أحق بالصلاة عليه الا أنه ان كان حضر مولاه فينبغي له أن يقدمه للصلاة عليه لانه ملك مولاه فلا ينبغى له أن يتقدم عليه للصلاة على الجنازة وان كان الحق له حربى دخل دار الاسلام بأمان فاشترى عبدا مسلما وكاتبه جاز لانه ملكه بالشراء حتى لو أعتقه أو دبره جاز ذلك فكذلك إذا كاتبه فان أدخله معه دار الحرب فهو حر ساعة أدخله في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لانه لو أدخله قبل الكتابة عتق عنده فكذلك إذا أدخله بعد الكتابة لان عنده لو أعتقه جاز عتقه وادخاله اياه في دار الحرب بمنزلة اعتاقه وهذا لان الحربي لا يثبت له الملك في دار الحرب على من هو من أهل دار الاسلام فكذلك لا يبقى له عليه الملك وتمام بيان هذا في السير الكبير وكذلك لو كان دبره فقضى القاضى عليه بالسعاية في قيمته أو لم يقض حتى أدخله في دار الحرب أو كانت جارية فاستولدها ثم أدخلها دار الحرب فانها تعتق وتسقط السعاية عنها وعن المدبر كما لو أعتقها وكذلك ان كان العبد ذميا أو الامة ذمية لانهما من أهل دار الاسلام كالمسلم وان كان اشترى عبدين فكاتبهما مكاتبة واحدة ثم رجع إلى دار الحرب بأحدهما فالذي أدخله مه دار الحرب حر كما لو أعتقه قصدا والآخر لا يعتق باعتاق أحدهما قصدا ولكنه على مكاتبته يسعى في حصته منها فان رجع الحربي إلى دار الاسلام أداها إليه وان لم يرجع فأداها إلى القاضى عتق لان من في دار الحرب حربى في حق من هو في دار الاسلام كالميت وللقاضي ولاية في قبض ديون الميت فلهذا يعتق المكانب بأداء البدل إلى القاضى ويكون ذلك المال للحربى إذا جاء أخذه لبقاء حكم الامان له في المال الذى خلفه في دارنا وولاء العبد له لانه استحق ولاءه حين عتق على ملكه فهو كما لو أعتقه ثم رجع إلى دار الحرب ثم عاد إلى دار الاسلام فان ولاء العبد يكون له حربى مستامن في دارنا اشترى عبدا فأدخله دار الحرب عتق ولم يكن له ولاؤه عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان عنده حين أدخله دار الحرب فقد سقطت حرية ملكه وبقي العبد في يد نفسه ويده محترمة فيعتق بذلك لانه لو قهر مولاه صار هو مالكا والمولى مملوكا فكذلك إذا استولى على نفسه

[ 59 ] ومتى كان عتق العبد لتملكه نفسه لم يكن عليه ولاء كالمراغم وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يعتق العبد المسلم إذا أدخله دار الحرب حتى يظهر عليه المسلمون أو يهرب منه الينا بمنزلة العبد الحربى إذا أسلم في دار الحرب وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا أعتق الحربى في دار الحرب عبدا مسلما فالعتق جائز لانه لا يملكه بعد العتق بالقهر فان حريته تتأكد باسلامه فلهذا نفذ اعتاقه في دار الحرب وله ولاؤه لان لولاء كالنسب والنسب يثبت ممن باشر سببه في دار الحرب كما يثبت في دار الاسلام وكذلك الولاء وقد باشر الحربى هنا اكتساب سبب الولاء وهو إعتاقه اياه وكل معتق يجرى عليه السبى بعد العتق والمولى حربى أو مسلم في دار الحرب فان في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى للمعتق أن يوالى من شاء وقد بينا في كتاب العتاق ان عتق الحربى عبده في دار الحرب لا ينفذ في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى خلافا لابي يوسف رحمه الله تعالى وان الطحاوي رضى الله عنه جعل هذا الخلاف في الولاء وكانه أخذ ذلك من رواية كتاب المكاتب فانه نص هنا على الخلاف في الولاء أن للمعتق أن يوالى من شاء في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وعلى قول أبى يوسف ولاؤه الذى أعتقه استحسانا وفي بعض النسخ جعل ذلك الاستحسان من أبى يوسف رحمه الله تعالى في المسلم خاصة يعتق الحربى أن له ولاءه بمنزلة الحربيين يعتق أحدهما صاحبه ثم أسلما قال لان الحكم على المولى إذا كان مسلما حكم أهل الاسلام ففى التعليل أشار إلى أن الاستحسان فيما إذا كان المولى مسلما وفى قوله هو بمنزلة الحربيين يعتق أحدهما صاحبه ثم أسلما أشار إلى الاستحسان في الفصلين جميعا فاشتبه مذهب أبى يوسف رحمه الله تعالى في هذا وعند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى (ان ؟) الفصلين له أن يوالى من شاء لان العبد حربى فما دام في دار الحرب لا يلزمه حكم الاسلام وإلزام الولاء عليه من حكم الاسلام فلا يلزمه ذلك في دار الحرب وان خرج الينا فقد خرج ولا ولاء عليه فله أن يوالى من شاء والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب ضمان المكاتب) (قال) رضى الله عنه ولا يجوز كفالة المكاتب بالمال بأمر المكفول عنه ولا بغير أمره لانه تبرع واصطناع معروف فانه يلتزم للغرماء مالا في ذمته من غير منفعة له في ذلك وهو ليس من صنيع

[ 60 ] التجار عادة بل يحترزون عنها وكذلك كفالته بالنفس لانه التزام بطريق التبرع وهو يتضرر بذلك من حيث أنه يحبس إذا غاب المطلوب ويستوى ان كان باذن مولاه أو بغير اذنه لانه لا ملك للمولى في منافعه ومكاسبه فوجود اذنه فبما هو تبرع كعدمه ولانه لا ولاية للمولى في الزام شئ في ذمته وكذلك قبول الحوالة فان معنى التزام المال في قبول الحوالة أظهر منه في الكفالة فان كفل بمال باذن سيده ثم عجز لم تلزمه تلك الكفالة لان أصل ضمانه كان باطلا في حالة رقه لانعدام أهلية التبرع مع الرق وبالعجز يتأكد رقه ولا معتبر باذن سيده حين كفل وان أدى فعتق لزمته الكفالة لان التزامه صحيح في ذمته باعتبار أنه مخاطب له قول ملزم ولا يكون هو في هذا الالتزام أدون من العبد ولو أن عبدا محجورا كفل بكفالة ثم عتق لزمته فالمكاتب مثله الا أن العبد إذا كفل باذن سيده يطالب به في حال رقه لان له ولاية الزام المال في رقبته بخلاف المكاتب ولو كان المكاتب صغيرا حين كفل لم يؤخذ بها وان عتق لان الصغير ليس له قوم ملزم في التبرعات في حق نفسه ألا ترى أنه لو كان حرا لم يلزمه بذلك شئ فكذلك إذا أعتق بعد الكفالة وكذلك ابن المكاتب وأبوه وقرابته لان من دخل في كتابته فحاله كحال المكاتب ومن لم يدخل في كتابته فهو عبد محجور عليه فلا تصح كفالته وان كان باذن المكاتب لان اذنه انما يعتبر فيما يملك مباشرته بنفسه وان كفل له سيده بمال على انسان جاز لانه بمنزلة الاجنبي عنه حتى يشترى منه ويبيع كسائر الاجانب وكفالة الأجنبي له بالمال صحيح لانه تبرع عليه لا منه فكذلك كفالة المولى فان عجز المكاتب رجع السيد بالمال على المكفول عنه ان كان كفل بأمره وان كان كفل بغير أمره بطل المال عنهما جميعا ولم يرجع عليه بشئ لان ما في ذمة الاجنبي وهو المال المكفول به كسب المكاتب وكسبه بالعجز يصير ملكا لمولاه فكان ملك المولى المال المكفول به بهذا الطريق كملكه والهبة منه وهناك يسقط عنهما جميعا ويرجع على المكفول عنه ان كان كفل بأمره ولم يرجع إذا كفل بغير أمره فهذا مثله ولو كان أدى السيد المال ثم عجز المكاتب رجع به المولى على الذى ضمنه بأمره لانه بالاداء استوجب الرجوع عليه وصار ذلك دينا له في ذمته فلا يسقط بعجز المكاتب بعد ذلك ويستوى ان كان المقبوض قائما بعينه في يد المكاتب أو مستهلكا لان ما قبضه المكاتب التحق بسائر أمواله فكما أن عود ماله إلى المولى بالعجز لا يمنعه من الرجوع على المكفول عنه

[ 61 ] فكذلك عود هذا المال إليه وكذلك لو حلت المكاتبة فصارت قصاصا بماله على المولى من الضمان لان المولى بالمقاصة يصير قاضيا دين الكفالة للمكاتب أو يصير متملكا ما في ذمته فيثبت له حق الرجوع على المكفول عنه إذا كان كفل بأمره ولا تجوز مكاتبة ما في البطن وان قبلتها الام عليه لان ما في البطن غير معلوم الوجود والحياة ولا ولاية لاحد عليه في القبول والقبول منه لا يتصور وقد بينا أن كتابة الصبى الذى لا يعقل باطل فما في البطن أولى وكذلك أن تولى قبول ذلك حر على ما في البطن وضمنه لانه لا ولاية له عليه في القبول وما في البطن ليس بمحل الكتابة والعقد متى أضيف إلى غير محله كان باطلا وانما يجعل قبول الغير كقبول من هو المقصود في موضع يتحقق القبول فيه ممن هو المقصود الا أن المولى ان كان قال للحر إذا أديت إلي ألفا فهو حر فأداه عتق إذا وضعت لاقل من ستة أشهر حتى يتيقن بوجوده في البطن يومئذ وهذا لان ما في البطن محل تنجبز العتق فيكون محلا لتعليق عتقه بالشرط ويعتق بوجود شرطه ثم يرجع صاحب المال بماله لان المؤدى لم يملكه من المولى بسبب صحيح وعتق الجنين كان بوجود الشرط والشرط هو الاداء إلى المولى دون التمليك منه فبقى المال على ملك المؤدى فلهذا يرجع به عليه وان عتق الجنين وإذا وهب المكاتب هبة أو تصدق بصدقة فهو باطل لانه تبرع فان عتق بالاداء ردت الهبة والصدقة حيث كانت لانه لم يكن أهلا لما صنع ولا كان كسبه محتملا له فلغا فعله وبقى المال على ملكه فيأخذه حيث ما يجده بعد العتق بخلاف كفالته فان ذلك التزام في ذمته وله ذمة صالحة لالتزام الحقوق فينفذ ذلك بعد عتقه وان استهلك الموهوب له أو المتصدق عليه فهو ضامن لقيمته باستهلاكه مالا لا حق له فيه يستوفى ذلك منه المكاتب في حال قيام الكتابة وبعد العتق ويستوفيه المولى بعد عجز المكاتب بطريق الاولى لان الحق في كسبه خلص له وإذا اشترى المكاتب عبدا من مولاه أو من غيره فوجد به عيبا فله ان يرده على البائع لانه في حقوق عقد الشراء كالحر والمولى منه في ذلك كأجنبي آخر فان عجز ثم وجد السيد به عيبا وقد اشتراه المكاتب من غير السيد فلسيده ان يرده بالعيب لان الحق يخلص له بعجز المكاتب كما يخلص للمكاتب بعتقه ثم لا يمتنع عليه الرد بالعيب بعد العتق فكذلك على المولى بعد العجز والمولى يخلفه في كسبه بعد العجز خلافة الوارث المورث وللوارث حق الرد بالعيب فيما اشتراه مورثه فكذلك للمولى ذلك ولكن المكاتب هو الذى يلى رده لان الرد بالعيب من حقوق العقد

[ 62 ] وذلك إلى العاقد خاصة ما بقي حيا وهو كالعبد المأذون يشترى شيئا ثم يحجر عليه مولاه مكاتب اشترى عبدا ثم باعه من سيده ثم عجز فوجد به السيد عيبا لم يستطع رده على عبده لانه لا يستوجب بالرد عليه شيئا فان المولى لا يستوجب على عبده دينا ولان حق الرد بالعيب بناء على ثبوت المطالبة بتسليم الجزء الفائت وذلك غير ثابت للمولى على عبده ولا يرده على بائعه من عبده لانه ما عامله بشئ ولا كان ملكه مستفادا بذلك العقد وانما كان المستفاد بعقده ملك المكاتب فما لم يعد ذلك الملك لا تتصور الخصومة معه في العيب وكذلك ان مات المكاتب بعد العجز ثم وجد السيد بالعبد عيبا لم يرده لان اعادة الملك المستفاد للمكاتب متعذر بعد موته عاجزا عما كان متعذرا بعد عجزه في حياته فإذا عجز المكاتب وعليه دين لمولاه ودين لاجنبي فانه يبطل دين المولى عنه لان الدين في ذمة العبد لا يثبت الا شاغلا ماليته وماليته ملك مولاه وهو لا يستوجب الدين في ملكه ويباع في دين الأجنبي لانه كان ثابتا في ذمته وبقي بعد العجز كذلك فان العجز لا ينافى وجوب الدين عليه للاجنبي ابتداء إذا وجد سببه فكذلك لا ينافي بقاءه وإذا بقى الدين عليه كان متعلقا بماليته فيباع فيه وان لم يعجز ولكنه مات عن مال كثير بدئ بدين الاجنبي لانه أقوى ثم بقضاء دين المولى ومكاتبته وفي هذا أشار إلى التسوية بين المكاتبة والدين الآخر للمولى وقد ذكر قبل هذا مفسرا أن دين المولى مقدم في القضاء على المكاتبة وهو الصحيح وقد بينا وجهه وإذا عجز المكاتب وفى رقبته دين فجاء رجل بعبد اشتراه منه يريد رده عليه بالعيب له ذلك لانه حق استوجبه عليه قبل العجز فلا يبطل بالعجز فان رده وسلمه إليه كان الثمن دينا له في ذمته كسائر الديون والعبد المردود كسبه فيباع ويقسم ثمنه بين الراد وسائر الغرماء بالحصص لاستواء حقهم في كسبه وان قال الراد لا أرده حتى آخذ ثمنه كان له ذلك لان حال المشترى مع البائع عند الرد كحال البائع مع المشترى في ابتداء العقد وقد كان له أن يحبس المبيع لاستيفاء الثمن فكذلك المشترى بعد الرد له ان يحبسه لاسترداد الثمن وباعتبار بقاء يده هو أحق بمالتيه من سائر الغرماء فيباع له خاصة وإذا سبى المكاتب فاستدان دينا فهو بمنزلة ما استدانه في أرض الاسلام لان المكاتب لا يملك بالاسر فهو باق على ملك مولاه مكاتبا سواء كان في دار الحرب أو في دار الاسلام وان ارتد المكاتب وعليه دين واستدان في ردته أيضا علم ذلك باقراره ثم قتل على ردته فهو بمنزلة دين المرض حتى يبدأ بما استدانه في حال

[ 63 ] الاسلام من اكسابه ثم ما بقى للذى ادانه في قول أبى حنيفة ومحمد وعند أبى يوسف رضوان عليهم أجمعين الكل في ذلك سواء لان من أصل أبى يوسف أن الحر بعد الردة في التصرفات بمنزلة الصحيح لتمكنه من دفع ما نزل به عن نفسه بالتوبة فكذلك المكاتب ومن أصل محمد رحمه الله تعالى أنه في التصرفات بمنزلة المريض لكونه مشرفا على الهلاك فكذلك المكاتب ومن أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن الحر بالردة تتوقف تصرفاته ويصير في حكم المحجور عليه والمكاتب انما ينفذ تصرفه بعد الردة لمراعاة حق مولاه لان كسبه قد تعلق به حق مولاه فأما في حق نفسه السبب الموجب للحجر متقرر فلهذا كان بمنزلة المريض فيما يلزمه باقراره ويقدم دين الاسلام عليه ويستوى في هذا كسب الاسلام وما اكتسبه بعد الردة لان حق المولى ثابت في ذلك كله لبقاء عقد الكتابة فلهذا يستوى الكسبان فيه وما بقى بعد قضاء ديونه وأداء مكاتبته يكون لورثته المسلمين لان قيام حق المولى يمنع من أن يجعل كسب ردته فيئا فيكون موروثا عنه بعد عتقه ككسب اسلامه ولو ارتد العبد المأذون ثم استدان في ردته ثم أسلم فجميع ذلك في رقبته لانه باق على اذنه بعد الردة فإذا أسلم صار كأنه الردة لم تكن فيكون هذا وما استدانه في حال اسلامه سواء ولو قتل مرتدا عن مال كان غرماؤه أحق به من المولى لانهم في حال حياته كانوا أحق بكسبه من المولى فكذلك بعد موته وإذا سعى ولد المكاتب المولود في مكاتبته وقضى مكاتبته وعتق ثم حضر غرماء أبيه لم يكن لهم أن يأخذوا من المولى ما أخذ ولكنهم يتبعون الولد بدينهم لانه بعد موت أبيه قائم مقامه والمكاتب في حياته لو أدى المكاتبة أولا عتق ولا سبيل للغرماء على ما أخذه المولى فكذلك ولده بعد موته استحسانا نقول فان كان المكاتب ترك مالا فأداه الابن إلى السيد فان الغرماء يرجعون بذلك المال على السيد لان حقهم ثبت في ذلك المال بموت المكاتب وهو مقدم على حق المولى فلا يملك الولد ابطال ذلك الحق عليهم ثم قال ويعود الابن مكاتبا كما كان لان أداءه لما بطل صار كأن لم يؤد بدل الكتابة إلى المولى وقد قال قبل هذا في الفصل بعينه انه يكون حرا وهكذا يذكر في آخر الكتاب ويضيفه إلى أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ان ابن المكاتب إذا أدى من تركة المكاتب مالا في المكاتبة ولحقه دين كان على الميت فالعتق ماض فيؤخذ من المولى ما أخذ ويرجع على الابن ببدل الكتابة وهذا هو الاصح لان شرط عتقه قد وجد وهو الاداء فيعتق وان كان المال مستحقا

[ 64 ] للغرماء ولكن على الرواية الاخرى يقول هو لا يخلف اباه في كسبه ما بقى الرق فيه فلا معتبر بادائه في ذلك ولكن يخلفه فيما يكتسبه بنفسه فيعتبر أداؤه في ذلك ولهذا يسلم للمولى ما يقبضه من تركة المكاتب وقد بينا فيما سبق وجوه وصية المكاتب فان أوصى لعبد له فقال بيعوه بعد موتى نسمة فهذا باطل لان هذا وصية للعبد بقدر ثلثه فان البيع نسمة يكون للعتق والمشتري لا يرغب فيه بمثل الثمن ألا ترى أن الحر لو أوصى بهذا يحط عنه من الثمن بقدر ثلث ماله إذا لم يكن يرغب في الشراء بأكثر منه ووصية المكاتب بالثلث باطلة وان مات عن وفاء لما بينا أن كسبه لا يحتمل التبرع فان أجازوا بعد الموت ثم أرادوا أن يدفعوه إلى صاحبهم فلهم ذلك لان العقد كان لغوا باعتبار أنه لم يصادف محله فلا تعمل الاجازة في لزومه بخلاف ورثة الحر إذا أجازوا وصيته بما زاد على الثلث لان ذلك صادف محله لكونه مملوكا له ولكنه امتنع نفوذه لحق الورثة فأجازتهم تكون اسقاطا لحقهم فلهذا يتم بنفسه وهنا لم يصادف محله فلا تعمل الاجازة فيه ولكنهم لو دفعوه ألى صاحبه بعد الاجازة ففى القياس لهم الاسترداد أيضا لان الاجازة لا ينعقد بها العقد ابتداء ألا ترى أن الصبي لو طلق امرأته ثم أجازه بعد البلوغ كان لغوا ولكنه استحسن فقال دفعهم المال إلى صاحبه تمليك منه لذلك المال وتمليكهم صحيح بعد ما خلص المال لهم من الوجه الذى قصد تمليكه فلهذا يصح ذلك ليحصل مقصودهم وإذا تصدق على المكاتب بصدقة فقضى منها الكتابة أو لم يكن فيها وفاء فعجز عن المكاتبة والصدقة في يده فهى طيبة للمولى لان الصدقة تمت وصار المقبوض كسبا للمكاتب فانما يسلم للمولى اما بجهة الكتابة أو بجهة الخلافة عنه في كسبه بعد العجز فيكون طيبا له كسائر أكسابه والاصل فيه حديث بريرة وقول النبي ورضي الله عنها هي لها صدقة ولنا هدية وكذلك ما يتصدق به على عبد المكاتب فهو جائز لان المكاتب في حكم الصدقة كالفقير المحتاج ويجوز التصدق على عبد الفقير بزكوة المال ويحل ذلك لمولاه فكذلك على العبد المكاتب والله أعلم بالصواب (باب الاختلاف في المكاتب) (قال) رضى الله عنه قد بينا في كتاب العتاق الاختلاف بين أبى حنيفة وصاحبيه رحمهم الله فيما إذا اختلف المولى مع المكاتب في مقدار البدل أو جنسه في حكم التحالف ثم فرع على

[ 65 ] قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى (قال) إذا قال المكاتب كاتبتني على ألف درهم وقال المولى على ألفين فجعل القاضى القول قول المكاتب مع يمينه وألزمه ألف درهم كما هو قول المكاتب ثم أقام السيد البينة على أنه كاتبه على ألفين فبينته مقبولة لما فيها من اثبات زيادة المال وهو حقه ثم ان كان المكاتب لم يؤد شيئا بعد لم يعتق الا بأداء الالفين لان الثابت بالبينة كالثابت باتفاق الخصمين وان كان أدى ألفا وأمضى القاضى عتقه ثم أقام المولى البينة ففي القياس هذا والاول سواء لانه تبين بالحجة أن بدل الكتابة ألفان وأن القاضى مخطئ في امضاء عتقه بعد أداء الالف ولكنه استحسن فقال هو حر وعليه ألف درهم لان القاضى قضى بعتقه بدليل شرعى والعتق بعد وقوعه لا يحتمل النقض ثم بينة المولى بعد ذلك مقبولة على اثبات الزيادة له في ذمته غير مقبولة على نفي العتق المقضى به إذ ليس من ضرورة وجوب المال على المكاتب بطلان العتق كما لو استحق البدل من المولى لانا قد بينا اختلاف الصحابة رضى الله عنهم في وقت عتق المكاتب فمنهم من يقول يعتق بنفس العقد ومنهم من يقول يعتق بأداء قدر قيمته وقضاء القاضى بعتقه صادف موضع الاجتهاد فكان نافذا فان أدى المكاتب ألف درهم ولم يخاصمه إلى القاضى حتى أقام المولى البينة على الالفين لم يعتق حتى يؤدى الالف الباقية لانه تبين أن بدل الكتابة ألفان فلا يعتق بأداء بعض المال ولما لم يخاصمه إلى القاضي لا يمكن اثبات العتق له محالا به على قضاء القاضى في المجتهدات لان القاضى لم يقض بشئ فلهذا لا يعتق حتى يؤدى جميع المال وإذا اختلفا فقال المولى كاتبتك على ألفين وقال العبد كاتبتني على ألف إذا أديت فأنا حر فأقاما البينة فانه يقضى عليه بألفين فيؤخذ ببينة المولي (المولى) على المال وببينة العبد على العتق فإذا أدى ألفا عتق وعليه ألف أخرى لان العبد قد أقام البينة على عتقه بعد اداء الالف حين شهد شهوده أنه قال إذا أدى ألفا فهو حر بمنزلة رجل أعتق عبده على ألف وقد بينا معنى هذه المسألة في كتاب العتاق الا أن هناك أبهم الجواب وهنا فسر وفرق بينما ادا شهد شهود العبد أنه قال إذا أديت إلى فأنت حر وبين ما إذا لم يشهدوا بذلك ولكن شهدوا أنه كاتبه على ألف ونجمها عليه نجوما فانه لا يعتق هنا حتى يؤدى ألفا أخرى وهذا الفرق صحيح لان في الفصل الاول عتقه عند أداء الالف بحكم الشرط مصرح به في شهادته ولا يوجد ذلك في الفصل الثاني فانه يعتق بحكم العقد وقد ثبت ببينة المولى ان البدل بحكم العقد ألفان فلا يعتق إلا بأداء الالفين ألا ترى أنه لو كاتبه على ألف ثم جدد

[ 66 ] الكتابة على الفين أو زاده في المكاتبة ألفا أخرى فانه لا يعتق الا بأداء الالفين فكذلك عند اقامة البينة لانا نجعل كان الامرين كانا وان اختلفا فقال العبد كاتبتني على نفسي ومالى على ألف درهم وقال المولى بل كاتبتك على نفسك دون مالك فالقول قول المولى والبينة بينة العبد لان العبد في هذا الفصل يدعى زيادة في حقه والمولى ينكر تلك الزيادة فالقول قوله مع يمينه لانكاره والبينة بينة العبد لما فيها من اثبات الزيادة وكذلك لو قال المولى كاتبتك على نفسك خاصة وقال العبد بل على نفسي وولدى فان قال المولى كان هذا المال في يدك حين كاتبتك فهو مالى وقال العبد أصبته بعد ذلك فالقول قول العبد والبينة بينة المولى لان المال في يد العبد فهو مستحق بحكم يده والمولى يحتاج إلى اثبات الاستحقاق عليه بالبينة ولان الكسب حادث فيحال بحدوثه على أقرب الاوقات وهو ما بعد الكتابة ويحتاج المولى إلى اثبات التاريخ السابق بالبينة وان ادعى أحدهما فسادا في المكاتبة وأنكر الآخر فالقول قول المنكر لان اتفاقهما على العقد يكون اتفاقا منهما على ما يصح به العقد فان مطلق فعل المسلم محمول على الصحة فلا يقبل قول من يدعى الفساد الا بحجة ولان المفسد شرط زائد على ما به تتم المكاتبة فلا يثبت بمجرد الدعوى قبل اقامة الحجة ولهذا لو أقاما البينة كانت البينة بينة من يدعى الفساد لانه يثبت زيادة شرط ببينته وان قال المولى كاتبتك على ألف إلى سنة وقال العبد إلى سنتين فالقول قول المولى والبينة بينة العبد لان الاجل حق العبد فهو يدعى زيادة في حقه وهو منكر ألا ترى أن المولى لو أنكر أصل الاجل كان القول قوله والبينة بينة العبد فكذلك إذا أنكر زيادة في الاجل وان ادعى أنه كاتبه نجوما على ألف كل شهر مائة وقال المولى نجومك مائتان كل شهر فالقول قول المولى والبينة بينة العبد لان الاختلاف بينهما في الحقيقة في فصل الاجل العبد يدعى ان الاجل عشرة أشهر والمولى يدعى أن الاجل خمسة أشهر ولو قال العبد كاتبتني على مائة دينار وأقام البينة وقال المولى على ألف درهم وأقام البينة فالبينة بينة المولى لان حق المكاتب ثابت بانفاقهما وانما قامت البينتان فيما هو حق المولى وبينته على اثبات حق نفسه أولى بالقبول من بينة غيره على حقه ولو قال المولى لمكاتبته ولدت هذا الولد قبل ان أكاتبك فهو عبدى وقالت بل ولدته في مكاتبتي فالقول قول من في يده الولد منهما لانه مستحق له باعتبار يده والآخر يريد استحقاقه عليه فلا يستحقه الا باقامة البينة (فان قيل) إذا كان في يد السيد فلماذا يجعل القول قوله وولادتها الولد حادث ويحال بالحادث على أقرب الاوقات

[ 67 ] (قلنا) نعم ولكن هذا نوع ظاهر والظاهر يصلح حجة لدفع الاستحقاق ولكن لا يثبت به الاستحقاق والمكاتب يحتاج إلى استحقاق اليد على المولى في الولد والظاهر لهذا لا يكفى فان أقاما البينة فالبينة بينة المكاتبة أما إذا كان الولد في يد المولى فلانه يثبت الاستحقاق بينتها والمولى ينفى ذلك الاستحقاق وأما إذا كان في يد المكاتبة فانها ببينتها تثبت حكم الكتابة في الولد وحريته عند أدائها والمولى ينفي ذلك ببينته فكان المثبت من البينتين أولى كما لو أعتق جاريته ثم اختلفا في ولدها هذا الاختلاف وأقاما البينة فالبينة بينة الجارية لما فيها من اثبات العتق للولد وإذا ماتت المكاتبة ثم اختلف ولدها والمولى في المكاتبة فهو كاختلاف المولى والام في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الآخر لان الولد قام مقام الام فاختلافه مع المولى في مقدار البدل بمنزلة اختلاف الام ولهذا لو ادعى الولد أنه أدى البدل أو أن الام أدت البدل لم يصدق الا بحجة كما لو ادعت الام ذلك في حياتها وكذلك إذا كان الاختلاف بين المكاتبة وابن المولى بعد موت المولى ولو كاتب الذمي عبدا له مسلما ثم اختلفا في مقدار البدل وأقام المولى بينة من النصارى لم تقبل لان الخصم مسلم وشهادة الكافر ليست بحجة على المسلم حربى دخل دار الاسلام بأمان فاشترى عبدا ذميا وكاتبه ثم اختلفا في المكاتبة فأقام المولى البينة من أهل الحرب ممن دخل معه بأمان لم تقبل شهادتهم على العبد الذمي لانه من أهل دارنا وشهادة أهل الحرب على من هو من أهل دارنا لا تكون حجة كشهادة الكفار على المسلمين والله سبحانه وتعالى أعلم بالصدق والصواب واليه المرجع والمآب (باب مكاتبة المريض) (قال) رضي الله عنه مريض كاتب عبده على ألف درهم نجمها عليه نجوما وقيمته ألف درهم وهو لا يخرج من ثلثه فانه يخير العبد ان شاء عجل ما زاد من القيمة على ثلث مال الميت والا رد في الرق لانه بتأجيل المال عليه أخر حق الورثة إلى مضي الاجل وفيه ضرر عليهم فلا يصح فيما هو من حقهم وهذا لان ضرر التأجيل كضرر الابطال من حيث ان الحيلولة تقع بين الورثة وبين حقهم عقيب موته ألا ترى أن المريض إذا أجل في دين له على الأجنبي يعتبر له من الثلث كما لو أبرأ وان شهود التأجيل في الدين إذا رجعوا ضمنوا كشهود الابراء فان عجل ما زاد على الثلث حسب ذلك من كل نجم بحصته لان التنجيم كان ثابتا في جميع المال وان

[ 68 ] عجل شيئا عند اعتراض الورثة يشيع المعجل في جميع النجوم فيكون من كل نجم بحصته إذ ليس بعض النجوم بأن يجعل المؤجل عنه أولى من البعض وان كاتبه على ألفين وقيمته ألف درهم لا مال له غيره قيل له عجل ثلثى الالفين في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله يقال له عجل ثلثي قيمتك لان من أصلهما أن مال المولى بدل الكتابة فلا يصح تأجيله الا في قدر الثلث ومن أصل محمد رحمه الله تعالى أن ما زاد على ثلثى قيمته كان المريض متمكنا من أن لا يتملكه أصلا فإذا تملكه مؤجلا لا يثبت للاولياء حق الاعتراض على الاجل فيه وقد بيناه في كتاب العتاق وان كاتبه على ألف وقيمته ألفان ولا مال له غيره قيل له عجل ثلثى قيمتك وأنت حر والا رددناك في الرق لانه حاباه بنصف المال والمحاباة في المرض وصية فلا يجوز الا بقدر ثلثه وإذا استغرقت المحاباة للثلث لا يمكن تصحيح التأجيل في شئ منه فيؤمر بأن يعجل ثلثى قيمته أو يرد في الرق رجل كاتب عبده في صحته على ألف درهم ثم أقر في مرضه أنه استوفى بدل الكتابة فهو مصدق يعتق المكاتب لانه استحق براءة ذمته عند اقرار المولى باستيفاء البدل منه لما كان العقد في صحته ومرضه لا يبطل الاستحقاق الثابت للمكاتب كما لو باعه من انسان في صحته ثم أقر في مرضه باستيفاء الثمن بخلاف ما لو كاتبه في مرضه ثم أقر باستيفاء البدل فانه لا يصح الا بقدر ثلثه لانه ما استحق هنا براءة ذمته عند اقراره وانما استحق براءة ذمته عند ايصال المال إليه ظاهرا ليتعلق به حق ورثته كما كان حقهم متعلقا برقبته ثم تتمكن تهمة المواضعة هنا أنه قصد بتصرفه تحصيل العتق له فيجعل في حق الورثة كان المولى أعتقه مكان الكتابة فلهذا كان معتبرا من ثلثه ولو كاتبه في صحته على ألف درهم وقيمته خمسمائة ثم أعتقه في مرضه ثم مات ولم يقبض شيئا فانه يسعى في ثلثى قيمته لان مال المولى في مرضه الاقل من قيمته ومن بدل الكتابة فان ما زاد على الاقل غير متيقن بأنه له ألا ترى أنه يتمكن من أن يعجز نفسه فلا يكون حقه الا في القيمة فلهذا يعتبر الثلث والثلثان في الاقل وهو قيمته فعليه أن يسعى في ثلثي قيمته ولان اعتاقه اياه ابطال للكتابة لان الاعتاق المبتدأ في حق المولى غير العتق بجهة الكتابة وإذا كان هذا ابطالا للكتابة جعل كانه لم يكاتبه وكذلك أن وهب جميع ما عليه من الكتابة في مرضه وهو حر ويسعى في ثلثى قيمته لان مال المولى هو الاقل فانما يعتبر تبرعه بالهبة من الثلث فيما يعلم أنه حقه وهو الاقل وفي الكتاب قال لانه متى

[ 69 ] أدى ثلثى قيمته عتق وان كان على المكاتبة في قول يعقوب ومراده قول يعقوب في أنه إذا كان لعتقه وجهان سعى في أقل ما يلزمه من جهة السعاية ومن جهة المكاتبة ولا يخير بينهما لان التخيير بين القليل والكثير في الجنس الواحد غير مفيد وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا كاتبه في صحته ثم أعتقه في مرضه فهو بالخيار ان شاء سعى في ثلثي قيمته وان شاء سعى في ثلثى ما عليه وقد بينا هذا في كتاب العتاق وان كان المولى قد قبض منه قبل ذلك خمسمائة ثم أعتقه في مرضه سعى في ثلثي قيمته ولم يحتسب له شئ مما أدى قبل ذلك لانه لما عتق بالاعتاق المبتدأ بطل حكم الكتابة في حق المولى فما أدى قبل ذلك كسب عبده فيكون سالما له غير محسوب مما عليه من السعاية وهذا عندهما وكذلك عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وان اختار فسخ الكتابة والسعاية في ثلثي قيمته (قال) وان أدى المكاتبة الا مائة درهم ثم أعتقه في مرضه أو وهب له الباقي سعى في ثلثى المائة لان ما بقى من بدل الكتابة هنا أقل وقد بينا أن مال المولى القدر المتيقن به وهو الاقل فلهذا يعتبر الثلث والثلثان هنا من بدل الكتابة لانه أقل وإذا ولدت المكاتبة ولدا واشترت ولدا آخر لها ثم ماتت سعيا في الكتابة على النجوم لان المولود في الكتابة قائم مقام الام في بقاء النجوم ببقائه وهو المطالب ببدل الكتابة وهو الذى يلى الاداء إلى المولى عند حلول كل نجم دون المشترى لان المشترى لو كان وحده لا يطالب بالمال على النجوم ولكن إذا لم يؤد المال حالا فهو بمنزلة عبدها يباع فعرفنا أنه غير قائم مقامها وانما القائم مقامها هو المولود في الكتابة ألا ترى أنه لو كان وحده كان المال في ذمته وانما يطالب به عند حلول الاجل فصار المولود في الكتابة في حق الولد الآخر كالام وفى حال حياتها كانت هي التى تطالب بالمال وتلى الاداء دون الولد فكذا هنا فان سعى الولد في الكتابة وأدى لم يرجع على أخيه بشئ لانه أدى عن أمه ولان كسبه في أداء بدل الكتابة منه بمنزلة تركتها وعند الاداء من التركة لا يرجع على أخيه بشئ فكذلك إذا أدى من كسبه ولو اكتسب هذا الابن المشترى كسبا فلاخيه أن يأخذه فيستعين به في كتابته لانه قائم مقام أمه وكان لها في حياتها أن تأخذ كسبه فكذلك لمن قام مقامها وهذا لانه لما بقى الاجل باعتبار بقاء المولود في الكتابة ولا يبقي الاجل الا باعتبار من هو أصل عرفنا أنه أصل في هذا العقد والمشترى تبع له وعلى هذا لو أراد أن يسلمه في عمل ليأخذ كسبه فيستعين به في مكاتبته

[ 70 ] كان له ذلك ويأمره القاضى أن يؤاجر نفسه أو يأمر أخاه أن يؤاجره كما لو كات الام حية كان لها أن تؤاجره بأمر القاضي إذا أبى أن يؤاجر نفسه ليؤدي المكاتبة من اجارته وما اكتسب المولود في المكاتبة بعد موت الام قبل الاداء فهو له خاصة وما اكتسب أخوه حسب من تركتها فقضى منه الكتابة والباقي ميراث بينهما لان المشترى بمنزلة عبدها فيكون كسبه لها بمنزلة مال خلفته يقضى منه بدل الكتابة والباقى ميراث عنها بين الاثنين فأما المولود في الكتابة قد انتصب أصلا فإذا حكم بعتقه مستندا إلى وقت عتق أمه كان ما اكتسب بعد ذلك له خاصة وهذا كله مذهب أبى حنيفة رحمه الله تعالى فأما عندهما الولد المشترى والولد المولود في الكتابة وكل من تكاتب عليها في حكم السعاية على النجوم سواء فلا يكون لاخيه أن يأخذ منه شيئا من كسبه إذ كل واحد منهما قائم مقام الام وليس أحدهما بتبع لصاحبه وإذا كان العبد بين رجلين فمرض أحدهما ثم كاتب الصحيح باذنه جاز ذلك وليس للوارث إبطاله لانه قائم مقام مورثه ولم يكن للمورث ابطاله فكذلك لا يكون ذلك لوارثه وهذا لانه ليس في هذا الاذن ابطال شئ من حق الورثة عما تعلق حقهم به انما هو مجرد اسقاط خيار ثبت له وكذلك ان اذن له في القبض فقبض بعض المكاتبة ثم مات المريض لم يكن للوارث أن يأخذ منه شيئا من أصحابنا رضى الله عنهم من قال هذا غلط وينبغى أن يكون للوارث أن يأخذ منه ما زاد على الثلث لان اذنه في القبض رضا منه بأن يقضى المكاتب دينه بنصف الكسب الذى هو حق المريض وهذا تبرع منه فانما يعتبر من ثلثه ولكنا نقول المريض يتمكن من اسقاط حق ورثته عن كسبه بأن يساعده على الكتابة فيعمل رضاه أيضا بقضاء بدل الكتابة من كسبه ولا يكون للورثة سبيل على ابطال ذلك وهذا لان الكسب بدل المنفعة وتبرعه بمنفعة نصيبه لا يكون معتبرا من ثلثه فكذلك تبرعه من بدل المنفعة ولا يجوز للمكاتب ان يزوج أمته من عبده لان فيه تعييبا لهما فان النكاح عيب في العبيد والاماء جميعا ولا يسقط بهذا العقد نفقتها عنه ولا يجب المهر أيضا فكان هذا ضررا في حق المكاتب فلهذا لا يصح منه وللمكاتب أن يأذن لعبده في التجارة لانه من صنيع التجار ويقصد به اكتساب المال والمكاتب منفك الحجر عنه في مثله ولان الفك الثابت بالكتابة فوق الثابت بالاذن وإذا جاز للمأذون أن يأذن لعبده في التجارة فلان يجوز للمكاتب أولى فان لحقه دين بيع الا أن يؤدى عنه المكاتب ويجوز أن يؤدى عنه

[ 71 ] الدين وان كان أكثر من قيمته لان هذا تصرف تناوله الفك الثابت بالكتابة والمكاتب في مثله كالحر ألا ترى أن فيما يبيع ويشترى بنفسه جعل كالحر لهذا فان عجز المكاتب وقد لحق كل واحد منهما دين بيع كل واحد منهما في دين نفسه لا أن يفديهما المولى لان بعجز المكاتب صار كل واحد منهما مملوكا للمولى فيكون الرأي إليه في أن يؤدى عنهما الدين أو يباع كل واحد منهما في دينه فان فضل من ثمن المكاتب شئ لم يصرف في دين عبده لان حق غرماء العبد انما تعلق بمالية العبد وكسبه والمكاتب ليس من ذلك في شئ بل المكاتب في حق العبد بمنزلة الحر فكما لا يقضى دين العبد من مال مولاه الحر فكذلك لا يقضي من ثمن المكاتب وان فضل من ثمن العبد شئ صرف في دين المكاتب لان العبد كسبه وحق غرمائه ثبت في كسبه الا أن دين العبد كان مقدما في مالية رقبته فما يفضل من دينه صرف في دين المكاتب فان قضي المولى بعض غرماء العبد دينه ثم جاء الآخرون لم يكن لهم على من اقتضى دينه سبيل إذا لم يكن الدين مشتركا بينهم لان المولى انما قضى من خالص ملكه ولا حق للغرماء في خالص ملكه فهو بمنزلة متبرع آخر يتبرع بقضاء بعض دينه فلا يكون للباقين على المقتضى سبيل ولكنهم يأخذون العبد بدينهم لتعلق حقهم بمالية رقبته ولا يخاصمهم المولى بما قضى من دينه في رقبته لانه لا يستوجب دينا في ذمة عبده ولا في مالية رقبته فكان هو في الاداء بمنزلة متبرع آخر وعجز المكاتب حجر على عبده لان ثبوت الاذن باعتبار الفك الثابت للمكاتب وقد زال ذلك بعجزه فيكون عجزه كموت الحر وبموت الحر يصير العبد محجورا عليه فكذلك بعجز المكاتب وكذلك بموته لانه ان مات عاجزا فقد انفسخت الكتابة وان مات عن وفاء فهو كموت الحر فيكون حجرا على العبد في الوجهين جميعا فان كان له ولد فأذن له في التجارة وعليه دين لم يصح اذنه لان غرماء العبد أحق بمالية رقبته والولد المولود في الكتابة انما يخلف أباه فيما هو حقه فأما فيما هو حق غرمائه فلا فلهذا لا يصح اذنه له في التجارة وإذا أذن المكاتب لعبده في التجارة فاستدان دينا فدفعه المولى إلى الغرماء بدينهم جاز ذلك والمراد بالمولي هو المكاتب دون مولى المكاتب لانه لا حق لمولى المكاتب في التصرف في كسبه ما بقيت الكتابة والمكاتب في التصرف في كسبه كالحر فيما تناوله الفك ودفع العبد إلى الغرماء بدينهم يجوز من الحر فكذلك من المكاتب ولو أذن لعبده في التزويج لم يجز لانه لا يملك مباشرته بنفسه لما فيه من

[ 72 ] الضرر عليه فكذلك لا يأذن العبد فيه وان أذن لامته في التزويج جاز ذلك استحسانا كما لو زوجها بنفسه لانه يأخذ مهرها ويسقط نفقها عن نفسه وفى القياس لا يجوز أيضا لان هذا التصرف ليس من صنع التجار عادة والله أعلم بالصواب (باب الخيار في الكتابة) (قال) رضى الله عنه ويجوز من اشتراط الخيار في الكتابة ما يجوز في البيع لانه عقد معاوضة يتعلق به اللزوم ويحتمل الفسخ بعد نفوذه كالبيع فان اشترط المولى لنفسه فيها الخيار ثلاثا فاكتسب العبد كسبا أو كانت جارية فوطئت بشبهة أو ولدت ولدا ثم أجاز الكتابة كان ذلك كله للمكاتب والمكاتبة لان الخيار كان مانعا من نفوذ حكم الكتابة فإذا زال المانع باسقاط الخيار صار كأن لم يكن فيتم العقد من حين عقد كما في البيع إذا أجاز من له الخيار يسلم المبيع للمشترى بزوائده المتصلة والمنفصلة ولان ولدها في حكم جزء منها وهي صارت أحق بنفسها عند سقوط الخيار فكذلك بما هو جزء منها والعقر بدل جزء منها والكسب بدل منافعها وهى أحق بمنافعها بحكم الكتابة كما أنها أحق بنفسها ولو باع المولى الولد أو وهبه وسلم أو أعتقه فهو جائز وهو رد للمكاتبة كما في البيع ولو ولدت الجارية المبيعة في مدة الخيار للبائع فأعتق الولد أو باعه كان ردا للبيع والمعنى في الكل واحد ان الولد جزء منها ولو باشر هذا التصرف فيها كان ردا للمكاتبة فكذلك في جزء منها وهذا لان الولد يسلم لها بنفوذ الكتابة بالاجازة ومقصود المولى تصحيح بيعه وهبته ولا يمكن تصحيحه الا بفسخ الكتابة فجعلناه فاسخا لهذا ولكن فيه بعض الاشكال في العتق لانه لا منافاة بين عتق الولد وبين نفوذ الكتابة فيها ألا ترى انه لو أعتق ولدها بعد نفوذ الكتابة ولزومها كان عتقه صحيحا نافذا فينبغي أن لا يجعل اعتاقه الولد ردا للكتابة على هذا الطريق ولكنه مستقيم على الطريق الاول رجل كاتب عبده على نفسه وولده صغار على أنه بالخيار ثلاثة أيام فمات بعض ولده ثم أجاز الكتابة جازت ولا يسقط عنه شئ من البدل لان البدل كله عليه دون الولد إذ لا ولاية له على ولده في الزام البدل اياه فكذلك موته لا يؤثر في كتابته ولا يسقط عنه شئ من البدل وان كاتب أمته على أنها بالخيار ثلاثا فولدت فأعتق السيد الولد فهى على خيارها لان تنفيذ عتق السيد الولد مع بقاء الكتابة فيها ممكن ألا ترى انه لو أعتق ولدها بعد لزوم الكتابة

[ 73 ] نفذ عتقه ثم لا يحط عنها شئ من البدل لان في هذا تحصيل بعض مقصودها ألا ترى أنها لو ولدت بعد نفوذ الكتابة فأعتق المولى الولد لم يحط عنها شئ من البدل فكذلك قبل تمام الكتابة إذا أعتق الولد وهذا بخلاف ما إذا كان الخيار للمولى فان اقدامه على العتق هناك فسخ منه للعقد ألا ترى أنه لو أعتق الام كان فسخا للعقد حتى لا يعتق الولد معها فكذلك اعتاقه الولد لانه جزء منها وهو متمكن من فسخ الكتابة بخياره فأما إذا كان الخيار لها فالعقد لازم من جانب المولى ألا ترى أنه لو أعتقها لم يكن فسخا للكتابة حتى يعتق الولد معها وكذلك إذا أعتق ولدها فان ماتت بعد الولادة والخيار للمولى فله الاجازة ثم الولد بمنزلة الام استحسانا وفى القياس المكاتبة باطلة وبالقياس يأخذ محمد رحمه الله تعالى لان أوان لزوم العقد عند اسقاط الخيار فلابد من بقاء من هو الاصل والمقصود بالعقد عند ذلك وهذا لان البدل انما يجب عند اسقاط الخيار ولا يمكن ايجابه على الميت ولا على الولد ابتداء لانه خلف فما لم يثبت الوجوب في حق من هو الاصل لا يظهر حكمه في حق الخلف ووجه الاستحسان أن الولد جزء منها فبقاؤه عند اسقاط الخيار كبقائها ألا ترى أن بعد نفوذ العقد لو ماتت جعل الولد قائما مقامها في السعاية على النجوم فكذلك قبل تمام العقد بالاجازة إذا ماتت يجعل الولد قائما مقامها في تنفيذ العقد بالاجازة وانما استحسنا ذلك لحاجتها ولحاجة ولدها إلى تحصيل العتق عند أداء البدل ولو كان الخيار لها فموتها بمنزلة قبول المكاتبة لان الخيار لا يورث ممن هو حر فكيف يورث من المكاتبة ولكنها لما أشرفت على الموت وعجزت عن التصرف بحكم الخيار سقط خيارها فلو كان الخيار للمولى فاشترت وباعت في مدة لخيار ثم رد المولى المكاتبة لم يجز شئ مما صنعت لان المكاتبة بطلت بفسخ المولى قبل تمامها والاذن في التجارة من ضرورة نفوذ الكتابة ولزومها فإذا لم يثبت ذلك لم تكن مأذونة في التجارة فلا ينفذ تصرفها الا أن يكون المولى رآها فلم يغير عليها فيكون ذلك منه اجازة ألا ترى أن رجلا لو باع عبدا على أن البائع بالخيار ثلاثا وقبضه المشترى فأذن له في التجارة واستدان دينا ثم رد البائع البيع لم يلزمه شئ من ذلك فكذلك في المكاتبة فأما إذا رآه يتصرف فقد قامت الدلالة لنا على أن سكوته عن النهى بعد العلم بتصرفه يكون دليل الرضا ودليل الرضا كصريح الرضا ولو صرح بذلك كان إجازة منه للكتابة وان كان الخيار للمكاتب كان شراؤه وبيعه رضا منه بالكتابة لانه تصرف منه في المعقود عليه على

[ 74 ] ما هو مقتضي العقد منه فيتضمن الاجازة للعقد منه وهو نظير ما لو اشترى عبدا على أنه بالخيار ثم أذن له المشترى في التجارة كان هذا رضا منه بالبيع فكذلك الكتابة والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب مكاتبة أم الولد والمدبر) (قال) رضي الله عنه رجل باع أم ولد له أو مدبرته خدمتها من نفسها جاز ذلك وهما حرتان والثمن دين عليهما بمنزلة ما لو باع رقبتهما من نفسهما وهذا لان المملوك للمولى عليهما الخدمة بملك الرقبة فهو بكل واحد من هذين اللفظين يكون مسقطا حقه عنهما بعوض ومضيفا لتصرفه إلى ما هو المملوك له عليهما فيصح ويجب البدل بنفس القبول أم ولد بين شريكين كاتبها أحدهما بغير اذن شريكه فللآخر أن ينقض الكتابة كما لو كانت قنة ولا يقال هنا ليس لهما أن يبيعاها قبل الكتابة فلماذا ثبت للساكت حق فسخ كتابة صاحبه لان لهما أن يستخدماها ويؤاجراها ولان لهما أن يستديما الملك فيها وإذا ردت الكتابة تعذر على الشريك استدامة الملك فيها فكان له أن يفسخ الكتابة لدفع هذا الضرر عن نفسه ولو كاتب أم ولده وأمة له وقيمتهما سواء ثم أعتق أم الولد أو عتقت بموته فالاخرى تسعى في نصف البدل لان البدل يتوزع على قيمتهما وقيمتهما سواء وباعتاق أم الولد يصير مستوفيا حصتها من البدل وكذلك لو كاتب مدبرا له وقنا وقيمتهما سواء ثم مات المولى فان خرج المدبر من الثلث فانه يسقط نصف البدل وسعي الآخر في نصف البدل وانما يعني بهاتين المسئلتين ان تكون قيمته مدبرا أو قيمتها أم ولد مثل قيمة القن لان في الانقسام انما تعتبر القيمة على الصفة التى تناولها العقد والله أعلم بالصواب (باب دعوة المكاتب) (قال) رضى الله عنه جارية بين مكاتب وحر ولدت فادعاه المكاتب فالولد ولده والجارية أم ولده ويضمن نصف عقرها ونصف قيمتها للحر يوم علقت منه ولا يضمن من قيمة الولد شيئا لان المكاتب بماله من حق الملك في كسبه يملك الدعوه كالحر فبقيام الملك له في نصفها هنا ثبت نسب الولد منه من وقت العلوق وثبت لها حق أمية الولد في حق امتناع البيع تبعا

[ 75 ] لثبوت حق الولد ويصير متملكا نصيب صاحبه منها من حين علقت فيضمن نصف عقرها لشريكه ونصف قيمتها من ذلك الوقت ولا يضمن من قيمة الولد شيئا لانه حادث على ملكه والحر في نظير هذا لا يكون ضامنا شيئا من قيمة الولد فكذلك المكاتب وأشار في الاصل إلى أن الجنين تبع ألا ترى ان أمة إذا كانت بين رجلين وهي حبلى فاشترى أحدهما نصيب صاحبه منها كان ما في بطنها أيضا للمشترى فان ضمن ذلك ثم عجز كانت الجارية وولدها مملوكا للمولى لانهما كسبه وقد خرجا من حكم الكتابة بعجزه فكانا مملوكين له وان لم يخاصمه ولم يضمنه شيئا حتى عجز كان نصف الجارية ونصف الولد لشريكه الحر لانهما خرجا من حكم الكتابة بعجزه ونصفهما على ملك الشريك الحر ما لم يصل إليه الضمان إذ لا منافاة بين ثبوت النسب منه وبقاء الملك للشريك بخلاف الاول فان المكاتب بالضمان هناك يصير متملكا نصيب الشريك والمضان كان واجبا ما بقيت الكتابة وقد زال ذلك بالعجز وصار الحر متمكنا من التصرف في نصيب نفسه منها ولكن عليه نصف العقر لاقراره بوطئها بسبب الملك وهى مشتركة بينهما فان كانت مكاتبة بينهما فادعى المكاتب ولدها جازت الدعوة لبقاء حق ملكه في نصفها بعد الكتابة وهى بالخيار ان شاءت مضت على الكتابة وأخذت العقر من المكاتب بوطئه اياها وان شاءت عجزت وضمن المكاتب لشريكه نصف قيمتها ونصف عقرها ألا ترى أن الحر لو ادعى الولد كان الحكم فيه كذلك فكذلك المكاتب الا أنه إذا كان الحر هو المدعى واختارت أن تعجز نفسها فهى بمنزلة أم الولد وإذا كان المكاتب هو المدعي فهى بمنزلة أم الولد في امتناع بيعها ولكن لا تثبت أمية الولد فيها حقيقة ما لم يعتق المكاتب بالاداء فان كانا ادعيا الولد فالدعوه دعوة الحر لان له حقيقة الملك في نصفها وحق الملك لا يعارض حقيقة الملك ولان في تصحيح دعوة الحر اثبات الحرية للولد في الحال وحقيقة أمية الولد للام وذلك لا يوجد في دعوة المكاتب فان اختارت المضى على الكتابة ثم مات الحر سقط نصيب الحر من المكاتبة عنها لان نصيبه عتق بموته فكأنه عتق باعتاقه وسعت في أقل من حصة المكاتب من المكاتبة ومن نصف قيمتها وهذا قول محمد رحمه الله تعالى فأما عند أبى يوسف رحمه الله تعالى تسعى في نصف قيمتها كما بينا في مكاتبة بين شريكين يعتقها أحدهما وان اختارت العجز سعت في نصف قيمتها ان كان المعتق معسرا وان كان موسرا ضمن نصف القيمة للمكاتب أما عندهما ظاهر وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان

[ 76 ] أمية الولد لم تثبت في نصيب المكاتب بعد ألا ترى أنه لو عجز كان نصيبه ملكا للمولى فلهذا بقي قيمة رقها في حكم الضمان والسعاية ثم لا يرجع عليها بما ضمن لانه لما ملك نصيب المكاتب بالضمان صارت أم ولد له ومن أعتق نصف أم ولده عتق كلها ولا سعاية عليها فان كان المكاتب وطئها أولا فولدت له ثم وطئها الحر فولدت له فادعيا الولدين معا ولم يعلم الا بقولهما فولد كل واحد منهما له بغير قيمة ويغرم كل واحد منهما لها الصداق وبهذا اللفظ تبين ان عقر المملوكة هو الصداق وانه في كل موضع يستعمل لفظ العقر فانما يريد به الصداق وهى بالخيار بين العجز والمضي على المكاتبة فان عجزت كانت أم ولد للحر خاصة لان دعوتهما التقت فيها بالولدين ولو التقت دعوتهما فيها في ولد واحد كان الحر أولى بها لان في دعوته اثبات أمية الولد لها في الحال فكذلك هنا وعليه نصف قيمتها للمكاتب لانه تملك نصيب المكاتب منها فانه لم يثبت فيها حق أمية الولد للمكاتب بعد وولد المكاتب ثابت النسب منه لان حين وطئها كان نصفها مملوكا له وعليه نصف قيمته للحر لان الولد صار مقصودا في حق المكاتب بالدعوة حين لم يتملك نصيب صاحبه من الام فيضمن قيمة نصيب شريكه من الولد له بخلاف الحرفان عجزت وعجز المكاتب معها كان ولد المكاتب رقيقا بين مولاه وبين الحر لان وجوب ضمان نصف قيمة الولد للحر على المكاتب باعتبار تملكه اياه بالاستتباع في الكتابة وقد زال ذلك بعجزه وان كان وطئ المكاتب بعد وطئ الحر فهى أم ولد للحر كما بينا وولد المكاتب بمنزلة أمه لا يثبت نسبه من المكاتب لانه تبين أنه استولد أم ولد الحر وقال محمد رحمه الله تعالى استحسن ان أثبت نسبه وهو للحر بمنزلة أمه لانه حين وطئها كان نصفها مملوكا له في الظاهر وذلك يكفى لثبوت النسب ولا خلاف بينهم في هذه المسألة وانما فيها القياس والاستحسان كما نص عليه في كتاب الدعوى والزيادات في الحرين لا أن هناك مدعى الاصغر يضمن قيمة الولد لشريكه لانه حر بحكم الغرور ولا يثبت فيه حكم أمية الولد إذ علق حر الاصل وهنا لا يعتق الاصغر على المكاتب لانه ليس من أهل الاعتاق فيبقى مملوكا لمدعى الاكبر بمنزلة أمه ومحمد رحمه الله تعالى يثبت الحرية بسبب الغرور في حق المكاتب في النكاح دون ملك اليمين لان ما ظنه المكاتب هنا لو كان حقيقة لم يكن الولد حرا والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب

[ 77 ] (باب كتابة المرتد) (قال) رضى الله عنه مرتد كاتب عبده ثم لحق بدار الحرب ثم رجع مسلما فان رفع المكاتب إلى القاضى فرده في الرق فالمكاتبة باطلة والا فهو على مكاتبته لان عقده كان موقوفا عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقد بطل بقضاء القاضى فلا يعود بعد ذلك وان عاد الملك إليه وإذا كاتب المسلم عبده ثم ارتد المولى فهو على مكاتبته وان لحق بدار الحرب لان لحوقه بدار الحرب مرتدا كموته وبموت المولى لا تبطل الكتابة بعد ما صحت ولكن يؤدى المكاتبة إلى ورثته وان كان المرتد قبض منه مكاتبته فان أسلم فهو حر وان قتل مرتدا لم يجز اقراره بالقبض في قول أبى حنيفة رحمه الله وهو على حاله إذا لم يعلم ذلك الا بقوله لان اقراره كسائر تصرفاته قولا فيبطل إذا قتل على ردته عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى قال فان كان يعلم ذلك يجوز أخذه للدين بشهادة الشهود في كل ما وليه ولا يجوز أن يخرج شيئا من ملكه بثمن وغير ذلك وأكثر مشايخنا رحمهم الله تعالى يقولون إن هذا الجواب غلط في الكتابة وانما يستقيم هذا في ثمن المبيع لان ثمن المبيع حق القبض فيه للعاقد فأما في بدل الكتابة حق القبض ليس للعاقد ولكنه للمالك ألا ترى أن الوكيل بالكتابة لا يقبض البدل فكان هذا دين وجب له لا بمباشرة سببه فلا يصح قبضه في براءة المديون إذا قتل على ردته (قال) رضى الله عنه عندي أن ما ذكره في الكتاب صحيح لان حق القبض هنا يثبت له بعقد الكتابة فانه باشر العقد في ملكه فلهذا يستحق ولاءه وان قبض ورثته البدل وإذا ثبت أن حق القبض له بالعقد لا يبطل ذلك بردته كما في البيع وهذا لان المكاتب يستحق الحرية عند تسليم المال إليه وردته لا تبطل استحقاق المكاتب (فان قيل) لماذا لا يقول في الاقرار هكذا استحق براءة قيمته عند اقراره بالقبض منه فلا يبطل ذلك بردته (قلنا) انما يستحق براءة ذمته عند اقراره بقبض ملكه منه والملك هنا صار لورثته وهذا لان الاقرار مخرج لبدل الكتابة من ملك ورثته بغير عوض وهو لا يملك ذلك بعد الرده والقبض مقرر حق ورثته في المقبوض فيمكن تنفيذ ذلك في حقهم فان لم يقبض شيئا حتى لحق بدار الحرب فجعل القاضى ماله ميراثا لورثته فاخذوا المكاتبة ثم رجع مسلما فولاء العبد له لانه يستحق الولاء بعقد الكتابة وإذا رجع مسلما فهو من أهل أن يثبت الولاء له عليه ألا ترى أنه لو

[ 78 ] كان دبر عبده فاعتقه القاضى بعد لحوقه بدار الحرب ثم رجع مسلما كان ولاؤه له دون الورثة وهذا لان الولاء أثر من آثار الملك فيعاد إليه ما يجد من ملكه قائما بعد اسلامه فكذلك الولاء الذي هو أثر الملك ويأخذ من الورثة ما قبضوه من بدل الكتابة ان وجد بعينه سواء قبضوا جميع البدل أو بعضه لانه قد وجد عين ماله وقال عليه الصلاة والسلام من وجد عين ماله فهو أحق به والله أعلم بالصواب (باب شركة المكاتب وشفعته) (قال) وليس للمكاتب أن يشارك حرا شركة مفاوضة لانها تنبنى على المساواة في التصرف ولا مساواة بين الحر والمكاتب في التصرفات ولان شركة المفاوضة تتضمن الكفالة العامة فان كل واحد منهما كفيل عن صاحبه بما يلزمه والمكاتب ليس من أهل الكفالة وهذا على أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى أظهر فان عنده كفالة أحد المتفاوضين تلزم شريكه فلو صححنا المفاوضة بينهما لكان إذا كفل الحر بمال يلزم ذلك المكاتب ولا يجوز أن يلزم المال على المكاتب بعقد الكفالة ويجوز له أن يشارك الحر شركة عنان لانها تتضمن توكيل كل واحد منهما صاحبه بالشراء والبيع والمكاتب في ذلك كالحر فان عجز المكاتب بعد ذلك انقطعت الشركة بينهما لانه لما رد في الرق صار عبدا محجورا عليه لا يملك مباشرة التصرف لنفسه فكذلك لا يملك شريكه أن يشترى له بحكم الوكالة فلهذا تبطل الشركة (قال) وله الشفعة فيما اشتراه المولى وللمولى فيما اشتراه المكاتب لانه بعد الكتابة التحق بسائر الاجانب في حقه في حكم البيع والشراء ألا ترى ان كل واحد منهما يشترى من صاحبه فيجوز فكذلك في حكم الاخذ بالشفعة لان الاخذ بالشفعة شراء (قال) ولو أعتق المكاتب بعد شركة العنان بقيت الشركة على حالها لان ملكه تأكد بالعتق وكذلك قدرته على التصرف فيبقى شريكه على وكالته (قال) وان شارك الغير شركة مفاوضة بغير اذن سيده أو باذنه ثم عتق لم تصح تلك الشركة لان المكاتب ليس من أهل المفاوضة والعقد إذا بطل لانعدام الاهلية لا يصح بحدوث الاهلية بعد ذلك (قال) وان اشترى المكاتب دارا على أنه بالخيار ثلاثة أيام فعجز ورد في الرق انقطع خياره لانه مجرد رأي كان ثابتا له بين الفسخ والامضاء فلا يبقى بعد العجز له لما صار محجورا عليه عن التصرف كما لو مات ولا يخلفه المولى في ذلك

[ 79 ] لان رأى الانسان لا يحتمل النقل إلى غيره ولان الدار بعجزه خرجت من حكم ملكه وصارت مملوكة للمولى وذلك مسقط لخيار المشترى فان كان البائع بالخيار فهو على خياره بعد عجز المكاتب كما بعد موته وان كان الخيار للمكاتب المشترى فبيعت دار إلى جنبها فله أن يأخذ تلك الدار بالشفعة لانه صار أحق بما اشترى حتى يملك التصرف فيه فتجب الشفعة له باعتباره واخذه بالشفعة يكون اسقاطا منه لخياره لانه تقرر به ملكه في المشترى حين حصل ثمرة ذلك الملك لنفسه وان لم يأخذها بالشفعة حتى رد المشترى على البائع فلا شفعة في الدار الاخرى لواحد منهما أما المكاتب فلانه زال جواره برد المشترى وأما البائع فلانه لم يكن جارا حين بيعت هذه الدار (قال) ولا يقطع المكاتب في سرقته من مولاه لانه مملوك له يدخل بيته من غير حشمة ولا استئذان فلا يتم احراز المال عنه والقطع لا يجب الا بسرقة مال محرز قد تم احرازه وكذلك ان سرق من ابن مولاه أو من امرأة مولاه أو من ذى رحم محرم من مولاه لان المولى لو سرق من أحد من هؤلاء أو سرق أحد من هؤلاء من المولى لم يقطع باعتبار ان بعضهم يدخل دار بعض من غير استئذان ولا حشمة وكذلك المكاتب لانه ملكه يدخل عادة في كل بيت يدخل فيه مالكه من غير استئذان فيصير ذلك شبهة في درء العقوبة عنه وكذلك لو سرق واحد من هؤلاء من المكاتب لانه لو سرق واحد من هؤلاء من المولى لم يقطع فكذلك من المكاتب لان المكاتب ملك المولى وله في كسبه حق الملك (قال) فان سرق المكاتب من أجنبي ثم رد في الرق فاشتراه ذلك الرجل لم يقطع لان القطع عقوبة تندرئ بالشبهات وفي مثله المعترض بعد الوجوب قبل الاستيفاء كالمقترن بالسبب الا ترى ان السارق لو ملك المسروق بعد وجوب القطع عليه يسقط عنه القطع وان ملكه بسبب حادث فكذلك المسروق منه إذا ملك السارق بعد وجوب القطع (قال) وان سرق المكاتب من رجل ولذلك الرجل عليه دين فانه يقطع لانه لا شبهة بينهما بسبب وجوب الدين للمسروق منه على السارق فان عجز المكاتب فطلب المسروق منه دينه فقضى القاضى ان يباع له في دينه وقد أبى المولى ان يفديه فانه يقطع في القياس لان المسروق منه لم يصر مالكا وان قضي القاضي بأن يباع في دينه ولم يذكر الاستحسان وقيل في الاستحسان ينبغى ان لا يقطع لان مالية العبد صارت له بقضاء القاضي فانه إذا بيع في الدين يصرف ثمنه إليه فيجعل هذا بمنزلة مالو صار الملك له في رقبته

[ 80 ] في ايراث الشبهة ولكنه استحسان ضعيف فلهذا لم يذكره وكذلك العبد المأذون في جميع ما ذكرنا (قال) وان سرق المكاتب من مكاتب آخر لمولاه لم يقطع كما لو سرق من مولاه لان كسب ذلك المكاتب من وجه لمولاه أو يجعل سرقة المكاتب كسرقة مولاه ولو سرق المولى من ذلك المكاتب لا يقطع فكذلك مكاتبه وكذلك ان سرق من عبد كان بين مولاه وبين آخر وقد أعتق المولى نصيبه منه لان هذا كالمكاتب لمولاه من وجه ألا ترى أن الشريك إذا اختار ضمان المولى رجع المولى به عليه فيكون بمنزلة المكاتب له (قال) وإذا سرق المكاتب من مضارب مولاه من مال المضاربة لا يقطع لانه مال المولى لو سرقه منه لا يقطع فكذا من مضاربه وكذلك لو سرق المكاتب من مال رجل لمولاه عليه مثل ذلك دين لان فعله في السرقة كفعل المولى ولو سرق المولى هذا المال لم يقطع وكيف يقطع وانما أخذه بحق لان صاحب الحق إذا ظفر بجنس حقه له أن يأخذه فأما إذا كانت السرقة عروضا قطعا جميعا لان دين المولى ثابت في ذمة المديون وذلك لا يوجب له حقا ولا شبهة فيما ليس من جنس حقه في مال المديون فلهذا يقطع المولى والمكاتب بسرقته والله سبحانه وتعالى أعلم بالصدق والصواب واليه المرجع والمآب (قال) شمس الائمة الزاهد انتهى شرح كتاب المكاتب باملاء المحصور المعاتب والمحبوس المعاقب وهو منذ حولين على الصبر مواظب وللنجاة بلطيف صنع الله مراقب والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

[ 81 ] بسم الله الرحمن الرحيم (كتاب الولاء) (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد الاستاذ شمس الائمة أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله تعالى اعلم بأن الولاء نوعان ولاء نعمة وولاء موالاة فولاء النعمة ولاء العتاقة وانما اخترنا هذه العبارة اقتداء بكتاب الله إذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أي أنعم الله عليه بالاسلام وأنعمت عليه بالعتق والآية في زيد بن حارثة مولى رسول الله ورضى الله عنه وأكثر أصحابنا رضى الله عنهم يقولون سبب هذا الولاء الاعتاق ولكنه ضعيف فان من ورث قريبه فعتق عليه كان مولى له ولا اعتاق هنا والاصح أن سببه العتق على ملكه لان الحكم يضاف إلى سببه يقال ولاء العتاقة ولا يقال ولاء الاعتاق وولاء الموالاة ما ثبت بالعقد فان الموالاة عقد يجرى بين اثنين والحكم يضاف إلى سببه والمطلوب بكل واحد منهما التناصر وقد كانوا في الجاهلية يتناصرون بأسباب منها الحلف والمحالفة فالشرع قرر حكم التناصر بالولاء حتى قال مولى القوم من أنفسهم وحليفهم منهم فالمراد بالحليف مولى الموالاة فانهم كانوا يؤكدون ذلك بالحلف ولمعنى التناصر أثبت الشرع حكم التعاقد بالولاء وبنى على ذلك حكم الارث وفى حكم الارث تفاوت بين السببين أما ثبوت أصل الميراث بالسببين ففي كتاب الله تعالى إشارة إليه فقال الله تعالى ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان والاقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم والمراد الموالاة وفيه تحقيق مقابلة الغنم بالغرم من حيث أنه يعقل جنايته ويرث ماله الا أن الارث بولاء العتاقة أقوى لكونه متفقا عليه ولهذا قلنا مولى العتاقة آخر العصبات مقدم على ذوى الارحام وهو قول على رضى الله تعالى عنه وكان ابن مسعود رضى الله عنه يقول مؤخر عن ذوى الارحام لقوله للمعتق في معتقه وان مات ولم يدع وارثا كنت أنت عصبته فقد شرط لتوريثه عدم الوارث وذوو الارحام من جملة

[ 82 ] الورثة وقال الولاء مشبه بالنسب وقال الولاء لحمة كلحمة النسب وما أشبه الشئ لا يزاحمه ولا يقدم عليه بل يخلفه عند عدمه ولكنا نحتج بما روى أن بنت حمزة رضى الله عنها أعتقت عبدا فمات المعتق وترك بنتا فجعل رسول اله نصف المال للبنت ونصفه لبنت حمزة رضى الله عنها والباقى بعد نصيب صاحب الفرض للعصبة فتبين بهذا ان المعتق عصبة ورد الباقي على صاحب الفرض عند عدم العصبة مقدم على حق ذوى الارحام ثم لم يرد رسول الله ما بقى على البنت بل جعله للمعتقة عرفنا أنها عصبة مقدم على ذوى الارحام وفى حديثه عليه الصلاة والسلام إشارة إلى هذا فانه قال كنت أنت عصبته فتبين بهذا اللفظ ان مراده ولم يدع وارثا هو عصبة وقوله والولاء كالنسب دليلنا عند التحقيق لان العتق يضاف إلى المعتق بالولاء من حيث أنه سبب لاحيائه فان الحرية حياة والرق تلف حكما فكان كالاب الذى هو سبب لايجاد الولد فتستحق العصوبة بهذه الاضافة كما تستحق العصوبة بالابوة فأما قرابة ذوى الارحام لا يستحق بها الاضافة على كل حال والانسان لا يضاف إلى عمته وخالته حقيقة فكان مؤخرا عن الولاء وكان الولاء خلفا عن الابوة في حكم الاضافة فتستحق به العصوبة بهذه الاضافة كما تستحق العصوبة بالابوة ثم تقدم الورثة على ذوى الارحام فأما ولاء الموالاة سبب لاستحقاق الارث عندنا ولكنه مؤخر عن ذوى الارحام وعند الشافعي رضى الله عنه ليس بسبب الارث أصلا وهو بناء على ان من أوصى بجميع ماله فيمن لا وارث له عندنا يكون للموصى له جميع المال وعنده يكون له الثلث لان من أصله ان ما زاد على الثلث حق بيت المال عند عدم الورثة العصبة فلا يملك ابطال ذلك الحق بعقده بطريق الوصية أو الموالاة وعندنا المال ملكه وحقه وانما يمتنع تصرفه فيما زاد على الثلث لتعلق حق الورثة والصرف إلى بيت المال عند عدم الوارث لانه لا مستحق له لا لانه مستحق لبيت المال فإذا انعدم الوارث كان له أن يوجبه بعقده لمن شاء بطريق الوصية أو الموالاة قال ابن مسعود رضى لله عنه السائبة يضع ماله حيث أحب وتمام هذه المسألة في الوصايا والفرائض إذا عرفنا هذا فنقول بدأ الكتاب بما رواه عن الصحابة عمر وعلى وابن مسعود وأبى بن كعب وزيد بن ثابت وأبى مسعود الانصاري وأسامة بن زيد رضوان الله عليهم أجمعين انهم قالوا الولاء للكبر وهو قول إبراهيم وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله تعالى وكان شريح رحمه الله تعالى يقول الولاء بمنزلة المال ولسنا نأخذ بهذا وفائدة هذا

[ 83 ] الاختلاف أن ميراث المعتق بالولاء بعد المعتق يكون لابن المعتق دون بنته عندنا وعند شريح رحمه الله تعالى بين الابن والبنت للذكر مثل حظ الانثيين هو يقول الولاء أثر من آثار الملك وكما ان أصل ملك الاب في هذا العبد بعد موته بين الابن والبنت للذكر مثل حظ الانثيين فكذلك الولاء الذى هو أثر من آثار الملك فكأنه بالعتق يزول بعض الملك ويبقى بعضه فهذا معنى قوله الولاء بمنزلة المال ولكنه ضعيف فان النبي قال الولاء لحمة كلحمة النسب والنسب لا يورث وانما يورث به فكذلك الولاء وهذا لان ثبوت الولاء للمعتق باحداث قوة المالكية في المعتق ونفي المملوكية فكيف يكون الولاء جزءا من الملك ومعنى قول الصحابة رضى الله عنهم الولاء للكبر للقرب والكبر بمعنى العظم وبمعنى القرب فدخل كل واحد من المعنيين في قوله تعالى ومكروا مكرا كبارا وتفسيره رجل أعتق عبدا ثم مات وترك ابنين ثم مات أحد الابنين وترك ابنا ثم مات المعتق فميراثه لابن المعتق لصلبه دون ابن ابنه لان ابن المعتق لصلبه أقرب إلى المعتق من ابن ابنه ولهذا كان أحق بميراثه فكذلك بالارث بولائه وهذا لان الولاء عينه لم يصر ميراثا بين الابنين حتى يخلف ابن الابن اباه في نصيبه ولكنه للاب على حاله ألا ترى أن المعتق ينسب بالولاء إلى المعتق دون أولاده فكان استحقاق الارث بالولاء لمن هو منسوب إليه حقيقة ثم يخلفه فيه أقرب عصبته كما يخلفه في ماله لو مات الاب فيكون لابنه دون ابن ابنه ودون ابنته لان هذا الاستحقاق بطريق العصوبة والبنت لا تكون عصبة بنفسها انما تكون عصبة بالابن فعند وجوده لا تزاحمه وعند عدمه هي لا تكون عصبة وهذا لان السبب هو النصرة كما بينا والنصرة لا تحصل بالنساء ألا ترى أن النساء لا يدخلن في العاقلة عند حمل أرش الجناية فكذلك في الارث بولاء الغير وان كان للمعتق بنت فلها النصف والباقى لابن المعتق لان الارث بالولاء طريقه العصوبة وحق أصحاب الفرائض مقدم فلهذا يعطى نصيب بنت المعتق أولا وكذلك نصيب زوجته ان كانت ثم حكم الباقي هنا كحكم جميع المال في المسألة الاولى فيكون لابن المعتق دون ابن ابنه فإذا مات هذا الابن بعد ذلك عن ابن ثم ماتت بنت المعتق فميراثها لابنى ابن المعتق جميعا لانها تابعة لابيها في الولاء فان الولاء كالكسب والولد منسوب إلى أبيه حقيقة له فكذلك يكون مولى لموالى أبيه فكان ميراثها بهذا الطريق لمعتق الاب يخلفه في ذلك ابنا ابنه كما في ماله لو مات الاب وكذلك

[ 84 ] هذا القول في كل عصبه للمعتق وقد طول محمد رحمه الله ذلك في الاصل وحاصله يرجع إلى ما ذكرنا أن أقرب عصبة المعتق عند موت المعتق يخلفه في ميراث المعتق في ذلك الوقت وهو معنى قول الصحابة رضى الله تعالى عنهم الولاء للكبر (قال) فان كان لاحد الابنين ابنان وللآخر ابن واحد فالميراث بينهم على عدد رؤسهم لان الجد لو مات الآن كان ميراثه بينهم بالسوية فكذلك ميراث المعتق وكذلك الحكم في ولاء المدبر وميراثه وولاء أم الولد والمكاتب وميراثهما لان المدبر والمكاتب والمستولد استحق ولاءهم لما باشر من السبب ولا فرق بين أن يكون نزول العتق بهذا السبب بعد موته أو قبله وكذلك في العبد الموصى بعتقه أو بشرائه وبعتقه بعد موته لانه يستحق الولاء بما أوصى به وفعل وصيته بعد موته كفعله في حياته فان كانت بنت المعتق ماتت عن بنت ثم ماتت ابنتها فليس لابني ابن المعتق من ميراث هذه الاخيرة شئ لان المعتق لو كان حيا لم يرثها لانه ليس بمولى لها انما هو مولى لامها وقد بينا ان الولاء كالنسب والولد في النسب لا يتبع أمه إذا كان له نسب من جانب الاب فكذلك في الولاء ثم روى عن عمر وعلى وابن مسعود وأبى بن كعب وزيد بن ثابت وأبى مسعود الانصاري وأسامة بن زيد رضوان الله عليهم أجمعين أنهم قالوا ليس للنساء من الولاء الا ما أعتقن وعن إبراهيم أنه قال ليس للنساء من الولاء الا ما أعتقن أو كاتبن أو أعتق من أعتقن وعن شريح ليس للنساء من الولاء شئ الا ما أعتقن أو كاتبن وهذا الحديث مخالف لما ذكره الاعمش عن إبراهيم عن شريح رحمهم الله تعالى ان الولاء بمنزلة المال وبهذه الآثار نأخذ فقد روى مرفوعا إلى رسول الله أنه قال ليس للنساء من الولاء الا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو كاتبن أو كاتب من كاتبن أو جره ولاء معتق معتقهن والحديث وان كان شاذا فقد تأكد بما اشتهر من أقاويل الكبار من الصحابة رضى الله عنهم وبالحديث المشهور الذى روينا أن بنت حمزة رضى الله عنهما أعتقت مملوكا فمات وترك بنتا فأعطى رسول الله بنته النصف وبنت حمزة رضى الله عنهما النصف فبهذا تبين ان المرأة تكون عصبة لمعتقها وهذا لان سبب النسبة للولاء إحداث قوة المالكية بالعتق وقد تحقق ذلك منها كما يتحقق من الرجل بخلاف النسب فان سببه الفراش والفراش للرجل على المرأة فلا تكون المرأة صاحبة فراش ولانها أصل في هذا الولاء لمباشرتها سببه وكما أن المرأة في ملك المال تساوى الرجل فكذلك فيما يترتب عليه

[ 85 ] بخلاف النسب فان سببه وهو الفراش يثبت بالنكاح في الاصل والمرأة لا تساوى الرجل في ملك النكاح لانها بصفة الانوثة مملوكة نكاحا فلا تكون مالكة نكاحا وإذا ثبت أنها أصل في هذا الولاء كان ميراث معتقها لها فكذلك ميراث معتق معتقها لان معتق المعتق ينسب إلى معتقه بالولاء وهى مثل الرجل في الولاء الذى هو الاصل على المعتق الاول ولان ميراث معتق المعتق يكون لمعتقه بالعصوبة ومعتقه معتقها في هذا الفصل فتخلفه في استحقاق ذلك المال كما تخلفه في استحقاق المال بالعصوبة لو مات الاب وعلى هذا مكاتبها ومكاتب مكاتبها لان الكتابة سبب في استحقاق الولاية كالعتق وعلى هذا جر ولاء معتق معتقها لان سببه العتق على ما نبينه فتستوي هي بالرجل في استحقاق ذلك (قال) وإذا أعتقت المرأة عبدا ثم ماتت عن زوجها وابن وبنت ثم مات المعتق فميراثه لابن المرأة خاصة لانه أقرب عصبتها إذ ليس لزوجها في العصوبة حظ والبنت لا تكون عصبة بنفسها فكان أقرب عصبتها الابن فيخلفها في ميراث معتقها ويستوى ان كانت أعتقته بجعل أو بغير جعل لان ثبوت الولاء لها باحداث قوة المالكية في المعتق وفى هذا يستوي العتق بجعل أو بغير جعل (قال) وإذا اشترت امرأتان أباهما فعتق عليهما ثم اشترت احداهما مع الاب أخالها من الاب فعتق ثم مات الاب فميراثه بينهم جميعا للذكر مثل حظ الانثيين لانه مات عن ابن وابنتين فان مات الاخ بعد ذلك فلهما من ميراثه الثلثان بالنسب لانهما أختاه لاب وللاختين الثلثان ثم للتى اشترت الاخ مع الاب بالولاء نصف الثلث الباقي لانها معتقة نصفه بالشراء فان شراء القريب اعتاق وهى المشترية لنصف الاخ ولهما جميعا نصف الثلث الباقي بولاء الاب لان الاب كان هو المعتق لهذا النصف من الاخ بشرائه وهما كانتا معتقتين الاب بشرائهما اياه وقد بينا أن المرأة في ميراث معتق معتقها كالرجل ولهذا كان نصف الثلث الباقي لهما بطريق الخلافة عن أبيهما (قال) امرأة أعتقت عبدا ثم ماتت وتركت ابنها وأباها ثم مات العبد فميراثه للابن خاصة عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وهو قول أبى يوسف رحمه الله الاول ثم رجع فقال لابيها السدس والباقى للابن وجه قول أبى يوسف رحمه الله أن الابوة تستحق بها العصوبة كالبنوة ألا ترى ان الاب عصبة عند عدم الابن واستحقاق الميراث بالولاء ينبنى على العصوبة ووجود الابن لا يكون موجبا حرمان الاب أصلا عن الميراث الا ترى انه لم يصر محروما عن ميراثها بهذا فكذلك عن ميراث معتقها فالاحسن ان يجعل ميراث المعتق بينهما كميراثهما

[ 86 ] لو ماتت الآن فيكون للاب السدس والباقى للابن وهذا لان كل واحد منهما ذكر في نفسه ويتصل بها بغير واسطة فلا يجوز أن يكون أحدهما محجوبا بالآخر فهذا شبه الاستحسان من أبى يوسف رحمه الله تعالى فاما القياس ما قاله أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لان أقرب عصبة المعتق يقوم مقام المعتق بعد موته في ميراث المعتق والابن هو العصبة دون الاب واستحقاق الاب السدس منها بالفريضة دون العصوبة فهو كاستحقاق البنت نصف مالها بالفريضة مع الاب وذلك لا يكون سببا لمزاحمتها مع الاب في ميراث معتقها فكذلك هنا (قال) رجل أعتق أمة ثم غرقا جميعا لا يدرى أيهما مات أولا لم يرث المولى منها شيئا لان الوراثة خلافة فشرط استحقاق ميراث لغير بقاؤه حيا بعد موته وذلك غير معلوم هنا ولان كل امرين ظهرا ولا يعرف التاريخ بينهما يجعل كأنهما وقعا معا إذ ليس أحدهما بالتقديم بأولى من الآخر ولو علمنا موتهما معا لم يرث المولى منها فهذا مثله ولكن ميراثها لاقرب عصبة المولى ان لم يكن لها وارث لان المولى لما لم يرثها جعل كالمعدوم فكأنه كان كافرا أو ميتا قبلها فيكون ميراثها لاقرب عصبته (قال) وإذا أعتق الرجل الامة ثم مات وترك ابنا ثم مات الابن وترك أخا من أمه ثم ماتت الامة فميراثها لعصبة المعتق وليس للاخ لام من ذلك شئ سواء كان اخ المعتق لامه أو أخ لابنه لان الولاء للمعتق وأخ ابن المعتق لامه أجنبي من المعتق وأخ المعتق لامه ليس بعصبة له انما هو صاحب فريضة ولا يخلف المعتق في ميراث معتقه الا من كان عصبة له (قال) امرأة أعتقت عبدا ثم ماتت وتركت ابنها وأخاها ثم مات العبد ولا وارث له غيرهما فالميراث للابن لانه أقرب عصبتها يقدم على الاخ بالارث عنها فكذلك في الخلافة في ميراث معتقها وان جني جناية فعقله على عاقلة الاخ لان جناية معتقها كجنايتها وجنايتها على قوم أبيها فكذلك جناية معتقها وابنها ليس من قوم أبيها واستدل عليه بحديث إبراهيم عن على بن أبى طالب والزبير بن العوام رضى الله تعالى عنهم أنهما اختصما إلى عمر رضي الله تعالى عنه في مولى لصفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها مات فقال على رضى الله عنه عمتي وأنا أرث مولاها وأعقل عنه وقال الزبير رحمه الله تعالى أمي وأنا أرث مولاها فقضي عمر بالميراث للزبير وبالعقل على على رضى الله تعالى عنه وقال الشعبى شهدت على الزبير أنه ذهب بموالي صفية وشهدت على جعدة بن هبيرة أنه ذهب بموالي أم هانئ رضى الله عنها وكان ابنا لها فخاصمه على

[ 87 ] ميراث مولاها فبهذين الحديثين يثبت أن ميراث المعتق يكون لابن المعتقة وان كان عقل جنايته على قوم أبيها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصدق والصواب واليه المرجع والمآب (باب جر الولاء) (قال) رضي الله عنه روى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه قال إذا كانت الحرة تحت مملوك فولدت عتق الولد بعقتها فإذا أعتق أبوهم جر الولاء وبه نأخذ لان الولد جزء من أجزائها وهى حرة بجميع اجزائها فينفصل الولد منها حرا ثم الولاء كالنسب والولد ينسب إلى أبيه بالنسب فكذلك في الولاء يكون منسوبا إلى من ينسب إليه أبوه والاب بعد العتق ينسب بالولاء إلى معتقه فكذلك ولده واستدل على اثبات جر الولاء بحديث الزبير أيضا فانه أبصر بخيبر فتية لعسا أعجبه ظرفهم وأمهم مولاة لرافع بن خديج وأبوهم عبد لبعض الحرقة من جهينة أو لبعض أشجع فاشترى الزبير أباهم فاعتقه ثم قال انتسبوا إلى وقال رافع بل هم موالى فاختصما إلى عثمان رضى الله عنه فقضى بالولاء للزبير وفى هذا دليل أن الولد منسوب إلى موالى أمه ما لم يظهر له ولاء من جانب أبيه فإذا ظهر بالعتق جر الاب ولاء الولد إلى مواليه وهذا لان في النسب الولد منسوب إلى أمه إذا لم يكن له نسب من أبيه للضرورة كالولد من الزنا وولد الملاعنة بعد ما انقطع نسبه من أبيه ثم إذا ظهر له نسب من جانب الاب بأن أكذب الملاعن نفسه صار الولد منسوبا إليه وكذلك في الولاء وقوله فتية لعسا بيان لملاحتهم فهو حمرة تضرب إلى السواد قال الشاعر لمياء في شفتيها حوة لعس وفى اللثات وفي انيابها شنب وقوله أعجبني ظرفهم أي ملاحتهم وقيل كياستهم فمن كان بهذا اللون فهو كيس عادة ثم ذكر الشعبى قال إذا أعتق الجد جر الولاء وهكذا يروى الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى وفى ظاهر الرواية الجد لا يجر الولاء بخلاف الاب وقد بينا في صدقة الفطر فان هذه أربع مسائل جر الولاء وصدقة الفطر وصيرورته مسلما باسلام جده ودخول الجد في الوصيه للقرابة بخلاف الاب في الفصول الاربعة روايتان بينا وجه الروايتين هناك واستبعد محمد رحمه الله تعالى قول من نقول النافلة باسلام الجد يصير مسلما فقال لو كان كذلك لكان بنو آدم مسلمين باسلام آدم صلوات الله عليه ولا يسبى صغير أبدا وهذا باطل

[ 88 ] وكذلك في جر الولاء بعتق الجد لو أعتق الاب فلابد من القول بأن الاب جر ولاء الولد إلى مواليه والجد أب وبعد ما ثبت جر الولاء بالابوة لا يتحقق نقله إلى غيره (قال) وإذا أسلم رجل على يد رجل ووالاه ثم أسر أبوه فاعتق فان الابن يكون مولى لموالى الاب لان ولاء الموالاة ضعيف والضعيف لا يظهر في مقابلة القوى فكأنه لا ولاء على الولد لاحد وهذا بخلاف ما لو كان الابن معتق انسان فأعتق اباه انسان آخر فانه لا ينجر ولاء الابن إليه لان الولاء الثابت على الابن مثل الولاء الذي ظهر للاب وهو في هذا مقصود فبعد ما صار مقصودا في حكم لا يمكن جعله تبعا في عين ذلك (قال) وإذا تزوج العبد حرة فولدت له أولادا فأولادها موال لموالى الام معتقة كانت أو موالية فمتى أعتق أبوهم جر ولاءهم إلى مولاه أما إذا كانت موالية فلان الولد لو كان مقصودا بولاء الموالاة كان يسقط اعتباره بظهور ولاء العتق للاب فكيف إذا كان تبعا وأما كانت معتقة فلان الولد هنا تبع في الولاء وانما كان تبعا للام لضرورة عدم الولاء للاب والثابت بالضرورة لا يبقي بعد ارتفاع الضرورة وإذا كانت الام معتقة انسان والاب حر مسلم نبطى لم يعتقه أحد فالولد مولى لموالى الام في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وكذلك ان كان الاب والى رجلا وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى في الفصلين لا يكون الولد مولى لموالى الام ولكنه منسوب إلى قوم أبيه قال وكيف ينسب إلى قوم أمه وأبوه حر له عشيرة وموال بخلاف ما إذا كان الاب عبدا وتقرير هذا من وجهين أحدهما أن العبد رقيق بجميع أجزائه وماؤه جزء منه فانما تثبت الحرية لمائه لاتصاله برحمها فلهذا كان الولد مولى لمواليها حتى يعتق الاب وهذا المعنى معدوم إذا كان الاب حرا ألا ترى أنه لو كان حرا عربيا كان الولد منسوبا إلى قوم أبيه ولا يكون مولى لموالى أمه فكذلك إذا كان أعجميا لان العرب والعجم في حرية الاصل سواء والثانى ان الرق تلف حكما فإذا كان الاب عبدا كان حال هذا الولد في الحكم كحال من لا أب له فيكون منسوبا إلى مولى الام وهذا المعنى معدوم إذا كان الاب حرا لان الحرية حياة باعتبار صفة المالكية والعرب والعجم فيه سواء وجه قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى أن ولاء العتاقة ولاء نعمة وهو قوى معتبر في الاحكام والحرية والنسب في حق العجم ضعيف ألا ترى أن حريتهم تحتمل الابطال بالاسترقاق بخلاف حرية العرب ولان العجم ضيعوا أنسابهم

[ 89 ] ألا ترى أن تفاخرهم ليس بالنسب ولكن تفاخرهم كان قبل الاسلام بعمارة الدنيا وبعد الاسلام بالدين واليه أشار سلمان رضى الله تعالى عنه حين قيل سلمان ابن من قال سلمان ابن الاسلام فإذا ثبت هذا الضعف في جانب الاب كان هذا وما لو كان الاب عبدا سواء وكذلك ان كان الاب مولى الموالاة لان ولاء الموالاة ضعيف لا يظهر في مقابلة ولاء العتاقة فوجوده كعدمه فأما إذا كان الاب عربيا فله نسب معتبر ألا ترى أن الكفاءة بالنسب تعتبر في حق العرب ولا تعتبر في حق العجم والاصل في النسبة النسب فإذا كان في جانب الاب نسب معتبر أو ولاء قوى كان الولد منسوبا إليه وإذا عدم ذلك كان الولد مولى لموالى الام واستدل أبو يوسف رحمه الله تعالى بعربية تزوجها رجل من الموالى فولدت له ابنا فان الولد ينسب إلى قوم أبيه دون قوم أمه فكذلك إذا كانت معتقة لان كونها عربية وكونها معتقة سواء كما سوينا بينهما في جانب الاب ولكن أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى فرقا بينهما وقالا في الفرق ان العربية لم تجر عليها نعمة عتاق ومعنى هذا أن الام إذا كانت معتقة فالولد ينسب إلى قومها بالولاء والنسبة بالولاء أقوى لانه معتبر شرعا وإذا كانت عربية فلو انتسب الولد إلى قومها انما ينسب بالنسب والانتساب بالنسبة إلى الام ضعيف جدا وكذلك بواسطة الام إلى أبيها حتى لا تستحق العصوبة بمثل هذا النسب فلهذا رجحنا جانب الاب لان النسبة إليه بالنسب وإذا كان نسبه ضعيفا لا يستحق به العصوبة (قال) وإذا أعتق الرجل أمة وولدها أو كانت حبلى حين أعتقها أو أعتقت وولدت بعد العتق لاقل من ستة أشهر وقد أعتق الاب رجل آخر كان الولد مولى الذى أعتقه مع أمه دون من أعتق اباه أما إذا كان الولد منفصلا عنها فهو مملوك لمالك الام فتناوله العتق مقصودا والولد إذا صار مقصودا بولاء العتق لا يكون تبعا للاب وكذلك ان كانت حبلى به لان الجنين باعتاقها يعتق مقصودا فان الجنين في حكم العتق كشخص على حدة حتى يفرد بالعتق فهو والمنفصل سواء وكذلك لو ولدت لاقل من ستة أشهر بيوم من حين أعتقت لانا تيقنا أنه كان موجودا في البطن حين أعتقت وكذلك لو ولدت ولدين أحدهما لاقل من ستة أشهر بيوم لان التوأم خلقا من ماء واحد فمن ضرورة التيقن بوجود أحدهما حين أعتقت التيقن بوجود الآخر فاما إذا ولدت لاكثر من ستة أشهر فلم يتيقن بوجود هذا الولد حين أعتقت فكان مولى لموالى الام تبعا وهذا لان الحل إذا كان قائما بين الزوجين فانما

[ 90 ] يسند العلوق إلى اقرب الاوقات إذا لا ضرورة في الاسناد إلى ما وراءه الا إذا كانت معتدة من موت أو طلاق فحينئذ إذا جاءت به لتمام سنتين منذ يوم مات أو طلق فالولد مولى لموالى الام لان الحل ليس بقائم في المعتدة من طلاق بائن أو موت فيسند العلوق إلى أبعد الاوقات لضرورة الحاجة إلى إثبات النسب وإذا حكمنا بذلك ظهر أن الولد كان موجودا في البطن حين أعتقت وكذلك إذا كانت معتدة من طلاق رجعى لانا لا نثبت الرجعة بالشك ومن ضرورة اثبات النسب إلى سنتين من غير ان يجعل مراجعا الحكم بأن العلوق قبل الطلاق وان جاءت به لاكثر من سنتين كان الولد مولى لموالى الاب فصار مراجعا لتيقننا ان العلوق حصل بعد الطلاق وان كانت أقرت بانقضاء العدة فان جاءت بالولد لاقل من ستة أشهر بعد ذلك ولتمام سنتين منذ طلق فالولد مولى لموالى الام لانا علمنا مجازفتها في الاقرار بانقضاء العدة حين أقرت وهي حامل فيسند العلوق إلى أبعد الاوقات ولا يصير مراجعا الا أن تكون جاءت به لاكثر من سنتين منذ طلق فحينئذ يصير مراجعا لان اقرارها بانقضاء العدة صار لغوا حين تيقنا انها كانت حاملا يومئذ فكان ولاء الولد لموالى الاب لانا لم نتيقن بكونه موجودا في البطن حين أعتقت ولا يصير مقصودا بالولاء الا بذلك (قال) أمة معتقة ولدت من عبد فالولد مولى لموالى أمه فان أعتق الولد وأمه فموالاته موالاة لموالى الام بمنزلة موالاة الام لو كانت هي التى أعتقها وكذلك ان أسلم على يد الولد رجل ووالاه فهو مولى لموالى الام أيضا يعقلون عنه ويرثونه لان ولدها كنفسها ولو أسلم على يدها ووالاها كان مولى لمواليها فهذا مثله فان أعتق الاب بعد ذلك جر ولاؤها ولاء كلهم حتى يكون مولى لموالى الاب لان ولاء الام أنجر إلى قوم الاب فكذلك ما ينبنى عليه من ولاء معتقه ومولاه وهذا لان نسبة معتقه ومولاه إلى قوم الام كان بواسطة وقد انقطعت هذه الواسطة حين صار هو منسوبا إلى قوم الاب ويستوى ان كان ولد المعتقة حيا أو ميتا له ولد أو ليس له ولد لانه تبع في حكم الولاء لمعتق أمه وبقاء الاصل يغنى عن اعتبار بقاء التبع لان ثبوت الحكم في التبع بثبوته في الاصل ولا يرجع عاقلة الام على عاقلة الاب بما غرموا من ارش جنايته لانهم غرموا ذلك حين كان مولى لهم حقيقة فان حكم جر الولاء في الولد ثبت مقصورا على الحال لان سببه وهو عتق الاب مقصور غير مستند إلى وقت سابق وكذلك حكمه بخلاف الملاعن إذا أكذب نفسه وقد عقل جناية الولد قوم أمه

[ 91 ] فانهم يرجعون على عاقلة الاب بذلك لان النسب يثبت من وقت العلوق فتبين باكذابه نفسه انه كان ثابت النسب منه من حين علق وقوم الام كانوا مجبرين على أداء الارش فلا يكونون متبرعين في ذلك ولو لم يعتق الاب فاراد المولى الذى أسلم على يدى ابيه أن يتحول بولائه إلى مالك أبيه وقد عقل عنه موالى الام لم يكن له ذلك لان عقده مع الابن تأكد بحصول المقصود به فلا يحتمل الفسخ وفى التحول إلى غيره فسخ الاول بخلاف ما إذا أعتق الاب فانه ليس في تحول ولائه إلى موالى الاب فسخ ذلك العقد الذى جرى بينه وبين الابن بل فيه تأكيد ذلك ولان هذا التحول يثبت حكما لضرورة اتباع التبع الاصل والاول يكون عن قصد منه وقد يثبت الشئ حكما في موضع لا يجوز اثباته قصدا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب ولاء الموالاة) (قال) إبراهيم رضى الله عنه إذا أسلم الرجل على يد الرجل ووالاه فانه يرثه ويعقل عنه وله أن يتحول بولائه إلى غيره ما لم يعقل عنه فإذا عقل عنه لم يكن له أن يتحول عنه إلى غيره وبهذا نأخذ والاسلام على يديه ليس بشرط لعقد الموالاة وانما ذكره على سبيل العادة وسواء أسلم على يده أو أتاه مسلما وعاقده عقد الولاء كان مولى له وكان الشعبى يقول لا ولاء الا لذى نعمة يعنى العتاق وبه يأخذ الشافعي رحمه الله تعالى وانما أخذنا فيه بقول إبراهيم رضى الله تعالى عنه لحديث أبى الاشعث حيث سأل عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن رجل أسلم على يديه ووالاه فمات وترك مالا فقال عمر رضى الله عنه ميراثه لك فان أبيت فلبيت المال ولحديث زياد عن على بن أبى طالب رضي الله عنهما ان رجلا من أهل الارض أتاه بواليه فأبى علي رضى الله عنه ذلك فأتى ابن عباس رضى الله عنه فوالاه ولحديث مسروق رضى الله عنه أن رجلا من أهل الارض والى ابن عم له وأسلم على يديه فمات وترك مالا فسأل ابن مسعود رضى الله عنه عن ميراثه فقال هو لمولاه وأيد أقاويل الصحابة حديث تميم الدارى رضى الله عنه قال سألت رسول الله عن الرجل يسلم على يدى الرجل ما السنة فيه قال هو أولى الناس بمحياه ومماته وأيد هذا قوله تعالى والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم وقد بينا في أول الكتاب فان أسلم على يديه ولم يواله لم يعقل عنه ولم

[ 92 ] يرثه الا على قول الروافض فانهم يقولون بالاسلام على يديه يكون مولى له لانه أحياه باخراجه اياه من ظلمة الكفر لان الكفار كالموتى في حق المسلمين فهو كما لو أحياه بالعتق وعلى هذا يزعمون أن الناس موالى علي وأولاده رضى الله عنهم فان السيف كان بيده وأكثر الناس أسلموا من هيبته وهذا باطل عندنا فان الله تعالى هو الذى أحياه بالاسلام بأن هداه لذلك وبيان ذلك في قوله تعالى أو من كان ميتا فأحييناه أي كافرا فرزقناه الهدى وقال تعالى واذ تقول للذى أنعم الله عليه يعنى بالاسلام فدل أن المنعم بالاسلام هو الله تعالى فلا يجوز أن يضاف ذلك إلى الذى عرض عليه الاسلام لانه بما صنع نائب عن الشرع مباشر ما يحق عليه لله تعالى فهو في حقه كغيره من المسلمين لا يكون مولى له ما لم يعاقده عقد الولاء ثم من أين لهم هذا التحكم ان أكثر الناس أسلموا من هيبة علي وهو كان صغيرا حين أسلم الكبار من الصحابة وأبو بكر وعمر كانا مقدمين عليه رضى الله عنهم في أمور القتال وغير القتال لا يخفي ذلك على من يتأمل في أحوالهم ولكن الروافض قوم بهت لا يحترزون عن الكذب بل بناء مذهبهم على الكذب فان أسلم رجل على يدى رجل ووالى رجلا آخر فهو مولى هذا الذى والاه يرثه ويعقل عنه لانه بالاسلام على يدى الاول لم يصر مولى له ولو كان مولى بأن عاقده كان له أن يتحول عنه وقد فعل ذلك حين عاقد مع الثاني فكيف إذا لم يكن مولى للاول فان مات عن عمة أو خالة أو غيرهما من القرابة كان ميراثه لقرابته دون المولى لما بينا أنه لا يملك ابطال حق المستحق عن ماله بعقده كما لو أوصى بجميع ماله وله وارث وذوو الارحام من جملة الورثة قال الخال وارث من لا وارث له فلا يملك ابطال حقه بعقده توضيحه أن سبب ذى الرحم وهو القرابة أقوى لانه متفق على ثبوته شرعا وان اختلفوا في الارث به وعقد الولاء مختلف في ثبوته شرعا فلا يظهر الضعيف في مقابلة القوى (فان قيل) ينبغي أن يكون للمولى الثلث لانه خالص حقه يملك وضعه فيمن شاء (قلنا) نعم ولكنه بعقد الولاء ما وضع شيئا من ماله فيه انما جعله وارثا منه وفى سبب الوراثة ذو القرابة يترجح فلا يظهر استحقاق المولى معه بهذا السبب في شئ من المال بخلاف الوصية بالثلث فانه خلافة في المال مقصودا توضيحه أن التملك بالوصية غير التملك بالارث الا ترى أن الموصى له لا يرد بالعيب ولا يصير مغرورا فيما اشتراه الموصى بخلاف الوارث فلا يمكن جعل الثلث له لا بطريق الوصية لانه ما أوجب له ذلك ولا بطريق الارث

[ 93 ] لترجح استحقاق القريب عليه وإذا والى رجل رجلا ثم ولد له ابن من امرأة قد والت رجلا فولاء الولد لموالى الاب لان الاب هو الاصل في النسب والولاء فإذا كان للولد في جانب الاب ولاء هو مساو للولاء الذى في جانب الام يترجح جانبه كما في ولاء العتق (قال) وكذلك ان كانت والت وهى حبلى به وهذا بخلاف ولاء العتاقة فانها إذا أعتقت وهى حبلى به كان ولاء الولد لموالى أمه لان الولد هناك يكون مقصودا بالسبب وهو العتق فان الجنين محل للعتق مقصودا وهنا الجنين لم يصر مقصودا بالولاء لانه ما دام في البطن فهو ليس بمحل لعقد الموالاة مقصودا لان تمام هذا القعد (العقد) بالايجاب والقبول وليس لاحد عليه ولاية القبول وإذا كان تبعا فاتباعه الاب أولي كما بينا وكذلك لو كان لهما أولاد صغار حين والى الاب انسانا وقد والت الام قبل ذلك آخر فالاولاد موال لموالى الاب لانه ليس للام ولاية عقد الولاء على الاولاد في قولهما وفى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لها ذلك عند عدم الاب اما مع وجود الاب فلا ولئن كان لها ذلك مع وجود الاب فهى ما عقدت عليهم انما عقدت على نفسها خاصة ولئن جعل عقدها على نفسها عقدا على الاولاد فعقد الاب كذلك على نفسه عقد على الاولاد وولاء الموالاة يقبل التحول فيجعل الاب محولا لولائهم إلى من والاه وذلك صحيح منه ولهذا كان الاولاد موال لموالى الاب فان جنى الاب جناية فعقل الذى والاه عنه فليس لولده أن يتحول عنه إلى غيره بعد الكبر لان ولاء الاب تأكد بعقد الجناية ويتأكد (وبتاكد) التبع يتأكد الاصل وكما ليس للاب أن يتحول عنه إلى غيره بعد ما عقل جنايته فكذلك ليس لولده ذلك إذا كبر وكذلك إذا كان هذا الولد جني أو جني بعض اخوته فعقل عنه مولاه فليس له أن يتحول عنه لان الاب مع أولاده كالشخص الواحد في حكم الولاء فبعقل جناية أحدهم بتأكد العقد في حقهم جميعا بخلاف ما قبل عقل الجناية عن أحد منهم لان هناك ولاؤهم لم يتأكد فان تأكد العقد بحصول المقصود به وانما لم يجعل هذا العقد متأكدا قبل حصول المقصود به لانه ليس فيه معنى المعاوضة بل أحدهما متبرع على صاحبه بالقيام على نصرته وعقل جنايته والآخر متبرع على صاحبه في جعله اياه خليفته في ماله بعد وفاته وعقد التبرع لا يلزم بنفسه ما لم يتصل به القبض ولو كان هذا معاوضة باعتبار المعنى لم يخرج من أن يكون متبرعا صورة فيكون كالهبة بشرط العوض لا يتم بنفسه ما لم يتصل به القبض فان كان له ابن كبير

[ 94 ] حين والى الاب فأسلم الابن على يدى رجل آخر ووالاه فولاؤه له لانه مقصود باكتساب سبب الولاء هنا بمنزلة اكتساب أبيه فهو كما لو أعتق الاب انسان والابن انسان آخر فيكون كل واحد منهما مولى لمن أعتقه وأن أسلم الابن ولم يوال أحدا فولاؤه موقوف نعنى به انه لا يكون مولى لموالى الاب بخلاف المولود في ولائه والصغير عند عقد الاب لان عقد الولاء ترتب على الاسلام عادة والابن الكبير لا يتبع أباه في الاسلام بخلاف الصغير والمولود بعد الاسلام فكذلك في حكم الولاء الذى ترتب عليه وهذا لان الصغير ليس بأصل في اكتساب سبب الولاء ألا ترى أنه لا يصح هذا العقد منه بدون اذن وليه فيجعل فيه تبعا لابيه أما الكبير أصل في اكتساب سبب هذا الولاء حتى يصح منه عقد الولاء بدون اذن أبيه وبين كونه أصلا في حكم وتبعا فيه منافاة ولهذا لا يصير مولى للذى والاه أبوه وإذا أسلمت الذمية ووالت رجلا ولها ولد صغير من رجل ذمى لم يكن ولاء ولدها لمولاها في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وفي قياس قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى يكون ولاء ولدها لمولاها فمنهم من جعل هذه المسألة قياس ولاية التزويج ان عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يثبت ذلك للام على ولدها الصغير حتى يصح عقدها ولا يتعلق به صفة اللزوم حتى يثبت للولد خيار البلوغ فكذلك يصح هذا العقد منها في حق الولد لانه لا يتعلق به صفه اللزوم بنفسه وعندهما ليس للام ولاية التزويج مع اختلاف في الرواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى هناك وكذلك ولاء الموالاة والاظهر أن هذه مسألة على حدة ووجه قولهما أن حكم الولاء يثبت بعقد فيستدعى الايجاب والقبول ويتردد بين المنفعة والمضرة والولد بعد الانفصال لا يكون تبعا للام في مثل هذا العقد ولا يكون لها عليه ولاية المباشرة لهذا العقد كعقد الكتابة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول ولاء الموالاة اما أن يعتبر بالاسلام من حيث أنه يترتب عليه عادة أو بولاء العتاقة فان اعتبر بالاسلام فالولد الصغير يتبع أمه في الاسلام فكذا في هذا الولاء وان اعتبر بولاء العتاقة فالولد يتبع أمه فيه إذا لم يكن له ولاء من جانب أبيه وهذا لانه يتمحض منفعة في حق هذا الولد لانه مادام حيا فمولاه يقوم بنصرته ويعقل جنايته وإذا بلغ قبل أن يعقل جنايته كان له أن يتحول عنه ان شاء فعرفنا أنه منفعة محضة في حقه فيصح من الام كقبول الهبة والصدقة بخلاف عقد الكتابة فان فيه الزام الدين في ذمته ولا يتمحض منفعة في حقه وإذا أسلم حربى أو ذمى على يدي

[ 95 ] رجل ووالاه ثم أسلم ابنه على يدى آخر ووالاه كان كل واحد منهما مولى الذى والاه ولا يجر بعضهم ولاء بعض وليس هذا كالعتاق وأشار إلى الفرق ولا فرق في الحقيقة لان كل واحد منهما مقصود في سبب الولاء وهو العقد ولو كان مقصودا في سبب ولاء العتق أيضا لم يجر أحدهما ولاء الآخر وانما مراده من الفرق ان الولد الكبير لما أسلم على يدى الثاني لا يصير مولى لموالى أبيه لان هناك سبب الولاء العقد لا الاسلام وهو أصل في العقد يتمكن من مباشرته بنفسه فلهذا لا يجعل فيه تبعا لابيه حربى أسلم ووالى مسلما في دار الحرب أو في دار الاسلام فهو مولاه لان سببه هو العقد الذى جرى بين المسلمين والعقد بين المسلمين صحيح سواء كان في دار الحرب أو كان أحدهما في دار الحرب والآخر في دار الاسلام كعقد النكاح وهذا لان المقصود التناصر والمسلم يقوم بنصرته حيث يكون أو يعتبر ولاء الموالاة بولاء العتق ولو أن مسلما في دار الاسلام أعتق عبدا مسلما له في دار الحرب كان مولى له فكذلك في الموالاة فان سبي ابنه فاعتق لم يجر ولاء الاب لان الوالد لا يتبع ولده في الولاء فان الولاء كالنسب والوالد لا ينسب إلى ولده لانه فرعه والاصل لا ينسب إلى الفرع فلهذا لا يجر الابن ولاء الاب وان سبي أبوه فاعتق جر ولاءه لما بينا ان ولاء الموالاة لا يظهر في مقابلة ولاء العتق فكان الابن بعد عتق الاب بمنزلة من لا ولاء له فيجر الاب ولاءه بخلاف ما إذا أسلم الاب ووالى رجلا لان ولاء الابن هنا مساو لولاء الاب فيظهر في مقابتله فيكون كل واحد منهما مولى لمولاه ولو كان ابن ابنه لم يسب ولكنه أسلم على يدى رجل ووالاه ثم سبى الجد فاعتق لم يجر ولاء نافلته لما بينا ان الجد لا يجر الولاء الا أن يجر ولاء ابنه فان تحقق ذلك فحيئنذ يجر ولاء ابنه وانما يتصور جره ولاء ابنه فيما إذا سبي أبوه فاشتراه هذا الجد حتى عتق عليه فيصير ابنه مولى لمواليه وينجر إليه ولاء النافلة بهذه الواسطة فأما إذا أعتق الابن غيره فالجد لا يجر ولاءه لكونه مقصودا بالعتق ولا يجر ولاء ولده أيضا (قال) وموالاة الصبي باطلة يعنى إذا أسلم على يدى صبى ووالاه لان بالعقد يلتزم نصرته في الحال والصبى ليس من أهل النصرة ولهذا لا يدخل في العاقلة وهو ليس من أهل الالتزام بخلاف ما إذا أسلم على يدى امرأة ووالاها لان المرأة من أهل الالتزام بالعقد ومن أهل اكتساب سبب الولاء بالعتق فكذلك بالعقد وان والى رجل عبدا لم نجزه الا ان يكون باذن المولى فحينئذ يكون مولى له لانه عقد التزام النصرة والعبد لا يملكه بنفسه بدون

[ 96 ] اذن مولاه فان كان باذنه فحينئذ يكون عقده كعقد مولاه فيكون الولاء للمولى كما إذا أعتق عبدا من كسبه باذن مولاه وهذا لان المقصود به النصرة والميراث بعد الموت ونصرة العبد لمولاه وهو ليس بأهل للملك بالارث ولهذا يجعل المولى خلفا عنه فيما هو من حكم هذا العقد وان والى صبيا باذن ابيه أو وصيه يجوز لان عبارة الصبى إذا كان يعقل معتبرة في العقود والتزامه بالعقد باذن وليه صحيح فيما لا يكون محض مضرة كالبيع والشراء ونحوه لان الولى يملك عليه هذا العقد فانه لو قبل الولاء لولده على انسان كان صحيحا فكذلك يملكه الولد باذن أبيه ثم يكون مولى للصبى لانه أهل للولاء بنفسه إذا صح سببه ألا ترى أنه إذا ورث قريبه يعتق عليه ويكون مولى له فكذا حكم ولاء الموالاة بخلاف العبد ولو أسلم على يدى مكاتب ووالاه كان جائزا لان المكاتب من أهل الالتزام بالعقد ومن أهل مباشرة سبب الولاء ألا ترى أنه يكاتب عبده فيكون صحيحا منه وإذا أدى مكاتبته فعتق قبل أدائه كان مولى لمولاه فكذا هنا يكون مولى لمولاه لانه مع الرق ليس بأهل لموجب الولاء وهو الارث فيخلفه مولاه فيه ولو والى ذمي مسلما أو ذميا جاز وهو مولاه وان أسلم الاسفل لان الذمي من أهل الالتزام بالعقد ومن أهل اكتساب سبب الولاء كالمسلم وإذا صح العقد فاسلام الاسفل لا يزيده الا وكادة ويبقى مولى له بعد اسلامه حتى يتحول إلى غيره ولو أسلم رجل من نصارى العرب على يدى رجل من غير قبيلته ووالاه لم يكن مولاه ولكن ينسب إلى عشيرته وأصله هم يعقلون عنه ويرثونه وكذلك المرأة لما بينا ان النسب في حق العرب معتبر وانه يضاهى ولاء العتق ومن كان عليه ولاء العتق لم يصح منه عقد الموالاة مع أحد فكذلك من كان له نسب من العرب لا يصح منه عقد الموالاة مع أحد وهذا بخلاف ولاء العتق فان من ثبت عليه الرق من نصارى العرب إذا أعتق كان مولى لمعتقه لان ولاء العتق قوى كالنسب في حق العرب أو أقوى منه فيظهر مع وجوده ويتقرر حكمه بتقرر سببه فأما ولاء الموالاة ضعيف لا يتقرر سببه مع وجود النسب في حق العربي والحكم ينبني على السبب ذمى أسلم ولم يوال أحد ثم أسلم آخر على يديه ووالاه فهو مولاه لانه من أهل الالتزام بالعقد ومن أهل المقصود بالولاء وان لم يكن لاحد عليه ولاء وان أسلم ذمى على يد حربى فانه لا يكون مولاه وان أسلم الحربى بعد ذلك وهذا ظاهر لانه لو أسلم على يدى مسلم لم يكن مولى له ولكن فائدة هذه المسألة بيان أن الحربى الذى يعرض الاسلام على غيره

[ 97 ] ويلقنه لا يصير مسلما بذلك ألا ترى أنه قال وان أسلم الحربي بعد ذلك لم يكن مولاه وهذا لان من يلقن غيره شيئا لا يكون مباشرا لذلك الشئ بنفسه كالذى يلقن غيره طلاق امرأته وعتق عبده (قال) رجل والى رجلا فله أن يتحول عنه ما لم يعقل عنه ولكن انما ينتقض العقد بحضرته لان العقد تم بهما ومثل هذا العقد لا يفسخه أحدهما الا بمحضر من صاحبه كعقد الشركة والمضاربة والوكالة وهذا لان تمكن كل أحد منهما من الفسخ باعتبار أن العقد غير لازم بنفسه لا باعتبار أنه غير منعقد بنفسه ففي فسخ احدهما الزام الآخر حكم الفسخ في عقد كان منعقدا في حقه فلا يكون الا بمحضر منه لما عليه من الضرر لو ثبت حكم الفسخ في حقه قبل علمه وهو نظير الخطاب بالشرعيات فانه لا يظهر حكم الخطاب في حق المخاطب ما لم يعلم به لدفع الضرر عنه وكذلك لو ان الاعلى تبرأ من ولاء الاسفل صح ذلك إذا كان بمحضر منه لان العقد غير لازم من الجانبين ولكل واحد منهما أن ينفرد بفسخه بغير رضاء صاحبه بعد أن يكون بمحضر منه وان والى الاسفل رجلا آخر كان ذلك نقضا للعقد مع الاول وان لم يكن بمحضر منه لان انتقاض العقد في حق الاول هنا يثبت حكما لصحة العقد مع الثاني وفي العقد مع الثاني لا يشترط حضرة الاول فكذلك فيما يثبت حكما له بخلاف الفسخ مقصودا وهو نظير عزل الوكيل حال غيبته لا يصح مقصودا ويصح حكما لعتق العبد الذى وكله ببيعه (فان قيل) فلماذا يجعل صحة العقد مع الثاني موجبا فسخ العقد الاول ولو والاهما جملة صح (قلنا) لان الولاء كالنسب مادام ثابتا من انسان لا يتصور ثبوته من غيره فكذلك الولاء فعرفنا ان من ضرورة صحة العقد مع الثاني بطلان العقد الاول ثم ولاء الموالاة بعد صحته معتبر بولاء العتق حتى إذا أعتق الاسفل عبدا ووالاه رجل فولاء معتقه وولاؤه للاعلى الذى هو مولاه ولو مات الاعلى ثم مات الاسفل فانما يرثه الذكور من أولاد الاعلى دون الاناث على نحو ما بيناه في ولاء العتق والله أعلم بالصواب (باب بيع الولاء) (قال) ذكر عن ابن عمر ان رسول الله ورضى الله عنهما قال الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب وبهذا نأخذ دون ما روى عن سليمان بن يسار أنه كان

[ 98 ] مولى لميمونة بنت الحارث فوهبت ولاءه لابن العباس وهذا لان الهبة عقد تمليك فيستدعي شيئا مملوكا يضاف إليه عقد الهبة ليصح التمليك فيه وليس للمعتق على معتقه شئ مملوك وعلى هذا لو تصدق بولاء العتاقة أو أوصى به لانسان فهو باطل وكذلك لو باع ولاء العتاقة فهو باطل لما قلنا ولان البيع يستدعي مالا متقوما والولاء ليس بمال متقوم وقد بينا في أول الكتاب أو الولاء نفسه لا يورث انما يورث به كالنسب والارث قد يثبت فيما لا يحتمل البيع والهبة كالقصاص فإذا كان لا يورث فلان لا يتحقق فيه البيع والهبة والصدقة كان أولى وولاء الموالاة قياس ولاء العتق لا يجوز بيعه من أحد ولا هبته لما قلنا بل أولى لان ولاء الموالاة يعتمد التراضي والاسفل غير راض بان يكون ولاؤه لغير من عاقده وولاء العتق لا يعتمد التراضي فإذا لم يصح التحويل هناك فهنا أولى وان كان الذى أسلم ووالى هو الذى باع ولاءه من آخر أو وهبه كان ذلك نقضا للولاء الاول وموالاة مع هذا الثاني ان لم يكن عقل عنه الاول لان قصده بتصرفه ان يكون ولاؤه للثاني فيجب تحصيل مقصوده بطريق الامكان ألا ترى أنه لو عقد مع الثاني بغير محضر من الاول كان ذلك نقضا منه للولاء الاول بخلاف الاعلى فانه لا يملك نقض ولائه بغير محضر منه بحال ولكن بيع الاسفل من الثاني باطل حتى يرد عليه ما قبض من الثاني من الثمن لان البيع لا ينعقد الا على مال متقوم والولاء ليس بمال فلا ينعقد به البيع مضافا إليه كالميتة والدم وإذا لم ينعقد البيع لا يملك البدل بالقبض فلا ينفذ عتقه فيه والله أعلم بالصواب (باب عتق الرجل عبده عن غيره) (قال) ذكر في الاصل حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها أن بريرة اتتها تسألها في مكاتبتها فقالت لها اشتريك فاعتقك وأوفي عنك أهلك فذكرت ذلك لهم فقالوا الا أن نشترط الولاء لنا فذكرت ذلك لرسول الله فقال اشتريها وأعتقيها فانما الولاء لمن أعتق فاشترتها فأعتقتها وقام رسول الله خطيبا فقال ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل كتاب الله أحق وشرط الله أوثق ما بال أقوام يقولون اعتق يا فلان والولاء لى انما الولاء لمن أعتق ثم قال هذا وهم من هشام بن عروة ولا يأمر


[ 99 ][عدل]

النبي بباطل ولا بغرور وهو شاذ من الحديث لا يكاد يصح انما القدر الذى صح ما ذكره إبراهيم رحمه الله تعالى لما ذكرت ذلك لرسول الله قال لها الولاء لمن اعتق وهو بيان للحكم الذى بعث لاجله رسول الله فأما ما زاد عليه هشام فهو وهم لان النبي كان لا يأمر بالعقد الفاسد والشراء بهذا الشرط فاسد واستدل بحديث الزهري أن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه اشترى من امرأته الثقفية جارية وشرط لها أنها لها بالثمن إذا استغنى عنها فسأل عمر رضي الله عنه عن ذلك فقال أكره أن أطأها ولاحد فيها شرط فكان عمر رضى الله عنه أوثق وأعلم بحديث رسول الله من غيره وفى البيع مع الشرط اختلاف بين العلماء نذكره في كتاب البيوع وفائدة هذا الحديث أن بيع المكاتبة برضاها يجوز وأن الولاء يثبت لمن حصل العتق على ملكه لا لمن شرطه لنفسه بدون ملك المحل فانه قال الولاء لمن أعتق ولاجله روى الحديث في هذا الكتاب وإذا أعتق الرجل عن حي أو ميت قريب أو أجنبي باذنه أو بغير اذنه فالعتق جائز عن المعتق والولاء له دون المعتق عنه في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى أما إذا كان بغير اذنه فهو قول الكل لانه ليس لاحد ولاية ادخال الشئ في ملك غيره بغير رضاه سواء كان قريبا أو أجنبيا حيا أو ميتا فانما ينفذ العتق على ملك المعتق فيكون الولاء له وهذا بخلاف ما إذا تصدق الوارث عن مورثه فان ذلك يجزيه لان نفوذ الصدقة لا يستدعى ملك من تكون الصدقة عنه لا محالة ولانه بالتصدق عنه يكتسب له الثواب ولا يلزمه شيئا وبالعتق عنه يلزمه الولاء وليس للوارث أن يلزم مورثه الولاء بعد موته بغير رضاه فأما إذا كان باذنه فعلى قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى كذلك لان التمليك من المعتق عنه بغير عوض لا يحصل الا بالقبض ولم يوجد وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى يكون الولاء للمعتق عنه وقد بينا في باب الظاهر من كتاب الطلاق وكذلك إذا قال الرجل أعتق عبدك على ألف درهم أضمنها لك ففعل لم يكن العتق عن الآمر بخلاف مالو قال أعتق عبدك عنى على ألف لان هناك التمليك يندرج فيه وذلك يستقيم إذا كان في لفظه ما يدل عليه وهو قوله أعتقه عنى فأما هنا فليس في لفظه ما يدل على التماس التمليك منه فلا يندرج فيه التمليك وبدونه يكون العتق عن المعتق دون الآمر وليس على الآمر من المال شئ لانه ضمن ما ليس بواجب