انتقل إلى المحتوى

مبسوط السرخسي - الجزء الثالث

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

المبسوط السرخسي ج 3

[ 1 ] (الجزء الثالث من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيظا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذى كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسى (تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوى الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان

[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم (باب عشر الارضين) * (قال) * الاصل في وجوب العشر قوله تعالى أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الارض قيل المراد بالمكسوب ما التجارة ففيه بيان زكاة التجارة والمراد بقوله ومما أخرجنا لكم من الارض العشر. وقال الله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده وقال ما أخرجت الارض ففيه العشر ثم الاصل عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن كل ما يستنبت في الجنان ويقصد به استغلال الاراضي ففيه العشر الحبوب والبقول والرطاب والرياحين والوسمة والزعفران والورد والورس في ذلك سواء وهو قول ابن عباس رضى الله عنه وقد روى أنه حين كان واليا بالبصرة أخذ العشر من البقول من كل عشر دستجات دستجة وأخذ فيه أبو حنيفة بالحديث العام ما سقت السماء ففيه العشر وما أخرجت الارض ففيه العشر وكان يقول العشر مؤنة الارض النامية كالخراج فكما أن هذا كله يعد من نماء الارض في وجوب الخراج فكذلك في وجوب العشر والمستثنى عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى خمسة أشياء السعف فانه من أغصان الاشجار وليس في الشجر شئ والتبن فانه ساق للحب كالشجر للثمار والحشيش فانه ينقى من الارض ولا يقصد به استغلال الاراضي والطرفاء والقصب فانه لا يقصد استغلال الاراضي بهما عادة والمراد القصب الفارسي فأما قصب السكر ففيه العشر وكذلك على قولهما إذا كان يتخذ منه السكر وكذلك في قصب الذريرة العشر. وروى أصحاب الاملاء عن أبى يوسف رحمه الله تعالى انه ليس فيه شئ والاصل عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى أن ما ليست له ثمرة باقية مقصودة فلا شئ فيه كالبقول والخضر والرياحين انما العشر فيما له ثمرة باقية مقصودة واحتجا فيه بحديث موسى بن طلحة عن أبيه أن النبي قال ليس في الخضراوات صدقة وتأويله عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى صدقة تؤخذ أي لا يأخذ العاشر من الخضراوات إذا مر بها

[ 3 ] عليه ثم قال ما كان نافها عادة يتيسر وجوده على الغنى والفقير فلا يجب فيه حق الله تعالى كما لا تجب الزكاة في الصيود والحطب والحشيش وانما يجب حق الله تعالى فيما يعز وجوده فيناله الاغنياء دون الفقراء كالسوائم ومال التجارة فكذلك هنا ماله ثمرة باقية يعز وجوده فأما الخضراوات والرياحين فتافهة عادة ولهذا أوجبنا في الزعفران ولم نوجب في الورس والوسمة لانه لا ينتفع بهما انتفاعا عاما وأبو يوسف رحمه الله تعالى أوجب في الحناء لانه ينتفع به انتفاعا عاما ولم يوجبه فيه محمد رحمه الله تعالى لانه من الرياحين وفي الثوم والبصل روايتان عن محمد رحمه الله تعالى قال في احدى الروايتين هما من الخضر فلا شئ فيهما وفى الرواية الاخرى قال يقعان في الكيل ويبقيان في أيدى الناس من حول إلى حول فيجب فيهما العشر والبطيخ والقثاء والخيار لا شئ فيها عندهما لانها من الرطاب وبزرها غير مقصود فلا يكون معتبرا وكذلك في الثمار لا شئ في الكمثرى والخوخ والمشمش والاجاص وما يجفف منها لا يعتبر واوجبنا في الجوز واللوز العشر وفى الفستق على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى يجب العشر على قول محمد رحمه الله تعالى لا يجب ثم عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى العشر يجب في القليل من الخارج وكثيره ولا يعتبر فيه النصاب لعموم الحديثين كما روينا ولان النصاب في أموال الزكاة كان معتبرا لحصول صفة الغنى للمالك بها وذلك غير معتبر لايجاب العشر فيما دون خمسة أوسق مما يدخل تحت الوسق والوسق ستون صاعا فخمسة أوسق ألف ومائتا من واحتجا فيه بقوله ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وأبو حنيفة يقول تأويل الحديث زكاة التجارة فانهم كانوا يتبايعون بالاوساق كما ورد به الحديث فقيمة خمسة أوسق مائتا درهم ثم قالا هذا حق مالى وجب بايجاب الله تعالى فيعتبر فيه النصاب كالزكاة وهذا لان القليل تافه عادة وهو عفو شرعا ومروءة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى قال العشر مؤنة الارض النامية وباعتبار الخارج قل أو كثر تصير الارض نامية فيجب العشر كما يجب الخراج ثم المذهب عند محمد رحمه الله تعالى وهو رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى ان ما يحرم التفاضل فيه بالبيع يضم بعضه إلى بعض وما لا يحرم التفاضل فيه كالحنطة والشعير لا يضم بعضه إلى بعض لانهما مختلفان فيعتبر كمال النصاب من كل واحد منهما كالسوائم. وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أن الكل إذا أدرك في وقت واحد يضم بعضه إلى بعض لان العشر وجوبه

[ 4 ] باعتبار منفعة الارض فإذا أدركت في وقت واحد فهي منفعة واحدة فيضم بعضها إلى بعض كأموال التجارة. وإذا تفرقت الاراضي لرجل واحد فالمروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أن ما كان من عمل عامل واحد يجمع وما كان من عمل عاملين يعتبر فيه النصاب في كل واحد منهما على حدة فانه ليس للعامل ولاية الاخذ مما ليس في عمله وما في عمله دون النصاب. والمروى عن محمد رحمه الله تعالى أنه يضم بعض ذلك إلى البعض لايجاب العشر لان المالك واحد ووجوب العشر عليه فكان مراد محمد رحمه الله تعالى من هذا فيما بينه وبين الله تعالى فأما في حق الاخذ للعامل فعلى ما قاله أبو يوسف رحمه الله تعالى وان كانت الارض مشتركة بين جماعة فأخرجت طعاما فعلى قول محمد رحمه الله تعالى يعشر ان بلغ نصيب كل واحد منهم خمسة أوسق كما بينا في السوائم. وقال أبو يوسف إذا كان الخارج كله خمسة أوسق ففيه العشر لانه لا معتبر بالمالك في العشر وانما المعتبر بالخارج حتى يجب العشر في الاراضي الموقوفة التى لا مالك لها ثم العشر يجب فيما سقته السماء أو سقى سيحا فأما ما سقي بغرب أو دالية أو سانية ففيه نصف العشر وبه ورد الاثر عن رسول الله قال ما سقته السماء ففيه العشر وما سقى بغرب أو دالية ففيه نصف العشر وفي رواية ما سقى بعلا أو سيحا ففيه العشر وما سقى بالرشاء ففيه نصف العشر وعلل بعض مشايخنا بقلة المؤنة فيما سقته السماء وكثرة المؤنة فيما سقي بغرب أو دالية وقالوا لكثرة المؤنة تأثير في نقصان الواجب وهذا ليس بقوى فان الشرع أوجب الخمس في الغنائم والمؤنة فيها أعظم منها في الزراعة ولكن هذا تقدير شرعى فنتبعه ونعتقد فيه المصلحة وان لم نقف عليه وكان ابن أبى ليلى يقول لا عشر الا في الحنطة والشعير والزبيب والتمر إذا بلغ خمسة أوسق لظاهر الحديث الخاص فان اعتبار الوسق للنصاب دليل على أنه لا يجب الا فيما يدخل تحت الوسق (قال) وإذا أخرجت الارض العشرية طعاما وعلى صاحبها دين كثير لم يسقط عنه العشر وكذلك الخراج لان الدين يعدم غنى المالك بما في يده وقد بينا أن غنى المالك غير معتبر لايجاب العشر (قال) وان كانت الارض لمكاتب أو صبي أو مجنون وجب العشر في الخارج منها عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا شئ في الخارج من أرض المكاتب والعشر عنده قياس الزكاة لا يجب الا باعتبار المالك أما عندنا فالعشر مؤنة الارض النامية كالخراج والمكاتب والحر فيه سواء وكذلك الخارج من الاراضي الموقوفة على الرباطات والمساجد

[ 5 ] يجب فيها العشر عندنا. وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يجب الا في الموقوفة على أقوام باعيانهم فانهم كالملاك أما الموقوفة على أقوام بغير أعيانهم فلا شئ فيها (قال) رجل استأجر أرضا من أرض العشر وزرعها قال عشر ما خرج منها على رب الارض بالغا ما بلغ سواء كان أقل من الاجر أو أكثر في قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى العشر في الخارج على المستأجر. وجه قولهما ان الواجب جزء من الخارج والخارج كله للمستأجر فكان العشر عليه كالخارج في يد المستعير للارض وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول وجوب العشر باعتبار منفعة الارض والمنفعة سلمت للآجر لانه استحق بدل المنفعة وهي الاجرة وحكم البدل حكم الاصل اما المستأجر فانما سلمت له المنفعة بعوض فلا عشر عليه كالمشترى للزرع ثم العشر مؤنة الارض النامية كالخراج وخراج أرض المؤاجر على المؤاجر فكذلك العشر عليه اما إذا أعار أرضه من مسلم فالعشر على المستعير في الخارج عندنا. وقال زفر رحمه الله تعالى على المعير وقاسه بالخراج وقال حين سلط المستعير على الانتفاع بالارض فكأنه انتفع به بنفسه ولكنا نقول منفعة الارض سلمت للمستعير بغير عوض ووجوب العشر باعتبار حقيقة المنفعة حتى لا يجب ما لم يحصل الخارج بخلاف المستأجر فان سلامة المنفعة له كان بعوض وبخلاف الخراج فان وجوبه باعتبار التمكن من الانتفاع وقد تمكن المعير من ذلك ثم محل الخراج الذمة ولا يمكن ايجابه في ذمة المستعير لانه ليس له حق لازم في الارض ومحل العشر الخارج وهو مستحق للمستعير فان كان أعار الارض من ذمي فالعشر على المعير لان العشر صدقة لا يمكن ايجابها على الكافر والمعير صار مفوتا حق الفقراء بالاعارة من الكافر فكان ضامنا للعشر (قال) مسلم اشترى من كافر أرض خراج فهى خراجية عندنا. وقال مالك رحمه الله تعالى تصير عشرية لان في الخراج معنى الصغار وهذا لا يبدأ به المسلم فكذلك لا يبقى بعد الاسلام إذا أسلم مالكه أو باعه من مسلم وقاس خراج الارض بخراج الرؤس ولكنا نستدل بحديث ابن مسعود رحمه الله تعالى أنه كان له أرض خراج بالسواد فكان يؤدى فيها الخراج وكذلك روى عن الحسن بن علي وأبى هريرة رحمهما الله تعالى ثم معنى الصغار في ابتداء وضع الخراج دون البقاء كما أن معنى العقوبة في ابتداء الاسترقاق دون البقاء حتى إذا أسلم الرقيق يبقى رقيقا بخلاف خراج الرؤس فانه ذل ابتداء وبقاء فلهذا لا يبقى بعد الاسلام والمرجع في معرفة ما قلنا إلى

[ 6 ] عادات الناس (قال) وان اشترى ذمى من مسلم أرض عشر فان أخذها مسلم بالشفعة أو كان في البيع خيار للبائع أو كان البيع فاسدا فرجعت إلى المسلم فهى عشرية كما كانت لان حق المسلم لم ينقطع عنها فان بقيت في ملك الكافر وانقطع حق المسلم عنها فهى خراجية في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى. وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى عليه عشران وقال محمد رحمه الله تعالى يؤخذ منه عشر واحد. وقال مالك رحمه الله تعالى يجبر على بيعها من المسلمين وعلى أحد قولى الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز البيع أصلا وفى القول الآخر وهو قول ابن أبى لبلي يؤخذ منه العشر والخراج جميعا وكان شريك بن عبد الله يقول لا شئ فيها وجعل هذا قياس السوائم إذا اشتراها الكافر من مسلم ولكن هذا ليس بصحيح فان الاراضي النامية في دارنا لا تخلو عن وظيفة بخلاف سائر الاموال والشافعي في أحد قوليه لا يجوز البيع أصلا كما هو مذهبه في الكافر يشترى عبدا مسلما وفى قوله الآخر يقول بان ما كان وظيفة لهذه الارض يبقى وباعتبار كفر المالك الحادث يجب الخراج بناء على أصله في الجمع بينهما. ومالك يقول يجبر على بيعه من المسلمين لان حق الفقراء تعلق بها وما الكافر لا يصلح لذلك فيجبر على بيعها لابقاء حق الفقراء فيها وأما محمد رحمه الله تعالى فقال ما صار وظيفة للارض لا يتبدل بتبدل المالك كالخراج في الاراضي الخراجية ثم العشر الذى يؤخذ منه عند محمد رحمه الله تعالى يوضع موضع الصدقات كما ذكره في السير لان حق الفقراء تعلق بها فهو كتعلق حق المقاتلة بالأراضي الخراجية وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى أن هذا العشر يوضع في بيت مال الخراج لانه انما يصرف إلى الفقراء ما كان لله تعالى بطريق العبادة ومال الكافر لا يصلح لذلك فيوضع موضع الخراج كمال يأخذه العاشر من أهل الذمة وانما قال أبو يوسف رحمه الله تعالى يؤخذ منه عشران لان ما كان مأخوذا من المسلم إذا وجب أخذه من الكافر يضعف عليه كصدقة بنى تغلب وما يمر به الذمي على العاشر أما أبو حنيفة رحمه الله تعالى فقال الاراضي النامية لا تخلو عن وظيفة في دارنا والوظيفة اما الخراج أو العشر ولا يمكن ايجاب العشر عليه لانها صدقة والكافر ليس من أهل الصدقة فتعين الخراج بخلاف الخراج في الاراضي الخراجية لان استيفاءها بعد الوجوب كاستيفاء الاجرة باعتبار التمكن من الانتفاع ومال المسلم يصلح لذلك (قال) وان اشترى تغلبى أرض عشر من مسلم ضوعف عليه العشر للصلح الذى جرى بيننا وبينهم

[ 7 ] وذكر ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى ان تضعيف العشر عليهم في الاراضي التى كانت لهم في الاصل فأما من اشترى منهم أرضا عشرية من مسلم فعليه عشر واحد بناء على أصله أن ما صار وظيفة للارض يقرر ولا يتغير بتغير المالك فان أسلم عليها أو باعها من مسلم فعليه العشر مضاعفا في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفى قول أبى يوسف رضى الله تعالى عنه عشر واحد. وذكر في رواية أبي سليمان المسألة بعد هذا وذكر قول محمد رحمه الله تعالى كقول أبي يوسف رحمه الله تعالى. وتأويله ما بينا ان عند محمد في الاراضي التى كانت لهم في الاصل سواء أسلموا عليها أو باعوها من مسلم يجب العشر مضاعفا لانها صارت وظيفة لهذه الارض أما أبو يوسف رحمه الله تعالى فقال تضعيف العشر باعتبار كفر المالك وقد زال ذلك باسلامه أو بيعه من المسلم فهو نظير السوائم إذا أسلم عليها التغلبي أو باعها من المسلم لا يجب فيها الا صدقة واحدة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى قال التضعيف على بنى تغلب في العشر بمنزلة الخراج حتى يوضع موضع الخراج وبعد ما صارت خراجية لا تتبدل باسلام المالك ولا ببيعها من المسلم فهذا كذلك بخلاف السوائم فانه لا وظيفة فيها باعتبار الاصل حتى إذا كانت لغير التغلبي من الكفار لا يجب فيها شئ فعرفنا ان التضعيف فيها كان باعتبار المالك فيسقط بتبدل المالك أو بتبدل حاله بالاسلام أما بيان الارض العشرية والخراجية فنقول أرض العرب كلها أرض عشرية وحدها من العذيب إلى مكة ومن عدن أبين إلى أقصى حجر باليمين بمهرة وكان ينبغي في القياس أن تكون أرض مكة أرض خراج لان رسول الله فتحها عنوة وقهرا ولكنه لم يوظف عليها الخراج فكما لارق على العرب لاخراج على أرضهم وكل بلدة أسلم أهلها طوعا فهى أرض عشرية لان ابتداء الوظيفة فيها على المسلم والمسلم لا يبدأ بالخراج صيانة له عن معنى الصغار فكان عليه الشعر وكل بلدة افتتحها الامام عنوة وقسمها بين الغانمين فهى أرض عشرية لما بينا وكذلك المسلم إذا جعل داره بستانا أو أحيا أرضا ميتة فهى أرض عشرية وفى النوادر ذكر اختلافا بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وقال عند أبى يوسف ان كانت هذه الاراضي تقرب من الاراضي العشرية فهى عشرية وان كانت بالقرب من الاراضي الخراجية فهى خراجية لان للقرب عبرة ألا ترى أن ما يقرب من القرية ليس لاحد احياؤها لحق أهل القرية والمرء أحق بالانتفاع بفناء داره وقال محمد رحمه الله تعالى ان أحياها بماء السماء أو عين استنبطها أو نهر شقه لها من الاودية

[ 8 ] العظام كالفرات ودجلة وجيحون فهى عشرية وان شق لها نهرا من بعض الانهار الخراجية فهى خراجية لان الخراج لا يوظف على المسلم الا بالتزامه فإذا ساق إلى أرضه ماء الخراج فهو ملتزم للخراج فيلزمه والا فلا وأما أرض السواد والجبل فهى أرض خراج وحد السواد من العذيب إلى عقبة حلوان ومن الثعلبية إلى عبادان لان عمر رضى الله عنه حين فتح السواد وظف عليها الخراج وبعث لذلك عثمان بن حنيف وحذيفة بن اليمان (قال) وكل بلدة فتحها الامام عنوة وقهرا ثم من بها على أهلها فهى أرض خراج لان ابتداء الوظيفة فيها على الكافر ولا يمكن ايجاب العشر لانها صدقة والكافر ليس من أهلها فيوظف الخراج عليها ولان خراج الاراضي تبع لخراج الجماجم والذمي إذا جعل داره بستانا أو احيا أرضا ميتة باذن الامام فعليه فيها الخراج لما بينا (قال) وإذا قال صاحب الارض قد أديت العشر إلى المساكين لم يقبل قوله وان حلف على ذلك لان حق الاخذ فيه إلى السلطان فكان نظير زكاة السوائم على ما بينا (قال) وان وضع العشر أو الزكاة في صنف واحد من غير أن يأتي به السلطان وسعه ذلك فيما بينه وبين الله تعالى. واعلم أن مصارف العشر والزكاة ما يتلى في كتاب الله عزوجل في قوله تعالى انما الصدقات للفقراء والمساكين الآية وللناس كلام في الفرق بين الفقير والمسكين فروى أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أن الفقير هو الذى لا يسأل والمسكين هو الذي يسأل قال الله تعالى في صفة الفقراء لا يسألون الناس إلحافا قيل لا إلحافا ولا غير إلحاف وفى المسكين قال الله تعالى ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا وقد جاء يسأل وقد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى ان الفقير هو الذى يسال ويظهر افتقاره وحاجته إلى الناس قال الله تعالى وأنتم الفقراء. والمسكين هو الذى به زمانة لا يسأل ولا يعطى له قال الله تعالى أو مسكينا ذا متربة أي لاصقا بالتراب من الجوع والعرى. فالحاصل ان المذهب عندنا أن المسكين أسوأ حالا من الفقير وعند الشافعي رحمه الله تعالى الفقير أسوأ حالا من المسكين وبين أهل اللغة فيه اختلاف ومن قال بان المسكين أسوأ حالا قال الفقير الذى يملك شيئا ولكن لا يغنيه * قال الراعى أما الفقير الذى كانت حلوبته * وفق العيال فلم يترك له سبد والمسكين من لا يملك شيئا ومن قال الفقير أسوأ حالا من المسكين قال المسكين من يملك مالا يغنيه قال الله تعالى أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر وقال الراجز

[ 9 ] هل لك في أجر عظيم تؤجره * تغيث مسكينا كثيرا عسكره * عشر شياه سمعه وبصره * والفقير الذى لا يملك شيئا مشتق من انكسار فقار الظهر والحديث يشهد لهذا وهو ما روى عن النبي قال اللهم أحينى مسكينا وأمتنى مسكينا واحشرني في زمرة المساكين وفائدة هذا الخلاف انما تظهر في الوصايا والاوقاف أما الزكاة فيجوز صرفها إلى صنف ؟ ؟ حد عندنا فلا يظهر هذا الخلاف. والعاملين عليها وهم الذين يستعملهم الامام على جمع الصدقات ويعطيهم مما يجمعون كفايتهم وكفاية أعوانهم ولا يقدر ذلك بالثمن عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى لانهم لما فرغوا أنفسهم لعمل الفقراء كانت كفايتهم في مالهم ولهذا يأخذون مع الغنى ولو هلك ما جمعوه قبل أن يأخذوا منه شيئا سقط حقهم كالمضارب إذا هلك مال المضاربة في يده بعد التصرف وكانت الزكاة مجزية عن المؤدين لانهم نائبون عن الفقراء بالقبض. وأما المؤلفة قلوبهم فكانوا قوما من رؤساء العرب كأبى سفيان بن حرب وصفوان ابن أمية وعيينة بن حصن والاقرع بن حابس وكان يعطيهم رسول الله بفرض الله سهما من الصدقة يؤلفهم به على الاسلام فقيل كانوا قد أسلموا وقيل كانوا وعدوا أن يسلموا * فان قيل كف يجوز أن يقال بأنه يصرف إليهم وهم كفار * قلنا الجهاد واجب على الفقراء من المسلمين والاغنياء لدفع شر المشركين فكان يدفع إليهم جزأ من مال الفقراء لدفع شرهم وذلك قائم مقام الجهاد في ذلك الوقت ثم سقط ذلك السهم بوفاة رسول الله هكذا قال الشعبى انقضى الرشا بوفاة رسول الله . وروى أنهم في خلافة أبى بكر رضى الله تعالى عنه استبذلوا الخط لنصيبهم فبذل لهم وجاؤا إلى عمر فاستبذلوا خطه فأبى ومزق خط أبى بكر رضى الله تعالى عنه وقال هذا شئ كان يعطيكم رسول الله تأليفا لكم وأما اليوم فقد أعز الله الدين فان ثبتم علي الاسلام والا فبيننا وبينكم السيف فعادوا إلى أبى بكر رضي الله تعالى عنه وقالوا له أنت الخليفة أم عمر بذلت لنا الخط ومزقه عمر فقال هو ان شاء ولم يخالفه. وأما قوله تعالى وفى الرقاب فالمراد اعانة المكاتبين على أداء بدل الكتابة بصرف الصدقة إليهم عندنا. وقال مالك رحمه الله تعالى المراد أن يشترى بالصدقة عبدا فيعتقه وهذا فاسد لان التمليك لابد منه وما يأخذه بائع العبد عوض عن ملكه والعبد يعتق على ملك المولى فلا يوجد التمليك

[ 10 ] والدليل عليه ما روى أن رجلا قال أي رسول الله دلنى على عمل يدخلني الجنة فقال فك الرقبة وأعتق النسمة قال أو ليسا سواء يا رسول الله قال لافك الرقبة أن تعين في عتقه. وأما قوله تعالى والغارمين فهم المديونون الذين لا يملكون نصابا فاضلا عن دينهم. وقال الشافعي رحمه الله تعالى المراد من تحمل غرامة في اصلاح ذات البين واطفاء الثائرة بين القبيلتين. وأما قوله تعالى وفى سبيل الله فهم فقراء الغزاة هكذا قال أبو يوسف. وقال محمد هم فقراء الحاج المنقطع بهم. لما روى أن رجلا جعل بعيرا له في سبيل الله فأمر رسول الله أن يحمل عليه الحاج وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول الطاعات كلها في سبيل الله تعالى ولكن عند اطلاق هذا اللفظ المقصود بهم الغزاة عند الناس. ولا يصرف إلى الاغنياء من الغزاة عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى. واستدل بقوله لا تحل الصدقة لغنى الا لخمسة وذكر من جملتهم الغازى في سبيل الله تعالى ولكنا نقول المراد الغنى بقوة البدن والقدرة على الكسب انما تكون بالبدن لا بملك المال بدليل الحديث الآخر وردها في فقرائهم. وأما ابن السبيل فهو المنقطع عن ماله لبعده منه والسبيل الطريق فكل من يكون مسافرا على الطريق يسمى ابن السبيل كمن يكون فقيرا أو غنيا يسمى ابن الفقر وابن الغنى وابن السبيل غنى ملكا حتى تجب الزكاة في ماله ويؤمر بالاداء إذا وصلت يده إليه وهو فقير يدا حتى تصرف إليه الصدقة للحال لحاجته. ثم هؤلاء الاصناف مصارف الصدقات لا مستحقون لها عندنا حتى يجوز الصرف إلى واحد منهم. وقال الشافعي رحمه الله تعالى هم مستحقون لها حتى لا تجوز ما لم تصرف إلى الاصناف السبعة من كل صنف ثلاثة واستدل بالآية وبحديث إن الله تعالى لم يرض في الصدقات بقسمة ملك مقرب ولا نبي مرسل حتى تولى قسمتها من فوق سبعة أرقعة واعتبر أمر الشرع بأمر العباد فان من أوصي بثلث ماله لهؤلاء الاصناف لم يجز حرمان بعضهم فكذلك في أمر الشرع (ولنا) قوله تعالى وان تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم. وقال لمعاذ رضى الله عنه وردها في فقرائهم وبعث عمر رضي الله عنه بصدقة إلى بيت أهل رجل واحد هكذا نقل عن ابن عباس وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم وقد بينا أن المقصود اغناء المحتاج وذلك حاصل بالصرف إلى واحد وبه فارق أوامر العباد لان المعتبر فيها اللفظ دون المعنى فقد تقع خالية عن حكمة حميدة بخلاف أوامر الشرع أما الآية فقد قال ابن عباس

[ 11 ] رضى الله عنه المراد بيان المصارف فالى أيهم انصرفت أجزأت كما ان الله تعالى أمره باستقبال الكعبة في الصلاة وإذا استقبل جزأ كان ممتثلا للامر. ألا ترى أن الله تعالى ذكر الاصناف باوصاف ننبئ عن الحاجة فعرفنا ان المقصود سدخلة المحتاج (قال) ولا يجوز تجيل عشر ما لم يزرع وعشر ثمر لم يخرج أما تعجيل عشر الثمار قبل ظهور الطلع فلا يجوز في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ويجوز في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ذكره في الاملاء قال لانه لم يبق بينه وبين الوجوب الا مجرد مضى الزمان فهو كتعجيل الزكاة بعد كمال النصاب وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا السبب الموجب لم يوجد لان الموجود ملك رقاب النخيل وهو ليس بسبب للعشر حتى لو قطعها لم يلزمه شئ وتعجيل الحق قبل وجود سبب وجوبه لا يجوز كتعجيل الزكاة قبل تمام النصاب أما تعجيل عشر الزرع قبل الزراعة فلا يجوز بالاتفاق لان الارض ليست بسبب لوجوب العشر وقد بقى بينه وبين الوجوب عمل سوى مضي الزمان وهو الزراعة وبعد نبات الزرع يجوز التعجيل بالاتفاق وأما بعد ما زرع قبل أن ينبت فيجوز في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لانه لم يبق بينه وبين وجوب العشر الا مضي الزمان ولا يجوز عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لان السبب لم يوجد لان الحب في الارض كهو في الحب ليس بسبب لوجوب العشر (قال) ولا يعطى زكاته وعشره ولده وولد ولده وأبويه وأجداده وكل من ينسب إلى المؤدى بالولادة أو ينسب إليه بالولادة ولا يجوز صرف الزكاة إليه لان تمام الايتاء بانقطاع منفعة المؤدى عما أدى والمنافع بين الآباء والابناء متصلة. قال الله تعالى آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة فلم يتم الايتاء بالصرف إليهم فاما من سواهم من القرابة فيتم الايتاء بالصرف إليه وهو أفضل لما فيه من صلة الرحم (قال) ولا يعطى مدبره وعبده وأم ولده لانهم مماليكه كسبهم له وكذلك لا يعطى مكاتبه لان كسب المكاتب دائر بينه وبين المولى فلم يتم الايتاء بالصرف إليه وهذا بخلاف ما لو دفع إلى مكاتب غنى لان هناك الايتاء تم بانقطاع منفعة المؤدى عما أدى ولم يثبت فيه للغنى ملك ولا يد للحال وكذلك لا يصرف إلى زوجته لان الايتاء لا يتم فمال الزوجة من وجه لزوجها قال الله تعالى ووجدك عائلا فأغنى قيل بمال خديجة. وعند الشافعي رحمه الله تعالى يجوز بناء على أن شهادة الزوج لزوجته جائزة فأما المرأة فلا تعطى زوجها في قول أبى حنيفة وفى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعطيه (واستدلا) بحديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود رحمهما

[ 12 ] الله تعالى فانها سألت رسول الله عن التصدق على زوجها فقال يجوز ولك أجران أجر الصدقة وأجر الصلة ولانه لا حق للزوجة في مال زوجها فيتم الايتاء كما يتم بالصرف إلى الاخوة بخلاف الزوج يصرف إلى زوجته على ما بينا. وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول لزوجته أصل الولاد ثم ما يتفرع من هذا الاصل يمنع صرف زكاة كل واحد منهما إلى صاحبه فكذلك الاصل. ألا ترى أن كل واحد منهما متهم في حق صاحبه لا تجوز شهادته له وان كل واحد منهما يرث صاحبه من غير حجب كما بالولاد وحديث زينب رضى الله عنها محمول على صدقة التطوع فقد روى أنها كانت امرأة ضيقة اليد تعمل للناس وتتصدق من ذلك وبه نقول انه يجوز صرف صدقة التطوع لكل واحد منهما إلى صاحبه وكذلك لو أعطى غنيا أو ولدا صغيرا لغنى مع علمه بحاله لا يجوز لان مصرف الصدقات الفقراء بالنص فان صرف إلى زوجة غنى وهى فقيرة أو إلى بنت بالغة الغنى وهي فقيرة جاز في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لانه صرفها إلى الفقير واستحقاقها النفقة على الغنى لا يخرجها من ان تكون مصرفا كأخت فقيرة لغني فرض عليه نفقتها وأبو يوسف رحمه الله تعالى قال لا يجوز لانها مكفية المؤنة باستحقاقها النفقة على الغني بالاتفاق فهو نظير ولد صغير لغني وكذلك لو صرفها إلى هاشمى أو مولى هاشمى وهو يعلم بحاله لا يجوز لقوله لا تحل الصدقة لمحمد ولا لآل محمد وعن ابن عباس رضى الله عنها أن النبي استعمل الارقم بن أبى الارقم على الصدقات فاستتبع أبا رافع فجاء معه فقال النبي يا أبا رافع ان الله تعالى كره لبني هاشم غسالة الناس وان مولى القوم من أنفسهم وهذا في الواجبات فاما في التطوعات والاوقاف فيجوز الصرف إليهم وذلك مروى عن أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى في النوادر لان في الواجب المؤدى يطهر نفسه باسقاط الفرض فيتدنس المؤدى بمنزلة الماء المستعمل وفى النفل يتبرع بما ليس عليه فلا يتدنس به المؤدى كمن تبرد بالماء فان أعطاه غنيا وهو لا يعلم بحاله فانه يجزى إن وقع عنده انه فقير أو سأله فاعطاه أو كان جالسا مع الفقراء أو كان عليه زى الفقراء ثم تبين انه غنى جاز عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ولم يجز عند أبى يوسف رحمه الله تعالى وهو قول الشافعي رضي الله عنه لان الخطأ ظهر له بيقين لان المصرف في الصدقات الفقراء دون الاغنياء فلا يجزئه كمن توضأ بالماء ثم تبين أنه نجس أو قضى القاضي في حادثة باجتهاد ثم ظهر نص بخلافه ولابي حنيفة ومحمد رحمهما

[ 13 ] الله تعالى ان الواجب عليه الصرف إلى من هو فقير عنده وقد فعل فيجوز كما إذا صلى الانسان إلى جهة بالتحرى ثم ظهر الامر بخلافه وهذا لان الغنى والفقر لا يوقف عليهما وقد لا يقف الانسان على غنى نفسه فضلا عن غيره والتكيف انما يثبت بحسب الوسع بخلاف النص فانه مما يوقف على حقيقته وكذلك يوقف على نجاسة الماء وطهارته وان تبين أنه دفع إلى أبيه أو ابنه جاز في ظاهر الرواية عندهما وذكر ابن شجاع رواية عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى انه لا يجوز. وجه تلك الرواية ان النسب مما يحكم به ويمكن معرفته حقيقة فيتبين الخطأ بيقين كما لو ظهر أنه عبده أو مكاتبه. وجه ظاهر الرواية حديث معن بن يزيد رضي الله عنه قال دفع أبى صدقته إلى رجل ليصرفها ويفرقها على المساكين فأعطاني فلما رآه أبى في يدى فقال ما اياك أردت يا بني فقلت ما أنا بالذى أرده عليك فاختصمنا إلى رسول الله فقال يا معن لك ما أخذت ويا يزيد لك ما نويت فقد جوز الصرف إلى الولد عند الاشتباه وكان المعنى فيه وهو أن الصرف إلى الولد قربة بدليل التطوع فأقام النبي الاكثر مما هو مستحق عن المؤدى عند الاشتباه مقام الكمال في حكم الجواز وكذلك إذا تبين أن المدفوع إليه هاشمى فهو على هاتين الروايتين وان تبين أن المدفوع إليه ذمى فهو على هاتين الروايتين أيضا لان الكفر يحكم به ويوقف على حقيقته وان تبين أن المدفوع إليه حربى قال في كتاب الزكاة يجوز. وتأويله أنه إذا كان مستأمنا في دارنا فهو كالذمي وأبو يوسف رحمه الله تعالى ذكر في جامع البرامكة عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا يجزئه لان التصدق على الحربى ليس بقربة أصلا فلا يمكن أن يقام مقام ما هو قربة عند الاشتباه * (قال) * ويكره أن يعطى رجلا من الزكاة مائتي درهم إذا لم يكن عليه دين أو له عيال وان أعطاه جاز وعند زفر رحمه الله تعالى لا يجزئه اعطاء المائتين وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى رحمه الله تعالى أنه لا بأس باعطاء المائتين إليه انما يكره أن يعطيه فوق المائتين وزفر رحمه الله تعالى يقول غنى المدفوع إليه يتقرن بقبضه وذلك مانع من جوازه ولكنا نقول الغنى يحصل بالملك وذلك حكم يثبت بعد قبضه فلم يقترن الغنى بالدفع والقبض فلا يمنع الجواز ولكن يعقبه متصلا به فأوجب الكراهة للقرب كمن صلى وبقربه نجاسة جازت الصلاة للوقوف على مكان ظاهر وكان مكروها للقرب من النجاسة وأبو يوسف يقول جزء من المائتين مستحق لحاجته للحال والباقى دون المائتين فلا تثبت به صفة الغنى الا أن يعطيه فوق

[ 14 ] المائتين * ثم الغنى الذى يثبت به حرمة أخذ الصدقة أن يملك مائتي درهم أو ما يساويها فضلا عن حاجته عندنا. وقال سفيان الثوري أن يملك خمسين درهما وقال الشافعي رحمه الله تعالى إذا كان صاحب عيال لا تغنيه المائتان جاز صرف الزكاة إليه وان كان يملك المائتين لقيام حاجته كابن السبيل تصرف إليه الزكاة وان كان مالكا للمال. وسفيان رحمه الله تعالى استدل بما روى عن النبي أنه قال من سأل الناس وهو غنى عن المسألة جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا أو خموشا أو كدوشا في وجهه قيل وما الغنى يا رسول الله قال أن يملك خمسين درهما. وتأويله عندهما في حرمة السؤال والطلب وبه نقول قال لعمر رضى الله تعالى عنه ما أتاك من هذا المال من غير طلب ولا استشراف فخذه فانه مال الله تعالى يؤتيه من يشاء وذم السؤال لقوله السؤال آخر كسب العبد أي يبقى في ذله إلى يوم القيامة وان كان قادرا على الكسب وليس له عيال ولا مال يجوز صرف الزكاة إليه عندنا ولا يجوز عند الشافعي رحمه الله تعالى لقوله لا تحل الصدقة لغنى ولا لذى مرة سوى. وتأويله عندنا حرمة الطلب والسؤال. ألا ترى إلى ما روى عن رسول الله أنه كان يقسم الصدقات فقام إليه رجلان يسألانه فنظر اليهما ورأهما جلدين فقال أما انه لا حق لكما فيه وان شئتما أعطيتكما معناه لا حق لكما في السؤال. ألا ترى أنه جوز الاعطاء لهما وقيل كان الحكم في الابتداء ان حرمة الاخذ كانت متعلقة بقوة البدن ثم انتسخ بملك خمسين ثم انتسخ ذلك واستقر الامر على ملك النصاب وانما حملناه على هذا ليكون الناسخ أخف من المنسوخ كما قال الله تعالى نأت بخير منها أو مثلها * (قال) * رجل له على رجل دين فتصدق به على آخر عن زكاة ماله وأمره بقبضه فقبضه أجزأه لانه في القبض وكيله فتعين المقبوض ملكا لصاحب المال فكأنه قبض بنفسه ثم صرف إليه بنية الزكاة فيكون مؤديا العين دون الدين * (قال) * رجل تصدق على رجل بدراهم من ماله عن زكاة مال رجل بغير أمره ثم علم بعد ذلك ورضي به لم يجزه من زكاته لان رضاه في الانتهاء انما يؤثر فيما كان موقوفا عليه والصدقة عن المتصدق كان تاما غير موقوف فلا يؤثر فيه رضا الآخر به وان كان تصدق عليه بأمره أجزأه لانه يصير مستقرضا المال منه ان شرط له الرجوع عليه أو مستوهبا منه ان لم يشترط له ذلك والفقير يكون نائبا عنه في القبض يقبض له أولا ثم لنفسه بخلاف ما إذا انعدم

[ 15 ] الامر في الابتداء ثم لا يرجع المؤدى على الآمر هنا الا بالشرط بخلاف المأمور بقضاء الدين فهناك أمره أن يملك ما ى ذمته بما يؤدى فله حق الرجوع عليه بدون الشرط وهنا لا يصير مملكا منه شيئا في ذمته بما يؤدى. يوضح الفرق بينهما أن هناك هو مطالب بقضاء الدين يجبر عليه في الحكم فهو بالاداء بأمره سقطت عنه هذه المطالبة فثبت له حق الرجوع عليه وهنا من عليه الزكاة لا يطالب بأداء الزكاة ولا يجبر عليه في الحكم فلا يثبت للمؤدى بأمره حق الرجوع عليه الا بالشرط كمن يقول لغيره عوض هبتي من مالك لفلان فعوضه لا يرجع الا بالشرط * (قال) * رجل له مائتا قفيز حنطة للتجارة قيمتها مائتا درهم فحال الحول عليها ثم رجعت قيمتها إلى مائه درهم فان أراد أداء الزكاة من العين تصدق بربع عشرها خمسة أقفزة بالاتفاق وان أراد أداء الزكاة من القيمة قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يؤدى خمسة دراهم معتبرا وقت الوجوب وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يؤدى درهمين ونصفا معتبرا وقت الاداء فالاصل عندهما ان الواجب جزء من العين وهو ربع العشر جاء في الاثر هاتوا ربع عشر أموالكم ولان الواجب فيما هو مملوك له وهو العين الا أن له ولاية نقل الحق من العين إلى القيمة باختياره فتعتبر قيمة العين وقت الاختيار زائدا كان أو ناقصا وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الواجب عند حولان الحول اما ربع عشر العين أو ربع عشر القيمة يتعين ذلك باختياره والمخير بين الشيئين إذا أدى أحدهما تعين ذلك من الاصل واجبا. والدليل على هذا ان تأثير القيمة في إيجاب الزكاة هنا أكثر من تأثير العين حتى إذا كمل النصاب من حيث القيمة تجب الزكاة سواء كان كاملا من حيث العين أو لم يكن وقد فرع على هذه المسألة بابا في الجامع فما زاد على هذا فيما أمليناه في شرح الجامع وقررنا الفرق بين حقوق الله تعالى وحقوق العباد على أصل الكل * (قال) * والعشر واجب في قليل العسل وكثيره عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى إذا كان في أرض العشر كما هو مذهبه في باب العشر وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى ليس فيما دون خمسة أوسق من العسل العشر ومراده من هذا اللفظ أن تبلغ قيمته قيمة خمسة أوسق من أدنى ما يدخل تحت الوسق فالحاصل أن ما لا يدخل تحت الوسق كالقطن والزعفران والسكر والعسل عند أبى يوسف رحمه الله تعالى تعتبر القيمة فيه وعند محمد رحمه الله تعالى يعتبر فيه خمسة أمثال أعلى ما يقدر به ذلك الشئ ففي القطن يعتبر خمسة أحمال وفي الزعفران خمسة أمنان وفي السكر كذلك وفي العسل

[ 16 ] خمسة أفراق والفرق ستة وثلاثون رطلا فخمسة أفراق تكون تسعين منا هكذا ذكره في نوادر هشام. وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى في الامالى أن في العسل المعتبر عشرة أرطال وروى عشر قرب كما ورد به الحديث. وجه قول محمد رحمه الله تعالى أن غير المنصوص عليه يقاس على المنصوص عليه لمعنى مؤثر يجمع بينهما والمنصوص عليه خمسة أوسق فيما يدخل تحت الوسق لان الوسق أعلى ما يقدر به ذلك الجنس فكذلك في كل مال يعتبر فيه خمسة أمثال أدنى ما يقدر به وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول نصب النصاب بالرأى لا يكون ولكن فيما فيه نص يعتبر المنصوص وما لا نص فيه المعتبر هو القيمة كما في عروض كالتجارة مع السوائم في حكم الزكاة * (قال) * رجل له أرض عشرية وفيها نحل لا يعلم به صاحبها فجاء رجل وأخذ عسلها فهو لصاحب الارض وفيه العشر وان كانت لم تتخذ لذلك أما كونه لصاحب الارض فلانه صار محرزا له بملكه فكانت يده إليه أسبق حكما فيكون هو أولى بملكه وهذا بخلاف الطير إذا فرخ في أرض رجل فجاء رجل وأخذه فهو للآخذ لان الطير لا يفرخ في موضع ليتركه فيه بل ليطيره إذا قوى على ذلك فلم يصر صاحب الارض محرزا للفرخ بملكه فكان للآخذ فأما النحل فيعسل في الموضع ليتركه فيه فصار صاحب الارض محرزا له بملكه كالماء إذا اجتمع في ارض فاجتمع منه الحمأ والطين فهو لصاحب الارض ووجوب العشر عليه باعتبار أنه نماء في أرض العشر. وقال في كتاب الزكاة إذا وجد الجوز أو اللوز في جبل ففيه العشر وروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه لا شئ فيه لانه مباح كالصيود والعشر فيما يكون من نماء ارض العشر. وجه ظاهر الرواية أن الموجود نماء كله فلا فرق في وجوب حق الله تعالى بين ان يكون في ملكه أو في غير ملكه كخمس المعادن * (قال) * ومن أحيا أرضا ميتة فهى له إذا كان باذن الامام في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى هي له سواء أذن له الامام أولا لظاهر قوله من أحيا أرضا ميتة فهى له ومثل هذا اللفظ لبيان السبب في لسان صاحب الشرع كقوله من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر وقال ألا ان عادى الارض لله ورسوله ثم هي لكم منى وبعد وجود الاذن من صاحب الشرع لا حاجة إلى اذن أحد من الائمة وأبو حنيفة استدل بقوله ليس لاحدكم الا ما طابت به نفس امامه فتبين بهذا الحديث شرط الملك وهو اذن الامام كما تبين بما ورد السبب وهو

[ 17 ] الاحياء والحكم بعد وجوب السبب يتوقف على وجود شرطه ثم الناس في الموات من الاراضي سواء فلو لم يشترط فيه اذن الامام أدى إلى امتداد المنازعة والخصوصة بينهم فيها فكل واحد منهم يرغب في احياء ناحية وجعل التدبير في مثله إلى الائمة يرجع إلى المصلحة لما فيه من اطفاء ثائرة الفتنة وهذه المسألة تعود في كتاب الشرب مع بيان حد الموات فما زاد على هذا نبينه هناك ان شاء لله تعالى. (باب ما يوضع فيه الخمس) (قال) من اصاب ركازا وسعه أن يتصدق بخمسة على المساكين وإذا اطلع الامام على ذلك أمضى له صنع لان الخمس حق الفقراء والمساكين وقد أوصله إلى مستحقه وهو في في اصابة الركاز غير محتاج إلى حماية الامام فكان هو في الحكم كزكاة الاموال الباطنة وان كان محتاجا إلى جميع ذلك وسعه أن يمسكه لنفسه لقول على رضى الله تعالى عنه وان وجدتها في قرية خربت على عهد فارس فخمسها لنا وأربعة أخماسها لك وسنتمها لك أي نعطيك الخمس منها أيضا ولان وجوب الخمس في المصاب باعتبار أنه مما أوجف عليه المسلمون فلا يكون الوجوب على المصيب خاصة فهو في كونه مصرفا كغيره ولو رأى الامام في خمس الغنائم أن يصرفها إلى الغانمين لحاجتهم وسعه ذلك فكذلك هذا المصيب في الخمس وان تصدق بالخمس على أهل الحاجة من أولاده وآبائه جاز لانه لما جاز له وضعه في نفسه عند حاجته ففي آبائه وأولاده أولى وهو نظير خمس الغنائم إذا رأى الامام أن يضعه في أولاد الغانمين وآبائهم * (قال) * وما جبي من الخراج فهو لجميع المسلمين يعطى الامام منه أعطية المقاتلة وفي نوائب المسلمين. والحاصل أن ما يجبى إلى بيت المال أنواع أربع. أحدها الخمس ومصرفه ما قال الله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه الآية قال عطاء بن أبى رباح سهم الله وسهم الرسول واحد. وقال قتادة ذكر اسم الله تعالى لافتتاح الكلام فكان الخمس يقسم على عهد رسول الله على خمسة ثم سقط سهم رسول الله بموته عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى هو مصروف إلى كل خليفة بعده لانهم نائبون منابه محتاجون إلى ما كان محتاجا إليه من جوائز الوفود والرسل * (ولنا) * أن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين ما رفعوا هذا السهم لانفسهم وكان لرسول

[ 18 ] الله بسبب النبوة ولم ينتقل ذلك إلى أحد بعده فهو نظير الصفي الذى كان يصطفيه لنفسه وكذلك سهم ذوى القربى سقط بوفاة رسول الله عندنا. وبيانه في كتاب السير وبقى المصرف لليتامي والمساكين وابن السبيل. وجاء في الحديث أن الخلفاء الراشدين قسموا الخمس على ثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وأبناء السبيل. والنوع الثاني الصدقات والعشور وقد بينا مصارفها. والنوع الثالث الخراج والجزية وما يؤخذ من صدقات بنى تغلب وما يأخذ العاشر من أهل الذمة ومن أهل الحرب إذا مروا عليه فهذا النوع مصروف إلى نوائب المسلمين ومنها اعطاء المقاتلة كفايتهم وكفاية عيالهم لانهم فرغوا أنفسهم للجهاد ودفع شر المشركين عن المسلمين فيعطون الكفاية من أموالهم ومن هذا النوع ايجاد الكراع والاسلحة وسد الثغور واصلاح القناطر والجسور وسد البثق وكرى الانهار العظام. ومنه أرزاق القضاة والمفتين والمحتسبين والمعلمين وكل من فرغ نفسه لعمل من أعمال المسلمين على وجه الحسبة فكفايته في هذا النوع من المال. والنوع الرابع تركة من لا وارث له من المسلمين أو من يرثه الزوج أو الزوجة فقط فان الباقي مصروف إلى بيت المال وما يوجد من اللقطة إذا لم يعرفها أحد فهو موضوع في هذا النوع من بيت المال ومصروف هذا النوع نفقة اللقيط وتكفين من يموت من المسلمين ولا مال له وهو معنى قول محمد رحمه الله تعالى فعلى الامام ان يتقى الله في صرف الاموال إلى المصارف فلا يدع فقيرا الا أعطاه حقه من الصدقات حتى يغنيه وعياله وان احتاج بعض المسلمين وليس في بيت المال من الصدقات شئ أعطى الامام ما يحتاجون إليه من بيت مال الخراج ولا يكون ذلك دينا على بيت مال الصدقة لما بينا ان الخراج وما في معناه يصرف إلى حاجة المسلمين بخلاف ما إذا احتاج الامام إلى اعطاء المقاتلة ولا مال في بيت مال الخراج صرف ذلك من بيت مال الصدقة وكان دينا على بيت مال الخراج لان الصدقة حق الفقراء والمساكين فإذا صرف الامام منها إلى غير ذلك للحاجة كان ذلك دينا لهم على ما هو حق المصروف إليهم وهو مال الخراج * (قال *) وما أخذ من صدقات بنى تغلب وضع موضع الخراج لما مرو ما أخذ من صدقات أهل بلد رد على فقرائهم كما أمر به رسول الله معاذ بن جبل رضى الله عنه. وحكى ابن المبارك عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى قال لا تخرج الزكاة من بلد إلى بلد الالذى قرابة وقد بينا هذا * (قال) * وإذا لم يبق محتاج من أهل تلك البلدة

[ 19 ] فان كان بقرب منهم محتاج فهو أحق من فقراء غيرهم لقربهم فلو وضعها الامام في أهل الحاجة من غيرهم وسعه ذلك فان أخرجها إلى غيرهم جاز وهو مكروه وقد تقدم بيان هذا الفصل * (قال) * ومن كان غنيا ولم يقر وليس في الديوان اسمه ولا بلى للمسلمين شيئا لم يعط من الخراج شيئا لانه مشغول بالكسب لنفسه ولا يعمل للمسلمين عملا فلا يستحق شيئا من مالهم * (قال) * وتجب للامام نفقته في بيت المال قدر ما يغنيه يفرض له ذلك لما روى ان أبا بكر رضى الله عنه لما استخلف رآه عمر يحمل شيئا من متاع أهله فقال إلى أين يا خليفة رسول الله فقال إلى السوق أبيع متاعا لاهلي لا نفقه في حوائجى فجمع الصحابة وفرضوا له كل يوم درهمين وثلثي درهم أو ثلاثة دراهم وثلثا درهم على ما اختلف الروايات فيه الا أنه روى أنه أوصى إلى عائشة عند موته أن ترد ذلك كله حتى قال عمر رضى الله عنه رحمك الله يا أبا بكر لقد اتعبت من بعدك وعمر في خلافته كان يأخذ الكفاية من بيت المال على ما روى عنه أنه قال ان الجزور ينحر كل يوم والعنق منه لآل عمر أما عثمان رضى الله عنه فكان لا يأخذ شيئا من بيت المال لثروته ويساره واما على فكان يأخذ على ما روى أنه قال ان مالى من مالكم كل يوم قصعتا ثريد فالحاصل ان الامام إذا كان غنيا فالاولى ان لا يأخذ وان كان محتاجا أخذ كفايته وكفاية عياله على ما أشار الله تعالى إليه في حق الاوصياء ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف * (قال) * ولا شئ لاهل الذمة في بيت المال وان كانوا فقراء لانه مال المسلمين فلا يصرف إلى غيرهم وكذلك لا يرد عليهم مما أخذ منهم العاشر شيئا لان المأخوذ صار حقا للمسلمين ومن الناس من قال إذا كان محتاجا عاجزا عن الكسب يعطى قدر حاجته لما روى أن عمربن الخطاب رضى الله عنه رأى شيخا من أهل الذمة يسأل فقال ما أنصفناه أخذنا منه في حال قوته ولم نرد عليه عند ضعفه وفرض له من بيت المال ولكن الحديث شاذ فلم يأخذ به علماؤنا ورأوا أن من الترغيب له في الاسلام ان لا يعطى من مال المسلمين شيئا ما لم يسلم * (قال) * وأمير الجيش في الغنيمة بمنزلة رجل من الجند ان كان فارسا فله سهم الفرسان وان كان راجلا فله سهم الرجالة لان النبي كان يجعل سهمه في الغنيمة كسهم واحد من المسلمين وكذلك من جاهد بعده من الخلفاء الراشدين وقد كان للنبى من الغنائم ثلاث حظوظ خمس الخمس وصفى يصطفيه لنفسه من درع أو سيف أو جارية وسهم كسهم أحدهم فخمس الخمس والصفى كان هو مختصا به أخذهما

[ 20 ] بولاية النبوة فليس من ذلك شئ لامراء الجيوش وبعده بقى السهم فهو لامراء الجيوش كما كان يأخذه رسول الله والله أعلم بالصواب (بسم الله الرحمن الرحيم) (كتاب نوادر الزكاة) * (قال) * الشيخ الامام شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسي رحمه الله تعالى اعلم أن مسائل أول الكتاب مبنية على الاصل الذى بيناه في كتاب الزكاة وهو أن ضم النقود بعضها إلى بعض في تكميل النصاب باعتبار معنى المالية فان الذهب والفضة وان كانا جنسين صورة ففى معنى المالية هما جنس واحد على معنى أنه تقوم الاموال بهما وأنه لا مقصود فيهما سوى أنهما قيم الاشياء وبهما تعرف خيرة الاموال ومقاديرها ووجوب الزكاة باعتبار المالية قال الله تعالى وفى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ثم اعتبار كمال النصاب لاجل صفة الغنى كما قال النبي لا صدقة الا عن ظهر غنى والغنى بهما يكون بصفة واحدة واعتبار كمال النصاب لمعرفة مقدار الواجب وهما في مقدار الواجب فيهما كشئ واحد فان الواجب فيهما ربع العشر على كل حال وكذلك وجوب الزكاة باعتبار معنى النماء فانها لا تجب الا في المال النامى ومعنى النماء فيها بطريق التجارة وربما يحصل بالتجارة في الذهب النماء من الفضة أو على عكس ذلك فكانا بمنزلة عروض التجارة في معنى النماء وعروض التجارة وان كانت أجناسا مختلفة صورة يضم بعضها إلى بعض في حق حكم الزكاة فكذلك النقود. ألا ترى أن نصاب كل واحد منهما يكمل بما يكمل به نصاب الآخر وهو العروض فكذلك يكمل نصاب أحدهما بالآخر بخلاف السوائم ثم على أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى يضم أحد النقدين إلى الآخر باعتبار القيمة وعندهما باعتبار الاجزاء لان المقصود تكميل النصاب ولا معتبر بالقيمة فيه. ألا ترى أن من كانت له عشرة دنانير وهى تساوى مائتي درهم لا تجب عليه الزكاة والدليل عليه أن المعتبر صفة المالية والمالية من الذهب والفضة باعتبار الوزن إليه أشار رسول الله في قوله جيدها ورديئها سواء وباعتبار الوزن لا يمكن تكميل النصاب الا من حيث الاجزاء. وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول ضم الاجناس المختلفة بعضها إلى بعض في تكميل النصاب لا يكون الا باعتبار القيمة

[ 21 ] كما في عروض التجارة وهذا لان المعتبر صفة المالية وصفة الغنى للمالك وذلك انما يحصل باعتبار القيمة وانما لا تعتبر قيمة النقد عند الانفراد فاما عند مقابلة أحدهما بالآخر فتعتبر القيمة الا ترى ان من كسر على انسان قلب فضة جيدة فانه يجب عليه قيمته من الذهب فلما كان في حقوق العباد تعتبر القيمة عند مقابلة أحدهما بالآخر فكذلك في حق الله تعالى تعتبر القيمة عند ضم أحدهما إلى الآخر. إذا عرفنا هذا فنقول رجل له ثمانية دنانير ثمنها مائة درهم ومائة درهم حال عليهما الحول فعليه الزكاة في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان نصابه بلغ مائتي درهم باعتبار القيمة وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا زكاة عليه لان نصابه ناقص باعتبار الاجزاء فانه يملك نصف نصاب من الفضة وخمسى نصاب من الذهب فإذا جمعت بينهما كانت أربعة أخماس نصاب ونصف خمس وقد روى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أيضا انه إذا كانت له خمسة وتسعون درهما ودينار قيمته خمسة دراهم فانه يلزمه الزكاة باعتبار ان كل دينار ثمن خمسة دراهم فثمن خمسة وتسعين درهما تسعة عشر دينارا فان ضمها إلى الدينار يكون عشرين دينارا وبهذه الرواية يتبين ان على أصله يقوم الذهب تارة بالفضة والفضة تارة بالذهب وذلك لاجل الاحتياط وتوفير المنفعة على الفقراء * (قال) * وان كان له مائة وخمسون درهما وخمسة دنانير ثمنها خمسون درهما فعليه الزكاة بالاتفاق لان النصاب كامل من حيث القيمة ومن حيث الاجزاء فانه يملك ثلاثة ارباع نصاب الفضة وربع نصاب الذهب وكذلك ان كانت له خمسة عشر دينارا وخمسون درهما ثمنها خمسة دنانير أو كانت له عشرة دنانير ومائة درهم ثمنها عشرة دنانير فعليه الزكاة بالاتفاق لكمال النصاب سواء اعتبرت الضم بالاجزاء أو بالقيمة ولم يبين في الكتاب انه من أي الجنسين تؤدى الزكاة والصحيح أنه يؤدى من كل واحد منهما ربع عشره لان الواجب فيهما ربع العشر بالنص قال في الرقة ربع العشر وقال عمر رضى الله عنه هاتوا عشور أموالكم وفى أداء ربع العشر من كل نوع مراعاة النظر لصاحب المال والفقراء. ألا ترى ان بعد تمام الحول لو هلك أحد النوعين لم يكن على أن يؤدى من النوع الآخر الاربع عشره فكذلك في حال بقاء النوعين * (قال) * ولو أن رجلا له ألف درهم حال عليها الحول ثم أضاف إليها ألفا أخرى ثم خلطهما ثم ضاعت منهما ألف درهم فعليه أن يزكي خمسمائة إذا لم يعرف الذى ضاع من

[ 22 ] الذى بقى لان نصف المال كان مشغولا بحق الفقراء ونصفه كان فارغا عن حقهم وليس صرف الهلاك إلى أحد النوعين بأولى من الآخر فيجعل الهالك منهما والباقى منهما كما هو الاصل في المال المشترك فانما بقى من مال الزكاة خمسمائة وهذا بخلاف ما إذا اشتمل المال على النصاب والوقص فهلك منهما شئ‌ئ يجعل الهالك من الوقص خاصة في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى نحو ما إذا كان له فوق النصاب ثمانون من الغنم فحال عليها الحول ثم هلك أربعون فعليه في الباقي شاة لان هناك الوقص تبع للنصاب باسمه وحكمه فانه لا يتحقق الوقص الا بعد النصاب وهذا هو علامة الاصل مع التبع فان التبع يقوم بالاصل والاصل يستغنى عن التبع ثم لا يتحقق المعارضة بين التبع والاصل وجعل الهالك من المالين باعتبار المعارضة فاما هنا فأحد الالفين ليس بتبع للاخر فتتحقق المعارضة بينهما فلهذا يجعل الهالك منهما وهو بمنزلة مال المضاربة إذا كان فيها ربح فهلك منها شئ يجعل الهالك من الربح خاصة لانه تبع لرأس المال والمال المشترك بين الشريكين إذا هلك منه شئ يجعل الهالك من نصيب الشريكين والباقى من نصيبهما. فان قيل لماذا لم يجعل صاحب المال بهذا الخلط مستهلكا لمال الزكاة حتى يكون ضامنا اعتبار لحقوق العباد فانه لو غصب ألف درهم وخلطها بألف من ماله كان ضامنا. قلنا لان هناك حق المغصوب منه في عين الدراهم حتى لو أراد أن يمسك تلك الدراهم ويعطيه غيرها لم يكن له ذلك والخلط استهلاك العين على معنى أنه لا يتوصل بعده إلى تلك العين فأما حق الفقراء هنا ففي معنى المالية بدليل أن لصاحب المال أن يؤدى الزكاة من دراهم غير تلك الدراهم ومن جنس آخر من المال وليس في هذا الخلط تفويت معنى المالية ولا اخراج المال من أن يكون محلا لحق الفقراء فلهذا لا يضمن بالخلط شيئا فان عرف مائة درهم من الباقي أنها من دراهمه الاولى ولم يعرف غيرها فانه يزكى هذه المائة درهمين ونصفا لانه يعرف أن ربع عشرها حق الفقراء ويزكي تسعة أجزاء من تسعة عشر جزأ مما بقى لانه لما عرف المائة بقى المشتبه ألف وتسعمائة فإذا جعلت كل مائة سهما كانت عشرة أسهم من ذلك فارغة عن الزكاة وتسعة أسهم مشغولة بالزكاة فما هلك يكون منها بالحصة وما بقى كذلك فلهذا يزكى وتسعة أجزاء من تسعة عشر جزأ مما بقى ولو عرف مائة درهم أنها من دراهمه الاخرى ولم يعرف غير ذلك فلا شئ عليه في هذه المائة لانه لم يحل عليها الحول وعليه أن يزكى عشرة أجزاء من تسعة عشر جزأ مما بقى لان المشتبه تسعة عشر

[ 23 ] سهما عشرة من ذلك مال الزكاة وتسعة فارغة فيكون الهلاك منهما بالحصة والباقى كذلك * (قال) * رجل له ألف درهم سود وألف درهم بيض فلما كان قبل الحول بشهر زكى خمسة وعشرين درهما من البيض فهذه المسألة على ثلاثة أوجه اما أن يهلك البيض قبل كمال الحول أو تستحق أو يتم الحول على المالين فان ضاعت البيض قبل الحول وتم الحول على السود يجزئه ما أدى عن زكاة السود لانه انما عجل ما يجب عليه من الزكاة عند كمال الحول وهو زكاة السود فالمعجل يجزى من ذلك بمنزلة ما لو أدى بعد كمال الحول خمسة وعشرين درهما بيضا بزكاة السود وهذا لان البيض والسود جنس واحد في حكم الزكاة فلهذا يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب والمعتبر في الجنس الواحد أصل النية فأما نية التعيين فغير معتبرة في الجنس الواحد إذا لم يكن مفيدا كمن عليه قضاء أيام من رمضان وصام بعددها ينوى القضاء يجزئه وان لم يعين في نيته يوم الخميس والجمعة وهذا بخلاف ما إذا كانت له خمس من الابل وأربعون من الغنم فعجل زكاة الغنم شاة ثم ضاعت الغنم وتم الحول على الابل فان المعجل لا يجزئ عن زكاة الابل لانهما جنسان مختلفان في حكم الزكاة ولهذا لا يضم أحدهما إلى الآخر وعند اختلاف الجنس تعتبر نية التمييز. ولو استحقت البيض قبل كمال الحول لم يجز المعجل عن زكاة السود لانه انما عجل الزكاة من مال الغير فلا يجزئ ذلك عن زكاة ماله وكيف يجزئ وهو ضامن لما أدى من البيض إلى الفقراء أما هنا انما عجل الزكاة من مال نفسه لان بالهلاك لا يتبين أنه لم يكن ملكا له فيجزئ المعجل عما يلزمه عند كمال الحول ولو حال الحول على المالين جميعا ففي رواية هذا الكتاب قال المعجل يكون من زكاة البيض حتى إذا هلكت البيض بعد كمال الحول فعليه زكاة السود خمسة وعشرون درهما. وقال في الجامع الكبير المعجل يكون بينهما حتى إذا هلكت البيض فعليه نصف زكاة السود اثنا عشر درهما ونصف درهم. وجه هذه الرواية أن بعد ما وجبت الزكاة فيهما يجعل الاداء بطريق التعجيل كالاداء بعد كمال الحول ولو أدى بعد كمال الحول زكاة البيض كان المؤدى عما نواه خاصة فكذلك إذا عجل لان المعارضة قد تحققت حين وجبت الزكاة فيهما فاعتبرنا نيته في التمييز في ترجيح أحدهما عملا بقوله ولكل امرئ ما نوى بخلاف مااذا هلك أحدهما قبل كمال الحول لان هناك لم تتحقق المعارضة بينهما في حكم الزكاة فان الزكاة وجبت في احداهما دون الاخرى. وجه رواية الجامع وهي الاصح ما بينا ان السود

[ 24 ] والبيض جنس واحد في حكم الزكاة فيسقط اعتبار نية التمييز فيهما فكأنه قصد عند الاداء تعجيل الزكاة فقط فيجعل المؤدى من المالين جميعا إذا وجبت الزكاة فيهما وهذا بخلاف الاداء بعد الوجوب فانه تفريغ للمال عن حق الفقراء لان بوجوب الزكاة يصير المال مشغولا بحق الفقراء فكانت نية الاداء عن زكاة البيض مفيدة من حيث انه قصد به تفريغ البيض دون السود بخلاف التعجيل قبل الوجوب فانه لا فائدة في نية التمييز هناك واعتبار هذا المعنى لو أدى زكاة البيض بعد الوجوب ثم هلكت البيض لم يكن المؤدى عن السود ولو عجل قبل قبل الوجوب ثم هلكت البيض وتم الحول على السود كان المعجل من زكاة السود والذى بينا في السود والبيض كذلك الجواب في الذهب والفضة إذا كانت له مائتا درهم وعشرون مثقالا من ذهب فعجل زكاة أحد المالين أو أدى بعد الوجوب فهى في جميع الفصول مثل ما سبق وعلى هذا لو كان له ألف درهم عينا وألف درهم دينا على انسان فعجل زكاة العين ثم ضاعت قبل كمال الحول فالمعجل يجزى عن زكاة الدين ولو أدى زكاة العين بعد كمال الحول ثم ضاعت قبل الحول لم يجز المؤدى عن زكاة الدين لانه في الاداء بعد الوجوب انما قصد تطهير ماله العين وقد حصل مقصوده فكان بقاؤه بعد ذلك وهلاكه سوء في التعجيل وقبل الوجوب انما قصد اسقاط ما يلزمه من الزكاة عند كمال الحول وانما لزمته الزكاة في الدين وأداء العين عن زكاة الدين جائز. وعلى هذا لو كان له عبد وجارية للتجارة قيمة كل واحد منهما ألف فعجل زكاة أحدهما قبل الحول ثم مات الذى عجل الزكاة عنه قبل كمال الحول وتم الحول على الآخر فالمعجل يجزئ عنه بخلاف ما إذا زكى أحدهما بعد الحول ثم مات الذى زكى عنه ولو عجل زكاة أحدهما قبل الحول ثم مات الذى زكى عنه بعد كمال الحول فعليه أن يزكى الباقي على هذه الرواية وعلى رواية الجامع عليه نصف زكاة الباقي لان المعجل يجزئ عنهما إذا وجبت الزكاة فيهما على تلك الرواية (قال) ولو أن رجلا له مائتا درهم فتصدق بدرهم منها قبل الحول بيوم ثم تم الحول وفى يده مائتا درهم الا درهم فلا زكاة عليه لان المعجل خرج عن ملكه بالوصول إلى كف الفقير فتم الحول ونصابه ناقص وكمال النصاب عند تمام الحول معتبر لايجاب الزكاة فإذا لم يجب عليه الزكاة كان المؤدى تطوعا لا يملك استرداده من الفقير لانه وصل إلى كف الفقير بطريق القربة فلا يملك الرجوع فيه وهذا لانه نوى أصل التصدق والصفة فيسقط اعتبار الصفة حين لم يجب عليه الزكاة عند كمال الحول

[ 25 ] فيبقى أصل نية الصدقة (قال) ولو أن رجلا له جارية للتجارة حال عليها الحول الا يوم ثم اعورت فتم الحول وهى كذلك قال يزكيها عوراء ومراده إذا كانت قيمتها بعد العور نصابا فأما إذا كانت دون النصاب فلا شئ عليه لان بالعور فات نصفها وكمال النصاب في آخر الحول معتبر لايجاب الزكاة فإذا كانت قيمتها مع العور نصابا فعليه أن يزكيها عوراء لان ما هلك منها قبل كمال الحول يصير في حكم الزكاة كما لم يكن فان ذهب العور بعد كما حول فلا شئ عليه باعتبار ذهاب العور لان هذه زيادة متصلة بعد كمال الحول وحكم الزكاة لا يسرى إلى الزيادة الحادثة بعد كمال الحول متصلة كانت أو منفصلة. ألا ترى أنه لو كانت قيمتها بعد العور أقل من نصاب فتم الحول وهي كذلك ثم ذهب العور لم تلزمه الزكاة فكما لا يعتبر ذهاب العور بعد كمال الحول لايجاب أصل الزكاة فكذلك لا يعتبر لايجاب أصل الزيادة ولو ذهب العور قبل كمال الحول فتم الحول وهى صحيحة العينين فعليه زكاة قيمتها صحيحة لان الزيادة انما حدثت قبل كمال الحول ومثل هذه الزيادة يضم إلى أصل المال في حكم الزكاة متصلة كانت أو منفصلة متولدة كانت أو غير متولدة. ألا ترى أنه لو كانت له ألفا درهم فضاع ألف منهما قبل الحول ثم حال الحول على الباقية فزكاها ثم وجد المال الذى كان ضاع لم يكن عليه فيه زكاة بخلاف ما إذا وجد المال الذى ضاع قبل كمال الحول وهذا لان المال الذى ضاع صار تاويا في حكم الزكاة فإذا وجده كان بمنزلة استفادة استفادها من جنس ماله وحكم الزكاة انما يتقرر بآخر الحول فإذا تقرر حكم الزكاة عليه في الالف لا يلزمه بعد ذلك في الالف الاخرى شئ وان وجدها أما إذا وجدها قبل كمال الحول فانما يقرر حكم الزكاة عليه في الفين. ولو كانت الجارية اعورت بعد كمال الحول فعليه أن يزكيها عوراء لانه هلك نصفها ولو هلكت كلها بعد كمال الحول سقطت عنه الزكاة فكذلك إذا هلك البعض فان ذهب العور فعليه أن يزكيها صحيحة لانه تقرر عليه حكم الزكاة في قيمتها صحيحة ثم انتقض بالخسران الذى لحقه وقد ارتفع ذلك الخسران بذهاب العور فهو نظير ما لو ضاع أحد الالفين بعد كمال الحول فزكى ما بقى ثم وجد الذى كان ضاع فعليه أن يزكيه وهذا الاصل الذى بيناه في كتاب الغصب أن الزيادة إذا حدثت في محل النقصان كانت جابرة للنقصان وينعدم بها النقصان معنى. يوضحه ان وجوب الزكاة باعتبار المالية وهي قد عادت بذهاب العور إلى المالية الاولى التى تقررت عليه الزكاة

[ 26 ] فيها عند كمال الحول فعليه أن يؤدى ذلك كله (قال) رجل له ألف درهم حال عليها الحول ثم ابتاع بها جارية للتجارة قيمتها ثمانمائة فعليه زكاة الالف فان ماتت الجارية فليس عليه الا زكاة المائتين لانه حابى في الشراء بقدر المائتين وذلك لا يتغابن الناس في مثله فصار مستهلكا محل حق الفقراء في ذلك فيضمن زكاة المائتين وفى مقدار ثمانمائة حول حقهم من محل إلى محل بعد له فان الجارية التي للتجارة بمنزلة الدراهم في كونها مال الزكاة فيكون هلاك الجارية في يده كهلاك الدراهم وهذا بخلاف السوائم فان من وجب عليه الزكاة في خمس من الابل فاشترى بها أربعين من الغنم ثم هلكت الغنم فهو ضامن للزكاة لان وجوب الزكاة في السوائم باعتبار العين فانما النماء مطلوب من عينها والعين الثاني غير الاول . الا ترى أن هذا التصرف لو وجد منه في خلال الحول انقطع به الحول فكذلك إذا وجد بعد كمال الحول صار مستهلكا ضامنا للزكاة وهنا وجوب الزكاة في الدراهم وعروض التجارة باعتبار المالية والنماء مطلوب بالتصرف ولهذا لو وجد منه هذا التصرف في خلال الحول لم ينقطع به الحول فإذا وجد بعد كمال الحول لا يصير ضامنا للزكاة أيضا فان كان ابتاع بالالف جارية لغير التجارة والمسألة على حالها فعليه زكاة الالف ماتت الجارية أو بقيت لانه صار مستهلكا حق الفقراء بتصرفه فالجارية التى للخدمة ليست بمال الزكاة ألا ترى ان هذا التصرف لو وجد منه في خلال الحول انقطع به الحول فإذا وجد بعد كمال الحول صار ضامنا للزكاة (قال) رجل عنده جارية للتجارة فولدت ولدا قبل الحول بيوم ثم حال الحول عليها فعليه زكاتهما جميعا لان الولد انما ينفصل عن الام بصفتها وهى عنده للتجارة فولدها كذلك ثم المستفاد في خلال الحول يضم إلى أصل النصاب بعلة المجانسة وان لم يكن متولدا من الاصل فالمتولد أولى فان ولدت بعد الحول بيوم فانه يزكيها ولا يزكى ولدها لان الحول قد انتهي قبل انفصال الولد وانما يسرى من الاصل إلى الولد ما كان قائما لا ما كان منتهيا. الا ترى ان الرق ينتهي بالعتق فالولد الذى ينفصل منها بعد العتق لا يكون رقيقا ولا لنا هذا بمنزلة مال استفاده من جنس النصاب بعد كمال الحول فلا يجب فيه الزكاة الا باعتبار حول جديد * فان قيل لما ولدت بعد الحول بيوم فقد علمنا ان حدوث الولد كان قبل كمال الحول فينبغي ان يثبت فيه حكم الحول * قلنا نعم لكن وجوب الزكاة في الولد باعتبار صفة المالية لا باعتبار عينه وصفة المالية

[ 27 ] تحدث بعد الانفصال فان الجنين في البطن لا يكون مالا منقوما ولهذا لا يضمن بالغصب فما به صار الولد محل وجوب الزكاة حادث بعد كمال الحول فلا يسرى إليه حكم الزكاة (قال) رجل له جارية قيمتها ألف درهم فباعها قبل الحول بيوم بثمانمائة درهم فعليه زكاة ثمانمائة درهم لان وجوب الزكاة عند كمال الحول وماله عند ذلك ثمانمائة ولو استهلك الكل قبل كمال الحول لم يضمن شيئا من الزكاة فكذلك إذا استهلك البعض بتصرفه. ولو باعها بعد الحول فعليه زكاة الالف لانه بقدر المحاباة صار مستهلكا ولو استهلك الكل بعد الحول كان ضامنا للزكاة فكذلك إذا استهلك البعض (قال) وان كانت عنده لغير التجارة فباعها قبل الحول بيوم بثمانمائة درهم فانه يضم هذا إلى ماله فيزكيه مع ماله إذا تم الحول لان هذا مستفاد من جنس النصاب في خلال الحول ولو باعها بعد الحول بيوم لم يكن عليه زكاة في ثمنها حتى يحول عليه الحول لانه مستفاد بعد تمام الحول وهذا لان الجارية لما لم تكن للتجارة عنده فانما حدثت المالية له في حكم الزكاة بتصرفه هذا فيكون ثمنها بمنزلة مال وهب له في حكم الزكاة (قال) ولو كانت الجارية عنده للتجارة وقيمتها ألف درهم فباعها بعد الحول بمائة درهم فعليه زكاة الالف قال لان هذا مما لا يتغابن الناس فيه بقدره يشير بهذا إلى الفرق بين هذه وبين مسألة الجامع وهو ما إذا باعها بتسعمائة وخمسين فانه لا يكون ضامنا شيئا من الزكاة لان الخمسين ونحوها مما يتغابن الناس فيه وصاحب المال مسلط على التصرف في ماله شرعا بمنزلة الاب والوصى في مال اليتيم وكما أن هناك يفصل بين ما يتغابن الناس فيه وما لا يتغابن الناس فيه في تصرفهما فكذلك هنا يفصل بينهما فإذا كانت المحاباة بقدر ما يتغابن الناس فيه لم يكن مستهلكا شيئا وان كانت بقدر مالا يتغابن الناس فيه كان مستهلكا محل حق الفقراء في مقدار المحاباة فكان ضامنا للزكاة. ولو باعها قبل الحول بيوم بمائة درهم ضم المائة إلى ماله ثم زكاه ولا شئ عليه في مقدار المحاباة لانه صار مستهلكا قبل وجوب الزكاة (قال) ولو كانت له جارية قيمتها خمسمائة فباعها بألف درهم واشتراها المشترى للتجارة ثم حال الحول عليها ثم وجد بها عيبا فردها بقضاء أو بغير قضاء فعلى البائع زكاة الالف لان حق المشترى عند رد الجارية بالعيب يثبت دينا في ذمة البائع ويتخير هو بين اداء الالف وبين اداء ألف أخرى بناء على الاصل المعروف ان النقود لا تتعين في العقود والفسوخ فهذا دين لحقه بعد الحول فلا يسقط عنه شئ من الزكاة

[ 28 ] قال وعلى الراد زكاة خمسمائة درهم لانه تم الحول وفى ملكه الجارية فقط وانما استفادة الزيادة بردها بعد كمال الحول فلهذا لا يلزمه الا زكاة الخمسمائة * فان قيل انما كانت قيمة الجارية خمسمائة حين كانت صحيحة لا عيب فيها فاما مع وجود العيب تكون قيمتها دون الخمسمائة فينبغي أن لا تجب على المشترى زكاة خمسمائة * قلنا مراد محمد رحمه الله تعالى من هذا الجواب ما إذا كانت قيمتها خمسمائة مع وجود هذا العيب على ان المشترى يستحق الرجوع بحصة العيب إذا تعذر رد الجارية فبهذا الطريق يكون الجزء الفائت بسبب العيب كالقائم حكما فلهذا يلزمه زكاة خمسمائة (قال) وان كانت قيمتها ألف درهم فباعها بخمسمائة ثم حال الحول فوجد المشترى بها عيبا فردها فعلى المشترى زكاة ألف درهم لانه تم الحول والجارية في ملكه وهى تساوى ألف درهم فتلزمه زكاة الالف سواء ردها بقضاء أو بغير قضاء لانه مختار في الرد فيكون هذا بمنزلة بيعه اياها بخمسمائة بعد كمال الحول وعلى البائع زكاة خمسمائة لانه تم الحول وفى ملكه خمسمائة ثم استفاد الزيادة بعد ذلك بالرد عليه فلا يلزمه الا زكاة خمسمائة (قال) ولو كان لرجل عبد ثمنه ألف درهم ولآخر جارية ثمنها ألف درهم فتبايعا العبد بالجارية وتقابضا وهما للتجارة جميعا فحال الحول ثم وجد الذى قبض العبد بالعبد عيبا فرده فان كان رده بقضاء قاض وأخذ جاريته فعلى كل واحد منهما زكاة ألف درهم أما الراد فلانه تم الحول وفى ملكه العبد ثم استفاد الزيادة بعد ذلك فلا يلزمه الا زكاة الالف واما المردود عليه فلان عين الجارية استحقت من يده من غير اختياره وذلك مسقط للزكاة عنه فلا يلزمه الا زكاة ما عاد إليه من المالية وذلك ألف درهم (قال) وان ردها بغير قضاء قاض فعلى الراد زكاة الالف لما قلنا وعلى المردود عليه زكاة الالفين لانه تم الحول وفى ملكه جارية قيمتها ألفا درهم ثم أخرجها من ملكه باختياره حين أقال العقد بالعيب بغير قضاء القاضى فيلزمه زكاة الالفين وهذا لان الرد بالعيب بغير القضاء فيلزمه زكاة الالفين وهذا لان الرد بالعيب بغير قضاء بمنزلة الاقالة وهو في حق غيرهما كبيع مستقل وهذا بخلاف ما سبق في الدراهم لان حق الراد هناك لا يتعين في الدراهم المدفوعة فلا يكون ذلك بمنزلة الاستحقاق وهاهنا حق الراد يتعين في الجارية فلهذا جعل بمنزلة الاستحقاق إذا رد العبد بقضاء القاضى ولو كان الذى قبض الجارية هو الذى وجد العيب بها فردها بقضاء أو بغيره فعليه زكاة الالفين لانه هو المختار للرد وقد تم الحول وماله ألفا درهم فلا يسقط عنه

[ 29 ] شئ من الزكاة باخراجها من ملكه باختياره (قال) رجل له جارية للتجارة باعها بألف درهم ثم باعها المشترى من آخر بألف درهم واشتراها كل واحد منهما للتجارة ثم استحقت بعد الحول فعلى المشترى الآخر زكاة ألف درهم ولا زكاة على واحد من البائعين لانها لما استحقت من يد المشترى الآخر فقد استوجب الرجوع بثمنها على بائعها وذلك مال سالم له فعليه زكاته وأما بائعها فقد تبين أنه كان له حق الرجوع على بائعها أيضا بألف درهم فانما كان ماله ألفا وعليه ألف درهم دين للمشترى الآخر فلا تلزمه الزكاة وكذلك الاول كان في يده ألف درهم في الحول وعليه ألف درهم دين للمشترى الاول فلا تلزمه الزكاة ومال المديون لا يكون نصاب الزكاة (قال) رجل له جارية للتجارة بثمن ألفى درهم فباعها بألف درهم بيعا فاسدا واشتراها المشترى بنية التجارة وتقابضا فحال الحول فعلى المشترى أن يردها على البائع بفساد العقد وعلى البائع زكاة ألفي درهم لانها كانت مضمونة على المشترى بقيمتها وقيمتها ألفا درهم فهى بمنزلة المغصوبة وتبين ان مال البائع عند كمال الحول ألفا درهم وعلى المشترى زكاة الالف لان قيمتها دين في ذمته فانما ماله الذى يسلم له ما دفع في ثمنها وهو ألف درهم فلهذا لا يلزمه الا زكاة الالف ويستوى ان ردها بقضاء أو بغير قضاء أو لم يردها ولكن أعتقها المشترى بعد الحول لان المعتبر هو المالية والمالية التي تسلم للبائع عند كمال الحول مقدارها الفان فانه اما أن يرد عليه الجارية أو قيمتها إذا تعذر رد عينها والذى يسلم للمشترى مقدار الالف درهم فيلزمه زكاة الالف (قال) ولو أن رجلا له مائتا درهم فضاع نصفها قبل كمال الحول بيوم ثم أفاد مائة فتم الحول وعنده مائتا درهم فعليه الزكاة لان المعتبر كمال النصاب في آخر الحول مع بقاء شئ منه فيخلال الحول وقد وجد والمستفاد لو كان قبل هلاك بعض النصاب كان مضموما إلى النصاب لعلة المجانسة فكذلك بعد هلاك بعض النصاب لبقاء حكم الحول في الموضعين فان تم الحول ولم يستفد هذه المائة ثم مضت السنة الثانية الا يوما ثم استفاد مائة ثم تم الحول فلا شئ عليه في الحولين لانه تم الحول الاول وماله دون النصاب فلم تلزمه الزكاة ولم ينعقد الحول الثاني على ماله لنقصان النصاب في أول هذا الحول وانما استفاد المائة وليس على ماله حول ينعقد فلا تلزمه الزكاة ولكن ينعقد الحول من حين استفاد المائة لانه تم نصابه الآن فإذا تم الحول من هذا الوقت زكى المائتين (قال) ولو ان رجلا وهب لرجل ألف درهم ثم حال عليها الحول عنده ثم وهبها الموهوب

[ 30 ] له لغيره فعليه زكاتها لانه صار مستهلكا محل حق الفقراء بما صنع حين أخرج المال من ملكه بغير عوض ومراده ما إذا وهبها لغنى فاما إذا وهبها لفقير لم يكن ضامنا شيئا لان الهبة من الفقير صدقة لا رجوع فيها ومن تصدق بجميع المال بعد كمال الحول لم يكن ضامنا للزكاة وان لم ينو الزكاة لانه في مقدار الزكاة أوصل الحق إلى مستحقه فلو رجع فيها الواهب الآخر فضاعت عنده لم يكن عليه فيها زكاة لان بالرجوع يعود إلى قديم ملكه ويخرج به من أن يكون مستهلكا محل حق الفقراء فهلاكه في يده بعد الرجوع كهلاكه في يده قبل الهبة وكذلك لو لم يضع ولكن رجع فيها الاول فلا زكاة على الواهب الثاني ولا على الاول لانها استحقت من يد الثاني بغير اختياره فالدارهم تتعين في الهبة والرجوع فيها ولا زكاة على الاول لانها لم تكن في ملكه حين تم الحول ويستوى ان كان الاول رجع فيها بقضاء أو بغير قضاء عندنا خلافا لزفر رحمه الله تعالى وعلى قول سفيان الثوري رحمه الله ليس للواهب الاول أن يرجع في مقدار الزكاة إذا أدى ولكن الموهوب له يتصدق به على الفقراء وقد بينا هذا في كتاب الهبة (قال) ولو كان له عبد للتجارة فحال عليه الحول ثم باعه بمثل قيمته فعليه أداء الزكاة من ثمنه إذا قبضه لانه حول حق الفقراء من محل إلى محل يعد له فلو رده المشترى بخيار الرؤية واسترد الثمن فمات في يد البائع فلا زكاة عليه لان الرد بخيار الرؤية فسخ من الاصل فانما عاد العبد الي قديم ملكه وهلاكه في يده بعد ما عاد إليه كهلاكه قبل البيع وكذلك لو مات العبد قبل أن يقبض المشترى لان البيع ينتقض من الاصل بفوات القبض المستحق بالعقد وكذلك لورده المشرتى بخيار الشرط فمات عند البائع فان خيار الشرط يمنع تمام الصفقة فالرد بحكمه يكون فسخا من الاصل سواء كان بقضاء أو بغير قضاء (قال) رجل له عبد للتجارة فحال الحول وهو عنده ثم تزوج عليه امرأة ودفعه إليها ثم فجر بها ابن زوجها قبل الدخول فعليها رد العبد لان الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول في حكم الفسخ فانما عاد العبد إلى قديم ملك الزوج فيكون هلاكه بعد الاسترداد كهلاكه قبل النكاح وهذا لانه لا بد للملك الجديد من سبب جديد ولم يوجد هنا سبب جديد لملك الزوج في العبد فلا بد من القول بعوده إلى قديم ملكه فلو مات العبد في يدها فهي ضامنه قيمته للزوج لانه تعذر عليها رد العبد بعد تقرر

[ 31 ] السبب الموجب للرد فتلزمها القيمة لانها قبضته على وجه الملك لنفسها بعوض فيدخل المقبوض في ضمانها فلو قبض الزوج منها القيمة فضاعت في يده فعليه الزكاة لانه صار مستهلكا محل حق الفقراء بتصرفه حين تزوج على رقبة العبد فانه أخرجه من ملكه بعوض لا يكون محلا لحق الفقراء فكان ضامنا للزكاة الا أنه متى عاد إلى قديم ملكه يرتفع حكم الاستهلاك به ولم يعد إلى قديم ملكه حتى هلك في يدها فبقى مستهلكا وهلاك القيمة المقبوضة في يده كهلاك مال آخر وهو نظير ما لو اشترى جارية للخدمة ثم هلكت الجارية قبل التسليم فاسترد القيمة لم يكن ضامنا للزكاة ولو كان العبد مات في يد بائع الجارية فاسترد قيمته فهلكت القيمة في يده كان ضامنا للزكاة. ولو كان مكان العبد عنده ألف درهم فحال عليها الحول ثم تزوج امرأة على ألف درهم ودفع إليها ثم قبلت ابن زوجها بشهوة قبل الدخول فردت الالف إلى الزوج فضاعت منه فعليه فيها الزكاة بخلاف ما سبق لان هناك لا يجب عليها رد الالف المقبوضة بعينها ولكن لها الخيار ان شاءت ردت تلك الالف وان شاءت ردت مثلها فلم يخرج الزوج من أن يكون مستهلكا محل حق الفقراء وان ردت عليه تلك الالف وفى الاول عليها رد العبد بعينه فيخرج الزوج من أن يكون مستهلكا بعود العبد إلى قديم ملكه (قال) ولو حال الحول بعد التسليم إليها ثم قبلت ابنه بشهوة فردت عليه الالف فعليها زكاة الالف للسنة الثانية لانه لما لم يلزمها رد الالف بعينها كان هذا دينا لحقها بعد الحول فلا يسقط الزكاة عنها وعلى الزوج الزكاة للسنة الاولى ولا زكاة عليه فيها للسنة الثانية لانها في السنة الثانية كانت في ملك المرأة ويدها وفى مسألة العبد لو نوت هي التجارة وحققت ذلك وحال الحول عندها ثم قبلت ابن الزوج فردت العبد عليه لم يكن عليها زكاة لان عين العبد استحقت من يدها بعد وجوب الزكاة وذلك مسقط للزكاة عنها وعلى قول زفر رحمه الله تعالى لا تسقط الزكاة عنها هنا لان الفرقة جاءت من قبلها فهى التى اكتسبت سبب زوال ملكها عن العبد فتكون متلفة حق الفقراء فتلزمها الزكاة ولكنا نقول لم يوجد منها صنع في ابطال ملكها في العبد لان صنعها تقبيل ابن الزوج وذلك غير مبطل ملكها العبد ألا ترى أنه لو حصل ذلك منها بعد الدخول لم يبطل ملكها في شئ من العبد ولكن المبطل لملكها انفساخ النكاح وذلك أمر حكمي فلهذا يجعل هذا بمنزلة الاستحقاق من يدها (قال) رجل له ألف درهم ومائة درهم حال عليها الحول

[ 32 ] الاشهرا فزكى الالف عما يستفيده فيما يستقبل ثم أفاد أربعين ألفا وحال عليها لحول فالمعجل يجزئ من زكاة المستفاد وعليه زكاة المائة لان بما عجل لم ينقطع حكم الحول فقد بقى في ملكه بعض النصاب وهو المائة ثم المستفاد مضموم إلى ما بقى عنده في حكم الحول بعلة المجانسة فعند كمال الحول تلزمه الزكاة في الكل وزكاة أربعين ألف درهم ألف درهم وقد عجلها فانما بقى عليه زكاة المائة درهمان عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ودرهمان ونصف عندهما وعلى قول زفر رحمه الله تعالى تعجيل الزكاة انما يجوز عن المال القائم في ملكه ولا يجوز عما يستفيده فعليه زكاة المستفاد عند كمال الحول ونحن نقول لما جعل المستفاد بمنزلة الموجود عنده في أول الحول في حكم وجوب الزكاة فيه فكذلك يجعل بمنزلة الموجود عنده في حكم جواز التعجيل فان تم الحول قبل ان يستفيد شيئا ثم أفاد أربعين ألفا فالمعجل لا يجزى من زكاتها ويجزى من زكاة المائة خاصة وهذا غلط لانه تم الحول وفى ملكه مائة درهم فالمعجل قد تم خروجه عن ملكه بالوصول إلى الفقير فلا تجب عليه الزكاة في المائة أصلا إلا ان يكون المعجل يجزى من زكاة المائة ثم حين استفاد أربعين ألفا نعقد الحول على ماله فإذا تم الحول من هذا الوقت كان عليه أن يزكى الكل (قال) ولو كانت له مائة درهم فتصدق بها عما يفيد ثم أفاد ألف درهم من عامه ذلك فالمعجل لا يجزى من زكاته لانه انما عجل قبل كمال النصاب وتعجيل الزكاة قبل النصاب لا يجوز لمعنى وهو ان جواز التعجيل بعد تقرر السبب والسبب هو كمال النصاب فالاداء قبله يكون تعجيلا قبل وجود السبب وذلك باطل بمنزلة أداء الصلاة قبل دخول الوقت والصوم قبل دخول شهر رمضان (قال) فان كانت له مائتا درهم فتصدق بها كلها عما يفيد ثم أفاد عشرة آلاف درهم من عامه ذلك فانه يستقبل بها حولا ولا يجزيه المعجل عما يلزمه من زكاتها لانه لما تصدق بجميعها فقد انقطع حكم الحول إذ لم يبق في ملكه شئ مما انعقد عليه الحول فإذا انقطع حكم الحول كان المؤدى تطوعا ولا يجزيه عما يلزمه من الزكاة من مال آخر باعتبار حول آخر وهذا بخلاف ما لو عجل عن المائتين عشرة دراهم زكاة حولين ثم استفاد عشرة دراهم فمضى حولان فالمعجل يجزيه عن زكاة الحولين جميعا لان هناك قد بقي حكم الحول ببقاء بعض النصاب وملك النصاب الواحد سبب لوجوب الزكاة باعتبار كل حول وحولان الحول شرط لا سبب فلهذا جاز التعجيل أما هنا لم يبق في ملكه شئ مما انعقد عليه الحول وملك ذلك النصاب ليس بسبب لوجوب الزكاة

[ 33 ] في مال آخر مقصودا فلهذا لا يجزى المعجل حتي لو بقى عنده درهم من المائتين ثم استفاد عشرة آلاف فتم الحول تلزمه الزكاة ويجزى المعجل عما يلزمه لانه بقى الحول منعقدا ببقاء جزء من النصاب في ملكه وقد استفاد من جنسه فتم الحول ونصابه كامل فتلزمه الزكاة ويجزيه المعجل عما يلزمه باعتبار هذا الحول (قال) ولو كانت له مائتا درهم فضاع نصفها يعد كمال الحول فعليه أداء درهمين ونصف اعتبارا للبعض بالكل فانه لو ضاع الكل يسقط عنه جميع الزكاة فان ضاع النصف سقط عنه نصف الزكاة ثم هذا على أصلهما واضح فانما يوجبان الكسور في زكاة الدراهم ابتداء فالبقاء أولى وأبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يوجب الكسور في زكاة الدراهم ابتداء ولكن يقول ببقاء الكسور بعد الوجوب لان كمال النصاب معتبر لوجوب الزكاة وهو غير معتبر لبقاء الواجب (قال) رجل له ألف درهم حال عليها خمسة أحوال ثم ضاع نصفها فعليه نصف ما وجب عليه في هذه الخمس سنين وهذا ظاهر لان هلاك النصف معتبر بهلاك الكل وانما الكلام في بيان ما يلزمه فيها في هذه الاحوال فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى يلزمه في الحول الاول خمسة وعشرون درهما وفي الحول الثاني أربعة وعشرون درهما لان مقدار خمسة وعشرين درهما صار دينا عليه ودين الزكاة يمنع وجوب الزكاة عنده وهو لا يرى الزكاة في الكسور وانما يلزمه في السنة الثانية زكاة تسعمائة وستين درهما وهكذا في كل سنة لا يعتبر في ماله ما وجب عليه من الزكاة للسنين الماضية والكسور في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يعتبر من ماله ما وجب عليه من الزكاة للسنين الماضية وتعتبر الكسور لانهما يوجبان الزكاة في الكسور ولا يعتبر ان بعد النصاب الاول نصابا وعلى قول زفر رحمه الله تعالى يلزمه في كل سنة خمسة وعشرون درهما لان دين الزكاة عنده لا يمنع وجوب الزكاة في الاموال الباطنة وقد بينا هذا الاصل في كتاب الزكاة (قال) رجل له ألف درهم حال عليها الحول ثم استفاد ألفا أخرى فحال الحول عليها ثم استفاد ألفا أخرى فحال الحول عليها ثم ضاع نصفها فانه يزكى في السنة الاولى نصف المال الاول وفي السنة الثانية ما بقى من نصف المال الاول ونصف المال الآخر وفى السنة الثالثة ما بقى من المال الاول والمال الثاني ونصف المال الآخر كله لان الالف الاولى حال عليها ثلاثة أحوال ثم هلك نصفها فعليه فيها السنة الاولى زكاة نصف الالف وفى السنة الثانية كذلك الا مقدار

[ 34 ] ما وجب فيها للسنة الاولى فان ذلك صار دينا عليه وفى السنة الثالثة كذلك الا مقدار ما وجب عليه للحولين والالف الثانية حال عليها حولان ثم هلك نصفها فعليه أن يزكى للحول الاول نصفها وللحول الثاني كذلك الا مقدار ما وجب عليه للحول الاول والالف الثالثة حال عليها حول واحد ثم هلك نصفها فعليه أن يزكي نصفها لان هلاك بعض المال بعد وجوب الزكاة معتبر بهلاك الكل (قال) ولو أن رجلا له أربعون ألف درهم حال عليها الحول ثم أخرج ألف درهم منها يزكيها فتصدق بخمسمائة درهم ثم ضاع عشرون ألف درهم من المال وبقى تسعة عشر ألفا وهذه الخمس مائة التى بقيت من الالف التى أخرجها للزكاة فالخمس مائة التي زكى عن تسعة وثلاثين ألفا وخمسمائة لانه حين أدى كان في ملكه تسعة وثلاثين ألفا سوى الالف التى أخرجها للزكاة فإذا ضمت هذه الخمسمائة المؤداة إلى تسعة وثلاثون ألفا كان الكل تسعة وثلاثين ألفا وخمسمائة وانما قصد أداء الزكاة عن جميع ذلك فلهذا تتوزع تلك الخمسمائة على هذه الجملة فما أصاب عشرين ألفا التي هلكت بطل عنه لانه أدى بعض زكاتها وهلك البعض وما أصاب تسعة عشر ألفا وخمسمائة يحتسب له من زكاتها ويؤدى ما بقى من زكاتها اعتبارا لهلاك البعض بهلاك الكل (قال) ولو ان رجلا له ثلثمائة درهم فحال عليها ثلاثة أحوال ثم ضاع نصفها فانه يزكي خمسين ومائة درهم لسنة واحدة وهذا انما يستقيم على أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان عنده النصاب الاول يجعل أصلا ويجعل الهلاك فيما زاد على النصاب الاول كان لم يكن فكأنه كان في ملكه في الاحوال الثلاثة مائتا درهم فلا يجب فيها الا خمسة دراهم للحول الاول ثم هلك ربعها فيسقط عنه ربع الواجب ويبقى ثلاثة ارباعه أما على قول محمد وهو رواية عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى يجمع بين ما وجب عليه في الاحوال الثلاثة ثم يسقط نصف ذلك بهلاك نصف المال ويبقى النصف لبقاء نصف المال (قال) ولو ان رجلا تصدق بمال لا ينوى به زكاته فانه لا يجزيه من زكاته لقوله ولكل امرئ ما نوى ولان الزكاة عبادة مقصودة فلا تتأدى بدون النية ومراده إذا تصدق بمال آخر سوى النصاب فاما إذا تصدق بجميع النصاب الذى وجبت فيه الزكاة فانه يسقط عنه الزكاة نوى أو لم ينو استحسانا لان الواجب جزء منه وقد أوصله إلى مستحقه فان تصدق ببعض النصاب ففيه اختلاف بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى عند أحدهما لا يسقط شئ

[ 35 ] من الزكاة وعند الآخر يسقط عنه مقدار زكاة المؤدى وقد بينا هذا في كتاب الزكاة (قال) وان تصدق رجل عنه بأمره من مال نفسه جاز لان الصدقة تجزئ فيها النيابة فأداء الغير بأمره كأدائه بنفسه وهذا لحصول المقصود به وهو اغناء المحتاج ثم لا يكون للمؤدى أن يرجع عليه بدون الشرط بخلاف ما لو قضى دينه بأمره فان الدين كان واجبا في ذمته وكان هو مطلوبا به مجبرا على قضائه فإذا ملكه المؤدى ببدل أداه من عند نفسه بأمره رجع به عليه ولا يوجد مثله في الزكاة فانه كان مخيرا بأدائه ولا يجبر عليه في الحكم فلم يكن المؤدى مملكا شيئا منه فلا يرجع عليه بدون شرط كما لو عوض عن هبته بأمره وإن تصدق عنه بغير أمره لم يجزه عن الزكاة لانعدام النية منه وهذا لان معنى الابتلاء مطلوب في العبادة وذلك لا يتحقق بأداء الغير بدون أمر من وجبت عليه الزكاة (قال) لو أن رجلا له جارية للتجارة حال عليها الحول وهي تساوى مائتي درهم فصارت تساوى أربعمائة درهم ثم اعورت فصارت قيمتها مائة درهم فعليه أن يؤدى الزكاة عن مائة درهم لان الزيادة الحادثة كانت تبعا للاصل فيجعل ما هلك من الزيادة أولا ويصير ذلك كأن لم يكن فكأنها اعورت حين كان قيمتها مائتي درهم وتراجعت قيمتها إلى مائة فيسقط عنه نصف الزكاة باعتبار ما هلك ويبقى النصف باعتبار ما بقى. ولو كانت عنده جارية قيمتها مائتا درهم حال عليها الحول ثم باعها بثلثمائة درهم ثم توت منه مائتا درهم فعليه أن يزكى المائة لان الربح كان تبعا للاصل فما توى من الربح صار كأنه لم يكن وكأنه باعها بمائتين فتوت مائة واستوفى مائة فيلزمه زكاة المائة اعتبارا للبعض بالكل (قال) رجل له ألف درهم على غنى أو فقير فحال عليها الحول ثم تصدق بها عليه أو أبرأه منها فلا زكاة عليه فيها ولا تجزيه من زكاة غيرها وان نوى ذلك وقد بينا ان أداء الدين بزكاة المال العين لا يجوز لان العين أكمل من الدين في المالية اما زكاة هذه الالف فلا اشكال انها تسقط عنه إذا كان المديون فقيرا لانه أوصل الحق إلى مستحقه وان كان المديون غنيا فكذلك الجواب في رواية هذا الكتاب وفى رواية الجامع قال يكون ضامنا زكاتها. وجه تلك الرواية انه لو كان المال عينا في يده فوهبه من غنى بعد وجوب الزكاة عليه صار مستهلكا حق الفقراء ضامنا للزكاة فكذلك إذا كان دينا فابرأه منه لانه لا حق في الزكاة للغنى فلا يكون في فعله ايصال الحق إلى مستحقه. وجه هذه الرواية ان أداء الزكاة عن الدين

[ 36 ] لا يجب الا بعد القبض وحين أبرأه المديون منه فقد انعدم القبض فلا يلزمه أداء الزكاة عنه والا صح ما ذكر في الجامع انه بالابراء صار مبطلا الدين بتصرفه فيكون بمنزلة القابض المستهلك كالمشترى إذا أعتق المبيع قبل القبض يصير قابضا حتى يتقرر عليه جميع الثمن ولو تصدق بها على فقير آخر وأمره بقبضها منه ينوى عن زكاته فان ذلك يجزيه لان ذلك الفقير وكيل من جهته في القبض فكأنه قبضها بنفسه ثم تصدق بها عليه ينوى من زكاته وكذلك ان قبضها ثم تصدق بها على المديون وهو ينوى من زكاته فانه يجزيه إذا كان فقيرا كما لو تصدق بها على غيره وان كان غنيا وهو يعلم بذلك لم يجزه عن الزكاة ويكون ضامنا زكاة هذه الالف على الروايتين جميعا اما على رواية الجامع فلا يشك فيه وعلى رواية هذا الكتاب فلانه بالقبض وجب عليه أداء الزكاة فكان هبته منه كهبته من غنى آخر وان كان لا يعلم بغناه ثم علم بعد الاداء إليه فذلك يجزيه من الزكاة في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى خلافا لابي يوسف رحمه الله تعالى ومراده إذا تحرى ودفع إليه على انه فقير وقد بينا هذا في كتاب التحرى وكذلك لو كان المتصدق عليه ذميا فان دفع الزكاة إلى الذمي مع العلم لا يجوز كدفعه إلى الغنى. وان تصدق بها على والده أو ولده أو زوجته أو تصدقت المرأة بذلك على زوجها وهم لا يعلمون بذلك ثم علموا فانه لا يجزيهم من الزكاة في رواية هذا الكتاب وفى رواية كتاب الزكاة والتحرى قال يجزى ذلك في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى واستدلا فيه بحديث معن بن يزيد وقد بينا وجه تلك الرواية ووجه هذه الرواية ان النسب وان كان طريق معرفته في الاصل الاجتهاد فانه بمنزلة المقطوع به شرعا ولهذا لو نفى نسب رجل عن أبيه لزمه الحد فانما تحول من اجتهاد إلى يقين ولا معتبر بالاجتهاد بعد اليقين كما لو قضى القاضي في حادثة باجتهاده ثم ظهر نص بخلافه بخلاف مسألة الغنى لان الغنى والفقير مما لا يمكن الوقوف على حقيقته فانما تحول هناك من اجتهاد إلى اجتهاد وكذلك لو تصدق به على عبد أبيه أو أمه وهو لا يعلم به ثم علم بعده لم يجزه عندهم جميعا وهذا على رواية هذا الكتاب فان التصدق بالزكاة على عبده بمنزلة التصدق على مولاه ولهذا لو تصدق به على عبد غنى وهو يعلم به فانه لا يجزيه ولو تصدق به على حربى دخل الينا بامان أو بغير أمان لم يجزه على رواية هذا الكتاب إذا كان لا يعلم به وفى رواية كتاب الزكاة جعله بمنزلة التصدق به على الذمي فقال يجزيه في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ووجه هذه الرواية ان التصدق على

[ 37 ] الحربى لا يكون قربة الا ترى انه لا يتنفل به وقد نهينا عن مبرة أهل الحرب قال الله تعالى انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين فلا يقع فعله موقع الصدقة بخلاف التصدق به على الذمي فانه يقع موقع الصدقة لانا لم ننه عن المبرة مع من لا يقاتلنا ولهذا جاز التنفل به (قال) ولو دخل مسلم دار الحرب بأمان فمكث فيها سنتين فعليه الزكاة في المال الذى خلف وفيما أفاد في دار الحرب لانه مخاطب بحكم الاسلام حيث ما يكون الا أن ماله الذى خلف في دار الاسلام إذا كان من السوائم فللسلطان حق أخذ الزكاة منه بخلاف ما أفاد في دار الحرب لان فيما أفاد في دار الحرب قد انعدمت الحماية من إمام المسلمين فلا يكون له أن يأخذ الزكاة منها ولكن يعنى من عليه بالاداء إلى فقراء المسلمين الذين يسكنون في دار الاسلام بخلاف ما إذا وجبت عليه الزكاة في دار الاسلام فانه يؤمر بالدفع إلى أهل بلده لان فقراء أهل بلده لهم حق المجاورة مع الحاجة وقد بينا هذا في كتاب الزكاة فأما في دار الحرب قل ما يجد فقراء المسلمين ولو وجدهم فالفقراء الذين يسكنون في دار الاسلام أفضل من الذين يسكنون في دار الحرب وقد بينا أن من في دار الاسلام لو نقل صدقة بلده إلى فقراء بلدة أخرى هم أفضل من فقراء أهل بلدته فذلك أولى به ولو أن رجلا له مائة درهم وسيف فيه فضة مائة درهم ولا مال له غيره فعليه فيه الزكاة لان وجوب الزكاة في الفضة باعتبار العين فحلية السيف وغيرها من ذلك سواء في تكميل النصاب به (قال) ولو كانت له أو ان من الذهب والفضة للاستعمال لا للتجارة فعليه فيها الزكاة بخلاف اللؤلؤ والياقوت والجواهر إذا لم تكن للتجارة فانه لا زكاة فيها لان وجوب الزكاة فيها باعتبار معنى النماء ولا يتحقق ذلك الا بنية التجارة فيها كسائر العروض فأما وجوب الزكاة في الذهب والفضة باعتبار عينها والعين لا تتبدل بالصنعة ولا بالاستعمال ثم لم يبين هنا ولا في كتاب الزكاة انه كيف يؤدى الزكاة من الاواني المصوغة. وقد روى عن محمد رحمه الله تعالى قال إذا كان له اناء مصوغ من الفضة وزنه مائتا درهم فاما أن يتصدق بربع عشره على فقير فيكون شريكا له في ذلك أو يؤدى قيمة ربع عشرة من الذهب فان أدى خمسة دراهم لم يسقط عنه جميع الزكاة وعليه أن يؤدى فضل القيمة وهذا صحيح على أصل محمد وزفر رحمهما الله تعالى في اعتبار القيمة فيما يؤدى مع المجانسة فانه لا ربا في أداء الزكاة فأما على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان أدى خمسة دراهم تسقط عنه

[ 38 ] الزكاة لانه يعتبر الوزن دون الجودة والصنعة فان أدى قيمة خمسة دراهم من الذهب لم يسقط عنه جميع الزكاة لان عند اختلاف الجنس تعتبر القيمة فلا بد من أداء الفضل (قال) رجل له مائتا درهم فقال هي في المساكين صدقة ان كلمت فلانا فكلمه ثم حال عليها الحول فعليه فيها الزكاة لانه وان لزمه التصدق بها بحكم النذر فملكه كامل فيها فان ديون الله تعالى لا تمكن نقصانا في الملك خصوصا ما لا تتوجه المطالبة به بحال فلا يمنع ذلك وجوب الزكاة في ماله بخلاف دين الزكاة فان تصدق بها عما أوجب على نفسه فعليه زكاتها خمسة دراهم لانه صرف حق الفقراء إلى حاجته فان الوفاء بالنذر من جملة حاجته فهو بمنزلة انفاقه المال على نفسه فيكون ضامنا للزكاة وان تصدق بخمسة دراهم منها ينوى عن زكاتها ثم تصدق بما بقى مما أوجب على نفسه فعليه خمسة دراهم يتصدق بها لان التصدق بالخمسة الاولى كان عن الزكاة دون النذر فانه نواها عن الزكاة وللمرء ما نوى ثم تصدق عن نذره بمائة وخمسة وتسعين وانما التزم التصدق بمائتين عن نذره فعليه ان يؤدى خمسة أخرى. وان ضاع المال بعد الحول فلا شئ عليه من الزكاة ولا مما أوجب على نفسه لان كل واحد منهما كان غنيا في هذا المحل فلا يبقى بعد فوات المحل بخلاف ما سبق لان هناك وجد منه تصرف وهو الاداء ولا وجه لتجويز المؤدى عنهما جميعا لان المحل الواحد لا يتسع لذلك فجعلنا المؤدى عما نواه وصار هو في حق الآخر كالمستهلك للمحل وهنا لم يوجد منه تصرف وانما فات المحل لضياع المال ومعنى فوات المحل يتحقق في كل واحد من الحقين فلهذا لا يلزمه شئ آخر (قال) ولو ان أم ولد لرجل لها حلي من ذهب أو فضة فعلى المولى أن يزكى ذلك مع ماله إذا حال الحول لان أم الولد في حكم الملك كالامة القنة فكسبها وما في يدها يكون ملكا للمولى وكذلك كسب العبد الذى لا دين عليه فان كان على العبد دين كثير محيط بما في يده فلا زكاة على سيده فيما في يده اما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى فلان المولى لا يملك ما في يده واما عندهما فلان ما في يده مشغول بحق الغرماء والمال المشغول بالدين لا يكون نصاب الزكاة فان كان في يده أكثر مما عليه فالفضل مملوك للمولى فارغ عن حق الغرماء فيضمه إلى ماله ويزكيه ولكن هذا بعد ما يقضى العبد ديونه لانه لا يسلم للمولى شئ من كسبه قبل قضاء ديونه فإذا قضى ديونه فالآن يسلم الفضل للمولى فيؤدى الزكاة عنه بمنزلة مال له على رجل فقضاه فانه يلزمه أداء الزكاة عنه بعد الاستيفاء

[ 39 ] (قال) والمجنون إذا كان له مال فحال عليه الحول ثم برأ فلا زكاة عليه للحول الماضي سواء كان مجنونا جنونا أصليا أو جنونا طارئا وان أفاق في يوم من الحول في أوله أو في آخره فعليه الزكاة قال وهو بمنزلة رمضان يعنى إذا كان مفيقا في يوم من رمضان في أوله أو في آخره فعليه صوم جميع الشهر ويتبين بما ذكر هنا ان في الصوم لا فرق بين الجنون الاصلى والجنون الطارئ وقد بينا اختلاف الروايات فيه في كتاب الصوم والذي قال هنا في كتاب الزكاة قول محمد رحمه الله تعالى وهو رواية ابن سماعة عن أبى يوسف رحمه الله تعالى وروى هشام عن أبى يوسف ان المعتبر أكثر الحول وقال ان كان مفيقا في أكثر الحول تلزمه الزكاة وان كان مجنونا في أكثر الحول لا تلزمه الزكاة وقاس الاهلية فيمن تجب عليه بالمحلية فيما تجب فيه الزكاة وهى السائمة فان صاحب السائمة إذا كان يعلفها بعض الحول اعتبرنا فيه أكثر الحول فان كانت سائمة في أكثر الحول تجب فيها الزكاة والا فلا وهذا لان الاقل تبع للاكثر وللاكثر حكم الكل الا ترى ان الذمي إذا كان صحيحا في أكثر السنة تلزمه الجزية وان كان مريضا في أكثر السنة لا تلزمه الجزية وجه ظاهر الرواية ان الحول للزكاة كالشهر للصوم ثم لو أدرك جزء من الشهر مفيقا يلزمه صوم جميع الشهر فكذلك إذا أدرك جزء من الحول مفيقا تلزمه الزكاة والدليل عليه المستفاد فان وجود المستفاد في ملكه في جزء من الحول وان قل كوجوده في جميع الحول في حكم الزكاة فكذلك حكم الافاقة (قال) والاجير والمضارب وصاحب البضاعة والمستودع والعبد والمكاتب لا يعتبر أحد من هؤلاء أما الاجير وصاحب البضاعة والمستودع فلانهم أمناء لا حق لهم في المال والعاشر انما يأخذ الزكاة وذلك لا يكون الا بنية صاحب المال وأدائه أو أمره بذلك ولم يوجد وأما المضارب ففي قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الاول يأخذ العاشر منه الزكاة وفى قوله الآخر لا يأخذ نص عليه في الجامع الصغير قال يعقوب ولا أعلمه رجع في العبد وقياس قوله الآخر يوجب ان لا يعتبر العبد أيضا وهنا نص على التسوية بين العبد والمضارب فعرفنا ان الصحيح رجوعه في العبد أيضا وأما المكاتب فلا شك ان العاشر لا يأخذ منه شيئا لانه لا مالك لكسبه فالمكاتب ليس من أهل الملك والمولى لا يملك كسبه ما بقى عقد الكتابة فلا يأخذ منه شيئا سواء كان السيد معه أو لم يكن فأما المتفاوضان والشريكان شركة عنان فعلى كل واحد منهما أن يزكى نصف ما في أيديهما لان ملك كل واحد منهما في

[ 40 ] النصف المشترك كامل وان أخذ العاشر من المضارب شيئا فكذلك لا يجزئ رب المال من زكاته لان العاشر غاصب فيما أخذ منه بغير حق ومن عليه الزكاة إذا غصب بعض ماله لم يجزه ذلك من الزكاة ولا ضمان على المضارب لانه أمين أخذ منه المال بغير اختياره ولكن لا ربح له حتى يستوفي رب المال ماله لان ما أخذه العاشر تاو فكأنه هلك بعض المال من يد المضارب وان كان المضارب هو الذى دفع ذلك إليه كان ضامنا لرب المال ما دفعه إليه لانه خائن في دفع المال إلى غير من أمر بالدفع إليه (قال) ولو أن أحد المتفاوضين أو أحد الشريكين شركة عنان أدى الزكاة عن المال كله بغير اذن الشريك فهو ضامن لنصيب الشريك فيما أدى لان كل واحد منهما نائب عن صاحبه في التجارة واستنماء المال لا في أداء الزكاة فكان متعديا فيما أدى من نصيب الشريك وذلك لا يجزئ من زكاة الشريك لانعدام نيته وأمره فان كان كل واحد منهما فعل ذلك كان كل واحد منهما ضامنا لصاحبه نصيبه فيتعاوضان ويكون كل واحد منهما متطوعا فيم أدى زيادة على ما عليه حتى لا يرجع واحد منهما على الفقير بشئ وان كان واحد منهما أمر صاحبه بأداء الزكاة عن جميع المال فان أدى أحدهما جاز المؤدى عن زكاتهما وان أديا جميعا معا فكل واحد منهما يكون مؤديا زكاة نصيبه ولا رجوع لواحد منهما على صاحبه بشئ سواء أديا من المال المشترك أو أدى كل واحد منهما من خالص ماله فان أدى أحدهما أولا من خالص ملكه لم يرجع على صاحبه بشئ الا أن يكون كل واحد منهما شرط عند الامر أن يرجع عليه بما يؤدى عنه وقد بينا هذا في المأمور إذا لم يكن شريكا فكذلك إذا كان شريكا في المال وان أدى أحدهما من المال المشترك ثم أدى الآخر من المال المشترك أيضا فالثاني ضامن لنصيب صاحبه في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى سواء علم بذلك أو لم يعلم وعندهما لا يكون ضامنا سواء علم بأدائه أو لم يعلم نص عليه في الزيادات وفى كتاب الزكاة فرق بين أن يعلم بأدائه أو لم يعلم وقد بينا المسألة هناك (قال) ولو أن رجلين بينهما عبد قيمته ألف درهم فأعتقه أحدهما وهو معسر فاستسعى الآخر العبد في حصته وأخذها منه بعد حول فلا زكاة عليه في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان من أصله أن المستسعى في بعض قيمته مكاتب وما عليه بمنزلة بدل الكتابة ولا زكاة في بذل الكتابة حتى يحول عليه الحول بعد القبض وأما عندهما المستسعي في بعض قيمته حر عليه دين لان العتق عندهما لا يتجزى فتجب الزكاة فيه قبل القبض

[ 41 ] ويلزمه الاداء إذا قبضة بمنزلة دين له على آخر فان كان المعتق موسرا فضمنه الشريك نصف قيمته وقبضه بعد الحول تلزمه الزكاة عندهم جميعا لانه صار مملكا نصيبه من شريكه باختياره تضمينه فهو بمنزلة ما لو ملك نصيبه بالبيع بالدراهم إذا قبض الثمن بعد الحول تلزمه الزكاة لما مضى (قال) ولو أن رجلا ورث عن أبيه ألف درهم فأخذها بعد سنين فلا زكاة عليه لما مضى في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الآخر وفي قولهما عليه الزكاة لما مضى ففي هذه الرواية جعل الموروث بمنزلة الدين الضعيف مثل الصداق وبدل الخلع وفى ذلك قولان لابي حنيفة رحمه الله تعالى فكذلك في هذا وفي كتاب الزكاة جعل الموروث كالدين المتوسط عند أبى حنيفة رحمه الله وهو ثمن مال البذلة والمهنة فقال إذا قبض نصابا كاملا بعد كمال الحول تلزمه الزكاة لما مضي وجه تلك الرواية ان الوارث يخلف المورث في ملكه وذلك الدين كان مال الزكاة في ملك المورث فكذلك في ملك الوارث ووجه هذه الرواية أن الملك في الميراث يثبت للوارث بغير عوض فيكون هذا بمنزلة ما يملك دينا عوضا عما ليس بمال وهو الصداق فلا يكون نصاب الزكاة حتى يقبض يوضحه ان الميراث صلة شرعية والصداق للمرأة في معنى الصلة أيضا من وجه قال الله تعالى وآتوا النساء صدقاتهن نحلة أي عطية وما يستحق بطريق الصلة لا يتم فيه الملك قبل القبض فلا يكون نصاب الزكاة (قال) ولو باع جارية بألف درهم لغير التجارة فأخذها بعد سنين فعليه الزكاة لما مضى عندهم جميعا وهذا ذكره في كتاب الزكاة وذكر ابن سماعة ان على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا تلزمه الزكاة حتى يحول عليه الحول بعد القبض قال الكرخي وهو الصحيح وقد بينا وجه الروايتين في كتاب الزكاة ثم على هذه الرواية ما لم يقبض مائتين لا تلزمه الزكاة في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى بخلاف الدين الذى هو عوض عن مال التجارة فانه إذا قبض منه أربعين درهما تلزمه الزكاة لان أصل ذلك المال كان نصاب الزكاة فعوضه يكون بناء في حكم الزكاة ونصاب البناء يتقدر بأربعين درهما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وهنا أصل هذا المال لم يكن مال الزكاة فكان ثمنه في حكم الزكاة أصلا مبتدأ ونصاب الابتداء يتقدر بمائتين فلا يلزمه أداء الزكاة ما لم يقبض مائتين وعندهما إذا قبض شئا قليلا أو كثيرا تلزمه الزكاة بقدر ما قبض في الديون كلها وقد بينا هذا في كتاب الزكاة (قال) ولو ان رجلا أوصى لرجل بوصية ألف درهم فمكمث سنين ثم بلغه فقبل الوصية ثم أخذها فلا زكاة عليه لما مضى لان

[ 42 ] الموصى به لا يدخل في ملك الموصى له قبل قبوله فلا يكون نصاب الزكاة في حقه وعلى قياس قول زفر رحمه الله تعالى ينبغي ان تلزمه الزكاة لما مضى لان عنده الموصي به يدخل في ملك الموصى له قبل قبوله بمنزلة الميراث فان قبلها ثم حال الحول قبل ان يقبضها فلا زكاة عليه في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعليه الزكاة لما مضي في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وهذا لان الموصى به انما يملكه الموصى له بطريق الصلة فلا يتم ملكه فيه الا بالقبض في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ومن أصحابنا من قال مسألة الوصية بعد قبول الموصى له نظير مسألة الميراث وفيها رواية عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى كما بينا في الميراث ولا صح ان في مسألة الوصية الرواية واحدة انه لا تجب عليه الزكاة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى الآخر بخلاف الميراث على رواية كتاب الزكاة لان ملك الموصي له بناء على ملك الموصى حتى لا يرد بالعيب ولا يصير مغرورا فيما اشتراه الموصى فاما ملك الوارث ينبني على ملك المورث فلهذا اعتبر هناك ملك المورث وجعله نصاب الزكاة قبل القبض واعتبر هاهنا ملك الموصى له ابتداء فلم يجعله نصاب الزكاة ما لم يتم ملكه بالقبض (قال) ولو أن رجلا له ألف درهم وخاتم فضة في أصبعه فيه درهم فحال الحول على المال غير شهر ثم ضاع المال وبقى الخاتم ثم استفاد ألفا وتم الحول فعليه ان يزكى المال لان فضة الخاتم كانت مضمومة إلى الالف في حكم النصاب فيبقى الحول ببقائها وان ضاع الالف على ما بينا أن بقاء جزء من النصاب يكفي لبقاء الحول فانما استفاد الالف والحول باق فتلزمه الزكاة إذا تم الحول لوجود كمال النصاب في طرفي الحول مع بقاء شئ منه في خلال الحول ولو لم يكن له خاتم والمسألة بحالها فانه يستقبل الحول على المستفاد منذ ملكه لانه هلك جميع النصاب حين ضاع المال الاول فلم يبق الحول الاول منعقدا لان البقاء يستدعي جزء من النصاب فان وجد درهما من الدراهم الاول قبل الحول بيوم ضمه إلى ما عنده فيزكى الكل وكذلك ان وجد البقية بعد ما زكى فعليه أن يزكى كلها وان لم يكن له خاتم لان بالضياع لا ينعدم أصل الملك وانما تنعدم يده وتمكنه من التصرف فيه فإذا ارتفع ذلك قبل كمال الحول بأن وجد كله أو بعضه صار الضياع كأن لم يكن فكأنه كان في يده حتى وجد الالف الاخرى وتم الحول فتلزمه الزكاة عن الكل وهو نظير ما لو وجب عليه دين مستغرق في خلال الحول ثم سقط الدين قبل تمام الحول فانه يلزمه أداء الزكاة إذا تم الحول وان كان انما وجد ما ضاع بعد الحول

[ 43 ] فلا زكاة عليه فيها حتى يكمل الحول فيه منذ استفاد المال لانه لما تم الحول والمال الاول تاو لم يجب عليه شئ باعتباره وانما انعقد الحول على ماله من حين استفاد وان كانت ضاعت الالف الاولى بعد الحول وبقى الخاتم فعليه الزكاة في الخاتم بقدر حصته لانه كان مضموما إلى ماله ووجبت الزكاة فيه ولما تم الحول ثم هلك بعض ماله بعد وجوب الزكاة وبقى البعض فعليه أن يؤدى من الباقي حصته (قال) فان مر على العاشر بمائتي درهم غير درهم وفي يده خاتم فضة فيه درهم فان العاشر يأخذ منه الزكاة لان المعتبر كمال النصاب فيما يمر به على العاشر وقد وجد فان الخاتم من نصابه وان لم يكن في يده خاتم فلا زكاة عليه ولا يأخذ منه العاشر شيئا وان أخبره بمال آخر له في بيته لانه انما يعتبر كمال النصاب في المال الممرور به عليه ولم يوجد وهذا لان ثبوت حق الاخذ للعاشر باعتبار حاجة صاحب المال إلى الحماية وذلك في المال الممرور به عليه دون الذى خلفه في بيته فإذا كان الممرور به عليه نصابا كاملا يأخذ منه الزكاة والا لم يأخذ منه شيئا قال ولو أن رجلا وهب لرجل ألف درهم فحال عليها الحول ثم رجع فيها الواهب بقضاء أو بغير قضاء فلا زكاة فيها على الواهب لانها لم تكن في ملكه ولا على الموهوب له لان مال الزكاة استحق من يده بعد كمال الحول بعينه ويستوى فيه الرجوع بقضاء أو بغير قضاء لان حق الواهب في الرجوع مقصور على العين فيستوى فيه القضاء وغير القضاء بمنزلة الاخذ بالشفعة وان لم يحل عليها الحول عند الموهوب له حتى استفاد ألف درهم ثم رجع فيها الواهب بقضاء أو بغير قضاء فلا زكاة عليه فيها لما قلنا ويزكي الموهوب له المال المستفاد إذا تم الحول (قال) في الكتاب إذا مضى تمام حول منذ ملكها فمن أصحابنا من يقول إن بالرجوع في الهبة يبطل ملك الموهوب له من الاصل فيقطع حكم ذلك الحول ويعبر مضى حول على المستفاد من حين ملكه (قال) الشيخ الامام شمس الائمة رحمه الله تعالى والاصح عند أنه إذا تم الحول من حين ملك الموهوب فعليه زكاة المستفاد لان الحول كان انعقد من حين ملك الموهوب فحين استفاد ألفا كانت هذه الالف مضمومة إلى أصل النصاب في حكم الحول ثم لما رجع الواهب في الموهوب صار كأن ذلك القدر هلك من ماله فيبقى الحول ببقاء المستفاد ويلزمه أداء الزكاة عند تمام الحول عما هو باق وهذا لان الرجوع في الهبة ينهي ملك الموهوب له فالملك ثبت له في الهبة إلى ان يرجع الواهب فيه ولهذا لو كان الموهوب جارية

[ 44 ] فوطئها ثم رجع فيها الواهب فليس على الموهوب له عقرها ولو ولدت ولدا ثم رجع فيها الواهب بقى الولد سالما للموهوب له فعرفنا ان الرجوع في الهبة في حق الموهوب له بمنزلة الهلاك (قال) رجل له أرض أجرها ثلاث سنين كل سنة بثلثمائة درهم ولم يأخذ الاجرة حتى مضت المدة ثم أخذها جملة واحدة فنقول إذا مضى ثمانية أشهر من وقت العقد انعقد الحول على ماله لان الاجرة لا تملك بنفس العقد وانما تملك بالتعجيل أو باستيفاء المنفعة ولم يوجد التعجيل هنا فانما يملك بحسب ما يستوفي من المنفعة شيئا فشيئا فإذا مضت ثمانية أشهر فقد ملك مائتي درهم ولا ينعقد الحول على ماله الا بعد كمال النصاب فإذا مضى بعد ذلك اثنى عشر شهرا وجب عليه زكاة خمسمائة درهم لانه ملك في هذه المدة من الاجرة ثلمثائة أخرى وذلك مستفاد في خلال الحول فانما تم الحول وفى ملكه خمسمائة فلهذا يلزمه زكاة خمسمائة ثم إذا مضت سنة بعد ذلك فعليه زكاة ثمانمائة الا مقدار ما وجب عليه من زكاة الخمسمائة لانه قد ملك بمضي الحول الثاني ثلثمائه أخرى فتم الحول الثاني وماله ثمانمائة الا ان ما وجب عليه من زكاة الخمسمائة دين فلا يعتبر ذلك القدر من ماله في الحول الثاني وذلك الكسور في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وفى قولهما تعتبر الكسور وهذا على الرواية التي يوجب فيها الزكاة في الاجرة قبل القبض وهو رواية هذا الكتاب والجامع والامالي وذكر أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى ان الاجرة بمنزلة الصداق لا تجب فيها الزكاة حتى بحول الحول عليها بعد القبض لان المنفعة ليست بمال ولكن الرواية الاولى أصح لان المنفعة تأخذ حكم المالية بالعقد ولهذا لا يثبت الحيوان دينا في الذمة بمقابلتها ثم على هذه الرواية في وجوب أداء الزكاة عند القبض روايتان عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في احدى الروايتين ما لم يقبض مائتين لا يلزمه أداء الزكاة لان المنافع وان أخذت حكم المالية بالعقد فانها لا تكون نصاب الزكاة بحال فكانت الاجرة بمنزلة ثمن مال البذلة والمهنة فلا يلزمه أداء الزكاة ما لم يقبض مائتين وفى الرواية الاخرى قال إذا قبض منها أربعين درهما فعليه أداء الزكاة لان المنفعة في حكم التجارة بمنزلة العين فكانت الاجرة بمنزلة دين هو ثمن مال التجارة فإذا قبض منها أربعين درهما يلزمه أداء درهم فان كان أجرها كل سنة بمائتي درهم لم ينعقد الحول ما لم يمض كمال السنة لانه انما ملك مائتي درهم عند مضى سنة فإذا مضت سنة أخرى زكى اربعمائة درهم لان بمضي السنة الثانية ملك مائتي

[ 45 ] درهم أخرى من الاجر فانما تمت السنة وفي ملكه اربعمائة درهم ثم إذا مضت سنة أخرى فعليه زكاة ستمائة لانه تم الحول وفى ملكه ستمائة الا أنه يطرح ما وجب عليه من الزكاة للسنة الماضية وهو عشرة دراهم والكسور في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى أيضا فانما يزكى عنده للسنة الثانية خمسمائة وستين درهما (قال) رجل له على رجل ألف درهم ضمنها رجل بغير أمره فحال الحول على ماله ثم أبرأ منه الاصيل فلا زكاة على الذى كان له المال ولا على الضامن وان كان له ألف درهم أما الذى له أصل المال فقد بينا أنه بعد الابراء لا يكون ضامنا للزكاة على رواية هذا الكتاب سواء كان المديون غنيا أو فقيرا وأما على الضامن فلان المال قد وجب دينا في ذمته بالضمان ولم يكن له حق الرجوع على الاصيل عند الاداء لانه ضمن بغير أمره فكان عليه الدين بقدر ماله في جميع الحول ومال المديون لا يكون نصاب الزكاة فلهذا لا تلزمه الزكاة وان سقط عنه الدين بالابراء بعد كمال الحول والله أعلم (باب زكاة الارضين والغنم والابل) (قال) رحمه الله تعالى رجل له أرض عشرية فمنحها لمسلم فزرعها فالعشر على المستعير لان العشر يجب في الخارج والخارج سلم للمستعير بغير عوض التزمه فيكون هذا والخارج من ملكه في حقه سواء. وروى ابن المبارك عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان العشر على المعير لانه مؤنة الارض النامية فيجب على مالك الارض كالخراج الا انه فرق ما بين العشر والخراج انه يعتبر في العشر حصول النماء حقيقة وقد وجد ذلك الا ان المعير آثر المستعير على نفسه في تحصيل النماء فيكون مستهلكا محل حق الفقراء بمنزلة ما لو زرع الارض لنفسه ثم وهب الخارج من غيره (قال) ولو منحها لرجل كافر فعشرها على رب الارض وهذا يؤيد رواية ابن المبارك والفرق بين الفصلين في ظاهر الرواية ان هنا منحها من لا عشر عليه لان في العشر معنى الصدقة والكافر ليس من أهلها فيصير به مستهلكا محل حق الفقراء وفى الاول انما محنها لمسلم وهو من أهل ان يلزمه العشر فلا يصير مستهلكا بل يكون محولا حقهم من نفسه إلى غيره (قال) ولو غصبها مسلم فزرعها فان كان الزرع نقصها فالعشر على ربها لان الغاصب ضامن لنقصان الارض وذلك بمنزلة الاجرة يسلم لرب الارض فيلزمه العشر في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وفى قولهما العشر في الخارج بمنزلة مالو أجرها من

[ 46 ] مسلم وان لم ينقصها الزرع فلا عشر على ربها لانه لم يكن متمكنا من الانتفاع بها ولا كان مسلطا للزارع على زراعتها ولكن العشر في الخارج على الغاصب لان منفعة الارض سلمت له بغير عوض وان غصبها منه كافر فان نقصها الزراعة فالعشر على ربها لانه قد سلم له عوض منفعة الارض فهو بمنزلة ما لو أجرها وان لم ينقصها فلا عشر فيها لان من سلمت له المنفعة ليس من أهل ان يلزمه العشر والمالك لم يكن متمكنا من الانتفاع بها وروى جرير بن إسماعيل عن محمد رحمهما الله تعالى ان على الغاصب عشرها لان المنفعة سلمت له على الوجه الذى يسلم ان لو كان مالكا للارض وهذا صحيح على أصل محمد رحمه الله تعالى فان عنده الكافر إذا اشترى أرضا عشرية من مسلم فعليه عشرها كما كان وان اختلفت الرواية عنه في مصرف العشر المأخوذ من الكافر وقد بينا ذلك في السير والزكاة (قال) ولو أعار المسلم أرضه الخراجية فالخراج عليه سواء كان المستعير مسلما أو كافر الآن وجوب الخراج باعتبار التمكن من الانتفاع بالارض وقد كان المعير متمكنا من ذلك ثم الخراج مؤنة الارض النامية ومؤنة الملك تجب على المالك الا ان في العشر محل هذه المؤنة الخارج فأمكن ايجابها فيه فان كان المستعير مسلما أو جبنا الخراج في الخارج ومحل الخراج ذمة المالك فسواء كان المستعير مسلما أو كافرا كان الخراج على المالك في ذمته فان غصبها مسلم أو كافر فعلى الغاصب نقصان الارض والخراج على ربها ويستوى ان قل النقصان أو كثر في قول أبى حنيفة بمنزلة ما لو أخرجها بعوض قليل أو كثير وعلى قول محمد رحمه الله تعالى ان كان النقصان مثل الخراج أو أكثر فالخراج على ربها وان كان النقصان أقل فعلى الغاصب ان يؤدى الخراج وليس عليه ضمان النقصان استحسن ذلك لدفع الضرر عن صاحب الارض وان لم تنقصها الزراعة شيئا فالخراج على الغاصب دون المالك لان الغاصب هو المتمكن من الانتفاع بها بغير عوض دون المالك (قال) ولو ان صاحب الارض الخراجية زرعها ولم تخرج شيئا أو أصاب الزرع آفة فلا خراج فيها بخلاف ما إذا لم يزرعها لانه إذا عطلها فقد تمكن من الانتفاع بها وإذا زرعها فلم تخرج شيئا أو أصاب الزرع آفة فقد انعدم تمكنه من الانتفاع بها وهو مصاب في هذه الحالة يعان ولا يغرم شيئا كيلا يؤدى إلى استئصالها ومما حمد من سير الاكاسرة انه إذا أصاب زرع بعض الرعية آفة غرموا له ما انفق في الزراعة من بيت مالهم وقالوا التاجر شريك في الخسران كما هو شريك في الربح فان لم يعطه

[ 47 ] الامام شيئا فلا أقل من ان لا يغرمه الخراج فان لم يزرعها ولكنها غرقت ثم نضب الماء عنها في وقت لا يقدر على زراعتها قبل مضى السنة فلا خراج عليه لانه لم يتمكن من الانتفاع بها ولو نضب الماء عنها في وقت يقدر على زراعتها قبل مضى السنة فعليه الخراج زرعها أو لم يزرعها لانه تمكن من الانتفاع بها (قال) ولو ان رجلا اشترى أرضا عشرية أو خراجية للتجارة فلا زكاة فيها وان حال الحول عليها ولكن فيها العشر أو الخراج لان وجوب العشر أو الخراج باعتبار نماء الارض وكذلك وجوب الزكاة باعتبار معنى النماء وكل واحد من الحقين يجب لله تعالى فلا يجوز الجمع بينهما بسبب أرض واحدة ولما تعذر الجمع بينهما رجحنا ما تقرر فيها وهو العشر أو الخراج فقد صار ذلك وظيفة لازمة لهذه الارض فلا يتغير ذلك بنيته ولان العشر والخراج أسرع وجوبا من الزكاة فانه لا يعتبر فيهما كمال النصاب ولا صفة الغنى في المالك وبه فارق ما لو اشترى دارا للتجارة فانه ليس في رقبة الدار وظيفة أخرى فتعمل نية التجارة فيها حتى تلزمه الزكاة وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى أن الارض إذا كانت عشرية فاشتراها للتجارة فعليه فيها الزكاة لان العشر انما يجب في الخارج والزكاة انما تجب باعتبار مالية الارض في ذمة المالك فقد اختلف محل الحقين فيجمع بينهما بخلاف الخراج فانه يجب في ذمة المالك كالزكاة ولكن هذا ضعيف وقد صح من أصل علمائنا أنه لا يجمع بين العشر والخراج والعشر يجب في الخارج والخراج يجب في ذمة المالك ثم لم يجز الجمع بينهما (قال) ولو أن كافرا اشترى أرضا عشرية فعليه فيها الخراج في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولكن هذا بعد ما انقطع حق المسلم عنها من كل وجه حتى لو استحقها مسلم أو أخذها بالشفعة كانت عشرية على حالها سواء وضع عليها الخراج أو لم يوضع لانه لم ينقطع حق المسلم عنها فلو وجد المشترى بها عيبا لم يستطع أن يرده بعد ما وضع عليها الخراج لان الخراج عيب وهذا عيب حدث في ملك المشترى فيمنعه من الرد بالعيب ألا ترى أن مسلما لو اشترى أرضا خراجية بشرط أن خراجها درهم فوجده درهمين كان له أن يردها فان كان زيادة الخراج عيبا فكذلك أصل الخراج فإذا تعذر ردها بالعيب رجع بحصة العيب من الثمن فان لم يكن وضع عليها الخراج حتى وجد بها عيبا فله أن يرد الارض لانها انما بيعت بوضع الخراج عليها وانما ذكر هذا التفضيل هنا ومراده من وضع الخراج عليها مطالبة صاحبها بأداء الخراج (قال) ولو

[ 48 ] ان تغلبيا اشترى ارضا من أرض العشر فعليه العشر مضاعفا وهذا قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى أما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى فلان الصلح وقع بيننا وبينهم على أن يضعف عليهم ما يؤخذ من المسلم والعشر يؤخذ من المسلم فيضعف عليهم وأما عند أبى يوسف رحمه الله تعالى فلان كافرا آخر لو اشترى أرضا عشرية كان العشر عليه مضاعفا عنده فالتغلبي أولى وأما عند محمد رحمه الله تعالى عليه عشر واحد لان تضعيف العشر في الاراضي الاصلية لهم وهي التى وقع عليها الصلح فأما فيما سوى ذلك من الارضين التغلبي كغيره من الكفار وما صار وظيفة في الارض لا يتبدل بتبدل المالك عند محمد رحمه الله تعالى قال ألا ترى أنه لو اشترى أرضا خراجية كان عليه الخراج على حاله ولو اشترى أرضا من أرض نجران كان عليه المال على حاله ولكنا نقول انما وقع الصلح بيننا وبينهم على أن يضعف عليهم ما يبذله المسلم والخراج مما لا يبذله المسلم فلا يضعف عليهم وأما العشر مما يبذله المسلم فيضعف عليهم باعتبار الصلح كما لو اشترى سائمة من مسلم يجب عليه الصدقة فيها مضعفة ولو ان رجلا اشترى أرضا خراجية فان كان العقد في وقت يتمكن فيه من زراعتها قبل مضى السنة فالخراج على المشترى لانه تمكن من الانتفاع بها بعد ما تملكها وان كان لا يقدر على زراعتها حتى تمضي السنة فالخراج على البائع لانه هو المتمكن من الانتفاع بها في السنة قبل ان يبيعها وقد بينا ان وجوب الخراج باعتبار التمكن من الانتفاع (قال) وان باع أرضا عشرية بما فيها من الزرع فان كان الزرع قد بلغ فالعشر على البائع لان بادراك الزرع وجب عليه العشر فيها ثم باخراجها من ملكه صار مستهلكا محل حق الفقراء فيكون ضامنا للعشر وان لم يبلغ الزرع فالعشر على المشترى في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى عشر الزرع على البائع وفضل ما بينهما على المشترى لان من أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان العشر يجب في القصيل إذا قصله صاحبه وإذا لم يقصله حتى انعقد الحب فانما يجب العشر في الحب دون القصيل وقد انعقد الحب في ملك المشترى فكان العشر عليه وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول هو عند اتحاد المالك كذلك فاما إذا كان الزرع في ملك انسان وانعقاد الحب في ملك غيره فلابد من اعتبار الحالين لان وجوب العشر في النماء الحاصل وأصل الزرع انما حصل للبائع بغير عوض فاما المشترى انما حصل له ذلك بعوض وهو الثمن فلا يمكن ايجاب العشر في ذلك القدر على المشترى فاوجبناه على البائع

[ 49 ] وما حصل من الفضل بعد الشراء فهو انما يسلم للمشترى بغير عوض فعليه عشر ذلك الفضل فان كان من جملة الخضراوات ولكن ليس له ثمرة باقية يجب يجب فيه العشر عندهما (قال) ولو ان أرضا غصبها رجل فزرعها فالزرع له ويتصدق بالفضل على ما أنفق فيها في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولا يتصدق في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى بشئ وقد بينا هذا في كتاب الغصب فيما إذا تصرف الغاصب في المغصوب أو تصرف المودع وربح (قال) فان كان أجرها بمال كثير يجب في مثله الزكاة فحال عليها الحول فعليه أن يتصدق بها ولا زكاة عليه لانه قد لزمه التصدق بجميعها قبل حولان الحول فلا يلزمه شئ آخر باعتبار مضى الحول وهذا بخلاف ما تقدم وهو ما إذا نذر أن يتصدق بمائتي درهم عينها فحال عليها الحول تجب فيها الزكاة لان المال هناك كان ملكا طيبا له وانما التزم التصدق بها بنذره والالتزام بالنذر يكون في الذمة ولهذا كان له أن يتصدق بغيرها ويمسكها فلهذا لزمته الزكاة فيها وأما هنا انما لزمه التصدق في عين هذا المال حيث تمكن منه حتى لا يكون له أن يتصدق بغيره ويمسكه فلهذا لا يلزمه شئ آخر فان حال عليه الحول رجع أبو يوسف رحمه الله تعالى عن هذا فقال عليه الزكاة فيها والفضل يتصدق به لان ملكه فيها كامل فتلزمه الزكاة باعتبار الحول ولكن هذا ضعيف فان وجوب الزكاة في المال بمعنى التطهير. قال الله تعالى تطهرهم وتزكيهم بها وهذا لا يحصل بايجاب الزكاة في هذا المال لانه لا يزول الخبث بآداء الزكاة ولكن يلزمه التصدق بالفضل فلا معنى لايجاب الزكاة فيها فقلنا يتصدق بجميعها بعد الحول كما كان يتصدق قبل الحول (قال) ولو أن مسلما باع أرضه العشرية بما فيها من زرع لم يدرك من كافر فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى يوضع فيها الخراج لان الحب انعقد في ملك المشترى فكأنه هو الذى زرعها بعد الشراء فعليه الخراج. وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى على البائع عشر الزرع ويوضع الخراج علي الكافر أما قوله على البائع عشر الزرع صحيح على قياس مذهبه فيما إذا باعها من مسلم وأما قوله ويوضع الخراج على الكافر فهو غلط لان من أصل أبى يوسف رحمه الله تعالى ان الكافر إذا اشترى أرضا عشرية فعليه فيها عشران ولا يوضع الخراج عليه فهنا أيضا على قوله يجب في الفضل عشران على المشترى لان المشترى لو كان مسلما كان عليه عشر الفضل فإذا كان كافرا كان عليه في الفضل عشران (قال) وان أجرها مسلم من مسلم فلم يزرعها فلا عشر فيها لان محل العشر الخارج ولم يحصل ولو عطلها

[ 50 ] المالك لم يجب عشرها على أحد فكذلك إذا عطلها المستأجر ولكن على المستأجر الاجر ان كان قد قبضها لانه كان متمكنا من الانتفاع بها في المدة وبالتمكن من الانتفاع يتقرر الاجر عليه (قال) ولو ان أرضا من أرض الخراج مات ربها قبل ان يؤخذ منه الخراج فانه لا يؤخذ من ورثته لان الخراج في معنى الصلة فيسقط بالموت قبل الاستيفاء ولا يتحول إلى التركة كالزكاة ثم خراج الارض معتبر بخراج الرأس ففي كل واحد منهما معني الصغار وكما ان خراج الرأس يسقط بموت من عليه قبل الاستيفاء فكذلك خراج الارض ولا يمكن استيفاؤه من الورثة باعتبار ملكهم لانهم لم يتمكنوا من الانتفاع بها في السنة الماضية (قال) ولو مات رب الارض العشرية وفيها زرع فانه يؤخذ منه العشر على حاله وفى رواية ابن المبارك عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه سوى بين العشر والخراج وقال يسقط بموت رب الارض فاما في ظاهر الرواية الزرع كما حصل صار مشتركا بين الفقراء ورب الارض عشره حق الفقراء وتسعة اعشاره حق رب الارض ولهذا لا يعتبر في ايجاب العشر المالك حتى يجب في أرض المكاتب والعبد والمديون والصبى والمجنون فبموت أحد الشريكين لا يبطل حق الآخر ولكن يبقى ببقاء محله فاما الخراج محله الذمة وبموته خرجت ذمته من ان تكون صالحة لالتزام الحقوق والمال لا يقوم مقام الذمة فيما طريقه طريق الصلة وقد بينا في كتاب الزكاة وجوب الخراج في أرض الصبى والمجنون لانه مؤنة الارض النامية ومال الصبى محتمل للمؤنات بمنزلة النفقات (قال) ولو ان رجلا عجل خراج أرضه ألف درهم فذلك يجزيه لان سبب وجوب الخراج ملك الارض المنتفع بها وذلك موجود والتعجيل بعد تمام السبب جائز لسنة ولسنتين الا ترى انه لو عجل صدقة الفطر لسنتين كان جائزا فكذلك إذا عجل الزكاة عن النصاب لسنتين كان جائزا فاما إذا عجل عشر أرضه قبل ان يزرعها لم يجزه لان العشر وان كان مؤنة الارض النامية فانه لا يجب الا باعتبار حصول الخارج فلا يتم السبب قبل الزراعة وقبل تمام السبب لا يجوز التعجيل كما لو عجل الزكاة عن الابل والغنم قبل ان يجعلها سائمة وبعد ما زرعها جاز تعجيل العشر سواء استحصد أو لم يستحصد لان سبب الوجوب قد تم ولم يبق إلى وجوب العشر الا مجرد مضى الزمان فهو كتعجيل الزكاة بعد كمال النصاب قبل الحول. فان عجل عشر نخله قال هنا يجزيه وهو قول أبي يوسف فاما على قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ان حصل الطلع جاز التعجيل والا لم يجز لان ملك النخل

[ 51 ] كملك الارض على معنى ان العشر لا يجب فيه وانما يجب في الخارج منه فكما لا يجوز تعجيل العشر باعتبار ملك الارض قبل الزراعة فكذلك لا يجوز تعجيل عشر النخل قبل ان يخرج الطلع بخلاف ما إذا عجل عشر الزرع قبل ان ينعقد الحب لان القصيل محل لوجوب العشر فيه بدليل انه لو قصله كما هو يلزمه أداء العشر منه فلهذا جاز التعجيل باعتباره وأما النخل ليس بمحل للعشر فانه لو قطعه كان حطبا لا شئ فيه فلا يجوز فيه تعجيل العشر باعتباره وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول لم يبق بينه وبين وجوب العشر الا مجرد مضى الزمان فيجوز التعجيل كما يجوز التعجيل عن الزرع قبل ان ينعقد الحب وعن النصاب قبل ان يحول الحول (قال) ولو كان في الارض الخراجية أرض نخل أو مشجرة فلا خراج فيها لكن يوضع عليها بقدر ما تطيق ومعنى هذا انه ليس فيها خراج الكرم ولا خراج الرطبة ولا خراج الزرع لانها ليست بمنزلة هذه الاراضي في الانتفاع ولكن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فيما وظف من الخراج اعتبر الطاقة حيث قال للذين مسحا الاراضي لعلكما حملتما الاراضي مالا تطيق فقالا بل حملناها ما تطيق فعرفنا أن المعتبر هو الطاقة ففى المشجرة وأرض النخل تعتبر الطاقة أيضا وذلك أن ينظر إلى غلته فان كانت مثل غلة الرطبة فخراجها مثل خراج ارض الرطبة وان كانت مثل غلة الكرم فخراجها كذلك (قال) فان عجل خراج أرضه ثم غرقت تلك السنة كلها فانه يرد عليه ما أدى من خراجها لانه لم يكن متمكنا من الانتفاع بها فلا يلزمه خراجها ويد الامام في الخراج المعجل نائبة عن يد صاحب الارض وقد بينا نظير هذا في زكاة السائمة إذا عجلها فدفعها إلى الساعي ثم هلكت السائمة والمعجل قائم في يد الساعي فانه يرد عليه فكذلك في الخراج (قال) فان زرعها في السنة الثانية فانه يحسب له ما أدى من خراجها في هذه السنة ان لم يرد عليه لان يده نائبة في ذلك المال كيده ولا فائدة في الرد عليه ثم الاستيفاء منه. فان قيل أليس انكم قلتم في الزكاة إذا عجلها ولم تجب عليه الزكاة في ذلك الحول فان المعجل لا يجزئ عما يلزمه في حول آخر. قلنا ذلك فيما إذا دفعها إلى الفقير فتتم الصدقة تطوعا عند مضى الحول وهنا لا يتم المؤدى خراجا في الحول الاول ولكن له حق الاسترداد فيحسب اذلك له من خراجه في الحول الثاني (قال) فان أجر أرضه سنين فغرقت سنة فلم يفسخ القاضى الاجارة فلا أجر عليه حتى ينضب الماء عنها ولا خراج على ربها في السنة التي غرقت فيها لان وجوب كل واحد منهما باعتبار

[ 52 ] التمكن من الانتفاع وقد انعدم الا أن فرق ما بينهما ان الاجر يجب للمدة التي مضت قبل ان تغرق والخراج لا يجب لان الاجر عوض يجب شيئا فشيئا بحسب ما يستوفى من المنفعة فاما الخراج انما يجب جملة واحدة باعتبار التمكن من الانتفاع ولم يوجد ذلك حين غرقت الارض وتكون الاجارة على حالها لان تعذر الانتفاع بالارض مع بقائها بعارض على شرف الزوال فتبقى الاجارة ما لم يفسخ القاضي العقد فان فسخ القاضى العقد في تلك الحالة فانها لا تعود الاجارة مستقبلة لانه قضى بفسخ العقد والسبب الموجب له قائم وهو بمنزلة العبد المستأجر إذا أبق فان لم يفسخ القاضى العقد حتى عاد كانت الاجارة باقية وان فسخ القاضى العقد بينهما لم تعد الاجارة بعد ذلك وان عاد من إباقه (قال) ولو أن صبيا أدى أبوه عشر أرضه أو خراجها أو أدى ذلك وصيه فهما ضامنان وانما أراد ما إذا أديا العشر إلى الفقراء أو الخراج إلى المقاتلة لان حق الاخذ فيهما للسلطان فلا يسقط عن الصبى بادائها إلى الفقراء أو المقاتلة فاما إذا أديا إلى السلطان فلا ضمان عليهما وكيف يضمنا والسلطان يطالبهما بذلك ويجبرهما على الاداء ثم بين مصارف الصدقات والعشر والخراج والخمس والجزية وما يؤخذ من أهل نجران ومن بنى تغلب وقد بينا جميع ذلك في كتاب الزكاة (قال) فان اشترى بمال الخراج غنما سائمة للتجارة وحال عليها الحول فعليه فيها الزكاة وهذا بخلاف ما إذا اجتعمت الغنم المأخوذة في الزكاة في يد الامام وهي سائمة فحال عليها الحول لان هناك لا فائدة في ايجاب الزكاة فان مصرف الواجب والموجب فيه واحد وهنا في ايجاب الزكاة فائدة فان مصرف الموجب فيه المقاتلة ومصرف الواجب الفقراء فكان الايجاب مفيدا فلهذا تجب الزكاة (قال) الشيخ الامام الاجل رحمه الله تعالى وفى هذا الفصل نظر فان الزكاة لا تجب الا باعتبار الملك والمالك ولهذا لا تجب في سوائم الوقف ولا في سوائم المكاتب ويعتبر في ايجابها صفة الغنى للمالك وذلك لا يوجد هنا إذا اشتراها الامام بمال الخراج للمقاتلة فلا تجب فيها الزكاة الا أن يكون مراده أنه اشتراها لنفسه فحينئذ تجب عليه الزكاة باعتبار وجود المالك وصفة الغنى له (قال) وان كان للرجل خمسة وعشرون بعيرا حال عليها الحول ثم استفاد عشرة أبعرة فضمها معها ثم ضاع منها عشر من الابل لا يعلم من أيها هي فعليه ثلاث من الغنم فيها والقياس في ذلك أن يكون عليه خمسة أسباع بنت مخاض وجه القياس أن الجملة كانت خمسة وثلاثين فحين ضاع منها عشرة يجعل ما ضاع مما فيه الزكاة ومما

[ 53 ] لا زكاة فيه بالحصة فيكون خمسة أسباع ما ضاع من مال الزكاة وسبعاه مما لا زكاة فيه وخمسة أسباع العشرة سبعة وسبع وقد كان وجب عليه بنت مخاض في خمسة وعشرين ضاع منها سبعة وسبع وبقى منها سبعة عشر وستة أسباع خمسة وعشرين فان كل سبع من خمسة وعشرين ثلاثة وأربعة أسباع فإذا اجتمعت خمس مرات ثلاثة وأربعة أسباع يكون سبعة عشر وستة أسباع فلهذا كان الواجب فيه خمسة أسباع بنت مخاض ولكنه استحسن فقال الشرع أوجب الغنم عند قلة الابل وان لم يكن بينهما مجانسة لدفع الضرر عن صاحب المال بايجاب الشقص عليه كما يدفع الضرر عنه في الابتداء فيجعل الهلاك من مال الزكاة كان لم يكن فكأن في ملكه سبعة عشر بعيرا وستة أسباع فعليه فيها ثلاثة من الغنم ولكن وجه القياس أقوى لان معنى دفع الضرر معتبر في الابتداء فأما في حالة البقاء لا يعتبر ولكن يبقى من الواجب بقدر ما بقى من المال ألا ترى أنه لا يعتبر النصاب في البقاء بخلاف الابتداء وقد كان الواجب عند تمام الحول بنت مخاض فلا معنى للتحويل إلى الغنم عند هلاك بعض المال فعرفنا أن وجه القياس أقوى فلهذا فرع على وجه القياس فقال ان عرف خمسة من الابل فعليه فيها خمس بنت مخاض وفى الباقية أربعة أخماس ثلثي بنت مخاض أما وجوب خمس بنت مخاض في الخمسة ظاهر لانه قد وجب بنت المخاض في خمسة وعشرين فيكون في خمسة خمسها ثم بقى من مال الزكاة عشرون وما لا زكاة فيه عشرة والهالك عشرة فثلث الهالك مما لا زكاة فيه وثلثاه مما فيه الزكاة وهو ستة وثلثان فإذا نقصنا ذلك من العشرين بقى ثلثة عشر وثلث وقد كان عليه ثلثا بنت مخاض في ستة عشر وثلثان لانها ثلثي خمسة وعشرين وثلاثة عشر وثلث يكون أربعة أخماسه فان كل خمس يكون ثلاثة وثلث فلهذا قال في الباقية أربعة أخماس ثلثى بنت مخاض ولو كان له خمسة وعشرون بعيرا فخلطها بمثلها بعد الحول بيوم ثم ضاع نصفها فعليه في الباقي نصف بنت مخاض لان نصف الهالك من مال الزكاة ونصفه مما لا زكاة فيه وان ما بقى نصف مال الزكاة فلهذا قال عليه نصف بنت مخاض في القياس وينبغى على طريقة الاستحسان أن يكون عليه في الباقي شاتان لان الهالك يجعل كأن لم يكن والباقى من مال الزكاة أثني عشر ونصف ولكن وجه القياس أقوى كما بينا وما ذكر بعد هذا إلى آخر الكتاب من مسائل المعدن وصدقة الفطر فقد بينا جميع ذلك في كتاب الزكاة والصوم فلا معنى لاعادة ذلك هنا والله سبحانه وتعالى

[ 54 ] أعلم بالصوب واليه المرجع والمآب (بسم الله الرحمن الرحيم) (كتاب الصوم) (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله تعالى الصوم في اللغة هو الامساك ومنه قول النابغة خيل صيام وخيل غير صائمة * تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما أي واقفة ومنه صام النهار إذا وقفت الشمس ساعة الزوال وفى الشريعة عبارة عن امساك مخصوص وهو الكف عن قضاء الشهوتين شهوة البطن شهوة الفرج من شخص مخصوص وهو ان يكون مسلما طاهرا من الحيض والنفاس في وقت مخصوص وهو ما بعد طلوع الفجر إلى وقت غروب الشمس بصفة مخصوصة وهو ان يكون على قصد التقرب فالاسم شرعى فيه معنى اللغة وأصل فرضية الصوم ثبت بقوله تعالى كتب عليكم الصيام إلى قوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه ففيه بيان السبب الذى جعله الشرع موجبا وهو شهود الشهر وأمر بالاداء نصا بقوله فليصمه وقال بني الاسلام على خمس وذكر من جملتها الصوم وقد كان وقت الصوم في الابتداء من حين يصلى العشاء أو ينام وهكذا كان في شريعة من قبلنا ثم خفف الله تعالى الامر على هذه الامة وجعل أول الوقت من حين يطلع الفجر بقوله تعالى وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الآية قال أبو عبيد الخيط الابيض الصبح الصادق والخيط اللون وفى حديث عدى ابن حاتم عن النبي انه قال الخيط الابيض والاسود بياض النهار وسواد الليل وسبب هذا التخفيف ما ابتلى به عمر بن الخطاب رضي الله عنه وما ابتلى صرمة بن أنس حين رآه النبي مجهودا فقال مالك أصبحت طلحا أو قال طليحا الحديث ومعنى التخفيف ان المعتاد في الناس أكلتان الغداء والعشاء فكان التقرب بالصوم في الابتداء بترك الغداء والاكتفاء بأكلة واحدة وهى العشاء ثم ان الله تعالى أبقى لهذه الامة الاكلتين جميعا وجعل معنى التقرب في تقديم الغداء عن وقته كما أشار إليه رسول الله في السحور انه الغذاء المبارك والتقرب بالصوم من حيث مجاهدة النفس والمجاهدة في هذا من وجهين أحدهما بمنع النفس من

[ 55 ] الطعام وقت الاشتهاء والثانى بالقيام وقت حبها المنام ومن المجاهدة حفظ اللسان وتعظيم ما عظم الله تعالى كما بدأ به الكتاب وذكر عن مجاهد رحمه الله تعالى انه كان يكره ان يقول الرجل جاء رمضان وذهب رمضان ولكن ليقل جاء شهر رمضان وذهب شهر رمضان قال لا أدرى لعل رمضان اسم من أسماء الله تعالى فكأنه ذهب في هذا إلى ما رواه أبو هريرة رضى الله عنه ان رسول الله قال لا تقولوا جاء رمضان وذهب رمضان فان رمضان اسم من أسماء الله تعالى وفى رواية ولكن عظموه كما عظمه الله تعالى واختار بعض مشايخنا قول مجاهد في هذا فقال والصحيح من المذهب انه يكره ذلك لان محمدا رحمه الله تعالى لم يبين مذهب نفسه ولا روى خبرا بخلاف قول مجاهد وقالوا في بيان المعنى انه مشتق من الارماض وهو الاحراق والمحرق للذنوب المذهب لها هو الله تعالى والذى عليه عامة مشايخنا انه لا بأس بذلك قال رسول الله عمرة في رمضان تعدل حجة وقال من صام رمضان وقامه ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وقال ان لله تعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة وليس فيها ذكر رمضان واثبات الاسم لا يكون بالآحاد وانما يكون بالمتواتر والمشاهير ولو كان من أسماء الله تعالى فهو اسم مشترك كالحكيم والعالم ولا بأس بان يقال جاء الحكيم والعالم والمراد به غير الله تعالى (قال) رجل تسحر وقد طلع الفجر وهو لا يعلم به في شهر رمضان ومراده الفجر الثاني فبطلوع الفجر الاول الذى تسميه العرب ذنب السرحان لا يدخل وقت الصوم قال لا يغرنكم أذان بلال ولا الفجر المستطيل وكلوا واشربوا حتى يطلع الفجر المستطير المنتشر وإذا تبين أن تسحره كان بعد طلوع الفجر الثاني فسد صومه الا على قول ابن أبى ليلى فانه يقيسه على الناسي بناء على أصله أن المخصوص من القياس بالنص يقاس عليه غيره وعندنا المخصوص من القياس بالنص لا يقاس عليه فان قياس الاصل يعارضه ولا يلحق به الا ما كان في معناه من كل وجه وهذا ليس في معنى الناسي لان الاحتراز عن هذا الغلط ممكن في الجملة بخلاف النسيان ثم فساد صومه لفوات ركن الصوم وهو الامساك وعليه الامساك في بقية يومه قضاء لحق الوقت فان الامساك في نهار رمضان عند فوات الصوم مشروع قال الا من أكل فلا يأكل بقية يومه وعليه قضاء هذا اليوم لان فوات الاداء بعد تقرر السبب الموجب فيضمنه بالمثل بما هو مشروع له ولا كفارة عليه

[ 56 ] لانه معذور وكفارة الفطر عقوبة لا تجب الا على الجاني قال من أفطر في نهار رمضان متعمدا فعليه ما على المظاهر والذى أفطر وهو يرى أن الشمس قد غابت ثم تبين أنها لم تغب فعليه مثل هذا وفيه حديث عمر رضي الله عنه حين أفطر مع الصحابة يوما فلما صعد المؤذن المأذنة قال الشمس يا أمير المؤمنين قال بعثناك داعيا ولم نبعثك راعيا ما تجانفنا لاثم وقضاء يوم علينا يسير (قال) رجل أصبح في شهر رمضان جنبا فصومه تام الاعلى قول بعض أصحاب الحديث يعتمدون فيه حديث أبى هريرة رضى الله عنه من أصبح جنبا فلا صوم له محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ورب الكعبة (قاله) ولنا قوله تعالى فالآن باشروهن إلى قوله حتى يتبين لكن الخيط الابيض وإذا كانت المباشرة في آخر جزء من أجزاء الليل مباحة فالاغتسال يكون بعد طلوع الفجر ضرورة وقد أمر الله تعالى باتمام الصوم وفى حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن رجلا سأل رسول الله فقال انى أصبحت جنبا وأنا أريد الصوم فقال وأنا ربما أصبح جنبا وأنا أريد الصوم فقال لست كأحدنا فغضب رسول الله صلى الله علهى وسلم وقال انى لارجو أن أكون أعلمكم بما يبقى. ولما بلغ عائشة حديث أبى هريرة قالت رحم الله أبا هريرة كان رسول الله يصبح جنبا من غير احتلام ثم يتم صومه وذلك في رمضان فذكر قولها لابي هريرة رضى الله تعالى عنه فقال هي أعلم حدثنى به الفضل بن عباس رضى الله تعالى عنه وكان يومئذ ميتا ثم تأويل الحديث من أصبح بصفة توجب الجنابة وهو أن يكون مخالطا أهله وان احتلم نهارا لم يفطر لقوله ثلاث لا يفطرن الصائم القئ والحجامة والاحتلام (قال) وان ذرعه القئ لم يفطر لما روينا ولقول ابن عباس رضى الله تعالى عنه الصوم مما دخل وان تقيأ متعمدا فعليه القضاء لحديث على رضى الله تعالى عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم قال من قاء فلا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء ولان فعله يفوت ركن الصوم وهو الامساك ففي تكلفه لابد أن يعود شئ إلى جوفه ولا كفارة عليه الا على قول مالك رحمه الله تعالى فانه يقول كل مفطر غير معذور فعليه الكفارة ولم يفصل في ظاهر الرواية بين ملئ الفم وما دونه وفى رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى فرق بينهما وهو الصحيح فان ما دون ملئ الفم تبع لريقه فكان قياس ما لو تجشا وملئ الفم لا يكون تبعا لريقه ألا ترى أنه ناقض

[ 57 ] لطهارته فان عاد إلى جوفه أو أعاده فقد روى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى إذا ذرعه القئ فرده وهو يستطيع أن يرمى به فعليه القضاء وروي ابن مالك عن أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهم الله تعالى أنه إذا ذرعه القئ فكان ملئ فيه أو أكثر فعاد إلى جوفه فسد صومه تعمد ذلك أو لم يتعمد والمشهور ان فيه خلافا بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله فمحمد اعتبر الصنع في طرف الاخراج أو الادخال لانه يفوت به الامساك وأبو يوسف يعتبر انتقاض الطهارة ليستدل به على انه ليس بتبع لريقه حتى إذا ذرعه القئ دون ملئ الفم وعاد بنفسه لم يفسد صومه بالاتفاق وان أعاده فسد صومه عند محمد ولم يفسد عند أبى يوسف رحمه الله تعالى وان كان ملئ الفم فعاد بنفسه فسد صومه عند أبى يوسف ولم يفسد عند محمد وان أعاده فسد صومه بالاتفاق وان تقيأ أقل من ملئ فمه فان عاد بنفسه يفسد صومه عند محمد ولم يفسد صومه عند أبى يوسف رحمه الله تعالى وان أعاده ففيه روايتان عن أبى يوسف في احداهما لا يفسد صومه لانه ليس بناقض لطهارته وفى الاخرى يفسد صومه لكثرة صنعه في الادخال والاخراج جميعا فكان قياس ملئ الفم (قال) وان احتجم الصائم لم يضره الا على قول أصحاب الحديث يستدلون فيه بما روى ان رسول الله مر بمعقل بن يسار وهو يحتجم في رمضان فقال افطر الحاجم والمحجوم (ولنا) حديث أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه قال مربنا أبو طيبة في بعض أيام رمضان فقلنا من أين جئت فقال حجمت رسول الله وعنه أن النبي لما قال أفطر الحاجم والمحجوم شكى الناس إليه الدم فرخص للصائم أن يحتجم وفى حديث بن عباس رضى الله تعالى عنه أن النبي احتجم وهو صائم محرم بالقاحة وتأويل الحديث الذى روى أن النبي مر بها وهما يغتابان آخر فقال أفطر الحاجم والمحجوم أي أذهب ثواب صومهما الغيبة وقيل الصحيح انه غشى على المحجوم فصب الحاجم الماء في حلقه فقال أفطر الحاجم والمحجوم أي فطره بما صنع به فوقع عند الراوى أنه قال أفطر الحاجم والمحجوم ثم خروج الدم من البدن لا يفوت ركن الصوم ولا يحصل به اقتضاء الشهوة وبقاء العبادة ببقاء ركنها (قال) وإذا طهرت الحائض في بعض نهار رمضان لم يجزها صومها في ذلك اليوم لانعدام الاهلية للاداء في أوله وعليها الامساك عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى عنه فالاصل عنده ان

[ 58 ] من كان مباحا له الافطار في أول اليوم ظاهرا وباطنا لا يلزمه الامساك فيه في بقية اليوم لان وجوب الامساك في يوم واحد لا يتجزى كوجوب الصوم وعلى هذا الصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم والمريض إذا برئ والمسافر إذا قدم مصره والمجنون إذا أفاق في بعض النهار لا يلزمهم الامساك عنده بخلاف يوم الشك إذا تبين أنه من رمضان والمتسحر بعد طلوع الفجر وهو لا يعلم به لان الاكل كان مباحا له باطنا والاصل عندنا أن من صار في بعض النهار على صفة لو كان عليها في أول النهار يلزمه الصوم فعليه الامساك في بقية النهار لان الامساك مشروع خلفا عن الصوم عند فواته لقضاء حق الوقت ولانه لو أكل ولا عذر به اتهمه الناس والتحرز عن مواضع التهمة واجب قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم. وقال على رضى الله تعالى عنه إياك وما يقع عند الناس انكاره وفى رواية ما يسبق إلى القلوب انكاره وان كان عندك اعتذاره فليس كل سامع نكرا يطيق أن يوسعه عذرا وان أكلت لم يلزمها شئ لان الامساك لحق الوقت وقد فات على وجه لا يمكن تداركه وعليها قضاء هذا اليوم مع سائر أيام الحيض لما روى أن امرأة قالت لعائشة رضى الله عنها ما بال احدانا تقضى صيام أيام الحيض ولا تقضى الصلاة فقالت احرورية أنت كنا على عهد رسول نقضى صيام أيام الحيض ولا نقضى الصلاة ولان الحرج عذر مسقط للقضاء كما أنه مسقط للاداء وفى قضاء خمسين صلاة في كل عشرين يوما حرج بين وليس في قضاء صوم عشرة أيام في احدى عشر شهرا كبير حرج (قال) ويقبل الصائم ويباشر إذا كان يأمن على نفسه ما سوى ذلك لحديث عائشة رضى الله عنها أن النبي كان يقبل وهو صائم وفي رواية كان يصيب من وجهها وهو صائم قالت وكان أملككم لادبه أو لاربه فالادب العضو والارب الحاجة وجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله فقال أذنبت ذنبا فاستغفر لى قال وما ذنبك قال هششت إلى امرأتي وأنا صائم فقبلتها فقال أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته أكان يضرك فقال لا قال فقم أذن وفيه إشارة إلى معنى بقاء ركن الصوم وانعدام اقتضاء الشهوة بنفس التقبيل فان كان لا يأمن على نفسه فالتحرز أولى لما روى أن شابا سأل رسول الله عن القبلة للصائم فمنعه وسأل شيخ عن ذلك فأذن له فيه فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقال رسول الله قد علمت لم نظر بعضكم

[ 59 ] إلى بعض إن الشيخ يملك نفسه وهكذا روى عن ابن عباس رضى الله عنه وفي حديثه أن الشاب قال له ان دينى ودينه واحد قال نعم ولكن الشيخ يملك نفسه وهو إشارة إلى معنى تعريض الصوم للفساد والتجاوز عن القبلة إلى غيرها. وقال رسول الله ان لكل ملك حمى وان حمى الله محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه وعلى هذا روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه كره المباشرة الفاحشة للصائم وكذلك بأن يعانقها وهما متجردان ويمس ظاهر فرجه ظاهر فرجها (قال) وان اشتبه شهر رمضان على الاسير تحرى وصام شهرا بالتحرى لانه مأمور بصوم رمضان وطريق الوصول إليه التحرى عند انقطاع سائر الادلة كأمر القبلة فان تبين أنه أصاب شهر رمضان أجزأه لانه أدرك ما هو المقصود بالتحرى وان تبين أنه صام شهرا قبله لم يجزه لانه أدى العبادة قبل وجود سبب وجوبها فلم تجزه كمن صلى قبل الوقت وذكر الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب الام أنه ان علم به قبل مضي شهر رمضان جاز صومه وان تبين أنه صام شهرا بعده جاز بشرطين اكمال العدة وتبييت النية لشهر رمضان لانه قاض لما وجب عليه بشهود الشهر وفي القضاء يعتبر هذان الشرطان. فان قيل كيف يجوز ولم ينو القضاء. قلنا لانه نوى ما هو واجب عليه من الصوم في هذه السنة وهذا ونية القضاء سواء فان تبين أنه صام شوال فعليه قضاء يوم الفطر لان الصوم فيه لا يجوز عن القضاء وان تبين أنه صام ذى الحجة فعليه قضاء يوم النحر وأيام التشريق وان تبين أنه صام شهرا آخر فليس عليه قضاء شئ الا أن يكون رمضان كاملا وذلك الشهر ناقصا فحينئذ يقضى يوما لاكمال العدة (قال) وان صام شهر رمضان تطوعا وهو يعلم به أو لا يعلم فصومه عن شهر رمضان والكلام في هذه المسألة على فصول أحدها ان أصل النية شرط لاداء صوم رمضان الا على قول زفر رحمه الله تعالى وحجته ان المشروع في زمان رمضان صوم واحد لان الزمان معيار للصوم ولا يتصور في يوم واحد الا صوم واحد ومن ضرورة استحقاق الفرض فيه انتفاء غيره فما يتصور منه من الامساك في هذا اليوم مستحق عليه لصوم الفرض فعلى أي وجه أتى به يقع من الوجه المستحق وهو نظير من وهب النصاب الذى وجبت فيه الزكاة من فقير جاز عن الزكاة وان لم ينو (ولنا) حرفان أحدهما ان المستحق عليه فعل هو عبادة والعبادة لا تكون الا بالاخلاص والعزيمة قال الاعمال

[ 60 ] بالنيات ولكل امرئ ما نوى والثاني ان مع استحقاق الصوم عليه في هذا اليوم بقيت منافعه مملوكة له فان معنى العبادة لا يحصل الا بفعل يباشره عن اختيار ويصرف إليه ما هو مملوك له وصرف منافعه المملوكة إلى ما هو مستحق عليه على وجه يكون مختارا فيه لا يكون الا عن قصد وعزيمة وفى مسألة هبة النصاب معنى القصد والعزيمة حصل باختيار المحل ومعنى العزيمة حصل لحاجة المحل الا ترى ان من وهب لفقير شيئا لا يملك الرجوع فيه لحصول المقصود وهو الثواب وكان أبو الحسن الكرخي رحمه الله ينكر هذا المذهب لزفر رحمه الله تعالى ويقول المذهب عنده ان صوم جميع الشهر يتأدى بنية واحدة كما هو قول مالك رحمه الله تعالى وحجتهما ان صوم الشهر في معنى عبادة واحدة فان سببها واحد وهو شهود جزء من الشهر والشروع فيها في وقت واحد والخروج منها كذلك فكان بمنزلة ركعات صلاة واحدة (ولنا) أن صوم كل يوم عبادة على حدة الا ترى ان فساد البعض لا يمنع صحة ما بقى وانه يتخلل بين الايام زمان لا يقبل الصوم وهو الليل وان انعدمت الاهلية في بعض الايام لا يمنع تقرر الاهلية فيما بقى فكانت بمنزلة صلوات مختلفة فيستدعى كل واحد منهما نية على حدة ثم ان أطلق نية الصوم أو نوى النفل فهو صائم عن الفرض عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان كان يعلم أن اليوم من رمضان فنوى النفل لم يكن صائما وان كان لا يعلم جاز صومه عن النفل لان الخطاب بأداء الفرض لا يتوجه عليه الا بعد العلم به. وقال ابن أبى ليلى ان كان يعلم ان اليوم من رمضان جاز صومه عن الفرض وان كان لا يعلم لم يكن صائما لان قصده عند عدم العلم كان إلى أداء النفل غير مشروع في هذا اليوم فهو كنية أداء الصوم في الليل وانه لغو لكونه غير مشروع فيه. والشافعي رحمه الله تعالى يقول ان صفة الفريضة قربة كأصل الصوم فكما لا يتأدى أصل الصوم الا بالنية فكذلك الصفة وبانعدام الصفة ينعدم الصوم ضرورة وعلى هذا إذا أطلق النية لا يجوز والوجه الآخر ان بنية النفل صار معرضا عن الفرض لما بينهما من المغايرة فصار كاعراضه بترك النية ولا يجوز أن يصير ناويا للصوم المشروع في هذا الوقت بنية النفل لانه لو اعتقد في المشروع في هذا الوقت انه نفل يكفر وعلى هذا لو أطلق النية يجوز لانه ما صار معرضا بهذه النية (ولنا) حديث على وعائشة رضى الله عنهما أنهما كان يصومان يوم الشك وكانا يقولان لان نصوم يوما من شعبان أحب الينا من أن نفطر يوما من رمضان وانما كانا يصومان بنية النفل

[ 61 ] لاجماعنا على أنه لا يباح صوم يوم الشك بنية الفرض فلولا أن عند التبين يجوز الصوم عن الفرض لم يكن لهذا التحرز منهما معنى ثم هذا صوم عين فيتأدى بمطلق النية كالنفل ومعناه انه هو المشروع فيه وغيره ليس بمشروع أصل والمتعين في زمان كالمتعين في مكان فيتناوله اسم الجنس كما يتناوله اسم النوع ومعنى القربة في أصل الصوم يتحقق لبقاء الاختيار للعبد فيه ولا يتحقق في الصفة إذ لا اختيار له فيها فلا يتصور منه ابدال هذا الوصف بوصف آخر في هذا الزمان فيسقط اعتبار نية الصفة ونية النفل لغو بالاتفاق لان النفل غير مشروع في هذا الوقت والاعراض عن الفرض يكون بنية النفل فإذا لغت نية النفل لم يتحقق الاعراض وهو نظير الحج على قوله وبه يبطل قوله أنه لو اعتقد أنه نفل يكفر وعلى هذا قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى في المسافر إذا نوى واجبا آخر في رمضان وقع عن فرض رمضان لان وجوب الاداء ثابت في حق المسافر حتى لو أدى جاز وانما يفارق المقيم في الترخص بالفطر فإذا لم يترخص كان هو والمقيم سواء وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول يقع صومه عما نوى لانه ما ترك الترخص حين قصد صرف منافعه إلى ما هو الاهم وهو ما تقرر دينا في ذمته وهذه الرخصة لدفع الحرج والمشقة عنه فكان من مصالح بدنه وفى هذه النية اعتبار المصلحة ان يصوم أو يفطر فصح منه ولان رمضان في حق المسافر كشعبان في حق المقيم على معنى أنه مخير بين ان يفطر فان نوى المسافر النفل ففيه روايتان عن أبى حنيفة في رواية ابن سماعة عنه يقع عن فرض رمضان لانه ترك الترخص وفي رواية الحسن يقع عن النفل لان رمضان في حقه كشعبان في حق غيره فاما المريض إذا نوى واجبا آخر فالصحيح ان صومه يقع عن رمضان لان اباحة الفطر له عند العجز عن اداء الصوم فاما عند القدرة هو والصحيح سواء بخلاف المسافر وذكر أبو الحسن الكرخي ان الجواب في المريض والمسافر سواء على قول أبى حنيفة وهو سهو أو مؤول ومراده مريض يطيق الصوم ويخاف منه زيادة المرض واما الكلام في وقت النية فلا خلاف في ان أوله من وقت غروب الشمس لان الاصل في العبادات اقتران النية بحال الشروع في الصوم الا أن وقت الشروع في الصوم وقت مشتبه لا يعرفه الا من يعرف النجوم وساعات الليل وهو مع ذلك وقت نوم وغفلة والمتهجد بالليل يستحب له أن ينام سحرا فلدفع الحرج جوز له بنية متقدمة على حالة الشروع وان كان غافلا عنه عند الشروع بأن تجعل

[ 62 ] تلك النية كالقائمة حكما فأما النية بعد طلوع الفجر لصوم رمضان تجوز في قول علمائنا رحمهم الله تعالى وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا تجوز وفى الكتاب لفظان أحدهما إذا نوى قبل الزوال والثانى إذا نوى قبل انتصاف النهار وهو الاصح فالشرط عندنا وجود النية في أكثر وقت الاداء ليقام مقام الكل وإذا نوى قبل الزوال لم يوجد هذا المعنى لان ساعة الزوال نصف النهار من طلوع الشمس ووقت أداء الصوم من طلوع الفجر فالشافعى رحمه الله تعالى استدل بقوله لا صيام لمن لم يعزم الصيام من الليل والعزم عقد القلب على الشئ فإذا لم ينعقد قلبه على الصوم من الليل لا يجزئه والمعنى فيه أن القصد والعزيمة عند أول جزء من العبادة شرط ليكون قربة كالصلاة وسائر العبادات فإذا انعدم ذلك لم يكن ذلك الجزء قربة وما بقى لا يكفى للفريضة لان المستحق عليه صوم يوم كامل بخلاف النفل فانه غير مقدر شرعا فيمكن أن يجعل صائما من حين نوى مع أن مبنى النفل على المسامحة والفرض على الضيق ألا ترى أن صلاة النفل تجوز قاعدا مع القدرة على القيام وراكبا مع القدرة على النزول بخلاف الفرض (ولنا) حديث عكرمة عن ابن عباس رضى عنهما أن الناس أصبحوا يوم الشك على عهد رسول الله فقدم اعرابي وشهد برؤية الهلال فقال رسول الله أتشهد أن لا إله الا الله وأنى رسول الله فقال نعم فقال الله أكبر يكفى المسلمين أحدهم فصام وأمر الناس بالصيام وأمر مناديا فنادى ألا من كان أكل فلا يأكلن بقية يومه ومن لم يأكل فليصم وتأويل حديثه أن المراد هو النهي عن تقديم النية على الليل ثم هو عام دخله الخصوص بالاتفاق وهو صوم النفل فنحمله على سائر الصيامات بالقياس وهو ان هذا يوم صوم فالامساك في أول النهار يتوقف على أن يصير صوما بالنية قبل الزوال كالنفل وهذا لان الصوم ركن واحد وهو الامساك من أول النهار إلى آخره فإذا اقترنت النية بأكثره ترجح جانب الوجود على جانب العدم فيجعل كاقتران النية بجميعه ثم اقتران النية بحالة الشروع ليس بشرط في باب الصوم بدليل جواز التقديم فصارت حالة الشروع هنا كحالة البقاء في سائر العبادات وإذا جاز نيته متقدمة دفعات للحرج جاز نيته متأخرة عن حالة الشروع بطريق الاولى لانه ان لم تقترن بالشروع هنا فقد اقترنت بالاداء ومعنى الحرج في جنس الصائمين لا يندفع بجواز التقديم ففي الصائمين صبى يبلغ نصف الليل وحائض

[ 63 ] تطهر في آخر الليل فلا ينتبه الا بعد طلوع الفجر وفى أيامه يوم الشك فلا يمكنه أن ينوى الفرض ليلا إذ لم يتبين أنه من رمضان وان نوى الصوم بعد الزوال لم يجزه لانعدام الشرط في أكثر وقت الاداء فيترجح به جانب العدم ثم القرب بسبب الصوم وقع في ترك الغداء كما بينا ووقت الغداء قبل الزوال لا بعده فإذا نوى قبل الزوال كان تاركا للغداء على قصد التقرب وإذا نوى بعد الزوال لم يكن تركه الغداء على قصد التقرب فلا يكون صوما وكذلك المسافر إذا نوى قبل الزوال وقد قدم مصره أو لم يقدم ولم يكن أكل شيئا جاز صومه عن الفرض عندنا خلافا لزفر رحمه الله تعالى هو يقول امساك المسافر في أول النهار لم يكن مستحقا لصوم الفرض فلم يتوقف على وجود النية ولم يستند إليه في حقه إلى أول النهار بخلاف المقيم (ولنا) ان المعنى الذى لاجله جوز في حق المقيم اقامة النية في أكثر وقت الاداء مقامها في جميع الوقت وجد في حق المسافر فالمسافر في هذا الوقت أسوة المقيم انما يفارقه في الترخص بالفطر ولم يترخص به ولان العبادة في وقتها مع ضرب نقصان أولى من تفويتها عن وقتها والمسافر والمقيم في هذا سواء وبهذا فارق صوم القضاء فانه دين في ذمته والايام في حقه سواء فلا يفوته شئ إذا لم نجوزه مع النقصان فلهذا اعتبرنا صفة الكمال منه (قال) رجل أصبح صائما في رمضان قبل ان تبين انه من رمضان ثم تبين انه منه فصومه جائز وقد أساء حين تقدم الناس ومراده في هذا يوم الشك ومعنى الشك ان يستوى طرف العلم وطرف الجهل بالشئ وانما يقع الشك من وجهين اما ان غم هلال شعبان فوقع الشك انه اليوم الثلاثون منه أو الحادى والثلاثون أو غم هلال رمضان فوقع الشك في اليوم الثلاثين انه من شعبان أو من رمضان ولا خلاف انه يكره الصوم فيه بنية الفرض لقوله لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين ولانه حين نوى الفرض فقد اعتقد الفريضة فيما ليس بفرض وذلك كاعتقاد النفلية فيما هو فرض ولكن مع هذا إذا تبين ان اليوم من رمضان فصومه تام لان النهى ليس لعين الصوم فلا يؤثر فيه فاما إذا صام فيه بنية النفل فلا بأس به عندنا وهو الافضل وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان وافق ذلك يوما كان يصومه أو صام قبله أياما فلا بأس به والا فهو مكروه لقوله من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم ولما روى ان النبي نهى عن صوم ستة أيام يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق ويوم الشك ولنا حديث علي وعائشة رضى الله عنهما انهما كانا

[ 64 ] يصومان يوم الشك كما روينا ولان هذا اليوم من شعبان لان اليقين لا يزال بالشك والصوم من شعبان تطوعا مندوب إليه كما في سائر أيامه جاء في الحديث انه ما كان يصوم في شهر أكثر منه في شعبان فانه كان يصومه كله وتأويل النهى ان ينوى الفرض فيه وبه نقول (قال) الا ان يكون أبصر الهلال وحده ورد الامام شهادته وانما ترد شهادته إذا كانت السماء مصحية وهو من أهل المصر فاما إذا كانت السماء مغيمة أو جاء من خارج المصر أو كان من موضع نشز فانه تقبل شهادته عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى في أحد قوليه قال لان تهمة الكذب إذا كان بالسماء غيم أظهر فان الغيم مانع من الرؤية فإذا لم تقبل شهادته عند عدم المانع فعند قيامه أولى (ولنا) حديث عكرمة على ما رويناه ثم هو مخبر بأمر دينى وهو وجوب اداء الصوم على الناس فوجب قبول خبره إذا لم يكذبه الظاهر كمن روى حديثا وهذا الظاهر لا يكذبه فلعله تقشع الغيم عن موضع القمر فاتفقت له الرؤية دون غيره بخلاف ما ذا كانت السماء مصحية لان الظاهر يكذبه فانه مساو للناس في الموقف والمنظر وحدة البصر وموضع القمر فإذا رد الامام شهادته فعليه ان يصوم ولا يفطر الا على قول الحسن بن حي يعتمد ظاهر قوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم وقوله صومكم يوم تصومون وهذا ليس بيوم الصوم في حق الجماعة فكذلك في حق الواحد (ولنا) قوله صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فان غم عليكم فاكملوا شعبان ثلاثين يوما ولان وجوب الصوم برؤية الهلال أمر بينه وبين ربه فلا يؤثر فيه الحكم وقد كان لزمه الصوم قبل أن ترد شهادته فكذلك بعده فان أفطر بالجماع لم تلزمه الكفارة عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى هو يقول إنه متيقن ان اليوم من رمضان إذ لا طريق للتيقن أقوى من الرؤية وتيقنه لا يتغير بشك غيره ألا ترى أنه يلزمه الصوم فيه عن الفرض ويوم الشك ينهي فيه عن مثله وكما ان وجوب الصوم بينه وبين ربه فكذلك وجوب الكفارة عند الفطر (ولنا) انه مفطر بالشبهة لان الامام حين رد شهادته فقد حكم بأنه كاذب بدليل شرعى أوجب له الحكم به ولو كان حكمه هذا حقا ظاهرا وباطنا لكان يباح الفطر له فإذا كان نافذا ظاهرا يصير شبهة وكفارة الفطر عقوبة تدرأ بالشبهات حتى لا يجب على المخطئ ثم الكفارة انما وجبت بالفطر في يوم رمضان مطلقا وهذا اليوم رمضان من وجه شعبان من وجه

[ 65 ] ألا ترى ان سائر الناس لا يلزمهم الصوم فيه ويوم من رمضان لا ينفك عن الصوم فيه قضاء أو اداء فلم يكن هذا اليوم في معنى المنصوص من كل وجه فلو أو جبنا الكفارة فيه كان بطريق القياس على المنصوص ولا مدخل للقياس في اثبات الكفارة فاما وجوب الصوم فهو عبادة يؤخذ فيه بالاحتياط فكونه من رمضان من وجه يكفي في حقه (قال) رجل قبل امرأته في شهر رمضان فانزل عليه القضاء ولا كفارة عليه لحديث ميمونة بنت سعد ان النبي سئل عن رجل قبل امرأته وهما صائمان فقال قد أفطرا وتأويله أنه قد علم من طريق الوحى حصول الانزال به ثم معنى افتضاء الشهوة قد حصل بالانزال فانعدم ركن الصوم ولا يتصور أداء العبادة بدون ركنها ولكن لا تلزمه الكفارة لنقصان في الجناية من حيث أن التقبيل تبع وليس بمقصود بنفسه وفى النقصان شبهة العدم الا على قول مالك رحمه الله تعالى فانه يوجب الكفارة على كل مفطر غير معذور وكذلك المرأة ان أنزلت لحديث أم سليم أنها سألت رسول الله عن امرأة ترى في منامها مثل ما يرى الرجل فقال ان كان منها مثل ما يكون منه فلتغتسل أشار إلى أنها تنزل كالرجل وإذا أنزلت فحكمها حكم الرجل (قال) ومن أكل أو شرب أو جامع ناسيا في صومه لم يفطره ذلك والنفل والفرض فيه سواء. وقال مالك رحمه الله تعالى في الفرض يقضى وهو القياس على ما قاله أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الجامع الصغير لولا قول الناس لقلت يقضى أي لولا روايتهم الاثر أو لو قول الناس إن أبا حنيفة رحمه الله تعالى خالف الاثر. ووجه القياس أن ركن الصوم ينعدم بأكله ناسيا كان أو عامدا وبدون الركن لا يتصور أداء العبادة والنسيان عذر بمنزلة الحيض والمرض فلا يمنع وجوب القضاء عند انعدام الاداء (ولنا) حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن رجلا سأل رسول الله فقال انى أكلت وشربت في رمضان ناسيا وأنا صائم فقال أن الله أطعمك وسقاك فتم على صومك وهكذا روى عن علي رضى الله عنه. وقال سفيان الثوري رضى الله عنه ان أكل أو شرب لم يفطر وان جامع ناسيا أفطر قال لان الحديث ورد في الاكل والشرب والجماع ليس في معناه لان زمان الصوم زمان وقت للاكل عادة فيبتلى فيه بالنسيان وليس بوقت الجماع عادة فلا تكثر فيه البلوى ولكنا نقول قد ثبت بالنص المساواة بين الاكل والشرب والجماع في حكم الصوم فإذا ورد نص في أحدهما كان ورودا في الآخر باعتبارها المقدمة كمن يقول لغيره

[ 66 ] إجعل زيدا وعمرا في العطية سواء ثم يقول اعط زيدا درهما كان ذلك تنصيصا على أنه يعطى عمرا أيضا درهما فان تذكر فنزع نفسه من ساعته فصومه تام وكذا الذى طلع عليه الفجر وهو مخالط لاهله إذا نزع نفسه من ساعته فصومه تام وعلى قول زفر رحمه الله تعالى فيهما جميعا يقضى الصوم لوجود جزء من المواقعة وان قل بعد التذكر وطلوع الفجر (ولنا) أنه لم يوجد بعد التذكر وطلوع الفجر الا الامتاع من قضاء الشهوة وذلك ركن الصوم فلا يفسد الصوم وروى محمد عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى في نوادر الصوم أنه قال في الذى طلع عليه الفجر يقضى بخلاف الناسي والفرق أن اقتران المواقعة بطلوع الفجر مانع من انعقاد الصوم وفى الناسي صومه كان منعقدا ولم يوجد ما يرفعه وهو اقتضاء الشهوة بعد التذكر فبقى صائما فان أتم الفعل فعليه القضاء دون الكفارة الا على قول الشافعي رحمه الله تعالى فانه يجعل استدامة الفعل بعد التذكر وطلوع الفجر كالانشاء (ولنا) ان الشبهة قد تمكنت في فعله من حيث ان ابتداءه لم يكن جناية وروى هشام عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى في الذى طلع عليه الفجر إذا أتم الفعل فعليه الكفارة بخلاف ما إذا تذكر لان آخر الفعل من جنس أوله وفي الذى طلع عليه الفجر أول فعله عمد فكذلك آخره بخلاف الناسي فان ذكر الناسي فلم يتذكر وأكل مع ذلك فقد ذكر في اختلاف زفر ويعقوب ان على قول زفر لا يفسد صومه لبقاء المانع وهو النسيان وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى يفسد صومه لان الاحتياط قد لزمه حين ذكر وعدم التذكر بعد ما ذكر نادر فلا يعتبر (قال) وإذا تمضمض الصائم فسبقه الماء فدخل حلقه فان لم يكن ذاكرا لصومه فصومه تام كما لو شرب وان كان ذاكرا لصومه فعليه القضاء عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى واستدل بقوله رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ثم عذر هذا أبين من عذر الناسي فان الناسي قاصد إلى الشرب غير قاصد إلى الجناية على الصوم وهذا غير قاصد إلى الشرب ولا إلى الجناية على الصوم فإذا لم يفسد الصوم ثمة فهنا أولى (ولنا) ما روى ان النبي قال للقسط بن صبرة بالغ في المضمضة والاستنشاق الا ان تكون صائما فالنهى عن المبالغة التى فيها كمال السنة عند الصوم دليل على ان دخول الماء في حلقه مفسد لصومه ولان ركن الصوم قد انعدم مع عذر الخطأ وأداء العبادة بدون ركنها لا يتصور وهكذا القياس في الناسي ولكنا تركناه بالسنة وهذا ليس في معناه لان

[ 67 ] التحرز عن النسيان غير ممكن والتحرز عن مثل هذا الخطأ ممكن ثم ركن الصوم قد انعدم معنى فان الذى حصل له وان كان مخطئا قد انعدم صورة لا معنى بأن يتناول حصاة فسد صومه فإذا انعدم معنى أولى لان مراعاة المعاني في باب العبادات أبين من مراعاة الصور وكان ابن أبى ليلى يقول ان كان وضوؤه فرضا لم يفسد صومه وان كان نفلا فسد صومه لهذا. وقال بعض أهل الحديث ان كان في الثلاث لا يفسد صومه وان جاوز الثلاث يفسد صومه. ومنهم من فصل بين المضمضة والاستنشاق في الوضوء والجنابة والاعتماد على ما ذكرنا وتأويل الحديث ان المراد رفع الاثم دون الحكم وبه نقول (قال) والاكتحال لا يضر الصائم وان وجد طعمه في حلقه وكان إبراهيم النخعي يكره للصائم أن يكتحل وابن أبى ليلى كان يقول ان وجد طعمه في حلقه فطره لوصول الكحل إلى باطنه (ولنا) حديث أبى رافع أن النبي دعا بمكحلة إثمد في رمضان فاكتحل وهو صائم. وعن أبى مسعود قال خرج رسول الله يوم عاشوراء من بيت أم سلمة وعيناه مملوتان كحلا كحلته أم سلمة وصوم يوم عاشوراء في ذلك الوقت كان فرضا ثم صار منسوخا ثم ما وجد من الطعم في حلقه أثر الكحل لا عينه كمن ذاق شيئا من الادوية المرة يجد طعمه في حلقه فهو قياس الغبار والدخان وان وصل عين الكحل إلى باطنه فذلك من قبل المسام لا من قبل المسالك إذ ليس من العين إلى الحلق مسلك فهو نظير الصائم يشرع في الماء فيجد برودة الماء في كبده وذلك لا يضره وعلى هذا إذا دهن الصائم شاربه فأما السعوط والوجور يفطره لوصوله إلى أحد الجوفين إما الدماغ أو الجوف والفطر مما يدخل ولا كفارة عليه لان معنى الجناية لا يتم به فان اقتضاء الشهوة لا يحصل به الا في رواية هشام عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى أن عليه الكفارة إذا لم يكن به عذر والحقنة تفطر الصائم لوصول المفطر إلى باطنه وهذا بخلاف الرضيع إذا احتقن بلبن امرأة لا يثبت به حرمة لرضاع الا في رواية شاذة عن محمد رحمه الله تعالى لان ثبوت حرمة الرضاع بما يحصل به انبات اللحم وانشاز العظم وذلك بما يحصل إلى أعالي البدن لا إلى الاسافل فأما الفطر يحصل بوصول المفطر إلى باطنه لانعدام الامساك به والاقطار في الاذن كذلك يفسد لانه يصل إلى الدماغ والدماغ أحد الجوفين فاما الاقطار في الاحليل لا يفطره عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ويفطره عند أبى يوسف وحكي ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى

[ 68 ] أنه توقف فيه وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى انه إذا صب الدهن في إحليله فوصل إلى مثانته فسد صومه وهذا الاختلاف قريب فقد وقع عند أبى يوسف رحمه الله تعالى أن من المثانة إلى الجوف منفذ حتى لا تقدر المرأة على استمساك البول والامر على ما قالا فان أهل الطب يقولون البول يخرج رشحا وما يخرج رشحا لا يعود رشحا وبعضهم يقول هناك منفذ على صورة حرف الخاء فيخرج منه البول ولا يتصور أن يعود فيه شئ مما يصب في الاحليل فأما الجائفة والآمة إذا داواهما بدواء يابس لم يفطره وان دواهما بدواء رطب فسد صومه في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولم يفسد في قولهما والجائفة اسم لجراحة وصلت إلى الجوف والآمة اسم لجراحة وصلت إلى الدماغ فهما يعتبران الوصول إلى الباطن من مسلك هو خلقة في البدن لان المفسد للصوم ما ينعدم به الامساك المأمور به وانما يؤمر بالامساك لاجل الصوم من مسلك هو خلقة دون الجراحة العارضة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول المفسد للصوم وصول المفطر إلى باطنه فالعبرة للواصل لا للمسلك وقد تحقق الوصول هنا وفى ظاهر الرواية فرق بين الدواء الرطب واليابس وأكثر مشايخنا رضي الله عنهم أن العبرة بالوصول حتي إذا علم أن الدواء اليابس وصل إلى جوفه فسد صومه وان علم أن الرطب لم يصل إلى جوفه لا يفسد صومه عنده الا انه ذكر اليابس والرطب بناء على العادة فاليابس انما يستعمل في الجراحة لاستمساك رأسها به فلا يتعدى إلى الباطن والرطب يصل إلى الباطن عادة فلهذا فرق بينهما على ان العبرة لما قلنا ان اليابس يترطب برطوبة الجراحة (قال) رجل أصبح في أهله صائما ثم سافر لم يفطر لانه حين أصبح مقيما وجب عليه أداء الصوم في هذا اليوم حقا لله تعالى وانما أنشأ السفر باختياره فلا يسقط به ما تقرر وجوبه عليه وان أفطر فلا كفارة عليه لتمكن الشبهة بسبب اقتران المبيح للفطر فان السفر مبيح للفطر في الجملة فصورته وان لم تبح تمكن شبهة وكفارة الفطر تسقط بالشبهة وذكر الشافعي رحمه الله تعالي في رواية البويطى انه يلزمه الكفارة اعتبارا لآخر النهار بأوله وهذا بعيد فان في أوله يتعرى فطره عن الشبهة وبعد السفر يقترن السبب المبيح بالفطر ولو وجد هذا السبب في أول النهار لكان الفطر يباح له فإذا وجد في آخره يصير شبهة (قال) رجل أصبح صائما متطوعا ثم أفطر عليه القضاء عندنا خلافا للشافعي رحمه تعالى وحجته حديث أم هانئ ان النبي ناولها فضل سؤره فشربت ثم قالت انى كنت

[ 69 ] صائمة لكن كرهت ان أرد سؤرك فقال ان كان صومك عن قضاء فاقضي يوما وان كان صومك تطوعا فان شئت فاقضيه وان شئت فلا تقضيه ولان المتنفل متبرع بما ليس عليه فلا يلزمه ما لم يتبرع به ولكنه مخير في آخره كما كان مخيرا في أوله كمن شرع في صلاة التطوع ينوى أربعا فصلى ركعتين كان مخيرا في الشفع الثاني وهذا بخلاف الحج فان بتبرعه هناك لا يلزمه شئ انما تعذر الخروج عما شرع فيه فيلزمه الاتمام حتي لو تيسر عليه الخروج بالاحصار لم يلزمه القضاء عندي وبخلاف الناذر فانه ملتزم ما ليس عليه فكان نظير النذر من المعاملات الكفالة ونظير الشروع في الهبة والاقرار (ولنا) حديث عائشة قالت أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعتين فاهدى لنا حيس فأكلنا فدخل رسول الله وابتدرنا لنسئله فبدرتني حفصة وكانت بنت أبيها سباقة إلى الخيرات فقال إقضيا يوما مكانه فان كان هذا بعد حديث أم هانئ كان ناسخا له وان كان قبله فتبين به ان المراد بقوله ان شئت فاقضيه وان شئت فلا تقضيه تأخير القضاء وتعجيله أو تبين به ان النبي خص أم هانئ باسقاط القضاء عنها بقصدها التبرك بسؤر رسول الله فكأنها غفلت عن الصوم لفرط قصدها إلى التبرك كما ان أبا طيبة لما حجم النبي شرب دمه فقال حرم الله جسدك على النار وشرب الدم لا يوجب هذا ولكنه لفرط المحبة غفل عن الحرمة فأكرمه رسول الله بما ذكر ولانه باشر فعل قربة مقصودة فيجب عليه اتمامها ويلزمه القضاء بالافساد كمن أحرم بحج التطوع ولا نقول ان تبرعه بما ليس عليه يلزمه ما لم يتبرع به ولكن وجب عليه حفظ المؤدى لكونه قربة فان التحرز عن ابطال العمل واجب قال الله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم كما ان الوفاء بالعهد واجب فكما يلزمه الاداء بعد النذر لان الوفاء به فكذلك يلزمه أداء ما بقى لان التحرز عن ابطال العمل فيه بخلاف الصلاة فانه ليس في الامتناع من الشفع الثاني ابطال الشفع الاول ولانه بالشروع تعين هذا اليوم لاداء الصوم المشروع فيه وله ولاية التعيين فيتعين بتعيينه والتحق بالزمان المتعين للصوم شرعا والافساد في ذلك الزمان يوجب القضاء فهذا مثله وهو كالناذر لما كان له ولاية الايجاب التحق ذلك بالواجب شرعا حتى إذا انعدم الاداء منه لزمه القضاء فهذا مثله وهذه المسألة تبنى على أصل وهو ان بعد الشروع لا يباح له الافطار بغير عذر عندنا

[ 70 ] فيصير بالافطار جانيا فيلزمه القضاء وعند الشافعي رحمه الله تعالى يباح له الافطار من غير عذر واختلفت الروايات في الضيافة هل تكون عذرا فروى هشام عن محمد رحمهما الله تعالى انه عذر مبيح للفطر وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى انه لا يكون عذرا وروى ابن مالك عن أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى انه يكون عذرا وهو الاظهر لما روى ان رسول الله كان في ضيافة رجل من الأنصار فامتنع رجل من الاكل فقال اني صائم فقال انما دعاك أخوك لتكرمه فافطر واقض يوما مكانه ووجه الرواية الاخرى ما روى عن النبي انه قال إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب فان كان مفطرا فليأكل وان كان صائما فليصل أي فليدع لهم وقال ان أخوف ما أخاف على أمتى الشرك والشهوة الخفية فقيل أو تشرك أمتك بعدك فقال لا ولكنهم يراؤن بأعمالهم فقيل وما الشهوة الخفية فقال ان يصبح أحدهم صائما ثم يفطر على طعام يشتهيه وسواء كان الفطر بعذر أو بغير عذر فالقضاء واجب وكذلك سواء حصل الفطر بصنعه أو بغير صنعه حتى إذا حاضت الصائمة تطوعا فعليها القضاء في أصح الروايتين وفى كتاب الصلاة إذا افتتح التطوع بالتيمم ثم أبصر الماء فعليه القضاء والخروج هنا ما كان بصنعه فتبين ان الصحيح ان الشروع ملزم للاتمام كالنذر موجب للاداء وانه متى تعذر الاتمام بعد صحة الشروع فعليه القضاء (قال) رجل أغمى عليه في شهر رمضان حين غربت الشمس فلم يفق الا بعد الغد فليس عليه قضاء اليوم الاول لانه لما غربت الشمس وهو مفيق فقد صح منه نية صوم الغد وركن الصوم هو الامساك والاغماء لا ينافيه فتأدى صومه في اليوم الاول لوجود ركنه وشرطه وعليه قضاء اليوم الثاني لان النية في اليوم الثاني لم توجد وقد بينا ان صوم كل يوم يستدعى نية على حدة وبمجرد الركن بدون الشرط لا تتأدى العبادة (قال) وإذا نظر إلى فرج امرأته فأنزل فصومه تام ما لم يمسها وقال مالك رحمه الله تعالى ان نظر مرة فكذلك وان نظر مرتين فسد صومه لما روى ان النبي قال لعلى لا تتبع النظرة النظرة فانما الاولى لك والاخرى عليك ولان النظر الاول يقع بغتة فلا ينعدم به الامساك فإذا تعمد النظر بعد ذلك حتى أنزل فقد فوت ركن الصوم (ولنا) ان النظر كالتفكر على معنى أنه مقصور عليه غير متصل بها ولو تفكر في جمال امرأة فأنزل لم يفسد ثومه فكذلك إذا نظر إلى فرجها ولو كان هذا مفسدا للصوم لم يشترط فيه

[ 71 ] التكرار كالمس وتأويل الحديث المؤاخذة بالمأثم إذا تعمد النظر إلى ما لا يحل وان جامعها متعمدا فعليه ان يتم صوم ذلك اليوم بالامساك تشبها بالصائمين وعليه قضاء ذلك اليوم والكفارة اما وجوب القضاء فقول جمهور العلماء وقال الاوزاعي ليس عليه القضاء واستدل بحديث الاعرابي فان النبي بين حكم الكفارة له ولم يبين حكم القضاء وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وقال من أفطر في رمضان متعمدا فعليه ما على المظاهر وليس على المظاهر سوى الكفارة (ولنا) أنه وجب هليه الصوم بشهود الشهر وقد انعدم الاداء منه فيلزمه القضاء كما لو كان معذورا وفوت ما لزمه من الاداء فيضمنه بمثل من عنده كما في حقوق العباد وانما أراد بقوله فعليه ما على المظاهر بسبب الفطر وبه نقول ان وجوب القضاء ليس بسبب الفطر وانما بين للاعرابي ما كان مشكلا عليه وجوب القضاء غير مشكل. فاما وجوب الكفارة قول جمهور العلماء وكان سعيد بن جبير يقول لا كفارة على المفطر في رمضان لان في آخر حديث الاعرابي أن النبي قال له كلها أنت وعيالك فانتسخ بهذا حكم الكفارة (ولنا) قول النبي من أفطر في رمضان متعمدا فعليه ما على المظاهر وحديث الاعرابي حين جاء إلى رسول الله وهو ينتف شعره ويقول هلكت وأهلكت فقال ماذا صنعت فقال واقعت أهلى في رمضان نهارا متعمدا فقال اعتق رقبة فضرب بيده على صفحة عنقه وقال لا أملك الا رقبتي هذه فقال صم شهرين متتابعين فقال وهل أتيت ما أتيت الا من الصوم فقال اطعم ستين مسكينا فقال لا أجد فقال إجلس فجلس فأتى بصدقات بنى زريق فقال خذ خمسة عشر صاعا فتصدق بها على المساكين فقال على أهل بيت أحوج إليها منى ومن عيالي والله ما بين لابتى المدينة أحوج إليها منى ومن عيالي فقال كلها أنت وعيالك زاد في بعض الروايات تجزيك ولا تجزى أحدا بعدك فان ثبتت هذه الزيادة ظهر أنه كان مخصوصا وان لم تثبت هذه الزيادة لا يتبين به انتساخ الكفارة ولكنه عذره في التأخير للعسرة ثم الكفارة مرتبة عند علمائنا والشافعي رحمهم الله تعالى. وقال مالك رحمه الله تعالى ثبتت على سبيل التخيير لحديث سعد بن أبى وقاص ان رجلا سأل رسول الله فقال انى افطرت في رمضان فقال اعتق رقبة أو صم شهرين أو أطعم ستين مسكينا (ولنا) ما روينا من قوله فعليه

[ 72 ] ما على المظاهر وتبين بهذا ان المراد بالحديث الآخر بيان ما به تتأدى الكفارة في الجملة لا بيان التخيير ثم بعد العجز عن العتق كفارته بالصوم ألاعلى قول الحسن البصري فانه يقول عليه بدنة وجعل هذا قياس المجامع في الاحرام ولكنا نقول لا مدخل للقياس في أثبات ما به تتأدى الكفارة انما طريق معرفته النص وليس في شئ من النصوص ذكر البدنة في كفارة الفطر فكما لا مدخل للقياس فيما تتأدى به العبادة فكذا فيما يجب بالجناية فيها. والصوم مقدر بالشهرين بصفة التتابع الا على قول ابن أبى ليلى فانه يقول ان شاء تابع وان شاء فرق بالقياس على القضاء وما روينا من الآثار حجة عليه وكان ربيعة الرازي يقول الصوم مقدر باثني عشر يوما قال لان السنة اثنى عشر شهرا فصوم كل يوم يقوم مقام اثنى عشر يوما وبعض الزهاد يقول الصوم مقدر بألف يوم فان في رمضان ليلة القدر وهي خير من ألف شهر فإذ فوت صوم يوم منه فعليه ان يصوم ألف يوم ليقوم مقامه ولسنا نأخذ بشئ من هذا فان الاعتماد على الآثار المشهورة كما روينا وهذه آثار تلقتها العلماء بالقبول والعمل بها واثبات الكفارة بمثلها جائز وكما تجب الكفارة على الرجل تجب عليها ان طاوعته وللشافعي رحمه الله تعالى ثلاثة أقاويل قول مثل هذا وقول آخر ان الكفارة عليه دونها وقول آخر فصل بين البدني والمالي فقال عليها الكفارة بالصوم ويتحمل الزوج عنها إذا كان ماليا واستدل بحديث الاعرابي فان النبي بين حكم الكفارة في جانبه لا في جانبها فلو لزمتها الكفارة لبين ذلك كما بين الحد في جانبها في حديث العسيف ثم سبب الكفارة المواقعة المعدمة للصوم والرجل هو المباشر لذلك دونها إذ هي محل المواقعة وليست بمباشرة للمواقعة فكان فعلها دون فعل الرجل كالجماع فيما دون الفرج بخلاف الحد فان سببه الزنا وهى مباشرة للزنا فان الله تعالى سماها زانية وعلى القول الآخر يقول ما يتعلق بالمواقعة إذا كان بدنيا اشتركا فيه كالاغتسال وإذا كان ماليا تحمل الزوج عنها كالمهر وثمن ماء الاغتسال (ولنا) قوله من أفطر في رمضان وكلمة من تعم الرجال والنساء وتبين بهذا ان السبب الموجب للكفارة فطر هو جناية كاملة وهذا السبب يتحقق في جانبها كما يتحقق في جانبه فتلزمها الكفارة كما يلزمها الحد بسبب الزنا وبه تبين ان تمكينها فعل كامل فان مع النقصان لا يجب الحد وبيان النبي الكفارة في جانبه بيان في جانبها لان كفارتهما واحدة بخلاف حديث العسيف فان الحد في جانبه كان

[ 73 ] هو الجلد وفى جانبها الرجم ولا معنى للتحمل لان الكفارة اما ان تكون عقوبة أو عبادة وبسبب النكاح لا يجرى التحمل في العبادات والعقوبات انما ذلك في مؤن الزوجية وان غلبها على نفسها فعليها القضاء دون الكفارة وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا يفسد صومها والكلام في هذا نظير الكلام في الخاطئ وقد بيناه (قال) وكذلك ان أكل أو شرب متعمدا فعليه القضاء والكفارة عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا كفارة عليه لان سبب وجوب الكفارة بالنص المواقعة المعدمة للصوم فلو أوجب بالاكل كان بالقياس على المواقعة ولا مدخل للقياس في الكفارة الا ترى انه لا تقاس دواعى الجماع على الجماع فيه ولان الحرمة تارة تكون لاجل العبادة وتارة لعدم الملك ثم ما يتعلق بالاكل لا يتعلق بالمواقعة متى كانت الحرمة لعدم الملك فكذلك العبادة واستدل بالحج فان ما يتعلق بالمواقعة فيه وهو فساد النسك لا يتعلق بسائر المحظورات فكذلك الصوم والجامع ان هذه عبادة للكفارة العظمى فيها فتختص بالمواقعة (ولنا) حديث أبى هريرة ان رجلا قال يا رسول الله أفطرت في رمضان فقال من غير مرض ولا سفر فقال نعم فقال اعتق رقبة وانما فهم رسول الله من سؤاله الفطر بما يحوجه إليه كالمرض والسفر وذكر أبو داود ان الرجل قال شربت في رمضان وقال على رضى الله عنه انما الكفارة في الاكل والشرب والجماع ولان فطره تضمن هتك حرمة النص فكان كالفطر بالجماع وبيانه ان نص التحريم بالشهر يتناول ما يتناوله نص الاباحة بالليالى وهتك حرمة النص جناية متكاملة ثم نحن لا نوجب الكفارة بالقياس وانما نوجبها استدلالا بالنص لان السائل ذكر المواقعة وعينها ليس بجناية بل هو فعل في محل مملوك وانما الجناية الفطرية فتبين ان الموجب للكفارة فطر هو جناية الا ترى ان الكفارة تضاف إلى الفطر والواجبات تضاف إلى أسبابها والدليل عليه انه لا تجب على الناسي لانعدام الفطر والفطر الذى هو جناية متكاملة يحصل بالاكل كما يحصل بالجماع ولانه آلة له وتعلق الحكم بالسبب لا بالآلة ثم ايجابه في الاكل أولى لان الكفارة أوجبت زاجرة ودعاء الطبع في وقت الصوم إلى الاكل أكثر منه إلى الجماع والصبر عنه أشد فايجاب الكفارة فيه أولى كما ان حرمة التأفيف يقتضى حرمة الشتم بطريق الاولى ثم لاجل العبادة استوى حرمة الجماع وحرمة الاكل بخلاف حال عدم الملك فان حرمة الجماع أغلظ حتى تزيد حرم الجماع على حرمة الاكل وبخلاف الحج

[ 74 ] فان حرمة الجماع فيه أقوى حتى لا يرتفع بالحلق والدليل على المساواة هنا فصل الناسي فقد جعلنا النص الوراد في الاكل حال النسيان كالوارد في الجماع فكذلك يجعل النص الوارد في ايجاب الكفارة بالمواقعة كالوارد في الاكل والدواعي تبع فلا تتكامل به الجناية. ثم حاصل المذهب عندنا ان الفطر متى حصل بما يتغذى به أو يتداوى به تتعلق الكفارة به زجرا فان الطباع تدعو إلى الغذاء وكذلك إلى الدواء لحفظ الصحة أو اعادتها فأما إذا تناول مالا يتغذى به كالتراب والحصاة يفسد صومه الا على بعض من لا يعتمد على قوله فانه يقول حصول الفطر بما يكون به اقتضاء الشهوة ولكنا نقول ركن الصوم الكف عن ايصال الشئ إلى باطنه وقد انعدم ذلك بتناول الحصاة ثم لا كفارة عليه الا على قول مالك رحمه الله تعالى فانه قال هو مفطر غير معذور قال وجنايته هنا أظهر إذ لا غرض له في هذا الفعل سوي الجناية على الصوم بخلاف ما يتغذى به ولكنا نقول عدم دعاء الطبع إليه يغنى عن ايجاب الكفارة فيه زاجرا كما لم نوجب الحد في شرب الدم والبول بخلاف الخمر ثم تمام الجناية بانعدام ركن الصوم صورة ومعنى فانعدام معنى ما يحصل به اقتضاء الشهوة إذا انعدم لم تتم الجناية وفى النقصان شبهة العدم والكفارة تسقط بالشبهة (قال) وان جامعها ثانيا في الشهر فعليه كفارة واحدة عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى عليه كل يوم كفارة قال لان السبب تقرر في اليوم الثاني وهو الجماع المعدم للصوم أو الفطر الذى هو جناية على الصوم فوجبت الكفارة ثم الكفارات لا تتداخل كما في سائر الكفارات فان معنى العبادة فيها راجح حتى يفتى بها وتتأدى بما هو عبادة والتداخل في العقوبات المحضة (ولنا) حرفان. أحدهما ان كمال الجناية باعتبار حرمة الصوم والشهر جميعا حتى ان الفطر في قضاء رمضان لا يوجب الكفارة لانعدام حرمة الشهر وباعتبار تجدد الصوم لا تتجدد حرمة الشهر ومتى صارت الحرمة معتبرة لايجاب الكفارة مرة لا يمكن اعتبارها لايجاب كفارة أخرى لانها تلك الحرمة بعينها (والثانى) أن كفارة الفطر عقوبة تدرأ بالشبهات فتتداخل كالحدود وبيان الوصف أن سبب الوجوب جناية محضة على حق الله تعالى والجنايات سبب لايجاب العقوبات والدليل عليه سقوطها بعذر الخطأ بخلاف سائر الكفارات (قال) فان أفطر في يوم وكفر ثم أفطر في يوم آخر فعليه كفارة أخرى الا في رواية زفر عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى فانه يقول يكفيه تلك الكفارة لاعتبار اتحاد حرمة الشهر وهو قياس من تلى آية السجدة في مجلس وسجد ثم

[ 75 ] تلاها مرة أخرى لم تلزمه سجدة أخرى لاتحاد السبب وجه ظاهر الرواية أن التداخل قبل أداء الاول لا بعده كما في الحدود إذا زنى بامرأة فحدثم زني بها يلزمه حد آخر وهذا أصح لان السبب فطر هو جناية على الصوم وحرمة الشهر محل تغلظ به هذه الجناية والعبرة للاسباب دون المحال فان جامع في رمضانين فقد ذكر في الكسائيات عن محمد رحمه الله تعالى أن عليه كفارتين لاعتبار تجدد حرمة الشهر والصوم وأكثر مشايخنا يقولون لا اعتماد على تلك الرواية والصحيح أن عليه كفارة واحدة لاعتبار معنى التداخل (قال) وكل صوم في القرآن لم يذكره الله متتابعا فله أن يفرقه وما ذكر متتابعا فليس له أن يفرقه أما المذكور متابعا فصوم كفارة القتل وكفارة الظهار فان النص ورد بقدر معلوم مقيد بوصف فكما لا يجوز الاخلال بالقدر المنصوص فكذا بالوصف المنصوص فأما ما لم يذكره متتابعا فصوم القضاء. قال الله تعالى فعدة من أيام أخر ويجوز القضاء متتابعا ومتفرقا لانه مطلق عن الوصف. وقال ابن عباس رضى الله عنه انهموا ما انهم الله وفى الحديث ان رجلا سأل رسول الله عن قضاء أيام من رمضان أفيجزينى ان أصوم متفرقا فقال أرأيت لو كان عليك دين فقضيت الدرهم والدرهمين اكان يقبل منك فقال نعم فقال الله أحق بالتجاوز والقبول والذى في قراءة أبى بن كعب فعدة من أيام أخر متتابعة شاذ غير مشهور وبمثله لا نثبت الزيادة على النص فأما صوم كفارة اليمين فثلاثة أيام متتابعة عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى (قال) إنه مطلق في القرآن ونحن اثبتنا التتابع بقراءة ابن مسعود فانها كانت مشهورة إلى زمن أبى حنيفة رحمه الله تعالى حتى كان سليمان الاعمش يقرأ ختما على حرف ابن مسعود وختما من مصحف عثمان رضى الله عنه والزيادة عندنا تثبت بالخبر المشهور (قال) رجل جامع امرأته في يوم من رمضان ثم حاضت المرأة ومرض الرجل في ذلك اليوم سقطت عنهما الكفارة عندنا وعلى قول ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى لا تسقط وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى على القول الذى يوجب الكفارة على المرأة. وقال زفر رحمه الله تعالى تسقط عنها بعذر الحيض ولا تسقط عنه بعذر المرض وجه قول ابن أبى ليلى أن السبب الموجب للكفارة قد تم وهو الفطر فوجبت الكفارة دينا في الذمة والحيض والمرض لا ينافى بقاء الكفارة ثم الحيض والمرض لم يصادف الصوم هنا فاعتراضهما في اليوم والليل سواء وهو قياس السفر بعد الفطر لا يسقط الكفارة ليلا كان أو نهارا وزفر

[ 76 ] رحمه الله تعالى يفرق ويقول الحيض ينافى الصوم وصوم يوم واحد لا يتجزى فتقرر المنافى في آخره يمكن شبهة المنافاة في أوله فاما المرض لا ينافي الصوم فلا يتمكن بالمرض في آخر النهار شبهة المنافاة في أوله للصوم ولكنا نقول المرض ينافي استحقاق الصوم بدليل انه لو لم يفطر حتى مرض يباح له الفطر والكفارة لا تجب الا بالفطر في صوم مستحق واستحقاق الصوم في يوم واحد لا يتجزأ فتقرر المنافاة للاستحقاق في آخر النهار يمكن شبهة منافاة الاستحقاق في أوله بخلاف السفر فانه غير مناف للاستحقاق حتى لو لم يفطر حتى سافر لا يباح له الفطر فلا يتمكن بالسفر في آخر النهار شبهة في أوله بخلاف ما إذا لم يفطر حتى سافر ثم أفطر لان سقوط الكفارة هناك باعتبار الصورة المبيحة والصورة المبيحة انما تعمل إذا اقترنت بالسبب ولا اسناد في الصور انما ذلك في المعاني ثم السفر فعله والكفارة انما وجبت حقا لله تعالى فلا يسقط بفعل العبد باختياره بخلاف المرض والحيض فانه سماوي لا صنع للعباد فيه فإذا جاء العذر ممن له الحق سقطت به الكفارة فان سوفر به مكرها فقد ذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله تعالى ان على قول أبى يوسف رضى الله عنه لا تسقط به الكفارة لان الصنع للعباد فيه فهو قياس مالو أكره على الاكل بعد ما أفطر وعلى قول زفر رحمه الله تعالى تسقط لانه لا صنع له فيه ولا اعتماد على هذه الرواية عن زفر رحمه الله تعالى فان عنده بالمرض لا تسقط الكفارة فبالسفر مكرها كيف تسقط (قال) رجل أصبح صائما في غير رمضان يريد به قضاء رمضان ثم أكل متعمدا فقد أساء ولا كفارة عليه لان وجوب الكفارة بالنصوص والنصوص وردت بالفطر في رمضان والفطر في غير رمضان ليس في معنى الفطر في رمضان من كل وجه لان هذا اليوم ما كان متعينا لقضائه وهذا بخلاف الحج فان الجماع في قضاء الحج بوجب ما يوجب في الاداء لتحقق المساواة في معنى الجناية ألا ترى أن في حج النفل يتعلق بالجماع ما يتعلق في حج الفرض بخلاف الصوم (قال) مسافر أصبح صائما في رمضان ثم أفطر قبل ان يقدم مصره أو بعد ما قدم فلا كفارة عليه لان أداء الصوم في هذا اليوم ما كان مستحقا عليه حين كان مسافرا في أوله فهذا والفطر في قضاء رمضان سواء وحكي عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه ان أفطر بعد ما صار مقيما فعليه الكفارة وجعل وجود الاقامة في آخره كوجودها في أوله ولكنا نقول الشبهة تمكنت بالسفر الموجود في أول النهار فانه ينعدم به استحقاق الاداء وصوم يوم واحد لا يتجزى في الاستحقاق

[ 77 ] (قال) رجل عليه قضاء أيام من شهر رمضان فلم يقضها حتى دخل رمضان من قابل فصامها منه فان صيامه عن هذا الرمضان الداخل وقد بينا هذا الفصل في المقيم والمسافر جميعا وعليه قضاء رمضان الماضي ولا فدية عليه عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يلزمه مع القضاء لكل يوم إطعام مسكين ومذهبه مروى عن ابن عمر ومذهبنا مروى عن على وابن مسعود رحمهما الله تعالى وحاصل الكلام ان عنده القضاء مؤقت بما بين الرمضانين يستدل فيه بما روى عن عائشة رضى الله عنها انها كانت تؤخر قضاء أيام الحيض إلى شعبان وهذا منها بيان آخر ما يجوز التأخير إليه ثم جعل تأخير القضاء عن وقته كتأخير الاداء عن وقته فكما ان تأخير الاداء عن وقته لا ينفك عن موجب فكذلك تأخير القضاء عن وقته ولنا ظاهر قوله تعالى فعدة من أيام اخر وليس فيها توقيت والتوقيت بما بين الرمضانين يكون زيادة ثم هذه عبادة مؤقتة قضاؤها لا يتوقت بما قبل مجئ وقت مثلها كسائر العبادات وانما كانت عائشة رضى الله تعالى عنها تختار للقضاء شعبان لان رسول الله كان لا يحتاج إليها فيه فانه كان يصوم شعبان كله ولان كان القضاء مؤقتا بما بين الرمضانين فالتأخر عن وقت القضاء كالتأخر عن وقت الاداء وتأخير الاداء عن وقته لا يوجب عليه شيئا انما وجوب الصوم باعتبار السبب لا بتأخير الاداء فكذلك تأخير القضاء عن وقته ثم الفدية تقوم مقام الصوم عند اليأس منه كما في الشيخ الفاني وبالتأخير لم يقع اليأس عن الصوم والقضاء واجب عليه فلا معنى لايجاب الفدية وكما لم يتضاعف القضاء بالتأخير فكذلك لا ينضم القضاء إلى الفدية لانه في معنى التضعيف (قال) وان شك في الفجر فأحب إلى أن يدع الاكل وان أكل وهو شاك فصومه تام أما التسحر فهو مندوب إليه لقوله استعينوا بقائلة النهار على قيام الليل وبأكلة السحور على صيام النهار وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي قال فرق ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكل السحور والتأخير مندوب إليه قال ثلاث من أخلاق المرسلين تعجيل الافطار وتأخير السحور والسواك الا أنه يؤخر على وجه لا يشك في الفجر الثاني فان شك فيه فالمستحب أن يدع الاكل لقوله دع ما يريبك إلى ما لا يريبك والا كل يريبه فان أكل وهو شاك فصومه تام لان الاصل بقاء الليل والتيقن لا يزال بالشك فان كان أكبر رأيه أنه تسحر والفجر طالع فالمستحب له أن يقضى احتياطا للعبادة ولا يلزمه القضاء في ظاهر الرواية لانه

[ 78 ] غير متيقن بالسبب والاصل بقاء الليل. وروى الحسن بن زياد عن أبى حنيفة رحمهما الله الله تعالى قال ان كان في موضع يستبين له الفجر فلا يلتفت إلى الشك ولكنه يأكل إلى ان يستيقن بطلوع الفجر وان كان في موضع لا يستبين له الفجر أو كانت الليلة مقمرة فالاولى ان يحتاط وان أكل لم يلزمه شئ الا انه إذا كان أكبر رأيه انه أكل بعد طلوع الفجر فحينئذ يلزمه القضاء لان أكبر الرأى بمنزلة التيقن فيما يبنى أمره على الاحتياط (قال) وان صام أهل المصر من غير رؤية الهلال ولم يصم رجل منهم حتى أبصر الهلال من الغد فصام أهل المصر ثلاثين يوما والرجل تسعة وعشرين يوما فليس على الرجل قضاء شئ وقد أخطأ أهل المصر حين صاموا بغير رؤية الهلال لقوله صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فان غم عليكم فاكملوا شعبان ثلاثين يوما فأهل المصر خالفوا أمر رسول الله فكانوا مخطئين ومنهم من قال يرجع إلى قول أهل الحساب عند الاشتباه وهذا بعيد فان النبي قال من أتى كاهنا أو عرافا وصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد والذى روى عن النبي فان غم عليكم فأقدروا له معناه التقدير باكمال العدة كما في الحديث المبين وانما لا يجب على الرجل قضاء شئ لان الشهر قد يكون تسعة وعشرين يوما قال الشهر هكذا وهكذا وهكذا وأشار بأصابعه وخنس ابهامه في الثالثة وقال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه ما صمنا على عهد رسول الله رمضان تسعة وعشرين يوما أكثر مما صمنا ثلاثين يوما وهكذا عن عائشة فلم يتبين خطأ الرجل فيما صنع فلا يلزمه قضاء شئ والذى روى شهران لا ينقصان رمضان وذو الحجة المراد في حق الثواب دون العدد لاستحالة ان يقع الخلف في خبر صاحب الشرع الا ان يكون أهل المصر رأوا هلال شعبان فأحصوا ثلاثين يوما ثم صاموا فقد أحسنوا وعلى من لم يصم معهم قضاء يوم لانا تيقنا انه أفطر يوما من شهر رمضان لان الشهر لا يكون أكثر من ثلاثين يوما وعلى هذا روى عن محمد رحمه الله تعالى أنهم لو صاموا بشهادة الواحد على رؤية الهلال فصاموا ثلاثين يوما ثم لم يروا الهلال أفطروا لان الشهر لا يكون أكثر من ثلاثين يوما وقد ألزمه ابن سماعة فقال هذا فطر بشهادة الواحد وأنت لا ترى ذلك وهذا الزام ظاهر والجواب عنه أن الفطر بقضاء القاضي وذلك بمقتضى الشهادة ويثبت بمثله ما لا يثبت بنفس الشهادة كالميراث عند شهادة القابلة

[ 79 ] على الولادة وقد روى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى فيمن أبصر الهلال وحده ورد الامام شهادته فصام ثلاثين يوما ولم يروا الهلال لم يفطر الا مع الامام والجماعة فلعل الغلط وقع له كما ورد في حديث عمر رضي الله عنه أنه أمر الذى قال رأيت الهلال أن يمسح حاجبه بالماء ثم قال اين الهلال فقال فقدته فقال شعره قامت من حاجبك فحسبتها هلالا وانما أمرناه بالصوم في الابتداء احتياطا من غير أن نحكم أن اليوم من رمضان والاحتياط في أن لا يفطر الا مع الامام والجماعة (قال) وإذا جامع الرجل امرأته في الفرج فغابت الحشفة ولم ينزل فعليهما القضاء والكفارة والغسل أما الغسل فلاستطلاق وكاء المنى بفعله وأما الكفارة فلحصول الفطر على وجه تتم الجناية به قيل تمام الجناية في اقتضاء الشهوة وذلك لا يحصل بدون انزال (قلنا) اقتضاء الشهوة في المحل يتم بالايلاج فأما الانزال تبع لا يعتد به في تكميل الجناية فلو جامعها في الموضع المكروه فعليهما الغسل لما بينا ولا شك في ايجاب الكفارة على قولهما وعن أبى حنيفة رحمه الله تعالى فيه روايتان روى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه لا كفارة عليهما وهو ظاهر على أصله لانه لا يجعل هذا الفعل كاملا في ايجاب العقوبة التى تند رئ بالشبهات كالحد وفى جانب المفعول ظاهر فليس لها فيه اقتضاء الشهوة. وروى أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى ان عليهما الكفارة وهو الاصح فان السبب قد تم وهو الفطر بجناية متكاملة انما يدعى أبو حنيفة رحمه الله تعالى النقصان في معنى الزنا من حيث انه لا يحصل به افساد الفراش ولا معتبر به في ايجاب الكفارة (قال) فان جامع بهيمة أو ميتة فليس عليه الكفارة أنزل أو لم ينزل عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى فان السبب عنده الجماع المعدم للصوم وقد وجد ولكنا نقول الجناية لا تتكامل الا باقتضاء شهوة المحل وهذا وهذا المحل غير مشتهي عند العقلاء فان حصل به قضاء الشهوة فذلك لغلبة الشبق أو لفرط السفه وهو كمن يتكلف لقضاء شهوته بيده لا تتم جنايته في ايجاب الكفارة فهذا مثله (قال) فان جامع أو أكل أو شرب ناسيا فظن أن ذلك يفطره فأكل بعد ذلك متعمدا فعليه القضاء ولا كفارة عليه لانه اشتبه عليه ما يشتبه فان الاكل مع النسيان يفوت ركن الصوم حقيقة ولا بقاء للعبادة مع فوات ركنها فيكون ظنه هذا في موضعه فصار شبهة في اسقاط الكفارة قال محمد رحمه الله تعالى الا أن يكون بلغه خبر الناسي فحينئذ عليه القضاء والكفارة لان ظنه مدفوع بقول رسول الله حيث قال تم على صومك فلا

[ 80 ] تبقى شبهة وقد روى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه لا كفارة عليه وان بلغه الخبر لان خبر الواحد لا يوجب علم اليقين وانما يوجب العمل تحسينا للظن بالراوي فلا تنتفي الشبهة به وعلى هذا لو احتجم فظن ان ذلك فطره فأكل بعد ذلك متعمدا فعليه القضاء والكفارة لان ظنه في غير موضعه فان انعدام ركن الصوم بوصول الشئ إلى باطنه ولم يوجد الا أن يكون افتاه مفتى العامة بان صومه قد فسد فحينئذ لا كفارة عليه لان الواجب على العامي الاخذ بفتوى المفتى فتصير الفتوى شبهة في حقه وان كان خطأ في نفسه وان كان سمع الحديث أفطر الحاجم والمحجوم فاعتمد ظاهره قال محمد رحمه الله تعالى تسقط عنه الكفارة أيضا كما لو اعتمد الفتوى وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى انها لا تسقط لان العامي إذا سمع حديثا فليس له ان يأخذ بظاهره لجواز ان يكون مصروفا عن ظاهره أو منسوخا وان دهن شاربه أو اغتاب فظن ان ذلك فطره فأكل بعد ذلك متعمدا فعليه القضاء والكفارة سواء اعتمد حديثا أو فتوى لان هذا الظن والفتوى بخلاف الاجماع غير معتبر (قال) وإذا أسلم الكافر في النصف من شهر رمضان صام ما بقى من الشهر وليس عليه قضاء ما مضى منه وكذلك اليوم الذى أسلم فيه لا يجزيه صومه وان لم يأكل ونوى قبل الزوال لانعدام أهلية العبادة في أول النهار ولكنه يمسك تشبها بالصائمين وليس عليه قضاؤه ومن العلماء من يقول عليه قضاء هذا اليوم والايام الماضية من الشهر وجعلوا ادراك جزء من الشهر كادراك جميع الشهر كما ان ادراك جزء من وقت الصلاة بعد الاسلام كادراك جميع الوقت والتفريط انما جاء من قبله بتأخير الاسلام فلا يعذر في اسقاط القضاء وهو قريب من أصل الشافعي رحمه الله تعالى ان الكفار مخاطبون بالشرائع (ولنا) ماروى ان وفد ثقيف حين قدموا على عهد رسول الله أسلموا في النصف من رمضان فأمرهم بصوم ما بقى من الشهر ولم يأمرهم بقضاء ما مضى وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز لان وجوب القضاء ينبنى على خطاب الشرع بالاداء وذلك لا يكون بدون الاهلية للعبادة والكافر ليس بأهل لثوابها فلا يثبت خطاب الاداء في حقه والصوم عبادة معلومة بميعادها وهو الزمان فلا تصور للصوم منه في الزمن الماضي بخلاف الصلاة فانها معلومة بأوقاتها والوقت ظرف لها فجعل ادراك جزء من الوقت سببا لوجوب الاداء ثم القضاء ينبنى عليه (قال) ولا تصلى الحائض ولا تصوم لقوله عليه الصلاة والسلام في بيان نقصان دين المرأة تقعد احداهن شطر عمرها لا تصوم

[ 81 ] ولا تصلى يعنى زمان الحيض فإذا طهرت قضت أيام الصوم ولا تقضى الصلاة لما تقدم بيانه (قال) وكل وقت جعلتها فيه نفساء أو حائضا فانها تعيد صوم ذلك اليوم ولا تعيد صلاته وكل وقت عددتها فيه مستحاضة فانها تعيد صلاته ان لم تكن صلتها فان كانت صلت وصامت فقد جاز لان المستحاضة في حكم الطاهرات فيما يرجع إلى العبادات قال للمستحاضة توضئى وصبلى وان قطر الدم على الحصير قطرا وقال المستحاضة تتوضأ لكل صلاة ثم طول محمد رحمه الله هذا الفصل في الاصل فذكر في باب المستحاضة مسائل منها ان ينقص الدم عن أقل مدة الحيض أو يزيد على أكثر مدة الحيض أو أكثر مدة النفاس أو يسبق رؤية الدم أو انه فالاستحاضة تكون بدم فاسد ويستدل بتقدمه على أوانه على فساده وتمام شرح هذه المسائل في كتاب الحيض (قال) ولا يجوز شئ من الصوم الواجب ان يصومه في يوم الفطر أو النحر أو أيام التشريق لان الصوم في هذه الايام منهى عنه قال أبو رافع أمرنى رسول الله ان أنادى في أيام منى الا لا تصوموا في هذه الايام فانها أيام أكل وشرب وبعال وفى رواية انها أيام أكل وشرب وذكر وعن عقبة بن عامر الجهنى أن النبي نهي عن صوم يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق وتأويل النهي في يوم التروية وعرفة في حق الحاج إذا كان يضعف بالصوم عن الوقوف والذكر. وفى الحديث المشهور الذي روينا أن النبي نهي عن صوم ستة أيام والمنهى عنه يكون فاسدا والواجب في ذمته مستحق عليه أداؤه بصفة الصحة فلا يتأدى بما هو فاسد وكذلك صوم المتعة عندنا لا يتأدى في يوم النحر وأيام التشريق وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه في القديم يتأدى صوم المتعة في أيام التشريق وهو مروى عن عائشة وابن عمر ومعاذ ومذهبنا مروى عن على وابن مسعود رضى الله تعالى عنهما (قال) وان كان على الرجل صيام شهرين متتابعين من فطر أو ظهار أو قتل فصامها وأفطر فيها يوما لمرض فعليه استقبال الصيام لانعدام صفة التتابع بالفطر فان كانت امرأة فأفطرت فيما بين ذلك للحيض لم يكن عليها استقباله. وكان إبراهيم النخعي يسوى بين اللفظين في انه لا يجب الاستقبال لاعتبار العذر وابن أبى ليلى رحمه الله كان يسوى بين الفصلين في انه يجب الاستقبال لانعدام التتابع بالفطر وكان يقول قد تجد المرأة شهرين خاليين من الحيض إذا حبلت أو أيست والفرق لنا بين الفصلين من وجهين. أحدهما أن

[ 82 ] الرجل يجد شهرين خاليين عن المرض فلو أمرناه بالاستقبال لم يكن فيه كبير حرج والمرأة لا تجد شهرين خاليين عن الحيض عادة فلعلها لا تحبل ولا تعيش إلى أن تيأس ففى الامر بالاستقبال حرج بين. والثاني أن المرض لا ينافى الصوم حتى لو تكلف وصام جاز فانقطاع التتابع كان بفعله والواجب عليه تتابع الصوم في الوقت الذى يتصور فيه الاداء منه فإذا لم يوجد استقبل فأما الحيض ينافي أداء الصوم منها فلم ينقطع التتابع بفعلها الا أن عليها أن تصل قضاء أيام الحيض بصومها لان هذا القدر من التتابع في وسعها فعليها أن تأتى به. وروى ابن رستم عن محمد رحمه الله تعالى قال إذا صامت شهرا فأفطرت فيه بعذر الحيض ثم أيست فعليها الاستقبال لزوال العذر قبل تمام المقصود وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى انها لو حبلت بعد ما صامت شهرا فافطرت فيه لعذر الحيض بنت على صومها لانها بالحبل لا تخرج من أن تكون من ذوات الاقراء وان لم تصل قضاء أيام الحيض بصومها استقبلت لانها تركت التتابع الذى في وسعها (قال) وان صام عن ظهار شهرين أحدهما رمضان لم يكن عما نواه وكان عن رمضان لان صوم الظهار دين في ذمته فانما يتأدى ما هو مشروع له الوقت لا ما هو مستحق عليه بجهة مخصوصة وعليه الاستقبال لانه يجده شهرين خاليين عن رمضان وهذا بخلاف ما إذا نذر ان يصوم رجب فصامه عن الظهار جاز عما نوى لان صوم رجب كان مشروعا له وكان صالحا لاداء الواجب به قبل النذر وهو بالنذر موجب على نفسه ما ليس بواجب ولا تبقى صلاحية لغيره إذ ليس له هذه الولاية فاما الشرع لما عين صوم رمضان للفرض نفى صلاحيته لغيره وللشرع هذه الولاية فلهذا لا يتأدى صوم الظهار من المقيم في رمضان. وله أن يفرق بين قضاء رمضان وقد بينا هذا وفيه قول عن عائشة رضى الله عنها أنه يجب متتابعا وكذلك صوم جزاء الصيد والمتعة لانه مطلق في القرآن قال الله تعالى أو عدل ذلك صياما. وقال تعالى فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم والذى روى في قراءة أبى بن كعب فصيام ثلاثة أيام متتابعة في الحج شاذ غير مشهور والزيادة على النص بمثله لا تثبت (قال) رجل أصبح صائما ينوى قضاء رمضان ثم علم أنه ليس عليه شئ منه فالاحسن له أن يتم صومه تطوعا وان أفطر لم يلزمه شئ الا على قول زفر رحمه الله تعالى فانه يقول يلزمه القضاء وليس له أن يفطر وذكر الطحاوي رحمه الله تعالى في الصلاة عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى مثل قول زفر رحمه الله تعالى وكذلك المكفر بالصوم إذا

[ 83 ] أيسر في خلاله فالاولى أن يتم صومه تطوعا وان أفطر لم يلزمه القضاء الا على قول زفر رحمه الله تعالى فانه يقول بعد التبين واليسار هو في نفل صحيح حتى لو أتمه كان نفلا فيلزمه التحرز عن ابطاله والقضاء ان أبطله كما لو كان شروعه بنية النفل وكمن أحرم بحج مظنون وكمن تصدق على فقير على ظن أنه عليه ثم علم أنه ليس عليه لم يكن له أن يسترد (ولنا) أن عمله كان في اداء الفرض أما في حق المكفر فقد كان واجبا عليه حين شرع ظاهرا وباطنا وكذلك في المظنون فان المرء يخاطب بما عنده لا بما عند الله تعالى وذلك الفرض الذى شرع فيه قد سقط عنه شرعا فما بقى من النفل انما بقى نظرا من الشرع له لا ايجابا عليه فالاولى له أن يتمه ولكن لا يلزمه شئ ان لم يتمه لان الواجب عليه التحرز عن ابطال عمله وهو لم يبطل عمله بالفطر لان عمله كان في أداء الفرض دون النفل وهو نظير النفل المشروع في كل يوم الاولى للمرء أن يأتي به ولا شئ عليه إن امتنع منه ثم الشروع في كونه ملزما لا يكون أقوى من النذر واضافة النذر إلى ما هو واجب لا يفيد الايجاب فالشروع أولى بخلاف الحج فان ما أدى من الفرض قد سقط بالتبين ولكن لم يخرج به من الاحرام فالاحرام عقد لازم لا خروج منه الا بأداء الافعال ألا ترى أنه لو فاته الحج لا يخرج من الاحرام الا بأعمال العمرة فان أحصر في الحج المظنون فتحلل بالهدى فقد اختلف فيه مشايخنا منهم من يقول لا يلزمه قضاء شئ لانه تم خروجه من الاحرام والاصح أنه يلزمه القضاء لان الاحرام في الاصل لازم والتحلل بالاحصار لدفع الحرج والمشقة عنه ففيما وراء ذلك تبقى صفة اللزوم معتبرة بخلاف الصدقة لانها تمت بالوصول إلى الفقير فوز انه ما لو أتم الصوم ثم تبين أنه ليس عليه وفى هذا لا يمكنه أبطاله (قال) امرأة أصبحت صائمة متطوعة ثم أفطرت ثم حاضت فعليها القضاء عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى لا قضاء عليها لان الحيض الموجود في آخر النهار في منافاة الصوم كالموجود في أوله فتبين أن هذا اليوم لم يكن وقت اداء الصوم في حقها والشروع في غير وقت الصوم لا يكون ملزما شيئا كالشروع ليلا (ولنا) ان شروعها في الصوم قد صح لاستجماع شرائط الاداء عند الشروع ثم بالافساد وجب القضاء دينا في ذمتها والحيض بعد ذلك لا ينافي بقاء الصوم دينا وانما يكون الحيض مؤثرا إذا صادف الصوم وهنا الحيض لم يصادف الصوم فاعتراضه ليلا أو نهارا سواء ولان الشروع كالنذر ولو نذرت ان تصوم هذا اليوم ثم أفطرت ثم حاضت كان عليها القضاء فكذلك إذا

[ 84 ] شرعت فان لم تفطر حتى حاضت فقد ذكر ابن سماعة عن محمد رحمه الله تعالى ان عليها القضاء أيضا وهو الصحيح على ما أشار إليه الحاكم وفي رواية ابن رستم عن محمد لا قضاء عليها لان الحيض صادف الصوم والمنافاة لم تكن بفعلها فلا تكون جانية ملزمة للقضاء وجه الرواية الاخرى أن شروعها قد صح فكان بمنزلة نذرها ولو نذرت ان تصوم هذا اليوم فحاضت فيه كان عليها القضاء وان لم يكن تعذر الاتمام مضافا إلى فعلها لا يمنع وجوب القضاء كالمتيمم إذا شرع في النفل ثم أبصر الماء فعليه القضاء (قال) المكفر بالصوم عن ظهار إذا جامع بالنهار عامدا وجب عليه الاستقبال سواء جامع التى ظاهر منها أو غيرها لانقطاع التتابع بفعله فان جامع بالنهار ناسيا أو بالليل عامدا نظر فان جامع غير التي ظاهر منها لم يكن عليه الاستقبال لان جماعه لم يؤثر في صومه فلم ينقطع التتابع وان جامع التي ظاهر منها فعليه الاستقبال في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفى قول أبى يوسف والشافعي رحمهما الله تعالى لا يلزمه الاستقبال فان جماع الناسي والجماع بالليل لا يوثر في افساد الصوم فلا ينقطع به التتابع كالاكل والشرب وجماع غير التى ظاهر منها ولانه لو استقبل صار مؤديا صوم الشهرين بعد المسيس ولو بنى صار مؤديا أحد الشهرين قبل المسيس والآخر بعده وهذا أقرب إلى الامتثال وهو نظير ما لو أطعم ثلاثين مسكينا ثم جامع لم يكن عليه استقبال الاطعام وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا الواجب عليه بالنص اخلاء الشهرين عن المسيس وهو قادر على هذا فلا يتأدى الواجب الا به وبيانه أن الله تعالى قال فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ومن ضرورة الامر بتقديم الشهرين على المسيس الامر باخلائهما عنه والثابت بضرورة النص كالمنصوص فكان الواجب عليه شيئين عجز عن أحدهما وهو تقديم الشهرين على المسيس وهو قادر على الاخر وهو اخلاؤهما عن المسيس فيأتي بما قدر عليه وذلك بالاستقبال بخلاف جماع غير التى ظاهر منها فانه غير مأمور بتقديم صوم شهرين على جماعها فلا يكون مأمورا باخلائها عنه وان لم يؤثر جماعه في الصوم لا يدل على انه لا يبطل به معنى الكفارة إذا انعدم به الشرط المنصوص كما لو أيسر في خلال صوم الكفارة فان يساره لا يؤثر في الصوم وتبطل به الكفارة ثم حرمة الجماع في حق التى ظاهر منها بدوام الليل والنهار وفي مثله النسيان والعمد سواء كالجماع في الاحرام وهذا بخلاف الاطعام فانه ليس في التكفير بالاطعام تنصيص علي التقديم على المسيس

[ 85 ] والامر باخلائه عن المسيس كان لضرورة الامر بالتقديم على المسيس. فان قيل بالاجماع ليس له أن يجامها قبل أن يكفر وان كانت كفارته بالاطعام وعندكم لا يجوز قياس المنصوص على المنصوص (قلنا) ما عرفنا ذلك بالقياس بل بالنص وهو حديث أوس بن الصامت رضى عنه حين ظاهر من امرأته رآها في ليلة قمراء وعليها خلخال فاعجبته فواقعها ثم سأل رسول الله فقال له استغفر الله ولا تعد حتى تكفر فبهذا النص تبين أنه ليس له أن يغشاها قبل التكفير سواء كانت كفارته بالاطعام أو بالصيام (قال) وتجوز نية صوم التطوع قبل انتصاف النهار. وقال مالك رحمه الله تعالى لا تجوز لانه حين أصبح غيرنا وللصوم فقد تعين أول النهار لفطره والصوم والفطر في يوم واحد لا يحتمل الوصف بالتجزى فهو كما لو تعين بأكله (ولنا) قوله المتطوع بالخيار ما لم تزل الشمس يعنى المريد للصوم وعن عائشة رضى الله عنها أن النبي كان إذا أصبح دخل على نسائه وقال هل عندكن شئ فان قلن لا قال انى صائم وفي حديث عاشوراء أن النبي قال ومن لم يأكل فليصم فان كان صوم عاشوراء نفلا فهو نص وان كان فرضا فجواز الفرض بنية من النهار يدل على جواز النفل بطريق الاولى ولسنا نقول ان جهة الفطر قد تعينت بترك النية في أول النهار ولكن بقى الامر مراعى ما بقى وقت الغداء فان الصوم ليس الا ترك الغداء في وقته على قصد التقرب وفوات وقت الغداء بزوال الشمس فإذا نوى قبل الزوال فقد ترك الغداء في وقته على قصد التقرب فكان صوما (قال) ولو نوى التطوع بعد انتصاف النهار لم يكن صائما عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يكون صائما إذا نوى قبل غروب الشمس ولم يكن أكل في يومه شيئا قال لان النفل غير مقدر شرعا بل هو موكول إلى نشاطه فربما ينشط فيه بعد الزوال وهو وقت الاداء كما قبله وشبهه بالصلاة فان التطوع بالصلاة يجوز راكبا وقاعدا مع القدرة على القيام لانه موكول إلى نشاطه (ولنا) ما بينا أن الصوم ترك الغداء في وقته على قصد التقرب فان العشاء باق في حق الصائم والمفطر جميعا ووقت الغداء ما قبل الزوال دون ما بعده فإذا لم ينو قبل الزوال لم يكن تركه الغداء على قصد التقرب فلا يكون صوما واما في قضاء رمضان وكل صوم واجب في ذمته فسواء نوى قبل الزوال أو بعده لم يكن عنه ما لم ينو من الليل لان ما كان دينا في ذمته لم يتعين لادائه يوم ما لم يعينه فامساكه في أول النهار قبل النية لم يتوقف عليه فلا

[ 86 ] يستند حكم النية إليه بخلاف صوم رمضان فانه متعين في وقته فيتوقف امساكه عليه فيستند حكم النية ثم اقامة النية في أكثر الوقت مقام النية في جميعه لاجل الضرورة والحاجة وذلك فيما يفوته دون مالا يفوته وصوم رمضان يفوته عن وقته والنفل لا يفوته أصلا فاما ما كان دينا في ذمته لا يفوت فلا تقام النية في أكثر الوقت في حقه مقام النية في جميعه (قال) ولا يكون صائما في رمضان ولا في غيره ما لم ينو الصوم وان اجتنب المفطرات إلى آخر يومه بمرض أو غير مرض وقد بينا قول زفر رحمه الله تعالى في الصحيح المقيم انه يتأدى منه الصوم بمجرد الامساك من غير النية فان كان مريضا أو مسافرا فلا خلاف انه لا يكون صائما ما لم ينو وعند زفر رحمه الله تعالى ما لم ينو من الليل قال لان الاداء غير مستحق عليه في هذا الوقت نفسه فلا يتعين الا بنيته بخلاف الصحيح المقيم وعندنا اشتراط النية ليصير الفعل قربة فان الاخلاص والقربة لا يحصل الا بالنية قال الله تعالى وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ففي هذا المسافر والمقيم سواء انما فارق المسافر المقيم في الترخص بالفطر فإذا لم يترخص صحت منه النية قبل انتصاف النهار كما تصح من المقيم (قال) فان أصبح بنية الفطر فظن ان نيته هذه قد أفسدت عليه صومه وأفتى بذلك فأكل قبل انتصاف النهار فعليه القضاء ولا كفارة عليه للشبهة التى دخلت وهما فصلان أحدهما إذا أصبح ناويا للصوم ثم نوى الفطر لا يبطل به صومه عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى يبطل فان الشروع في الصوم لا يستدعى فعلا سوى نية الصوم فكذلك الخروج لا يستدعى فعلا سوى النية ولان النية شرط أداء الصوم وقد أبدله بضده وبدون الشرط لا تتأدى العبادة (ولنا) الحديث الذي روينا الفطر مما يدخل وبنيته ما وصل شئ إلى باطنه ثم هذا حديث النفس. وقال النبي صلي الله عليه وسلم ان الله تجاوز لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم يعملوا أو يتكلموا وكما أن الخروج من سائر العبادات لا يكون بمجرد النية فكذلك من الصوم وبالاتفاق اقتران النية بحالة الاداء ليس بشرط فانه لو كان مغمى عليه في بعض اليوم يتأدى صومه ففي هذا الفصل إذا أفتي بأن صومه لا يجوز فافطر لم يكن عليه كفارة لشبهة اختلاف العلماء لان على العامي أن يأخذ بقول المفتى وان كان أصبح غيرنا وللصوم ثم أكل فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا كفارة عليه سواء أكل قبل الزوال أو بعده وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ان أكل قبل الزوال فعليه الكفارة وان أكل بعد الزوال

[ 87 ] فلا كفارة عليه قال لان قبل الزوال حكم الامساك موقوف على أن يصير صائما بنيته فصار بأكله جانيا مفوتا للصوم فأما بعد الزوال امساكه غير موقوف على أن يصير صوما بالنية فلم يكن في أكله جانيا على الصوم وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الكفارة تستدعى كمال الجناية وذلك بهتك حرمة الصوم والشهر جميعا ولم يوجد منه هتك حرمة الصوم لانه ما كان صائما قيل أن ينوى فتجرد هتك حرمة الشهر عن حرمة الصوم وهو غير موجب للكفارة كما لو تجرد هتك حرمة الصوم عن هتك حرمة الشهر بأن أفطر في قضاء رمضان وعلى قول زفر رحمه الله تعالى عليه الكفارة سواء أكل قبل الزوال أو بعده لان عنده هو صائم وان لم ينو (قال) فان فان أصبح غيرنا وللصوم ثم نوى قبل الزوال ثم أكل فلا كفارة عليه الا في رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه تلزمه الكفارة لان شروعه في الصوم قد صح فتكاملت جنايته بالفطر كما لو كان نوى بالليل وجه قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ان ظاهر قول النبي لا صيام لمن لم يعزم الصيام من الليل ينفي كونه صائما بهذه النية والحديث وإن ترك العمل بظاهره يبقي شبهة في درء ما يندرئ بالشبهات كمن وطئ جارية ابنه مع العلم بالحرمة لا يلزمه الحد لظاهر قوله أنت ومالك لابيك ثم هذا على أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى ظاهر لان عنده لو أكل قبل النية لا تلزمه الكفارة وما كان موجودا في أول النهار يصير شبهة في آخره كالسفر انما الشبهة على قول محمد رحمه الله تعالى وعذره ما بينا (قال) المغمى عليه في جميع الشهر إذا أفاق بعد مضيه فعليه القضاء الا على قول الحسن البصري فانه يقول سبب وجود الاداء وهو شهود الشهر لم يتحقق في حقه لزوال عقله بالاغماء ووجوب القضاء ينبنى عليه (ولنا) ان الاغماء مرض وهو عذر في تأخير الصوم إلى زواله لا في اسقاطه وهذا لان الاغماء يضعف القوى ولا يزيل الحجا ألا ترى أنه لا يصير موليا عليه وان رسول الله ابتلى بالاغماء في مرضه وكان معصوما عما يزيل العقل قال الله تعالى ما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون فإذا كان مجنونا في جميع الشهر فلا قضاء عليه الا على قول مالك رحمه الله تعالى فانه يقول الجنون مرض يخل العقل فيكون عذرا في التأخير إلى زواله لا في اسقاط الصوم كالاغماء ولنا قول النبي رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ ومن كان مرفوعا عنه القلم لا يتوجه عليه الخطاب بأداء الصوم والقضاء ينبنى عليه

[ 88 ] ثم الجنون يزيل عقله فلا يتحقق معه شهود الشهر وهو السبب الموجب للصوم بخلاف الاغماء فانه يعجزه عن استعمال عقله ولا يزيله فلذلك جعل شاهدا للشهر حكما وهو كابن السبيل تلزمه الزكاة لقيام ملكه وان عجز عن اثبات اليد عليه بخلاف من هلك ماله (قال) فان أفاق المجنون في بعض الشهر فعليه صوم ما بقى من الشهر وليس عليه قضاء ما مضى في القياس وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى لانه لو استوعب الشهر كله منع القضاء في الكل فإذا وجد في بعضه يمنع القضاء بقدره اعتبارا للبعض بالكل وقياسا على الصبى وهذا لان الصبى أحسن حالا من المجنون فانه ناقص العقل في بعض أحواله عديم العقل في بعض أحواله والمجنون عديم العقل بعيد عن الاصابة عادة ولهذا جاز اعتاق الصغير عن الكفارة دون المجنون فإذا كان الصغر في بعض الشهر يمنع وجوب القضاء فالجنون أولى استحسن علماؤنا بقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه والمراد منه شهود بعض الشهر لانه لو كان السبب شهود جميع الشهر لوقع الصوم في شوال فصار بهذا النص شهود جزء من الشهر سببا لوجوب صوم جميع الشهر الا في موضع قام الدليل على خلافه ثم الجنون عارض أعجزه عن صوم بعض الشهر مع بقاء أثر الخطاب فيلزمه القضاء كالاغماء وبيان الوصف انه لو كان حج ثم جن بقى المؤدى فرضا له وكذلك لو كان صلى الفرض ثم جن وبقاء المؤدى فرضا دليل بقاء أثر الخطاب فأما إذا استوعب الجنون الشهر كله فانما أسقطنا القضاء لا لانعدام أثر الخطاب بل لدفع الحرج والمشقة والحرج عذر مسقط للقضاء كالحيض في حق الصلاة فحاصل الكلام أن الوجوب في الذمة ولا ينعدم ذلك بسبب الصبى ولا بسبب الجنون ولا بسبب الاغماء الا أن الصبى يطول عادة فيكون مسقطا للقضاء دفعا للحرج والاغماء لا يطول عادة فلا يكون مسقطا للقضاء والجنون قد يطول وقد يقصر فإذا طال التحق بما يطول عادة وإذا قصر التحق بما يقصر عادة ثم فرق ما بين الطويل والقصير في الصوم ان يستوعب الشهر كله لان الشهر في حكم الاجل وفى الصلاة ان يزيد على يوم وليلة لتدخل الفوائت في حد التكرار وعلى هذا الاصل قلنا لو نوى الصوم بالليل ثم جن بالنهار جاز صومه عن الفرض في ذلك اليوم خلافا للشافعي رحمه الله تعالى لان الجنون لا ينافي العبادة ولا صفة الفرضية فان الاهلية للعبادة لكونه أهلا لثوابها وركن الصوم بعد النية هو الامساك والجنون لا ينافيه (قال) وان جن في شهر رمضان ثم أفاق بعد سنين في رمضان فعليه

[ 89 ] قضاء الشهر الاول لادراكه جزء منه وقضاء الشهر الآخر لادراكه جزء منه وليس عليه قضاء الشهور التي في السنين الماضية بين ذلك لانه لم يدرك جزء منها في حال الافاقة فان كان جنونه أصليا بان بلغ مجنونا ثم أفاق في بعض الشهر فالمحفوظ عن محمد رحمه الله تعالى انه ليس عليه قضاء ما مضى لان ابتداء الخطاب يتوجه عليه الآن فيكون بمنزلة الصبى حين يبلغ وروى هشام عن أبى يوسف قال في القياس لاقضاء عليه ولكن أستحسن فأوجب عليه قضاء ما مضى من الشهر لان الجنون الاصلى لا يفارق الجنون العارض في شئ من الاحكام وليس فيه رواية عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى واختلف فيه المتأخرون على قياس مذهبه والاصح انه ليس عليه قضاء ما مضى (قال) مريض أفطر في شهر رمضان ثم مات قبل ان يبرأ فليس عليه شئ لان وقت أداء الصوم في حقه عدة من أيام أخر بالنص ولم يدركه ولان المرض لما كان عذرا في اسقاط أداء الصوم في وقته لدفع الحرج فلان يكون عذرا في اسقاط القضاء أولى وان برئ وعاش شهرا فلم يقض الصوم حتى مات فعليه قضاؤه لانه أدرك عدة من أيام أخر وتمكن من قضاء الصوم فصار القضاء دينا عليه. وفى حديث أبى مالك الاشجعى رحمه الله تعالى أن رجلا سأل رسول الله عمن كان مريضا في شهر رمضان ثم مات فقال عليه الصلاة والسلام ان كان مات قبل ان يطيق الصوم فلا شئ عليه وان أطاق الصوم ولم يصم حتى مات فليقض عنه يعنى بالاطعام ثم لا يجوز لوليه ان يصوم عنه وحكى عن الشافعي رحمه الله تعالى قال ان صح الحديث صام عنه وارثه قال أبو حامد من أصحابهم وقد صح الحديث والمراد منه قوله من مات وعليه صيام صام عنه وليه (ولنا) حديث ابن عمر رضى الله عنهما موقوفا عليه ومرفوعا لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلى أحد عن أحد ثم الصوم عبادة لا تجرى النيابة في أدائها في حالة الحياة فكذلك بعد الموت كالصلاة وهذا لان المعنى في العبادة كونه شاقا على بدنه ولا يحصل ذلك بأداء نائبه ولكن يطعم عنه لكل يوم مسكينا لانه وقع اليأس عن أداء الصوم في حقه فتقوم الفدية مقامه كما في حق الشيخ الفاني وانما يجب عليهم الاطعام من ثلثه إذا أوصى ولا يلزمهم ذلك إذا لم يوص عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى يلزمهم ذلك من جميع ماله أوصى أو لم يوص وهو نظير الخلاف في دين الزكاة ثم الاطعام عندنا يقدر بنصف صاع لكل مسكين وعنده يقدر بالمد وأصل الخلاف في طعام الكفارة ونحن

[ 90 ] نفيسه على صدقة الفطر بعلة انه أوجب كفاية للمسكين في يومه وعلى هذا إذا مات وعليه صلوات يطعم عنه لكل صلاة نصف صاع من حنطة وكان محمد بن مقاتل يقول أولا يطعم عنه لصلوات كل يوم نصف صاع على قياس الصوم ثم رجع فقال كل صلاة فرض على حدة بمنزلة صوم يوم وهو الصحيح والصاع قفيز بالحجاجى وهو ربع الهاشمي وهو ثمانية أرطال في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وهو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الاول ثم رجع فقال خمسة أرطال وثلث رطل ومن أصحابنا من وفق فقال ثمانية أرطال بالعراقى كل رطل عشرون استارا فذلك مائة وستون فذلك مائة وستون استارا وخمسة أرطال وثلث رطل بالحجاجي كل رطل ثلاثون استارا فذلك مائة وستون وهذا ليس بقوي فقد نص في كتاب العشر والخراج عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه خمسة أرطال وثلث رطل بالعراقى وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى وانما رجع أبو يوسف حين حج مع الرشيد فدخل المدينة وسألهم عن صاع رسول الله فأتاه سبعون شيخا منهم كل واحد منهم بحمل صاعا تحت ثوبه فقال ورثت هذا عن أبى عن آبائه إلى رسول الله فكان كل كذلك خمسة أرطال وثلث رطل (ولنا) حديث أنس رضى الله عنه قال كان رسول الله يتوضأ بالمد رطلين ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال وتوارث أهل المدينة ليس بقوي فقد قال مالك رحمه الله تعالى فقيهم صاع أهل المدينة تحرى عبد الملك بن مروان على صاع رسول الله فإذا آل الامر إلى التحرى فتحرى عمر رضى الله عنه أولى بالمصير إليه والقفيز الحجاجي صاع عمر رضى الله عنه حتى كان الحجاج يمن به على أهل العراق ويقول ألم أخرج لكم صاع عمر رضى الله عنه (قال) إبراهيم النخعي رحمه الله كان صاع عمر حجاجيا ثم قد كان لرسول الله صاعان مختلفان منها للنفقات ومنها للصدقات فما روى أنه كان خمسة أرطال وثلث محمول على صاع النفقات (قال) وان صح بعد رمضان عشرة أيام ثم مات فعليه قضاء العشرة الايام التى صح فيها لانه بقدرها أدرك عدة من أيام أخر والبعض معتبر بالكل وذكر الطحاوي أنه على قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يلزمه قضاء جميع الشهر وان صح يوما واحدا وعلى قول محمد رحمه الله تعالى يلزمه القضاء بقدر ما صح وهذا وهم من الطحاوي فان هذا الخلاف في النذر إذا نذر المريض صوم شهر ثم برأ يوما ولم يصم فهو على هذا الخلاف

[ 91 ] فأما رمضان فلا خلاف بينهم والفرق لابي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى أن هناك السبب الموجب هو النذر الا أنه ليس للمريض ذمة صحيحة في التزام أداء الصوم حتى يبرأ فعند البرء يصير كالمجدد للنذر والصحيح إذا قال لله على أن أصوم شهرا ثم مات بعد يوم فعليه قضاء جميع الشهر وهنا السبب الموجب للاداء ادراك عدة من أيام أخر فلا يلزمه القضاء الا بقدر ما أدرك والمسافر في جميع هذه الوجوه بمنزلة المريض (قال) مسافر أصبح صائما ثم قدم المصر فافتى بأن صيامه لا يجزئه وانه عاص فأفطر فعليه القضاء ولا كفارة عليه والكلام في هذه المسألة في فصول. أحدها ان أداء الصوم في السفر يجوز في قول جمهور الفقهاء وهو قول أكثر الصحابة وعلى قول أصحاب الظواهر لا يجوز وهو مروى عن ابن عمر وأبى هريرة رضى الله تعالى عنهما يستدلون بقوله تعالى فعدة من أيام أخر فصار هذا الوقت في حقه كالشهر في حق المقيم فلا يجوز الاداء قبله وقال الصائم في السفر كالمفطر في الحضر وقال ليس من البر الصيام في السفر وفى رواية ليس من امبرم صيام في امسفر (ولنا) قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه وهذا يعم المسافر والمقيم ثم قوله ومن كان مريضا أو على سفر لبيان الترخص بالفطر فينتفي به وجوب الاداء لا جوازه وفى حديث عائشة رضى الله عنها ان حمزة بن عمرو الاسلمي قال يا رسول الله انى أسافر في رمضان أفأ صوم فقال صم ان شئت وفى حديث أنس رضى الله عنه قال سافرنا مع رسول الله في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر لا يعيب البعض على البعض وتأويل حديثهم إذا كان يجهده الصوم حتى يخاف عليه الهلاك على ما روى انه مر برجل مغشى عليه قد اجتمع عليه الناس وقد ظلل عليه فسأل عن حاله فقيل انه صائم فقال ليس من البر الصيام في السفر يعنى لمن هذا حاله والثانى ان المسافرة في رمضان لا بأس بها وعلى قول أصحاب الظواهر يستديم السفر في رمضان ولا ينشئه والدليل على جواز المسافرة حديث أبى هريرة رضى الله عنه ان رسول الله خرج من المدينة إلى مكة لليلتين خلتا من رمضان فصام حتى أتى قديدا فشكى الناس إليه فأفطر ثم لم يزل مفطرا حتى دخل مكة فان سافرت في رمضان فقد سافر رسول الله وان صمت فقد صام وان أفطرت فقد أفطر وكل ذلك واسع والثالث إذا أنشأ السفر في رمضان فله أن يترخص بالفطر وكان على وابن عباس كانا يقولان ذلك لمن أهل الهلال

[ 92 ] وهو مسافر فاما من أنشأ السفر في رمضان فليس له أن يفطر والحديث الذى روينا حجة فقد أفطر رسول الله حين شكى الناس إليه ولا يقال لما أهل الهلال وهو مقيم فقد لزمه أداء صوم الشهر فلا يسقط ذلك عنه بسفر ينشئه باختياره كاليوم الذى يسافر فيه لانا نقول صوم الشهر عبادات متفرقة وانما يلزمه الاداء باعتبار اليوم الذى كان مقيما في شئ منه دون اليوم الذى كان مسافرا في جميعه قياسا على الصلوات والرابع أن الصوم في السفر أفضل من الفطر عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى الفطر أفضل لان ظاهر ما روينا من الآثار يدل على أن الصوم في السفر لا يجوز فان ترك هذا الظاهر في حق الجواز بقى معتبرا في أن الفطر أفضل وقاس بالصلاة فان الاقتصار على الركعتين في السفر أفضل من الاتمام فكذلك الصوم لان السفر يؤثر فيهما قال ان الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم (ولنا) ما روى عن النبي أنه قال في المسافر يترخص بالفطر وان صام فهو أفضل له وبدأ رسول الله بالصوم حتى شكى الناس إليه ثم أفطر فذلك دليل على أن الصوم أفضل ثم الفطر رخصة وأداء الصوم عزيمة والتمسك بالعزيمة أولى من الترخص بالرخصة وهذا لان الرخصة لدفع الحرج عنه وربما يكون الحرج في حقه في الفطر أكثر فانه يحتاج إلى القضاء وحده والصوم مع الجماعة في السفر يكون أخف من الفطر والقضاء وحده في يوم جميع الناس فيه مفطرون بخلاف الصلاة فان شطر الصلاة سقط عنه أصلا حتى لا يلزمه القضاء فان الظهر في حقه كالفجر في حق المقيم إذا عرفنا هذا فنقول إذا قدم المصر فأفتى أن صومه لا يجزيه تصير هذه الفتوى شبهة في اسقاط الكفارة وكذا كونه مسافرا في أول النهار يصير شبهة في آخره والكفارة تسقط بالشبهة (قال) ولا بأس بقضاء رمضان في أيام العشر يريد به تسعة أيام من أول ذى الحجة وهو قول عمر رضى الله تعالى عنه وكان على رضى الله عنه يقول لا يجوز لحديث روى عن رسول الله أنه نهى عن قضاء رمضان في أيام العشر ونحن أخذنا بقول عمر رضى الله تعالى عنه لان الصوم في هذه الايام مندوب إليه وهو قياس صوم عاشوراء وصوم شعبان وقضاء رمضان في هذه الاوقات يجوز. وقال أفضل الصيام بعد رمضان عشر ذى الحجة وتأويل النهى في حق من يعتاد صوم هذه الايام تطوعا انه لا ينبغى له أن يترك عادته ويؤدى ما عليه من القضاء في هذه الايام

[ 93 ] (قال) وإذا بلغ الغلام في يوم من رمضان فأفطر فيه فلا شئ عليه. وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه إذا بلغ قبل الزوال فعليه أن يصوم وان أفطر فعليه قضاء هذا اليوم لان وقت النية يمتد إلى وقت الزوال في حق من كان أهلا للعبادة في أول النهار فصار بلوغه قبل الزوال كبلوغه ليلا فعليه أن ينوى الصوم وجه ظاهر الرواية عن الخطاب بالصوم ما كان متوجها عليه في أول النهار وصوم اليوم الواحد لا يتجزأ وجوبا وامساكه في أول النهار ما توقف على صوم الفرض لانه لم يكن أهلا له فهو نظير الكافر يسلم ولو بلغ في غير رمضان في يوم فنوى الصوم تطوعا أجزأه بالاتفاق وفى الكافر يسلم اشتباه فقد ذكر في الجامع الصغير في صبى بلغ وكافر يسلم قال هما سواء وهذا يدل على ان نية كل واحد منهما صوم التطوع صحيح وأكثر مشايخنا على الفرق بين الفصلين فقالوا لا يصح من الكافر نية صوم التطوع بعد ما أسلم قبل الزوال لانه ما كان أهلا للعبادة في أول النهار فلا يتوقف امساكه على أن يصير عبادة بالنية قبل الزوال (قال) وإذا ذاق الصائم بلسانه شيئا ولم يدخل حلقه لم يفطر لان الفطر بوصول شئ إلى جوفه ولم يوجد والفم في حكم الظاهر. ألا ترى أن الصائم يتمضمض فلا يضره ذلك ويكره له أن يعرض نفسه لشئ من هذا لانه لا يأمن أن يدخل حلقه بعد ما أدخله فمه فيحوم حول الحمى قال فمن رتع حول الحمى يوشك ان يقع فيه (قال) وان دخل ذباب جوفه لم يفطره ولم يضره وهذا استحسان وكان ينبغى في القياس ان يفسد صومه لانه ليس فيه أكثر من أنه غير مغذ وأنه لا صنع له فيه فكان نظير التراب يهال في حلقه وفى الاستحسان لا يضره هذا لانه لا يستطاع الامتناع منه فان الصائم لا يجد بدا من أن يفتح فمه فيتحدث مع الناس ومالا يمكن التحرز عنه فهو عفو ولانه مما لا يتغذى به فلا ينعدم به معنى الامساك وهو نظير الدخان والغبار يدخل حلقه قال أبو يوسف رحمه الله تعالى وقد يدخل في هذا الاستحسان بصفة القياس فانه لو كان الذباب في حلقه ثم طار لم يضره ولو كان هذا مفسدا للصوم لكان بوصوله إلى باطنه يفسد صومه وان خرج بعد ذلك وان نزل في حلقه ثلج أو مطر فقد اختلف مشايخنا فيه والصحيح أنه يفطره لان هذا مما يستطاع الامتناع منه بأن يكون تحت السقف ولان هذا مما يتغذى به (قال) وان كان بين اسنانه شئ فدخل جوفه لم يفطر لان هذا لا يستطاع الامتناع منه فان تسحر بالسويق فلا بد من أن يبقى بين اسنانه شئ فإذا أصبح يدخل في حلقه مع ريقه ثم ما يبقى بين الاسنان تبع لريقه فكما انه

[ 94 ] إذا ابتلع ريقه لم يضره فكذلك ما هو تبع وهذا إذا كان صغيرا يبقى بين الاسنان عادة وهو بخلاف ما إذا دخل ذلك القدر في فمه لان ذلك مما يستطاع الامتناع منه فان كان بحيث لا يبقى بين الاسنان عادة يفسد صومه لان هذا لا تكثر فيه البلوى والتحرز عنه ممكن وقدروا ذلك بالحمصة فان كان دونها لم يفسد به الصوم وقدر الحمصة إذا أدخله في حلقه فسد صومه وعليه القضاء ولا كفارة عليه في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى. وقال زفر رحمه الله تعالى عليه الكفارة لانه ليس فيه أكثر من انه طعام متغير فهو كالمفطر باللحم المنتن ولابي يوسف ان هذا من جنس مالا يتغذى به والطباع تعافه فهو نظير التراب ثم للفم حكم الباطن من وجه وحكم الظاهر من وجه والكفارة تسقط بالشبهة فلهذا أسقطنا عنه الكفارة (قال) رجل قال الله على صوم شهر فله ان يصومه متفرقا اما وجوب الصوم بنذره فلانه عاهد الله عهدا والوفاء بالعهد واجب قال الله تعالى وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم وذم من ترك الوفاء بالعهد بقوله ومنهم من عاهد الله الآية ثم ما كان من جنسه واجب شرعا صح التزامه بالنذر وما ليس من جنسه واجب شرعا كعيادة المريض لا يصح التزامه بالنذر الا في رواية عن أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى وهو قول أبى يوسف فكأنه اعتبر في تلك الرواية كون المنذور قربة ثم ما يلزمه بالنذر فرع لما هو واجب بايجاب الله تعالى وما أوجب الله تعالى من الصوم مطلقا فتعيين وقت الاداء إلى العبد والخيار إليه في الاداء متفرقا أو متتابعا كفضاء رمضان فكذلك ما يوجبه على نفسه ولان صوم الشهر عبادات متفرقة لانه يتخلل بين الايام وقت لا يقبل الصوم فلا يلزمه التتابع فيه الا ان ينص عليه أو ينويه فان المنوي إذا كان من محتملات لفظه جعل كالملفوظ (قال) فان سمى شهرا بعينه كرجب فعليه ان يصومه وان لم يصمه فعليه القضاء وكذلك ان أفطر فيه يوما فعليه قضاء ذلك اليوم بالقياس على ما وجب بايجاب الله تعالى من الصوم في وقت بعينه وهو صوم رمضان ويستوى ان كان قال متتابعا أو لم يقل لان الصفة في العين غير معتبرة وأيام شهر بعينه متجاورة لا متتابعة فلا يلزمه صفة التتابع فيه وان نص عليه أو نواه بخلاف ما إذا سمى شهرا بغير عينه لان الوصف في غير المعين معتبر ثم في المعين إذا لم يصمه حتى وجب عليه القضاء فله أن يفرق القضاء لان القضاء معتبر بالاداء كما في صوم رمضان (قال) وان كان أراد يمينا فعليه كفارة اليمين سواء أفطر في جميع الشهر أو في يوم منه لان المنوي من محتملات

[ 95 ] لفظه فان الحالف يعاهد الله تعالى كالناذر ثم شرط حنثه أن لا يصوم جميع الشهر فسواء أفطر فيه يوما أو أكثر فقد وجد شرط الحنث والحاصل أنه إذا لم ينو شيئا كان كلامه نذرا باعتبار الظاهر والعادة وان نوى اليمين كان يمينا بنيته نذرا بظاهره وان نواهما جميعا كان نذرا ويمينا في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وروى أصحاب الاملاء عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنهما لا يجتمعان في كلمة واحدة ولكنه ان نوى اليمين فهو يمين تلزمه الكفارة بالحنث دون القضاء وان نواهما كان نذرا ولم يكن يمينا وجه قوله ان حكم النذر يخالف حكم اليمين فلا يجتمعان في كلام واحد كقوله لامرأته أنت على حرام ان نوى به الطلاق كان طلاقا وان نوى به اليمين كان يمينا ولا يجتمعان وان نواهما وليس هذا نظير قول أبى يوسف رحمه الله تعالى في اجتماع معنى الحقيقة والمجاز في كلام واحد في بعض مسائل الايمان لان حكم المجاز هناك غير مخالف لحكم الحقيقة فكان بمنزلة لفظ العموم وجه قولهما أن في لفظه كلمتين احداهما يمين وهو قوله لله فان معناه بالله قال ابن عباس رضى الله عنه دخل آدم الجنة فلله ما غربت الشمس حتى خرج وهذا لان اللام والباء يتعاقبان قال الله تعالى أآمنتم له وفى موضع آخر به وقوله على نذر الا أن عند الاطلاق غلب عليه معنى النذر باعتبار العادة فحمل عليه فإذا نواهما فقد نوى بكل لفظ ما هو من محتملاته فيعمل بنيته وليس هذا نظير ما يقال ان على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا تجتمع الحقيقة والمجاز في لفظ واحد لان الحقيقة استعمال اللفظ في موضعه والمجاز استعماله في غير موضعه وانما ذلك في كلمة واحدة لا في كلمتين (قال) وان نذر صوم سنة بعينها أفطر يوم النحر ويوم الفطر وأيام التشريق لان الصوم في هذا الايام منهى عنه شرعا والى العبد ولاية الايجاب بنذره لا رفع المنهى ثم عليه قضاء هذه الايام عندنا. وقال زفر رحمه الله تعالى ليس عليه القضاء وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى واصل المسألة إذا قال لله على ان أصوم غدا وغدا يوم النحر أو قال لله على ان أصوم يوم النحر صح نذره في الوجهين ويؤمر بأن يصوم يوما آخر فان صام في ذلك اليوم خرج من موجب نذره وعند زفر والشافعي رحمهما الله تعالى لا يصح نذره وهو رواية ابن المبارك عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى وروى الحسن عن أبى حنيفة أنه إذا قال لله على صوم يوم النحر لم يصح نذره وان قال غدا وغدا يوم النحر صح نذره وجه قولهما ان الصوم غير مشروع في هذه الايام وليس إلى العبد شرع ما ليس بمشروع كالصوم ليلا

[ 96 ] وبيانه أن الشرع عين هذا الزمان للاكل بقوله عليه السلام فانها أيام أكل وشرب وتعينه لاحد الضدين ينفى الضد الآخر فيه والدليل على. أنه لا يصلح لاداء شئ من الواجبات ان الصوم اسم لما هو قربة والمنهي عنه يكون معصية فلا يكون صوما (ولنا) ان الصوم مشروع في هذه الايام فان النبي نهى عن صوم هذه الايام وموجب النهى الانتهاء والانتهاء عما ليس بمشروع لا يتحقق ولان موجب النهي الانتهاء على وجه يكون للعبد فيه اختيار بين أن ينتهى فيثاب عليه وبين أن يقدم على الارتكاب فيعاقب عليه وذلك لا يتحقق إذا لم يبق الصوم مشروعا فيه وموجب النهى غير موجب النسخ فإذا كان موجب النسخ رفع المشروع عرفنا أنه ليس موجب النهي رفع المشروع والمعنى الذى لاجله كان الصوم مشروعا في سائر الايام كون الامساك فيها بخلاف العادة وهذا المعنى في هذه الايام أظهر والشرع أمر بالفطر فيه لا انه جعله مفطرا فيه بخلاف الليل فقد جعله مفطرا بدخول الليل بقوله فقد أفطر الصائم أكل أولم يأكل وانهى يجعل الاداء من العبد فاسدا ولهذا لا يصلح لاداء شئ من الواجبات به ولكن صفة الفساد لا تمنع بقاء أصله شرعا كمن أفسد احرامه نفى عقد الاحرام وعليه أداء الافعال شرعا وإذا ثبت أن الصوم مشروع في هذا اليوم فقد حصل نذره مضافا إلى محله فيصح وليس في النذر ارتكاب المنهى انما ذلك في أداء الصوم ولهذا أمرناه بأن يصوم يوما آخر كيلا يكون مرتكبا للنهى ولو صام في هذه الايام خرج عن موجب نذره لانه ما التزم الا هذا القدر وقد أدى كمن قال لله علي أن أعتق هذه الرقبة وهي عمياء خرج عن موجب نذره باعتاقها لانه ما التزم الا هذا القدر وقد أدى باعتاقها وان كان لا يتأدى شئ من الواجبات بها وكمن نذر أن يصلى عند طلوع الشمس فعليه أن يصلى في وقت آخر فإذا صلى في ذلك الوقت خرج عن موجب نذره وجه رواية الحسن أنه إذا نص على يوم النحر فقد صرح في نذره بما هو منهى عنه فلم يصح وإذا قال غدا لم يصرح في نذره بما هو منهى عنه فصح نذره وهو كالمرأة إذا قالت لله على أن أصوم يوم حيضى لم يصح نذرها ولو قالت غدا وغدا يوم حيضها صح نذرها إذا عرفنا هذا فنقول إذا نذر صوم سنة بعينها فعليه قضاء خمسة أيام إذا أفطر فيها يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق وان التزم سنة بغير عينها فعليه قضاء خمسة وثلاثين يوما لان صوم رمضان لا يكون عن المنذور ولو قال سنة متتابعة فعليه ان يصل هذا القضاء بالاداء وكان محمد بن سلمة رحمه الله تعالى يقول في هذا الفصل لا يفطر

[ 97 ] في الايام الخمسة لان هذا القدر من التتابع في وسعه والاول أصح وهو مروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى وكذلك المرأة ان نذرت صوم سنة بعينها قضت أيام الحيض لما بينا (قال) رجل جعل لله عليه أن يصوم كل خميس يأتي عليه فافطر خميسا فعليه القضاء وكفارة اليمين ان أراد يمينا فان أفطر خميسا آخر قضاه أيضا ولم يكن عليه كفارة أخرى لان اليمين واحدة فإذا حنث فيها مرة لا يحنث مرة أخرى ويحكم النذر لزمه صوم كل خميس فكل ما أفطر في خميس كان عليه قضاؤه وهذا لان ايجاب القضاء في كل خميس لا يقتضي تعدد النذر بخلاف ايجاب الكفارتين (قال) وان جعل لله عليه ان يصوم اليوم الذى يقدم فيه فلان أبدا فقدم فلان ليلا لم يلزمه شئ لان اليوم حقيقة لبياض النهار ولم يوجد ذلك عند قدوم فلان ولا يقال اليوم بمعنى الوقت كما لو قال لامرأته أنت طالق في اليوم الذى يقدم فيه فلان لان اليوم قد يحتمل معنى الوقت ولكن إذا قرن به ما يختص بأحد الوقتين وان قدم فلان في يوم قد أكل فيه فعليه ان يصوم ذلك اليوم فيما يستقبل ولا يقضى هذا اليوم الذى أكل فيه وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى ان عليه قضاءه قال لان السبب هو النذر والوقت شرط فيه فعند وجوده يستند الوجوب إلى نذره فكأنه قال لله على ان أصوم غدا فاكل الغد فعليه قضاؤه وجه ظاهر الرواية انه أضاف النذر إلى وقت قدوم فلان فعند وجود القدوم يصير كالمجدد للنذر كما هو الاصل ان المعلق بالشرط عند وجوده كالمنجز ومن أكل في يوم ثم قال لله على ان أصوم هذا اليوم أبدا فعليه ان يصومه فيما يستقبل وليس عليه قضاء هذا اليوم وكذلك لو قدم فلان بعد الزوال وجواب أبى يوسف رحمه الله تعالى في هذا غير محفوظ ويجوز ان يفرق بينهما بعلة ان ما بعد الزوال ليس بوقت لالتزام الصوم من أحد وما قبل الزوال ان لم يكن وقتا لالتزام الصوم في حق الاكل فهو وقت في حق غيره والا ظهر انه يسوى بينهما وان كان قدم قبل الزوال ولم يكن أكل فيه صامه لبقاء وقت النية عند القدوم وصار كالمنجز للنذر في الحال (قال) رجل أصبح صائما يوم الفطر ثم أفطر فلا قضاء عليه في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعليه القضاء في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لان الشروع ملزم كالنذر بدليل سائر الايام والنهى لا يمنع صحة الشروع فيجب القضاء كمن شرع في الصلاة في الاوقات المكروهة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول لم يجب عليه الاتمام بعد الشروع

[ 98 ] لان فيه معصية ووجوب القضاء ينبنى على وجوب الاتمام ولان القدر المؤدى كان فاسدا لما فيه من ارتكاب النهى فلا يجب عليه حفظه ووجوب الاتمام والقضاء لحفظ المؤدى بخلاف النذر فانه بنذره صار مرتكبا للنهى وفي الشروع في الصلاة في الوقت المكروة روايتان عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى وبعد التسليم الفرق من وجهين أحدهما ان بالشروع هناك لا يصير مرتكبا للنهى لان بمجرد التكبير لا يصير مصليا كمن حلف ان لا يصلى فكبر لا يحنث فلهذا صح الشروع وهنا بمجرد الشروع صار صائما مرتكبا للنهى بدليل مسألة اليمين ولان هناك يمكنه الاداء بذلك الشروع لا بصفة الكراهة بان يصبر حتى تبيض الشمس فلهذا لزمه وهنا بهذا الشروع لا يمكنه الاداء بدون صفة الكراهة فلم تلزمه (قال) امرأة قالت لله على أن أصوم يوم حيضى فلا شئ عليها لان الحيض ينافى أداء الصوم ومع التصريح بالمنافي لا يصح الالتزام كمن قال الله على ان أصوم اليوم الذى أكلت فيه وكذلك ان حاضت ثم قالت لله على ان أصوم هذا اليوم لان المنافى متحقق فكأنها صرحت به بخلاف ما إذا قالت لله على ان أصوم غدا فحاضت من الغد لانه ليس في لفظها تصريح بالمنافى فصح الالتزام ثم تعذر عليها الاداء بما اعترض من الحيض فعليها القضاء (قال) وإذا دخل الغبار أو الدخان حلق الصائم لم يضره لان هذا لا يستطاع الامتناع منه فالتنفس لا بد منه للصائم والتكليف بحسب الوسع ولو طعن برمح حتى وصل إلى جوفه لم يفطره لان كون الرمح بيد الطاعن يمنع وصوله إلى باطنه حكما فان بقى الزج في جوفه فسد صومه لانه صار مغيبا حقيقة فكان واصلا إلى باطنه وهو قياس ما لو ابتلع خيطا فان بقى أحد الجانبين بيده لم يفسد صومه وان لم يبق فسد صومه (قال) ولو أكره على أكل وشرب فعليه القضاء دون الكفارة عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان تناول بنفسه مكرها فكذلك وان صب في حلقه لم يفسد صومه واعتبر صنعه في ذلك ونحن نعتبر وصول المفطر إلى باطنه مع ذكره للصوم وذلك لا يختلف بفعله وبفعل غيره وكذلك النائم ان صب في حلقه ماء فسد صومه عندنا ولم يفسد عند زفر والشافعي رحمهما الله تعالى لانه أعذر من الناسي إذا لا صنع له أصلا ولكنا نقول الناسي معدول به عن القياس بالنص وهذا ليس في معناه لان النسيان لا صنع فيه للعباد فإذا كان العذر ممن له الحق منع فساد صومه واليه أشار رسول الله فقال ان الله أطعمك وسقاك وهنا انما

[ 99 ] جاء العذر بسبب مضاف إلى العباد وهو النوم منه والصب من غيره وهذا غير مانع من فساد الصوم لوصول المفطر إلى باطنه (قال) وللصائم ان يستاك بالسواك أول النهار وآخره وكره الشافعي رحمه الله تعالى للصائم السواك آخر النهار لقوله لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك والسواك يزيل الخلوف وما هو أثر العبادة يكره ازالته كدم الشهيد (ولنا) قوله خير خلال الصائم السواك وقال لولا ان اشق على أمتى لامرتهم بالوضوء عند كل صلاة وبالسواك عند كل وضوء ثم هو تطهير للفم فلا يكره للصائم كالمضمضة والسواك لا يزيل الخلوف بل يزيد فيه انما يزيل النكهة الكريهة ومراده بيان درجة الصائم لا عين الخلوف فان الله تعالى يتعالى هن أن تلحقه الروائح ودم الشهيد يبقى عليه ليكون شاهدا له على خصمه يوم القيامة والصوم بين العبد وبين من يعلم السر وأخفى فلا حاجة إلى الشاهد والسواك الرطب واليابس فيه سواء لقول ابن عباس رضى الله عنه لا بأس لصائم أن يستأك بالسواك الاخضر وكذلك لا بأس أن يبله بالماء الا في رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه كره ذلك لانه يجد منه بدا فهو نظير الذوق وادخال الماء في فمه من غير حاجة (ولنا) حديث عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله يستاك بالسواك الرطب وهو صائم (قال) وإذا خافت الحامل أو المرضع على نفسها أو ولدها أفطرت لقوله ان الله تعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم وعن الحامل والمرضع الصوم ولانه يلحقها الحرج في نفسها أو ولدها والحرج عذر في الفطر كالمريض والمسافر وعليها القضاء ولا كفارة عليها لانها ليست بجانية في الفطر ولا فدية عليها عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان خافت على نفسها فكذلك وان خافت على ولدها فعليها الفدية ومذهبه مروى عن ابن عمر رحمه الله تعالى ومذهبنا مروى عن على وابن عباس رضى الله عنهما الا ان المروى عن ابن عمر الفدية دون القضاء والجمع بينهما لم يشتهر عن أحد من الصحابة وهو يقول الفطر منفعة حصلت بسبب نفس عاجزة عن الصوم خلقة لا علة فيوجب الفدية كفطر الشيخ الفاني وهذا لان الفطر منفعة شخصين منفعتها ومنفعة ولدها فباعتبار منفعتها يجب القضاء وباعتبار منفعة ولدها تجب الفدية (ولنا) ان هذا مفطر يرجى له القضاء فلا يلزمه الفداء كالمريض والمسافر وهذا لان الفدية

[ 100 ] مشروعة خلفا عن الصوم والجمع بين الخلف والاصل لا يكون وهو خلف غير معقول بل هو ثابت بالنص في حق من لا يطيق الصوم فلا يجوز ايجابه في حق من يطيق الصوم ولا يجوز أن يجب باعتبار الولد لانه لا صوم على الولد فكيف يجب ما هو خلف عنه ولانه لا يجب في مال الولد ولو كان باعتباره لوجب في مال كنفقته ولتضاعف بتعدد الولد واما الشيخ الكبير الذى لا يطيق الصوم فانه يفطر ويطعم لكل يوم نصف صاع من حنطة. وقال مالك لا فدية عليه قال لان أصل الصوم لم يلزمه لكونه عاجزا عنه فكيف يلزمه خلفه لان الخلف مشروع ليقوم مقام الاصل ولنا ان الصوم قد لزمه لشهود الشهر حتى لو تحمل المشقة وصام كان مؤديا للفرض وانما يباح له الفطر لاجل الحرج وعذره ليس بعرض الزوال حتى يصار إلى القضاء فوجبت الفدية كمن مات وعليه الصوم يوضحه ان الصوم لزمه لا باعتبار عينه بل باعتبار خلفه كالكفارة تجب على العبد لا باعتبار المال بل باعتبار خلفه وهو الصوم والاصل فيه قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين جاء عن ابن عباس رضى الله تعالى عنه وعلى الذين يطيقونه فلا يطيقونه فدية وقيل حرف لا مضمر فيه معناه وعلى الذين لا يطيقونه قال الله تعالى يبين الله لكم ان تضلوا أي لئلا تضلوا وجعل فيها رواسي أن تميد بكم أي لئلا تميد بكم (قال) وإذا أكل الصائم الطين أو الجص أو الحصاة متعمدا فعليه القضاء ولا كفارة عليه وقد بينا هذا ومراده طين الارض فأما إذا أكل الطين الارمني تلزمه الكفارة رواه ابن رستم عن محمد رحمهما الله تعالى لان هذا مما يتداوى به فانه والغاريقون سواء (قال) ابن رستم قلت لمحمد فان أكل من هذا الطين الذى يقلى ويؤكل قال لا أدرى ما هذا والصحيح أنه تلزمه الكفارة لانه يؤكل تفكها ويؤكل على سبيل التداوى فقد ينفع المرطوب (قال) ويكره للصائم مضغ العلك ولا يفطره لان مضغ العلك يدبغ المعدة ويشتهي الطعام ولم يأن له فهو اشتغال بما لا يفيد والناظر إليه من بعد يظن أنه يتناول شيئا فيتهمه ولا يأمن أن يدخل شيئا منه حلقه فيكون معرضا صومه للفساد ولكن لا يفطره لان عين العلك لا تصل إلى حلقه حلقه انما يصل إليه طعمه وهذا إذا كان العلك مصلحا ملتئما فأما إذا لم يكن ملتئما فمضغه حتى صار ملتئما يفسد صومه لانه تتفتت أجزاؤه فيدخل حلقه مع ريقه (قال) ولا بأس بأن تمضغ المرأة لصبيها طعاما إذا لم تجد منه بدا لان الحال حال الضرورة ويجوز لها الفطر لحاجة فلان يجوز مضغ الطعام كان أولى فاما إذا كانت

[ 101 ] تجد من ذلك بدا يكره لها ذلك لانها لا تأمن أن يدخل شئ منه حلقها فكانت معرضة صومها للفساد وذلك مكروه عند عدم الحاجة قال من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه والله تعالى أعلم بالصواب { باب صدقه الفطر } (الاصل) في وجوب صدقة الفطر حديث ابن عمران رسول الله فرض صدقة الفطر على كل حر وعبد ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا صاعا من تمرا وصاعا من شعير وحديث عبد الله بن ثعلبة العدوى ويقال العبدرى الذى بدأ به محمد رحمه الله تعالى الباب فقال خطبنا رسول الله فقال ادوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير وحديث ابن عباس رضى عنه انه خطب بالبصرة فقال أدوا زكاة فطركم فنظر الناس بعضهم إلى بعض فقال من هنا من أهل المدينة قوموا رحمكم الله فعلموا اخوانكم فانهم لا يعلمون كان رسول الله يأمرنا في هذا اليوم ان نؤدى صدقة الفطر عن كل حر وعبد نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير ثم الشافعي رحمه الله تعالى أخذ بحديث ابن عمر وقال انها فريضة بناء على أصله أنه لا فرق بين الواجب والفريضة وعندنا هي واجبة لان ثبوتها بدليل موجب للعمل غير موجب علم اليقين وهو خبر الواحد وما يكون بهذه الصفة يكون واجبا في حق العمل ولا يكون فرضا حتى لا يكفر جاحده انما الفرض ما ثبت بدليل موجب للعلم وقيل في قوله تعالى قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى أي تطهر بأداء زكاة الفطر وصلى صلاة العيد بعده ثم سبب وجوب صدقة الفطر رأس يمونه بولايته عليه قال أدوا عمن تمونون وحرف عن للانتزاع من الشئ فيحتمل أحد وجهين اما ان يكون سببا ينتزع منه الحكم أو محلا يجب عليه ثم يؤدى عنه وبطل الثاني لاستحالة الوجوب على العبد والكافر فتعين الاول ولانه يتضاعف بتضاعف الرؤس فعلم ان السبب هو هو الرأس وانما يعمل في وقت مخصوص وهو وقت الفطر ولهذا يضاف إليه فيقال صدقة الفطر والاضافة في الاصل وان كان إلى السبب فقد يضاف إلى الشرط مجازا فان الاضافة تحتمل الاستعارة فاما التضاعف بتضاعف الرؤس لا يحتمل الاستعارة ثم هي عبادة فيها معنى

[ 102 ] المؤنة ولهذا لا يشترط لوجوبه كمال الاهلية ومعني المؤنة يرجح الرأس في كونه سببا على الوقت وإذا كان الوجوب في وقت الفطر من رمضان وهو عند طلوع الفجر من يوم الفطر يستحب أداؤه كما وجب قبل الخروج إلى المصلى لحديث ابن عمر ان رسول الله كان يأمرهم ان يؤدوا صدقة الفطر قبل ان يخرجوا إلى المصلى وقال اغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم والمعنى انه إذا أدى قبل الخروج تفرغ قلب الفقير عن حاجة العيال فتفرغ لاداء الصلاة وقيل في يوم الفطر يستحب للمرء ستة أشياء ان يغتسل ويستاك ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه ويؤدى فطرته ويتناول شيئا ثم يخرج إلى المصلى (قال) وعلى المسلم الموسر ان يؤدى زكاة الفطر عن نفسه اما اشتراط الاسلام فلان في آخر حديث ابن عمر رضي الله عنه قال من المسلمين وقال في زكاة الفطر طهرة للصائمين من اللغو والرفث. وقال عمر رضى الله عنه الصوم محبوس بين السماء والارض حتى تؤدي زكاة الفطر ولانها عبادة فلا تجب الا على من هو أهل لثوابها وهو المسلم وأما اشتراط اليسار فقول علمائنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى من ملك قوت يومة وزيادة بقدر ما يؤدى زكاة الفطر فيؤدى زكاة الفطر لانه ذكر في آخر حديث ابن عمر رضي الله عنه غنى أو فقير ولانه واجد لما يتصدق به فضلا عن حاجته فيلزمه الاداء كالموسر وهذا لان صدقة الفطر تشبه الكفارة دون الزكاة حتى لا يعتبر فيها الحول وفي الكفارة يعتبر تيسر الاداء دون الغنى فكذلك في زكاة الفطر (ولنا) قوله لا صدقة الا عن ظهر غنى ولان الفقير محل الصرف إليه فلا يجب عليه الاداء كالذى لا يملك الا قوت يومه وهذا لان الشرع لا يرد بما لا يفيد فلو قلنا بأنه يأخذ من غيره ويؤدى عن نفسه كان اشتغالا بما لا يفيد وحديث ابن عمر رضى الله عنه محمول على ما كان في الابتداء ثم انتسخ بقوله انما الصدقة ما كانت عن ظهر غنى أو ما أبقت غنى أو هو محمول على الندب فانه قال في آخره أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيعطيه الله أفضل مما أعطى ثم اليسار المعتبر لايجاب زكاة الفطر أن يملك مائتي درهم أو ما يساوى مائتي درهم من الدراهم التى تغلب النقرة فيها على الغش فضلا عن حاجته ويتعلق بهذا اليسار أحكام ثلاثة حرمة أخذ الصدقة ووجوب زكاة الفطر والاضحية وكما يؤدى عن نفسه فكذلك يؤدى عن أولاده الصغار لان رأس أولاده في معنى رأسه فانه يمونهم بولايته وقد بينا أن سبب الوجوب هذا وكذلك يؤدى عن مماليكه للخدمة

[ 103 ] لانه يمونهم بولايته عليهم القن والمدبر وأم الولد في ذلك سواء فان ولايته عليهم لا تنعدم بالتدبير والاستيلاد انما تستحيل المالية بهذا السبب ولا عبرة للمالية فانه يؤدى عن نفسه وعن أولاده الصغار ولا مالية فيهم ما خلا مكاتبيه فانه لا يؤدى عنهم لان ولايته عليهم قد اختلت بسبب الكتابة فان المكاتب صار بمنزلة الحر في حق اليد والتصرف وحكي عن عطاء أنه يؤدى عنهم لقوله أدوا عن كل حر وعبد. وقال المكاتب عبد ما بقى عليه درهم ولكنا نستدل بقوله أدوا عمن تمونون وهو لا يمون المكاتب وعن ابن عمر رضى الله عنه أنه كان يؤدى زكاة الفطر عن جميع مماليكه الا المكاتبين له وليس على المكاتب أن يؤدى عن نفسه ولا عن مماليكه الا على قول مالك رحمه الله تعالى فانه يجعل المكاتب مالكا لكسبه بناء على أصله ان المملوك من أهل ملك المال إذا ملكه المولى وعندنا المملوك مال ليس من أهل ملك المال للتضاد بين المالكية وبين المملوكية والمكاتب ليس بمالك لكسبه على الحقيقة وقد بينا ان شرط الوجوب الغنا وذلك لا يثبت بدون حقيقة الملك والدليل عليه إباحة الاخذ له وان كان في يده كسب (قال) ويؤدى المسلم عن مملوكه الكافر عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يؤدى عنه وهذه المسألة تنبنى على أصل وهو أن الوجوب عندنا على المولى عن عبده فتعتبر أهلية المولى وعنده الوجوب على العبد ثم يتحمل المولى عنه فيعتبر كون العبد أهلا للوجوب عليه وهو يستدل لاثبات هذا الاصل بحديث ابن عمر ان النبي فرض صدقة الفطر على كل حر وعبد ولانها طهرة للصائم ووجوب الصوم على العبد وقيل صدقة الفطر للصوم كسجود السهو للصلاة والسجود يجب على المصلي لا على غيره. وقال ابن عمر في صدقة الفطر ثلاثة أشياء قبول الصوم والفلاح والنجاة من سكرات الموت وعذاب القبر (ولنا) قوله عليه الصلاة والسلام أدوا عمن تمونون فانما الوجوب على من خوطب بالاداء وجعله بمنزلة النفقة ونفقة المملوك على المولى فكذلك صدقة الفطر عنه ثم هذه صدقة واجبة باعتبار ملكه فكانت عليه ابتداء كزكاة المال عن عبد التجارة وهذا لان حال العبد دون حال فقير لا يملك شيئا لان ذلك الفقير من أهل الملك والعبد لا فإذا لم تجب على الفقير الذى لا يملك شيئا فلان لا تجب على العبد أولى والدليل عليه أنه لا يخاطب بالاداء بحال بخلاف الصغير الذى له مال فانه يخاطب بالاداء بعد البلوغ إذا لم يؤده عنه وليه وحرف على في حديث ابن عمر بمعني

[ 104 ] حرف عن قال الله تعالى إذا اكتالوا على الناس يستوفون أي عن الناس ولا معتبر بالصوم فانه يجب على الرضيع ولا صوم عليه وعلى سبيل الابتداء في المسألة لنا حديث نافع عن ابن عمر ومقسم عن ابن عباس رضى الله عنهما ان النبي قال أدوا عن كل حر وعبد يهودي أو نصراني أو مجوسي وهو نص ولكنه شاذ وقد بينا ان السبب رأس يمونه بولايته عليه وذلك لا يختلف بكفر المملوك واسلامه ولا يؤدى الكافر عن مملوكه المسلم اما عندنا فلان الوجوب على المولى والمولى ليس بأهل له وعند الشافعي رحمه الله تعالى تحمل المولى عن عبده يستدعى أهلية أداء العبادة والكافر ليس بأهل له والوجوب على العبد عنده باعتبار تحمل المولى الاداء عنه فإذا انعدم ذلك في حق المملوك لم يجب أصلا (قال) وإذا كان للولد الصغير مال أدي عنه أبوه من مال الصغير في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالي وكذلك يضحى عنه من ماله استحسانا في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ذكره في كتاب الحيل وقال محمد وزفر رحمهما الله تعالى يؤدى من مال نفسه ولو أدى من مال الصغير ضمن وكذلك الخلاف في الوصي الا ان عند محمد وزفر رحمهما الله تعالى الوصي لا يؤدى عنه أصلا والقياس ما قالا لانها زكاة في الشريعة كزكاة المال فلا تجب على الصغير ولانها عبادة والصبى ليس بأهل لوجوب العبادة عليه فان الوجوب ينبنى على الخطاب استحسن أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى فقالا فيها معنى المؤنة بدليل الوجوب على الغير بسبب الغير فهو كالنفقة ونفقة الصغير في ماله إذا كان له مال ثم هذه طهرة شرعية فتقاس بنفقة الختان وهذا لانا لو لم نوجب عليه احتجنا إلى الايجاب على الاب فكان في الايجاب في ماله حفظ حق الاب وهو اسقاط عنه ومال الصبي يحتمل حقوق العباد وبه فارق الزكاة ثم على قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى كما يؤدى عن الصغير من ماله فكذلك عن مماليك الصغير يؤدى من مال الصغير وعند محمد لا يؤدى عن مماليكه أصلا والمعتوه والمجنون في ذلك بمنزلة الصغير وروى عن محمد رحمه الله تعالى ان الاب انما يؤدى عن ابنه المعتوه والمجنون إذا بلغ كذلك فأما إذا بلغ مفيقا ثم جن فليس عليه ان يؤدى عنه من مال نفسه ولا من مال ولده لانه إذا ولد مجنونا بقى ما كان واجبا ببقاء ولايته فاما إذا بلغ مفيقا فقد سقط عنه لزوال ولايته فلا يعود بعد ذلك وان عادت الولاية لاجل الضرورة وعلى قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى السبب رأس يمونه بولايته عليه وذلك لا يختلف بالجنون الاصلى

[ 105 ] والطارئ (قال) وليس على الرجل ان يؤدى عن أولاده الكبار وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان كانوا زمنى معسرين فعليه الاداء عنهم وان كانوا أصحاء معسرين في عياله فله فيه وجهان واستدل بقوله أدوا عمن تمونون هو يمون ولده الزمن والمعسر وأصحابنا قالوا بان السبب رأس يمونه بولايته عليه ليكون في معنى رأسه ولا ولاية له على أولاده الزمنى إذا كانوا كبارا وبدون تقرر السبب لا يثبت الوجوب (قال) ولا يؤدى الجد عن نوافله الصغار وان كانوا في عياله وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى ان عليه الاداء عنهم بعد موت الاب وهذه أربع مسائل يخالف الجد فيها الاب في ظاهر الرواية ولا يخالف في رواية الحسن احدها وجوب صدقة الفطر والثانى التبعية في الاسلام والثالث جر الولاء والرابع الوصية لقرابة فلان وجه رواية الحسن ان ولاية الجد عند عدم الاب ولاية متكاملة وهو يمونهم فيتقرر السبب في حقه ووجه ظاهر الرواية ان ولاية الجد منتقلة من الاب إليه فهو نظير ولاية الوصي وهذا لان السبب انما يتقرر إذا كان رأسه في معنى رأس نفسه باعتبار الولاية وذلك لا يتقرر في حق الجد لان ثبوت ولايته بواسطة وولايته على نفسه ثابتة بدون الواسطة (قال) ولا يؤدى الزوج زكاة الفطر عن زوجته. وقال الشافعي رحمه الله تعالى يجب عليه الاداء عنها لقوله عليه الصلاة والسلام أدوا عمن تمونون وهو يمون زوجته وملكه عليها نظير ملك المولى على أم ولده فانه يثبت به الفراش وحل الوطئ فكما يجب عليه الاداء عن أم ولده فكذلك عن زوجته (ولنا) ان عليها الاداء عن مماليكها ومن يجب عليه الاداء من غيره لا يجب على الغير الاداء عنه وهذا لان نفسها أقرب إليها من نفس مماليكها ثم النفقة على الزوج باعتبار العقد فلا يكون موجبا للصدقة كنفقة الاجير على المستأجر وهذا لان في الصدقة معنى العبادة وهو ما تزوجها ليحمل عنها العبادات وقد بينا ان مجرد المؤنة بدون الولاية المطلقة لا ينهض سببا وبعقد النكاح لا يثبت له عليها الولاية فيما سوى حقوق النكاح بخلاف أم الولد فان للمولى عليها ولاية مطلقة بسبب ملك الرقبة فان أدى الزوج عن زوجته بأمرها جاز وان أدى عنها بغير أمرها لم يجز في القياس كما لو أدى عن أجنبي ويجوز استحسانا في رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى لان العادة ان الزوج هو الذى يؤدى فكان الامر منها ثابتا باعتبار العادة فيكون كالثابت بالنص (قال) وليس على الرجل ان يؤدى عن أبويه ولا عن أحد من قرابته وان كانوا في عياله لانه لا ولاية له

[ 106 ] عليهم ولانه متبرع في الانفاق عليهم فهو كمن تبرع بالانفاق على الغير فلا يجب عليه الصدقة عنهم باعتباره (قال) ويؤدي صدقة الفطر عن نفسه حيث هو ويكره له أن يبعث بصدقته إلى موضع آخر لحديث معاذ بن جبل رضى الله عنه من نقل عشرة وصدقته عن مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته فعشره وصدقته في مخلاف عشيرته واما عن رقيقه فانما يودى صدقة الفطر حيث هو وان كانوا في بلد آخر وحكي ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى أنه رجع عن هذا القول فقال يؤدى عنهم حيث هم وجعله قياس زكاة المال ولا خلاف أن المعتبر هناك موضع المال لا موضع صاحبه فهنا كذلك. ووجه ظاهر الرواية أن الوجوب على المولى في ذمته ورأس المماليك في حقه كرأسه فكما أن في أداء الصدقة على نفسه يعتبر موضعه فكذلك عن مماليكه بخلاف الزكاة فان الواجب جزء من المال ؟ ؟ يسقط بهلاك المال وهنا لا يسقط بهلاك المماليك بعد الوجوب على المولى (قال) رجلان بينهما مملوك للخدمة لا يجب على واحد منهما صدقة الفطر عنه عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى يجب عليهما وهو بناء على الاصل الذى تقدم بيانه فان عنده الوجوب على العبد وهو كامل في نفسه وعندنا الوجوب على المولى عن عبده وكل واحد منهما لا يملك ما يسمى عبدا فان نصف العبد ليس بعبد وعلى سبيل الابتداء هو يستدل بقوله أدوا عمن تمونون وهما يمونانه فان نفقته عليهما فكذلك الصدقة عنه (ولنا) أن السبب رأس يمونه بولايته عليه ولا ولاية لواحد منهما عليه حتى لو أراد أن يزوجه لا يملك ذلك وبمجرد وجوب النفقة لا يكون عليه وجوب الصدقة فان النفقة تجب باعتبار ملك سائر الحيوانات ولا تجب الصدقة ما لم يتقرر السبب وهو رأس يمونه بولايته عليه (قال) فان كان بينهما مماليك للخدمة فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يجب على واحد منهما صدقة الفطر عنهم وعند محمد رحمه الله تعالى يجب على كل واحد منهما الصدقة في حصته إذا كان كاملا في نفسه حتى إذا كان بينهما خمسه أعبد يجب على كل واحد منهما الصدقة عن عبدين ومذهب أبى يوسف رحمه الله تعالى مضطرب ذكر في بعض روايات هذا الكتاب كقول محمد رحمه الله تعالى والاصح أن قوله كقول أبى حنيفة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى مر على أصله فانه لا يرى قسمة الرقيق جبرا فلا يملك كل واحد منهما ما يسمى عبدا ومحمد مر على أصله فانه يرى قسمة الرقيق جبرا وباعتبار القسمة ملك كل واحد منهما

[ 107 ] في البعض متكامل وكذلك مذهب أبى يوسف ان كان قوله كقول محمد وان كان قوله كقول أبى حنيفة رحمه الله تعالى فعذره أن القسمة تنبنى على الملك فأما وجوب الصدقة فينبنى على الولاية لا على الملك حتى تجب الصدقة عن الولد الصغير وليس لواحد منهما ولاية متكاملة على شئ من هذه الرؤس (قال) فان كان بينهما جارية فجاءت بولد فادعياه ثم مر يوم الفطر فلا صدقة على واحد منهما عن الام لما بينا فأما على الولد يجب على كل واحد منهما صدقة كاملة في قول أبى يوسف وعند محمد رحمهما الله تعالى تجب عليهما صدقة واحدة عنه ولا رواية فيه عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فمحمد يقول الاب أحدهما في الحقيقة وصدقة الفطر عليه وليس أحدهما بأولى من الآخر فجعلناها عليهما نصفين ألا ترى أنهما يرثانه ميراث ابن واحد وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول هو ابن لكل واحد منهما بكماله لان البنوة لا تحتمل التجزى ألا ترى أنه يرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل فكذلك يجب على كل واحد منهما عنه صدقة كاملة (قال) وليس على الرجل صدقة الفطر في مماليك التجارة عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يجب وهو بناء على الاصل الذى بينا فان عنده الوجوب على العبد وزكاة التجارة على المولى فلا يمنع ذلك وجوب زكاة الفطر على العبد وعندنا الوجوب على المولى كزكاة التجارة فلا يجتمع زكاتان على ملك واحد على رجل واحد (قال) وله أن يجمع صدقة نفسه ومماليكه فيعطيها مسكينا واحدا لقوله اغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم والاغناء يحصل بصرف الكل إلى واحد فوق ما يحصل بالتفريق ولان المعتبر القدر المنصوص عليه وصفة الفقر في المصروف إليه وذلك لا يختلف بالتفريق والجمع فجاز الكل وهذا بخلاف الكفارة فانه لو صرف الكل إلى مسكين واحد جملة لا يجوز لان العدد في المصروف إليه منصوص عليه فلابد من وجوده صورة ومعنى (قال) فان أعطى قيمة الحنطة جاز عندنا لان المعتبر حصول الغنى وذلك يحصل بالقيمة كما يحصل بالحنطة وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز وأصل الخلاف في الزكاة وكان أبو بكر الاعمش رحمه الله تعالى يقول أداء الحنطة أفضل من أداء القيمة لانه أقرب إلى امتثال الامر وأبعد عن اختلاف العلماء فكان الاحتياط فيه وكان الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى يقول أداء القيمة أفضل لانه أقرب إلى منفعة الفقير فانه يشترى به للحال ما يحتاج إليه والتنصيص على الحنطة والشعير كان لان البياعات في ذلك الوقت بالمدينة يكون بها فاما في


[ 108 ]

[عدل]

ديارنا البياعات تجرى بالنقود وهي أعز الاموال فالاداء منها أفضل (قال) ومن مات من مماليكه وولده ليلة العيد فلا صدقة عليه عنهم ومن مات بعد الصبح فالصدقة واجبة عنهم ولا خلاف ان وجوب الصدقة يتعلق بالفطر من رمضان وانما الخلاف في وقت الفطر من رمضان عندنا وقت الفطر عند طلوع الفجر من يوم الفطر وعنده وقت غروب الشمس من الليلة التى يهل بها هلال شوال حجته لاثبات هذا الاصل ان حقيقة الفطر عند غروب الشمس وكذلك انسلاخ شهر رمضان يكون عند رؤية هلال شوال وذلك عند غروب الشمس وحجتنا ما روى عن النبي انه قال أنها كم عن صوم يومين يوم تفطرون فيه من صومكم ويوم تأكلون فيه لحم نسككم ولان حقيقة الفطر عند غروب الشمس كما يكون في هذا اليوم كذلك فيما قبله والفطر من رمضان انما يتحقق بما يكون مخالفا لما تقدم وذلك عند طلوع الفجر لان فيما تقدم كان يلزمه الصوم في هذا الوقت وفى هذا اليوم يلزمه الفطر وهذا اليوم يسمى يوم الفطر فينبغي ان يكون الفطر من رمضان فيه ليتحقق هذا الاسم كيوم الجمعة تجب فيه الجمعة وتؤدى فيه ليتحقق هذا الاسم فيه إذا عرفنا هذا فنقول كل من أسلم من الكفار ليلة الفطر فعليه صدقة الفطر عندنا لان وقت الوجوب جاء وهو مسلم وكل من يولد ليلة الفطر فعليه صدقة الفطر عندنا لانه جاء وقت الوجوب وهو منفصل ومن مات من أولاده ومماليكه ليلة الفطر فليس عليه الصدقة عنه لانه جاء وقت الوجوب وهو ميت ومن مات بعد طلوع الفجر منهم فعليه الصدقة عنه لان وقت الوجوب جاء وهو حي وصدقة الفطر بعد ما وجبت لا تسقط بموت المؤدى عنه بخلاف الزكاة فان الواجب هناك جزء من المال وبهلاكه يفوت محل الواجب وهنا الصدقة تجب في ذمة المؤدى فبموت المؤدى عنه لا يفوت محل الواجب فلهذا لا تسقط حتى روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى في الامالى ان من قال لعبده إذا جاء يوم الفطر فأنت حر فعليه صدقة الفطر عنه لانه انما عتق بعد طلوع الفجر فلا تسقط به الصدقة الواجبة عنه والدليل على ان وقت الوجوب عند طلوع الفجر حديث ابن عمر كان النبي يأمرنا باداء صدقة الفطر قبل الخروج إلى المصلى والمقصود بهذا الامر المسارعة إلى الاداء لا التأخير عن وقت الوجوب (قال) وإذا مر يوم الفطر وفي يد الرجل مملوك قد اشتراه وفى البيع خيار لاحد المتبايعين فانما الصدقة على من يستقر له الملك عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى