مبسوط السرخسي - الجزء التاسع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

المبسوط السرخسي ج 9

[ 1 ] (الجزء التاسع من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيضا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسي (تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان

[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم (باب الكسوة) (قال) رضى الله عنه وإذا حلف لا يشترى ثوبا ولانية له فاشترى كساء خز أو طيلسانا أو فروا أو قباء أو غير ذلك مما يلبس الناس حنث لان اسم الثوب حقيقة لهذا وينطلق عليه عرفا وان اشترى مسحا أو بساطا لم يحنث لان اسم الثوب لا يطلق عليه عادة وانما يطلق على ملبوس بنى آدم وفي الايمان للعادة عبرة ولو اشترى قلنسوة لم يحنث لانه ليس بثوب فالثوب ما يستر العورة وتجوز الصلاة فيه وكذلك لو اشترى خرقة لا تكون أي لا تبلغ نصف ثوب لان هذا لا يستر العورة ولا يتأدى به الكسوة في الكفارة وان اشترى أكثر من نصف الثوب حنث لان اسم الثوب ينطلق على أكثر الثوب ولانه يستر عورته وكذلك ان اشترى ثوبا صغيرا حنث ومراده ما يكون ازارا أو سراويل يستر العورة وتجوز الصلاة فيه وكذلك لو حلف يلبس ثوبا فلو سمي ثوبا بعينه ولبس منه طائفة يكون أكثر من نصفه حنث لانه يسمى لابسا له ألا تري أن الانسان قد يلبس الرداء وبعض جوانبه على الارض وان حلف لا يلبس ثوبا بعينه فاتخذ منه جبة وحشاها ولبسها حنث لانه جعل شرط حنثه لبس العين وعقد اليمين باسم الثوب والثوب باق بعدما اتخذ منه الجبة فان لابس الجبة يسمى لابسا للثوب بخلاف مالو حلف على قميص لا يلبسه أبدا فجعل منه قباء فلبسه لم يحنث لانه عقد اليمين باسم القميص ولا يبقى هذا الاسم بعدما جعله قباء ألا ترى أن لابس القباء لا يسمى لابسا للقميص وان حلف لا يلبس من غزل فلانة شيئا فلبس ثوبا من غزلها حنث لان لبس الغزل هكذا يكون في العادة وفي القياس لا يحنث لان الثوب غير الغزل ألا ترى أن من غصب غزلا فنسجه كان الثوب له ولكنه ترك هذا القياس للعرف فان أحدا لا يلف الغزل على نفسه هكذا ولو فعله لا يسمى لابسا ثوبا وانما يسمي لابسا للغزل وان نوى الغزل بعينه قبل أن ينسج لم يحنث إذا لبسه

[ 3 ] يعنى ثوبا لانه نوى حقيقة كلامه وان حلف لا يلبس ثوبا من غزل فلانة فلبس ثوبا من غزلها وغزل أخرى لم يحنث لان الذي من غزلها بعض الثوب ويستوى ان نسج غزلهما مختلطا أو غزل كل واحدة منهما في جانب على حدة وكذلك لو حلف لا يلبس ثوبا من نسج فلان أو من شراء فلان وهذا إذا كان فلان ذلك يباشر الشراء والنسج بيده فان كان ممن لا يفعل ذلك وانما ينسج له غلمانه واجراؤه فهو حانث إذا لبس ثوبا نسجوه له لان مقصود الحالف معتبر في اليمين وان حلف لا يلبس خزا فلبس ثوبا من هذا الذى يسميه الناس الخز حنث وان لم يكن خالصا لان مطلق الاسم منصرف إلى ما هو المتعارف باعتبار ان العرف اصطلاح حادث طرأ على أصل اللغة وهو مقصود المتكلم عند الاطلاق وان حلف لا يلبس حريرا أو ابريسما فلبس ثوب خز سداه حرير وابريسم لم يحنث لان الثوب لا ينسب إلى سداه وانما ينسب إلى لحمته فان اللحمة هي التي تظهر دون السدا ألا ترى ان لبس الحرير حرام على الذكور ثم لا بأس بلبس العتابى والمصمت وان كان سداه حريرا لان لحمته غزل ولو لبس ثوبا لحمته ابريسم أو حرير حنث عندنا بمنزلة مالو كان حريرا كله ألا ترى أنه لا يحل للرجال لبسه والشافعي يعتبر اللون والبريق فيقول ان كان الغالب عليه بريق الابريسم ولينه حنث والا فلا وأشار إلى الفرق بين هذا وبين الخز ولا معنى للفرق سوى العرف فان الناس يسمونه ثوب الخز وان لم تكن لحمته خزا ولا يسمونه ثوب الحرير الا ان يكون حريرا كله أو يكون لحمته حريرا (قال) الا أن يعني سدا الثوب أو لحمته أو علمه فحينئذ يحنث إذا لبسه بتلك الصفة لانه شدد الامر على نفسه بنيته وان حلف لا يلبس قطنا فلبس ثوب قطن حنث لان القطن هكذا يلبس وان لبس قباء لبس بقطن ولكنه محشو بقطن لم يحنث لان القباء ينسب إلى الظهارة لا إلى الحشو ولا يسمى في الناس لابسا للحشو وانما يسمى لابسا للقباء المحشو فلا يحنث لكون حشوه قطنا الا أن يعنيه وان حلف لا يلبس كتانا فلبس ثوبا من قطن وكتان حنث لانه قد لبس الكتان بخلاف ما لو كان حلف لا يلبس ثوب كتان لانه إذا سمى الثوب فشرط حنثه أن يكون جميعه كتانا ولم يوجد وإذا سمي الكتان فشرط حنثه وهو لبس الكتان قد وجد لانه يقال هذا ثوب قطن وكتان فان القطن والكتان يستويان في اضافة الثوب اليهما فلا يصير منسوبا إلى احدهما دون الآخر بخلاف الخز فانه يغلب على الابريسم في نسبة الثوب

[ 4 ] إليه وبخلاف الابريسم مع الغزل فان الابريسم يغلب على الغزل في نسبة الثوب إليه حتى يسمى ملحما وان كان سداه قطنا وان حلف لا يلبس هذا القطن فجعله ثوبا فلبسه حنث لان القطن هكذا يلبس والحاصل أنه بنى هذه المسائل على معاني كلام الناس فلا يشكل على من يتأمل في كلام الناس وان حلف لا يلبس ثوبا قد سماه بعينه فاتزر به أو ارتدى أو اشتمل به حنث والقميص وغيره فيه سواء بخلاف ما لو قال لا ألبس قميصا فاتزر بقميص أو ارتدى به فانه لا يحنث في القياس في الفصلين سواء ولكنه استحسن الفرق بينهما بناء على الحرف الذي بينا أن الوصف في غير المعين معتبر وفي المعين لا يعتبر انما يصير معلوما بوصفه ثم لبس القميص بصفة مخصوصة متعارف والثابت بالعرف كالثابت بالنص وإذا لم يعين القميص انصرفت يمينه إلى اللبس بالصفة المعروفة فإذا اتزر به أو ارتدي به لم يحنث الا ترى انه لو قال ما لبست اليوم قميصا كان صدقا واما في المعين لا يعتبر الوصف فعلى أي وجه لبسه كان حانثا الا ترى انه لو قال ما لبست هذا القميص وقد اتزر به كان كاذبا وان لبس قميصا ليس له كمان حنث في يمينه لانه يسمى قميصا وان لم يكن له كم لان القميص كالدرع وقد يشتري الرجل لدرعه كمين فعرفنا ان القيص والدرع ينسب إلى البدن فلا ينعدم الاسم بعدم الكمين كالرجل يسمى رجلا وان لم يكن له يدان وان حلف لا يلبس ثوبا فوضعه على عاتقه يريد به الحمل لا يحنث لانه حامل حافظ لا مستعمل لابس الا تري ان الامين إذا فعل ذلك بالامانة لم يضمن وان نوى نوعا من الثياب دين فيما بينه وبين الله تعالى ولم يدين في الحكم لانه نوى التخصيص في اللفظ العام وان حلف لا يلبس من ثوب فلان شيئا وهو ينوي ما عنده فاشترى فلان ثيابا فلبس منها لم يحنث لان المنوي من محتملات لفظه فانه عقد يمينه على فعل في ملك مضاف إلى فلان ونوى حقيقة الاضافة في الحال فتصح نيته ويجعل مانوي كالملفوظ به ولو حلف لا يكسو فلانا شيئا ولا نية له فكساه قلنسوة أو خفين أو نعلين أو جوربين حنث لان الكسوة عبارة عن التمليك وما ملكه شئ فيتم شرط حنثه بخلاف مالو حلف لا يكسوه ثوبا فان الثوب ما يكون ساترا لبدنه وذلك لا يوجد في الخف والقلنسوة ولهذا لاتتأدى بهما الكسوة في الكفارة ولو حلف لا يكسوه ثوبا فاعطاه دراهم فاشتري بها ثوبا لم يحنث لان ما كساه الثوب وانما وهب له الدراهم وأشار عليه بمشورة والموهوب له بالخياران شاء اشترى بها ثوبا وان شاء غيره فلو أرسل إليه بثوب كسوة

[ 5 ] حنث لانه قد كساه فان فعل رسوله كفعله فان نوى أن يعطيه من يده إلى يده لم يحنث لانه نوي حقيقة كلامه وان حلف لا يلبس سلاحا فتقلد سيفا أو تنكب قوسا أو ترسا لم يحنث لانه لا يسمى في الناس لابسا وانما يسمى متقلدا للسيف أو حاملا للسلاح أو معلقا له على نفسه ولو لبس درع حديد حنث لانه يسمى به لابسا للسلاح ولو حلف لا يلبس درعا فلبس درع حديد أو درع امرأة حنث لان اسم الدرع تناولهما حقيقة وعادة فان عني أحدهما فقد نوي التخصيص في اللفظ العام وذلك صحيح فلا يحنث الا بلبس ماعنى وان حلف لا يلبس شيئا فلبس درع حديد أودع امرأة أو خفين أو قلنسوة حنث في كل ذلك لانه عقد يمينه على فعل اللبس في محل هو شئ واسم الشئ يتناول هذا كله وفعل اللبس يوجد في كلها فلهذا حنث والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب (باب القضاء في اليمين) (قال) وإذا حلف ليعطين فلانا ماله رأس الشهر أو عند الهلال ولانية له فله الليلة التي يهل فيها الهلال ويومها كلها لان الشهر جزء من الزمان يشتمل على الليل والنهار ورأس كل شهر أوله فأول الليلة وأول اليوم من الشهر يكون رأس الشهر ألا تري ان في العرف يقال اليوم رأس الشهر وانما أهل البارحة وعند عبارة عن القرب وذكره في المعنى وذكر الرأس سواء وان حلف ليعطينه حقه صلاة الظهر فله وقت الظهر كله لان الصلاة تذكر بمعنى الوقت قال عليه الصلاة والسلام ان للصلاة أولا وآخرا والمراد الوقت ولان الاعطاء انما يكون في الزمان لافي الصلاة فعرفنا ان مراده الوقت وان قال عند طلوع الشمس أو حين تطلع الشمس فهو إلى أن تبيض لان صاحب الشرع نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس ثم النهى يمتد إلى أن تبيض وان قال ضحوة فوقت الضحوة من حين تبيض الشمس إلى أن تزول وان قال مساء فالمساء مساءان احدهما بعد الزوال والآخر بعد غروب الشمس فايهما نوي صحت نيته وان قال سحرا فوقت السحر مما بعد ذهاب ثلثى الليل إلى طلوع الفجر الثاني فان لم يعطه حتى مضى الوقت الدى سماه حنث لفوات شرط البر وان قال يوم كذا فله ذلك اليوم كله فإذا غابت الشمس قبل أن يعطيه حنث لان اليوم من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس ألا ترى أن صوم اليوم يتأدي بوجود الامساك في هذا القدر وان أعطاه قبل

[ 6 ] مجئ الوقت المسمى أو وهبه له أو أبرأه منه ثم جاء الوقت وليس عليه شئ لم يحنث في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لما بينا أن اليمين المؤقتة انما تنعقد موجبا في آخر الوقت المسمى وعند ذلك لاحق له عليه وفي مثله لا ينعقد اليمين عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى خلافا لابي يوسف رحمه الله تعالى ولو مات أحدهما قبل مضى الوقت لم يحنث لان شرط حنثه ترك فعل الاداء في آخر ذلك الوقت إليه ولا يتحقق ذلك إذا مات أحدهما قبله وكذلك لو قضي إلى وكيل الطالب بر لان دفعه إلى وكيل الطالب كدفعه إلى الطالب وان حلف لايعطيه حتى يأذن له فلان فمات فلان قبل أن يأذن له فأعطاه لم يحنث في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ويحنث في قول أبى يوسف رحمه الله لانه عقد يمينه على فعل الاعطاء وجعل لذلك غاية وهو اذن فلان فبموت فلان تفوت الغاية وذلك يوجب صيرورة اليمين مطلقة لاطلاقها واذن فلان كان مانعا من الحنث فبفواته يتحقق اتحاد شرط الحنث ولا ينعدم وهما يقولان المعقود عليه حرمة الدفع إلى غاية وهو اذن فلان وقد فات اذنه بموته فيفوت المعقود عليه والعقد لا يبقي بعد فوات المعقود عليه توضيحه أنها لو بقيت بقيت حرمة الدفع مطلقا لا مؤقتا وهذا المطلق لم يكن ثابتا بيمينه فلا يثبت من بعد ولانه جعل شرط حنثه ترك الاستئذان من فلان قبل الاعطاء وذلك لا يتحقق بعد موت فلان فمن هذا الوجه يفوت شرط الحنث بموت فلان وان حلف ليقضين فلانا ماله وفلان قد مات وهو لا يعلم به لم يكن عليه حنث في يمينه وان كان يعلم بموته حين حلف حنث وكذلك لو حلف ليضربنه أو ليكلمنه أو ليقتلنه وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف رضوان الله عليهم أجمعين يحنث علم أو لم يعلم لانه أضاف اليمين إلى محلها فانعقدت ثم شرط البر فات منه وفوات شرط البر يوجب الحنث كما لو كان عالما بموته أو كان حيا فمات قبل أن يقتله وبيان الوصف أن محل اليمين خبر في المستقبل سواء كان الحالف قادرا عليه أو عاجزا عنه ألا ترى أنه لو قال والله لامسن السماء أو لاحولن هذا الحجر ذهبا انعقدت يمينه لانه عقدها على خبر في المستقبل وان كان هو عاجزا عن ايجاده فهذا مثله وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا محل اليمين المعقودة خبر فيه رجاء الصدق لانها تعقد للحظر أو للايجاب أو لاظهار معني الصدق وذلك لا يتحقق فيما ليس فيه رجاء الصدق فلا تنعقد أصلا كاليمين الغموس ثم إذا كان لا يعلم بموته فمقصوده أزهاق روح موجودة فيه وقت

[ 7 ] اليمين ولاتصور لهذا إذا كان ميتا وإذا كان يعلم بموته فمقصوده أزهاق روح يحدثه الله تعالى فيه إذا أحياه وذلك متوهم فانعقدت يمينه ثم حنث لوقوع اليأس عما هو شرط البر ظاهرا وعلى هذا والله لاشربن هذا الماء الذي في هذا الكوز ولاماء في الكوز لا تنعقد يمينه في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لانه عقد يمينه على خبر ليس فيه رجاء الصدق الا أنه لافرق هنا بين ان يعلم ان الكوز لاماء فيه أو لا يعلم لانه عقد اليمين على شرب الماء الموجود في الكوز والله تعالى وان أحدث في الكوز ماء فليس هو الماء الذي كان موجودا في الكوز وقت اليمين بخلاف مسألة القتل إذا كان يعلم بموت فلان لانه عقد يمينه على فعل القتل في فلان فإذا أحياه الله تعالى فهو فلان فكان ما عقد عليه اليمين متوهما ووزان هذا في مسألة الكوز ان لو قال لاقتلن هذا الميت فان يمينه لا ينعقد لانه لاتصور لما حلف عليه فانه إذا أحياه الله تعالى حتي يتحقق فيه فعل القتل لا يكون ميتا وفي مسألة القتل رواية أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى على ضد ما ذكره في الاصل أنه إذا كان لا يعلم بموته ينعقد يمينه باعتبار ما يتوهمه بجعله كالموجود حقيقة في حقه وان كان يعلم بموته لا تنعقد يمينه ولكن الاول أصح فأما إذا حلف ليمسن السماء فهو آثم في هذه اليمين لان المقصود باليمين تعظيم المقسم به وانما يحصل بيمينه هتك حرمة الاسم باستعمال اليمين في هذا المحل ولكن عليه الكفارة عندنا خلافا لزفر رحمه الله تعالى فانه يعتبر لعقد اليمين ان يكون ما يحلف عليه في وسعه ايجاده وذلك غير موجود هنا ولكنا نقول انعقاد اليمين باعتبار توهم الصدق في الخبر وذلك موجود فان السماء عين ممسوس والملائكة يصعدون السماء ولو أقدره الله تعالى على صعود السماء يصعد وكذلك الحجر محل قابل للتحول لوجوده فانعقدت يمينه ثم حنث في الحال لعجزه عن ايجاد شرط البر ظاهرا وذلك كاف للحنث ألا ترى ان في الفعل الذى يقدر عليه يحنث إذا مات قبل أن يفعله لوجود العجز عن ايجاد شرط البر ظاهرا ولا فائدة في انتظار الموت هنا لان ذلك العجز ثابت في الحال ولايقال اعادة الزمان الماضي في قدرة الله تعالى أيضا وقد فعله لسليمان صلوات الله عليه فكان ينبغى أن ينعقد اليمين الغموس بالطريق الذي قلتم وهذا لان هناك أخبر عن فعل قد وجد منه وذلك لاكون له والله تعالى وان أعاد الزمان الماضي لا يصير الفعل موجودا من الحالف حتى يفعله وفي مسألة مس السماء لو وقت يمينه لم يحنث ما لم يمض ذلك الوقت لما بينا أن انعقاد اليمين المؤقتة

[ 8 ] في آخر الوقت المسمى وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى انه يحنث في الحال لانه انما يتوقت انعقاد اليمين إذا كان ما حلف عليه في وسعه ايجاده ذلك فأما إذا لم يكن في وسعه ايجاده كان توقيته لغوا فيحنث في الحال وهكذا على مذهبه في مسألة شرب الماء الذى في الكوز إذا وقت يمينه فان كان في الكوز ماء لم يحنث الا في آخر الوقت وان لم يكن في الكوز ماء حنث في الحال ولو حلف بطلاق امرأته ليأتين البصرة فمات قبل ذلك طلقت عند الموت لان بموته فان شرط البر وهو اتيان البصرة ولا نقول انه يحنث بعد موته ولكنه كما أشرف على الموت وتحقق عجزه عن اتيان البصرة حنث حتى ان كان لم يدخل بها فلا ميراث لها ولاعدة عليها وان كان قد دخل بها فلها الميراث وعليها العدة وتعتد إلى أبعد الاجلين بمنزلة امرأة الفار فان ماتت هي وهو حى لم تطلق لانه قادر على اتيان البصرة بعد موتها فلم يتحقق شرط الحنث بموتها ولو حلف بطلاق امرأته ان لم تأت البصرة هي فماتت فلا ميراث للزوج لانها لما أشرفت على الموت فقد تحقق عجزها عن اتيان البصرة فتطلق ثلاثا قبل موتها ولو مات الزوج كان لها الميراث لانها تقدر على اتيان البصرة بعد موته ولو حلف بعتق كل مملوك له لا يكلم فلانا فانما يتناول هذا اللفظ الموجود في ملكه حين حلف فان بقى في ملكه حين حلف فان بقى في ملكه إلى وقت الكلام عتق والا فلا فان لم يكن في ملكه حين حلف مملوك لم ينعقد يمينه ولو قال إذا كلمت فلانا فكل مملوك لى يوم أكلمه حر فهو كما قال إذا ملك مملوكا ثم كلمه عتق وان قال كل مملوك أشتريه حر يوم أكلم فلانا فاشترى رقيقا ثم كلم فلانا ثم اشترى آخرين عتق الذين اشتراهم قبل الكلام ولم يعتق الذين اشتراهم بعد الكلام لان قوله كل مملوك أشتريه شرط وقوله فهو حر يوم أكلم فلانا جزاء لما بينا أن الجزاء ما يتعقب حرف الجزاء فانما جعل الجزاء عتقا معلقا بالكلام وهذا يتحقق في الذين اشتراهم قبل الكلام ولو تناول كلامه الذين اشتراهم بعد الكلام لعتقوا بنفس الشراء فلم يكن هذا هو الجزاء الذى علقه بالشراء وان حلف بعتق عبده ان لم يكلم فلانا فمات الحالف عتق العبد من ثلثه لان شرط حنثه فوت الكلام في حياته وذلك يتحقق عند موته فكان هذا بمنزلة العتق في المرض فيعتبر من ثلثه وان مات المحلوف عليه وبقي الحالف عتق العبد لفوات شرط البر وهو الكلام مع فلان فان الميت لا يكلم فان

[ 9 ] المقصود من الكلام الافهام وذلك لا يحصل بعد الموت وان حلف لا يطلق امرأته فأمر رجلا فطلقها أو جعل أمرها بيدها فطلقت نفسها حنث لان الموقع للطلاق هو الزوج ولكن بعبارة الوكيل أو بعبارتها وحقوق العقد في الطلاق لا تتعلق بالعاقد بل هو معبر عن الآمر فكأنه طلقها بنفسه الا أن يكون نوى أن يتكلم به بلسانه فحينئذ يدين فيما بينه وبين الله تعالى ولا يدين في القضاء لانه نوى التخصيص ولان الظاهر أن مقصوده أن لا يفارقها ويحتمل أن يكون مقصوده أن لا يتكلم بطلاقها ولكن القاضى مأمور باتباع الظاهر والله تعالى مطلع على ما في ضميره ولهذا لو خلعها وقال أنت بائن حنث لان ما منع نفسه منه وقصده بيمينه قد أتى به ولو آلى منها فمضت المدة بانت وحنث في يمينه في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لان الايلاء طلاق مؤجل فعند مضى المدة يقع الطلاق ويكون مضافا إلى الزوج وعند زفر رحمه الله تعالى لا يحنث لان الطلاق انما وقع حكما باعتبار دفع الضرر عنها فلا يكون شرط الحنث به موجودا وعلى هذا لو كان الزوج عنينا ففرق القاضى بينهما بعد مضى المدة لم يحنث في قول زفر رحمه الله تعالى وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى هنا روايتان في احداهما سوى بين هذا وبين الايلاء لان القاضى نائب عن الزوج في الطلاق شرعا بعد مضي المدة وفي الاخرى فرق بينهما فقال هنا لم يوجد من الزوج معني يصير به مباشرا للطلاق وذلك شرط حنثه والعتق قياس الطلاق لان الحقوق فيه تتعلق بمن وقع له دون من باشره فاما إذا حلف لا يبيع ولا يشتري فأمر غيره ففعل ذلك لم يحنث لان حقوق العقد في البيع والشراء تتعلق بالعاقد والعاقد لغيره بمنزلة العاقد لنفسه فيما يرجع إلى حقوق العقد فلا يصير الحالف بفعل الوكيل عاقدا الا أن يكون نوي أن لا يأمر غيره فحينئذ قد شدد الامر على نفسه بنيته وكذلك ان كان الحالف ممن لا يباشر البيع والشراء بنفسه لان اليمين تتقيد بما عرف من مقصود الحالف وان حلف لا يتزوج امرأة فأمر غيره فزوجه حنث لان حقوق العقد في النكاح تتعلق بالآمر دون العاقد ولان الوكيل لا يضيف العقد إلى نفسه وانما يضيف إلى الموكل فكان بمنزلة الرسول وكذلك ان زوجه بغير أمره فأجازه بالقول حنث لان الاجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء وعن محمد رحمه الله تعالى أنه لا يحنث لان في أصل العقد العاقد ليس

[ 10 ] بمعبر عنه إذا لم يكن مأمورا به من جهته والاجازة ليست بعقد ألا ترى أن ما هو شرط النكاح وهو الشهود لا يشترط عند الاجازة فلهذا لا يحنث وفي الاجازة بالفعل اختلاف المشايخ (قال) رضى الله عنه والاصح عندي أنه لا يحنث لان عقد النكاح يختص بالقول حتى لا ينعقد بالفعل بحال ولا يمكن أن يجعل المجيز بالفعل عاقدا حقيقة ولا حكما انما يكون راضيا وشرط حنثه العقد دون الرضا وان قال كل امرأة أتزوجها فهى طالق ان كلمت فلانا فتزوج امرأة قبل الكلام وأخرى بعده تطلق التى تزوج قبل الكلام خاصة لما بينا أن التزوج شرط والطلاق جزاء معلق بالكلام وذلك يتحقق في التي تزوجها قبل الكلام دون التي يتزوجها بعد الكلام لانها لو طلقت طلقت بنفس التزوج وذلك لم يكن جزاء شرطه وفيه اختلاف زفر رحمه الله تعالى وقد بيناه في الجامع وبينا هناك الفرق بين ما إذا وقت يمينه فقال إلى ثلثين سنة وبين ما إذا لم يوقت وبينما إذا قدم الشرط أو أخر وقال ان كلمت فلانا فكل امرأة أتزوجها فهى طالق فانما تطلق بهذا اللفظ التي تزوجها بعد الكلام وقت يمينه أولم يوقت وإذا حلف لا يبيع لرجل شيئا قد سماه بعينه فباعه لآخر طلبه إليه لم يحنث وكذلك الشراء لان معني قوله لا أبيع لفلان أي لاجل فلان وما باع لاجله حين أمره به غيره وانما ؟ باعه لاجل من أمر به يخلاف مالو قال لاأبيع ثوبا لفلان لان معني هذا الكلام لا أبيع ثوبا هو مملوك لفلان وقد وجد ذلك وان أمره به غيره وايضاح هذا الفرق في الجامع وان حلف لا يهب لفلان هبة فوهب ولم يقبل فلان أو قبل ولم يقبض فهو حانث عندنا وقال زفر رحمه الله تعالي لا يحنث لان الهبة عقد تمليك كالبيع وفي البيع لا يحنث ما لم يقبل المشترى لان الملك لا يحصل قبل قبوله فكذلك في الهبة ولهذا قال زفر رحمه الله تعالى في البيع لو باعه بيعا فاسدا لم يحنث حتى يقبضه المشترى ولكنا نقول الهبة تبرع وذلك يتم في جانب المتبرع بفعله لانه ايجاب لا يقابله استيجاب وذلك يتم بالموجب في حقه كالاقرار بخلاف البيع فانه معاوضة وايجاب يقابله استيجاب والدليل عليه العرف فان الرجل يقول وهبت لفلان فرد على هبتى وأهديت إليه فرد على هديتي وكذلك كل عقد هو تبرع كالصدقة والقرض حتي لو حلف لا يقرض فلانا شيئا فأقرضه ولم يقبل حنث الا في رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال في القرض لا يحنث كما في البيع فان القرض عقد ضمان فانه يوجب ضمان المثل على المستقرض وذلك لا يحصل الا بقبضه وعلى هذه الرواية يفرق

[ 11 ] أبو يوسف رحمه الله تعالى بين هذا وبين ما إذا حلف لا يستقرض فانه يحنث إذا طلب القرض من آخر وان لم يقرضه لان السين في قوله استقرضت لمعنى السؤال فانما شرط حنثه طلب القرض وقد وجد بخلاف مالو حلف لا يقرض أو حلف لا يهب فأمر غيره حتي فعل حنث وكذلك لو حلف لا يكسوه أو لا يحمله على دابة لان هذا من العقود التى لا تتعلق الحقوق فيها بالعاقد ألا ترى أنه يقال كسا الامير فلانا وانما أمر غيره به وان حلف ليضربن عبده أو ليخيطن ثوبه أو ليبنين داره فأمر غيره ففعل برفى يمينه لانه هو الفاعل لذلك وان أمر غيره به فان في العرف يقال بني فلان دارا أو خاط فلان ثوبا على معنى أنه أمر غيره به وان لم يكن هو بناء ولا خياطا الا أن يكون عني ان يبينه بيده فحينئذ المنوي حقيقة فعله وفيه تشديد عليه وكذلك كل شئ يحسن فيه ان يقول فعلته وقد فعل وكيله ولو حلف على حر ليضربنه فأمر غيره فضربه لم يبر حتى يضربه بيده لانه لاولاية له على الحر فلا يعتبر أمره فيه ألا ترى أنه لا يثبت للضارب حل الضرب باعتبار أمرة ؟ بخلاف العبد فانه مملوك له عليه ولاية فأمر غيره بضربه معتبر ألا ترى ان الضارب يستفيد به حل الضرب ولان العادة الظاهرة ان الانسان يترفع من ضرب عبده بيده وانما يأمر به غيره فعرفنا ان ذلك مقصوده ولا يوجد مثله في حق الحر الا أن يكون الحالف السلطان أو القاضى فحينئذ يبر إذا أمر غيره بضربه لانه لا يباشر الضرب بنفسه عادة وضرب الغير بأمره يضاف إليه فيقال الامير اليوم ضرب فلانا وضرب القاضى فلانا الحد الا أن ينوى ان يضربه بيده فحينئذ نوى حقيقة كلامه فتعمل نيته ويدين في القضاء والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب (باب اليمين في الخدمة) (قال) رضى الله تعالى عنه وإذا حلف الرجل لا يستخدم خادما قد كانت تخدمه قبل ذلك ولانية له فجعلت الخادم تخدمه من غير أن يأمرها حنث لانه يستخدمها باستدامة ملكه فيها فانه انما اشتراها للخدمة فما دام مستديما للملك فيها فهو دليل استخدامها ولانها كانت تخدمه قبل اليمين باستخدام كان منه فإذا جعلت تخدمه على حالها ولم ينهها فهو مستخدم لها بما سبق منه حتى لونهاها ثم خدمته لم يحنث لانه بالنهي قد انقطع حكم الاستخدام

[ 12 ] السابق ولان ادامة الملك دليل الاستخدام ولا معتبر بالفعل بعد التصريح بخلافه ولو حلف على خادم لا يملكها أن لا يستخدمها فخدمته بغير أمره لم يحنث لانعدام الاستخدام صريحا ودلالة فانه ليس بمالك ليكون طالبا خدمتها باستدامة ذلك الملك أو ليجعل الاستخدام السابق باعتباره قائما وان كان حلف أن لا تخدمه حنث لانه عقد اليمين على فعل الخادم وقد تحقق منه ذلك سواء كان بأمره أو بغير أمره بخلاف الاول فانه عقد اليمين على فعل نفسه لان الاستخدام طلب الخدمة وكل شئ من عمل بيته فانه خدمته لان الانسان انما يتخذ الخادم لذلك وكذلك لو سألها وضوء أو شرابا أو أشار أو أومأ إليها بذلك فقد استخدمها لان الاستخدام بالايماء والاشارة ظاهر ممن ترفع عن أن يخاطب خدمه بالكلام وكذلك لو حلف أن لا يستعين بها فأشار إليها بشئ من ذلك حنث ان أعانته أولم تعنه لان الاستعانة طلب الاعانة وقد تحقق منه الا أن يكون نوى أن تفعله فلا يحنث حينئذ حتى تعينه لان المقصود هو الاعانة دون الاستعانة فإذا ذكر السبب وعنى به ما هو المقصود عملت نيته فإذا حلف لا يخدمه خادم فلان فجلس على مائدة مع قوم يطعمون وذلك الخادم يقوم في طعامهم وشرابهم حنث لانه قد خدم كل واحد منهم فوجد به شرط الحنث في حق الحالف بدليل حديث أنس رضي الله عنه كن جواري عمر رضى الله عنه يخدمن الضيفان كاشفات الرؤس مضطربات الثدى وان كان حلف أن لا يستخدمها لم يحنث لانه عقد اليمين على فعل نفسه ولم يوجد منه حقيقة ولا حكما لانها غير مملوكة له وسواء في ذلك إذا استخدم غلاما أو جارية صغيرا كان أو كبيرا لان اسم الخادم يتناولهما والاستخدام يتحقق منهما وهو متعارف أيضا فلهذا حنث في ذلك كله والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب اليمين في الركوب) (قال) رضى الله عنه وإذا حلف لا يركب دابة فركب حمارا أو فرسا أو برذونا أو بغلا حنث وكذلك ان ركب غيرها من الدواب كالبعير والفيل لان اسم الدابة يتناوله حقيقة وعرفا فان الدابة ما يدب على الارض قال تعالى وما من دابة في الارض الآية وفي الاستحسان لا يحنث لعلمنا أنه لم يرد التعميم في كل ما يدب على الارض وقد وقع يمينه على فعل الركوب

[ 13 ] فيتناول ما يركب من الدواب في غالب البلدان وهو الخيل والبغال والحمير وقد تأيد ذلك بقوله تعالى والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة وانما ذكر الركوب في هذه الانواع الثلاثة فأما في الانعام ذكر منفعة الاكل بقوله والانعام خلقها لكم وبأن كان يركب الفيل والبعير في بعض الاوقات فذلك لا يدل على أن اليمين يتناوله ألا ترى أن البقر والجاموس يركب في بعض المواضع ثم لا يفهم أحد من قول القائل فلان ركب دابة البقر الا أن ينوى جميع ذلك فيكون على ما نوى لانه نوى حقيقة كلامه وفيه تشديد عليه وان عنى الخيل وحده لم يدين في الحكم لانه نوى التخصيص في اللفظ العام وان قال لا أركب وعنى الخيل وحدها لم يدين في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى لان في لفظه فعل الركوب والخيل ليس بمذكور ونية التخصيص تصح في الملفوظ دون مالا لفظ له وان حلف لا يركب فرسا فركب برذونا لم يحنث وكذلك ان حلف لا يركب برذونا فركب فرسا لم يحنث لان البرذون فرس العجم والفرس اسم العربي فهو كما لو حلف لا يكلم عربيا فكلم عجميا أو على عكس هذا لم يحنث وان حلف لا يركب شيئا من الخيل فركب فرسا أوبرذونا حنث لان اسم الخيل يجمع الكل قال الله تعالى ومن رباط الخيل الآية وقال الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ولهذا يستحق الغازى السهم بالبرذون والفرس جميعا وان حلف لا يركب دابة فحمل عليها مكرها لم يحنث لانه عقد يمينه على فعله في الركوب وهو ما ركبها بل حمل عليها مكرها ألا ترى أن الحمل يتحقق فيما يستحيل نسبة الفعل إليه كالجمادات وان ركب دابة عريانا أو بسرج أو اكاف حنث لانه ركبها والركوب بهذه الاوصاف معتاد وان حلف لا يركب دابة لفلان فركب دابة لعبده ولادين عليه لم يحنث في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى الا أن ينويها وفي قول محمد رحمه الله تعالى هو حانث لانه عقد يمينه على دابة هي مملوكة لفلان فان اللام دليل على الملك وكسب العبد مملوك لمولاه فيكون حانثا به وكونها في يد عبده ككونها في يد أجيره وهما يقولان عقد يمينه على دابة هي منسوبة إلى فلان وهذه منسوبة إلى العبد حقيقة من حيث أنه اكتسبها وعرفا من حيث أنه يقال دابة عبد فلان وشرعا فان النبي قال من باع عبدا وله مال فقد أضاف المال إلى العبد فلا يحنث به الا أن ينويه وهو نظير ما تقدم في قوله لا أدخل دارا لفلان ان المعتبر هو النسبة بالسكنى دون الملك فهذا مثله ثم على

[ 14 ] قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان كان على العبد دين يحيط بكسبه وبرقبته لم يحنث وان نواها لان من أصله ان المولى لا يملك كسب عبده المديون بخلاف ما إذا لم يكن عليه دين فان هناك إذا نواها يحنث لانه نوى اضافة الملك وهو مملوك له وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى سواء كان عليه دين أولم يكن عليه دين فانه نواها يحنث لان عنده استغراق كسب العبد بالدين لايمنع ملك المولى وعند محمد يحنث على كل حال لان المعتبر عنده اضافة الملك واستغراق كسب العبد بالدين يمنع ملك المولى وان ركب دابة لمكاتب فلان لم يحنث وكذلك الدار والثوب لانه ان اعتبر اضافة الملك فكسب المكاتب غير مملوك ما بقى مكاتبا وان اعتبر اضافة النسبة فهي منسوبة إلى المكاتب دون المولى وان حلف لا يركب مركبا ولا نية له فركب سفينة أو محملا أو دابة حنث لانه ذكر المركب هنا وكل هذا مركب والمركب ما يركب ومن حيث العرف تسمى السفينة مركبا وكذلك شرعا قال الله تعالى بابنى اركب معنا وقال اركبوا فيها وان حلف لا يركب بهذا السرج فزاد فيه شيئا أو نقص منه حنث لانه ذلك السرج الذى عينه وقد ركب به والنقصان والزيادة في شئ لا يبدل أصله ولو بدل السرج نفسه وترك اللبد والصفة لم يحنث لان اسم السرج للحنا أصل واللبد والصفة وصف فيه والمعتبر هو الاصل دون الوصف وهذا لان الذي يدعوه إلى اليمين ضيق السرج وسعته وذلك يتبدل بتبدل الحنا دون اللبد والصفة وإذا حلف بالله ماله مال وله دين على مفلس أو على ملى وليس له غيره لم يحنث لان الدين ليس بمال حقيقة فالمال ما يتمول وتمول ما في الذمة لا يتحقق والمال ما يتوصل به إلى قضاء الحوائج وما في الذمة باعتبار عينه غير صالح لذلك بل باعتبار مآله وهو بالقبض والمقبوض عين وكذلك ان كان رجل قد غصبه مالا فاستهلكه وأقربه أو جحده وهو قائم بعينه لم يحنث أما إذا استهلكه فقد صار دينا في ذمته واما إذا كان قائما بعينه إذا كان جاحدا له فهو ناوفى حق الحالف ألا ترى أنه لا يلزمه الزكاة باعتباره ولا يحرم عليه الصدقة باعتباره والتاوى لا يمكن ؟ تموله فلا يعد ذلك مالا له ولو كانت له وديعة عند انسان حنث لان الوديعة عين ماله ويد مودعه كيده ألا ترى أنه يتمكن من استردادها متى شاء وأنه تنفذ تصرفاته فيها مطلقا ولم يذكر المغصوب إذا كان قائما بعينه والغاصب مقر به قيل هنا يحنث لانه متمكن من استردادها بقوة السلطان لما كان الغاصب مقرا به وتصرفه فيه ينفذ فهو كالوديعة وقيل لا يحنث لان الغاصب إذا كان قاهرا فالظاهر

[ 15 ] أنه لا يتمكن من الاسترداد عنه وان كان مقرا وفى العرف إذا صودر رجل يقال له قد افتقر ولم يبق له مال وان كان من صادره مقرا وفى باب الايمان العرف معتبر وان كانت عنده فضة أو ذهب قليل أو كثير حنث لان النقد مال على كل حال ألا تري أن زكاة المال تجب في النقود باعتبار العين الا أن اعتبار النصاب هناك لاثبات صفة الغنى للمالك بها أما هنا اسم المال يتناول القليل والكثير وكذلك مال التجارة والسائمة كان ذلك مالا حقيقة وشرعا حتى تجب الزكاة فيها وان نوى الفضة والذهب خاصة لم يدين في القضاء لانه نوى التخصيص في اللفظ العام وان كان له عروض أو حيوان غير السائمة لم يحنث وفى القياس يحنث لان ذلك مال ألا ترى أن الوصية تتناول ذلك كله ولكنه استحسن فقال ليس ذلك بمال شرعا وعرفا حتى لا تجب الزكاة فيها ولا يعد صاحبها متمولا بها والايمان مبنية على العرف والعادة وان لم يكن له مال وكان له عبد له مال لم يحنث في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ويحنث في قول محمد رحمه الله تعالى وهذا ومسألة الدابة سواء والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب الوقت في اليمين) (قال) رضى الله عنه وإذا حلف الرجل ليعطين فلانا حقه إذا صلى الاولى فله وقت الظهر إلى آخره لان المراد بذكر الصلاة الوقت والاولى هي الظهر في لسان الناس فلا يحنث ما لم يخرج وقت الظهر قبل أن يعطيه وان حلف ليعطينه كل شهر درهما ولانية له وقد حلف في أول الشهر فهذا الشهر يدخل في يمينه وينبغى أن يعطيه فيه درهما قبل أن يخرج وكذلك لو حلف في آخر الشهر ألا ترى أنه لو حلف ليعطينه في الشهر كان عليه أن يعطيه قبل أن يهل الهلال سواء كان في أول الشهر أو آخره وكذلك لو قال في كل شهر لان الشهر الذي فيه أقرب الشهور إليه ألا ترى أنه لو قال في كل يوم كان اليوم الذي حلف فيه داخلا في الجملة فكذلك إذا قال في كل شهر وكذلك لو كان المال عليه نجوما عند انسلاخ كل شهر فحلف ليعطينه النجوم في كل شهر كان له ذلك الشهر الذى حل فيه النجم فمتى أعطاه في آخر ذلك الشهر فقد بر لانه جعل شرط البر اعطاء كل نجم بعد حلوله في الشهر والشهر اسم لجزء من الزمان من حين يهل الهلال إلى أن يهل الهلال فإذا أعطاه في ذلك أوفي آخره فقد

[ 16 ] تم شرط بره ولو حلف ليعطينه عاجلا ولانية له فالعاجل قبل أن يمضى الشهر لان الآجال في العادة تقدر بالشهور وأدنى ذلك شهر فما دونه في حكم العاجل وكذلك لو حلف لا يكلم فلانا عاجلا فان كان يعنى شيئا فهو على ما نوى وان لم يكن له نية فإذا كلمه بعد شهر لم يحنث وكذلك إذا قال مليا فالمراد به البعيد قال تعالى واهجرني مليا وان كان يعني شيئا فهو على ما نوى والا كان على الشهر فصاعدا لان البعيد والاجل سواء وان حلف ليعطينه في أول الشهر الداخل فيه فله أن يعطيه قبل أن يمضى منه نصفه وان مضى منه نصفه قبل أن يعطيه حنث لان للشهر أولا وآخرا فأوله عند الاطلاق يتناول النصف الاول والآخر منه يتناول النصف الآخر وعلى هذا روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه لو قال والله لا أكلمه آخر يوم من أول الشهر وأول يوم من آخر الشهر أن يمينه يتناول الخامس عشر والسادس عشر وان حلف لا يعطيه ماله عليه حينا فأعطاه قبل ستة أشهر حنث لان الحين قد يذكر بمعني الساعة قال الله تعالى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون والمراد وقت الصلاة ويذكر بمعني أربعين سنة قال الله تعالى هل أتي على الانسان حين من الدهر ويذكر بمعنى ستة أشهر كل نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في تأويل قوله تعالى تؤتى أكلها كل حين باذن ربها أنه ستة أشهر من حين يخرج الطلع إلى أن يدرك التمر فعند الاطلاق يحمل على الوسط من ذلك فان خير الامور أوسطها ولانا نعلم أنه لم يرد به الساعة فانه إذا قصد المماطلة ساعة واحدة لا يحلف على ذلك ويعلم أنه لم يرد أربعين سنة فانه إذا أراد ذلك يقول ابدا فعرفنا ان المراد ستة أشهر والزمان في هذا كالحين لانهما يستعملان استعمالا واحدا فان الرجل يقول لغيره لم القك منذ حين لم القك منذ زمان ويستوى ان كان ذكره معرفا بالالف واللام أو منكرا لان ستة أشهر لما صار معهودا في الحين والزمان فالمعرف ينصرف إلى المعهود وكذلك الدهر في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا أدرى مالدهر من أصحابنا من يقول هذا الاختلاف فيما إذا ذكره منكرا وقال دهرا فاما إذا ذكره معرفا فذلك على جميع العمر قال الله تعالى حين من الدهر فقد جعل الحين من الدهر جزء فيبعدان يسوى بينهما في التقدير ومنهم من قال ان الخلاف في الكل واحد وهما يقولان الدهر في العرف يستعمل استعمال الحين والزمان فان الرجل يقول لغيره لم القك منذ دهر لم القك منذ حين وفى

[ 17 ] ألفاظ اليمين المعتبر هو العرف وأبو حنيفة رحمه الله تعالي يقول قد علمت بالنص ان الحين بعض الدهر ولم أجد في تقدير الدهر شيئا نصا ونصب المقادير بالرأى لا يكون وانما يعتبر العرف فيما لم يرد نص بخلافه فلهذا توقف ولا عيب عليه في ذلك ألا ترى ان ابن عمر رضى الله عنه لما سئل عن شئ فقال لاأدرى حين لم يحضره جواب ثم قال طوبى لابن عمر سئل عما لا يدرى فقال لاأدري وقيل انما قال لا أدرى لانه حفظ لسانه عن الكلام في معني الدهر فقد جاء في الحديث عن النبي انه قال لا تسبوا الدهر فان الله هو الدهر معناه أنه خالق الدهر وفي حديث آخر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال فيما يؤثر عن ربه استقرضت من عبدى فأبى ان يقرضني وهو يسبني ولا يدرى فسب الدهر ويقول وادهراه وانما انا الدهر حديث فيه طول فلهذه الآثار الظاهرة حفظ لسانه وقال لاأدرى ما الدهر وهو كما روى ان النبي عليه الصلاة والسلام سئل عن خير البقاع فقال لاأدرى حتى أسأل جبريل فسأل جبريل فقال لاأدرى حتى أسأل ربى فصعد إلى السماء ثم نزل وقال سألت ربى عن ذلك فقال خير البقاع المساجد وخير أهلها من يكون أول الناس دخولا وآخرهم خروجا فعرفنا ان التوقف في مثل هذا يكون من الكمال لا من النقصان وان حلف لا يكلمه الايام فهو على عشرة أيام في قول أبى حنيفة وفي قول أبي يوسف ومحمد رضوان الله عليهم أجمعين على سبعة أيام لان الالف واللام للمعهود فيما فيه معهود والمعهود في الايام السبعة التى تدور عليها الشهور والسنين كلما دارت عادت وفي الشهور اثني عشر شهرا وليس في السنين معهود فيستغرق العمر وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الالف واللام للكثرة فكأنه قال أياما كثيرة وأكثر ما يتناوله اسم الايام مقرونا بالعدد العشرة لانه يقال بعده أحد عشر يوما وكذلك في الشهور والسنين فينصرف يمينه إلى العشرة مما سمي وان قال أياما ولانيه له على قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى هو على ثلاثة أيام لانه ذكر لفظ الجمع وأدنى ما يطلق عليه اسم الجمع المتفق عليه ثلاثة وكذلك قول أبى حنيفة على ما ذكره في الجامع الكبير وهو الصحيح وذكر هنا أن على قوله يكون على عشرة أيام سواء قال أياما أو قال الايام وأكثر مشايخنا على أن هذا غلط والصحيح ما ذكره في الجامع وقد بيناه ثمة وان حلف ليعطينه غدا في أول النهار فإذا أعطاه قبل أن ينتصف النهار بر لما بينا أن للنهار أولا وآخرا كما للشهر وان حلف ليعطينه مع حل المال أو عند حله أو حين يحل المال أو حيث يحل ولا نية له فهذا يعطيه

[ 18 ] ساعة يحل فان أخره أكثر من ذلك حنث لان مع للضم وعند للقرب وحين في مثل هذا الموضع يراد به الساعة عادة فكأنه حلف ليعطينه ساعة يحل فإذا أخره من ذلك حنث وان حلف لا يضرب عبده فوجأه أو خنقه أو قرصه أو مد شعره أو عضه حنث لان الضرب فعل موجع على قصد الاستخفاف أو التأديب وهذا كله موجع موصل الالم إلى قلبه فكان ضربا وكذلك من حيث العادة القاصد إلى ضرب عبده انما يقصد ما يقدر عليه من هذه الافعال ويسمى فعله ضربا ومن يعاينه يفعل ذلك يسميه ضاربا عبده ولو حلف ليضربنه مائة سوط فضربه مائة سوط وخفف بر لان شرط بره اصل الضرب دون نهايته والخفيف كالضرب الشديد ومطلق الاسم لا يتناول نهاية الشئ وان جمعها جماعة ثم ضربه بها لم يبر لانه انما يكون ضاربا له بما يصل إلى بدنه والواصل إلى بدنه بعض السياط حين جمع الكل جمعا فلهذا لايبر ولو ضربه بسوط واحد له شعبتان خمسين ووقعت عليه الشعبتان بر لان كل شعبة سوط واقع على بدنه ضربا فيصير بكل ايقاع ضاربا له سوطين فإذا ضربه خمسين فقد ضربه مائة سوط وهو شرط بره ألا ترى أن الامام يصير مقيما حد الزنا بهذا المقدار فكذلك الحالف والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب البشارة) (قال) رضى الله عنه وإذا قال أي غلماني بشرني بكذا فهو حر فبشره بذلك واحد ثم آخر عتق الاول دون الثاني لان الاول بشير والآخر مخبر فان البشير من يخبره بما غاب عنه علمه فتتغير عند سماعه بشرة وجهه وانما وجد هذا من الاول دون الثاني وان بشروه معا عتقوا لان كل واحد منهم أخبره بما غاب عنه علمه فالعلم بالمخبر به يتعقب الخبر ولا يقترن به والدليل على أن البشارة تتحقق من الجماعة قوله تعالى وبشروه بغلام حليم ولو بعث أحد غلمانه مع رجل بالبشارة فقال ان غلامك يبشرك بكذا عتق لان عبارة الرسول كعبارة المرسل فالبشير هو المرسل والرسول مبلغ قال الله تعالى ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح وانما سمعت من رسل الله صلوات الله عليهم وهم الملائكة ثم كان بشارة من الله تعالى لها وكذلك لو كتب به إليه كتابا لان البيان بالكتاب كالبيان باللسان فان قال نويت المشافهة لم يعتق لانه نوى حقيقة كلامه فان البشارة انما تكون حقيقة منه إذا سمعه بعبارته

[ 19 ] وإذا قال أي غلماني أخبرني بكذا فالاول والثانى والكاتب والمرسل يعتقون جميعا لان الخبر متحقق منهم فقد يخبر المرء بما هو معلوم له كما يخبر بما غاب عنه علمه الا أن يعني المشافهة فتعمل نيته لانه حقيقة كلامه وقع في بعض نسخ الاصل التسوية بين الاخبار والاعلام والمراد أن الاعلام يحصل بالكتاب والرسول كالاخبار فأما الاعلام لا يكون من الثاني بعد الاول لان الاعلام ايقاع العلم بالخبر وذلك لا يتكرر بخلاف الاخبار ألا ترى أن الرجل يقول أخبرني بهذا غير واحد ولا يقول أعلمني غير واحد وإذا قال أي غلماني حدثنى فهو على المشافهة بمنزلة قوله كلمني ألا ترى أنا نقول أخبرنا الله بكذا بكتابه أو على لسان رسوله ولا نقول حدثنا الله ولا كلمنا الله وان حلف ان علم بمكان فلان ليخبرنك به ثم علما جميعا فلا بد من أن يخبره ليبر لان الاخبار يتحقق وان كان المخبر به معلوما له ولو قال ليعلمنك به لم يحنث في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وهو حانث في قول أبى يوسف رحمه الله لانهما إذا علما جميعا به فما هو شرط بره وهو الاعلام فائت فهو بمنزلة قوله لاشربن الماء الذى في الكوز ولا ماء فيه وان قال يوم أفعل كذا فعبده حر ففعله ليلا عتق لان اليوم يذكر بمعني الوقت قال الله تعالى ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا والرجل يقول انتظر يوم فلان ويذكر والمراد بياض النهار فقلنا إذا قرن به ما يمتد كالصوم علم ان المراد به بياض النهار وإذا قرن به ما لا يمتد فالمراد به الوقت وانما قرن بذكر اليوم هنا فعلا لا يمتد فكان بمعنى الوقت وان قال نويت النهار دون الليل دين في القضاء لانه نوى حقيقة كلامه وهى حقيقة مستعملة وان قال ليلة أفعل كذا فهو على الليل خاصة لان الليل ضد النهار قال الله تعالى وهو الذى جعل الليل والنهار خلفة وكما أن النهار مختص بزمان الضياء فالليل مختص بزمان الظلمة والسواد وان حلف لا يبيت في مكان كذا فأقام فيه ولم ينم حنث لان البيتوتة هو المكث والقرار بالليل في مكان ولهذا يسمى الموضع الذى يكون المرء فيه بالليل مبيتا واللفظ لا يدل على النوم واليقظة فيحنث نام أولم ينم الا أن يعنى النوم فيكون على ما نوى لانه نوى التخصيص في لفظه والعرف والاستعمال يشهد له وكذلك ان أقام فيه أكثر من نصف الليل وان أقام فيه أقل من نصف الليل لم يحنث لان الانسان قد يكون في بعض الليل في غير منزله ثم يرجع إلى منزله وإذا سئل أين بات قال في منزلي ولان الاكثر ينزل منزلة الكمال والاقل تبع للا كثر فإذا أقام فيه أكثر من نصف الليل فكأنه أقام فيه جميع الليل فيحنث

[ 20 ] وان حلف لا يظله ظل بيت فدخل بيتا حنث لان هذا للفظ عبارة عن الدخول في عرف الناس فانه انما يظله ظل البيت إذا دخل تحت سقفه وان أقام في ظله خارجا لم يحنث الا ان ينوى ذلك لان لفظه عبارة عن الدخول لغلبة الاستعمال ولم يوجد ذلك وان حلف لا يأويه بيت فآواه بيت ساعة من الليل أو النهار ثم خرج لم يحنث حتى يكون فيه أكثر من نصف الليل أو النهار في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الاول لان الايواء والبيتوتة تتقارب في الاستعمال الا ان البيتوتة تستعمل في الليل خاصة يقال بات فلان يفعل كذا إذا فعل ليلا وظل يفعل كذا إذا فعله نهارا فاما الايواء يستعمل فيهما ثم البيتوتة لا تكون الافي أكثر من نصف الليل فكذلك الايواء لا يكون الا في أكثر من نصف الليل أو النهار ثم رجع وقال إذا دخل ساعة حنث وهو قول محمد رحمه الله تعالى لان الايواء بالحصول في مكان قال الله تعالى سآوي إلى جبل يعصمني أي التجئ إليه فأكون فيه وقال أبو سعيد الخدرى لابن عباس رضى الله عنهم لا آوانى واياك ظل بيت مادمت على هذا القول أي لااجتمع معك وقال عليه الصلاة والسلام ما آواه الحرز ففيه القطع فإذا آواه الحرز أي حصل فيه فإذا دخل البيت ساعة فقد وجد الايواء فيحنث ولو أدخل احدى قدميه لم يحنث لانه ما حصل في البيت بادخال احدى القدمين وكذلك ان أدخل جسده وهو قائم ولم يدخل رجليه لم يحنث لان اعتماد القائم على رجليه والجسد تبع للرجلين فإذا لم يدخلهما لم يكن حاصلا في البيت فلا يحنث والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب (باب اليمين في الكفالة) (قال) وإذا حلف لا يكفل بكفالة فكفل بنفس حر أو عبد أو ثوب أو دابة أو بدرك في بيع فهو حانث لان الكفالة التزام المطالبة بما على الغير من تسليم مال أو نفس وقد تحقق ذلك منه وبسمى به في الناس كفيلا والمتحرز من الكفالة يكون ممتنعا من ذلك فيحنث والضمان والقبالة قياس الكفالة لان الكل يستعمل استعمالا واحدا وإذا حلف لا يكفل عن انسان بشئ فكفل بنفس رجل لم يحنث لان صلة عن لا تستعمل الا في الكفالة بالمال فأما الصلة في الكفالة بالنفس الباء يقال كفل بنفس فلان وكفل عن فلان بكذا من المال وان حلف لا يكفل عنه بشئ فاشترى له بأمره شيئا لم يحنث لان الكفالة التزام المطالبة بما على

[ 21 ] الغير والثمن بالشراء هنا في ذمة الوكيل دون الموكل فلا يكون الوكيل كفيلا عن الموكل بل يكون هو في حقه بمنزلة البائع ولهذا طالبه بالثمن وان أبرأه البائع عنه وحبس المبيع عنه إلى أن يستوفي الثمن وان كفل بأمره عن انسان شيئا لم يحنث لانه ما التزم عن الآمر شيئا هو عليه وانما التزم ما على المطلوب ولكن بمسألة الآمر فكان كفيلا عن المطلوب دون الآمر ألا تري أنه يبرأ ببراءة المطلوب وأنه لا يرجع عند الاداء على الآمر بشئ وانما يرجع على المطلوب إذا كان ذلك بسؤاله ولو كان المال على فلان وبه كفيل فأمر فلان الحالف فكفل بها عن كفيله لم يحنث لان الكفيل غير الاصيل وهو انما كفل عن الكفيل وشرط حنثه الكفالة عن الاصيل ألا ترى أنه لو برئ الكفيل الاول برئ الكفيل الثاني وان بقي المال على الاصيل ولو حلف لا يكفل له فكفل لغيره والدراهم أصلها له لم يحنث لان الكفالة له أن يلتزم مطالبة عليه ولم يوجد ذلك فان المطالبة انما تتوجه للمكفول له دون من يملك أصل المال وكذلك لو كفل لعبده لانه ما التزام المطالبة للمولى انما التزمها للعبد وان كان أصل المال للمولى ولا بد من مراعاة لفظ الحالف في بره وحنثه وان كفل لفلان وأصل الدراهم لغيره حنث لانه التزام المطالبة لفلان ومتى كان وجوب المال بعقده ففي حكم المطالبة كان الواجب له وان كان أصل الملك لغيره وان حلف لا يكفل عنه فضمن عنه حنث لان الضمان والكفالة تتقارب في الاستعمال كالهبة مع التخلي والعمرى وان كان عنى اسم الكفالة أن لا يكفل ولكن يضمن دين فيما بينه وبين الله تعالى لانه نوى حقيقة لفظه ولكنه نوى الفصل بين الضمان والكفالة وهذا خلاف الظاهر فلا يصدق في القضاء ولو حلف لا يكفل عن فلان وأحال فلان عليه بماله لم يحنث إذا لم يكن للمحتال له دين على المحيل لان الكفالة عند أن يلتزم المطالبة عنه لغيره بما لم يكن عليه قبل الكفالة وذلك لم يوجد هنا انما وكل فلان المحتال له بقبض دينه من الحالف وذلك لا يكون كفالة عنه للمحتال له وكذلك ان ضمنه له ولو كان للمحتال له على المحيل مال ولم يكن للمحيل مال على المحتال عليه حنث لانه التزم المطالبة عنه للمحتال له بما لم يكن عليه من قبل والالتزام بقبول الحوالة أبلغ من الالتزام بالكفالة والضمان فإذا كان يحنث هناك فكذلك يحنث هنا لانه لافرق بينهما في حق الملتزم انما الفرق في حق المضمون عنه أن الحوالة توجب براءة الاصيل والكفالة لا توجب والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب

[ 22 ] (باب اليمين في الكلام وغيره) (قال) وإذا حلف لا يتكلم اليوم ثم صلى لم يحنث استحسانا وفى القياس يحنث وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى لانه بالتسبيح والتهليل والتكبير وقراءة القرآن متكلم فان التكلم ليس الا تحريك اللسان وتصحيح الحروف على وجه يكون مفهوما من العباد وقد وجد ذلك ألا ترى أنه لو أتي به في غير الصلاة كان حانثا فكذلك في الصلاة ووجه الاستحسان قول رسول الله ان الله يحدث من أمره ما يشاء وان مما أحدث أن لا يتكلم في الصلاة ولا يفهم أحد من هذا ترك القراءة واذكار الصلاة وكذلك في العرف يقال فلان لم يتكلم في صلاته وان كان قداتى باذكار الصلاة ويقال حرمة الصلاة تمنع الكلام ولا يراد به الاذكار والعرف معتبر في الايمان فاما إذا قرأ في غير الصلاة أو سبح أو هلل أو كبر يحنث لانه قد تكلم ألا ترى أنه يقال القرآن كلام الله وان التكلم لا يتحقق من الاخرس والقراءة والذكر باللسان لا يتحقق من الاخرس فكان كلاما وكذلك لو أنشد شعرا أو تكلم بأى لسان كان فهو حانث لوجود الشرط ولو حلف لا يكلم فلانا فناداه من بعيد فان كان بحيث لا يسمع صوته لا يحنث وان كان بحيث يسمع صوته فهو حانث لانه يكون مكلما فلانا بايقاع صوته في اذنه فإذا كان من البعد بحيث لا يسمع لم يوجد ذلك وإذا كان بحيث يسمع فقد أوقع صوته في اذنه وان لم يفهم لتغافله عنه واشتغاله بغيره فيحنث ألا ترى أن الاول يسمى هاذيا والثانى يسمى مناديا له وكذلك لو ناداه وهو نائم فايقظه حنث وهذا ظاهر وقع في بعض نسخ الاصل فناداه أو أيقظه وهذا إشارة إلى أنه وان لم ينتبه بندائه فهو حانث لانه أوقع صوته في اذنه ولكنه لم يفهم لمانع والاظهر أنه لا يحنث لان النائم كالغائب وان لم ينتبه كان بمنزلة مالو ناداه من بعيد بحيث لا يسمع صوته فلا يكون حانثا وإذا انتبه فقد علمنا أنه أسمعه صوته فيكون مكلما له وقيل هو على الخلاف عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يحنث لانه يجعل النائم كالمنتبه وعندهما لا يحنث بيانه فيمن رمي سهما إلى صيد فوقع عند نائم حيا ثم لم يدرك ذكاته حتى مات على ما نبينه في كتاب الصيد وان مر على قوم فسلم عليهم وهو فيهم حنث لانه مخاطب كل واحد منهم بسلامه الا أن ينوي القوم دونه فيدين فيما بينه وبين الله تعالى لانه لا يكون مكلما له إذا قصد بالخطاب غيره ولكنه لا يدين

[ 23 ] في القضاء لانه في الظاهر مخاطب لهم وان كتب إليه أو أرسل لم يحنث لما بينا ان الكلام لا يكون الا مشافهة ألا ترى أن أحدا منا لا يستجيز أن يقول كلمني الله وقد أتانا كتابه ورسوله وانما يقال كلم الله موسى تكليما لانه أسمعه كلامه بلا واسطة وكذلك لو أومي أو أشار لم يحنث لان الكلام ما لا يتحقق من الاخرس والايماء والاشارة يتحقق منه فلا يكون كلاما وذكر هشام عن محمد رحمهما الله تعالى قال سألني هارون عمن حلف لا يكتب إلى فلان فأمر أن يكتب إليه بايماء أو إشارة هل يحنث فقلت نعم إذا كان مثلك يا أمير المؤمنين وهذا صحيح لان السلطان لا يكتب بنفسه عادة انما يأمر به غيره ومن عادتهم الامر بالايماء والاشارة وعن ابن سماعة قال سألت محمدا عمن حلف لا يقرأ كتابا لفلان فنظر فيه حتى فهمه ولم يقرأه فقال سأل هارون أبا يوسف رحمه الله تعالى عن هذا وكان قد ابتلى بشئ منه فقال لا يحنث وأنا برئ من ذلك ثم ندم وقال اما انا فلا أقول فيه شيئا وذكر هشام وابن رستم عن محمد رحمهم الله تعالى انه يحنث لان المقصود الوقوف على ما فيه لاعين القراءة وفي الايمان يعتبر المقصود وجه قول أبى يوسف رحمه الله تعالى أن اللفظ مراعى ولفظه القراءة والنظر والتفكر ليفهم لا يكون قراءة ألا ترى أنه لا يتأدى به فرض القراءة في الصلاة وان قال لا أكلم مولاك وله موليان أعلى وأسفل ولانية له حنث بايهما كلم وكذلك لو قال لاأكلم جدك وله جدان من قبل أبيه وأمه لان هذا اسم مشترك والاسماء المشتركة في موضع النفي تعم لان معني النفي لا يتحقق بدون التعميم وهو بمنزلة النكرة تعم في موضع النفي دون الاثبات وهذا إشارة إلى الفرق بين هذا وبين الوصية لمولاه وقد بينا تمام هذا الفرق في الجامع وان حلف لا يفارق غريمه حتى يستوفى ماله عليه فلزمه ثم فر منه الغريم لم يحنث لانه عقد يمينه على فعل نفسه في المفارقة وهو ما فارق غريمه انما الغريم هو الذى فارقه وكذلك لو كابره حتى انفلت منه لانه يقصد بيمينه منع نفسه عما في وسعه دون ما ليس في وسعه (قال) ولو أن المطلوب أحال بالمال على رجل وأبرأه الطالب منه ثم فارقه لم يحنث عند محمد وأبى حنيفة رحمهما الله تعالى وفى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى يحنث لان ما جعله غاية وهو استيفاء ماله عليه قد فات حين برئ المطلوب بالحوالة وقد بينا أن فوت الغاية عندهما يسقط اليمين لا إلى حنث خلافا لابي يوسف رحمه الله تعالى كما في قوله لا أكلمك حتى يأذن لى فلان فان توى المال على المحال عليه ورجع الطالب إلى

[ 24 ] المطلوب لم يحنث أيضا لان الحوالة تنفسخ بالتوى ولا يتبين أنها لم تكن وانما تنفسخ الحوالة في حق حكم يحتمل الفسخ وسقوط اليمين لا يحتمل الفسخ فلهذا لا يعود اليمين بانفساخ الحوالة وان لم يحل بالمال ولكنه قضاه وفارقه ثم وجده زيوفا أو نبهرجة أوستوقا فان كان الغالب عليه الفضة لم يحنث وان رده لانه مستوف بالقبض ألا ترى أنه لو تجوز بها في الصرف والسلم جاز فتم شرط بره ثم انتقض قبضه بالرد فلا ينتقض به حكم البر لانه لا يحتمل الانتقاض وان كان الغالب النحاس كالستوقة فهو حانث لانه ما صار مستوفيا حقه بالقبض ألا ترى أنه لو تجوز به في الصرف والسلم لا يجوز وان استحق المقبوض من يده لم يحنث لانه مستوف ألا ترى أنه لو أجازه المستحق بعد الافتراق في الصرف والسلم جاز ثم انتقض قبضه بالاستحقاق بعد حصول الاستيفاء وشرط البر لا يحتمل الانتقاض وان حلف ليعطينه حقه عن قريب فهو وقوله عاجلا سواء وان نوى وقتا فهو على ما نوى لان الدنيا كلها قريب عاجل وان لم يكن له نية فهو على أقل من شهر استحسانا وقد بينا هذا وان حلف أن لا يحبس عنه من حقه شيئا ولانية له فينبغي أن يعطيه ساعة حلف لان الحبس عبارة عن التأخير فان لم يؤخره بعد الحلف لم يكن حابسا وان أخره كان حابسا ولكن الحبس قد يطول ويقصر فان حاسبه فأعطاه كل شئ له عنده وأقر بذلك الطالب ثم أتاه بعد ذلك بأيام فقال بقى لى عندك كذا من قبل كذا فذكر المطلوب ذلك وقد كان نسيا ذلك جميعا لم يحنث إذا أعطاه ساعتئذ أو قال له خذه لان الحبس لا يتحقق فيما لا يكون معلوما لهما وبعد التذكر لم يحبسه ولكنه أعطاه بالمناولة أو التخلية بينه وبينه فلهذا لم يحنث وان حلف لا يقعد على الارض ولانية له فقعد على بساط أو غيره لم يحنث لان القاعد على الارض من يباشر الارض من غير أن يكون بينه وبين الارض ما هو منفصل عنه ولم يوجد ذلك وفى العرف الرجل يقول لغيره اجلس على البساط ولا تجلس على الارض ويقول فلان جالس على الارض وفلان على البساط والعرف معتبر في الايمان وان قعد على الارض ولباسه بينه وبين الارض حنت لانه يسمى في الناس قاعدا على الارض ولان الملبوس تبع اللابس فلا يصير حائلا بينه وبين الارض ولان الانسان انما يمتنع من الجلوس على الارض لكيلا تضربه وهذا يوجد وان كان ذيله بينه وبين الارض ولا يوجد إذا جلس على بساط وان حلف لا يمشى على الارض فمشى عليها بنعل أو خف حنث لان المشى على الارض هكذا يكون في العرف

[ 25 ] وان مشى على بساط لم يحنث لانه غير ماش على الارض ولو مشي على ظهر اجار حافيا أو بنعلين حنث لان ظهر الاجار يسمى أرضا عرفا فان من أراد الجلوس عليه يقول له غيره اجلس على البساط ولا تجلس على الارض وان حلف لايدخل في الفرات فمر علي الجسر أو دخل سفينة لم يحنث وان دخل الماء حنث لان في العرف دخول الفرات بالشروع في الماء والجسر والسفينة ما اتخذ للعاجزين عن الشروع في الفرات فعرفنا أن الحاصل على الجسر أو السفينة لا يكون داخلا في الفرات عرفا وفي النوادر ولو حلف لايدخل بغداد فمر في الدجلة في السفينة فهو حانث في قول محمد رحمه الله تعالى وعند أبى يوسف رحمه الله لا يحنث ما لم يخرج إلى الحد (قال) ولو كان من أهل بغداد فجاء من الموصل في السفينة في دجلة حتى دخل بغداد كان مقيما وان لم يخرج إلى الحد ومحمد رحمه الله تعالى سوى بينهما ويقول الموضع الذى حصل فيه من بغداد فيكون حانثا كما لو حلف لايدخل الدار فدخلها راكبا وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول مراد الحالف دخول الموضع الذى يتوطن فيه أهل بغداد ولا يوجد ذلك ما لم يخرج إلى الحد فان قهر الماء يمنع قهر غيره وان حلف لا يكلم فلانا إلى كذا وكذا فان نوى شيئا فهو على ما نوى وان لم يكن له نية ولم يسم شيئا فله ان يكلمه بعد ذلك اليوم لان الكلام كان مطلقا له قبل اليمين فلا يمتنع الا القدر المتيقن به والمتيقن ذلك اليوم لانا نعلم أنه إذا كان مراده أقل من يوم لا يحلف على ذلك ولا يقين فيما وراء ذلك فلا يحنث بالشك (فان قيل) أليس انه لو قال لفلان على كذا وكذا درهما يلزمه أحد وعشرون درهما (قلنا) وهنا لو قال كذا وكذا يوما فالجواب كذلك فأما إذا لم يقل يوما فيحتمل أن مراده الساعة واليوم والليلة يشتمل على ساعات كثيرة فلهذا له أن يكلمه بعد ذلك اليوم وان حلف لا يكلم فلانا إلى قدوم الحاج أو إلى الحصاد فقدم أول قادم كان له أن يكلمه لان مراده وقت القدوم ووقت الحصاد وقد علمنا بدخول ذلك الوقت فهو كما لو حلف لا يكلمه إلى الغد فكلما طلع الفجر من الغد له أن يكلمه ولو حلف لا يؤم الناس فأم بعضهم حنث لان الناس اسم جنس وقد علمنا أنه لم يرد استغراق الجنس لان ذلك لا يتحقق فيتناول أدنى ما ينطلق عليه اسم الجنس وان حلف لا يكلمه حتى الشتاء فجاء أول الشتاء سقطت اليمين وكذلك الصيف وقد بينا الفصول الاربعة في كتاب الطلاق وان حلف لا يستعير من فلان فاستعار منه حائطا يضع عليه جذوعه حنث لان الاستعارة طلب العارية

[ 26 ] وقد تحقق منه بما استعار من حائطه ليضع عليه جذوعه فهو كما لو استعار منه بيتا أو دارا أو دابة ولو سار إليه ضيفا أو دخل عليه فاستقى من بئره لم يحنث لانه لا يسمى مستعيرا شيئا فان موضع جلوس الضيف وما جلس عليه في يد المضيف ومن استقي من بئر في دار غيره لا تثبت يده على الرشا فلا يكون مستعيرا شيئا من ذلك ولو حلف لايعرف هذا الرجل وهو يعرفه بوجهه دون اسم لم يحنث لانه يعرفه من وجه دون وجه فانه يمكنه أن يشير إليه إذا كان حاضرا ولا يمكنه احضاره إذا كان غائبا والثابت من وجه دون وجه لا يكون ثابتا مطلقا والاصل فيه ماروى أن النبي سأل رجلا عن رجل فقال هل تعرفه فقال نعم فقال هل تدرى ما اسمه قال لاقال فانك إذا لا تعرفه الا أن يعنى معرفة وجهه فان عني ذلك فقد شدد الامر على نفسه واللفظ محتمل لما نوى وهذا إذا كان للمحلوف عليه اسم فان لم يكن له اسم بأن ولد من رجل فرأى الولد جاره ولكن لم يسم بعد فحلف الجار أنه لايعرف هذا الولد فهو حانث لانه يعرف وجهه ويعرف نسبه وليس له اسم خاص ليشترط معرفة ذلك فكان حانثا في يمينه والله أعلم بالصواب (باب في الاستثناء) (قال) وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق الا أن يقدم فلان فان قدم فلان لم تطلق وان مات قبل أن يقدم طلقت لان معنى كلامه أنت طالق ان لم يقدم فلان أي الا ان يقدم فلان فلا تكون طالقا وانما لا تكون طالقا عند قدوم فلان إذا كان الوقوع متعلقا بشرط عدم القدوم سواء كان الشرط نفيا أو اثباتا فما لم يوجد لا ينزل الجزاء فان قدم فلان فشرط الوقوع قد انعدم وإذا مات قبل ان يقدم فقد تحقق شرط الوقوع الآن وهذا بخلاف مالو قال أنت طالق ان كلمت فلانا الا أن يقدم فلان فانها ان كلمت فلانا قبل القدوم طلقت وان سبق القدوم لم تطلق بعد ذلك وان كلمت فلانا يمين لوجود الشرط والجزاء واليمين قابلة للتوقيت فكان قوله الا أن يقدم فلان توقيت ليمينه بمعنى حتى وإذا كلمت قبل القدوم فقد وجد الشرط واليمين باقية فتطلق وإذا قدم فلان فقد انتهت اليمين بوجود غايتها وإذا كلمت بعد ذلك فقد وجد الشرط ولا يمين فاما في الاول قوله أنت طالق ايقاع لا يحتمل التوقيت فلو جعلنا قوله الا أن يقدم فلان بمعنى حتي كان لغوا وكلام العاقل مهما أمكن

[ 27 ] تصحيحه لا يجوز الغاؤه فجعلناه قوله الا أن يقدم فلان بمعني الشرط لان الايقاع يحتمل التعليق بالشرط ولو قال أنت طالق الا أن يري فلان غير ذلك فهذا إليه على مجلسه الذى يعلم فيه فان قام قبل أن يري غيره طلقت لان معنى كلامه ان لم ير فلان غير ذلك ولو قال ان رأى فلان غير ذلك كان يتوقت بالمجلس عليه فكذلك إذا قال ان لم ير فلان غير ذلك لانه تمليك للامر من فلان وكذلك لو قال الا ان يشاء فلان غير ذلك أو الا أن يبدو لفلان غير ذلك وذلك كله بلسانه لانا لانقف على مافى ضميره وانما يعبر عما في قلبه لسانه ولو قال الا أن أرى غير ذلك أو الا ان اشاء أو الا أن يبدو لى فهو إلى الموت لان في حقه لا يمكن أن يحمل على معنى تمليك الامر من نفسه فانه كان مالكا لامرها فيحمل على حقيقة الشرط وعدم رؤيته غيرذلك بعد موتها يتحقق والحال بعد موتها في حقه كالحال قبله وكذلك قوله أنت طالق ان شاء فلان أو أحب أو رضى أو هوى أو أراد ذلك كله على مجلس علمه به ولو أضاف إلى نفسه فكان على الابد لان في حق الغير يجعل تمليكا للامر منه فيختص بالمجلس وفى حق نفسه لا يمكن ان يجعل تمليكا فيبقى حقيقة الشرط معتبرا ولو قال ان لم اشأ ثم قال بعد ذلك لا أشاء لا يقع به الطلاق لان الشرط عدم مشيئة طلاقها في عمره ولم يوجد ذلك بقوله لا أشاء فانه متمكن من أن يشاء بعد ذلك ولو قال ان أبيت طلاقك أو كرهت طلاقك ثم قال لست اشاء طلاقك وقد ابيته طلقت لانه جعل الشرط هنا وجود فعل هو إباء منه وقد وجد ذلك بقوله لا أشاء أو بقوله أبيت وفي الاول جعل الشرط عدم المشيئه فكأنه قال ان سكت عن مشيئة طلاقك حتى أموت فلا يصير الشرط موجودا بقوله لا أشاء فلهذا لا تطلق ولو قال ان لم يشأ فلان ذلك فقال فلان لاأشاء طلقت لا بقوله لاأشاء ولكن بخروج المشيئة عن يده فقوله لا أشاء بمنزلة مالو قام عن المجلس أو أخذ في عمل آخر حتى أنه لو وقت كلامه في حق فلان فقال ان لم يشأ فلان اليوم فقال فلان لا أشاء لم تطلق لان هذا يتوقت باليوم دون المجلس وبقوله لا أشاء لا تنعدم المشيئة منه في بقية اليوم فلهذا لا تطلق والله سبحانه وتعالى أعلم بالصدق والصواب واليه المرجع والمآب (باب اليمين في الازهار والرياحين) (قال) رضي الله عنه وإذا حلف لا يشترى بنفسجا فاشترى دهن بنفسج حنث عندنا

[ 28 ] ولم يحنث عند الشافعي رحمه الله تعالى لانه يعتبر حقيقة لفظه وما اشترى غير البنفسج لان المنتقل إلى الدهن رائحة البنفسج لاعينه ولكنا نعتبر العرف فانه إذا أطلق اسم البنفسج في العرف يراد به الدهن ويسمى بائعه بائع البنفسج فيصير هو بشرائه مشتريا للبنفسج أيضا ولو اشترى ورق البنفسج لم يحنث وذكر الكرخي في مختصره أنه يحنث أيضا وهذا شئ ينبني على العرف وفى عرف أهل الكوفة بائع الورق لا يسمى بائع البنفسج وانما يسمى به بائع الدهن فبنى الجواب في الكتاب على ذلك ثم شاهد الكرخي عرف أهل بغداد انهم يسمون بائع الورق بائع البنفسج أيضا فقال يحنث به وهكذا في ديارنا ولا يقول اللفظ في أحدهما حقيقة وفى الآخر مجاز ولكن فيهما حقيقة أو يحنث فيهما باعتبار عموم المجاز والخيرى كالبنفسج فأما الحنا والورد فقال انى أستحسن أن أجعله على الورق والورد إذا لم يكن له نية وان اشترى دهنهما لم يحنث والقياس في الكل واحد ولكنه بني الاستحسان على العرف وان الورد والحنا تسمي به العين دون الدهن والبنفسج والخيرى يسمى بهما مطلقا و الياسمين قياس الورد يسمى به العين فان الدهن يسمي به زنبقا وان حلف لا يشترى بزرا فاشترى دهن بزر حنث وان اشترى الحب لم يحنث لاعتبار العرف الظاهر ولو حلف لا يشترى دهنا فهذا على الدهن الذي يدهن به الناس عادة حتى لو اشترى زيتا أو بزرا لم يحنث ولو حلف لايدهن فادهن بزيت حنث ولو ادهن بسمن أوبزر لم يحنث والزيت من حيث أنه يلقي فيه الارايح ويطبخ ثم يدهن به يكون دهنا ومن حيث أنه لايدهن به كذلك لا يكون دهنا مطلقا فان كانت يمينه على الشراء لم يحنث وإذا كانت على الادهان يحنث به وأما السمن والبزر لايدهن بهما في العادة بحال ولو حلف لا يشتري بزا فاشترى فروا أو مسحا لم يحنث وكذلك الطيالسة والا كيسة لان بائع هذه الاشياء لا يسمى بزازا ولا يباع في سوق البزازين أيضا فلا يصير مشتريا البز بشرائها ولو حلف لا يشتري طعاما فاشترى تمرا أو فاكهة حنث في القياس لان الطعام اسم لما يطعمه الناس والفاكهة والتمر بهذه الصفة ألا ترى أنه لوعقد يمينه على الاكل حنث بهما فكذلك الشراء ولكنه استحسن فقال لا يحنث الافي الحنطة والخبز والدقيق لانه عقد يمينه على الشراء والشراء انما يتم به وبالبائع وما يسمى بائعه بائع الطعام أو يباع في سوق الطعام يصير هو بشرائه مشتريا للطعام وبائع الفاكهة واللحم لا

[ 29 ] يسمى بائع الطعام فلا يصير هو بشرائها مشتريا للطعام أيضا بخلاف الاكل فانه يتم بالآكل وحد فيعتبر فيه حقيقة الاسم وان حلف لا يشترى سلاحا فاشترى حديدا غير معمول لم يحنث لان بائعه لا يسمى بائع السلاح وانما يسمى حدادا وكذلك يباع في سوق الحدادين ولا يباع في سوق الاسلحة وان اشترى سكينا لم يحنث أيضا لان بائعه لا يسمى بائع السلاح وانما يسمى سكانا واما إذا اشترى سيفا أو درعا أو قوسا يحنث لانه سلاح يباع في سوق السلاح وبائعه يسمى بائع السلاح فيصير هو مشتريا السلاح بشرائه (قال) وإذا سأل رجل رجلا عن حديث فقال اكان كذا وكذا فقال نعم وسعه ان يقول حدثنى فلان بكذا وان حلف على ذلك كان صادقا لانه ذكر في جوابه نعم وهو غير مستقل بنفسه فيصير ما تقدم كالمعاد فيه ألاتري ان من قرأ صكا على غيره وقال أشهد عليك بكذا وكذا فقال نعم وسعه أن يشهد بجميع ذلك عليه وان حلف لا يشم طيبا فدهن به لحيته فوجد ريحه لم يحنث لانه عقد يمينه على فعل منه يسمي شم الطيب ولم يوجد وانما وصلت رائحة الطيب إلى دماغه فهو كما لو مر على سوق العطارين فدخل رائحة الطيب في أنفه ألا ترى أن المحرم بهذا لا يلزمه شئ وأنه لو ادهن قبل احرامه ثم وجد ريحه بعد الاحرام لم يلزمه شئ وهو ممنوع من شم الطيب في الاحرام وليس الدهن بطيب إذا لم يجعل فيه طيب انما الطيب ما يجعل فيه المسك والعنبر ونحوهما لان الطيب ماله رائحة مستلذة وليس للدهن ذلك إذا لم يكن فيه طيب وانما يستعمل الدهن لتليين الجلد ودفع اليبوسة لا للطيب إذا لم يكن متطيبا وان حلف لا يشم دهنا أولا يدهن فالزيت فيه كغيره من الادهان وقد بينا الفرق بين هذا والشراء وان حلف لا يشم ريحانا فشم آسا أو ما أشبه ذلك من الرياحين حنث وان شم الياسمين أو الورد لم يحنث لانهما من جملة الاشجار والريحان اسم لما ليس له شجر ألاتري ان الله تعالى قال والنجم والشجر يسجدان والحب ذو العصف والريحان قد جعل الريحان غير الشجر عرفنا أن ماله شجر فليس بريحان وان كان له رائحة مستلذة وكذلك في العرف لا يطلق اسم الريحان على الورد والياسمين وانما يطلق على ما ينبت من بزره مما لاشجر له وقيل الريحان ما يكون لعينه رائحة مستلذة وشجر الورد والياسمين ليس لعينه رائحة انما الرائحة للورد خاصة فلا يكون من جملة الرياحين (قال) ولو أن امرأة حلفت أن لا تلبس حليا فلبست خاتم الفضة تحنث لان الرجل ممنوع من استعمال الحلى وله أن يلبس خاتم الفضة

[ 30 ] فعرفنا أنه ليس بحلى وقيل هذا إذا كان مصوغا على هيئة خاتم الرجال فأما إذا كان على هيئة خاتم النساء مما له فصوص فهو من الحلى لانه يستعمل استعمال الحلى للتزين به والسوار والخلخال والقلادة والقرط من الحلى لانها تستعمل استعمال الحلى للتزين بها حتى يختص بلبسها من يلبس الحلى والله تعالى وعد ذلك لاهل الجنة بقوله يحلون فيها من أساور من ذهب فأما اللؤلؤ عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يكون حليا الا أن يكون مرصعا بالذهب والفضة وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى هو حلى لقوله تعالى يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولقوله وتستخرجون منه حلية تلبسونها وكذلك من حيث العرف يستعمل ذلك استعمال الحلى فالمرأة قد تلبس عقد لؤلؤ للتحلي بها ولكن أبوحينفة رحمه الله تعالى شاهد العرف في عصره وأنهم يتحلون باللؤلؤ مرصعا بالذهب أو الفضة ولا يتحلون باللؤلؤ وحده فبنى الجواب على ما شاهده وقد بينا أنه لاتبنى مسائل الايمان على ألفاظ القرآن ولكن قولهما أظهر وأقرب إلى عرف ديارنا ولو حلف لا يقطع بهذا السكين فكسره فجعل منه سكينا آخر ثم قطع لم يحنث لانه حين كسره فقد زال الاسم الذى عقد به اليمين فلهذا لا يحنث وقد بينا نظيره في الدار إذا جعلها بستانا ولو حلف لا يتزوج امرأة فتزوج امرأة بغير شهود حنث في القياس لانه منع نفسه عن أصل العقد والفساد والجواز صفة لا ينعدم أصل العقد بانعدامها كالبيع ألا ترى أنه لوعقد يمينه على الماضي بأن قال ما تزوجت كان على الفاسد والجائز فكذلك في المستقبل وجه الاستحسان أن المقصود بالنكاح ملك الحل وذلك لا يحصل بالعقد الفاسد كيف وقد نفي رسول الله أصل العقد بغير شهود حيث قال لانكاح الا بشهود بخلاف البيع فالمقصود هناك وهو الملك يحصل بالعقد الفاسد إذا تأكد بالقبض وبخلاف ما لو تدبر الكلام في النكاح لانه في الخبر عن الماضي من النكاح ليس مقصوده الحل والعفة وانما يمينه في الماضي على مجرد الخبر والخبر يتحقق عن العقد الفاسد والجائز ولو حلف لا يشترى عبدا فاشتراه شراء فاسدا حنث عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى لا يحنث الا بالقبض لان القبض في الشراء الفاسد نظير القبول في الشراء الصحيح من حيث أن الملك لا يحصل الا به ولكنا نقول شرط حنثه العقد وبالايجاب والقبول ينعقد العقد فاسدا كان أو صحيحا والملك غير معتبر في تحقيق شرط الحنث ألا ترى أنه لو اشتراه بشرط الخيار أو اشتراه لغيره حنث وان لم يثبت الملك له قال

[ 31 ] وهذا والنكاح سواء في القياس ولكني أستحسن في البيع وهذا الاستحسان يعود إلى القياس في النكاح وأشار إلى الفرق فقال ألا ترى أنه لو اعتقه بعد القبض عتق وأنه لا يقع الطلاق في النكاح الفاسد فدل أن العقد منعقد هنا غير منعقد هناك ولو حلف لا يصلى ركعتين فصلاها بغير وضوء ففي القياس يحنث وفي الاستحسان لا يحنث وهذا والنكاح سواء لان المقصود بالصلاة العبادة ونيل الثواب ولا يحصل ذلك بالصلاة بغير وضوء لقوله لاصلاة الا بطهور (قال) ولو حلف لا يصلى فافتتح الصلاة لم يحنث حتى يصلى ركعة وسجدة استحسانا وفي القياس يحنث لان شرط حنثه فعل يكون به مصليا وقد حصل ذلك بالتكبير لانه يسمى في العادة مصليا ويحرم عليه ما يحرم على المصلين ولكنه استحسن فقال الصلاة تشتمل على أركان منها القيام والقراءة والسجود والركوع لانها عبادة بجميع البدن وكل ركن من هذه الاركان لا يتناوله اسم الصلاة فلا يكون مصليا مطلقا ما لم يأت بأركان الصلاة وانما يسمى مصليا بعد التكبير مجازا على اعتبار أنه اشتغل بالاركان التى يصير بها مصليا فإذا قيد الركعة بسجدة فقد أتي بأركان الصلاة وما بعد ذلك يكون تكرارا ولا يشترط التكرار في اتمام شرط الحنث وقد بينا في كتاب الصلاة أن القعدة من أسباب التحلل وان حلف لا يصوم فأصبح صائما ثم أفطر حنث لان الصوم ركن واحد وهو الامساك وشرطه النية فلما أصبح ناويا للصوم فقد أتى بما هو ركن الصوم فيتم به شرط حنثه الا أن يكون قال يوما فحينئذ إذا أفطر قبل الليل لم يحنث لان شرط حنثه صوم يوم كامل ولا يحصل ذلك الا بامتداد الامساك إلى غروب الشمس وان حلف ليفطرن عند فلان ولانية له فأفطر على ماء وتعشى عند فلان حنث لانه جعل شرط بره الفطر عند فلان وقد تعشى عند فلان وما أفطر عنده فالفطر الحكمى بغروب الشمس وحقيقته بوصول المفطر إلى جوفه وقد وجد ذلك قبل أن يأتي فلانا وان كان نوى حين حلف العشاء لم يحنث لان الفطر يذكر في العادة والمراد العشاء فان الرجل يقول أفطرت عند فلان وفلان يفطر عنده جماعة والمراد التعشى وان حلف لا يتوضأ بكوز فلان فصب فلان عليه الماء من كوزه فتوضأ حنث لان التوضى بالماء الذى في الكوز لا يغير الكوز وقد وجد ذلك وان كان الذى يصب عليه الماء من ذلك الكوز غيره وكوز الصفر والادم وغير ذلك فيه سواء وهذا إذا كان ذلك يسمى كوزا عادة فأما إذا توضأ باناء لفلان غير

[ 32 ] الكوز لم يحنث ولو كان فلان هو الذى وضاه وغسل يديه ووجهه لم يحنث لانه عقد اليمين على فعل نفسه وهو التوضى ولم يوجد وكذلك لو حلف لا يشرب بقدح فلان والله سبحانه وتعالى أعلم (باب اليمين في العتق) (قال) رضى الله عنه رجل تزوج أمة ثم قال لها ان مات مولاك فأنت طالق اثنتين فمات المولى والزوج وارثه وقع الطلاق عليها ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى لا يقع الطلاق لان موت المورث سبب لانتقال المال إلى الوارث وذلك مفسد للنكاح وأو ان وقوع الطلاق بعد وجود الشرط فيقترن الطلاق بحال فساد النكاح ولا يقع الطلاق في هذه الحالة كما إذا قال إذا باعك مني فأنت طالق اثنتين ثم اشتراها لم تطلق توضيحه ان الطلاق لا يقع الا في النكاح المستقر وهو غير مستقر في حال انتقال الملك إليه ولهذا قال محمد لو كان قال إذا مات مولاك فأنت حرة فمات المولى وهو وارثه لا تعتق لان العتق لا ينزل الا في الملك المستقر وبنفس موت المولى لا يستقر الملك للوارث ولكن أو ان استقرار ملكه بعده بخلاف مالو قال إذا مات مولاك فملكتك لان أو ان العتق هناك ما بعد استقرار الملك وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول وجد شرط الطلاق وهى منكوحة بعد فيقع الطلاق كما لو لم يكن الزوج وارثا له وبيان ذلك أن موت المولى سبب لزوال ملكه فانما يزول ملكه بعد الموت ثم ينتقل إلى الوارث بعد ذلك ثم يفسد النكاح بعدما يدخل في ملكه ووقوع الطلاق قبل هذا بدرجتين لان وقوع الطلاق يقترن بزوال ملك المولى وزوال ملك المولى غير مؤثر في دفع استقرار النكاح والدليل عليه أنه لو قال لها إذا مات مولاك فأنت حرة لم تعتق لان أوان وقوع العتق مع زوال ملك المالك وملك الوارث كون بعد ذلك فإذا لم يعتبر الملك الذى يتأخر للوارث في تصحيح عتقه فكذلك لا يعتبر في المنع من وقوع الطلاق ألا ترى أنه لو شرط الملك بقوله إذا مات مولاك فملكتك وقع العتق دون الطلاق فإذا لم يشترط الملك يقع الطلاق دون العتق لان الملك منفذ للعتق مانع وقوع الطلاق رجل قال لامته إذا مات فلان فأنت حرة ثم باعها ثم تزوجها ثم قال لها إذا مات مولاك فأنت طالق اثنتين

[ 33 ] ثم مات المولى وهو وارثه على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لا تعتق ويقع الطلاق وعلى قول زفر رحمه الله تعالى يقع العتاق ولا يقع الطلاق وعلى قول محمد رحمه الله تعالى لا يقع الطلاق ولا العتاق أما أبو يوسف رحمه الله تعالي مر على أصله ان الطلاق لا يمتنع وقوعه الا بعد الملك كما ان العتق لا يقع الا بعد الملك وقد علقهما الحالف بموت فلان الذى ثبت بموت فلان زوال ملكه ثم ثبوت الملك للوارث بعد ذلك فأوان العتق والطلاق قبل ثبوت الملك له فيقع الطلاق ولا يقع العتق ومحمد رحمه الله تعالى مر على أصله ان وقوع الطلاق مع وقوع الملك وحال وقوع الملك للزوج في رقبتها ليس بحال استقرار النكاح فلا يقع الطلاق ولا يقع العتق لانه يقترن بوقوع الملك وأوان نفوذ العتق ما بعد الملك واما زفر رحمه الله تعالى فانه يقول لا يقع الطلاق لما قال محمد رحمه الله تعالى لان ما بعد المولى ليس بحال استقرار النكاح ويقع العتق باعتبار أنه حلف بالعتق في الملك والشرط تم في الملك لان تمام الشرط بعد موت المولى المورث وكما مات المورث انتقل الملك إلى الوارث فيقع العتق ولا يعتبر تخلل زوال الملك بعد ذلك كما لو قال لها ان دخلت الدار فأنت حرة ثم باعها ثم اشتراها ثم دخلت الدار توضيحة ان العتق لما كان أو ان نزوله بعد الملك يصير تقدير كلامه كانه قال إذا مات مولاك فورثتك ولا يدرج مثل هذا في الطلاق لانه يبطل الطلاق والا دراج للتصحيح لا للابطال أو يدرج حتى لا يقع الطلاق ويقع العتق كما هو مذهب زفر وإذا قال لامته إذا باعك فلان فأنت حرة فباعها من فلان ثم اشتراها منه لم تعتق لان الشرط بيع فلان اياها وبيع فلان من الحالف سبب لزوال ملكه فأما وقوع الملك للحالف بشرائه لا ببيع فلان فلهذا لا تعتق ألا ترى أنه لو قال إذا وهبك لى فلان فأنت حرة فباعها من فلان وسلمها ثم استودعها البائع ثم قال للبائع هبها لى فقال هي لك انها له وهذا قبول ولا تعتق لان العتق والهبة وقعا وهى في ملك غيره فانه انما يملكها بالهبة والشراء بعد خروجها من ملك البائع والواهب فكان العتق متصلا بزوال ملك البائع والواهب أو مقترنا بوقوع الملك للحالف ولا ينفذ العتق الا بعد تقدم الملك في المحل وان قال إذا وهبك فلان مني فأنت حرة فوهبها منه وهو قابض لها عتقت وكذلك قوله إذا باعك فلان منى فأنت حرة لانه صرح بما هو السبب الملك في حقه واضافة العتق إلى سبب الملك كاضافته إلى نفس الملك رجل قال لآخر يا فلان والله لا أكلمك عشرة أيام والله لاأكلمك تسعة أيام والله

[ 34 ] لا أكلمك ثمانية أيام فقد حنث مرتين لانه باليمين الثانية صار مخاطبا له فيحنث في اليمين الاولى وباليمين الثالثة صار مخاطبا فيحنث في اليمين الثانية وعليه اليمين الثالثة حتى ان كلمه في الثمانية الايام حنث أيضا وان قال والله لا أكلمك ثمانية أيام والله لا أكلمك تسعة أيام والله لا أكلمك عشرة أيام فقد حنث مرتين وعليه اليمين الثالثة ان كلمه في العشرة الايام حنث أيضا رجل قال على المشى إلى بيت الله تعالى وكل مملوك له حر وكل امرأة له طلق ان دخل هذه الدار وقال رجل آخر على مثل ما حلفت على يمينك من هذه الايمان ان دخلت الدار فدخل الثاني الدار لزمه المشى إلى بيت الله تعالى ولم يلزمه عتق ولا طلاق لان الثاني صرح بكلمة على وهى كلمة التزام فكانت عاملة فيما يصح التزامه في الذمة دون ما لا يصح التزامه في الذمة والمشى إلى بيت الله تعالى يصح التزامه في الذمة فيتعلق بدخوله الدار وعند الدخول يصير كالمنجز فأما الطلاق لا يصح التزامه في الذمة والعتق وان كان يصح التزامه في الذمة ولكن لا يتنجز في المحل بدون التنجيز فلهذا لا يعتق مملوكه ولا تطلق زوجته إذا دخل الدار وذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله تعالى ان الرجل إذا قال لامرأته أنت طالق ان دخلت الدار وقال آخر على مثل ذلك في امرأتي من الطلاق ان دخلتها فدخل الثاني الدار لم تطلق امرأته عند أبى يوسف رحمه الله تعالى وطلقت عند زفر رحمه الله تعالى لانه ألزم نفسه عند دخول الدار في امرأته من الطلاق ما التزمه الاول والاول انما الزم نفسه وقوع الطلاق عليها عند الدخول لا لزوم الطلاق دينا في ذمته فيثبت ذلك في حق الثاني (قال) في الكتاب ألا ترى أنه لو قال الله على طلاق امرأتي لا يلزمه شئ وهذا يصير رواية في فصل وفيه اختلاف ان من قال لا مرأته طلاقك على واجب أو طلاقك لى لازم فكان محمد بن سلمة رحمه الله تعالى يقول يقع الطلاق فيهما جميعا والعراقيون من مشايخنا كانوا يقولون في قوله على واجب لا يقع وفى قوله لى لازم يقع والا صح ماذ كره محمد بن مقاتل رضى الله تعالى عنه عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا يقع الطلاق فيهما جميعا لان الوجوب واللزوم يكون في الذمة والطلاق لا يلتزم في الذمة وليس لالتزامه في الذمة عمل في الوقوع وعلى قول محمد رحمه الله تعالى في قوله لى لازم يقع لان معناه حكم الطلاق لى لازم وجعل السبب كناية عن الحكم صحيح وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ينوى في ذلك لاحتمال ان يكون المراد لزوم الحكم اياه فإذا نوى الوقوع وقع فاما العتق فقد جعل الثاني بهذا اللفظ

[ 35 ] عليه عتق مماليكه فيؤمر بالوفاء بالنذر من غير أن يجبر عليه في القضاء كما لو قال لله على أن أعتق عبدى هذا لم يعتق بهذا القول ولكن الافضل له ان بقي به معناه ان يؤمر بالوفاء فيما بينه وبين ربه كما هو موجب نذره ألا ترى ان رجلا لو قال عبده سالم حران دخل الدار فقال رجل آخر على مثل ما جعلت على نفسك ان دخلت الدار فدخلها أنه لاشي عليه وهذا ظاهر لان الثاني يلتزم بالدخول عتق مالا يملكه ولا عتق فيما لا يملكه ابن آدم فان عنى به عتق عبد من عبيده الذى يملكه فالا حسن له أن يفى به وهو آثم ان لم يف به لترك الوفاء بالمنذور وبيانه في قوله تعالى ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله الآية واما المشى إلى بيت الله تعالى والحج والعمرة والنذر والصيام وكل شئ يتقرب به العبد إلى ربه فإذا قال رجل آخر على مثل ما حلفت به ان فعلت ففعله الثاني فانه عليه وكذلك لو قال الاول على عتق نسمة ان فعلت كذا ففعل فعليه عتق نسمة لانه قربة يصح التزامها في الذمة بالنذر والوفاء بالنذور يؤمر به الناذر بينه وبين ربه والله أعلم

[ 36 ] بسم الله الرحمن الرحيم (كتاب الحدود) (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله تعالى إملاء الحد في اللغة هو المنع ومنه سمي البواب حدادا لمنعه الناس من الدخول وسمى اللفظ الجامع المانع حدا لانه يجمع معاني الشئ ويمنع دخول غيره فيه فسميت العقوبات حدودا لكونها مانعة من ارتكاب أسبابها وفي الشرع الحد اسم لعقوبة مقدرة تجب حقا لله تعالى ولهذا لا يسمي به التعزير لانه غير مقدر ولا يسمي به القصاص لانه حق العباد وهذا لان وجوب حق العباد في الاصل بطريق الجبران فأما ما يجب حقا لله تعالى فالمنع من ارتكاب سببه لان الله تعالى عن أن يلحقه نقصان ليحتاج في حقه إلى الجبران وهى أنواع فهذا الكتاب لبيان نوعين منها حد الزنا وحد النسبة إلى الزنا وسبب كل واحد منهما ما يضاف إليه لان الواجبات تضاف إلى أسبابها والموجب هو الله تعالى ولكن الاسباب لتيسير المعرفة على العباد لا ان تكون الاسباب هي الموجبة ثم الزنا نوعان رجم في حق المحصن وجلد غير المحصن وقد كان الحكم في الابتداء الحبس في البيوت والتعيير والاذى باللسان كما قال الله تعالى فامسكوهن في البيوت وقال فآذوهما ثم انتسخ ذلك بحديث عبادة بن الصامت أن النبي قال خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة وقد كان هذا قبل نزول سورة النور بدليل قوله خذوا عنى ولو كان بعد نزولها لقال خذوا عن الله تعالى ثم انتسخ ذلك بقوله تعالى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة واستقر الحكم على الجلد في حق غير المحصن والرجم في حق المحصن فأما الجلد فهو متفق عليه بين العلماء وأما الرجم فهو حد مشروع في حق المحصن ؟ ثابت بالسنة الا على قول الخوارج فانهم ينكرون الرجم لانهم لا يقبلون الاخبار إذا لم تكن في حد التواتر والدليل على أن الرجم حد في حق المحصن

[ 37 ] أن النبي رجم ماعزا بعد ما سأل عن احصانه ورجم الغامدية وحديث العسيف حيث قال واغديا انيس إلى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها دليل على ذلك وقال عمر رضى الله عنه على المنبر وان مما أنزل في القرآن أن الشيخ والشيخة إذا زينا فارجموهما البتة وسيأتي قوم ينكرون ذلك ولولا أن الناس يقولون زاد عمر في كتاب الله لكتبتها على حاشية المصحف والجمع بين الجلد والرجم في حق المحصن غير مشروع حدا عندنا وعند أصحاب الظواهر هما حد المحصن لظاهر قوله والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة ولحديث على رضى الله عنه فانه جلد شراحة الهمدانية ثم رجمها ثم قال جلدتها بكتاب الله ورجمتها بالسنة (وحجتنا) حديث ماعزو الغامدية قد رجمهما رسول الله ولم يجلدهما وقال فان اعترفت فارجمها وقد بينا أن المقصود الزجر عن ارتكاب السبب وأبلغ ما يكون من الزجر بعقوبة تأتى على النفس بأفحش الوجوه فلا حاجة معها إلى الجلد والاشتغال به اشتغال بما لا يفيد وما لا فائدة فيه لا يكون مشروعا حدا وقد بينا أن الجمع بينهما قد انتسخ وقيل تأويل قوله جلد مائة ورجم بالحجارة الجلد في حق ثيب هو غير محصن والرجم في حق ثيب هو محصن وحديث على رضى الله عنه تأويله ان جلدها لانه لم يعرف احصانها ثم علم احصانها فرجمها وهو القياس عندنا على ما بيناه في الجامع ثم سبب هذا الحد يثبت عند الامام بالشهادة تارة وبالاقرار أخرى فبدأ الكتاب ببيان ما يثبت بالشهادة فقال والزنا مختص من بين سائر الحقوق في أنه لا يثبت الا بشهادة أربعة لقوله تعالى فاستشهدوا عليهن أربعة منكم وقال تعالى ثم لم يأتوا بأربعة شهداء وقد تكلف بعضهم فيه معنى وهو أن الزنا لايتم الا باثنين وفعل كل واحد لا يثبت الا بشهادة شاهدين ولكن هذا ضعيف فان شهادة شاهدين كما يثبت فعل الواحد يثبت فعل الاثنين ولكنا نقول ان الله تعالى يحب الستر على عباده والى ذلك ندب وذم من أحب أن تشيع الفاحشة فلتحقيق معني الستر شرط زيادة العدد في الشهود على هذه الفاحشة واليه أشار رسول الله في قوله لهلال بن أمية ائت بأربعة يشهدون على صدق مقالتك والا فحد في ظهرك واليه أشار عمر رضى الله عنه حين شهد عنده أبو بكرة وشبل بن معبد ونافع بن الازرق على المغيرة بن شعبة رضى الله عنه بالزنا فقال لزياد وهو الرابع بم تشهد فقال أنا رأيت أقداما بادية وأنفاسا عالية وأمرا منكرا وفى رواية قال رأيتهما تحت

[ 38 ] لحاف واحد ينخفضان ويرتفعان ويضطربان اضطراب الخيزران وفى رواية رأيت رجلا أقعى وامرأة صرعى ورجلين مخضوبتين وانسانا يذهب ويجئ ولم أر ما سوى ذلك فقال الله أكبر الحمد لله الذى لم يفضح واحد من أصحاب رسوله ففى هذا بيان اشتراط الاربعة لابقاء ستر العفة (قال) وإذا شهدت الاربعة بالزنا بين يدى القاضى ينبغي له أن يسألهم عن الزنا ما هو وكيف هو ومتي زنا وأين زنا لانهم شهدوا بلفظ محتمل فلا بد من أن يستفسرهم أما السؤال عن ماهية الزنا لان من الناس من يعتقد في كل وطئ حرام أنه زنا ولان الشرع سمى الفعل فيما دون الفرج زنا قال العينان تزنيان وزناهما النظر واليدان تزنيان وزناهما البطش والرجلان تزنيان وزناهما المشى والفرج يصدق ذلك كله أو يكذب والحد لا يجب الا بالجماع في الفرج ألا تري ان رسول الله استفسر ماعزا حتى فسر كالميل في المكحلة والرشا في البئر وقال له مع ذلك لعلك قبلتها لعلك مسستها حتى إذا ذكر الكاف والنون قبل اقراره والزنا لغة مأخوذ من الزنا وهو الضيق ولا يكون ذلك الا بالجماع في الفرج فلهذا سألهم عن ماهية الزنا وكيفية وأما السؤال عن الوقت لجواز أن يكون العهد متقادما فان حد الزنا بحجة البينة لايقام بعد تقادم العهد عندنا والسؤال عن المكان لتوهم أن يكون فعل ذلك في دار الحرب حيث لم يكن تحت ولاية الامام والسؤال عن المزني بها لان النبي سأل ماعزا عن ذلك بقوله الآن أقررت أربعة فبمن زنيت ولان من الجائز أن يكون له نكاح أو شبهة نكاح في المفعول بها وذلك غير معلوم للشهود فإذا فسروا تبين ذلك للقاضى والحاصل أن القاضى مندوب إلى الاحتيال لدرء الحد كما قال ادرؤا الحد بالشبهات ولقن المقر الرجوع بقوله اسرق ما أخاله سرق وقال عمر رضى الله عنه اطردوا المعترفين يعني الذين يقرون على أنفسهم بالسبب الموجب للحد ومن أسباب احتيال الدرء ان يستقصى مع الشهود ولان المتعلق بهذه الشهادة ما إذا وقع فيه الغلط لا يمكن تدرا كه فيستقصى للتحرز عن ذلك فإذا بينوا ذلك والقاضى لا يعرف عدالة الشهود فانه يحبسه حتي يسأل عن الشهود وهذا لانه لو خلى سبيله هرب فلا يظفر به بعد ذلك ولاوجه إلى أخذ الكفيل منه لان أخذ الكفيل نوع احتياط فلا يكون مشروعا فيما بنى على الدرء (فان قيل) الاحتياط في الحبس أظهر (قلنا) حبسه ليس بطريق الاحتياط بل بطريق التعزير لانه صار متهما بارتكاب الفاحشة

[ 39 ] فيحبسه تعزيرا ولهذا لا يحبسه في الديون قبل ظهور عدالة الشهود ولان الحبس اقصى العقوبة هناك فانه بعد ما ثبت الحق لا يعاقبه الا بالحبس فلا يجوز أن يفعله قبل ثبوت الحق بخلاف الحدود فإذا ظهرت عدالة الشهود نظر في أمر الرجل فان كان محصنا رجمه وان كان غير محصن جلده والاحصان الذى يتعلق به الرجم له شرائط فالمتقدمون يقولون شرائطه سبعة العقل والبلوغ والحرية والنكاح الصحيح والدخول بالنكاح وان يكون كل واحد من الزوجين مثل الآخر في صفة الاحصان والاسلام والاصح ان نقول شرط الاحصان على الخصوص اثنان الاسلام والدخول بالنكاح الصحيح بأمرأة هي مثله فأما العقل والبلوغ فهما شرط الاهلية للعقوبة لا شرط الا حصان على الخصوص لان غير المخاطب لا يكون أهلا لا لتزام شئ من العقوبات والحرية شرط تكميل العقوبة لا ان تكون شرط الاحصان على الخصوص فأما الدخول شرط ثبت بقوله الثيب بالثيب والثيوبة لا تكون الا بالدخول وشرطنا ان يكون ذلك بالنكاح الصحيح لان الثيوبة على ما عليه أصل حال الآدمي من الحرية لا يتصور بسبب مشروع سوى النكاح الصحيح وكان المقصود به تغليظ الجريمة لان الرجم أفحش العقوبات فيستدعى أغلظ الجنايات والجناية في الاقدام على الزنا بعد اصابة الحلال يكون أغلظ ولهذا لا تشترط العفة عن الزنا في هذا الاحصان بخلاف احصان القذف لان الزنا بعد الزنا أغلظ في الجريمة من الزنا بعد العفة فاما الاسلام شرط في قول علمائنا وعن أبى يوسف رحمه الله انه ليس بشرط وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر ان رسول الله ورضى عنهما رجم يهوديين زنيا وزاد في بعض الروايات وقد أحصنا والمعني فيه ان هذه عقوبة يعتقد الكافر حرمة سببها فيقام عليه كما يقام على المسلم كالجلد والقطع والقتل في القصاص بخلاف حد الشرب فانه لا يعتقد حرمة سببه وتأثيره مابينا ان ما اشترط في الاحصان انما يشترط لمعنى تغلظ الجريمة وغلظ الجريمة باعتبار الدين من حيث اعتقاد الحرمة فإذا كان هو في دينه معتقدا للحرمة كالمسلم فقد حصل ما هو المقصود فكان به محصنا فان المحصن من يكون في حصن ومنع من الزنا وهو باعتقاده ممنوع من الزنا وقد أنذر عليه بالعقوبة في دينه فكان محصنا ثم لا يجوز اشتراط الاسلام لمعنى الفضيلة والكرامة والنعمة كما لا يشترط سائر الفضائل من العلم والشرف ولا يجوز اشتراط الاسلام لمعنى التغليظ لان الكفر أليق بهذا من الاسلام فالاسلام

[ 40 ] للتخفيف والعصمة والكفر من دواعى التغليظ فإذا كان تقام هذه العقوبة على المسلم بارتكاب هذه الفاحشة فعلى الكافر أولى (وحجتنا) قوله من أشرك بالله فليس بمحصن معناه ليس بكامل الحال فان المحصن من هو كامل الحال والرجم لايقام الا على من هو كامل الحال والاعتماد في المسألة على الاستدلال بالثيوبة فان الثيوبة بالنكاح الصحيح شرط لايجاب الرجم ومعلوم أن المقصود انكسار شهوته باصابة الحلال وهذا المقصود يتم بالاصابة بملك اليمين كما يتم بالنكاح ثم شرط أن يكون بالنكاح فما كان ذلك الا لاعتبار معنى النعمة ويتبين بهذا أن ما يشترط لاقامة الرجم يشترط بطريق هو نعمة فكذلك اعتقاد الحرمة يشترط بطريق هو نعمة وذلك بالاسلام بل أولي لان أصل النعمة في الوطئ بملك اليمين موجود انما انعدم نهايتها وأصل النعمة منعدم هنا فيما يعتقده الكافر وتأثيره أن الجريمة كما تتغلظ باجتماع الموانع تتغلظ باجتماع النعم ولهذا هدد الله تعالى نساء رسول الله ورضي الله عنهن بضعف ما هدد به غيرهن بقوله تعالى يضاعف لها العذاب ضعفين لزيادة النعمة عليهن وعوتب الانبياء عليهم الصلاة والسلام على الزلات بما لم يؤاخذ به غيرهم لزيادة النعمة عيهم والحر يقام الحد الكامل ولا يقام على العبد لزيادة نعمة الحرية في حق الحر فبدن العبد أكثر احتمالا للحد من بدن الحر فعرفنا أن بزيادة النعمة يزداد تغليظ الجريمة لما في ارتكاب الفاحشة من كفران النعمة فأما سائر الفضائل انما لا تشترط لان شرط الحد بالرأى لا يمكن اثباته ونحن قلنا ما يكون شرطا بالاتفاق لا ينبغى أن يشترط بطريق هو نعمة استدلالا بالثيوبة فأما ما لم يعرف شرطا لو أثبتناه لاثبتناه بالرأى ابتداء مع أنه انما يشترط في الاحصان ما ينطلق عليه اسم الاحصان وسائر الفضائل لا ينطلق عليه اسم الاحصان وأما الاسلام فيطلق عليه اسم الاحصان في قوله تعالى والذين يرمون المحصنات وقال تعالى فإذا أحصن فان أتين بفاحشة فأما العفة وان كان يطلق عليها اسم الاحصان ولكن العفة انزجار عن الزنا والانزجار عن الزنا مع الاقدام على الزنا لا يتحقق فلا يمكن اشتراط العفة مقترنا بالزنا ولا سابقا على الزنا لانه لا تتغلظ به الجريمة كما بينا فان الاصرار على الزنا أفحش في الجريمة مع أن العفة الوقوف على حدود الدين فإذا شرطنا أصل الدين بطريق هو نعمة حصل ما هو المقصود فأما الحديث فانها رجمهما رسول الله بحكم التوراة ألا ترى أنه دعى بالتوراة

[ 41 ] وبابن صوريا الا عور وناشده بالله حتى اعترف بأن حكم الزنا في كتابهم الرجم فرجمهما وقال أنا أحق من أحيى سنة أماتوها وإحياء سنة أميتت انما يكون بالعمل بها فدل انه انما رجمهما بحكم التوراة ولم يكن الاحصان شرطا في الرجم بحكم التوراة وقوله وقد احصنا شاذ ولو ثبت فمراده الاحصان من حيث الحرية كما في قوله تعالى والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وأما اشتراط احصان كل واحد منهما في الآخر فهو مذهبنا وفي رواية عن أبى يوسف وهو قول الشافعي رحمهما الله تعالى ليس بشرط حتى أن المملوكين إذا كان بينهما وطئ بنكاح صحيح في حالة الرق ثم عتقا لا يكونا محصنين عندنا وكذلك الكافران وفى رواية أبى يوسف رحمه الله تعالى هما محصنان وكذلك الحر إذا تزوج أمة أو صغيرة أو مجنونة ودخل بها وكذلك المسلم إذا تزوج كتابية ودخل بها أو أسلمت المرأة قبل أن يدخل بها الزوج الكافر فدخل بها قبل أن يفرق بينهما فانها لا تكون محصنة بهذا الدخول عندنا وعلى قول أبي يوسف والشافعي رحمهما الله تعالى يثبت الاحصان لان ما هو المقصود قدتم وهو انكسار الشهوة باصابة الحلال وأن يكون بطريق هو نهاية في النعمة ولكنا نستدل بما روى ان كعب بن مالك أراد أن يتزوج بيهودية فقال له رسول الله دعها فانها لاتحصنك وان حذيفة بن اليمان رضى الله عنه أراد أن يتزوج يهودية فقال له عمر رضى الله عنه دعها فانها لاتحصنك وقال لاتحصن المسلم اليهودية ولا النصرانية ولا الحرة العبد ولا الحر الامة وفيه معنيان أحدهما أن الزوجية تنبئ عن المساواة فذلك المفهوم من قولهم زوج نعل زوج خف وقد صارت الزوجية هنا شرطا فتشترط المساواة بينهما في الصفة لان تمام الزوجية يكون به ثم بسبب الرق ينتقص ملك الحل وقد بينا ذلك في كتاب الطلاق فلابد من اعتبار حرية كل واحد منهما لتكون الثيوبة بعد كمال ملك الحل وإذا ثبت اشتراط الحرية يثبت اشتراط البلوغ والعقل فيها بطريق الاولى لان بسبب الصغر يدخل في هذا الفعل نقصان فان تمام ميل طبع المرء إلى البالغة العاقلة وكذلك يشترط الاسلام لان الكافرة في حق المسلم ناقصة الحال لايتم سكونه إليها وقد بينا ان الرجم أقصى العقوبات وفى شرائطه يعتبر النهاية أيضا احتيالا لدرء هذه العقوبة فان أقر الزاني بأنه محصن فاقراره عليه حجة تامة لانه غير متهم فيما يقربه على نفسه ولكنه يستفسره الامام لان الاحصان لفظ مبهم وهو يطلق على اشياء يسمى به كل واحد منها وان قال لست بمحصن فشهد عليه

[ 42 ] شاهدان أنه محصن استفسرهما عن الاحصان ما هو وكيف هو فإذا بينا ذلك رجمه ان كان الشاهد بالاحصان رجلين ولا يشترط في الاحصان عدد الاربعة لانه ليس بسبب موجب للعقوبة (قال) وكذلك لو شهد رجل وامرأتان بالاحصان وعلى قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى لا يثبت الاحصان بشهادة رجل وامرأتين أما الكلام مع الشافعي رحمه الله تعالى ينبنى على مابينا في النكاح أن النكاح في غير هذه الحالة عنده لا يثبت بشهادة الرجل مع النساء لانه ليس بمال ولامن حقوق ما هو مال وانما يتحقق الكلام هنا بيننا وبين زفر فحجته رحمه الله تعالى ان المقصود بالاحصان هنا تكميل العقوبة وباعتبار ما هو المقصود لا يكون للنساء فيه شهادة لان المكمل للعقوبة بمنزلة الموجب لاصل العقوبة به فكما لا يثبت أصل العقوبة بشهادة النساء فكذلك تكميلها ألا ترى أن هذا الزانى لو كان عبدا مسلما لذمى فشهد ذميان ان مولاه كان أعتقه قبل الزنا وقد استجمع سائر شرائط الاحصان لاتقبل شهادتهما ومعلوم ان في غير هذه الحالة شهادة أهل الذمة على العتق على الذمي مقبولة ولكن لما كان المقصود هنا تكميل العقوبة على المسلم نظرنا إلى المقصود دون المشهود به يوضح ما قلنا ان الاحصان شرط والحكم يضاف إلى الشرط وجودا عنده كما يضاف إلى السبب ثبوتا به فكما لا يثبت سبب العقوبة بشهادة النساء فكذلك شرطها (وحجتنا) فيه ان الاحصان ليس بسبب موجب للعقوبة فيثبت بشهادة الرجال مع النساء كسائر الحقوق وهذا لااشكال فيه فان الاحصان عبارة عن خصال حميدة بعضها مأمور به وبعضها مندوب إليه فيستحيل أن يكون سببا لايجاب العقوبة ولا هو شرط أيضا لان الشرط ما يتوقف الحكم على وجوده بعد السبب ولا يتوقف وجوب الرجم على وجود الاحصان بعد الزنا فانه وان صار محصنا وبعد الزنا لم يرجم ولكنه عبارة عن حال في الزانى يصير الزنا في تلك الحالة موجبا للرجم والحكم غير مضاف إلى الحال ثبوتا به ولا وجودا عنده فعرفنا ان الشهادة بالنكاح في هذه الحالة وفي غير هذه الحالة سواء واما شهادة أهل الذمة فنقول العتق هناك يثبت وانما لا يثبت سبق التاريخ لان هذا تاريخ ينكره المسلم وما ينكره المسلم لا يثبت بشهادة أهل الذمة ولان المسلم يتضرر بهذه الشهادة من حيث اقامة العقوبة الكاملة عليه ولايجوز ان يتضرر المسلم بشهادة الكفار وتحقيقه ان شهادة أهل الذمة دخلها الخصوص في المشهود عليه لافى المشهود به فان شهادتهم على المسلمين غير مقبولة وعلى أهل الذمة مقبولة في الحدود وغيرها فإذا كان الخصوص في

[ 43 ] المشهود عليه ينظر إلى من يقام عليه الحكم بعد شهادتهم والذى يقام هنا الحد الكامل على المسلم فلا تقبل شهادتهما فيه فأما شهادة الرجال مع النساء دخلها الخصوص في المشهود به لافى المشهود عليه فانما يمتنع قبولها إذا كان المشهود به سبب العقوبة أو شرطا مؤثرا في العقوبة وقد بينا ان ذلك غير موجود في الاحصان فلهذا قبلت شهادة النساء مع الرجال هنا (قال) فان قال شهود الاحصان حين استفسرهم القاضى إنه تزوج امرأة فجامعها أو باضعها فذلك كاف لان مطلق الجماع يتناول الجماع في الفرج خاصة ولهذا ما تعلق بالجماع من الاحكام شرعا انما يتعلق بالجماع في الفرج والمباضعة مفاعلة من ادخال البضع في البضع فأما إذا قالوا دخل بها فذلك يكفي لثبوت الاحصان في قول أبى حنيفة ولا يكفى في قول محمد رحمهما الله تعالى ولم يذكر قول أبى يوسف وهو كقول أبى حنيفة رحمهما الله تعالى محمد رحمه الله يقول الدخول مشترك قد يراد به الوطئ وقد يراد به الملاقاة وكل لفظ مشترك أو مبهم يذكر الشهود فعلى القاضى أن يستفسرهم ليكون اقدامه على الامر عن بصيرة ألا ترى أنهم لو قالوا أتاها أو قربها لا يكتفي بذلك وأبو حنيفة رحمه الله قال انهم ذكروا الدخول مضافا إليها والدخول مضافا إلى النساء بحرف الباء يراد به الجماع قال الله تعالى من نسائكم اللاتى دخلتم بهن وإذا قيل فلان دخل بامرأته لا يفهم منه الا الجماع والاسم مشترك بدون الصلة وأما مع هذه الصلة والاضافة فلا وهو كاسم الوطئ فقد يراد به الوطئ بالقدم ثم إذا قالوا وطئها كان ذلك كافيا لثبوت الاحصان فهذا مثله ولكن محمد رحمه الله تعالى يقول قد يقال دخل بها والمراد مربها أي خلى بها الا أن ذلك نوع مجاز والمجاز لا يعارض الحقيقة (قال) وان شهدوا على التزويج فقط غير أن له منها ولدا فهو احصان ولايكون الاحصان بشئ أبين من هذا لانا لما حكمنا بثبوت النسب منه فقد حكمنا بالدخول بها وذلك أقوي من شهادة الشهود على أنه جامعها ولان الذى يقع به العلم بالدخول بها إذا كان بينهما أولاد فوق ما يقع بشهادة الشاهدين (قال) ولايكون محصنا بالخلوة الموجبة للمهر والعدة لان المقصود انكسار الشهوة باصابة الحلال لاستغنائه عن الحرام وذلك لا يحصل بالخلوة وانما تجعل الخلوة تسليما للمستحق بالعقد في حكم المهر والعدة ألا ترى أن سائر الاحكام المتعلقة بالوطئ لا يثبت شئ منها بالخلوة فكذلك الاحصان (قال) ولايجمع بين الجلد والرجم ولابين الجلد والنفي أما في حق

[ 44 ] الجمع بين الجلد والرجم في حق المحصن فقد بيناه وأما في حق البكر فلا يجمع بين الجلد والنفى عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى يجمع بينهما فيجلد مائة ويغرب سنة واحتج في ذلك يحدث العسيف أن النبي قال على ابنك جلد مائة وتغريب عام وروى أن النبي صلي الله عليه وسلم ضرب وغرب وأبو بكر رضى الله عنه ضرب وغرب وعمر رضى الله عنه ضرب وغرب واشتغل بعضهم بالقياس فقال النفى مما يقع به التعزير فكان من جنسه حدا كالجلد ولكن هذا كلام الجهال فان اثبات الحدود وتكميلها بالقياس لا يكون ولكن الحرف لهم أن الزنا ان تتخذه المرأة عادة تكتسب به انما ينشأ من الصحبة والمؤالفة والمؤانسة والفراغ والتغريب قاطع لهذا السبب والحد مشروع للزجر عن ارتكاب سببه فما يكون قاطعا للسبب يحصل به المقصود فيكون حدا ألا ترى أن حد السرقة مشروع بقطع اليد والرجل لان تمكنه من هذا الفعل بالمشى والبطش فقطع الآلة الماشية والباطشة مانع له من ذلك ولا معنى لقولكم كيف تنفي مع المحرم أو بغير محرم لان النفى هجرة واجبة فلا يعتبر فيه المحرم كالهجرة في التى أسلمت في دار الحرب فلما كان حدا فعلى الامام ان يتكلف لما يحتاج إليه في اقامته كالجلد (وحجتنا) فيه قوله تعالى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة فقد جعل الجلد جميع حد الزنا فلو أوجبنا معه التغريب كان الجلد بعض الحد فيكون زيادة على النص وذلك يعدل النسخ وروى ان محدجا سقيما وجد على بطن أمة من اماء الحى يفجر بها فأتي به رسول الله فقال اضربوه مائة فقالوا أن بدنه لا يحتمل الضرب فقال خذوا عثكالا عليه مائة شمراخ فاضربوه بها ولم يأمره بالتغريب ولو كان ذلك حدا لتكلف له كما تكلف للحد وان عمر رضى الله عنه جلدا أبا بكرة رضي الله عنه في داره على الزنا وأمر أمراته ان تكتم فلو كان التغريب متمما للحد لما أمرها بالكتمان لان ذلك لا يتصور لما نفي شارب الخمر ارتد ولحق بالروم فقال والله لا أنفى أحدا بعد هذا أبدا فلو كان مشروعا حدا لما حلف أن لا يقيمه قال على رضى الله عنه كفي بالنفى فتنة والحد مشروع لتسكين الفتنة فما يكون فتنة لا يكون حدا وعن إبراهيم رحمه الله تعالى ان عليا وابن مسعود رضى الله عنهما اختلفا في أم ولد زنت بعد موت مولاها قال على رضى الله عنه تجلد ولا تنفي وقال ابن مسعود رضى الله عنه تنفى وأخذنا بقول على رضى الله عنه لانه أقرب إلى دفع الفتنة والفساد ومعني هذا ما ذكره في الكتاب قال أرأيت شابة زنت أكنت

[ 45 ] أنفيها أي في نفيها تعريض لها لمثل ما ابتليت به فانها عند أبويها تكون محفوظة ففى دار الغربة تكون خليعة العذار والنساء لحم على وضم الاماذب عنهن وانما تبقى المرأة محفوظة بالحافظ والاستحياء وذلك ينعدم بالتغريب فيكون تعريضالها للاقدام على هذه الفاحشة برفع المانع وهذا أولى مما قاله الخصم لان ما ينشأ عن الصحبة والمؤانسة يكون مكتوما وما ينشأ عن المواقحة يكون ظاهرا فان في هذا قطع لسبب ما ينشأ عن المحادثة وهو مكتوم ففيه تعريض للزنا بطريق الوقاحة وهو أفحش ثم قال أرأيت أمة زنت أكنت أنفيها فأحول بينها وبين مولاها وبين خدمتها وحق المولى في الخدمة مرعي وهو مقدم على الشرع وإذا ثبت أن الامة لا تنفي فكذلك الحرة لان الله قال فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب وإذا ثبت أن نصف الحد خمسون جلدة ثبت ان كماله مائة جلدة ثم لا يجوز أن تنفي الحرة مع المحرم لان المحرم لم يزن فكيف يقام عليه الحد وبدون المحرم هي ممنوعة عن المسافرة شرعا فلا يجوز اقامة الحد بطريق فيه ابطال ما هو مستحق شرعا فأما المهاجرة لا تقصد السفر بغير محرم وانما تقصد التخليص من المشركين حتى لو وصلت إلى جيش لهم منعة في دار الاسلام وأمنت لم يكن لها أن تسافر بغير محرم بعد ذلك فأما الحديث فقد بينا أن الجمع بين الجلد والتغريب كان في الابتداء ثم انتسخ بنزول سورة النور والمراد بالتغريب الحبس على سبيل التعزير قيل في تأويل قوله تعالى أو ينفوا من الارض أنه الحبس وقال القائل ومن يك أمسى بالمدينة رحله * فانى وقيار بها لغريب أي محبوس ونحن نقول يحبس بطريق التعزير حتى تظهر توبته وان ثبت النفي على أحد فذلك بطريق المصلحة لا بطريق الحد كما نفي رسول الله وسلم هيت المخنث من المدينة ونفي عمر رضى الله عنه نصربن حجاج من المدينة حين سمع قائلة تقول هل من سبيل إلى خمر فأشربها * أو هل سبيل إلى نصربن حجاج فنفاه والجمال لا يوجب النفى ولكن فعل ذلك للمصلحة فانه قال وما ذنبي يا أمير المؤمنين قال لاذنب لك وانما الذنب لى حيث لاأطهر دار الهجرة منك وقول ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى في النفي كقول الشافعي رحمه الله تعالى الا أنه يقول ينفي إلى بلد غير البلد الذى فجر فيه ولكن دون مسيرة سفر وعند الشافعي رحمه الله لا يكون النفى دون مسيرة سفر (قال) ولايكون محصنا بالجماع في النكاح الفاسد لانه نوع من الوطئ الحرام فلا يتم به عليه النعمة

[ 46 ] ولا يستفيد كمال الحال والاحصان عبارة عن ذلك ولا بالجماع في النكاح الصحيح إذا كان قال لها ان تزوجتك فأنت طالق لان الدلالة قامت لنا على أنها تطلق بنفس العقد فجماعه إياها بعد ذلك يكون زنا الا أنه لا يحب به الحد لشبهة اختلاف العلماء ولكن لا يستفاد بهذا الفعل كمال الحال وكذلك ان تزوج المسلم مجوسية أو مسلمة بغير شهود فدخل بها لان هذا من أنواع النكاح الفاسد (قال) وإذا ثبت الزنا عند القاضى سأل الزاني أمحصن أنت لانه لو أقر بالاحصان استغنى القاضي عن طلب احصانه بالحجة فان أنكر احصانه وشهد الشهود عليه قرجم ثم رجع شهود الاحصان لم يضمنوا شيئا لانهم ما شهدوا بسبب العقوبة ولا بشرطها ولان سبب العقوبة ثابت ببقاء شهود الزنا على شهادتهم فان رجع شهود الزنا وشهود الاحصان فلا ضمان على شهود الاحصان عندنا وعلى قول زفر رحمه الله تعالى يشتركون في الضمان بناء على أصل ان الاحصان شرط الرجم وان شهود الشرط يضمنون عند الرجوع كشهود السبب عنده وعندنا لا ضمان على شهود الشرط ثم قد بينا أن الاحصان ليس بشرط لان الشرط حقيقة ما يتوقف تمام السبب عليه ولكنه حال في الزانى فلا يكون الاتلاف مضافا إليه بوجه وربما قال زفر رحمه الله تعالى الاحصان يغلظ جريمته والرجم عقوبة جريمة مغلظة فإذا ثبت أن بشهود الاحصان تغلظت جريمته كانوا بمنزلة من أثبت أصل الجريمة فصاروا في المعني كستة نفر شهدوا على استحقاق القتل ولكن هذا بعيد فان الاسلام والنكاح يثبت بشهادتهما ولايجوز أن تضاف اليهما الجريمة ولا تغليظها ألا ترى أنه لو شهد رجلان بالزنا وآخر ان بالاحصان لا تتم الحجة معلوم أن الرجم يستحق بشهادة شهود أربعة فلو كان شهود الاحصان كشهود الزنا لتمت الحجة هنا فأما إذا رجع شهود بالزنا أو بعضهم فالمسألة على ثلاثة أوجه اما أن يرجع أحدهم قبل القضاء أو بعد القضاء قبل اقامة الحد أو بعد اقامة الحد فان رجع أحدهم قبل القضاء يحدون حد القذف عندنا كما لو رجعوا جميعا وقال زفر رحمه الله تعالى لا يحد الا الراجع خاصة وجه قوله ان الحجة تمت باجتماع الاربعة على أداء الشهادة وتمام الحجة يمنع من ان يكون كلامهم قذفا ثم الراجع فسخ معنى الشهادة من كلامه برجوعه فينقلب كلامه قذفا ولكن له ولاية فسخ الشهادة على نفسه لاعلى غيره فيبقى كلام الباقين

[ 47 ] شهادة وصار في حقهم كانه لم يرجع فلا يلزمهم الحد بخلاف ما إذا أشهد ثلاثة وامتنع الرابع لان الحجة لم تتم هناك والشهادة على الزنا في الحقيقة قذف ولكن باعتبار تمام الحجة يخرج من أن يكون قذفا شرعا فلما لم تتم الحجة هناك بقى كلامهم قذفا فيلزمهم الحد ولما تمت الحجة هنا لم يكن كلامهم قذفا ثم حكم فسخ الشهادة برجوع الرابع مقصور عليه فلا يتعدى إلى الباقي (وحجتنا) فيه أن العارض بالشهود قبل القضاء كالمقترن بأصل الاذاء بدليل عمى الشهود وردتهم وبدليل المال فان رجوع الشهود هناك قبل القضاء يمنع القاضى من القضاء بالمال لعدم تمام الحجة في الابتداء فإذا ثبت هذا فنقول لو امتنع الرابع من أداء الشهادة في الابتداء يقام حد القذف على الثلاثة ولايكون ذلك لسكوت الرابع بل بنسبتهم اياه إلى الزنا فكذلك إذا رجع أحدهم قبل القضاء قوله ان الحجة تمت وكان كلامهم شهادة (قلنا) هذا موقوف مراعى لان الشهادة لا تكون حجة موجبة ما لم يتصل بها القضاء فإذا لم يتصل القضاء هنا بالشهادة حتى رجع أحدهم بقى كلامهم قذفا بالزنا الا ان يكون حجة الحد على المشهود عليه تامة ألا ترى ان كلام الراجع قذف بالزنا ومعلوم أنه لو شهد مع القاذف ثلاثة نفر يقام عليهم الحد جميعا فكذلك هنا فأما إذا رجع أحدهم بعد القضاء قبل استيفاء الحد فانه لايقام الحد على المشهود عليه لان العارض بعد القضاء فيما يندرئ بالشبهات كالعارض قبله بدليل عمى الشهود وردتهم وهذا لان الامام لا يمكنه اقامة الحد الا بحجة كاملة ولم تبق بعد رجوع أحدهم ثم على قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى الآخر يحدون جميعا حد القذف استحسانا وعند محمد وزفر رحمهما الله تعالى يحد الراجع وحده وهو القياس وهو قول أبى يوسف الاول رحمه الله تعالى لان الاصل ان رجوع الشاهد بعد القضاء قبل الاستيفاء فيما يندرئ بالشبهات كالرجوع قبل القضاء وفيما يثبت مع الشبهات كالرجوع بعد الاستيفاء بدليل المال فانهم إذا رجعوا بعد القضاء لا يمتنع الاستيفاء على المقضي عليه إذا ثبت هذا فنقول اقامة الحد على المشهود عليه تندرئ بالشبهات فرجوع أحدهم فيه بعد القضاء كالرجوع قبله فأما سقوط حد القذف عنهم يثبت مع الشبهات فرجوع أحدهم فيه بعد القضاء كرجوعه بعد الاستيفاء توضيحه ان الحجة تعتمد القضاء وبعد ما تمت الحجة لا يكون كلامهم قذفا ثم برجوع أحدهم يبطل معنى الحجة في حقه فيصير كلامه قذفا ولكن لاولاية له على الباقين ولا على ابطال حكم الحاكم فيبقى كلام الباقين حجة غير قذف كما كان قبل

[ 48 ] رجوعه وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى يقولان رجوع أحدهم بعد القضاء كرجوعه قبل القضاء بدليل سقوط الحد عن المشهود عليه ولايكون ذلك الابعد ابطال الحكم وإذا ثبت بطلان الحكم بهذا الدليل كان هذا وما قبل القضاء سواء وتحقيقه أن فيما يجب حقا الله تعالى تمام القضاء بالاستيفاء من تتمة القضاء ولهذا كان إلى الامام وهذا لان القضاء اما أن يكون لاعلام من له الحق بحقه أو لتمكينه من الاستيفاء وذلك لا يتصور في حقوق الله تعالى فكان المعتبر في حقوق الله تعالى النيابة في الاستيفاء ولا يتم ذلك بالقضاء بل بحقيقة الاستيفاء فإذا رجع أحدهم قبل تمام القضاء بالاستيفاء كان بمنزلة رجوعه قبل القضاء وكذلك ان أقيم بعض الحدثم رجع أحدهم لان الحد لا يتجزى فاستيفاؤه لا يكون الا باتمامه فأما إذا رجع أحدهم بعد اقامة الحد فهذا على وجهين اما ان يكون الحد جلدا أو رجما فان كان جلدا فانه يحد هذا الراجع بالاتفاق ولاحد على الباقين لان الحجة تمت والحكم تأكد بالاستيفاء فرجوع أحدهم يبطل معنى الشهادة في حقه لاقراره فيكون قاذفا له ويبطل به معنى الشهادة المتأكدة في حق الباقين فلا حد عليهم فأما إذا كان الحد رجما فعندنا يحد الراجع وحده وقال زفر رحمه الله تعالى لا يحد الراجع أيضا لان الراجع لا يكون قاذفا له بالرجوع فانه يثنى عليه خيرا فيقول كان عفيفا ولم يكن زانيا وانما يكون قاذفا له بالشهادة السابقة فتبين أنه قذف حيا ثم مات ومن قذف حيا ثم مات لايقام عليه حد القذف لان حد القذف لا يورث بخلاف ما إذا كان الحد جلدا لان المقذوف حى بعد اقامة الحد عليه والدليل على الفرق أنه لو ظهر أن أحد الشهود كان عبدا فان كان الحد جلدا يحدون حد القذف وان كان رجم المشهود عليه فلا رجم عليهم بالاتفاق وهذا مثله (وحجتنا) فيه أنه بالرجوع أقر على نفسه بالتزام حد القذف واقراره على نفسه حجة وتحقيقه وهو ان الشاهد عند الرجوع لا يصير قاذفا من وقت الشهادة بل يصير قاذفا في الحال لان اقتران معنى الشهادة بكلامه يمنعه من أن يكون قذفا وانما انتزع معنى الشهادة من كلامه عند رجوعه فيصير كلامه السابق الآن قذفا كمن قال لامرأته ان دخلت الدار فأنت طالق عند دخول الدار يصير ذلك الكلام طلاقا لا أن يتبين أنه كان طلاقا لان صيرورته طلاقا باعتبار وصوله إلى المحل ووصوله إلى المحل مقصور على الحال فإذا ثبت أنه انما يصير كلامه في الحال قذفا والمقذوف في الحال ميت ومن قذف ميتا يلزمه الحد (فان قيل) هو في الحال مرجوم بحكم الحاكم لو

[ 49 ] قذفه قاذف لا يحد قاذفه فكيف يحد هذا الراجع (قلنا) هو مرجوم بحكم الحاكم بشهادتهم وهو يزعم أن شهادته ليست بحجة وزعمه معتبر في نفسه بخلاف القاذف فان قذفه لا يقدح في الشهادة التى هي حجة (فان قيل) أكثر ما فيه أنه مقر بأنه كان عفيفا ولو قذفه انسان بالزنا ثم أكذب نفسه وقال انه كان عفيفا لايقام عليه الحد أيضا (قلنا) نعم القاذف وان أكذب نفسه فالحجة المسقطة للاحصان بقيت كاملة في حقه فأما إذا رجع واحد من الشهود لا تبقى الحجة المسقطة للاحصان كاملة في حقه فلهذا يقام عليه الحد وهذا بخلاف ما إذا ظهر أن أحدهم عبد لان العبد لا شهادة له فتبين أن كلامهم كان قذفا في حال حياته ومن قذف حياثم مات لايقام عليه الحد فأما حكم الضمان فعلى الراجع ربع الدية لانه زعم أنه مقتول ظلما بشهادتهم وكل شاهد على الزنا متلف ربع النفس كما قال عمر رضى الله عنه حين شهد أحد الشهود على المغيرة رضى الله عنه أوه أودى ربع المغيرة ولانه قد بقى على الشهادة من يقوم بثلاثة أرباع الحق وانما انعدمت الحجة في ربع الحق فلهذا كان على الراجع ربع الدية عندنا (قال) ولو رجعوا جميعا حدوا حد القذف وغرم كل واحد منهم ربع الدية عندنا وقال ابن أبى ليلى والحسن رحمهما الله تعالى يقتلون لانهم قاتلون له فان ما يحصل بقضاء القاضى يكون مضافا إلى شهادة الشهود ونحن نسلم أنهم بمنزلة القاتلين له ولكن قضاء القاضى باباجة دمه شبهة مانعة من وجوب القصاص مع أن الرجم يكون بالحجارة ومباشرة القتل بالحجر لا يوجب القصاص عندنا والشهود متسببون عندنا ولا قصاص على المتسبب على مال نبين في كتاب الديات في شهود القصاص (قال) وان قال أحد الشهود بعد الرجم كنت يوم شهدت عليه كافرا أو مملوكا لم يصدق على أصحابه في ذلك لما بينا أن كلامهم حجة متأكدة باعتبار الظاهر واقرار المرء حجة على نفسه لاعلى غيره فلا يتبين بقوله ان كلامهم كان قذفا بخلاف ما إذا ظهر ان أحدهم كان كافرا أو عبدا فان هناك تبين أن كلامهم كان قذفا فان كان المقذوف حيا بأن كان الحد جلدا يحدون وان كان المقذوف ميتا بأن كان الحد رجما لا يحدون ثم إذا ظهر أن أحد الشهود كان أعمي أو محدودا في قذف فهو وما لو ظهر أنه عبد سواء لان المحدود في القذف ليس له شهادة الاداء فان الشرع أبطل شهادته ولهذا لا يلاعن امرأته والاعمى ليست له شهادة في الزنا لان الشهادة على الزنا لا تكون الا بعد الرؤية كالمرود في المكحلة وليس للاعمى ذلك ومعتق البعض كالمكاتب عند أبى حنيفة رحمه الله

[ 50 ] تعالى ولا شهادة للمكاتب فإذا كان ظهور هذا بعد الرجم فدية المرجوم في بيت المال لان هذا خطأ من الامام في عمله لله تعالى فيكون ضمانه في مال الله وهو مال بيت المال والامام في هذا عامل للمسلمين لان المقصود تطهير دار الاسلام عن ارتكاب الفواحش فيها فيكون الضمان في مال المسلمين وهذا لانه لا يمكن ايجاب الضمان على الامام لانه لو ضمن كان خصما وفيما هو خصم لا يكون قاضيا كما في حقوق نفسه فإذا تعذر ايجاب الضمان عليه قلنا يجب الضمان على من وقع القضاء له ففى حقوق الله تعالى يكون على بيت المال وفى حقوق العباد كالقصاص والمال يكون الضمان على المقضى له (قال) فان رجمه الامام بشهادتهم قبل أن يسأل عن الشهود ثم سأل عنهم فأخبر أنهم غير عدول فلا ضمان على أحد لان للفاسق شهادة الاداء عندنا ولكن يتوقف في شهادته لتمكن تهمة الكذب ولهذا يلاعن امرأته فلا يتبين بظهور فسقهم أن القاضى قضى بغير حجة فلهذا لا يجب الضمان بخلاف ما سبق وفي الكتاب قال ان هؤلاء قد تجوز شهادتهم إذا تابوا وهذا ضعيف فالكفار تجوز شهادتهم إذا أسلموا والعبيد إذا أعتقوا والاعتماد على ما قلنا (قال) فان وجد الرجل مجبوبا بعد مارجم فعلى الشهود الدية لانه ظهر كذبهم بيقين لان المجبوب ليس له آلة الزنا فكيف يزنى وظهور كذبهم هنا فوق ظهور كذبهم فيما إذا رجعوا بخلاف مااذا ظهر أنهم عبيد أو كفار فان هناك لم يتيقن بكذبهم والعبد والكافر قد يصدق ولكن لا شهادة لهم فكان خطأ من الامام فلهذا كان الضمان في بيت المال وان كانت امرأة فنظر النساء إليها بعد الرجم وقلن هي عذراء أو رتقاء فلا ضمان على الشهود بقول النساء لان شهادة النساء لا تكون حجة تامة في الزام ضمان المال ولا مقصود هنا سوى ايجاب ضمان المال على الشهود بخلاف الجب فذلك معاين يتيقن به لامن جهة قول النساء لكن ان نظر إليها النساء قبل اقامة الحد وقلن هي عذراء أو رتقاء يدرأ عنها الحد لان الشبهة تتمكن بقول النساء ولا شبهة أبلغ من هذا فمع الرتق لا يتصور الزنا الموجب للحد وبعد الزنا الموجب للحد لا يتصور بقاء العذرة (قال) وإذا شهدوا بالزنا والاحصان وماتوا أو غابوا أو عموا أو ارتدوا أو خرسوا أو ضربوا حد القذف قبل اقامة الحد أو قبل ان يقضى بشهاتهم لم يرجم أماما يبطل الشهادة كالعمى والخرس والردة وحد القذف لان هذه العوارض لو افترنت بالشهادة منعتها من أن تكون حجة فكذلك إذا اعترضت بعد الشهادة قبل القضاء أو بعد القضاء قبل الاستيفاء لان موجبه مما يندرئ

[ 51 ] بالشبهات ولكن لاحد على الشهود لانهم جاؤا مجئ الشهود والعدد متكامل وكذلك ان أصاب ذلك أحد الشهود فهو ومالو أصابهم في الحكم سواء فاما في موت الشهود وغيبتهم فنقول ان ذلك لا يقدح في الحجة ألا ترى أن في حقوق الناس لا يمتنع على القاضى القضاء بها فكذلك في الزنا إذا كان الحد جلدا لان بالموت يتأكد عدالتهم إذ لا يتصور منهم بعد الموت ما يبطل عدالتهم وكذلك غيبتهم لا تكون قدحا في عدالتهم فلا يمنع اقامة الحد على القاضى فأما إذا كان الحد رجما فانه لايقام بعد غيبة الشهود وموتهم لان السنة في الرجم أن يبدأ به الشهود ثم الامام ثم الناس وقد تعذر ذلك بموتهم وغيبتهم وهذا قولنا واما عند الشافعي رحمه الله تعالى لا يعتبر في الرجم بداية الشهود ولكن الامام هو الذي يبدأ قال لان الشهود فارقوا سائر الناس في اداء الشهادة واقامة الرجم ليس من اداء الشهادة في شئ فهم في ذلك كسائر الناس ألا ترى ان الحد لو كان جلدا لا يؤمر الشهود بالضرب فكذا الرجم ولكنا نستدل بحديث على رضي الله عنه فانه لما أراد ان يرجم شراحة الهمدانية قال الرجم رجمان رجم سر ورجم علانية فرجم العلانية ان يشهد على المرأة مافى بطنها وتعترف بذلك فيبدأ فيه الامام ثم الناس ورجم السر ان يشهد أربعة على رجل بالزنا فيبدأ الشهود ثم الامام ثم الناس ولان في الامر ببداية الشهود احتيالا لدرء الحد فالانسان قد يجترئ على اداء الشهادة كاذبا ثم إذا آل الامر إلى مباشرة القتل يمتنع من ذلك وقد أمرنا في الحدود بالاحتيال للدرء بخلاف الجلد فكل أحد لا يحسن الضرب فلو أمرنا الشهود بذلك ربما يقتلونه بخرقهم من غيران يكون قتله مستحقا وذلك لا يوجد في الرجم فكل أحد يحسن الرمى وقد صار الاتلاف مستحقا هنا وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال يؤمر الشهود بالبداية إذا كانوا حاضرين حتى إذا امتنعوا لايقام الرجم فإذا ماتوا أو غابوا يقام الرجم هنا لانه قد تعذر بالبداية بهم بسبب لا يلحقهم فيه تهمة فلا يمتنع اقامة الرجم كما لو كانوا مقطوعي الايدي أو مرضى أو عاجزين عن الحضور بخلاف مالو امتنعوا لانهم صاروا متهمين بذلك ولكنا نقول حين كانوا مقطوعي الايدى في الابتداء لم تستحق البداية بهم للتعذر فأما هنا فقد استحق البداية بهم لتيسر ذلك عند الحكم فإذا تعذر بالموت أو الغيبة لايقام الحد كما لو تعذر بامتناعهم (قال) ولا يحفر للمرجوم ولا يربط بشئ ولا يمسك ولكن ينصب قائما للناس فيرجم لان رسول الله رجم ماعزا ولم يحفر له ولاربطه فانه روى لما مسه حر الحجارة

[ 52 ] هرب فاستقبله رجل بلحى حمل فقتله ثم لما أخبر به رسول الله قال هلا خليتم سبيله وفى رواية أبطأ عليه الموت فهرب من أرض قليلة الحجارة إلى أرض كثيرة الحجارة ولو كان مربوطا أوفى حفيرة لم يتمكن من الهرب وأما المرأة فان حفر لها فحسن وان ترك لم يضر لما روى ان النبي لما أمر برجم الغامدية أمر بأن يحفر لها إلى قريب من السرة فجعلت فيها فلما رجموها وماتت أمر باخراجها وصلى عليها وقال لقد تابت توبة لوتابها صاحب مكس لغفر له وان عليا رضى الله عنه حفر لشراحة الهمدانية إلى قريب من السرة ثم لفها في ثيابها وجعلها فيها ثم رماها وكان مصيب الرمية فأصاب أصل اذنها ولان مبنى حال المرأة على الستر والحفر أستر لها لانها تضطرب إذا مستها الحجارة فربما ينكشف شئ من عورتها ولكن مع هذا الحفر ليس من الحد في شئ فلا يضر تركه فأما مبنى حال الرجال على الظهور فينصب قائما عند الرجم ولا يشبه بالنساء في الحفرله وإذا شهد الشهود على رجل وامرأة بالزنا فادعت المرأة أنه أكرهها ولم يشهد الشهود بذلك ولكنهم شهدوأنها طاوعته فعليهما الحد لان انكارها صفة الطواعية لا يكون فوق انكارها أصل الفعل ولا ينفعها ذلك بعد ما شهد الشهود به عليها ولكن ان قالت تزوجني وقال الرجل كذبت بل زنيت بها فلاحد على واحد منهما لانها تدعى عليه الصداق ولو ساعدها الزوج على ذلك لزمه الصداق فإذا أنكر كان لها أن تحلفه عليه فإذا نكل لزمه الصداق وان حلف لم يلزمه الصداق ولا يحد واحد منهما لاته لو أقيم الحد انما يقام بالحلف والحدود لاتقام بالايمان بخلاف الاول فانها بدعوى الاكراه لا تدعى الصداق لان الزنا بالمكرهة لا يوجب الصداق لها والشافعي رحمه الله يخالفنا في الفصلين فيقول بمجرد دعواهما أو دعوى أحدهما النكاح لا يسقط الحد لقوله لو أعطى الناس بدعواهم وهذا لان كل زان لا يعجز عن دعوى نكاح صحيح أو فاسد فلو أسقطنا الحد بمجرد الدعوى لانسد باب اقامة الحد ولكنا نقول كما أمرنا باقامة الحدود فقد أمرنا بدرئها بالشبهة قال ادرؤا الحدود بالشبهات وتتمكن الشبهة عند دعوى أحدهما النكاح لاحتمال أن يكون صادقا ألا ترى أنه تسمع بينته على ذلك ويستحلف خصمه على قول من يرى الاستحلاف في النكاح فإذا سقط الحد يسقط عن الآخر للشركة ولا يؤدى هذا إلى سد باب الحد ألا ترى أن هذا الحد يقام بالاقرار ثم لو رجع المقر عن اقراره لايقام عليه ولا يؤدى ذلك إلى سد باب اقامة

[ 53 ] الحد في الاقرار فأما إذا زنى بمكرهة يلزمه الحد دون المهر عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يجب المهر لها وهى نظير مسألة القطع والضمان أنهما لا يجتمعان عندنا على ما نبينه في السرقة ان شاء الله تعالى والشافعي رحمه الله تعالى يقول هنا المستوفى بالوطئ متقوم ؟ لحقها بدليل أنه متقوم بالعقد والشبهة فلا يجوز اسقاط حقها عنه بغير رضاها فإذا كانت مطاوعة فقد رضيت بسقوط حقها فيجب المهر لها ولكنا نقول فعله بالمكرهة زنا والواجب بالزنا الحد فلا يجوز الزيادة على ذلك بالرأى ثم لو كان بضعها يتقوم علي الزانى لم يسقط ذلك برضاها ألا ترى أنه لما كان يتقوم بشبهة العقد لم يسقط برضاها بأن طاوعته والدليل عليه أنه لو زنى بأمة وهى مطاوعة لم يجب المهر وتقوم بضعها الحق المولى فلا يسقط برضاها ولكن انما لم يجب لان البضع لا يتقوم بالمال بالزنا المحض وانما يتقوم بالعقد أو بشبهته ولم يوجد ثم إذا سقط الحد عنه بدعواها النكاح وجب الصداق لها لان الوطئ في غير الملك لا ينفك عن عقوبة أو غرامة فإذا جعل ما ادعت من النكاح كالثابت في اسقاط الحد فكذلك في ايجاب المهر يجعل كالثابت في ايراث الشبهة (قال) وكذلك الرجل يطأ جارية امرأته وقال ظننتها تحل لى أو يطأ جارية أبيه أو أمه ويقول ظننت انها تحل لى لاحد عليهما عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى عليهما الحد لان السبب وهو الزنا قد تقرر بدليل أنهما لو قالا علمنا بالحرمة يلزمهما الحد ولو سقط انما يسقط بالظن والظن لا يغني من الحق شيئا كمن وطئ جارية أخيه أو أخته وقال ظننتها تحل لى ولكنا نقول قد تمكنت بينهما شبهة اشتباه لانه اشتبه عليه ما يشتبه فان مال المرأة من وجه كأنه للزوج قيل في تأويل قوله تعالى ووجدك عائلا فأغنى أي بمال خديجة ولما جاء رجل إلى على رضي الله عنه فقال ان عبدى سرق مرآة امرأتي فقال مالك سرق بعضه بعضا ولانها حلال له فربما يشتبه عليه ان حال جاريتها كحالها وفى جارية الاب الام كذلك قد يشتبه ذلك باعتباران الاملاك متصلة بين الآباء والاولاد والمنافع دائرة ولان الولد جزء من أبيه فربما أشتبه عليه انها لما كانت حلالا للاصل تكون حلالا للجزء أيضا وشبهة الاشتباه مؤثرة في حق من اشتبه عليه دون من لم يشتبه عليه كالقوم على مائدة فسقوا خمرا على علم منهم انه خمر يلزمه الحد وبين لم يعلم لا يحد والاصل في هذا حديث سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن رجلا تضيف أهل بيت باليمن فأصبح يخبر الناس أنه زنى بربة البيت فكتب إلى عمر رضي الله عنه فقال عمران كان يعلم ان

[ 54 ] الله حرم الزنا فحدوه وان كان لا يعلم فعلموه فان عاد فحدوه فقد جعل ظن الحل في ذلك الوقت شبهة لعدم اشتهار الاحكام فلان يكون الظن في موضع الاشتباه مورثا شبهة أولى فأما إذا لم يجب الحد وجب المهر لما بينا أن هذا الفعل في غير الملك لا ينفك عن عقوبة أو غرامة وإذا سقطت العقوبة وجب المهر (قال) وإذا شهد الشهود على رجل أنه استكره هذه المرأة فزنى بها حد الرجل دون المرأة لان وجوب الحد للزجر وهى منزجرة حين أبت التمكين حتي استكرهها ولان الاكراه من جهتها يعتبر في نفي الاثم عنها على ما ذكرنا في كتاب الاكراه ان لها أن تمكن إذا اكرهت بو عيد متلف والحد أقرب إلى السقوط من الاثم فإذا سقط الاثم عنها فالحد أولى ويقام الحد على الرجل لان الزنا التام قد ثبت عليه وجنايته إذا استكرهها أغلظ من جنايته إذا طاوعته ولا يقال قد سقط الحد عنها فينبغي أن يسقط عنه كما لو ادعت النكاح وهذا لان الشبهة بدعوى النكاح تتمكن في الفعل والفعل مشترك بينهما فأما كونها مكرهة لايتكمن به شبهة في الفعل ولا يخرج فعل الرجل من أن يكون زنا محضا لان المرأة محل الفعل ولا تنعدم المحلية بكونها مكرهة وهو كما لو زنى بصبية أو مجنونة أو نائمة يقام عليه الحد وان لم يجب عليها (قال) ولو أن مجنونا اكره عاقلة حتى زنى بها لاحد على واحد منهما اما المرأة فلانها مكرهة غير ممكنة طوعا واما الرجل فلانه مجنون ليس من أهل التزام العقوبة فإذا دعت العاقلة البالغة مجنونا أو صبيا إلى نفسها فزنى بها لاحد عليها عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى عليها الحد وهو رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى لانها زانية فعليها الحد بالنص وبيانه وهو ان الزنا ليس الا وطئ متعر عن العقد والملك وشبههما وقد وجد ذلك الا أنه سقط الحد عن احدهما لانعدام الاهلية لمعني فلا يمتنع اقامته على الآخر كما لو زنى بصبية أو مجنونة هذا لان فعل كل واحد منهما كامل في نفسه وهى في التمكين زانية كالرجل في الايلاج ألا ترى ان الله تعالى سماها زانية وبدأ بذكرها وان من نسبها إلى الزنا يلزمه الحد ولو كان لا يتصور منها مباشرة الزنا لم يحد قاذفها به كالمجبوب ولانها بهذا التمكين تقضى شهوتها كالرجل بالايلاج فإذا ثبت كمال الفعل من كل جانب يراعى حال كل واحد منهما فيما يلزمه من العقوبة (وحجتنا) في ذلك انها مكنت نفسها من فاعل لم يأثم ولم يحرج فلا يلزمها الحد كما لو مكنت نفسها من زوجها وبيان الوصف ظاهر لان الاثم والحرج ينبني على الخطاب وهما لا يخاطبان وتحقيقه ان المباشر للفعل هو الرجل والمرأة تابعة بدليل

[ 55 ] تصور الفعل فيها وهى نائمة لا تشعر بذلك وان لم يكن أصل الفعل زنا فهى لا تصير زانية لان ثبوت التبع بثبوت الاصل وفعل الصبى والمجنون زنا لغة ولكن ليس بزنا شرعا لان الزنا شرعا فعل وجب الكف عنه لخطاب الشرع فلا ينفك عن الاثم والحرج وفعل الصبى والمجنون لا يوصف بذلك وإذا انعدم الزنا شرعا في جانبه فكذلك في جانبها والحد حكم شرعى فيستدعي ثبوت سببه شرعا وانما سماها الله تعالى زانية على معني انها مزني بها كما قال تعالى في عيشة راضية أي مرضية وقال تعالى من ماء دافق أي مدفوق وانما يجب الحد على قاذفها لنسبتها إلى ما تتعير وتستوجب به الحد وتقضى به شهوتها وهو التمكين من الزنا وان كانت تابعة في ذلك وأما الرجل إذا زني بصبية فهو المباشر لاصل الفعل وفعله زنا لغة وشرعا فلهذا لزمه الحد بحقيقة ان المرأة محل والمحلية مشتهاة وذلك باللين والحرارة فلا يتمكن نقصان فيه بجنونها وصغرها فقد تم فعله زنا لمصادفة محله فأما من جانب الرجل استعمال الآلة لانفس الآلة واستعمال الآلة لا يكون زنا شرعا الا إذا كان واجب الكف عند الخطاب وذا بصفة الاثم والحرج وذلك ينعدم بالصبا والجنون وهذا فقه دقيق وفرق حسن وفى الكتاب علل فقال ذكر الصبي كاصبعه معناه ما هو المقصود بالزنا معدوم في آلة الصبي فلا يكون فعله بهذه الآلة زنا والمعتوه بمنزلة الصبي في الحكم فأما المحصنة إذا زني بها غير المحصن فعليها الرجم لان فعل غير المحصن زنا فتصير هي زانية بالتمكين من الزنا ثم المعتبر حالها فيما يقام من العقوبة بعد تقرر السبب وكل رجل يزني بامرأة لا يجب عليها الحد بشبهة مثل الخرساء التى لا تنطق فلا حد عليه لان الشبة تمكنت هنا والخرساء لو كانت تنطق ربما تدعي شبهة نكاح وقد لا تقدر على اظهار ما في نفسها بالاشارة وقد بينا انها لو ادعت النكاح سقط عنها الحد فكذلك إذا كانت خرساء والاصل فيه حديث عمر رضى الله تعالى عنه ادرؤا ماستطعتم فان الامام لان يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة فإذا وجدتم للمسلم مخرجا فادرؤا عنه وهذا بخلاف ما إذا زني بصبية أو مجنونة لان سقوط الحد عنها ليس للشبهة بل لانعدام الاهلية (قال) وإذا زنى الحربى المستأمن بالمسلمة أو الذمية فعليها الحد ولاحد عليه في قول أبى حنيفة وقال محمد رحمهما الله تعالى لاحد على واحد منهما وهو قول أبى يوسف رحمه الله الاول ثم رجع وقال يحدان جميعا أما المستأمن فعند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله لاتقام عليه الحدود التى هي لله تعالى خالصا كحد الزنا والسرقة وقطع الطريق وفي قول

[ 56 ] أبى يوسف الآخر والشافعي رحمهما الله تعالى يقام الحد عليه كما يقام على الذمي لانه مادام في دارنا فهو ملتزم أحكامنا فيما يرجع إلى المعاملات كالذمي ألا ترى أنه يقام عليه القصاص وحد القذف ويمنع من الربا ويجبر على بيع العبد المسلم والمصحف إذا اشتراه كما يجبر عليه الذمي وهذا لان هذه الحدود تقام صيانة لدار الاسلام فلو قلنا لاتقام على المستأمن يرجع ذلك إلى الاستخفاف بالمسلمين وما أعطيناه الامان ليستخف بالمسلمين بخلاف حد شرب الخمر فانه لايقام على الذمي وهذا لانهما يعتقدان اباحة شرب الخمر وانما أعطيناهم الامان على أن نتركهم وما يدينون (وحجتنا) في ذلك قوله تعالى ثم أبلغه مأمنه فتبليغ المستأمن مأمنه واجب بهذا النص حقا لله تعالى وفى اقامه الحد عليه تفويت ذلك ولايجوز استيفاء حقوق الله تعالى على وجه يكون فيه تفويت ما هو حق الله والمعنى أن المستأمن ما التزام شيئا من حقوق الله تعالى وانما دخل تاجرا ليعاملنا ثم يرجع إلى داره ألا ترى أنه لايمنع من الرجوع إلى دار الحرب ولو كان ملتزما شيئا من حقوق الله تعالى يمنع من ذلك كالذمي وهذ الان منعه من أن يعود حربا للمسلمين بعد ما حصل في أيديهم حق الله تعالى بخلاف القصاص فانه حق العباد وهو قد التزم حقوق العباد في المعاملات وحد القذف فيه بعض حق العباد أيضا لان المقصود رفع العار عن المقذوف والاجبار على بيع العبد المسلم من حق العبد وهو من حقوق المسلمين أيضا لان في استخدام العبد المسلم نوع اذلال بالمسلمين وكذلك في استخفافه بالمصحف وأما الربا فهو مستثنى من كل عهد قال الامن أربى فليس بيننا وبينه عهد فأما في جانب المرأة المسلمة فمحمد رحمه الله تعالى يقول لاحد عليها أيضا لانها مكنت نفسها من فاعل لا يلزم الحد بفعله فهو كالتمكين من صبى أو مجنون وهذا لان الكفار لا يخاطبون بالشرائع عندنا وما هو من خالص حق الله تعالي فالخطاب فيه قاصر عن الكافر كما هو قاصر عن الصبي والمجنون وقاس هذا بما لو مكنت نفسها من مكرة فانه لا يجب الحد عليها وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول فعل المستأمن زنا بدليل أنه لو قذفه قاذف به بعد الاسلام لايقام عليه الحد فصارت هي زانية بالتمكين من الزنا ويقام عليها الحد بخلاف الصبى والمجنون فان فعلهما ليس بزنا شرعا حتى لو قذفهما قاذف بذلك الفعل بعد البلوغ والعقل يجب عليه الحد وهذا لان معنى قولنا الكفار لا يخاطبون بالشرائع العبادات التى تنبنى على الاسلام فأما الحرمات ثابتة في حقهم وكان فعل المستأمن واجب الكف عنه بخطاب الشرع

[ 57 ] فيكون زنا الا أنه لايقام عليه الحد لوجوب تبليغه مأمنه وأما إذا مكنت نفسها من مكره فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يجب الحد عليها ان ضجع أبو يوسف رحمه الله تعالى الرواية فيه بقوله لست أحفظ عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى في المكره شيئا وهذا لان المكره ممنوع عن الاقدام على الزنا وفى الاقدام عليه يكون فعله زنا وتصير هي بالتمكين زانية تبعا فيلزمها الحد (قال) وإذا زنى المسلم أو الذمي بالمستأمنة حد المسلم والذمى دون المستأمنة عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى يحدان أما الكلام في المستأمنة فقد بيناه وتعذر اقامة الحد عليها ليس للشبهة فلا يمنع اقامته على الرجل مسلما كان أو ذميا لان حد الزنا يقام على أهل الذمة عندنا وقال مالك رحمه الله تعالى لايقام ولكنه يدفع إلى أهل دينه ليقيموا عليه ما يعتقدون من العقوبة لما روى عن عمر وعلى رضى الله عنهما لما سئلا عن ذميين زنيا فقالا يدفعان إلى أهل دينهما ولكنا نقول قد أقام رسول الله الرجم على اليهوديين وكانا ذميين ولنا فيه أسوة حسنة ولان الذمي من أهل دارنا وملتزم أحكامنا فيما يرجع إلى المعاملات وهو يعتقد حرمة الزنا كما يعتقده المسلم فيقام عليه كما يقام على المسلم لان المقصود من الحدود تطهير دار الاسلام عن ارتكاب الفواحش توضيحه أن من كان من أهل دارنا فهو تحت يد الامام حقيقة وحكما حتى يمنعه من الرجوع إلى دار الحرب فيقيم الحد عليه أيضا بخلاف المستأمن فانه ليس تحت يد الامام حكما حتى لا يمنعه من الرجوع إلى دار الحرب (قال) وإذا شهد الشهود على رجل أنه زنى بامرأة فقال ظننت أنها تحل لى أو شبهتها بامرأتي أو جاريتي لم يدرأ عنه الحد لان فعل الزنا قد تحقق عنه وظنه هذا ليس بصادر عن دليل فكان لغوا وكذلك لو أن بصيرا وجد امرأة على فراشه فواقعها على ظن أنها امرأته وهي أجنبية فعليه الحد وكذلك الاعمى عندنا وقال زفر رحمه الله يدرأ الحد عن الاعمى لانه عدم آلة التمييز وهو البصر فبنى على ظاهر الحال والظاهر ان لا يكون على فراشه الا زوجته أو أمته فيصير ذلك شبهة في حقه بخلاف البصير ومذهبنا مروى عن عمر رضى الله عنه والمعنى فيه ان اعتمد مجرد الظن فان الموجودة على فراشه قد تكون أمه أو أخته وقد تكون أجنبية وقد تكون زوجته فلا معتبر بذلك وهو متمكن من أن يسألها كتمكن البصير من أن يراها فأما إذا ادعي الاعمى امرأته إلى فراشه فأتته أجنبية فواقعها ان كانت قالت له أنا زوجتك فلا حد عليه وان أجابت أو أتته ساكتة

[ 58 ] فكذلك الجواب عند أبى يوسف وعند محمد رحمهما الله تعالى يجب عليه الحد لانها إذا قالت أنا زوجتك فقد اعتمد خبر الواحد وذلك دليل شرعى ألا ترى أن البصير إذا تزوج امرأة فأخبره رجل أن امرأته هذه كان له أن يعتمد خبره ويطأها فإذا تبين أنها غير امرأته كان الثابت حكم الوطئ بشبهة فكذلك هي إذا أخبرته بذلك فأما إذا لم تخبره فأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول اجابتها أو اتيانها بعدما دعى زوجته بمنزلة اخبارها أنى زوجتك ومحمد رحمه الله تعالى يقول ان اجابته إلى الفراش فهو كما لو وجدها نائمة على فراشه وكما لا يسقط الحد هناك بظنه فكذلك هنا (قال) رجل استأجر امرأة ليزني بها فزنى بها فلاحد عليهما في قول أبى حنيفة وقال وأبو يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالى عليهما الحد لتحقق فعل الزنا منهما فان الاستئجار ليس بطريق لاستباحة البضع شرعا فكان لغوا بمنزلة مالو استأجرها للطبخ أو الخبز ثم زنى بها وهذا لان محل الاستئجار منفعة لها حكم المالية والمستوفي بالوطئ في حكم العتق وهو ليس بمال أصلا والعقد بدون محله لا ينعقد أصلا فإذا لم ينعقد به كان وهو والاذن سواء ولو زنى بها باذنها يلزمه الحد ولكن أبو حنيفة رحمه الله احتج بحديثين ذكرهما عن عمر رضى الله عنه أحدهما ماروى ان امرأة استسقت راعيا فأبي ان يسقيها حتى تمكنه من نفسها فدرأ عمر رضى الله عنه الحد عنهما والثاني ان امرأة سألت رجلا مالا فأبى ان يعطيها حتى تمكنه من نفسها فدرأ الحد وقال هذا مهر ولايجوز ان يقال انما درأ الحد عنها لانها كانت مضطرة تخاف الهلاك من العطش لان هذا المعني لا يوجب سقوط الحد عنه وهو غير موجود فيما إذا كانت سائلة مالا كما ذكرنا في الحديث الثاني مع أنه علل فقال ان هذا مهر ومعنى هذا أن المهر ولاجر يتقاربان قال تعالى فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن سمى المهر أجرا ولو قال أمهرتك كذا لازنى بك لم يجب الحد فكذلك إذا قال استأجرتك توضيحه أن هذا الفعل ليس بزنا وأهل اللغة لا يسمون الوطئ الذى يترتب على العقد زنا ولا يفصلون بين الزنا وغيره الا بالعقد فكذلك لا يفصلون بين الاستئجار والنكاح لان الفرق بينهما شرعى وأهل اللغة لا يعرفون ذلك فعرفنا ان هذا لفعل ليس بزنا لغة وذلك شبهة في المنع من وجوب الحد حقا لله تعالي كما لا يجب الحد على المختلس لان فعله ليس بسرقة لغة يوضحه أن المستوفى بالوطئ وان كان في حكم العتق فهو في الحقيقة منفعة والاستئجار عقد مشروع لملك المنفعة وباعتبار هذه الحقيقة يصير شبهة

[ 59 ] بخلاف الاستئجار للطبخ والخبز ولان العقد هناك غير مضاف إلى المستوفى بالوطئ ولا إلى ما هو سبب له والعقد المضاف إلى محل يوجب الشبهة في ذلك المحل لافى محل آخر (قال) رجل أكره حتى زنى بامرأة كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول أولا يلزمه الحد وهو قول زفر رحمه الله تعالى لان الرجل لا يزني ما لم تنتشر آلته وذلك دليل الطواعية بخلاف المرأة فان التمكين ؟ يتحقق منها مع الاكراه فلا يكون تمكينها دليل الطواعية ثم رجع فقال إذا كان المكره سلطانا فلاحد عليه لان الحد مشروع للزجر وهو منزجر ؟ عن الزنا وانما كان قصده من الاقدام دفع الهلاك عن نفسه فلا يلزمه الحد كالمرأة وهذا لان انتشار الآلة لا يدل على أنه كان طائعا لان انتشار الآلة قد يكون طبعا وقد يكون طوعا ألا ترى أن النائم قد تنتشر آلته من غير قصد وفعل منه وانما انتشار الآلة دليل الفحولية فأما إذا أكرهه غير السلطان عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يلزمه الحد إذا زنى وعندهما إذا جاء من إكراه غير السلطان ما يشبه اكراه السلطان فلا حد عليه وقيل هذا اختلاف عصر فان السلطان كان مطاعا في زمن أبي حنيفة ولم ير لغير السلطان من القوة ما يقوى به على الاكراه فقال لا يتحقق الاكراه الا من السلطان ثم في عصر هما قد ظهرت القوة لكل متغلب فقالا يتحقق الاكراه من غير السلطان وجه قولهما ان المعتبر خوف التلف على نفسه وذلك يتحقق إذا كان المكره قادرا على ايقاع ما هدد به سلطانا كان أو غيره بل خوف التلف هنا أظهر لان المتغلب يكون مستعجلا لما قصده لخوفه من العزل بقوة السلطان والسلطان ذو أناة بما يفعله فإذا تحقق الاكراه من السلطان بالتهديد فمن المتغلب أولى وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول ما يكون مغيرا للحكم يختص بالسلطان كاقامة الجمعة ونحوها وتحقيقه أن الاكراه من غير السلطان نادر لانه مغلوب بقوة السلطان فالمبتلى به يستغيث بالسلطان ليدفع شره عنه فإذا عجر عن ذلك فهو نادر ولاحكم للنادر فأما المبتلى بالسلطان لا يمكنه ان يستغيث بغيره ليدفع شره عنه فيتحقق خوف التلف على نفسه فيكون ذلك مسقطا للحد عنه (قال) رجل زنى بأمة أو حرة ثم قال اشتريتها درئ عنه الحد لانه ادعى سببا مبيحا فان الشراء في الامة يفيد ملك المتعة وفى الحرة النكاح فانه ينعقد بلفظ الشراء فكان دعواه الشراء كدعوى النكاح وقد بينا أن مجرد دعوى النكاح يسقط الحد (قال) وإذا شهد الشهود على رجل بالزنا وزكاهم المزكون وزعموا انهم أحرار مسلمون فرجمه الامام ثم تبين أنهم عبيد أو مجوس فان ثبت

[ 60 ] المزكون على التزكية وزعموا أنهم أحرار فلا ضمان عليهم ولا على الشهود أما على الشهود فلانه لم يتبين كذبهم ولم تقبل شهادتهم إذ لا شهادة على المسلمين للعبيد والكفار وأما على المزكين فلانهم اعتمدوا ما سمعوا من اسلامهم وحريتهم وانما زكوهم بقول الناس فلم يتبين كذبهم فيما أخبروا به القاضى من قول الناس انهم أحرار مسلمون فاما إذا رجعوا عن التزكية وقالوا تعمدنا فعليهم ضمان الدية في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا ضمان على المزكين ولكن الدية في بيت المال في الوجهين لان المزكين ما أثبتوا سبب الاتلاف وهو الزنا وانما أثنوا على الشهود خيرا فكانوا في المعنى كشهود الاحصان الا أن أولئك أثبتوا خصالا محمودة في الزانى لايقام الرجم عليه الا بها وهؤلاء أثبتوا خصالا في الشاهد لايقام الرجم الا عندها فكما لا ضمان علي شهود الاحصان إذا رجعوا فكذلك لا ضمان على المزكين وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول المزكون جعلوا ما ليس بموجب موجبا فكانوا بمنزلة من أثبت سبب الاتلاف وبيان ذلك ان الشهادة لا توجب شيئا بدون التزكية وسبب الاتلاف الشهادة وانما كانت الشهادة موجبة بالتزكية فكانت التزكية علة العلة وهى بمنزلة العلة في اضافة الحكم إليه بخلاف شهود الاحصان فان الشهادة على الزنا بدون الاحصان موجب للعقوبة وشهود الاحصان ما جعلوا ما ليس بموجب موجبا وأما الشهادة لا توجب شيئا بدون التزكية فمن هذا الوجه تقع الفرقة بينهما ولهذا اشترط الذكورة في المزكين كشهود الزنا ويثبت الاحصان بشهادة النساء مع الرجال وان كان المزكون قالوا هم عدول فلاشئ عليهم بالاتفاق لانهم صادقون في ذلك والعبد قد يكون عدلا ويكون القاضى جهل حين اكتفي منهم بهذا القدر فلهذا لا يضمن المزكون (قال) وإذا زنى بجارية فقتلها ان قتلها بفعله فعليه الحد وضمان القيمة الحد للزنا والقيمة لاتلاف النفس وهو معنيان كل واحد منهما منفصل عن الآخر وكذلك لو فعل ذلك بحرة فعليه الحد والدية وروى بشر عن أبى يوسف رحمه الله تعالى في الامة يدرأ عنه الحد للشبهة لان ضمان القيمة سبب لملك الامة بخلاف الحرة وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالي أنه إذا زني بأمة فأذهب بصرها فعليه قيمتها وسقط عنه الحد لان الجثة العمياء تملك بالضمان فيصير ذلك شبهة في اسقاط الحد فأما إذا قتلها فانما لزمه ضمان القيمة بالجناية وضمان القيمة بالجناية بدل النفس فلا يوجب الملك لان وجوبها بعد تقرر الجناية بالموت وهى ليست بمحل للملك

[ 61 ] بعد الموت (قال) وإذا زني بأمة هي رهن عنده فان قال ظننت أنها تحل لى درئ عنه الحد وان قال علمت أنها على حرام حد لان عقد الرهن يثبت ملك اليد حقا للمرتهن وبملك اليد تثبت شبهة الاشتباه كما في المعتدة من خلع أو من تطليقات إذا وطئها وقال ظننت أنها تحل لى لا يحد لبقاء ملك اليد له فيها بسبب العدة وذكر في كتاب الرهن أنه يحد على كل حال لان حق المرتهن انما يثبت في المالية وذلك ليس بسبب للحل بحال وهو نظير الغريم إذا وطئ جارية من التركة يلزمه الحد وان كانت المالية حقا له فانها تباع في دينه (قال) ولو استأجر أمة لتخدمه أو استعارها فزنى بها فعليه الحد في الوجهين جميعا لانعدام شبهة الاشتباه فان ملك المنفعة لا يتعدي إلى ملك الحل بحال (قال) وإذا شهد أربعة على رجل بالزنا واختلفوا في المزني بها أو في المكان أو في الوقت بطلت شهادتهم وذلك لان الزنا فعل يختلف باختلاف المحل والمكان والزمان وما لم يجتمع الشهود الاربعة على فعل واحد لا يثبت ذلك عند الامام ولكن لاحد على الشهود عندنا وقال زفر رحمه الله عليهم حد القذف لان كل اثنين نسباه إلى زنا آخر فكانا قاذفين له وشرط سقوط الحد عنهم اجتماعهم على الشهادة بزنا واحد ألا ترى أنه لو شهد ثلاثة وسكت الرابع حدالثلاثة فكذلك إذا شهد كل اثنين على زنا آخر لان الزنا لا يثبت بشهادة المثنى ولكنا نقول قد اجتمع الاربعة على الشهادة عليه بالزنا وذلك منع من وجوب الحد عليهم كما لو شهد أربعة من الفساق بالزنا على رجل توضيحه انا لو اعتبرنا اختلافهم في المزني بها أو في المكان أو في الزمان في ايراث الشبهة وذلك مسقط للحد عن المشهود عليه غير موجب للحد عليهم ويجعل في الحكم كأنهم امتنعوا من بيان ذلك أصلا ولو شهدوا عليه بالزنا وامتنعوا من بيان المزني بها والمكان والزمان لايقام الحد على المشهود عليه ولا عليهم فهذا مثله (قال) وإذا شهدوا على بيت واحد انه زنى بها فيه فقال اثنان في مقدمه وقال اثنان في مؤخره في القياس لاحد على المشهود عليه وهو قول زفر رحمه الله تعالى لان الفعل في مقدم البيت غير الفعل في مؤخر البيت وهو بمنزلة الشهادة في بيتين أو قبيلتين وفي الاستحسان يقام الحد على المشهود عليه عندنا لانهم اجتمعوا على فعل واحد واختلفوا فيما لم يكلفوا نقله والتوفيق ممكن فوجب قبول شهادتهم كما لو اختلفوا في ثيابها حين زنى بها وبيان الوصف أنهم لو شهدوا أنه زنى بها في هذا البيت لم يسألهم القاضى ان كان في مقدمه أوفى مؤخره وبيان امكان التوفيق من وجهين (أحدهما)

[ 62 ] أن ابتداء الفعل كان في مقدم البيت وانتهاءه كان في مؤخره لاضطرابهما أو كان في وسط البيت فظن اثنان أن ذلك الموضع من مقدم البيت واثنان انه من مؤخره البيت فشهدوا علي ما وقع عندهم بخلاف البيتين والقبيلتين فالتوفيق هناك غير ممكن ثم هذا الاستحسان منا لتصحيح الشهادة لالاقامة الحد فانما يستحسن لدرء الحد ولم يذكر إذا تقارب اختلافهم في الزمان والجواب فيه كالجواب في المكان إذا تقارب علي وجه يمكن التوفيق تقبل شهادتهم استحسانا ولو اختلفوا في الثوب الذى كان عليه حين زنى بها لم تبطل شهادتهم لانهم لو امتنعوا من بيان ثوبه حين زنى لم يقدح ذلك في شهادتهم فعرفنا أنهم اختلفوا فيما لم يكلفوا نقله والتوفيق ممكن لجواز أن يكون عليه ثوبان وقع بصر اثنان على أحدهما وبصر الآخرين على الآخر (قال) وإذا شهد أربعة على رجل بالزنا واحدهم والده أو ولده فالشهادة جائزة لانه لاتهمة في شهادة الولد على والده ثم يرث الولد من والده وان رجم بشهادته الا أنه إذا أمره الامام بالبداية ينبغي أن لا يتعمد قتله لان الولادة مانع للولد من أن يتعرض لوالده بالقتل وان كان مباح الدم على ماروى أن حنظلة بن أبى عامر رضى الله عنه استأذن رسول الله في قتل أبيه الشرك فلم يأذن له وقال يكفيك ذلك غيرك وكذلك ان كان الشاهد أخا أوجدا أو واحدا من ذى الرحم المحرم لانه اجتمع حرمتان الاسلام والقرابة وذلك مانع من التعرض له بالقتل كما في العادل لا يحل له أن يقتل أخاه الباغي بخلاف المسلم يحل له أن يقتل أخاه الكافر لان الموجود هناك حرمة واحدة وهى القرابة فكان بمنزلة حرمة الاسلام فيما بين الاجانب (قال) فأما في حق الوالدين من الكفار الموجود حرمتان الولاد يعني به الجزئية والقرابة فلو أنه أصاب مقتله لم يحرم الميراث أيضا لانه قتل بحق وحرمان الميراث جزاء على القتل المحظور عقوبة فلا يثبت ذلك في القتل بحق (قال) ولو امتنع أحد الشهود من البداية بالرجم فذلك شبهة في اسقاط الحد عن المشهود عليه ولكن لايقام الحد على المشهود لانهم ثابتون على الشهادة وانما امتنع بعضهم من مباشرة القتل وذلك لا يكون رجوعا عن الشهادة على الزنا وقد يمتنع الانسان من مباشرة القتل بحق (قال) وإذا شهد الشهود على رجل بالزنا وعدلوا فلم يقض القاضي بالرجم حتى قتله انسان بالسيف عمدا أو خطأ فعليه القصاص في العمد والدية على العاقلة في الخطأ لان الشهادة لا توجب شيئا ما لم يتصل بها القضاء ألا ترى أنهم لو رجعوا بعد عدالتهم

[ 63 ] لم يقض القاضى بشئ ولم يضمنوا للمشهود له شيئا ولو وجب حق المشهود له قبل القضاء بظهور عدالتهم لصاروا متلفين ذلك عليه بالرجوع فينبغي أن يضمنوا له ولما ثبت ان الشهادة لا توجب شيئا بدون القضاء فبقيت النفس معصومة علي ما كانت قبل الشهادة فيجب القصاص على من قتله عمدا ولان الشهادة قد بطلت بالقتل فان القاضى لا يقضى بها بعد ذلك لفوات المحل فهو كما لو بطلت الشهادة برجوعهم فان قضى القاضي برجمه ثم قتله انسان عمدا أو خطأ أو قطع يده أو فقأ عينه لا شئ عليه لانه قد صار مباح الدم بقضاء القاضى والفعل في محل مباح لا يكون سبب وجوب الضمان وكذلك لو رجع الشهود عن شهادتهم فلا شئ على الجاني لان رجوعهم ليس بحجة في حق الجاني فوجوده كعدمه وان وجد أحد الشهود عبدا بعدما قتله الرجل عمدا ففى القياس عليه القصاص لانه تبين أنه كان محقون الدم حين ظهر أن عدد الشهود لم يتكامل فان العبد لا شهادة له ولان هذا في معني قتله اياه قبل قضاء القاضى لانه قد تبين أن قضاء القاضى كان باطلا ولكنه استحسن فأبطل عنه القصاص وجعل عليه الدية في ماله في ثلاث سنين لان القاضى قضى باباحة دمه وصورة قضاء القاضي تكفي لايراث الشبهة فانه لو كان حقا كان مبيحا للدم فصورته تمكن شبهة كالنكاح الفاسد يجعل شبهة في اسقاط الحد ولهذا ؟ لا يجب القصاص على المولى إذا جاء المشهود بقتله حيا وإذا امتنع وجوب القصاص للشبهة وجبت الدية في ماله لان القتل عمد والعاقلة لاتعقل العمد ولكن تجب الدية في ثلاث سنين لان وجوبها بنفس القتل فان كان هذا الرجل قتله رجما فلا شئ عليه لانه ممتثل أمر القاضي فيكون فعله كفعل القاضى فلا يضمن شيئا ولكن هذا خطأ من الامام فيما عمله لله تعالى فتجب الدية في بيت المال بخلاف الاول لان هناك ما امتثل أمر القاضي في قتله اياه بالسيف ولهذا يؤدبه القاضى هناك على ما صنع ولا يؤدبه هنا وان لم يكونوا أجهزوا عليه حتى ظهر أن أحد الشهود عبد فارش الجراحة أيضا في بيت المال اعتبارا للبعض بالكل والمعنى الجامع أن الخطأ من الامام في الوجهين (قال) أربعة شهدوا على رجل بالزنا وهو غير محصن وضربه الامام الحد ثم وجد أحدهم عبدا وقد مات من ذلك الضرب أو لم يمت فلا شئ في بيت المال ولا على الامام في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما هو على بيت المال وعلى هذا لو رجع الشهود و قد جرحته

[ 64 ] السياط فلا ضمان على الشهود في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما يضمن الشهود أرش الجراحات والدية ان مات من ذلك (وحجتنا) أن الجلدات أقيمت عليه بشهادتهم فالشاهد يجعل كالمباشر لما أوجبه بشهادته في حكم الضمان كما لو كان الحد رجما وكما أن شهود القصاص وشهود القتل إذا رجعوا ضمنوا ما أتلف بشهادتهم كأنهم باشروا ذلك فهذا مثله فإذا ثبت أنهم كالمباشرين تلفا ومن ضرب انسانا بسوط فجرحه من ذلك فهو ضامن أرش الجراحة ولو مات من ذلك كان ضامنا للدية فكذلك إذا رجعوا هنا وإذا ظهر أنهم عبيد فقد ظهر الخطأ من الامام فذلك الضمان في بيت المال وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول انما أوجبوا بشهادتهم ضربا مؤلما غير جارح ومتلف بدليل أنه لايقام هذا الحد الشديد على المريض كيلا يؤدى إلى الاتلاف وبدليل أنه يختار لاقامة الحد سوطا لاثمرة له كيلا يجرحه ويفرق على الاعضاء كيلا يؤدى إلى الجراحة ولانه لو ضربه فلم يجرحه يتم اقامة الحد حتى لا يعاد عليه فيثبت أنهم إذا أوجبوا بشهادتهم ضربا مؤلما غير جارح ولا متلف ولكن الجراحة والاتلاف افضت إليه الشهادة والشاهد عند الرجوع لا يضمن ما أفضى إليه شهادته كالشهادة بالنسب في حال الحياة إذا رجع بعد ما مات المشهود عليه وورث المشهود له بنسبه ؟ وكما أن الجراحة والاتلاف ليس من موجب الشهادة فكذا ليس من موجب القضاء لان القاضى انما يقتضى بما شهد به المشهود فلا يمكن ايجاب الضمان على القاضى ولا في بيت المال لانه انما يجب في بيت المال ماكان واجبا بقضاء القاضى إذا تبين فيه الخطأ ولا شئ على الجلاد أيضا لانه امتثل أمر القاضى وهو مجتهد فيما أقام من الحد فلهذا لا يضمن أحد شيئا بخلاف مااذا باشر الضرب بالسوط فانما يحصل بضربه من موجبات فعله وهو متعد في ذلك فكان مؤاخذا بضمانه (قال) أربعة شهدوا على رجل بشئ يجب فيه التعزير فعزره الامام فمات من ذلك فلا شئ على الامام ولا في بيت المال عندنا وهو مذهب عمر وعلى رضى الله عنهما وعلى قول الشافعي رحمه الله تجب الدية في بيت المال وهو قول على رضي الله عنه لان التعزير للتأديب لا للاتلاف فإذا أدى إلى الاتلاف كان خطأ من الامام فيجب الضمان في بيت المال لانه عمل فيه لله تعالى وكما نقول في الزوج إذا عزر زوجته فماتت كان عليه ضمان الدية ولكنا نقول الامام محق فيما أقام وهو مستوف حقا لله تعالى فيصير كأن من له الحق أماته بخلاف الزوج إذا عزر زوجته لانه يستوفى ذلك

[ 65 ] لمنعفة نفسه فما يتولد منه يكون مضافا إليه توضيحة ان اقامة التعزير مستحق على الامام شرعا إذا علم أنه لا ينزجر الا به وما يكون مستحقا على المرء لا يتقيد بشرط ليس في وسعه التحرز عنه وهو كما ولو قطع يد السارق فمات من ذلك فأما تعزير الزوج مباح له غير مستحق عليه والمباحات تتقيد بشرط السلامة كالمشى في الطريق والرمى إلى الصيد (قال) وإذا حكم الامام على رجل بالزنا والرجم بشهادة الشهود وقال للناس ارجموه وسعهم أن يرجموه وان لم يعاينوا أداء الشهادة وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى لا يسعهم ذلك ما لم يشهد به عدل آخر عندهم أو يعاينوا أداء الشهادة والحكم لان القتل أمر عظيم إذا وقع فيه الغلط لا يمكن التدارك والتلافى ومن يكون مجرد قوله ملزما الانبياء المعصومون عن الكذب فانهم لا يقرون على الكذب والقاضي لا تبلغ درجته درجة الانبياء بل هو غير معصوم عن الخطأ والكذب فلا يسعهم الاقدام بمجرد قوله على ما إذا وقع الغلط لا يمكن تداركه وجه ظاهر الرواية أن قضاء القاضى أولى من شهادة الشهود فلو عاينوا أداء الشهادة وسعهم أن يرجموه وان كان الشهود غير معصومين عن الكذب فكذلك إذا أخبرهم القاضي بقضائه وهذا لان العادة الظاهرة هي الاكتفاء في كل بلدة بقاض واحد فلو لم يكن مجرد حكمه حجة لكان يتخذ قاضيان في كل بلدة لحاجة الناس إلى ذلك وفى الاكتفاء بقاض واحد دليل على أن مجرد قوله حجة يطلق لهم الاقدام على اقامة الحد رجما كان أو قتلا حد قطاع الطريق أو قطعا في السرقة (قال) وإذا شهد عليه ثلاثة بالزنا وقال الرابع لم أرما قالوا ولكني رأيتهما في لحاف واحد فشهادتهم باطلة لان الرابع ما شهد بشئ فلم يتكامل عدد شهود الزنا فلا يجب الحد على المشهود عليه ويحد الثلاثة لانهم قذفوه بالزنا حيث لم يتكامل عدد الشهود ولا يحد الرابع لانه ما نسبه إلى الزنا بقوله رأيتهما في لحاف واحد والاصل فيه ماروينا من حديث المغيرة فان عمر رضى الله تعالى عنه أقام الحد على الثلاثة حين امتنع زياد من الشهادة على صريح الزنا ولم يقم الحد على زياد وان كان الرابع قال أشهد انه زان ثم سئل عن صفته فلم يصف ذلك فعليه الحد بقوله انه زان لانه قد نسبه إلى الزنا بهذا وأكد ذلك بلفظ الشهادة ولو لم يؤكد ذلك بلقظة الشهادة ولكن قال هذا زان كان قاذفا له بهذا اللفظ مستوجبا الحد فهنا أولى وتأويل هذه المسألة أن الرابع إذا قال هذا في مجلس آخر سوى المجلس الذى شهد فيه الثلاثة فأما إذا اجتمع الاربعة في مجلس وشهدوا عليه بالزنا وأبى بعضهم

[ 66 ] أن يفسر ذلك فلا حد على ما فسره بعد هذا لان الاربعة إذا شهدوا عليه بالزنا فسئلوا عن كيفيته وماهيته وقالوا لا نزيد لك على هذا لم تقبل شهادتهم لانهم لم يبينوا مبهم كلامهم ولكن لاحد عليهم لتكامل عددهم فان تكامل عدد الشهود مانع من وجوب الحد عليه كما لو شهد عليه أربعة من الفساق بالزنا وكذلك ان وصف بعضهم دون بعض لان عددهم متكامل في أصل الشهادة عليه بالزنا وامتناع بعضهم عن البيان لا يكون رجوعا عن الشهادة ولكن يصير ذلك شبهة في حق المشهود عليه فلا يقام عليه الحد ولا يقام على الشهود أيضا كما في فسق الشهود (قال) أربعة شهدوا على رجل بالزنا بامرأة فشهد أربعة على الشهود انهم هم الذين زنوا بهما لاتقبل شهادة واحد منهم ولا يقام الحد للشبهة التي دخلت عند أبى حنيفة رحمه الله وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يقام حد الزنا على الفريق الاول ولا شئ على المشهود عليه للاول لان الفريق الثاني عدول شهدوا على الفريق الاول بالزنا فوجب قبول شهادتهم وقد ثبت فسقهم لظهور زناهم بالحجة فتبطل شهادتهم على المشهود عليه الاول وبقيت الشبهة التى أشار إليها أبو حنيفة رحمهم الله تعالى ان قصد الفريق الثاني بهذه الشهادة إبطال شهادة الفريق الاول لانهم حين لم يشهدوا إلى أن شهد الفريق الاول فاما ان يكونوا كاذبين قاصدين إلى ابطال شهادتهم أو كانوا صادقين ولكنهم اختاروا الستر فلما شهد الفريق الاول حملتهم الضغينة على الشهادة عليهم دون الحسبة ومثل هذه الشهادة لاتقبل كما لو شهدوا بالزنا بعد تقادم العهد ولان في لفظهم ما يدل على ان قصدهم المجازاة دون الحسبة فان في الشهادة بطريق الحسبة يقولون زنوا وهم زناة واما قولهم هم الذين زنوا يكون على طريق المجازاة ثم هذا يؤدى إلى التهاتر فربما يشهد فريق ثالث على الفريق الثاني بمثل ذلك ومثل هذا لا يجوز اقامة الحد به (قال) وان شهد ثلاثة نفر وامرأتان بالزنا لم تجز شهادتهم لحديث الزهري قال مضت السنة من لدن رسول الله والخليفتين من بعده ان لا شهادة للنساء في حد الزنا فكانوا جميعا قذفة (قال) وان شهد أربعة علي شهادة أربعة على رجل بالزنا لا تجوز شهادتهم لان الشهادة على الشهادة فيها ضرب شبهة من حيث ان الكلام إذا تداولته الا لسنة تمكن فيه زيادة ونقصان ولان الشهادة على الشهادة بدل والابدال منصوبة للحاجة ولا تقام الحدود بمثله لانها مبنية علي الدرء ولاحد على الفروع لانهم ما نسبوا المشهود عليه إلى الزنا انما حكوا شهادة الاصول بذلك والحاكى للقذف عن غيره لا يكون قاذفا فان قدم الاصول فشهدوا على شهادة أنفسهم على هذا

[ 67 ] الرجل بالزنا لاتقبل شهادتهم لوجهين أحدهما ان العهد قد تطاول والثانى ان الحاكم حكم برد هذه الشهادة لان في الموضع الذى تقبل الشهادة على الشهادة تقبل شهادة الاصول أيضا ففى الموضع الذي ترد أيضا يتعدى رده إلى شهادة الاصول من وجه وذلك شبهة ولاحد على الشهود لتكامل عددهم ولانا انما لانقيم الحد على المشهود عليه بنوع شبهة والشبهة تصلح لدرء الحد بها لا لايجاب الحد (قال) وان قال الشهود للرجل والمرأة في غير مجلس القاضى نشهد انكما زانيان وقدموهما إلى القاضى وشهدوا عليهما وقالا انهم قد قالوا لنا هذه المقالة قبل أن يرفعونا اليك ولنا بذلك بينة لم تقبل شهادتهما على ذلك ولم تسقط شهادتهم به وحد الرجل والمرأة لانهم عدول (فان قيل) صاروا قاذفين لهما بالنسبة إلى الزنا في غير مجلس القاضى فكانوا متهمين في الشهادة من حيث انهم قصدوا بها اسقاط الحد (قلنا) انما كان كذلك لان تكامل العدد كما يمنع من أن يكون كلامهم قذفا في مجلس القاضى فكذلك في غير مجلسه ولان المقصود من فعلهما الندم معناه ان مقصود الشهود من هذه المقالة في غير مجلس القاضى انكما زانيان ليظهرا الندم ليستروا عليهما أو الاصرار ليشهدوا عليهما والشاهد مندوب إلى ذلك ولان كلامهم الاول موقوف فإذا اتصل به شهادتهم في مجلس القاضى لم يكن قذفا والا فحينئذ يكون قذفا (قال) وإذا شهدوا عليهما بالزنا فقال اثنان طاوعته وقال آخران استكرهها درئ الحد عنهما في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يحد الرجل وحده لهما ان الحجة في جانب الرجل تمت موجبة للحد فانما الاختلاف بينهم في حالها وذلك لا يغير حكم الفعل في جانبه فان الكل لو اتفقوا انها كانت طائعة أو مكرهة يجب الحد على الرجل وهذا لان الزنا فعلان من الرجل والمرأة وانما يقام الحد على كل واحد منهما بفعله وقد اتفقوا على وجود الفعل الموجب للحد على الرجل ولابي حنيفة رحمه الله طريقان أحدهما ان كل اثنين شهدا بفعل آخر فما لم يتق الاربعة على الفعل الواحد لا يثبت الزنا كما لو اختلفوا في المكان والزمان وبيانه ان شاهدي الطواعية شهدا بفعل مشترك بينهما فانها إذا كانت طائعة كانت شريكة له في الفعل حتي تشاركه في اثم الفعل وشاهدا الاكراه شهدا بفعل تفرد به الرجل لانه لاشركة للمرأة في الفعل إذا كانت مكرهة حتى لا تشاركه في اثم الفعل والفعل المشترك غير الفعل الذى تفرد به الرجل وقولنا ان الزنا فعلان يعني من حيث الحكم فأما في الحقيقة

[ 68 ] الفعل واحد ولهذا لو تمكنت الشبهة من أحد الجانبين يصير ذلك شبهة في اسقاط الحد عن الآخر والطريق الثاني ما ذكره الطحاوي ان الذين شهدوا انها طاوعته صاروا قاذفين لها ملتزمين حد القذف لو لا شهادة الآخرين انه زنى بها وهي مكرهة فكانا خصمين ولا شهادة للخصم وانما لايقام حد القذف عليهما بشهادة آخرين بمنزلة من قذف امرأة ثم أقام شاهدين انها زنت وهى مكرهة سقط الحد عن القاذف ولان اعتبار عدد الاربعة في الشهادة على الزنا الموجب للحد وهذه شهادة على سقوط احصانها لان زنا المكرهة لا يوجب حد الزنا عليها بحال وسقوط الاحصان يثبت بشهادة شاهدين وبيان هذا الطريق فيما ذكره محمد في الكيسانيات قال لو شهد ثلاثة انها طاوعته وواحد انها مكرهة فعند أبى حنيفة رحمه الله لايقام الحد على الشهود وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يقام على الثلاثة حد القذف بخصومتها لانهم صاروا قاذفين لها والشاهد على سقوط احصانها واحدو بشهادة واحد لا يثبت الاحصان وهذا لان المكرهة لافعل لها فتكون هذه الشهادة في حقها بمنزلة ما لو امتنع الرابع من أداء الشهادة (قال) ولو شهد ثلاثة أنه استكرهها وواحد انها طاوعته فليس على هذا الواحد حد القذف لها بشهادة الباقي بسقوط احصانها هذا كله بناء على ظاهر المذهب أن المكرهة على الزنا يسقط إحصانها وقد روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يسقط احصانها بفعلها ووجه ظاهر الرواية أنها ممكنة من وطئ حرام فان الاكراه لا يعدم لها الفعل خصوصا فيما لا يصلح أن تكون المكرهة آلة للمكره ولانها مضطرة إلى ذلك وذلك لايمنع سقوط احصانها (قال) وان شهد أربعة على رجل انه زنى بهذ ؟ المرأة في موضع كذا في وقت كذا وشهد أربعة أنه زنى بهذه المرأة الاخرى في ذلك الوقت بعينه في مكان آخر والبينتان بينهما بعد لم يحد واحد منهم لان القاضى تيقن بكذب أحد الفريقين والشخصان في وقت واحد لا يتصور أن يكونا في مكانين مختلفين ولا يعرف الصادق من الكاذب فيمتنع القضاء للتعارض أو لتمكن تهمة الكذب في شهادة كل فريق أو لعدم ظهور رجحان جانب الصدق وان شهد كل فريق منهم على وقت غير الوقت الآخر جازت الشهادة وحد الرجل والمرأتان لانه ثبت على الرجل فعلان وعلى كل امرأة فعل موجب للحد بحجة كاملة فيقيم القاضى الحد عليهم إذ الزنا بعد الزنا يتحقق في وقتين ومكانين مختلفين بامرأة وامرأتين (قال) وان شهد أربعة أنه زني يوم النحر بمكة بفلانة

[ 69 ] وشهد أربعة أنه قتل يوم النحر بالكوفة فلانا لم تقبل واحدة من الشهادتين لتيقن القاضى بكذب أحد الفريقين ولا حد على شهود الزنا لتكامل عددهم وعلى هذا سائر الاحكام من العتاق والطلاق ولايقال لا تنكر كرامة الاولياء فيجوز أن يكون في يوم واحد بمكة والكوفة لان مثل ذلك الولى لا يزني ولا يجحد ما فعله ولانا أمرنا ببناء الاحكام على ما هو الظاهر المعروف فان حضر أحد الفريقين وشهدوا فحكم الحاكم بشهادتهم ثم شهد الآخرون فشهادة الآخرين باطلة لان رجحان جانب الصدق ثبت في شهادة الاولين حين اتصل الحكم بها فيبقى الكذب في شهادة الفريق الثاني ولا يقام الحد على شهود الزنا وان كانوا هم الفريق الثاني لتكامل عددهم (قال) وإذا ثبت حد الزنا على رجل بشهادة الشهود وهو محصن أوغير محصن فلما أقيم عليه بعضه هرب فطلبه الشرط فأخذوه في فوره أقيم عليه بقية الحد لان الهروب غير مسقط عنه ما لزمه من الحد وأصله ان حد الزنا لايقام بحجة البينة بعد تقادم العهد عندنا وكذلك كل حد هو محض حق الله تعالى وعند الشافعي رحمه الله تعالى يقام واعتبره بسائر الحقوق من حيث ان تقادم العهد غير مسقط عنه ما لزمه فاعتبر البينة بالاقرار فان هذه الحدود تقام بالاقرار بعد تقادم العهد فكذلك بالبينة لانها احدى الحجتين (وحجتنا) في ذلك حديث عمر رضى الله عنه حيث قال ايما قوم شهدوا على حد لم يشهدوا عند حضرته فانما هم شهود ضغن قال الحسن رحمه الله تعالى في حديثه لا شهادة لهم والمعني ان الشاهد على هذه الاسباب مخير في الابتداء بين ان يستر عليه أو يشهد فلما أخر الشهادة عرفنا أنه مال إلى الستر ثم حملته العداوة علي أن يترك الستر ويشهد عليه فلا تكون هذه شهادة بطريق الحسبة فلهذا لاتقبل بخلاف حد القذف فان الشهادة عليه لاتقبل الا بخصومة المقذوف وطلبه الحد فانما أخروا اداء الشهادة لعدم الخصومة من المقذوف ولان فيه بعض حق العباد وهو دفع العار عن المقذوف فمتى أقام الحجة عليه وجب الحكم به لدفع الضرر عنه ولا يدخل على هذا الكلام السرقة فان الشهادة عليها لاتقبل قبل الخصومة ولكن خصومة المسروق منه هناك في المال لافي الحد وبعد تقادم العهد الشهادة مقبولة فيما فيه الخصومة له ولان الحد هناك محض حق الله تعالى ولهذا صح الرجوع فيه عن الاقرار بخلاف حد القذف وحد الله تعالى أقرب إلى الدرء لانه يتعالى عن ان يلحقه خسران أو ضرر وهذا بخلاف الاقرار فان معنى الضغينة لا يتحقق في الاقرار بعد التقادم إذ الانسان لا يعادي نفسه على وجه يحمله

[ 70 ] ذلك على الاقرار ولم يبين في الكتاب حد التقادم وقد روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه قال جهدت بابي حنيفة رحمه الله تعالى كل الجهد فأبى ان يؤقت في التقادم وقتا وهذا لان ذلك يختلف باختلاف أحوال الناس في البعد من القاضى والقرب وباختلاف عادة القاضى في الجلوس والتوقيت لا يكون بالرأى بل بالنص فلما لم يجد فيه نصا أبي ان يوقته بشئ وجعله موكولا إلى رأى القاضى وروى الحسن بن زياد عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى انهم إذا شهدوا بعد سنة لاتقبل وأشار الطحاوي رحمه الله تعالى إلى ستة أشهر وهو الحين والاصح ما نقل عن أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى انهما قدرا ذلك بشهر فقالا ما دون الشهر قريب عاجل والشهر وما فوقه آجل كما بينا في الايمان فإذا شهدوا به بعد شهر لاتقبل ولكن هذا إذا لم يكن بينهم وبين القاضى مسيرة شهر فان كان ذلك وعلم أنه تأخر الاداء لبعدهم من مجلسه لا يكون ذلك فدحا في شهادتهم ولا يمتنع اقامة الحد به لحديث المغيرة رضي الله عنه فانه كان واليا بالبصرة حين جاء الشهود إلى المدينة فشهدوا عليه بالزنا فكتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن سلم عملك إلى أبى موسى والحق بى ثم لما حضر قبل الشهادة عليه حتى قال بعد شهادة الواحد أوه أودى ربع المغيرة فعرفنا ان التقادم إذا كان لعذر ظاهر لا يكون قدحا بالشهادة إذا عرفنا هذا قلنا في مسألة الكتاب وهو مااذا هرب فوجد بعد أيام في القياس انه لا يمتنع اقامة بقية الحد عليه لانه إنما تأخر لعذر وهو هربه فلا يكون ذلك قدحا في الشهادة ولكنه استحسن فقال العارض في هذه الحدود بعد الشهادة قبل الاتمام كالمقترن بالشهادة بدليل عمي الشهود وردتهم وهذا لان التفريط هنا كان من أعوان الامام حتى تمكن من الهرب منهم فالظاهر انهم مالوا إلى اكتساب سبب درء الحد عنه ثم حملتهم العداوة على الجد في طلبه فكان هذا والضغينة في الشهود سواء (قال) ولا تسقط شهادة القاذف ما لم يضرب تمام الحد إذا كان عدلا لان القذف خبر متردد بين الصدق والكذب فلا يكون مسقطا للشهادة وانما المسقط للشهادة اقامة الحد عليه لان الحكم بكذبه يتحقق والحد لا يتجزى فما دونه يكون تعزيرا لا حدا والتعزير غير مسقط للشهادة ففي هذه المسألة عن أبى حنيفة رحمه الله ثلاث روايات احديها مابينا وهو قولهما والثانية إذا أقيم عليه أكثر الحد سقطت شهادته اقامة للاكثر مقام الكل والثالثة إذا ضرب سوطا واحدا تسقط شهادته لان من ضرورة اقامة ذلك القدر من الحد الحكم بكذبه وكذلك هذه الروايات

[ 71 ] الثلاثة في النصراني إذا أقيم عليه بعض الحد ثم أسلم على ما ذكر في الجامع الصغير (قال) وإذا أقيم على القاذف تسعة وسبعون سوطا ثم قذف آخر لم يضرب الا ذلك السوط الواحد لان مبني الحدود على التداخل والمغلب عندنا في حد القذف حق الله تعالى ولهذا لو قذف جماعة لايقام عليه الا حد واحد عندنا على ما نبينه وقد اجتمع الحدان هنا لان كمال الحد الاول بالسوط الذي بقي فلهذا يدخل احدهما في الآخر ولا يقام الا ذلك السوط توضيحه ان المقصود اظهار كذبه ليندفع به العار عن المقذوف وذلك يحصل في حقهما باقامة السوط لانه ؟ يصير محكوما بكذبه وتسقط شهادته (قال) وضرب التعزير أشد من ضرب الزنا وضرب الزانى أشد من ضرب شارب الخمر وحد القذف أخف من جميع ذلك أما ضرب التعزير أشد لان المقصود به الزجر وقد دخله التخفيف من حيث نقصان العدد فلو قلنا بتخفيف الضرب أيضا فات ما هو المقصود لان الالم ما لم يخلص إليه لا ينزجر ولهذا قلنا يجرد في التعزير عن ثيابه ويعذر في ازار واحد واختلفوا في مقدار التعزير ففي ظاهر المذهب لا يبلغ التعزير أربعين سوطا وقد روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه يجوزأن يبلغ التعزير خمسة وسبعين سوطا وهو قول ابن أبى ليلي رحمه الله تعالى والاصل فيه قوله من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين قال أبو يوسف رحمه الله تعالى المراد الحد الكامل وهو حد الاحرار وأدناه ثمانون جلدة فينقص التعزير من ذلك خمسة أسواط وقيل كان ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى يضرب بالخمسين مرة واحدة فنقص ضربة واحدة في التعزير وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قال لا يزاد على تسعة وثلاثين سوطا لان الاربعين في حق العبد في القذف والشرب حد فنقص التعزير عنه بضربة واحدة وهذا بيان أقصى التعزيز فأما فيما دون ذلك الرأى إلى الامام يعزره بقدر ما يعلم أنه ينزجر به لان ذلك يختلف باختلاف أحوال الناس وباختلاف جرائمهم وروى بشر عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى قال أقرب كل شئ من بابه فالتعزير في اللمس والقبلة بشهوة أقربه من الزنا والتعزير في الشبهة بغير الزنا أقربه من الشبهة بالزنا فاعتبر كل فرع بأصله فيما أقيم من التعزير ثم الضرب في الزنا أشد من الضرب في الشرب لان حد الزنا يتلى في القرآن وقد سيماه ؟ ؟ الله تعالى عذابا بقوله تعالى وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين وقال تعالى لاتأخذكم بهما رأفة في دين الله وحد الشرب لايتلى في القرآن ولان المقصود هو الزجر ودعاء الطبع إلى الزنا عند

[ 72 ] غلبة الشبق أكثر منه إلى الشرب ثم حد الشرب أشد من حد القذف لان جريمة الشارب متيقن بها بخلاف جريمة القاذف فالقذف خبر متمثل بين الصدق والكذب وقد يعجز عن اقامة أربعة من الشهداء مع صدقه فلهذا كان حد القذف أخف من حد الشرب حتى يضرب حد القذف وعليه ثيابه الا أنه ينزع عنه الحشو والفر وليخلص الالم إلى بدنه وسائر الحدود تقام على الرجل في إزار الا أنه روى ابن رستم عن محمد رحمهما الله تعالى انه يقام عليه حد الشرب وعليه ثيابه أيضا لان حد الشرب حد القذف كما قال على رضى الله عنه إذا شرب هذي وإذا هذى افترى وحد المفترين في كتاب الله تعالى ثمانون جلدة ولان حد الشرب كان بالجريد والنعال في عهد رسول الله إلى أن انفقت الصحابة على الجلد في عهد عمر رضي الله عنه ولهذا قال على رضى الله عنه مامن أحد أقيم عليه حد فيموت فأحب أن أديه الا حد الشرب فانه بآرائنا ولضعفه قال لا يجرد عن ثيابه ولكن في ظاهر الرواية لتحقق جريمته يجرد كان في حد الزنا (قال) ولا يمد في شئ من الحدود والتعزير قيل مراده المد بين العقابين وقيل مراده أن الجلاد لا يفصل عضده عن ابطه ولا يمد يده فوق رأسه وقيل مراده أنه بعدما أوقع السوط على بدن المجلود لا يمده لانه زيادة مبالغة لم يستحق عليه ذلك لانه ربما يؤدى إلى التلف والتحرز عن ذلك واجب شرعا في موضع لا يستحق الاتلاف شرعا ألا ترى أن النبي أمر بحسم السارق بعد القطع للتحرز عن الاتلاف ويعطى كل عضو حظه من الضرب لانه قد نال اللذة في كل عضو ولان جميع الجلدات في عضو واحد ربما يؤدى إلى الاتلاف والاتلاف غير مستحق فيفرق على الاعضاء كيلا يؤدى إلى الاتلاف غير أنه لا يضرب الوجه والفرج أما الفرج فلا يحتمل الضرب والضرب على الفرج متلف وأما الوجه فلان النبي لما أمرهم برجم الغامدية أخذ حصاة كالحمصة ورماها بها ثم قال للناس ارموها واتقوا الوجه فلما منع من ضرب الوجه في موضع كل الاتلاف ؟ مستحقا ففي موضع لم يستحق الاتلاف أولى ولان الوجه موضع الحواس ففى الضرب عليه اذهاب بعض الحواس عنه وهو استهلاك حكما وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى لا يضرب الصدر والبطن أيضا لان الضرب عليهما متلف (قال) ولا يضرب الرأس في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وهو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الاول ثم رجع وقال يضرب الرأس أيضا ضربة واحدة وهو قول ابن أبى ليلى

[ 73 ] لحديث أبى بكر رضى الله عنه فانه قال اضربوا الرأس فان الشيطان في الرأس (وحجتنا) في ذلك حديث عمر رضي الله عنه فانه قال للجلاد اياك أن تضرب الرأس والفرج ولان الرأس موضع الحواس ففي الضرب عليه تفويت بعض الحواس (قال) ولاتجرد المرأة لاقامة الحد والتعزير عليها لانها عورة مستورة وكشف العورة حرام الا أنه ينزع عنها الحشو والفر وليخلص الالم إلى بدنها ولان ستر العورة يحصل بالملبوس عادة فلا حاجة إلى ابقاء الحشو الفرو عليها (قال) وتضرب وهي قاعدة كاستر ما يكون ويضرب الرجل قائما وكان ابن ابي ليلى رحمه الله يضرب المرأة الحدوهي قائمة كالرجل ولكنا نأخذ يقول عمر رضى الله عنه حيث قال يضرب الرجل قائما والمرأة قاعدة ولان مبنى حال الرجل على الانكشاف والظهور ومبنى حالهما ؟ على الستر (قال) فان كان حدها الرجم فان حفر لها فحسن وان ترك لم يضر وقد بيناه (قال) وان كانت حبلى حبست حتى تلد لحديث الغامدية فانها لها أقرت ان بها حبلا من الزنا قال رسول الله اذهبي حتى تضعى حملك ولحديث معاذ رضى الله عنه حين هم يرجم المغنية ان يكن لك عليها سبيل فلا لك على ما في بطنها وهو المعني لان مافى بطنها نفس محترمة فان المخلوق من ماء الزنا له من الحرمة والعهد ما لغيره ولم يوجد منه جناية ولو رجمت كان فيه اتلاف الولد ولو تركت هربت وليس للامام أن يضيع الحد بعد ما ثبت عنده ببينة فيحبسها حتى تلد ثم ان كان حدها الرجم رجمها لان اتلافها مستحق وانما تؤخر لحق الولد وقد انفصل الولد عنها وان كان حدها الجلد تؤخر إلى ان تتعافى من نفاسها لان النفساء في حكم المريضة والحدود فيما دون النفس لاتقام في حالة المرض ولانه إذا انضم ألم الجلد إلى ألم الولادة ربما يؤدى إلى الاتلاف وهو غير مستحق في هذه الحالة فتؤخرالى أن تتعافى من نفاسها (قال) وان شهدوا عليها بالزنا فادعت أنها حبلت فمجرد قولها لا يكون حجة فيما يؤخر الحد عنها كما لا يكون حجة في المسقط ولكن القاضى يريها النساء لان هذا شئ يطلع عليه النساء وما بشكل على القاضى فانما يرجع فيه إلى من له بصر في هذا الباب كما في قيم المتلفات والاصل فيه قوله تعالى فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون فان قلن هي حبلى حبسها إلى سنتين فان لم تلد رجمها للتيقن بكذبهن فان الولد لا يبقي أكثر من سنتين وان ادعت أنها عذر له أو رتقاء فنظر إليها النساء فقلن هي كذلك درئ الحد عنها

[ 74 ] لان شهادتهن حجة فيما لا يطلع عليه الرجال ولكن لايقام الحد على الشهود بقول النساء وكذلك المجبوب إذا علم أنه مجبوب درئ الحد ولم يحد الشهود لان المجبوب لا يزني ولا حد على قاذفه وهذا لان المقصود من اقامة الحد اظهار كذب القاذف ليندفع به العار عن المقذوف وكذبه ظاهر هنا وانما يلحق العار القاذف هنا دون عفة المقذوف وعند الشافعي رحمه الله تعالى قذف المجبوب كقذف غيره يوجب الجلد على القاذف بناء على أصله أن نفس القذف جريمة وفيما يرجع القاضى فيه إلى قول النساء يكتفي بقول امرأة واحدة والمثنى أحوط وقد بينا هذا في الطلاق (قال) وإذا قال المسلم الزانى أنا عبد فشهد نصرانيان أن مولاه أعتقه منذ سنة وهو نصراني عتق بشهادتهما ولكن يقام عليه حد العبيد لان شهادة النصراني لا تكون حجة على المسلم فيجعل فيما يقام عليه وجود هذه الشهادة كعدمها بخلاف ما إذا شهد على ذلك رجل وامرأتان فان هذه الشهادة حجة على المسلم فيكون معتبرافى اقامة الحد الكامل عليه وهذا الفرق الذى قررناه في مسألة الاحصان (قال) وان شهد أربعة نصارى على نصراني بالزنا فقضى عليه بالحد ثم أسلم قال أدرأ عنه الحد لان القاضى لا يتمكن من اقامة الحد الا بحجة وشهادة النصراني ليست بحجة على المسلم وقد بينا أن العارض من قبل اقامة الحد كالمقترن بالسبب وكذلك لو كان أقيم عليه بعضه وأسلم لايقام عليه ما بقى وكذلك الشهادة على السرقة والقطع والقتل وهذا استحسان في الحدود والقصاص وأما في القياس فقد تم القضاء بما هو حجة ولا تأثير للاسلام بعد ذلك في اسقاط ما لزمه من الحق عنه كالمال إذا قضى عليه بشهادة النصراني فأسلم يستوفى منه وفى الاستحسان قال العقوبات تندرئ بالشبهات فيجعل المعترض قبل الاستيفاء شبهة مانعة كالمقترن بأصل السبب بخلاف الاموال فانها تثبت بالشبهات ثم المقصود في العقوبات الاستيفاء ولهذا لو رجع الشهود قبل الاستيفاء امتنع الاستيفاء بخلاف المال وقد بينا أن في الحدود التى هي حق الله تعالى تمام القضاء بالاستيفاء فما يعترض قبل الاستيفاء من اسلام المقضى عليه يجعل كالموجود قبل القضاء ثم ذكر مسألة الشهادات أن شهادة الكفار بعضهم على بعض جائزة وان اختلفت مللهم الاعلى ابن أبى ليلى قال لا نجيز شهادة أهل ملة على أهل ملة أخرى (قال) ولا تجوز شهادة الكافر المحدود في القذف فان أسلم ثم شهد جازت شهادته لانه بالاسلام استفاد عدالة لم تكن موجودة قبل اقامة الحد وهذه العدالة لم

[ 75 ] تصر مجروحة بخلاف العبد يقام عليه حد القذف ثم يعتق لانه بالعتق لم يستفد عدالة لم تكن موجودة وقت اقامة الحد فان العبد عدل في دينه وتمام بيان هذه الفصول في الشهادات (قال) أربعة شهدوا على رجل بالزنا ثم أقروا عند القاضى أنهم شهدوا بالباطل فعليهم الحد لانهم اكذبوا أنفسهم بالرجوع عن الشهادة فان لم يحدهم القاضى حتى شهد أربعة أخر غيرهم على ذلك الرجل بالزنا جازت شهادتهم لظهور عدالتهم وأقيم الحد على المشهود عليه بشهادتهم لان شهادة الفريق الاول ورجوعهم في حق الفريق الثاني كالمعدوم ويدرأ عن الفريق الاول حد القذف لانه تبين بشهادة الفريق الثاني ان المشهود عليه زان وانهم صادقون في قذفه بالزنا ولانه تبين انه غير محصن وقذف غير المحصن لا يوجب الحدو أكثر ما في الباب ان الفريق الاول لم يعاينوا الزنا منه فحالهم كحال سائر الاجانب في قذفه والقاذف انما يستوجب الحد إذا لم يكن هناك أربعة يشهدون على المقذوف بالزنا (قال) وإذا ثبت الزنا والسرقة على الكافر بشهادة المسلمين ثم أسلم أقيم عليه الحد لانه لو كان مسلما عند أداء الشهادة كانت هذه الشهادة حجة عليه فكذلك إذا اعترض اسلامه الا ان يكون العهد قد تقادم فحينئذ يدرأ عند للشبهة كما لو كان مسلما حين شهدوا عليه (قال) رجل زني بامرأة مستكرهة فأفضاها فعليه الحد للزنا فان كانت تستمسك البول فعليه ثلث الدية وان كانت لا تستمسك البول فعليه كمال الدية لانه أفسد عليها عضوا لا ثاني له في البدن وهو ما يستمسك به البول وفى ذلك كمال الدية وما يجب بالجناية ليس بدل المستوفى بالوطئ حتى يقال لا يجمع بينه وبين الحد بل هو بدل المتلف بالجناية وذلك غير المستوفى بالوطئ فالمستوفى بالوطئ ما يملك بالنكاح والافضاء لا يكون مستحقا بالنكاح وان طاوعته فعليها الحد وليس عليه ضمان الجناية لوجود الرضي منها فان اذنها ؟ فيما دون النفس معتبر في اسقاط الارش وكذلك ان كانت صبية يجامع مثلها الا أن رضاها هناك لا يعتبر في اسقاط الارش لانها ليست من أهل اسقاط حقها (قال) وان زنى بصبية لا يجامع مثلها فأفضاها فلا حد عليه لان وجوب حد الزنا يعتمد كمال الفعل وكمال الفعل لا يتحقق بدون كمال المحل فقد تبين ان المحل لم يكن محلا لهذا الفعل حين أفضاها بخلاف ما إذا زنى بها ولم يفضها لانه تبين انها كانت محلا لذلك الفعل حين احتملت الجماع ولان الحد مشروع للزجر وانما يشرع الزجر فيما يميل الطبع إليه وطبع العقلاء لا يميل إلى وطئ الصغيرة التى لا تشتهي ولا تحتمل الجماع فلهذا لاحد عليه ولكنه يعزر لارتكابه مالا يحل

[ 76 ] له شرعا ثم ان كانت تستمسك البول فعليه ثلث الدية والمهر اما ثلث الدية لجرح الجائفة والمهر للوطئ فان الوطئ في ملك الغير لا ينفك عن عقوبة أو غرامة وقد سقطت العقوبة لشبهة النقصان في الفعل فيجب المهر لانه يثبت مع الشبهة والوطئ ليس الا ايلاج الفرج في الفرج وقد وجد ذلك منه ألا ترى أنه يجب المهر تارة بالعقد وتارة بالوطئ ثم العقد على الصغيرة يوجب المهر فكذلك وطئها ان كانت لا تستمسك البول فعليه كمال الدية لافساد العضو الذى كان استمساك البول به فانه لا ثاني له في البدن ولامهر عليه في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وفى قول محمد رحمه الله تعالى عليه مهر لوجود حقيقة الوطئ منه فكما لايدخل المهر في بعض الدية فكذا لايدخل في جميع الدية لان وجوب الدية بالجناية على العاقلة مؤجلا والمهر في مال الجاني حالا فكيف يدخل احدهما في الآخر وهما يقولان الفعل واحد فإذا وجب به كمال بدل النفس يدخل فيه ما دونه كما لوشج رجلا فذهب عقله أو سقط جميع شعره حتى وجب عليه كمال الدية دخل فيه ارش الموضحة وهذا لان المستوفى بالوطئ في حكم العتق وكذلك المتلف بالجناية وعند اتحاد المستوفى لا يجب أكثر من بدل النفس بخلاف ما إذا كان البول يستمسك فان الواجب هناك بعض بدل النفس فيجوز ان يجب المهر معه وهو نظير مالو فقأ احدى عينى أمة انسان يضمن نصف قيمتها ولا يملك شيئا من الجثة بخلاف ما إذا فقأ العينين وضمن كمال الدية فانه يملك الجثة (قال) وإذا جامع صبية فافضاها ومثلها لا يجامع لم تحرم عليه أمها وابنتها في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى يحرم استحسانا لوجود حقيقة الوطئ بوجود إيلاج الفرج في الفرج والوطئ علة لايجاب حرمة المصاهرة والدليل على ان الوطئ جعل حكما أنه يتعلق به الاغتسال بنفس الايلاج من غير انزال ويجب به المهر وباب الحل والحرمة مبنى على الاحتياط فللاحتياط استحسن أبو يوسف رحمه الله تعالى وجه قولهما أن ثبوت حرمة المصاهرة بالوطئ ليس لعينه بل لانه حرث للولد ولهذا لا يثبت بوطئ الميتة وبالوطئ في الدبر وهذا الفعل ليس بحرث للولد لان الحرث لا يتحقق الا بمحل منبت بخلاف الاغتسال فان وجوبه باستطلاق وكاء المنى وذلك يتم بمعنى الحرارة واللين في المحل وبخلاف ما إذا كانت صغيرة يشتهى مثلها لان كون المحل منبتا حقيقة لا يمكن الوقوف عليه فيقام السبب الظاهر وهو كونها مشتهاة مقامه ألا ترى أن هذا الفعل حلال شرعا لمعنى الحرث

[ 77 ] ثم يحل وطئ الصغيرة التى تشتهى بالنكاح ولا يحل وطئ الصغيرة التي لا تشتهي ومن قذف هذا الذى جامع هذه الصبية لاحد عليه لارتكابه وطئا حراما فان الوطئ الحرام في غير الملك مسقط للاحصان والصورة في ايراث الشبهة بمنزلة الحقيقة في درء مايندرئ بالشبهات (قال) رجل زنى بامرأة فكسر فخذها فعليه الحد والارش في ماله لانه بمنزلة العمد ولا تعقل العاقلة العمد وهو الجواب عن قول محمد رحمه الله في مسألة الافضاء بأن الواجب من الدية في ماله هنا لان الفعل عمد فيستقيم ادخال المهر فيه (قال) وإذا قال الشهود تعمدنا النظر إلى الزانيين لم تبطل شهادتهم به لانهم قصدوا بهذا النظر صحة تحمل الشهادة لاقضاء الشهوة فانه لا يحل لهم أداء الشهادة ما لم يروا كالمرود في المكحلة والنظر إلى العورة عند الحاجة لا يوجب الفسق وان تعمد ذلك ألا ترى ان القابلة تنظرو الختان والحافظة كذلك وكذلك لو قالوا رأينا ذلك ولم نتعمد النظر (قال) وإذا ادعت المزني بها انها صارت مفضاة لم يقبل قولها في ذلك ما لم يشهد الشهود على الافضاء وما لم يفسروا انهم ؟ رأوا ذلك لانها تدعى الجناية الموجبة للارش وذلك لا يثبت الا بشهادة الشهود (قال) ومن أتى امرأة أجنبية في دبرها فعليه الحد في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى والتعزير في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وكذلك اللواط عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يوجب التعزير عليهما وعندهما يحدان حد الزنا يرجمان ان كانا محصنين ويجلدان ان كانا غير محصنين وهو أحد قولى الشافعي رحمه الله وفى قول آخر قال يقتلان على كل حال لما روي عن رسول الله أنه قال اقتلوا الفاعل والمفعول به وفى رواية ارجموا الاعلى والاسفل وتأويل ذلك عندنا في حق من استحل ذلك الفعل فانه يصير مرتدا فيقتل لذلك وهو تأويل الحديث الذى روى من أتى امرأته الحائض أو أتى امرأته في غير مأتاها فقد كفر بما أنزل على محمد يعنى إذا استحل ذلك (وحجتهما) ان هذا الفعل زنا فيتعلق به حد الزنا بالنص فأما من حيث الاسم فلان الزنا فاحشة وهذا الفعل فاحشة بالنص قال الله تعالى أتأتون الفاحشة ومن حيث المعني ان الزنا فعل معنوي له غرض وهو ايلاج الفرج في الفرج على وجه محظور لاشبهة فيه لقصد سفح الماء وقد وجد ذلك كله فان القبل والدبر كل واحد منهما فرج يجب ستره شرعا وكل واحد منهما مشتهى طبعا حتى ان من لايعرف الشرع لا يفصل بينهما والمحل انما يصير مشتهي طبعا لمعنى الحرارة واللين وذلك لا يختلف بالقبل والدبر ولهذا وجب

[ 78 ] الاغتسال بنفس الايلاج في الموضعين ولا شبهة في تمحض الحرمة هنا لان المحل باعتبار الملك ويتصور هذا الفعل مملوكا في القبل ولا يتصور في الدبر فكان تمحض الحرمة هنا أبين ومعنى سفح الماء هنا أبلغ منه في القبل لان هناك المحل منبت فيتوهم ان يكون الفعل حرثا وان لم يقصد الزانى ذلك ولا توهم هنا فكان تضييع الماء هنا أبين وليس هذا الكلام على سبيل القياس فالحد بالقياس لا يثبت ولكن هذا ايجاب الحد بالنص وما كان اختلاف اسم المحل الا كاختلاف اسم الفاعل فان النص ورد بالحد في حق ماعز رضي الله عنه فايجاب الحد على الغير بذلك الفعل لا يكون قياسا فكذلك هنا ورد النص بايجاب الحد على من باشر هذا الفعل في محل هو قبل فايجابه على المباشر في محل هو دبر بعد ثبوت المساواة في جميع المعاني لا يكون قياسا وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول هذا الفعل ليس بزنا لغة ألا ترى أنه ينفي عنه هذا الاسم باثبات غيره فيقال لاط وما زني وكذلك أهل اللغة فصلوا بينهما قال القائل من كف ذات حرفي زي ذى ذكر * لها محبان لوطى وزناء فقد غاير بينهما في الاسم ولابد من اعتبار اسم الفعل الموجب للحد ولهذا لا يجب القطع على المختلس والمنتهب والذى ورد في الحديث إذا أتى الرجل الرجل فهمان زانيان مجاز لا تثبت حقيقة اللغة به والمراد في حق الاثم ألا ترى أنه قال وإذا أتت المرأة المرأة فهمان زانيتان والمراد في حق الاثم دون الحد كما ان الله تعالى سمى هذا الفعل فاحشة فقد سمى كل كبيرة فاحشة فقال ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ثم هذا الفعل دون الفعل في القبل في المعني الذى لاجله وجب حد الزنا من وجهين احدهما أن الحد مشروع زجرا وطبع كل واحد من الفاعلين يدعو إلى الفعل في القبل وإذا آل الامر إلى الدبر كان المفعول به ممتنعا من ذلك بطبعه فيتمكن النقصان في دعاء الطبع إليه والثانى أن حد الزنا مشروع صيانة للفراش فان الفعل في القبل مفسد للفراش ويتخلق الولد من ذلك الماء لا والد له ليؤدبه فيصير ذلك جرما يفسد بسببه عالم واليه أشار في قوله وولد الزنا شر الثلاثة وإذا آل الامر إلى الدبر ينعدم معني فساد الفراش ولايجوز أن يجبر هذا النقصان بزيادة الحرمة من الوجه الذى قالا لان ذلك يكون مقايسة ولا مدخل لها في الحدود ثم اختلف الصحابة رضى الله عنهم في هذه المسألة فالمروى عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه انهما يحرقان بالنار وبه

[ 79 ] أمر في السبعة الذين وجدوا على اللواطة وكان على رضى الله عنه يقول يجلدان ان كانا غير محصنين ويرجمان ان كانا محصنين وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول يعلى أعلى الاماكن من القرية ثم يلقى منكوسا فيتبع بالحجارة وهو قوله تعالى فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة الآية وكان ابن الزبير رضى الله عنه يقول يحبسان في أنتن المواضع حتى يموتا نتنا وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى اتفقت الصحابة رضي الله عنهم أنه لا يسلم لهما أنفسهما وانما اختلفوا في كيفية تغليظ عقوبتهما فأخذنا بقولهم فيما اتفقوا عليه ورجحنا قول على رضي الله عنه بما يوجب عليهما من الحد وأبو حنيفة رحمه الله يقول الصحابة اتفقوا على أن هذا الفعل ليس بزنا لانهم عرفوا نص الزنا ومع هذا اختلفوا في موجب هذا الفعل ولا يظن بهم الاجتهاد في موضع النص فكان هذا اتفاقا منهم أن هذا الفعل غير الزنا ولا يمكن ايجاب حد الزنا بغير الزنا بقيت هذه جريمة لا عقوبة لها في الشرع مقدرة فيجب التعزير فيه يقينا وما وراء ذلك من السياسة موكول إلى رأى الامام ان رأى شيئا من ذلك في حق فله أن يفعله شرعا (قال) والناس أحرار في كل شئ الا في أربعة في الشهادة والعقل والحدود والقصاص يعني بالشهادة أن المشهود عليه إذا طعن في الشاهد أنه عبد فما لم يقم البينة على حريته لا يقضى بشهادته وبالعقل ان عاقلة القاتل خطأ إذا زعموا أنه عبد فما لم تقم البينة على حريته لا يعقلون جنايته وبالحدود إذا ادعى الزانى أنه عبد فما لم تقم البينة على حريته لا يقيم عليه حد الاحرار وبالقصاص إذا قطع يد حر أو عبد وزعم أنه عبد لاقصاص عليه فما لم تقم البينة علي حريته لا يقتضي عليه بالقصاص وهذا لان ثبوت الحرية لمجهول الحال باعتبار الظاهر وهو أن الدار دار الاسلام فالظاهر من حال كل من هو فيه الحرية أو باعتبار استصحاب الحال من حيث أن الناس أولاد آدم وحواء عليهما السلام وهما كانا حرين وهذا يصلح حجة لدفع الاستحقاق لا لاثبات الاستحقاق وشهادة الشاهد تثبت الاستحقاق وكذلك العاقلة تثبت استحقاق الدية عليهم وكذلك الحد والقصاص فالظاهر لهذا لا يكون حجة حتي تقوم البينة عليه وهو نظير اليد فانها حجة لدفع الاستحقاق لا لاثباته حتى انه باعتبار اليد في الجارية لا يستحق أولادها على الغير بخلاف ما إذا ثبت الملك فيها بالبينة فان قامت البينة في هذه الفصول على انه كان ملكا لفلان أعتقه وقضى القاضى بذلك ثم حضر المولى الغائب فأنكر ذلك فلا حاجة إلى اعادة البينة عليه لان هذه بينة قامت على خصم وهو المنكر

[ 80 ] لحريته فانه خصم عن الغائب لاتصال حقه بحق الغائب فالقضاء به عليه يكون قضاء على الغائب (قال) وإذا قضى القاضى بحد أو قصاص أو مال وأمضاه ثم قال قضيت بالجور وانا أعلم ذلك ضمنه في ماله وعزر وعزل عن القضاء لانه فيما جار فيه ليس بقضاء بل هو اتلاف بغير حق انما قضاؤه على موافقة أمر الشرع والشرع لا يأمر بالجور وهو فيما يتلف بغير حق كغيره في ايجاب الضمان عليه في ماله ويعزر لارتكابه مالا يحل له قصدا ويعزل عن القضاء لظهور خيانته فيما جعل أمينا فيه وفى هذا اللفظ دليل أن الصحيح من مذهب علمائنا أن القاضي لا ينعزل بالجور ولكن يستحق عزله لان الفسق عندنا لايمنع صحة تقليده ابتداء فلا يمنع البقاء بطريق الاولى بخلاف ما تقوله المعتزلة انه ينعزل بالجور وان تقليد الفاسق ابتداء لا يصح بناء على أصلهم ان بالفسق يخرج من الايمان لان اسم الفسق اسم ذم واسم الايمان اسم مدح فلا يجتمعان وهى معروفة من مذهبهم في القول بالمنزلة بين المنزلتين والشافعي رحمه الله يوافقهم في انه ينعزل بناء على أصله ان بالفسق ينتقص ايمانه وان التقليد ممن قلده كان على ظن أداء الامانة الامانة فلا يبقى حكمه بعد الخيانة كما في الوديعة يقول بالخلاف من طريق الفعل يبطل العقد وهذا كله عندنا باطل فان الولاة من الخلفاء والسلاطين والقضاء بعد الخلفاء الراشدين قل ما يخلو واحد منهم عن فسق وجور ففي القول بما قالوا يؤدي إلى أن يكون الناس سدى لا والى لهم وأى قول أفحش من هذا وان ظهر أنه قضى بالجور وقد فعله خطأ لم يكن عليه غرمه لانه غير معصوم عن الخطأ والخطأ موضوع شرعا قال الله تعالى وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به فكان هو قاضيا على موافقة أمر الشرع ظاهرا غير جان فيما فعل ولكن إذا تبين الخطأ أخذ المقضي له بغرم ذلك ان كان قضاؤه بحق العباد وان كان بحق الله تعالى فضمانه في بيت المال وعلى هذا قال علماؤنا رحمهم الله تعالى القاضى إذا أخبر عن قضائه بشئ وأمر الناس برجم أو قتل بناء على قضائه فان كان عالما ورعا وسعهم أن يأخذوا بقوله من غير أن يستفسروه وان كان عالما غير ورع لم يسعهم ذلك ما لم يستفسروا وكذلك لو كان ورعا غير عالم لان الورع الذى هو غير عالم يد يخطئ لجهله والعالم الذى ليس بورع قد يتعمد الجور ويميل إلى الرشوة وأما إذا كان عالما ورعا فانهم يأمنون الخطأ لعلمه والجور لورعه فيسعهم الاخذ بقوله (قال) وليس للمولى أن يقيم الحد على مملوكه ومملوكته عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى له ذلك في الحدود التى هي محض حق الله

[ 81 ] تعالى إذا عاين سببه من العبد أو أقر به بين يديه وإذا ثبت بحجة البينة فله فيه قولان وفى حد القذف والقصاص له فيه وجهان وهذا إذا كان المولى ممن يملك اقامة الحد بولاية الامامة ان كان اماما وان كان مكاتبا أو ذميا أو امرأة فليس له ولاية اقامة الحد كما لا يثبت له ولاية اقامة الحد بتقليد القضاء والامامة واحتج بحديث علي رضى الله عنه أن النبي قال أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم وحديث ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي قال إذا زنت أمة أحدكم فليجدها إلى أن قال بعد الثالثة فليبعها ولو بظفير والجلد متى ذكر عند حكم الزنا يراد به الحد دون التعزير وقد ذكر في بعض الروايات فليجلدها الحد والمعنى فيه أن هذه عقوبة مشروعة للزجر والتطهير فيملك المولى اقامته بولاية الملك كالتعزير وتأثيره أنه اصلاح للملك لان ملكه يتعيب بارتكاب هذه الفواحش فما شرع للزجر عنها يكون اصلاحا لملكه بمنزلة التزويج وفى التطهير اصلاح ملكه أيضا ألاتري أن ماكان مشروعا للتطهير كالختان وصدقه الفطر يملكه المولى بولاية الملك وهذا لانه من مملوكه ينزل منزلة السلطان من رعيته أو هو أقوى حتى تنفذ فيه تصرفاته ولو حلف لا يضربه فأمر غيره حتى ضربه حنث كالسلطان في حق الرعية ولهذا قلنا إذا كان مكاتبا أو ذميا أو امرأة لا يقيم الحد لانه بولاية السلطنة لا يقيم فكذلك بولاية الملك كما في حق نفسه لما كان لا يقيم الحد على نفسه بولايته السلطنة لا يقيم بملكه نفسه ولان في القول بأنه يقيم التعزير عليه دون الحد جمعا بين التعزير والحد بسبب فعل واحد لانه إذا علم بزناه عزره ثم رفعه إلى الامام فيقيم عليه الحد ولايجمع بينهما بسبب فعل واحد (وحجتنا) فيه قوله فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب واستيفاء ما على المحصنات للامام خاصة فكذلك ما على الاماء من نصف ما على المحصنات وعن ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير رضى الله عنهم موقوفا عنهم موقوفا ومرفوعا ضمن الامام أربعة وفي رواية أربعة إلى الولاة الحدود والصدقات والجمعات والفئ والمعنى فيه وهو أن هذا حق الله تعالى يستوفيه الامام بولاية شرعية فلا يشاركه غيره في استيفائه كالخراج والجزية والصدقات وتأثيره ان بسبب الملك يثبت للمولى الولاية في ما هو من حقوق ملكه فأما حقوق الله تعالى استيفاؤها وبطريق النيابة ألا ترى أن حق العبد لا يستوفيه الاهو أو نائبه والامام متعين للنيابة عن الشرع فأما المولى بولاية الملك لا يصير نائبا عن الشرع وهو كأجنبي آخر في استيفائه بخلاف التعزير

[ 82 ] فانه من حقوق الملك والمقصود به التأديب ألا ترى أنه قد يعزر من لا يخاطب بحقوق الله كالصبيان وهو نظير التأديب في الدواب فانه من حقوق الملك وكذلك الختان فانه بمنزلة الخصى في الدواب لاصلاح الملك وكذلك صدقة الفطر فانها بمنزلة المؤن والنفقات فلما كان معنى حق الملك مرجحا في هذه الاشياء ملك المولى اقامته ألا ترى أنه لو كان مكاتبا أو ذميا أو امرأة كان له اقامة التعزير دون الحد يوضحه أن فيما يثبت للمولى الولاية بسبب الملك هو مقدم على السلطان كالتزويج وبالاتفاق للامام ولاية اقامة هذا الحد شاء المولى أو أبى عرفنا أنه لا يثبت ولاية اقامته بسبب الملك ووجه آخر أن وجوب هذه الحدود باعتبار معني النفسية دون المالية إذ الحد لا يجب على المال بحال والعبد في معنى النفسية مبقى على أصل الحرية ولهذا يصح اقراره على نفسه بهذه الاسباب ولا يصح اقرار المولى عليه بشئ من هذه الاشياء وولاية المولى عليه فيما يتصل بالمالية فأما فيما يتصل بالبدن كأجنبي آخر ألاتري أن في طلاق زوجته جعل المولى كأجنبي آخر بخلاف التعزير فذلك قد يستحق باعتبار المالية على مابينا أنه نظير الضرب في الدواب والدليل عليه أنه لا يملك سماع البينة عليه ولو نزل منزلة السلطان لملك ذلك وانما يحنث في اليمين بالضرب لاعتبار العرف وقوله أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم خطاب للائمة كقوله فاقطعوا خطاب للائمة وفائدة تخصيص المماليك أن لاتحملهم الشفقة على ملكهم على الامتناع عن اقامة الحد عليهم أو المراد السبب والمرافعة إلى الامام وقد يضاف الشئ إلى المباشر تارة والى المسبب أخرى وهذا تأويل الحديث الآخر ان المراد به التعزير لان الجلد وان ذكر عند الزنا وانما أضيف إلى من لم يتعين نائبا في استيفاء حقوق الله تعالى فكان المراد التعزير ولا يبعد الجمع بين الحد والتعزير بسبب فعل واحد كالزاني في نهار رمضان يعزر لتعمد الافطار ويحد للزنا وكما لو كان المولى مكاتبا يعزر مملوكه على الزنا ثم يرفعه إلى الامام ليقيم عليه الحد (قال) وإذا ادعى المشهود عليه بالزنا ان هذا الشاهد محدود في قذف وان عنده بينة بذلك أمهلته ما بينه وبين أن يقوم القاضى من مجلسه من غير أن يخلى عنه لانه أخبر بخبر متمثل فيتأنى في ذلك ولكن على وجه لا يكون فيه تضييع الحد الذى ظهر سببه عنده فانه منهى عن ذلك شرعا مأمور بالاقامة والاحتيال للدرء فلهذا لا يخلى عنه ولكن يمهله إلى آخر المجلس لانه يتمكن من احضار شهود بيانه في هذا المقدار فان جاء بالبينة والا أقام عليه الحد فان اقران

[ 83 ] شهوده ليس بحضور في المصر وسأله أن يؤجله أياما لم يؤجله لان الظاهر أنه كاذب فيما يقول ولو كان صادقا فليس على كل غائب يؤب والتأخير في المعنى كالتضييع فكما ليس له أن يضيع الحد فكذلك لا يؤخر اقامته بعدما ظهر سببه من غير حجة بخلاف الاول فليس هناك تأخير الحد لان المجلس الامام كحالة واحدة ولو لم يدع ذلك المشهود عليه كان للامام أن يؤخر الحد إلى آخر المجلس لانه يجلس في المسجد وهو ممنوع من اقامة الحد فيها لحديث ابن عباس رضى الله عنهما ان النبي قال لاتقام الحدود في المساجد ولحديث حكيم بن حزام رضى الله عنه في حديث فيه طول فلا يقام فيها حدو لان تلويث المسجد حرام واليه أشار في قوله جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم واقامة الحد في المسجد ربما يؤدي إلى التلويث فان أراد الامام ان يقام بين يديه فلابد من أن يؤخره إلى ان يقوم من مجلسه ويخرج من المسجد ليقام بين يديه فلهذا جوزنا له ذلك القدر من التأخير وان لم يدع المشهود عليه شيئا ولكن ان أقام رجل البينة على بعض الشهود أنه قذفه فانه يحبسه ويسأل عن شهود القذف فإذا زكوا وزكى شهود الزنا بدئ بحد القذف ودرئ عنه حد الزنا لانه اجتمع عليه حدان وفى البداية باحدهما اسقاط الآخر فيبدأ بذلك احتيالا للدرء وبيانه أنه إذا بدأ بحد القذف صار شاهد الزنا محدودا في القذف والمعترض في الشهود قبل اقامة الحد كالمقترن بالسبب وفيه درء حد الزنا من هذا الوجه وكذلك لو قذف رجل من شهود الزنا رجلا من المسلمين بين يدى القاضى فان حضر المقذوف وطالب بحده أقيم عليه حد القذف وسقط عنه حد الزنا فان لم يأت المقذوف ليطالب بحده يقام حد الزنا لان مجرد القذف عندنا لا يقدح في شهادته لانه خبر متمثل بين الصدق والكذب ألا ترى أنه يتمكن من اثباته بالبينة وانما الذى يبطل شهادته اقامة الحد عليه ولا يكون الا بطلب المقذوف فإذا أقيم حد الزنا ثم جاء المقذوف وطلب حده يحد له أيضا لانه لم يوجد منه ما يسقط حقه فان تأخير الخصومة لا يسقط حد القذف وكذلك لو كان مكان الزاني سارق أو كانت الشهادة بشئ آخر من حقوق العباد وهذا القذف من الشاهد قبل قضاء القاضي بشهادته وما تقدم سواء يبدأ باقامة حد القذف فان أقاموا بطلت شهاته فلا يقضى بها فلو بدأ بقطع السارق أو بالقضاء بشهادته ثم أقام عليه حد القذف وسعه وذلك أيضا لانه اعتمد في قضائه الحجة (قال) وإذا ادعى الشهود عليه ان الشاهد آكل

[ 84 ] ربا أو شارب خمر أو انه استؤجر على هذه الشهادة وجاء على ذلك ببينة لم تقبل بينته الاعلى قول ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى فانه يقول هذا جرح في الشاهد فيمكن اثباته بالبينة كما لو ادعي أنه عبد أو محدود في قذف والدليل عليه ان المشهود له لو أقر بهذا أو الشاهد أقربه امتنع القضاء بشهادته فكذلك إذا أثبته الخصم بالبينة لان الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم ولكنا نقول المشهود عليه بهذه البينة ليس يثبت شيئا انما ينفي شهادته والشهادة علي النفي لاتقبل كما لو قامت البينة على رجل بالغصب أو بالقتل في مكان في يوم فأقام البينة على انه لم يحضر ذلك المكان في ذلك اليوم لم تقبل هذه البينة وفي الكتاب أشار إلى التهاتر فقال لو قبلت هذا لم تجز شهادة أحد فان المشهود عليه بذلك يأتي بالبينة على الذين شهدوا عليه انهم كذلك فهذا لا ينقطع بخلاف مالو أقام البينة على انه عبد أو محدود في قذف فان ذلك اثبات وصف لازم فيه لان كونه محدودا لازم مبطل لشهادته على التأبيد وقبول تلك البينة لا يؤدي إلى التهاتر لان القاضى يسألهم من حده وما لم يثبتوا أن قاضى بلدة كذا حده لم تقبل شهادتهم ومثل هذا لا يجده كل خصم وهذا مما يمكن أثباته بالبينة أيضا أن تكون الشهادة في مال فيجئ بالبينة أن الشاهد شريك فيه قد ادعى شركته أو يقول أخذ مني كذا من المال رشوة لكيلا يشهد على الباطل فانه تقبل بينته على ذلك لانه يدعى استرداد ذلك المال فتقبل بينته لذلك ثم يظهر به فسق الشاهد (قال) فان أقام البينة أن الشاهد محدود في قذف حده فلان قاضى بلد كذا وقال المشهود عليه أنا آتيك بالبينة على اقرار ذلك القاضى أنه لم يحدني أو على موته قبل ذلك الوقت الذي شهد هؤلاء انه حدنى فيه لا يقبل ذلك منه لانه لا يثبت بهذا شيئا انما ينفي شهادة الذين شهدوا عليه وكذلك ان قال أنا آتى بالبينة أنى كنت غائبا ذلك اليوم في أرض كذا لم يقبل ذلك منه الا أن يجئ من ذلك بأمر مشهور فيقبل ذلك في الحدود والقصاص والاموال وغير ذلك لان الشهرة في النفى حجة كما في الاثبات وإذا كان ذلك أمرا مشهورا فالقاضي عالم بكذب الشهود وإذا لم يجز له القضاء بشهادتهم عند تمكن تهمة الكذب فعند العلم بكذبهم أولى (قال) أربعة شهدوا على رجل بالزنا فأراد الامام أن يحده فافترى رجل من الشهود على بعضهم فخاف المقذوف ان طلب بحقه في القذف أن تبطل شهادتهم فلم يطالب قال تجوز شهادتهم على الزنا ويحد المشهود عليه وليست هذه شبهة لان القذف خبر فنفسه لا يكون جريمة وربما يكون حسنة إذا علم اصراره وله أربعة من الشهود

[ 85 ] وانما الجريمة في هتك ستر العفة واشاعة الفاحشة من غير فائدة فلا يظهر ذلك الا بعجزه عن اقامة أربعة من الشهداء وانما يتم ذلك باقامة الحد عليه فلهذا لا يكون مجرد القذف عندنا شبهة مانعة من القضاء بشهادته (قال) وإذا حكم الحاكم بالرجم عليه ثم عزل قبل أن يرجمه وولى آخر لم يحكم عليه بذلك لان الاستيفاء في الحدود من تتمة القضاء فهو كنفس القضاء في سائر الحقوق وإذا عزل القاضى بعد سماع البينة قبل القضاء في سائر الحقوق فليس الذى ولى بعده أن يفضى بتلك البينة قال وانما هذا مثل قاض قضى على رجل بالرجم ثم انه أتى به قاض آخر فقامت عليه البينة عند ذلك القاضى أن فلانا قضى عليه بالرجم فان القاضى لا ينفذ ذلك وكذلك كتاب القاضى إلى القاضى في الحدود لا يكون حجة للعمل به فكذلك هنا (قال) وان شهد الشهود على رجل فقالوا نشهد أنه وطئ هذه المرأة ولم يقولوا زني بها فشهادتهم باطلة لان سبب الحد الزنا ولا يثبت بهذا اللفظ فالوطئ قد يكون حراما وقد يكون حلالا بشبهة وغير شبهة والزنا نوع مخصوص من الوطئ وباللفظ العام لا يثبت ما هو خاص وكذلك لو شهدوا أنه جامعها أو باضعها ولاحد على الشهود لتكامل عددهم ولانهم ما صرحوا بنسبته إلى الزنا (قال) وإذا زني الذمي فقال عندي هذا حلال لم يدرأ عنه الحد لانا علمنا بكذبه فالزنا حرام في الاديان كلها ولانا ما أعطيناه الذمة على استحلال الزنا بخلاف شرب الخمر فذلك معروف من أصل اعتقادهم فأما استحلال الزنا فسق منهم فيما يعتقدون كاستحلال الربا وقد بينا أنهم يمنعون من الربا ولا يعتبر استحلالهم لذلك فكذلك الزنا (قال) وإذا شهد أربعة من أهل الذمه على ذمى أنه زنى بهذه المسلمة فشادتهم باطلة لانه لا شهادة للذمي على المسلمة فكانوا قاذفين لها فيحدون حدالقذف وتبطل شهادتهم على الرجل إما لاقامة حد القذف عليهم أو لان الزنا لا يتصور بدون المحل ولم يثبت بشهادتهم كون المسلمة محلا لذلك (قال) رجل تزوج امرأة ممن لا يحل له نكاحها فدخل بها لاحد عليه سواء كان عالما بذلك أوغير عالم في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولكنه يوجع عقوبة إذا كان عالما بذلك وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إذا كان عالما بذلك فعليه الحد في ذوات المحارم وكل امرأة إذا كانت ذات زوج أو محرمة عليه على التأبيد (وحجتهما) في ذلك أن فعله هذا زنا قال الله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم وكما في قوله تعالى انه كان فاحشة والفاحشة اسم الزنا وفي حديث البراء بن عازب مربى خالي أبو بردة بن نيار ومعه

[ 86 ] لواء فقال بعثنى رسول الله إلى رجل نكح منكوحة أبيه وامرني أن أقتله والدليل عليه أن العقد لا يتصور انعقاده بدون المحل ومحل النكاح هو الحل لانه مشروع لملك الحل فالمحرمية على التأبيد لا تكون محلا للحل وإذا لم ينعقد العقد لا تحل له لانه لم يصادف محله فكان لغوا كما يلغوا إضافة النكاح إلى الذكور والبيع إلى الميتة والدم والدليل عليه أن العقد المنعقد لو ارتفع بالطلاق قبل الدخول لم يبق شبهة مسقطة للحد فالذي لم ينعقد أصلا أولى وجه قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى قوله ايما امرأة نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل فان دخل بها فلما المهر بما استحل من فرجها فمع الحكم ببطلان النكاح أسقط الحد به فهو دليل على أن صورة العقد مسقطة للحد وان كان باطلا شرعا واختلف عمر وعلى رضى الله عنهما في المعتدة إذا تزوجت بزوج آخر ودخل بها الزوج فقال على رضى الله عنه المهر لها وقال عمر رضى الله عنه بيت المال وهذا اتفاق منهما على سقوط الحد ولان هذا الفعل ليس بزنا لغة لما بينا ان أهل اللغة لا يفصلون بين الزنا وغيره الا بالعقد وهم لا يعرفون الحل والحرمة شرعا فعرفنا ان الوطئ المترتب على عقد لا يكون زنا لغة فكذلك شرعا لان هذا الفعل كان حلالا في شريعة من قبلنا والزنا ما كان حلالا قط وكذلك أهل الذمة يقرون على هذا ولا يقرون علي الزنا بل يحدون عليه وكذلك لا ينسب أولادهم إلى أولاد الزنا فعرفنا ان هذا الفعل ليس بزنا وحد الزنا لا يجب بغير الزنا لانه لو وجب انما يجب بالقياس ولا مدخل للقياس في الحد ثم هذا العقد مضاف إلى محله في الجملة لان المرأة بصفة الانوثة محل للنكاح ولكن امتنع ثبوت حكمه في حقه لما بين الحل والحرمة من المنافاة فيصير ذلك شبهة في اسقاط الحد كما لو اشترى جارية بخمر فان الخمر ليس بمال عندنا ولكن لما كانت مالا في حق أهل الذمة جعل ذلك معتبرا في حق انعقاد العقد به فهذه هي التى محل في حق غيره من المسلمين لان يعتبر ذلك في ايراث الشبهة في حقه أولى والدليل عليه ملك اليمين فان من وطئ أمته التى هي أخته من الرضاع لا يلزمه الحد والنكاح في كونه مشروعا للحل أقوى من ملك اليمين ثم ملك اليمين في محل لا يوجب الحل بحال يصير شبهة في إسقاط الحد فعقد النكاح أولى وشبهة العقد انما تعتبر بعد العقد لابعد الرفع والطلاق رافع للعقد وقد بينا ان اسم الفاحشة لا تختص بالزنا بل هو اسم لجميع ما هو حرام قال تعالى ولا تقربوا الفواحش ما ظهر وما بطن وتأويل حديث أبى بردة

[ 87 ] ابن نيار رحمه الله تعالى أن الرجل استحل ذلك الفعل فكان مرتدا ألا ترى أنه قال وامرني ان أخمس ماله (قال) رجل تزوج امرأة فزفت إليه أخرى فوطئها لاحد عليه لانه وطئ بشبهة وفيه قضى على رضى الله عنه بسقوط الحد و وجوب المهر والعدة ولاحد على قاذفة أيضا لانه وطئ وطءا حراما غير مملوك له وذلك مسقط احصانه الافى رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى فانه يقول بني الحكم على الظاهر فقد كان هذا الوطئ حلالا له في الظاهر فلا يسقط احصانه به ولكنا نقول لما تبين الامر بخلاف الظاهر فانما يبقي اعتبار الظاهر في إيراث الشبهة وبالشبهة يسقط الحد ولكن لايقام الحد (قال) ولو فجر بامرأة فقال حسبتها امرأتي فعليه الحد لان الحسبان والظن ليس بدليل شرعى له أن يعتمده في الاقدام على الوطئ بخلاف الزفاف وخبر المخبر أنها امرأته فانه دليل يجوز اعتماده في الاقدام على الوطئ فيكون مورثا شبهة (قال) رجل زنى بأمة ثم قال اشتريتها شراءا فاسدا أو على أن للبائع خيارا فيه أو ادعى صدقة أو هبة وكذبه صاحبها ولم يكن له بينة درئ الحد عنه لان ما ادعاه لو كان ثابتا لكان مسقطا للحد عنه فكذلك إذا ادعى ذلك كما لوادعى نكاحا أو شراء صحيحا وهذا لانه لو أقام علي ذلك شاهدا أو استحلف مولى الامة فأبى أن يحلف يدرأ الحد عنه لان انعقاد السبب مورث شبهة وان امتنع ثبوت الحكم لمانع فكذلك إذا قال لابينة لى لانه متي آل الامر إلى الخصومة والاستحلاف سقط حد الزنا وكذلك لو شهد عليه الشهود بالزنا وشهدوا أنه أقر بذلك فقال لست أملك الجارية ثم ادعى عند القاضى هبة أو بيعا درئ عنه الحد لما قلنا (قال) ومن وطئ جارية له شقص فيها لاحد عليه وان كان يعلم حرمتها عليه لان ملكه فيها كان مبيحا للوطئ فوجود جزء منها يكون مسقطا للحد ألا ترى أنه لو جاءت بولد فادعي نسبه ثبت النسب منه وصارت هي أم ولد له فكيف يلزمه الحد بمثل هذا الفعل ولكن عليه حصة شريكه من العقر إذا لم تلد (قال) ومن أعتق أمة بينه وبين آخر وهو معسر فقضى عليها بالسعاية لشريكه فوطئها الشريك فلا حد عليه لانها بمنزلة المكاتبة وان كان المعتق موسرا فوقع عليها الآخر قبل أن يضمن شريكه فلاحد عليه لانه يملك نصفها ولو ضمن شريكه ثم وطئها المعتق فلاحد عليه لانه يستسعيها فيما ضمن فتكون كالمكاتبة له وان وطئها الشريك يعد ما ضمن شريكه فعليه الحد لانها مكاتبة غيره وزعم بعض المتأخرين أن هذا قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وأما عندهما

[ 88 ] يجب الحد على من وطئها المعتق والساكت فيه سواء بناء على أصلهما أن العتق لا يتجزى ولكن الاصح أن هذا قولهم جميعا لان الاخبار متعارضة في تجزي العتق وبين الصحابة فيه اختلاف ظاهر فيصير ذلك شبهة في اسقاط الحد ولكن يسقط به احصان الواطئ حتى لا يحد قاذفه لانه وطئ وطئ غير مملوك فان ثبوت ملك الواطئ باعتبار كمال ملك الرقبة وذلك غير موجود (قال) رجل طلق امرأته ثلاثا أو خالعها ثم وقع عليها في عدتها فان ظننت أنها تحل ؟ لى فلاحد عليه وان قال علمت أنها على حرام فعليه الحدوفي الاصل أو طلقها واحدة بائنة والمراد الخلع فاما ما يكون بلفظ البينونة قد ذكر بعد هذا انه لاحد عليه على كل حال والمعنى أن بعد الخلع والطلقات الثلاث هي معتدة وبسبب العدة له عليها ملك اليد وقد بينا أن ملك اليد معتبر في الاشتباه فان اشتبه عليه سقط الحد والا فلا (فان قيل) بين الناس اختلاف ان من طلق امرأته ثلاثا جملة هل يقع الثلاث أم لا فينبغي أن يصير شبهة في اسقاط الحد (قلنا) هذا خلاف غير معتد به حتى لا يسع القاضى ان يقضى به ولو قضى لا ينفذ قضاؤه أرأيت لو وطئها بعد انقضاء العدة أكنا نسقط الحد بقول من يقول إذا طلقها ثلاثا جملة لا يقع شئ وكذلك لو أعتق أم ولده ثم وطئها في العدة لانها معتدته عن فراش صحيح بعد زوال الملك كالمطلقة ثلاثا والمختلعة ولاحد على قاذفه في الوجهين لارتكابه وطءا حراما غير مملوك (قال) وإذا حرمت المرأة على زوجها بردتها أو مطاوعتها لابنه أو جماعه مع أمها ثم جامعها وهو يعلم انها عليه حرام ففي القياس أنه يلزمه الحد لان ارتفاع النكاح بهذه الاسباب أبلغ منه بالخلع ألا ترى انها صارت محرمة على التأبيد ولكنه استحسن فدرأ عنه الحد لان العلماء يختلفون في عدتها ومنهم من يقول يتوقف زوال الملك بالردة على انقضاء العدة وكذلك يختلفون في ثبوت حرمة المصاهرة بالوطئ الحرام ومن لايثيت ؟ ذلك يعتمد ظاهر قوله لا يحرم الحلال الحرام وهذا خلاف ظاهر لو قضي به القاضى نفذ قضاؤه فيصير شبهة في درء الحد وكذلك ان أبانها بقوله انت خلية أو برية أو بائن أو بتة أو حرام وقال أردت بذلك ثلاث تطليقات ثم جامعها ثم قال علمت انها على حرام فلاحد عليه لان بين الصحابة وأهل العلم رضى الله عنهم في هذا اختلاف ظاهر وكان عمر رضى الله عنه يقول هي واحدة رجعية فيصير ذلك شبهة حكمية في درء الحد وكذلك لو قال أمرك بيدك فطلقت نفسها ثلاثا والزوج ينوي ذلك لان عمر وابن مسعود رضي الله عنهما قالا في

[ 89 ] ذلك هي واحدة رجعية فيصير ذلك شبهة في اسقاط الحد عنهم والحاصل أن الشبهة الحكمية مسقطة في حق من يعلم بالحرمة أولا يعلم كالاب إذا وطئ جارية ابنه وشبهة الاشتباه تكون معتبرة في حق من اشتبه عليه دون من لم يشتبه عليه (قال) وان شهد الشهود عليه أنه زنى بامرأة لم يعرفوها فلاحد عليه لان شهادتهم عليها غير معتبرة إذا لم يعرفوها والزنا من الرجل بدون المحل لا يتحقق ولان من الجائز أن تلك المرأة التي رأوها يفعل بها زوجته أو أمته فانهم لا يفصلون بين زوجته وأمته الا بالمعرفة فإذا لم يعرفوها لا يمكن اقامة الحد بشهادتهم وان قال المشهود عليه التي رأوها معى ليست لى بامرأة ولا خادم لم يحد أيضا لان الشهادة قد بطلت حين لم يبينوا الشهادة فهذه اللفظة منه ليس باقرار بالزنا ولو كان إقررا فحد الزنا لايقام بالاقرار مرة وان أقر ؟ بالزنا بامرأة غير معروفة فعليه الحد إذا أقر أربع مرات لان الانسان يعرف زوجته وأمته ويعلم أن فعله بها لا يكون زنا فلما أقر بالزنا فهذا تصريح منه بفعل الزنا في محله وانه لاملك له في تلك المرأة فيقام الحد عليه لذلك (قال) أربعة غير عدول شهدوا على رجل بالزنا فلاحد عليه ولا عليهم أما عليه فلان ظهور الزنا لا يكون الا بعد قبول شهادتهم وشهادة الفساق غير مقبولة لانا أمرنا فيها بالتوقف بالنص وأما عليهم فلا يقام الحد عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى وهذا بناء على أن الفاسق له شهادة عندنا حتى أن القاضى لو قضى بشهادته نفذ قضاؤه فيكون كلامهم شهادة مانعة من وجوب الحد عليهم وعند الشافعي رحمه الله تعالى ليس للفاسق شهادة وهي مسألة كتاب الشهادات وعلى هذا لو أقام القاذف أربعة من الفساق على صدق مقالته يسقط به الحد عندنا لان الله تعالى قال ثم لم يأتوا بأربعة شهداء وهذا قد أتى بأربعة شهداء وان لم تكن شهادتهم مقبولة فلا يلزمه الحد لانعدام الشرط وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا شهادة لهم بل يجب الحد عليهم وعلى القاذف بقذفه وان كانوا عميانا أو محدودين في قذف أو عبيدا حدوا جميعا لان العبيد لا شهادة لهم فكان كلامهم قذفا في الاصل والمحدود في القذف ليس له شهادة الاداء لان الشرع أبطل شهادته وحكم بكذبه والعميان لا شهادة لهم في الزنا لان الشهادة على الزنا لا تكون الابعد الرؤية كالميل في المكحلة وليس للاعمى هذه الآلة فكان كلامهم قذفا من الاصل ولو كان الشهود أربعة أحدهم زوج المشهود عليها بالزنا فهذه الشهادة تقبل عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى وقد بينا هذا في باب اللعان فإذا كانت الثلاثة كفارا ؟ والزوج

[ 90 ] مسلما فلا شهادة للكفار على المسلمة فيحدون حد القذف ويلاعن الزوج امرأته لانه قذفها بالزنا وقذف الزوج موجب للعان (قال) وان جاء شهود الزنا فشهدوا به متفرقين في مجالس مختلفة لم تقبل شهادتهم ويحدون حد القذف عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى تقبل شهادتهم ويقام الحد على المشهود عليه واعتبر هذا بالشهادة على سائر الحقوق فان اختلاف المجالس لايمنع العمل بالشهادة في شئ من الحقوق وما يندرئ بالشبهات ومالا يندرئ بالشبهات فيه سواء فكذلك الزنا وهذا لان الثابت بالنص عدد الاربعة في الشهود فاشتراط اتحاد المجلس يكون زيادة على النص (وحجتنا) في ذلك ماروينا أن الثلاثة لما شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا بين يدي عمر رضى الله عنهما وامتنع زياد أقام الحد على الثلاثة ولم ينتظر مجئ رابع ليشهد عليه بالزنا فلو كان اختلاف المجلس غير مؤثر في هذه الشهادة لانتظر مجئ رابع ليدرأ به الحد عن الثلاثة وفي الكتاب ذكر عن الشعبى رحمه الله تعالى قال لو جاء مثل ربيعة ومضر فرادى حددتهم والمعنى فيه ان الشهادة على الزنا قذف في الحقيقة ولكن بتكامل العدد يتغير حكمها فيصير حجة للحد فيخرج من أن يكون قذفا به وفي مثل هذا المغير يعتبر وجوده في المجلس كالقبول مع الايجاب فان الايجاب ليس بعقد فإذا انضم إليه القبول يصير عقدا فيعتبر وجود القبول في المجلس ليصير الايجاب به عقدا وهذا لان كلامهم من حيث أنه قذف مفترق ومن حيث أنه حجة كشئ واحد ولاتحاد المجلس تأثير في جمع ما تفرق من الكلام فإذا كان المجلس واحدا جعل كلامهم كشئ واحد بخلاف ما إذا تفرقت المجالس وان كانوا في مقعد واحد على باب القاضى فقام إلى القاضي واحد بعد واحد وشهدوا عليه بالزنا ففي القياس لاتقبل شهادتهم أيضا وهو رواية عن محمد رحمه الله تعالى لان اتحاد المجلس بهذا لا يحصل انما يحصل بأن يجلسوا جميعا بين يدى القاضي فيشهدوا واحدا بعد واحد ولكنه استحسن فقال تقبل الشهادة هنا لان الشهادات اجتمعت في مجلس واحد وهذا من القاضى مبالغة في الاحتياط لينظر انهم هل يتفقون على لفظ واحد إذا لم يسمع بعضهم كلام بعض فلا يوجب ذلك قدحا في شهادتهم فانا لو اعتبرنا هذا القدر من التفرق وجب اعتبار تفرق الاداء وان جلسوا جميعا بين يدى القاضى ولا يتصور اداؤهم جملة لان القاضى لا يتمكن من سماع كلام الجماعة وان قال اثنان زنى بها في دار فلان آخر فقد بينا ان هذه الشهادة لاتقبل في ايجاب الحد على المشهود عليه ولكن لاحد

[ 91 ] على الشهود لاجتماع الاربعة على الشهادة بالزنا عليهما (قال) وإذا شهد أربعة نصارى على نصرانيين بالزنا فقضى القاضى بشهادتهم ثم أسلم الرجل أو المرأة قال يبطل الحد عنهما جميعا لما بينا ان الطارئ من اسلام أحدهما بعد القضاء قبل الاستيفاء كالمقارن للسبب ولان شهادة الكافر ليست بحجة على المسلم فيصير ذلك شبهة في حق الآخر فان أسلم الشهود بعد ذلك لم ينفع أعادوا الشهادة أولم يعيدوها لان الحاكم ابطلها حين درأ الحد عنهما فلا يعمل بها بعد ذلك (قال) وان كانوا شهدوا على رجلين وامرأتين بالزنا فلما حكم الحاكم بذلك أسلم أحد الرجلين أو إحدى المرأتين درئ الحد عن الذى أسلم وعن صاحبه ولا يدرأ عن الآخرين لانهم شهدوا على كل رجل وامرأة كأنهم تفردوا بالشهادة عليهما والله أعلم بالصواب (باب الاقرار بالزنا) (قال) رضى الله عنه حد الزنا لايقام بالاقرار الا بالاقرار أربع مرات في أربعة مجالس عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى يقام بالاقرار مرة واحدة وقال ابن ليلي رحمه الله تعالى يقام بالاقرار أربع مرات وان كان في مجلس واحد واحتج الشافعي بقوله أغديا أنيس إلى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها وان الغامدية لما جاءت إلى رسول الله وقالت ان بى حبلا من الزنا قال اذهبي حتى تضعى حملك ثم رجمها ولم يشترط الاقارير الاربعة واعتبر هذا الحق بسائر الحقوق فما يندرئ بالشبهات وما لا يندرئ بالشبهات يثبت بالاقرار الواحد وبهذا تبين أن الاقرار غير معتبر بالشهادة في العدد فان في سائر الحقوق العدد معتبر في الشهادة دون الاقرار وكذلك في هذا الموضع العدالة تعتبر في الشهادة دون الاقرار وكذلك في هذا الموضع الذكورة ولفظ الشهادة يعتبر في الشهادة دون الاقرار وهذا لان زيادة طمأنينة القلب تحصل بزيادة العدد ولا يحصل ذلك بتكرار الكلام من واحد وفى أحد الحكمين وهو سقوط الحد عن القاذف يعتبر عدد الاربعة في الشهادة دون الاقرار فكذلك في الحكم الآخر وابن أبى ليلى رحمه الله تعالى اعتبر الاقرار بالشهادة بعلة انه أحد حجتى الزنا ثم في الشهادة المعتبر عدد الاربعة دون اختلاف المجالس فكذلك في الاقرار (وحجتنا) فيه