مبسوط السرخسي - الجزء الأول2

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

(1) - (الشبور) بالشين المعجمة والباء الموحدة على وزن تنور هو البوق ينفخ فيه هذا ما يفهم من كلام القاموس ويفهم من كلام السيد عاصم ان البوق أعم وشبور في الفارسي باؤه بثلاث نقط ا ه‍ كتبه مصححه

[ 128 ] فقلت نعم فقام على حذم (1) حائط مستقبل القبلة فأذن ثم مكث هنيهة ثم قام فقال مثل مقالته الاولى وزاد في آخره قد قامت الصلاة مرتين فأتيت رسول الله وأخبرته بذلك فقال رؤيا صدق أو قال حق ألقها على بلال فانه أمد صوتا منك فألقيتها عليه فقام على سطح أرملة كان أعلى السطوح بالمدينة وجعل يؤذن فجاء عمر رضى الله تعالى عنه في ازار وهو يهرول ويقول لقد طاف بى الليلة ما طاف بعبدالله الا أنه قد سبقني فقال هذا اثبت. وروى أن سبعة من الصحابة رضى الله تعالى عنهم أجمعين رأوا تلك الرؤيا في ليلة واحدة. وكان أبو حفص محمد بن علي ينكر هذا ويقول تعمدون إلى ما هو من معالم الدين فتقولون ثبت بالرؤيا كلا ولكن النبي حين أسرى به إلى المسجد الاقصى وجمع له النبيون أذن ملك وأقام فصلى بهم رسول الله وقيل نزل به جبريل عليه الصلاة والسلام حتى قال كثير بن مرة أذن جبريل في السماء فسمعه عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه ولا منافاة بين هذه الاسباب فيجعل كأن كل ذلك كان * ثم يختلفون في الاذان في ثلاثة مواضع (أحدها) في الترجيع فانه ليس من سنة الاذان عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى (وصفته) أن يأتي بكلمة الشهادتين مرتين يخفض بهما صوته ثم يرجع فيأتى بهما مرتين أخريين يرفع بهما صوته واحتج الشافعي رحمه الله تعالى بحديث أبى محذورة أن النبي علمه الاذان تسع عشرة كلمة والاقامة سبع عشرة كلمة ولا يكون تسع عشرة كلمة الا بالترجيع وروى أنه أمر بالترجيع نصا وجعل كلمة الشهادتين قياس التكبير فكما أنه يأتي بلفظة التكبير أربع مرات فكذلك كلمة الشهادتين (ولنا) حديث عبد الله بن زيد رضى الله تعالى عنه فهو الاصل وليس فيه ذكر الترجيع ولان المقصود من الاذان قوله حى على الصلاة حى الفلاح ولا ترجيع في هاتين الكلمتين ففيما سواهما أولى * وأما لفظ التكبير فدليلنا فان ذكر التكبير مرتين لما كان بصوت واحد فهو كلمة واحدة فأما حديث أبى محذورة قلنا ان رسول الله أمر بالتكرار حالة التعليم ليحسن تعلمه وهو كان عادته فيما يعلم أصحابه فظن أنه أمره بالترجيع. وقيل ان أبا محذورة كان مؤذن مكة فلما انتهى إلى ذكر رسول الله خفض صوته استحياء من أهل مكة لانهم لم

(1) (على حذام) بالحاء المهملة والذال المعجمة المراد به قطعة حائط مرتفعة اه‍ كتبه مصححه

[ 129 ] يعهدوا ذكر اسم رسول الله بينهم جهرا ففرك رسول الله أذنه وأمره أن يعود فيرفع صوته ليكون تأديبا له (والثانى) في التكبير عندنا أربع مرات وعند مالك رحمه الله تعالى مرتين وهو رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى قاسه بكلمة الشهادتين يأتي بهما مرتين (ولنا) حديث عبد الله بن زيد وحديث أبى محذورة رضى الله تعالى عنهما في الاذان تسع عشرة كلمة ولن يكون ذلك إذا كان التكبير مرتين ثم قد بينا أن كل تكبيرتين بصوت واحد فكأنهما كلمة واحدة فيأتى بهما مرتين كما يأتي بالشهادتين (والثالث) أن آخر الاذان لا اله الا الله وعلى قول أهل المدينة لا اله الا الله والله أكبر فاعتبروا آخره بأوله ويروون فيه حديثا ولكنه شاذ فيما تعم به البلوى والاعتماد في مثله على المشهور وهو حديث عبد الله بن زيد رضى الله تعالى عنه على ما توارثه الناس إلى يومنا هذا * قال (وينبغي للمؤذن أن يستقبل القبلة في أذانه حتى إذا انتهى إلى الصلاة والفلاح حول وجهه يمينا وشمالا وقدماه مكانهما) ولان الاذان مناجاة ومناداة ففي حالة المناجاة يستقبل القبلة وعند المناداة يستقبل من ينادى لانه يخاطبه بذلك كما في الصلاة يستقبل القبلة فإذا انتهى إلى السلام حول وجهه يمينا وشمالا لانه يخاطب الناس بذلك فإذا فرغ من الصلاة والفلاح حول وجهه إلى القبله لانه عاد إلى المناجاة * قال (والاقامة مثنى مثنى كالاذان عندنا) وقال الشافعي رحمه الله الاقامة فرادى فرادى الا قوله قد قامت الصلاة فانها مرتين واستدل بحديث أنس رضى الله تعالى عنه أن النبي أمر بلالا أن يشفع الآذان ويوتر الاقامة ولان الاذان للاعلام فمع التكرار أبلغ في الاعلام والاقامة لاقامة الصلاة فالافراد بها أعجل لاقامة الصلاة فهو أولى (ولنا) حديث عبد الله بن زيد رضى الله تعالى عنه فهو الاصل كما بينا. ومر على بمؤذن يوتر الاقامة فقال اشفعها لا ام لك ولانه أحد الاذانين وهو مختص بقوله قد قامت الصلاة فلو كان من سنته الافراد لكان أولى به هذه الكلمة وحديث أنس رضى الله تعالى عنه معناه أمر بلالا أن يؤذن بصوتين ويقيم بصوت واحد بدليل ماروى عن إبراهيم قال أول من أفرد الاقامة معاوية رضى الله تعالى عنه وقال مجاهد رضى الله تعالى عنه كانت الاقامة مثنى كالاذان حتى استخفه بعض أمراء الجور فأفرده لحاجة لهم (وقال) مالك رحمه الله تعالى يفرد وقد قامت الصلاة أيضا ويروى فيه حديثا عن سعد القرظى ولكنه شاذ فيما تعم به

[ 130 ] البلوى والشاذ هي مسألة لا تكون حجة * قال (ويجعل أصبعيه في أذنيه عند أذانه) لقوله لبلال إذا أذنت فاجعل أصبعيك في أذنيك فانه أندى لصوتك وقال أبو جحيفة رأيت بلالا يؤذن في صومعته يتبع فاه هاهنا وهاهنا وأصبعاه في أذنيه وان لم يفعل لم يضره لان المقصود وهو الاعلام حاصل * قال (وان استدار في صومعته لم يضره) لانه ربما لا يحصل المقصود بتحويل الوجه يمينا وشمالا بدون الاستدارة لتباعد جوانب المحلة فالاستدارة للمبالغة في الاعلام * قال (ولا يثوب في شئ من الصلاة الا في الفجر) وكان التثويب الاول في الفجر بعد الاذان الصلاة خير من النوم مرتين فأحدث الناس هذا التثويب وهو حسن * أما معني التثويب لغة فالرجوع ومنه سمي الثواب لان منفعة عمله تعود إليه ويقال ثاب إلى المريض نفسه إذا برأ فهو عود إلى الاعلام بعد الاعلام الاول بدليل ما روى أن النبي قال إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله حصاص كحصاص (1) الحمار فإذا فرغ رجع فإذا ثوب أدبر فإذا فرغ رجع فإذا أقام أدبر فإذا فرغ رجع وجعل يوسوس إلى المصلى انه كم صلى. فهذا دليل على أن التثويب بعد الاذان وكان التثويب الاول الصلاة خير من النوم لما روى أن بلالا رضى الله تعالى عنه أذن لصلاة الفجر ثم جاء إلى باب حجرة عائشة رضى الله تعالى عنها فقال الصلاة يا رسول الله فقالت عائشة رضى الله تعالى عنها الرسول نائم فقال بلال الصلاة خير من النوم فلما انتبه أخبرته عائشة رضى الله تعالى عنها بذلك فاستحسنه رسول الله (قوله) فأحدث الناس هذا التثويب إشارة إلى تثويب أهل الكوفة فانهم ألحقوا الصلاة خير من النوم بالاذان وجعلوا التثويب بين الاذان والاقامة حى على الصلاة مرتين حى على الفلاح مرتين * قال (والتثويب في كل بلدة ما يتعارفونه اما بالتنحنح أو بقوله الصلاة الصلاة أو بقوله قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة) لانه للمبالغة في الاعلام فانما يحصل ذلك بما يتعارفونه * قال (ولا تثويب الا في صلاة الفجر) لما روى أن عليا رضى الله تعالى عنه رأى مؤذنا يثوب في العشاء فقال أخرجوا هذا المبتدع من المسجد ولحديث مجاهد رضى الله تعالى عنه قال دخلت مع ابن عمر رضى الله تعالى عنهما مسجدا نصلي فيه الظهر فسمع المؤذن يثوب فغضب وقال قم حتى نخرج من عند

(1) (حصاص كحصاص) بضم الحاء المهملة وهو شدة العدو وحدته وقيل أن يمصع الحمار بذنبه ويصر بأذنيه ويعدو وقيل هو الضراط اه‍ كتبه مصححه

[ 131 ] هذا المبتدع فما كان التثويب على عهد رسول الله الا في صلاة الفجر ولان صلاة الفجر تؤدى في حال نوم الناس ولهذا خصت بالتطويل في القراءة فخصت أيضا بالتثويب لكى لا تفوت الناس الجماعة وهذا المعنى لا يوجد في غيرها وفسره الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى قال يؤذن للفجر ثم يقعد بقدر ما يقرأ عشرين آية ثم يثوب ثم يقعد مثل ذلك ثم يقيم لحديث بلال رضى الله تعالى عنه أن النبي قال له إذا أذنت فأمهل الناس قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر (1) من قضاء حاجته وانما استحسن التثويب لان الدعاء إلى الصلاة في الاذان كان بهاتين الكلمتين فيستحسن التثويب بهما أيضا هذا اختيار المتقدمين وأما المتأخرون فاستحسنوا التثويب في جميع الصلوات لان الناس قد ازداد بهم الغفلة وقلما يقومون عند سماع الاذان فيستحسن التثويب للمبالغة في الاعلام ومثل هذا يختلف باختلاف أحوال الناس. وقد روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه قال لا بأس بأن يخص الامير بالتثويب فيأتى بابه فيقول السلام عليك أيها الامير ورحمة الله وبركاته حى على الصلاة مرتين حي على الفلاح مرتين الصلاة يرحمك الله لان الامراء لهم زيادة اهتمام بأشغال المسلمين ورغبة في الصلاة بالجماعة فلا بأس بأن يخصوا بالتثويب وقد روى عن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه لما كثر اشتغاله نصب من يحفظ عليه صلاته غير أن محمدا رحمه الله تعالى كره هذا وقال أفا لابي يوسف حيث خص الامراء بالذكر والتثويب لما روى أن عمر رضى الله تعالى عنه حين حج أتاه مؤذن مكة يؤذنه بالصلاة فانتهره وقال ألم يكن في أذانك ما يكفينا * قال (ويترسل في الاذان ويحدر (2) في الاقامة) لحديث جابر رضى الله تعالى عنه أن النبي قال لبلال إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر ولان المقصود من الاذان الاعلام فالترسل فيه أبلغ في الاعلام والمقصود من الاقامة اقامة الصلاة فالحدر فيها أبلغ في هذا المقصود * قال (فان ترسل فيهما أو حدر فيهما أو ترسل في الاقامة وحدر في الاذان أجزأه) لانه أقام الكلام بصفة التمام وحصل المقصود وهو الاعلام فترك ما هو زينة فيه لا يضره * قال (ويجوز الاذان والاقامة على غير وضوء ويكره مع الجنابة حتى يعاد أذان الجنب ولا يعاد أذان

(1) (المعتصر) قال في المختار والمعتصر والعاصر الذي يصيب من الشئ ويأخذ منه اه‍ (2) (ويحدر) بضم الدال المهملة بمعنى يسرع يقال حدر في قراءته واذانه يحدر حدرا إذا اسرع اه‍ كتبه مصححه

[ 132 ] المحدث) وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه يعاد فيهما وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يعاد فيهما ووجهه أن الاذان ذكر والجنب والمحدث لا يمنعان من ذكر الله تعالى وما هو المقصود به وهو الاعلام حاصل ووجه رواية الحسن رحمه الله تعالى أن الاذان مشبه بالصلاة ولهذا يستقبل فيه القبلة والصلاة مع الحدث لا تجوز فما هو من أسبابه مشبه به يكره معه ثم المؤذن يدعو الناس إلى التأهب للصلاة فإذا لم يكن متأهبا لها دخل تحت قوله تعالى أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم. وجه ظاهر الرواية ما روى أن بلالا ربما أذن وهو على غير وضوء ثم الاذان ذكر معظم فيقاس بقراءة القرآن والمحدث لايمنع من ذلك ويمنع منه الجنب فكذلك الاذان * وفى ظاهر الرواية جعل الاقامة كالاذان في أنه لا بأس به إذا كان محدثا. وروى أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى الفرق بينهما فقال أكره الاقامة للمحدث لان الاقامة يتصل بهما اقامة الصلاة فلا يتمكن من ذلك مع الحدث بخلاف الاذان * قال (ويكره الاذان قاعدا) لانه في حديث الرؤيا قال فقام الملك على حذم حائط ولان المقصود الاعلام وتمامه في حالة القيام ولكنه يجزئه لان أصل المقصود حاصل * قال (ولا بأس بأن يؤذن واحد ويقيم آخر) لما روى أن عبد الله بن زيد رضى الله عنه سأل رسول الله أن يكون له في الاذان نصيب فأمر بأن يؤذن بلال ويقيم هو ولان كل واحد منهما ذكر مقصود فلا بأس بأن يأتي بكل واحد منهما رجل آخر والذى روى أن الحرث الصدائى أذن في بعض الاسفار وبلال كان غائبا فلما رجع بلال وأراد أن يقيم قال أن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم انما قاله على وجه تعليم حسن العشرة لا أن خلاف ذلك لا يجزئ * قال (وان ترك استقبال القبلة في أذانه أجزأه وهو مكروه) لان المقصود به حصل وهو الاعلام والكراهية لمخالفته السنة * قال (ويؤذن المسافر راكبا ان شاء) لما روى أن بلالا في السفر ربما أذن راكبا ولان المسافر له أن يترك الاذان أصلا فله أن يأتي به راكبا بطريق الاولى * قال (وينزل للاقامة أحب إلى) لان الاقامة يتصل بها اقامة الصلاة وانما يصلى على الارض فينزل للاقامة لهذا * قال (وان اقتصر المسافر بالاقامة أجزأه) لان السفر عذر مسقط لشطر الصلاة فلان يكون مسقطا لاحد الاذانين أولى ولان الاذان لاعلام الناس حتى يجتمعوا وهم في السفر مجتمعون والاقامة لاقامة الصلاة وهم إليها محتاجون فيؤتى بها في السفر ويكره تركه لهذا

[ 133 ] والاولى أن يؤتى بهما لما روى أن النبي قال لمالك بن الحويرث وابن عم له ان سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكثركما قرآنا وقال من أذن في أرض قفر وأقام صلى بصلاته ما بين الخافقين من الملائكة ومن صلى بغير أذان واقامة لم يصل معه الا ملكاه * قال (وليس على النساء أذان ولا اقامة) لانهما سنة الصلاة بالجماعة وجماعتهن منسوخة لما في اجتماعهن من الفتنة وكذلك أن صلين بالجماعة صلين بغير أذان ولا اقامة لحديث رابطة قالت كنا جماعة من النساء عند عائشة رضى الله عنها فأمتنا وقامت وسطنا وصلت بغير أذان ولا اقامة ولان المؤذن يشهر نفسه بالصعود إلى أعلى المواضع ويرفع صوته بالاذان والمرأة ممنوعة من ذلك لخوف الفتنة فان صلين بأذان واقامة جازت صلاتهن مع الاساءة لمخالفة السنة والتعرض للفتنة * قال (وان صلى أهل المصر بجماعة بغير أذان ولا اقامة فقد أساؤا) لترك سنة مشهورة وجازت صلاتهم لاداء أركانها والاذان والاقامة سنة ولكنهما من أعلام الدين فتركهما ضلالة هكذا قال مكحول السنة سنتان سنة أخذها هدى وتركها لا بأس به وسنة أخذها هدى وتركها ضلالة كالاذان والاقامة وصلاة العيدين وعلى هذا قال محمد رحمه الله تعالى إذا أصر أهل المصر على ترك الاذان والاقامة أمروا بهما فان أبوا قوتلوا على ذلك بالسلاح كما يقاتلون عند الاصرار على ترك الفرائض والواجبات وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى المقاتلة بالسلاح عند ترك الفرائض والواجبات فأما في السنن فيؤدبون على تركها ولا يقاتلون على ذلك ليظهر الفرق بين الواجب وغير الواجب ومحمد رحمه الله تعالى يقول ما كان من أعلام الدين فالاصرار على تركه استخفاف بالدين فيقاتلون على ذلك لهذا * قال (فان صلى رجل في بيته فاكتفي بأذان الناس واقامتهم أجزأه) لما روى أن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه صلى بعلقمة والاسود في بيت فقيل له ألا تؤذن فقال أذان الحى يكفينا وهذا بخلاف المسافر فانه يكره له تركهما وان كان وحده لان المكان الذى هو فيه لم يؤذن فيه لتلك الصلاة فأما هذا الموضع الذى فيه المقيم فقد أذن وأقيم فيه لهذه الصلاة فله أن يتركهما * قال (وان أذن وأقام فهو حسن) لان المنفرد مندوب إلى أن يؤدى الصلاة على هيئة الصلاة بالجماعة ولهذا كان الافضل أن يجهر بالقراءة في صلاة الجهر وكذلك ان أقام ولم يؤذن فهو حسن لان الاذان لاعلام الناس حتى يجتمعوا وذلك غير موجود هنا والاقامة لاقامة الصلاة وهو يقيمها

[ 134 ]

  • قال (وليس لغير الصلوات الخمس والجمعة أذان ولا اقامة) أما لصلاة العيد فلحديث جابر بن سمرة رضى الله تعالى عنه قال صلى رسول الله صلى الله عليه سلم في العيدين بغير أذان ولا اقامة وكذلك توارثه الناس إلى يومنا هذا وأما في صلاة الوتر فلانها لا تؤدى بالجماعة الا في التراويح في ليالى رمضان وعند أدائها هم مجتمعون وأما في السنن والنوافل فلانها لا تؤدى بالجماعة الا التراويح في ليالى رمضان وهى تبع لصلاة العشاء وقد أذن وأقيم لها وهم مجتمعون عند أدائها * فأما الجمعة يؤذن لها ويقام لانها فرض مكتوب والاذان له منصوص في القرآن قال الله تعالى إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة * واختلفوا في الاذان المعتبر الذى يحرم عنده البيع ويجب السعي إلى الجمعة فكان الطحاوي يقول هو الاذان عند المنبر بعد خروج الامام فانه هو الاصل الذى كان للجمعة على عهد رسول الله لما روى عن السائب بن يزيد قال كان الاذان للجمعة على عهد رسول الله حين يخرج فيستوى على المنبر وهكذا في عهد أبى بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما ثم أحدث الناس الاذان على الزوراء في عهد عثمان فكان الحسن بن زياد يقول المعتبر هو الاذان على المنارة لانه لو انتظر الاذان عند المنبر يفوته أداء السنة وسماع الخطبة وربما تفوته الجمعة إذا كان بيته بعيدا عن الجامع والاصح أن كل أذان يكون قبل زوال الشمس فذلك غير معتبر والمعتبر أول الاذان بعد زوال الشمس سواء كان علي المنبر أو علي الزوراء * قال (ولا يتكلم المؤذن في أذانه واقامته) لانه ذكر معظم كالخطبة فيكره التكلم في خلاله لما فيه من ترك الحرمة وروى المعلى عن أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه يكره رد السلام في خلال الاذان وكان الثوري رحمه الله تعالى يقول لا بأس برد السلام لانها فريضة ولكنا نقول يحتمل التأخير إلى أن يفرغ من أذانه * قال (وان أذن قبل دخول الوقت لم يجزه ويعيده في الوقت) لان المقصود من الاذان اعلام الناس بدخول الوقت فقبل الوقت يكون تجهيلا لا اعلاما ولان المؤذن مؤتمن قال الامام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الائمة واغفر للمؤذنين وفي الاذان قبل الوقت اظهار الخيانة فيما أئتمن فيه ولو جاز الاذان قبل الوقت لاذن عند الصبح خمس مرات لخمس صلوات وذلك لا يجوزه أحد ولا خلاف فيه الا في صلاة الفجر فقد قال أبو يوسف رحمه الله تعالى آخرا لا بأس بأن يؤذن للفجر في النصف الآخر من الليل وهو قول للشافعي رضى الله عنه واستدلا

[ 135 ] بتوارث أهل الحرمين ولما روي أن بلالا كان يؤذن على عهد رسول الله بالليل فدل أنه لا بأس به ولان وقت الفجر مشتبه وفي مراعاته بعض الحرج ولكن أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قاسا الاذان للفجر بالاذان لسائر الصلوات بالمعنى الذى بينا وفى الاذان للفجر قبل الوقت اضرارا بالناس لانه وقت نومهم فيلتبس عليهم وذلك مكروه وقد روى أن الحسن البصري رحمه الله تعالى كان إذا سمع من يؤذن قبل طلوع الفجر قال علوج فراح لا يصلون الا في الوقت لو أدركهم عمر لادبهم فأما أذان بلال فقد أنكر عليه رسول الله الاذان بالليل وأمره أن ينادى على نفسه ألا أن العبد قد زام فكان يبكى ويطوف حول المدينة ويقول ليت بلالا لم تلده أمه وابتل من نضح دم جبينه وانما قال ذلك لكثرة معاتبة رسول الله اياه وقيل ان أذان بلال ماكان لصلاة الفجر ولكن كان لينام القائم ويقوم النائم فقد كانت الصحابة فرقتين فرقة يتهجدون في النصف الاول من الليل وفرقة في النصف الآخر وكان الفاصل أذان بلال. وانما كان صلاة الفجر بأذان ابن أم مكتوم كما قال لا يغرنكم أذان بلال فانه يؤذن ليرجع قائمكم ويتسحر صائمكم ويقوم نائمكم فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم وكان هو أعمى لا يؤذن حتى يسمع الناس يقولون أصبحت أصبحت * قال (وإذا دخل القوم مسجدا قد صلى فيه أهله كرهت لهم أن يصلوا جماعة باذان واقامة ولكنهم يصلون وحدانا بغير أذان ولا اقامة) لحديث الحسن قال كانت الصحابة إذا فاتتهم الجماعة فمنهم من اتبع الجماعات ومنهم من صلى في مسجده بغير أذان ولا اقامة وفى الحديث أن النبي خرج ليصلح بين الأنصار فاستخلف عبد الرحمن بن عوف فرجع بعد ما صلى فدخل رسول الله بيته وجمع أهله فصلى بهم بأذان وأقامة فلو كان يجوز اعادة الجماعة في المسجد لما ترك الصلاة في المسجد والصلاة فيه أفضل وهذا عندنا وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه لا بأس بتكرار الجماعة في مسجد واحد لان جميع الناس في المسجد سواء وانما بنى لاقامة الصلاة بالجماعة وهو قياس المساجد على قوارع الطرق فانه لا بأس بتكرار الجماعة فيها (ولنا) أنا أمرنا بتكثير الجماعة وفى تكرار الجماعة في مسجد واحد تقليلها لان الناس إذا عرفوا أنهم تفوتهم الجماعة يعجلون للحضور فتكثر الجماعة وإذا علموا أنه لا تفوتهم يؤخرون فيؤدى إلى تقليل الجماعات وبهذا فارق المسجد الذى على قارعة

[ 136 ] الطريق لانه ليس له قوم معلومون فكل من حضر يصلى فيه فاعادة الجماعة فيه مرة بعد مرة لا تؤدى إلى تقليل الجماعات ثم في مسجد المحال ان صلى غير أهلها بالجماعة فلاهلها حق الاعادة لان الحق في مسجد المحلة لاهلها ألا ترى أن التدبير في نصب الامام والمؤذن إليهم فليس لغيرهم أن يفوت عليهم حقهم فأما إذا صلى فيه أهلها أو أكثر أهلها فليس لغيرهم حق الاعادة الا في رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال ان وقف ثلاثة او اربعة ممن فاتتهم الجماعة في زاوية غير الموضع المعهود للامام فصلو بأذان واقامة فلا بأس به وهو حسن لما روى أن النبي صلى بأصحابه فدخل أعرابي وقام يصلي فقال ألا أحد يتصدق على هذا يقوم فيصلى معه فقام أبو بكر رضى الله عنه وصلى معه * قال (ومن فاتته صلاة عن وقتها فقضاها في وقت آخر أذن لها وأقام واحدا كان أو جماعة) لان النبي في ليلة التعريس بعد ما انتبه مع أصحابه بعد طلوع الشمس فقضى الفجر بأذان واقامة أمر بلالا بهما وشغل رسول الله عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن بعد هوي من الليل قال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أمر بلالا فأذن وأقام للاولى ثم أقام لكل صلاة بعدها وقال جابر رضي الله تعالى عنه أمره فأذن وأقام لكل صلاة وقال أبو سعيد الخدرى رضى الله تعالى عنه أمره بالاقامة لكل صلاة * قال (وان اكتفوا بالاقامة جاز) لان الاذان لاعلام الناس حتى يجتمعوا وذلك معدوم في القضاء والاقامة لا قامة الصلاة وان أذن وأقام فهو حسن ليكون القضاء على سنن الاداء * قال (ولا يجوز لمن فاته ظهر أمسه أن يقتدى بمن يصلى ظهر يوم غير ذلك) وهاهنا مسائل. احداها اقتداء المتنفل بالمفترض فهو جائز بالاتفاق لقوله سيكون أمراء بعدي يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فإذا فعلوا فصلوا أنتم في بيوتكم ثم صلوا معهم واجعلوا صلاتكم معهم سبحة أي نافلة ولان المقتدي بني صلاته على صلاة امامه كما ان المنفرد يبنى آخر صلاته على أول صلاته وبناء النفل على تحريمة انعقدت للفرض يجوز وكذلك اقتداء المتنفل بالمفترض فأما المفترض إذا اقتدى بالمتنفل عندنا فلا يصح الاقتداء. وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه يصح لحديث معاذ رضي الله تعالى عنه أنه كان يصلى مع رسول الله ثم يأتي قومه فيصلى بهم ولان المشاركة بين الامام والمقتدى في التحريمة. والنفل والفرض يستدعى كل واحد منهما تحريمة مطلقة

[ 137 ] فكما يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض فكذلك المفترض بالمتنفل (ولنا) قوله الامام ضامن معناه تتضمن صلاته صلاة القوم وتضمين الشئ فيما هو فوقه يجوز وفيما هو دونه لا يجوز وهو المعنى في الفرق فان الفرض يشتمل على أصل الصلاة والصفة والنفل يشتمل على أصل الصلاة فإذا كان الامام مفترضا فصلاته تشتمل علي صلاة المقتدى وزيادة فصح اقتداؤه به وإذا كان الامام متنفلا فصلاته لا تشتمل على ما تشتمل عليه صلاة المقتدى فلا يصح اقتداؤه به لانه بنى القوي على أساس ضعيف وحديث معاذ تأويله كان يصلى مع رسول الله بنية النفل ليتعلم منه سنة القراءة ثم يأتي قومه فيصلى بهم الفرض وهذا على أن تغاير الفرضين عندنا يمنع صحة الاقتداء حتى إذا اقتدى مصلى الظهر بمصلى العصر أو مصلى عصر يومه بمصلى عصر أمسه لم يجز الاقتداء. وعند الشافعي رحمه الله يجوز وإذا اقتدى مصلى الظهر بمصلى الجمعة أو مصلى الظهر بالمصلى على الجنازة فله فيه وجهان وهذا الخلاف ينبنى على أصل نذكره بعد هذا هو أن المشاركة بين الامام والمقتدى لا تقوى عنده حتى إذا تبين أن الامام محدث فصلاة المقتدى عنده صحيحة. وعندنا المشاركة تقوى بينهما فتغاير الفرضين يمنع صحة المشاركة ثم المذكور في هذا الباب أنه يصير شارعا في التطوع مقتديا بالامام حتى لو ضحك قهقهة يلزمه الوضوء لان الاقتداء في أصل الصلاة صحيح انما لا يصح في الجهة وفى باب الحدث قال لا يصير شارعا حتى لو قهقه لا يلزمه الوضوء وما ذكر هنا قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى بناء على أصلهما أن أصل الصلاة ينفصل عن الجهة ابتداء وبقاء وما ذكر بعد هذا قول محمد رحمه الله تعالى بناء على مذهبه أن الجهة متى فسدت صار خارجا من الصلاة وعليه نص في زيادات الزيادات * قال (ويجوز أذان العبد والاعمى وولد الزنا والاعرابي) لان المقصود وهو الاعلام حاصل وغيرهم أولى. أما العبد فلانه مشغول بخدمة المولى لا يتفرغ لمحافظة المواقيت وروى أن وفدا جاؤا إلى عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فقال من يؤذن لكم فقالوا عبيدنا قال ان هذا لنقص بكم. وأما الاعمى فهو محتاج إلى الرجوع إلى غيره في معرفة المواقيت وكان لابراهيم النخعي رحمه الله تعالى مؤذن أعمى يقال له معبد فقال له لا تكن آخر من يقيم ولا أولهم. وأما ولد الزنا والاعرابي فالغالب عليهم الجهل وقد بينا أن الاذان ذكر معظم فيختار له من يكون محترما في الناس متبركا به ولهذا قال أحب إلى أن يكون

[ 138 ] المؤذن عالما بالسنة وفيه حديث أن النبي قال يؤمكم قراؤكم ويؤذن لكم خياركم * قال (وان أذن للقوم غلام مراهق أجزأهم) لحصول المقصود بأذانه وهو الاعلام والبالغ أولى لانه أقرب إلى مراعاة الحرمة ولان الصبى غير مخاطب بالصلاة والاذان للمكتوبات خاصة فالاولى أن يؤذن من هو مخاطب بالمكتوبات * قال (وان أذنت لهم امرأة جاز) لحصول المقصود وهو مكروه لان أذان النساء من المحدثات لم يكن في السلف وكل محدثة بدعة ولان في صوتها فتنة وهي منهية عن الخروج إلى الجماعات والاذان لاقامة الصلاة بالجماعة * قال (ويؤذن المؤذن حيث يكون أسمع للجيران) لان المقصود اعلامهم ويرفع صوته لان الاعلام لا يحصل الا به وفى الحديث يشهد للمؤذن من سمع صوته أو يستغفر للمؤذن مدى صوته * قال (ولا يجهد نفسه فربما يضره ذلك) ورأى عمر رضي الله تعالى عنه مؤذن بيت المقدس يجهد نفسه فقال أما تخشى أن ينقطع مريطاؤك والمريطاء عرق مستبطن بالصلب فإذا انقطع لم يكن معه حياة * قال (ولا أكره له أن يتطوع في صومعته) لما روي أن بلالا رضى الله تعالى عنه كان ربما تطوع في صومعته ولانه بمنزلة السطح فلا بأس بالصلاة عليه * قال (وأحب إلى أن يجزم قوله الله أكبر) وقد بينا هذا في تكبيرة الافتتاح * قال (والتلحين في الاذان مكروه) لما روى أن رجلا جاء إلى عمر رضى الله تعالى عنه فقال انى أحبك في الله فقال انى أبغضك في الله فقال لم قال لانه بلغني أنك تغنى في أذانك يعنى التلحين وأما التفخيم فلا بأس به لانه احدى اللغتين * قال (وان افتتح الاذان فظن أنها الاقامة فأقام في آخرها بأن قال قد قامت الصلاة ثم علم فانه يتم الاذان ثم يقيم وان كان في الاقامة فظن أنها الاذان فصنع فيها ما صنع في الاذان أعادها من أولها) لان هنا وقع التعيين في جميعها وفي الاول في آخرها وحقيقة المعنى في الفرق أن المقصود من الاذان اعلام الناس ليحضروا وبالاقامة في آخرها لا يفوت هذا المقصود بل يزداد لان الناس يعجلون على ظن أنها الاقامة فلهذا لا يعيدها وعند الاقامة اقامة الصلاة والتعجيل للادراك فإذا صنع في الاقامة ما يصنع في الاذان يفوت هذا المقصود لان الناس يظنون أنه الاذان فينتظرون الاقامة فلهذا يعيد الاقامة من أولها * قال (فان غشى عليه ساعة في الاذان أو الاقامة ثم أفاق فأحب إلى أن يبتدئها من أولها) ألا ترى أنه لو غشى عليه في الصلاة لم يبن على صلاته فكذلك فيما هو من

[ 139 ] أسباب الصلاة * قال (وان رعف فيها أو أحدث فذهب وتوضأ ثم جاء فأحب إلى أن يبتدئها من أولها) لان بذهابه انقطع النظم فربما يشتبه على الناس أنه كان يؤذن أو يتعلم كلمات الاذان والاولى له إذا أحدث في أذانه أو اقامته أن يتمها ثم يذهب فيتوضأ ويصلى لان ابتداء الاذان أو الاقامة مع الحدث يجوز فاتمامه أولى * قال (وإذا قدم المؤذن في أذانه أو اقامته بعض الكلمات على بعض فالاصل فيه أن ما سبق أداؤه يعتد به حتى لا يعيده في أذانه) وما يقع مكررا لا يعتد به فكأنه لم يكرر * قال (وإذا وقع في اقامته فمات أو أغمى عليه فأحب إلى أن يبتدئ الاقامة غيره من أولها) لان عمله قد انقطع بالموت ولا بناء على المنقطع * قال (مؤذن أذن ثم ارتد فان اعتدوا بأذانه وأمروا من يقيم ويصلى بهم أجزأهم) لانه المقصود وهو الاعلام قد حصل بأذانه وبطلان ثواب عمله بالردة في حقه لا يبطله في حق غيره كما لو ارتد الامام بعد فراغه من الصلاة تبطل صلاته ولا تبطل في حق القوم * قال (ويقعد المؤذن بين الاذان والاقامة في جميع الصلوات الا في المغرب في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى أما في سائر الصلوات فيكره له أن يصل الاقامة بالاذان ولا يقعد بينهما) لما روى أن النبي قال لبلال اجعل بين أذانك واقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والاولى به في الصلاة التى قبلها تطوع مسنون أو مستحب أن يتطوع بين الاذان والاقامة جاء في تأويل قوله تعالى ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا أنه المؤذن يدعو الناس بأذانه ويتطوع بعده قبل الاقامة فأما في صلاة المغرب فيكره له وصل الاقامة بالاذان كما في غيرها والافضل عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن يفصل بينهما بسكتة وذكر الحسن رحمه الله تعالى عنه بقدر ما يقرأ ثلاث آيات وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى الافضل أن يفصل بينهما بجلسة مقدار جلسة الخطيب بين الخطبتين لحديث ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه كان يفصل بين أذان المغرب والاقامة بجلسة ولان السكتة تشبه السكتات بين كلمات الاذان فلا يتحقق بها الفصل فالجلسة للفصل أولى وأبو حنيفة رحمه الله تعالى قال أمرنا بتعجيل المغرب قال لا تزال أمتى بخير ما لم يؤخروا المغرب وقال بادروا بالمغرب قبل اشتباك النجوم ولا تتشبهوا باليهود فانهم يصلون والنجوم مشتبكة والفصل بالسكتة أقرب إلى تعجبل المغرب. وحديث ابن عمر رضى الله تعالى عنهما محمول على حالة العذر لكبر أو مرض وبه

[ 140 ] نقول * قال (ويكره أن يؤذن في مسجدين ويصلى في أحدهما لانه بعد ما صلى يكون متنفلا بالاذان في المسجد الثاني والتنفل بالاذان غير مشروع ولان الاذان مختص بالمكتوبات فانما يؤذن ويقيم من يصلى المكتوبة على أثرهما وهو في المسجد الثاني يصلى النافلة على أثرهما * قال (ويكره للامام والمؤذن طلب الاجر على ذلك من القوم) لانهما يعملان لانفسهما فكيف يشترطان الاجر على غيرهما ثم هما خليفتان للرسول في الدعاء والامامة وقال الله تعالى قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى فمن يكون خليفته ينبغي أن يكون مثله وقال عثمان بن أبى العاص الثقفى رضى الله تعالى عنه آخر ما عهد إلى رسول الله أن صل بالناس صلاة أضعفهم وإذا اتخذت مؤذنا فلا تأخذ على الاذان أجرا وقال رجل لعمر رضى الله تعالى عنه اني أحبك في الله فقال انى أبغضك في الله قال ولم قال لانه بلغني أنك تأخذ على الاذان أجرا فان عرف القوم حاجته فواسوه بشئ فما أحسن ذلك بعد أن لا يكون عن شرط لانه فرغ نفسه لحفظ المواقيت واعلامه لهم فربما لا يتفرغ للكسب فينبغي لهم أن يهدوا إليه بهدية فقد كان الانبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم يقبلون الهدية وعلى هذا قالوا الفقيه الذي يفتى في بلدة أو قرية لا يحل له أن يأخذ على الفتيا شيئا عن شرط فان عرفوا حاجته فأهدوا إليه فهو حسن لانه محسن إليهم في تفريغ نفسه عن الكسب وحراسة أمر دينهم فينبغي أن يقابلوا احسانه بالاحسان إليه * قال (والذى يواظب على الصلوات كلها أولى بالاذن من غيره) لان صوته يصير معهودا للقوم فلا يقع الاشتباه وان أذن السوقى في صلاة الليل وأذن في صلاة النهار غيره فذلك جائز ايضا لان السوقي محتاج إلى الكسب فيلحقه الحرج بالرجوع إلى المحلة في وقت كل صلاة * قال (وإذا أذن السكران أو المجنون فأحب إلى أن يعيدوا) لان معنى التعظيم لا يحصل بأذانهما وعامة كلام السكران والمجنون هذيان فلا يحصل به الاعلام فربما يشتبه على الناس فالاولى اعادة أذانهم * قال (ولا يجوز لاهل المسجد أن يقتسموا المسجد وينصبوا وسطه حائطا) لان بقعة المسجد تحررت عن حقوق العبد فصار خالصا لله تعالى والقسمة من التصرفات في الملك فلا يشتغل بها في المسجد كالزراعة وغيرها فان فعلوا ذلك فليصل كل فريق منهم بامام ومؤذن على حدة ما لم ينتقضوا القسمة لانهما في حكم مسجدين متجاورين فينبغي أن يكون لكل واحد منهما امام ومؤذن على حدة والله أعلم

[ 141 ] (باب مواقيت الصلاة) (اعلم) أن الصلاة فرضت لاوقاتها قال الله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس ولهذا تكرر وجوبها بتكرار الوقت وتؤدى في مواقيتها قال الله تعالى ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا أي فرضا مؤقتا وقال من حافظ على الصلوات الخمس في مواقيتها كان له عند الله عهدا يغفر له يوم القيامة وتلا قوله تعالى الا من اتخذ عند الرحمن عهدا. وللمواقيت إشارة في كتاب الله تعالى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون أي صلوا لله فقوله حين تمسون المراد به العصر وعند بعضهم المغرب وحين تصبحون الفجر وعشيا العشاء وحين تظهرون الظهر وقال الله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر قال ابن عباس رضى الله تعالى عنه دلوك الشمس الزوال فالمراد به الظهر وقال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه دلوكها غروبها والمراد المغرب إلى غسق الليل العشاء وقرآن الفجر صلاة الفجر وقال الله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهو العصر وقال الله تعالى أقم الصلاة طرفي النهار وقال الحسن الفجر وزلفا من الليل قال محمد بن كعب رضى الله تعالى عنه المغرب والعشاء * ثم بدأ الباب ببيان وقت الفجر لانه متفق عليه لم يختلفوا في أوله ولا في آخره * قال (وقت صلاة الفجر من حين يطلع الفجر المعترض في الافق إلى طلوع الشمس) والفجر فجران كاذب تسميه العرب ذنب السرحان وهو البياض الذى يبدو في السماء طولا ويعقبه ظلام والفجر الصادق وهو البياض المنتشر في الافق فبطلوع الفجر الكاذب لا يدخل وقت الصلاة ولا يحرم الاكل على الصائم ما لم يطلع الفجر الصادق لقوله لا يغرنكم الفجر المستطيل ولكن كلوا واشربوا حتى يطلع الفجر المستطير يعنى المنتشر في الافق وقال الفجر هكذا ومد يده عرضا لا هكذا ومد يده طولا والاصل حديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله قال أمنى جبريل عليه السلام عند البيت فصلى بى الفجر في اليوم الاول حين طلوع الفجر وفى اليوم الثاني حين أسفر جدا ثم قال ما بين هذين وقت لك ولامتك وهو وقت الانبياء قبلك وفي حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال رسول الله ان للصلاة أولا وآخرا وان أول وقت الفجر حين يطلع الفجر وآخره حين تطلع الشمس وفى حديث

[ 142 ] ابى موسى رضى الله عنه أن رجلا سأل رسول الله عن مواقيت الصلاة فلم يجبه ولكنه صلى الفجر في اليوم الاول حين طلع الفجر وفى اليوم الثاني حين كادت الشمس تطلع ثم قال أين السائل عن الوقت الوقت بين هذين والدليل على أن آخر الوقت حين تطلع الشمس قوله من أدرك ركعة من الفجر قبل طلوع الشمس فقد أدرك وفي حديث جرير بن عبد الله رضى الله عنه قال قال انكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته فان استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم تلا قوله تعالي فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها * قال (ووقت الظهر من حين تزول الشمس إلى أن يكون ظل كل شئ مثله) في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يدخل وقت العصر حتى يصير الظل قامتين ولا خلاف في أول وقت الظهر أنه يدخل بزوال الشمس الا شئ نقل عن بعض الناس إذا صار الفئ بقدر الشراك لحديث أمامة جبريل عليه السلام قال صلى بى الظهر في اليوم الاول حين صار الفئ بقدر الشراك. ولكنا نستدل بقوله تعالى لدلوك الشمس أي لزوالها والمراد من الفئ مثل الشراك الفئ الاصلى الذى يكون للاشياء وقت الزوال وذلك يختلف باختلاف الامكنة والاوقات فاتفق ذلك القدر في ذلك الوقت وقد قيل لابد أن يبقى لكل شئ فئ عند الزوال في كل موضع الا بمكة والمدينة في أطول أيام السنة فلا يبقى بمكة ظل على الارض وبالمدينة تأخذ الشمس الحيطان الاربعة وذلك الفئ الاصلى غير معتبر في التقدير بالظل قامة أو قامتين بالاتفاق وأصح ما قيل في معرفة الزوال قول محمد بن شجاع رضى الله عنه أنه يغرز خشبة في مكان مستو ويجعل على مبلغ الظل منه علامة فما دام الظل ينقص من الخط فهو قبل الزوال وإذا وقف لا يزداد ولا ينتقص فهو ساعة الزوال وإذا أخذ الظل في الزيادة فقد علم أن الشمس قد زالت * واختلفوا في آخر وقت الظهر فعندهما إذا صار ظل كل شئ مثله خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر وهو رواية محمد عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالي وان لم يذكره في الكتاب نصا في خروج وقت الظهر وروى أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه لا يخرج وقت الظهر حتى يصير الظل قامتين وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله أنه إذا صار الظل قامة يخرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر حتى يصير الظل قامتين

[ 143 ] وبينهما وقت مهمل وهو الذى تسميه الناس بين الصلاتين كما أن بين الفجر والظهر وقتا مهملا واستدل بحديث امامة جبريل صلوات الله وسلامه عليه فانه قال صلى بى العصر في اليوم الاول حين صار ظل كل شئ مثله وصلى بي الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شئ مثله أو قال حين صلى العصر بالامس وهكذا في حديث أبى هريرة وأبى موسى رضى الله عنهما في بيان المواقيت قولا وفعلا وأبو حنيفة رحمه الله تعالي استدل بالحديث المعروف قال رسول الله انما مثلكم ومثل أهل الكتابين من قبلكم كمثل رجل استأجر أجيرا فقال من يعمل لى من الفجر إلى الظهر بقيراط فعملت اليهود ثم قال من يعمل لي من الظهر إلى العصر بقيراط فعملت النصارى ثم قال من يعمل لى من العصر إلى المغرب بقيراطين فعملتم أنتم فغضبت اليهود والنصارى وقالوا نحن أكثر عملا وأقل أجرا قال الله تعالى فهل نقصت من حقكم شيئا قالوا لا قال فهذا فضلى أوتيه من أشاء بين أن المسلمين أقل عملا من النصارى فدل أن وقت العصر أقل من وقت الظهر وانما يكون ذلك إذا امتد وقت الظهر إلى أن يبلغ الظل قامتين وقال أبردوا بالظهر فان شدة الحر من فيح جهنم وأشد ما يكون من الحر في ديارهم إذا صار ظل كل شئ مثله ولانا عرفنا دخول وقت الظهر بيقين ووقع الشك في خروجه إذا صار الظل قامة لاختلاف الآثار واليقين لا يزال بالشك * والاوقات ما استقرت على حديث امامة جبريل عليه السلام ففيه أنه صلى الفجر في اليوم الثاني حين أسفر والوقت يبقى بعده إلى طلوع الشمس وفيه أيضا انه صلى العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل والوقت يبقى بعده وقال مالك رحمه الله تعالى إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر فإذا مضى بقدر ما يصلى فيه أربع ركعات دخل وقت العصر فكان الوقت مشتركا بين الظهر والعصر إلى أن يصير الظل قامتين لظاهر حديث إمامة جبريل عليه السلام فانه ذكر أنه صلى الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذى صلى العصر في اليوم الاول وهذا فاسد عندنا فان النبي قال لا يدخل وقت صلاة حتى يخرج وقت صلاة أخرى وتأويل حديث امامة جبريل صلى بي الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شئ مثله أي قرب منه وصلى بي العصر في اليوم الاول حين صار ظل كل شئ مثله أي تم وزاد عليه وهو نظير قوله تعالى فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن أي قارب بلوغ أجلهن وقال تعالى فبلغن أجلهن فلا

[ 144 ] تعضلوهن أي تم انقضاء عدتهن وحكى أبو عصمة عن أبى سليمان عن أبى يوسف رحمهم الله تعالى قال خالفت أبا حنيفة رحمه الله تعالى في وقت العصر فقلت أوله إذا زاد الظل على قامة اعتمادا على الآثار التى جاءت به وهو إشارة إلى ما قلنا فأما آخر وقت العصر غروب الشمس عندنا وقال الحسن بن زياد رضى الله تعالى عنه تغير الشمس إلى الصفرة وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى لحديث امامة جبريل عليه السلام وصلى بى العصر في اليوم الثاني حين كادت الشمس تتغير (ولنا) قوله من أدرك ركعة من العصر قبل غروب الشمس فقد أدرك أي أدرك الوقت ولكن يكره تأخير العصر إلى أن تتغير الشمس لقول رسول الله تلك صلاة المنافقين يقعد أحدهم حتى إذا كانت الشمس بين قرنى الشيطان قام ينقر اربعا لا يذكر الله تعالى فيها الا قليلا وقال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه ما أحب أن يكون لى صلاة حين ما تحمار الشمس بفلسين * واختلفوا في تغير الشمس ان العبرة للضوء أم للقرص فكان النخعي يعتبر تغير الضوء والشعبى يقول العبرة لتغير القرص وبهذا أخذنا لان تغير الضوء يحصل بعد الزوال فإذا صار القرص بحيث لاتحار فيه العين فقد تغيرت * قال (ووقت المغرب من حين تغرب الشمس إلى أن يغيب الشفق عندنا) وقال الشافعي رحمه الله تعالى ليس للمغرب الا وقت واحد مقدر بفعله فإذا مضى بعد غروب الشمس مقدار ما يصلى فيه ثلاث ركعات خرج وقت المغرب لحديث امامة جبريل عليه السلام فانه صلى المغرب في اليومين في وقت واحد (ولنا) حديث أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال رسول الله ان أول وقت المغرب حين تغيب الشمس وآخره حين يغيب الشفق وتأويل حديث امامة جبريل عليه السلام أنه أراد بيان وقت استحباب الاداء وبه نقول انه يكره تأخير المغرب بعد غروب الشمس الا بقدر ما يستبرئ فيه الغروب رواه الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى لقوله لا تزال أمتى بخير ما عجلوا المغرب وأخروا العشاء وأخر ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أداء المغرب يوما حتى بدا نجم فأعتق رقبة وعمر رضى الله تعالى عنه رأى نجمين طالعين قبل أدائه فأعتق رقبتين فهذا بيان كراهية التأخير فأما وقت الادراك يمتد إلى غيبوبة الشفق والشفق البياض الذى بعد الحمرة في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وهو قول أبى بكر وعائشة رضى الله تعالى عنهما واحدى الروايتين عن ابن عباس رضى الله

[ 145 ] تعالى عنهما وفى قول أبي يوسف محمد والشافعي رحمهم الله تعالى الحمرة التى قبل البياض وهو قول عمر وعلى وابن مسعود رضى الله تعالى عنهم واحدى الروايتين عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وهكذا روى أسد بن عمرو عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى. ووجه هذا أن الطوالع ثلاثة والغوارب ثلاثة ثم المعتبر لدخول الوقت الوسط من الطوالع وهو الفجر الثاني فكذلك في الغوارب المعتبر لدخول الوقت الوسط وهو الحمرة فبذهابها يدخل وقت العشاء وهذا لان في اعتبار البياض معنى الحرج فانه لا يذهب الا قريبا من ثلث الليل (وقال) الخليل بن أحمد راعيت البياض بمكة فما ذهب الا بعد نصف الليل وقيل لا يذهب البياض في ليالى الصيف أصلا بل يتفرق في الافق ثم يجتمع عند الصبح فلدفع الحرج جعلنا الشفق الحمرة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى قال الحمرة أثر الشمس والبياض أثر النهار فما لم يذهب كل ذلك لا يصير إلى الليل مطلقا وصلاة العشاء صلاة الليل كيف وقد جاء في الحديث وقت العشاء إذا ملا الظلام الظراب وفى رواية إذا ادلهم الليل أي استوى الافق في الظلام وذلك لا يكون الا بعد ذهاب البياض فبذهابه يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العشاء. فأما آخر وقت العشاء فقد قال في الكتاب إلى نصف الليل والمراد بيان وقت اباحة التأخير فأما وقت الادراك فيمتد إلى طلوع الفجر الثاني حتى إذا أسلم الكافر أو بلغ الصبي قبل طلوع الفجر فعليه صلاة العشاء وهذا عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى آخر وقت العشاء حين يذهب ثلث الليل لحديث امامة جبريل عليه الصلاة والسلام وصلى بى العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل (ولنا) حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله وآخر وقت العشاء حين يطلع الفجر وصلاة العشاء صلاة الليل فيبقى وقتها ما بقي الليل وقوله لا يخرج وقت صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى دليل لنا أيضا ان ثبت هذا اللفظ ولكنه شاذ والمشهور اللفظ الذي روينا * قال (والتنوير بصلاة الفجر أفضل من التغليس بها عندنا) وقال الشافعي التغليس بها أفضل وذكر الطحاوي ان كان من عزمه تطويل القراءة فالافضل أن يبدأ بالتغليس ويختم بالاسفار وان لم يكن من عزمه تطويل القراءة فالاسفار أفضل من التغليس واستدل الشافعي بحديث عائشة رضى الله عنها قالت كن النساء ينصرفن من الصلاة مع رسول الله وهن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من شدة الغلس وقال أنس رضى

[ 146 ] الله عنه كان النبي يصلى الفجر ولا يعرف أحدنا من إلى جنبه من شدة الغلس ولان في هذا اظهار المسارعة في أداء العبادة وهو مندوب إليه لقوله تعالى وسارعوا إلى مغفرة من ربكم (ولنا) حديث رافع بن خديج أن النبي قال أسفروا بالفجر فانه أعظم للاجر وحديث الصديق عن بلال رضى الله تعالى عنهما أن النبي قال نوروا بالفجر أو قال أصبحوا بالصبح يبارك لكم ولان في الاسفار تكثير الجماعة وفى التغليس تقليلها وما يؤدى إلى تكثير الجماعة فهو أفضل ولان المكث في مكان الصلاة حتى تطلع الشمس مندوب إليه قال من صلى الفجر ومكث حتى تطلع الشمس فكأنما أعتق أربع رقاب من ولد إسماعيل وإذا أسفر بها تمكن من احراز هذه الفضيلة وعند التغليس قلما يتمكن منها فأما حديث عائشة رضى الله عنها فالصحيح من الروايات اسفار رسول الله لصلاة الفجر قال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه ما رأيت رسول الله صلى صلاة قبل ميقاتها الا صلاة الفجر صبيحة الجمعة فانه صلاها يومئذ بغلس فدل أن المعهود اسفاره بها فان ثبت التغليس في وقت فلعذر الخروج إلى سفر أو كان ذلك حين يحضر النساء الصلاة بالجماعة ثم انتسخ ذلك حين أمرن بالقرار في البيوت * قال (والافضل في صلاة الظهر أن يوخرها ويبرد بها في الصيف وفي الشتاء يعجلها بعد الزوال) وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه ان كان يصلى وحده يعجلها بعد الزوال في كل وقت وان كان يصلى بالجماعة يؤخر يسيرا واستدل بحديث خباب ابن الارت رضى الله تعالى عنه قال شكونا إلى رسول الله حر الرمضاء في خيامنا فلم يشكنا أي لم يجبنا إلى شكوانا فدل أنه كان يعجل الظهر وأصحابنا استدلوا بقوله أبردوا بالظهر فان شدة الحر من فيح جهنم وفي حديث أبي هريرة رضى الله تعالى عنه كان النبي في سفر فلما زالت الشمس جاء بلال ليؤذن فقال له أبرد هكذا مرارا فلما صار للتلال فئ قال أذن ولان في التعجيل في الصيف تقليل الجماعات واضرارا بالناس فان الحر يؤذيهم وتأويل حديث خباب أنهم طلبوا ترك الجماعة أصلا على أن معنى قوله فلم يشكنا أي لم يدعنا في الشكاية بل أزال شكوانا بأن أبرد بها فأما في الشتاء فالمستحب تعجيلها لحديث أنس رضى الله تعالى عنه كان النبي يصلى الظهر في الشتاء فلا يدرى أن ما مضى من النهار

[ 147 ] أكثر أم ما بقى وقال لمعاذ حين وجهه الي اليمن إذا كان الصيف فأبرد فان تقيلوك فأمهلهم حتى يدركوا وإذا كان الشتاء فصل الظهر حين تزول الشمس فان الليالى طوال فأما العصر فالمستحب تأخيرها في الصيف والشتاء عندنا بعد أن يؤديها والشمس بيضاء نقية لم يدخلها تغير وقال الشافعي رحمه الله تعالى المستحب تعجيلها لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها كان رسول الله يصلي العصر والشمس طالعة في حجرتي ولحديث أنس رضي الله تعالى عنه كان النبي يصلى العصر فيذهب الذاهب إلى العوالي وينحر الجزور ويطبخ ويأكل قبل غروب الشمس (ولنا) حديث ابن مسعود رضى الله تعالى عنه قال كان النبي صلي الله عليه وسلم يصلى العصر والشمس بيضاء نقية وهذا منه بيان تأخير للعصر وقالت أم سلمة رضى الله تعالى عنها أنتم أشد تأخيرا للظهر من رسول الله ورسول الله أشد تأخيرا للعصر منكم وقيل سميت العصر لانها تعصر أي تؤخر ولان في تأخير العصر تكثير النوافل وأداء النافلة بعدها مكروه ولهذا كان التعجيل في المغرب أفضل لان أداء النافلة قبلها مكروه ولان المكث بعد العصر إلى غروب الشمس في موضع الصلاة مندوب إليه قال عليه الصلاة والسلام من صلى العصر ومكث في المسجد إلى غروب الشمس فكانما أعتق ثمانية من ولد إسماعيل عليه السلام وإذا أخر العصر يتمكن من أحراز هذه الفضيلة فهو أفضل فأما حديث عائشة رضى الله تعالى عنها فقد كانت حيطان حجرتها قصيرة فتبقى الشمس طالعة فيها إلى أن تتغير وحديث أنس فقد كان ذلك في وقت مخصوص لعذر * فأما صلاة المغرب فالمستحب تعجيلها في كل وقت وقد بينا ان تأخيرها مكروه وكان عيسى بن أبان رحمه الله تعالى يقول الاولى تعجيلها للآثار ولكن لا يكره التأخير مطلقا ألا ترى أن بعذر السفر والمرض تؤخر المغرب ليجمع بينها وبين العشاء فعلا فلو كان المذهب كراهة التأخير لما أبيح ذلك بعذر السفر والمرض كما لا يباح تأخير العصر إلى أن تتغير الشمس واستدل فيه بما روى أن النبي قرأ سورة الاعراف في صلاة المغرب ليلة وانما يحمل ذلك على بيان امتداد الوقت واباحة التأخير. فأما صلاة العشاء فالمستحب عندنا تأخيرها إلى ثلث الليل ويجوز التأخير بعد ذلك إلى نصف الليل ويكره التأخير بعد ذلك وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه المستحب تعجيلها بعد غيبوبة الشفق لحديث نعمان

[ 148 ] ابن بشير قال كان النبي يصلى العشاء حين يسقط القمر الليلة الثالثة وذلك عند غيبوبة الشفق يكون ولان في تعجيلها تكثير الجماعة خصوصا في زمان الصيف (ولنا) ماروى أن النبي أخر العشاء إلى ثلث الليل ثم خرج فوجد أصحابه في المسجد ينتظرونه فقال أما انه لا ينتظر هذه الصلاة في هذا الوقت أحد غيركم ولو لا سقم السقيم وضعف الضعيف لاخرت العشاء إلى هذا الوقت وفي حديث آخر لولا أن أشق على أمتى لاخرت العشاء إلى ثلث الليل (وكتب) عمر رضى الله تعالى عنه إلى أبى موسى الاشعري رضى الله تعالى عنه أن صلى العشاء حين يذهب ثلث الليل فان أبيت فالي نصف الليل فان نمت فلا نامت عيناك وفى رواية فلا تكن من الغافلين * والحاصل أن الشافعي رضى الله تعالى عنه يختار أداء الصلاة في أول الوقت لقوله عليه الصلاة والسلام أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله والعفو يكون بعد التقصير ولان فيه احراز الفضيلة قبل أن يعترض عليه عذر يعجزه عن احرازها وأصحابنا اختاروا التأخير ففيه انتظار للصلاة وقال المنتظر للصلاة في الصلاة ما دام ينتظرها وفى التأخير تكثير الجماعة أيضا وفيه تقليل النوم فهو أفضل وما كان امتداد الوقت الا للتيسير وفي التأخير أظهار معنى التيسير وهو الذى أشار إليه رسول الله في قوله وآخره عفو الله فالمراد بالعفو الفضل قال تعالى ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو ولا يجوز أن يحمل العفو هاهنا على التجاوز عن التقصير فقد ذكر في امامة جبريل عليه السلام تأخير الاداء للصلاة في اليوم الثاني إلى آخر الوقت وما كان رسول الله يقصد إلى شئ يكون فيه تقصير فان الزلة التى تجوز على الانبياء صلوات الله عليهم أجمعين ما تكون من غير تقصير * قال (وفى يوم الغيم المستحب تأخير الفجر والظهر والمغرب وتعجيل العصر والعشاء) وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى التأخير في جميع الصلوات في يوم الغيم أفضل ووجهه أنه أقرب إلى الاحتياط فأداء الصلاة في وقتها أو بعد ذهابه يجوز ولا يجوز أداؤها قبل دخول الوقت ووجه ظاهر الرواية أن في الفجر المستحب التأخير لانه لو عجل بها لم يأمن أن يقع قبل طلوع الفجر الثاني ولان الناس يلحقهم الحرج في التعجيل عند الظلمة بسبب الغيم فيؤخر ليكون فيه تكثير الجماعة وكذلك في الظهر يؤخر لكيلا يقع قبل الزوال ويعجل العصر لكيلا يقع في حال تغيير الشمس ويؤخر المغرب لكيلا يقع قبل غروب الشمس

[ 149 ] وتعجل العشاء لدفع الحرج عن الناس فانهم يتضررون بالمطر يأخذهم قبل الرجوع إلى منازلهم وعند الغيم ينتظر المطر ساعة فساعة فتعجل العشاء لينصرفوا إلى منازلهم قبل أن يمطروا * قال (ولا يجمع بين صلاتين في وقت احداهما في حضر ولا في سفر) ما خلا عرفة ومزدلفة فان الحاج يجمع بين الظهر والعصر بعرفات فيؤديهما في وقت الظهر وبين المغرب والعشاء بمزدلفة فيؤديهما في وقت العشاء عليه اتفق رواة نسك رسول الله أنه فعله وفيما سوى هذين الموضعين لا يجمع بينهما وقتا عندنا وقال الشافعي رحمه الله يجمع بينهما لعذر السفر والمطر وقال مالك رحمه الله ولعذر المرض أيضا. وهو أحد قولى الشافعي رحمه الله تعالى وقال أحمد بن حنبل يجوز الجمع بينهما في الحضر من غير عذر السفر واحتجوا بحديث معاذ أن النبي جمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك وعن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله يجمع بين الصلاتين إذا جد به السفر وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال صلينا مع رسول الله سبعا جمعا وثمانيا جمعا فالمراد بالسبع المغرب والعشاء وبالثمان الظهر والعصر وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أيضا قال جمع رسول الله بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير عذر (ولنا) قوله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى أي في مواقيتها وقال تعالى ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا أي فرضا مؤقتا وعن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أن النبي قال من جمع بين صلاتين في وقت واحد فقد أتى بابا من الكبائر وقال عمر رضى الله تعالى عنه ان من أكبر الكبائر الجمع بين الصلاتين فكما لا يجمع بين العشاء والفجر ولا بين الفجر والظهر لاختصاص كل واحد منهما بوقت منصوص عليه شرعا فكذلك الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء. وتأويل الاخبار أن الجمع بينهما كان فعلا لا وقتا وبه نقول وبيان الجمع فعلا أن المسافر يؤخر الظهر إلى آخر الوقت ثم ينزل فيصلى الظهر ثم يمكث ساعة حتى يدخل وقت العصر فيصليها في أول الوقت وكذلك يؤخر المغرب إلى آخر الوقت ثم يصليها في آخر الوقت والعشاء في أول الوقت فيكون جامعا بينهما فعلا. الدليل عليه حديث نافع قال خرجنا مع ابن عمر رضى الله تعالى عنهما من مكة فاستصرخ بامرأته فجعل يسير حتى غربت الشمس فنادى الركب الصلاة فلم يلتفت إليهم حتى إذا دنا غيبوبة الشفق نزل فصلى المغرب ثم مكث حتى غاب الشفق

[ 150 ] ثم صلى العشاء ثم قال هكذا كان يفعل رسول الله إذا جد به السير وعن على رضى الله تعالى عنه أنه فعل مثل ذلك في بعض أسفاره صلى المغرب في آخر الوقت والعشاء في أوله وتعثى بينهما وفى الحقيقة تنبنى هذه المسألة على أصل وهو أن عنده بين وقت الظهر والعصر تداخلا حتى إذا بلغ الصبي أو أسلم الكافر في وقت العصر يلزمها قضاء الظهر وكذلك المغرب مع العشاء وعندنا لا تداخل بل كل واحد منهما مختص بوقته ودليلنا ماروينا لا يدخل وقت صلاة حتى يخرج وقت الاخرى * قال (ووقت الوتر من حين يصلى العشاء إلى الفجر والافضل تأخيرها إلى آخر الليل) لحديث خارجة بن حذافة رضى الله تعالى عنهما أن النبي قال ان الله تعالى أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم ألاوهى الوتر فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر وقالت عائشة رضى الله تعالى عنها من كل الليل أوتر رسول الله من أوله وأوسطه وآخره وانتهى وتره إلى السحر وقال صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر يوتر لك ما قبله وكان أبو بكر رضى الله تعالى عنه يوتر من أول الليل وعمر رضى الله تعالى عنه من آخر الليل وقال لابي بكر رضى الله تعالى عنه أخذت بالثقة ولعمر رضى الله تعالى عنه أخذت بفضل القوة (فان أوتر في وقت العشاء قبل أن يصلى العشاء وهو ذاكر لذلك لم يجزه بالاتفاق) لانه أداها قبل وقتها أو ترك الترتيب المأمور به من بناء الوتر على العشاء. فأما إذا صلى العشاء بغير وضوء وهو لا يعلم به ثم جدد الوضوء فأوتر ثم علم أنه كان صلى العشاء بغير وضوء فعليه اعادة العشاء دون الوتر في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان الترتيب كان ساقطا عنه بعذر النسيان وعندهما يلزمه اعادة الوتر لان عندهما دخول وقت الوتر بعد أداء العشاء على وجه الصحة ولم يوجد فكان مصليا قبل وقته وعند أبى حنيفة رحمه الله يدخل وقت الوتر بدخول وقت العشاء انما كان عليه مراعاة الترتيب وقد سقط ذلك بالنسيان وانما ينبنى هذا على اختلافهم في صفة الوتر فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى واجب أو فرض فلا يكون تبعا للعشاء وعندهما سنة فكان تبعا للعشاء وسيأتي بيان هذا الفصل * قال (ولا يتطوع بعد طلوع الفجر الا بركعتي الفجر إلى أن تطلع الشمس وترتفع) واعلم بأن الاوقات التى تكره فيها الصلاة خمسة ثلاثة منها لا يصلى فيها جنس الصلوات عند طلوع الشمس إلى أن

[ 151 ] تبيض وعند غروبها الا عصر يومه فانه يؤديها عند الغروب والاصل فيه حديث عقبة بن عامر رضى الله تعالى عنه قال ثلاث ساعات نهانا رسول الله أن نصلى فيهن وأن نقبر فيهن موتانا عند طلوع الشمس حتى ترتفع وعند زوالها حتى تزول وحين تضيف للغروب حتى تغرب. وفى حديث الصنابحى أن النبي نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وقال انها تطلع بين قرني الشيطان كأن الشيطان يزينها في عين من يعبدونها حتى يسجدوا لها فان ارتفعت فارقها فإذا كان عند قيام الظهيرة قارنها فإذا مالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها فلا تصلوها في هذه الاوقات وفى حديث عمر بن عنبسة قال قلت لرسول الله هل من الليل والنهار ساعة لا يصلى فيها فقال إذا صليت المغرب فالصلاة مشهودة مقبولة إلى أن تصلى الفجر ثم أمسك حتى تطلع الشمس ثم الصلاة مشهودة مقبولة إلى وقت الزوال ثم أمسك فانها ساعة تسعر فيها جهنم ثم الصلاة مشهودة مقبولة إلى أن تصلى العصر ثم أمسك حتى تغرب الشمس والامكنة في هذا النهى سواء عندنا لعموم الآثار. وقال الشافعي لا بأس بالصلاة في هذه الاوقات بمكة لحديث روى الا بمكة ولم تثبت هذه الزيادة عندنا لانها شاذة فلا تعارض المشاهير وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه قال لا بأس بالصلاة في هذه الاوقات وقت الزوال يوم الجمعة وقد روي شاذا الا يوم الجمعة به أخذ أبو يوسف وقال للناس بلوى في تحية المسجد عند الزوال يوم الجمعة فالآثار التى روينا توجب الكراهة في الكل * ثم كل وقت ينهى فيه عن عبادة لا يختلف الحال فيه بين الجمعة وغيرها وبين مكة وغيرها كالنهي عن الصوم في يوم العيد وفى هذه الاوقات الثلاثة لا تؤدى الفرائض عندنا. وقال الشافعي النهى عن أداء النوافل فأما الفرائض فلا بأس بأدائها في هذه الاوقات لقوله من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فان ذلك وقتها (ولنا) حديث ليلة التعريس فان النبي لما نزل آخر الليل قال من يكلؤنا الليلة فقال بلال أنا فناموا فما أيقظهم الا حر الشمس وفى رواية انتبهوا وقد بدا حاجب الشمس فقال عليه الصلاة والسلام لبلال أين ما وعدتنا قال ذهب بنفسى الذى ذهب بنفوسكم فقال رسول الله أرواحنا بيد الله تعالى وأمرهم فانتقلوا عن ذلك الوادي ثم نزلوا فأوتر رسول الله ثم أذن بلال فصلى ركعتي الفجر ثم قام فصلى بهم

[ 152 ] قضاء وانما انتقل من ذلك الوادي لانه تشاءم والاصح أنه أراد أن ترتفع الشمس فلو جاز الفجر المكتوبة في حال طلوع الشمس لما أخر بعد الانتباه والآثار المروية في النهى عامة في جنس الصلوات وبها يثبت تخصيص هذه الاوقات من الحديث الذى رواه الخصم * قال (ولا يصلى في هذه الاوقات على الجنازة أيضا) لقوله وان نقبر فيهن موتانا فليس المراد به الدفن لان ذلك جائز بالاتفاق ولكنه كناية عن الصلاة على الجنازة أيضا * قال (ولا يسجد فيهن للتلاوة أيضا) لان الكراهة للتحرز عن التشبه بمن يعبد الشمس والتشبه يحصل بالسجود والنهى عن الصلاة على الجنازة وعن سجدة التلاوة في هذه الاوقات مروى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما ولو أدى سقط عنه لان الوجوب في هذا الوقت والنهى ليس لمعنى في عين السجود والصلاة فلا يمنع الجواز (الا عصر يومه فانه يؤديها عند غروب الشمس) لان هذا الوقت سبب لوجوبها حتى لو أسلم الكافر أو بلغ الصبى في هذا الوقت يلزمه أداؤها فيستحيل أن يجب عليه الاداء في هذا الوقت ويكون ممنوعا من الاداء وعلى هذا لو غربت الشمس وهو في خلال العصر يتم الصلاة بالاتفاق ولو طلعت الشمس وهو في خلال الفجر فسدت صلاته عندنا وعند الشافعي لا تفسد اعتبارا بحالة الغروب واستدل بقوله عليه الصلاة والسلام من أدرك ركعة من الفجر قبل طلوع الشمس فقد أدرك. والفرق بينهما عندنا أن بالغروب يدخل وقت الفرض فلا يكون منافيا للفرض وبالطلوع لا يدخل وقت الفرض فكان مفسدا للفرض كخروج وقت الجمعة في خلالها مفسد للجمعة لانه لا يدخل وقت مثلها * قال والاصح عندي في الفرق أن الطلوع بظهور حاجب الشمس وبه لا تنتفى الكراهة بل نتحقق فكان مفسدا للفرض والغروب باخره وبه تنتفي الكراهة فلم يكن مفسدا للعصر لهذا وتأويل الحديث أنه لبيان الوجوب بادراك جزء من الوقت قل أو كثر وعن أبى يوسف أن الفجر لا يفسد بطلوع الشمس ولكنه يصبر حتى إذا ارتفعت الشمس أتم صلاته وكانه استحسن هذا ليكون مؤديا بعض الصلاة في الوقت ولو أفسدناها كان مؤديا جميع الصلاة خارج الوقت وأداء بعض الصلاة في الوقت أولى من أداء الكل خارج الوقت * ووقتان آخران ما بعد العصر قبل تغير الشمس وما بعد صلاة الفجر قبل طلوع الشمس فانه لا يصلى فيهما شئ من النوافل لحديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن النبي

[ 153 ] نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس وهذا الحديث يرويه أبو سعيد الخدرى ومعاذ بن عفراء رضوان الله عليهم وجماعة ولكن يجوز أداء الفريضة في هذين الوقتين وكذلك الصلاة على الجنازة وسجدة التلاوة انما النهى عن التطوعات خاصة ألا ترى أنه يؤدى فرض الوقت فيهما فكذلك سائر الفرائض فأما الصلوات التى لها سبب من العباد كركعتي الطواف وركعتي تحية المسجد لا تؤدى في هذين الوقتين عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى واستدل بقوله إذا دخل أحدكم المسجد فليحيه بركعتين ورأى رسول الله بعد ما صلى في مسجد الخيف رجلين لم يصليا معه فقال ما بالكما لم تصليا معنا فقالا انا صلينا في رحالنا فقال إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما امام قوم فصليا معهم فقد جوز لهما الاقتداء بالامام بعد الفجر تطوعا (ولنا) ماروى أن عمر رضى الله تعالى عنه طاف بالبيت سبعا بعد صلاة الفجر ثم خرج من مكة حتى إذا كان بذى طوى فطلعت الشمس صلى ركعتين فقال ركعتان مكان ركعتين فقد أخر ركعتي الطواف إلى ما بعد طلوع الشمس وتأويل الحديث الذى روى أنه كان قبل النهي عن الصلاة في هذا الوقت. فكذلك المنذورة لا تؤدى في هذين الوقتين لان وجوبها بسبب من العبد فهى كالتطوع وركعتي الطواف وكذلك بعد طلوع الفجر قبل أن يصلى الفجر لا يصلى تطوعا الا ركعتي الفجر لان النبي لم يتطوع في هذا الوقت مع حرصه على الصلاة حتى كان يقول وجعلت قرة عينى في الصلاة (فان قيل) لم يذكر في هذا الكتاب وقتا آخر وهو بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب والتطوع فيه مكروه أيضا (قلنا) نعم ولكن هذا النهي ليس لمعنى في الوقت بل لما فيه من تأخير المغرب كالنهي عن الصلاة عند الخطبة ليس لمعنى بل لما فيه من الاشتغال عن سماع الخطبة فلهذا لم يذكره هنا * قال (وإذا نسى الفجر حتى زالت الشمس ثم ذكرها بدأ بها ولو بدأ بالظهر لم يجزه عندنا) لان الترتيب بين الفائتة وفرض الوقت مستحق عندنا وهو مستحب عند الشافعي رحمه الله تعالى فإذا بدأ بالظهر جاز عنده لان ما بعد زوال الشمس وقت للظهر بالآثار المشهورة وأداء الصلاة في وقتها يكون صحيحا كما إذا كان ناسيا للفائتة ثم الترتيب في أداء الصلوات في أوقاتها لضرورة الترتيب في أوقاتها وذلك لا يوجد في الفوائت لانها صارت مرسلة عن الوقت ثابتة في الذمة فكان قياس قضاء الصوم مع الاداء (ولنا)

[ 154 ] قوله من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فان ذلك وقتها فقد جعل رسول الله وقت التذكر وقتا للفائتة فمن ضرورتها أن لا يكون وقتا لغيرها وأداء الصلاة قبل وقتها لا يجوز بخلاف حالة النسيان فانه ليس بوقت للفائتة فكان وقتا لفرض الوقت. ثم القضاء بصفة الاداء فكما يراعي الترتيب بين الفجر والظهر أداء في الوقت فكذلك قضاء بعد خروج الوقت والاصل فيه حديث ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال من نسى صلاة فلم يذكرها الا وهو مع الامام فليصل معه وليجعلها تطوعا ثم ليقض ما ذكره ثم ليعد ما كان فيه وبعين هذا نقول. وفيه تنصيص على أن الترتيب شرط ثم يسقط الترتيب بثلاثة أشياء * أحدها النسيان لما روى أن النبي صلى المغرب يوما ثم قال هل رأني أحد منكم صليت العصر فقالوا لا فصلى العصر ولم يعد المغرب * والثانى ضيق الوقت حتى إذا كان بحيث لو اشتغل بالفائتة خرج الوقت قبل أداء فرض الوقت فليس عليه مراعاة الترتيب لانه ليس من الحكمة تدارك الفائتة بتفويت مثلها ولو اشتغل بالفائتة فانه فرض الوقت ولكن هنا في هذا الفصل لو بدأ بالفائتة أجزأه بخلاف الاول فان هناك هو مأمور بالبداءة بالفائتة ولو بدأ بفرض الوقت لم يجزه لان النهى عن البداءة بفرض الوقت هناك لمعنى في عينها ألا ترى أنه ينهى عن الاشتغال بالتطوع أيضا والنهي متى لم يكن لمعنى في عين المنهي عنه لا يمنع جوازه * والثالث كثرة الفوائت فانه يسقط به الترتيب عندنا وحد الكثرة أن تصير الفوائت ستالان واحدة منها تصير مكررة وهذا يرجع إلى ضيق الوقت أيضا فلو أمرناه بمراعاة الترتيب مع كثرة الفوائت لفاته فرض الوقت عن وقته وعن زفر أنه تلزمه مراعاة الترتيب في صلاة شهر فكأنه جعل حد الكثرة بأن يزيد على شهر وكان بشر المريسى يقول من ترك صلاة لم يجزه صلاة في عمره بعد ذلك ما لم يقضها إذا كان ذاكرا لها لان كثرة الفوائت تكون عن كثرة تفريطه فلا يستحق به التخفيف ثم عند كثرة الفوائت كما لا تجب مراعاة الترتيب بينها وبين فرض الوقت لا يجب مراعاة الترتيب فيما بين الفوائت. وعند قلة الفوائت يجب لما روى أن النبي شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن بعد هوى من الليل مرتبا ثم قال صلوا كما رأيتموني أصلى وروى ابن سماعة عن محمد رحمه الله تعالى أن بدخول وقت السادسة لا تجب مراعاة الترتيب وجعل أول وقت السادسة كآخره وهذا لا يصح فبدخول وقت السادسة لا تدخل الفوائت

[ 155 ] في حد التكرار وانما تدخل الفوائت في حد التكرار بخروج وقت السادسة * قال (وان ذكر الوتر في الفجر فسد فرضه إذا كان الوقت واسعا) في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما لا يفسد لان الوتر أضعف من الفجر والضعيف لا يفسد القوى واستدل أبو حنيفة رحمه الله تعالى بقوله من نام عن الوتر أو نسيه فليصله إذا ذكره فان ذلك وقته فقد ذكر في الوتر ما ذكر في سائر المكتوبات فدل على وجوب الترتيب بين الوتر والمكتوبة ولا يبعد افساد القوى بما هو أضعف منه لمراعاة الترتيب كالمصلى إذا قعد قدر التشهد ثم تذكر سجدة التلاوة فسجد لها تبطل القعدة والسجدة أضعف من القعدة وفي الحقيقة هذه المسألة تنبنى على معرفة صفة الوتر فنقول لا خلاف بيننا أن الوتر أقوى من سائر السنن حتى انها تقضى إذا انفردت بالفوات ألا ترى أن رسول الله في ليلة التعريس بدأ بقضاء الوتر والذى روى لا وتر بعد الصبح المراد النهى عن تأخيرها لا نفى قضائها وكذلك تقضى بعد صلاة الفجر قبل طلوع الشمس فدل أنها أقوى من السنن وهي دون الفرائض حتى لا يكفر جاحدها ولا يؤذن لها ولا تصلى بالجماعة الا في شهر رمضان * واختلفوا وراء هذا فروى حماد بن زيد عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن الوتر فريضة وروى يوسف بن خالد السمتى عنه أنها واجبة وهو الظاهر من مذهبه وروى أسد بن عمرو عنه أنها سنة مؤكدة وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وحجتهما حديث الاعرابي أن رسول الله علمه خمس صلوات في اليوم والليلة فقال هل على غيرهن فقال لا الا أن تطوع * وروى أن رجلا من الأنصار يقال له أبو محمد قال الوتر فريضة فبلغ ذلك عبادة بن الصامت فقال كذب أبو محمد سمعت رسول الله يقول فرض الله على عباده في اليوم والليلة خمس صلوات وقال على الوتر سنة وليس بحتم وفى القرآن إشارة إلى ما قلنا فان الله تعالى قال حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ولن تتحقق الوسطى الا إذا كان عدد الواجبات خمسا وأبو حنيفة رحمه الله تعالى استدل بحديث أبى بسرة الغفاري رضى الله تعالى عنه أن رسول الله قال ان الله تعالى زادكم صلاة ألا وهى الوتر فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر فبهذا تبين أن وجوب الوتر كان بعد سائر المكتوبات لانه قال زادكم وأضاف إلى الله تعالى لا إلى نفسه والسنن تضاف إلى رسول الله صلى الله

[ 156 ] عليه وسلم وكذلك الزيادة انما تتحقق في الواجبات لانها محصورة بعدد النوافل فانها لا نهاية لها * وقال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه الوتر ثلاث ركعات كالمغرب وفى رواية وتر الليل كوتر النهار ثم وتر النهار واجب فكذلك وتر الليل. وفى اتفاق الصحابة رضوان الله عليهم على تقدير التراويح بعشرين ركعة دليل على ان الواجبات في اليوم والليلة عشرون ركعة وذلك لا يكون الا إذا كان الوتر واجبا غير أن وجوب الوتر ثبت بدليل موجب للعمل غير موجب علم اليقين فلهذا لا يكفر جاحده وتحط رتبته بسائر المكتوبات فلا يسمى فرضا مطلقا أما الفرض خمس صلوات كما ذكروا من الآثار فيه والفرق بين الفرض والواجبات ظاهر عندنا * قال (فان افتتح تطوعا ثم تذكر فائتة عليه لم يفسد تطوعه) لان وجوب مراعاة الترتيب مختص بالواجبات فانها مؤقتة دون التطوعات ولو تذكر فائتة في خلال الفرض أنقلبت صلاته تطوعا فإذا تذكر في التطوع لان يبقى تطوعا كان أولى * قال (والتطوع قبل الظهر أربع ركعات لا فصل بينهن وبعدها ركعتان) ومراده السنة ولكنه في الكتاب يسمى السنن تطوعات والاصل في سنن الصلاة حديث عائشة رضى الله تعالى عنها قال رسول الله من ثابر على ثنتى عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى الله له بيتا في الجنة ركعتين قبل الفجر وأربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء * وفى حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه ذكر عشر ركعات ركعتين قبل الظهر وفى حديث ابن عمر ذكر ثنتى عشرة ركعة ولكن ذكر أربعا قبل الظهر بتسليمتين وبه أخذ الشافعي رحمه الله تعالى ونحن أخذنا بحديث عائشة رضى الله تعالى عنها وقلنا الاربع قبل الظهر بتسليمة واحدة لحديث أبي أيوب الانصاري قال كان النبي يصلى بعد الزوال أربع ركعات فقلت ما هذه الصلاة التى تداوم عليها فقال هذه ساعة تفتح فيها أبواب السماء فأحب ان يصعد لى فيها عمل صالح فقلت أفى كلهن قراءة فقال نعم فقلت أبتسليمة واحدة أم بتسليمتين فقال بتسليمة واحدة (فأما قبل العصر فان تطوع بأربع ركعات فهو حسن) لحديث أم حبيبة رضى الله تعالى عنها قالت قال رسول الله من صلى قبل العصر أربع ركعات كانت له جنة من النار ولا تطوع بعدها والذى روي أن النبي صلى بعد العصر في بيت أم سلمة رضى الله تعالى عنها ركعتين فسألته أم سلمة رضى الله تعالى عنها فقال ركعتان بعد الظهر شغلنى الوفد عنهما فقضيتهما فقالت

[ 157 ] أنقضيهما نحن فقال لا (وكذلك لا تطوع بعد غروب الشمس قبل المغرب وبعده ركعتان) لما ذكرنا من الآثار (وان تطوع بعد المغرب بست ركعات فهو أفضل) لحديث ابن عمر رضى الله تعالى عنه قال قال النبي من صلى بعد المغرب ست ركعات كتب من الاوابين وتلا قوله تعالى فانه كان للاوابين غفورا ولم يذكر التطوع قبل العشاء وان تطوع بأربع ركعات فحسن لان العشاء نظير الظهر من حيث انه يجوز التطوع قبلها وبعدها (فأما التطوع بعد العشاء فركعتان فيما روينا من الآثار وان صلى أربعا فهو أفضل) لحديث ابن عمر رضى الله عنه موقوفا عليه ومرفوعا من صلى بعد العشاء أربع ركعات كن له كمثلهن من ليلة القدر (فأما قبل الفجر فركعتان) اتفقت الآثار عليهما وهو أقوى السنن لحديث عائشة رضى الله عنها أن النبي قال ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما في تأويل قوله تعالى وأدبار السجود أنه الركعات بعد المغرب * قال (ويكره الكلام بعد انشقاق الفجر إلى أن يصلى الفجر الا بخير) لما روى أن النبي كان في سفر مع أصحابه والحادي يحدو فلما طلع الفجر قال أمسك فانها ساعة ذكر وكان الكلام عزيزا على ابن مسعود في هذا الوقت أي شديدا ولان هذه ساعة يشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار جاء في تأويل قوله تعالى ان قرآن الفجر كان مشهودا انه يشهده ملائكة الليل والنهار فلا ينبغي أن يشهدوهم الا على خير * قال (والتطوع بعد الجمعة أربع لا فصل بينهن الا بتشهد وقبل الجمعة أربع) أما قبل الجمعة فلانها نظير الظهر والتطوع قبل الظهر أربع ركعات وفى حديث ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي كان يتطوع قبل الجمعة أربع ركعات وأختلفوا بعدها قال ابن مسعود رضى الله عنه أربعا وبه أخذ أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لحديث أبي هريرة رضى الله تعالى عنه ان النبي قال من كان مصليا بعد الجمعة فليصل أربع ركعات وقال على رضي الله عنه يصلى بعدها ستا أربعا ثم ركعتين وبه أخذ أبو يوسف رحمه الله وقال عمر ركعتين ثم أربعا فمن الناس من رجح قول عمر بالقياس على التطوع بعد الظهر وأبو يوسف رحمه الله أخذ بقول على رضي الله عنه فقال يبدأ بالاربع لكيلا يكون متطوعا بعد الفرض مثلها وهذا ليس بقوى فان الجمعة بمنزلة أربع ركعات لان الخطبة شطر الصلاة * قال (ولا صلاة قبل صلاة العيد) فان النبي لم يتطوع قبل العيد مع حرصه على الصلاة

[ 158 ] ولما قدم على الكوفة خرج يوم العيد فرأى بعض الناس في الصلاة فقال مالهم أيصلون العيد قبلنا قيل لا ولكنهم يتطوعون فقال ألا أحد ينهاهم قيل له انههم أنت فقال أنى أحتشم قوله تعالى أرأيت الذى ينهى عبدا إذا صلى فنهاهم بعض الصحابة وكان محمد ابن مقاتل الرازي يقول انما يكره له ذلك في المصلى لكيلا يشبه على الناس فأما في بيته فلا بأس بأن يتطوع بعد طلوع الشمس وغيره من أصحابنا يقول لا يفعل ذلك في بيته ولا في المصلى فأول الصلاة بعد طلوع الشمس في هذا اليوم صلاة العيد * قال (وان تطوع بعدها بأربع ركعات بتسليمة فحسن) لحديث على رضى الله عنه قال رسول الله من صلى بعد العيد أربع ركعات كتب الله له بكل نبت نبت وبكل ورقة حسنة * قال (وطول القيام أحب إلى من كثرة السجود) لما روى أن النبي سئل عن أفضل الصلاة فقال طول القنوت وسئل عن أفضل الاعمال فقال أحمزها أي اشقها على البدن وطول القيام أشق ولان فيه جمعا بين فرضين القيام والقراءة وكل واحد منهما فرض وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال ان كان له ورد من القرآن يقرؤه فكثرة السجود أحب إلى وأفضل لانه يقرأ فيه ورده لا محالة وان لم يكن فطول القيام أحب * قال (والتطوع بالليل ركعتان ركعتان أو أربع أربع أو ست ست أو ثمان ثمان أي ذلك شئت) لما روى أن النبي كان يصلى بالليل خمس ركعات سبع ركعات تسع ركعات احدى عشرة ركعة ثلاث عشرة ركعة. الذى قال خمس ركعات ركعتان صلاة الليل وثلاث وتر الليل والذى قال تسع ست صلاة الليل وثلاث وتر والذي قال ثلاث عشرة ركعة ثمان صلاة الليل وثلاث وتر وركعتان سنة الفجر وكان يصلى هذا كله في الابتداء ثم فضل البعض عن البعض هكذا ذكره حماد بن سلمة ولم يذكر كراهة الزيادة على ثمان ركعات بتسليمة والاصح أنه لا يكره لان فيه وصلا بالعبادة وذلك أفضل * ثم قال (والاربع أحب إلى) وهذا قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى فأما عندهما والشافعي فالافضل ركعتان لحديث ابن عمر رضى الله عنهما قال رسول الله صلاة الليل مثنى مثنى ففى كل ركعتين فسلم واستدلا لا بالتراويح فان الصحابة اتفقوا على ان كل ركعتين منها بتسليمة فدل ان ذلك أفضل (ولنا) ماروي عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها سئلت عن قيام رسول الله في ليالى رمضان فقالت كان قيامه في رمضان وغيره

[ 159 ] سواء كان يصلى بعد العشاء أربع ركعات لا تسل عن حسنهن وطولهن ثم أربعا لا تسل عن حسنهن وطولهن ثم كان يوتر بثلاث ولان في الاربع بتسليمة معنى الوصل والتتابع في العبادة فهو أفضل والتطوع نظير الفرائض والفرض في صلاة الليل العشاء وهي أربع بتسليمة فكذلك النفل وأما قوله ففى كل ركعة فسلم معناه فتشهد والتشهد يسمى سلاما لما فيه من السلام وصلاة التراويح انما جعلوها ركعتين بتسليمة واحدة ليكون أرواح على البدن وما يشترك فيه العامة يبنى على اليسر فأما الافضل فهو أشق على البدن (وأما تطوع النهار فالافضل أربع ركعات بتسليمة) عندنا على قياس الفرائض في صلاة النهار ولحديث ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النبي كان يواظب في صلاة الضحي على أربع ركعات وعند الشافعي رحمه الله تعالى الافضل ركعتان بتسليمة لما فيها من زيادة التكبير والتسليم ولحديث عمارة بن رؤبيه أن النبي كان يفتتح صلاة الضحى بركعتين وانما بدأ بما هو الافضل وتأويل الاثر الذى جاء لا يصلى بعد صلاة مثلها في ترك القراءة في الاخريين وهذا الاثر مروى عن عمر وعلى وابن مسعود رضى الله تعالى عنهم وبظاهره أخذ الشافعي فقال الاربع قبل الظهر بتسليمتين لكيلا يكون مصليا بعد صلاة مثلها وكذلك بعد العشاء يتطوع بركعتين لهذا ونحن نقول المراد صفة القراءة لاعدد الركعات فان في الفرض القراءة في ركعتين بفاتحة الكتاب وسورة وفى النفل في كل ركعة ألا ترى أن التطوع قبل الفجر ركعتان والمخالفة في صفة القراءة بالتطويل في الفرض دون السنة لا في عدد الركعات * قال (رجل افتتح التطوع ينوى أربع ركعات ثم تكلم فعليه قضاء ركعتين) في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لان كل شفع من التطوع صلاة على حدة ألا ترى أن فساد الشفع الثاني لا يوجب فساد الشفع الاول فلا يصير شارعا في الشفع الثاني ما لم يفرغ من الاول وبدون الشروع أو النذر لا يلزمه شئ وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى في رواية ابن سماعة أنه يلزمه الاربع ولا يلزمه أكثر من أربع ركعات وان نواها وفي رواية بشر بن أبي الازهر يلزمه ما نوى وان نوى مائة ركعة. ووجهه أن الشروع ملزم كالنذر فنيته عند الشروع كتسميته عند النذر فيلزمه ما نوى. ووجه الرواية الاخرى ان التطوع نظير الفرائض وأربع بالتسليمة مشروع في الفرائض فيلزمه بالشروع في التطوع بخلاف ما زاد عليه وبعض المتأخرين من أصحابنا اختاروا قوله فيما يؤدى من الاربع بتسليمة كالاربع قبل

[ 160 ] الظهر ونحوها * قال (فان صلى أربع ركعات بغير قراءة فعليه قضاء ركعتين) في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفى قول أبو يوسف رحمه الله تعالى عليه قضاء الاربع قال لان ترك القراءة لا يفسد التحريمة ألا ترى ان ابتداء التحريمة صحيح قبل مجئ أوان القرأة فصح قيامه إلى الشفع الثاني وقد أفسد كل واحد منهما بترك ما هو ركن وهو القراءة فيلزمه قضاء الكل وأما عند محمد رحمه الله فالتحريمة تنحل بترك القراءة في الاوليين لان مع صفة الفساد لا بقاء لتحريمة الصلاة فلا يصح قيامه إلى الشفع الثاني وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى بصفة الفساد لا تنحل التحريمة ولكنها تضعف فقيامه إلى الشفع الثاني حصل بصفة الفساد والضعف فلا يكون ملزما اياه ما لم يؤكده كما قال في الشروع في صوم يوم النحر وهذه على ثمانية أوجه * أحدها ما بينا * والثانى إذا قرأ في الاوليين ولم يقرأ في الاخريين فعليه قضاء الاخريين لان شروعه في الشفع الثاني بعد اتمام الاول صحيح وقد أفسده بترك القراءة * والثالث إذا قرأ في الاخريين دون الاوليين فعليه قضاء ركعتين أما عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى فالتحريمة لم تنحل فصار شارعا في الشفع الثاني وقد أتمها فعليه قضاء ما أفسد وهو الشفع الاول وعند محمد رحمه الله تعالى التحريمة انحلت بترك القراءة في الاوليين فعليه قضاؤها فقط والاخريان لا يكونان قضاء عن الاوليين لانه بناهما على تلك التحريمة والتحريمة الواحدة لا يتسع فيها القضاء والاداء * والرابع إذا قرأ في احدى الاليين واحدى الآخريين فعند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالي يلزمه قضاء أربع ركعات وعند محمد رحمه الله تعالى يلزمه قضاء ركعتين ومحمد مر على أصله أن التحريمة أنحلت بترك القراءة في احدى الاوليين وأبو يوسف رحمه الله تعالى مر على أصله أن التحريمة باقية فصح شروعه في الشفع الثاني وقد أفسده فأما أبو حنيفة رحمه الله تعالى فقد جرت محاورة بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى في مذهبه حتى عرض عليه الجامع الصغير فقال أبو يوسف رويت لك عنه أن عليه قضاء ركعتين وقال محمد رحمه الله تعالى بل رويت لى أن عليه قضاء أربع ركعات وقيل ما حفظه أبو يوسف رحمه الله تعالى هو قياس مذهبه لان التحريمة ضعفت بالفساد بترك القراءة في ركعة فلا يلزمه الشفع الثاني بالشروع فيه بهذه التحريمة والاستحسان ما حفظه محمد رحمه الله تعالى لان الشروع وان حصل بصفة الفساد فقد أكده بوجود القراءة في ركعة فصار ذلك ملزما اياه لتأكده. والدليل على أن التأكد

[ 161 ] يحصل بالقراءة في ركعة قوله لا صلاة الا بقراءة وبالقراءة في كل ركعة تكون صلاته بقراءة ولهذا قال بعض العلماء لا تجب القراءة في كل صلاة الا في ركعة * والوجه الخامس قرأ في الاوليين واحدى الاخريين فعليه قضاء ركعتين * والسادس قرأ في الاخريين واحدى الاوليين فعليه قضاء ركعتين أيضا وهو ظاهر * والسابع قرأ في احدى الاوليين فقط فعند أبى يوسف رحمه الله تعالى عليه قضاء أربع ركعات وعند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى عليه قضاء ركعتين لانه لم يؤكد الشفع الثاني بالقراءة في ركعة منها * والثامن قرأ في احدى الآخريين فقط فعند أبى يوسف رحمه الله تعالى عليه قضاء أربع ركعات وعند محمد رحمه الله تعالى عليه قضاء ركعتين وهو الاصح عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لانه لم يؤكد الشفع الاول بالقراءة فلا يصح شروعه في الشفع الثاني فان ترك القراءة في الاوليين ثم اقتدى به رجل في الاخريين فصلاهما معه فعليه قضاء الاوليين كما يقضى الامام لانه لما شارك الامام في التحريمة فقد التزم ما التزمه الامام بهذه التحريمة وهذا قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى فأما عند محمد رحمه الله تعالى تحريمة الامام قد انحلت فلم يصح اقتداء الرجل به وليس عليه قضاء شئ وان دخل معه في الاوليين رجل فلما فرغ منها تكلم الرجل ومضى الامام في صلاته حتى صلى أربع ركعات فعلى الرجل الذى كان خلفه أن يقضى ركعتين وهما الاوليان فقط وان كانت الصلاة كلها صحيحة لم يكن على الرجل قضاء ركعتين لانه خرج من صلاة الامام قبل قيام الامام إلى الشفع الثاني وقد بينا أن الامام انما يلزمه الشفع الثاني بالقيام إليها فإذا خرج هذا الرجل من صلاته قبل قيام الامام إلى الشفع الثاني لم يلزمه شئ من هذا الشفع وانما يلزمه قضاء الشفع الاول ان كان فسد بترك القراءة فيهما أو في احداهما وان حصل أداؤهما بصفة الصحة فليس عليه قضاء شئ * قال (ولو صلى الرجل الفجر ثم ذكر أنه لم يصل ركعتي الفجر لم يقضهما) في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى أحب الي أن يقضيهما إذا ارتفعت الشمس أما سائر السنن إذا فاتت عن موضعها لم تقض عندنا خلافا للشافعي رضى الله تعالى عنه (ودليلنا) حديث أم سلمة رضى الله تعالى عنها حين قالت لرسول الله أنقضيها نحن فقال لا ولان السنة عبارة عن الاقتداء برسول الله فيما تطوع به وهذا المقصود لا يحصل بالقضاء بعد الفوات وهى

[ 162 ] مشروعة للفصل بين الاذان والاقامة فلا يحصل هذا بالقضاء بعد الفراغ من المكتوبة فأما سنة الفجر فلو فاتت مع الفجر قضاها معه استحسانا لحديث ليلة التعريس فان النبي صلى ركعتي الفجر ثم صلى الفجر ولان لهذه السنة من القوة ما ليس لغيرها قال صلوها فان فيها الرغائب وان انفردت بالفوات لم تقض عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى لان موضعها بين الاذان والاقامة وقد فات ذلك بالفراغ من الفرض وعند محمد رحمه الله تعالى يقضيها إذا ارتفعت الشمس قبل الزوال هكذا روى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما ولان ما قبل الزوال في حكم أول النهار وعند الشافعي رحمه الله تعالى يقضيها قبل طلوع الشمس بناء على أصله في الصلوات التى لها سبب والله سبحانه وتعالى أعلم * (باب القيام في الفريضة) * قال محمد رحمه الله تعالى في الاصل بلغنا عن النبي أنه قال من أم قوما فليصل بهم صلاة أضعفهم فان فيهم الكبير والمريض وذا الحاجة وفى هذا دليل أنه لا ينبغى للاملام أن يطول القراءة على وجه يمل القوم لقوله ان من الائمة الطرادين ولما شكا قوم معاذا رضى الله تعالى عنه إلى رسول الله تطويل القراءة دعاه قال الراوى فما رأيته في موعظة أشد منه في تلك الموعظة قال أفتان أنت يا معاذ قالها ثلاثا أين أنت من والسماء والطارق والشمس وضحاها وقال تكلفوا من الاعمال ما تطيقون فان الله تعالى لا يمل حتى تملوا وقال أنس رضى الله تعالى عنه ما صليت خلف أحد أتم وأخف مما صليت خلف رسول الله وروى أن رسول الله قرأ المعوذتين في صلاة الفجر يوما فلما فرغ قالوا أو جزت قال سمعت بكاء صبى فخشيت على أمه أن تفتن فدل أن الامام ينبغى له أن يراعى حال قومه * قال (ويقرأ الامام في الفجر في الركعتين جميعا بأربعين آية مع فاتحة الكتاب) يعنى سواها وفى الجامع الصغير قال بأربعين خمسين ستين وفى رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى قال ما بين الستين إلى مائة آية وهذا لاختلاف الآثار فيه فعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله كان يقرأ في الفجر

[ 163 ] يوم الجمعة الم تنزيل السجدة وهل أتى على الانسان وعن مورق العجلى قال تلقفت سورة ق واقتربت من في رسول الله من كثرة قراءته لهما في صلاة الفجر وعن أبى هريرة رضى الله عنه أنه قرأ والمرسلات وعم يتساؤلون في صلاة الفجر وفى رواية إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت وان أبا بكر رضى الله تعالى عنه قرأ في الفجر سورة البقرة فلما فرغ قال له عمر كادت الشمس تطلع يا خليفة رسول الله فقال لو طلعت لم تجدنا غافلين وعمر رضى الله تعالى عنه قرأ في الفجر سورة يوسف فلما انتهى إلى قوله انما أشكو بثي وحزني إلى الله خنقته العبرة فركع فلما اختلفت الاثار اختلفت الروايات فيه كما بينا. ووجه التوفيق أن القوم ان كانوا من علية الرجال يرغبون في العبادة قرأ مائة آية كما في رواية الحسن وان كانوا كسالى غير راغبين في العبادة يقرأ أربعين آية كما في الاصل وان كانوا فيما بين ذلك يقرأ خمسين ستين كما في الجامع الصغير وقيل يبنى على كثرة اشتغال القوم وقلة ذلك ويختلف ذلك باختلاف الاوقات وقيل يبنى على طول الليالى وقصرها وقيل يبنى على حال نفسه في الخفة والثقل وحسن الصوت والحاصل أنه يتحرز عما ينفر القوم عنه لكيلا يؤدى إلى تقليل الجماعة ويقرأ في الظهر بنحو ذلك أو دونه لحديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه حزرنا قراءة رسول الله في صلاة الظهر في الركعتين بثلاثين آية قال سجد رسول الله في صلاة الظهر فظننا أنه قرأ الم تنزيل السجدة وعن النعمان بن بشير أن النبي قرأ في الجمعة سورة الجمعة والمنافقين والقراءة في الظهر نحو القراءة في الجمعة * قال (ويقرأ في العصر بعشرين آية مع فاتحة الكتاب) لحديث أبى هريرة رضى الله عنه وجابر بن سمرة رضى الله تعالى عنهما كان النبي يقرأ في العصر بعشرين آية سورة سبح اسم ربك الاعلى وهل أتاك حديث الغاشية وفى العشاء مثل ذلك في رواية الاصل وفى رواية الحسن مثل قراءته في الظهر وفى المغرب بسورة قصيرة خمس آيات أو ستا مع فاتحة الكتاب لحديث عمر رضى الله تعالى عنه فانه كتب إلى أبى موسى الاشعري رضى الله تعالى عنه أن اقرأ في الفجر والظهر بطوال المفصل وفي العصر والعشاء بأوساط المفصل وفي المغرب بقصار المفصل ومن أصحابنا من تكلف فيه لمعنى قال الفجر يؤدى في حال نوم الناس فيطول القراءة فيها لكى لا تفوتهم الجماعة وكذلك الظهر في الصيف فان الناس يقيلون

[ 164 ] وأما العصر يؤدى في حال حاجة الناس إلى الرجوع إلى منازلهم فلتكن القراءة فيها دون ذلك وكذلك العشاء تؤدى في حال عزم الناس على النوم والمغرب تؤدى في حال عزم الناس على الاكل فلتكن القراءة فيها أقصر لقلة صبر الناس على الاكل خصوصا للصائمين * قال (وما قرأ في الوتر من شئ فهو حسن) وقد بلغنا عن النبي أنه قرأ في الركعة الاولى من الوتر بسبح اسم ربك الاعلى وفى الثانية بقل يا أيها الكافرون وفى الثالثة بقل هو الله أحد * والكلام فيه في فصول (أحدها) أن الوتر ثلاث ركعات لا يسلم الا في أخرهن عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى ركعة واحدة وقال مالك رحمه الله تعالى ثلاث ركعات بتسليمتين واستدل الشافعي بقوله عليه الصلاة والسلام ان الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن ومالك استدل بحديث ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال النبي صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بركعة يوتر لك ما قبله وكان سعد بن أبى وقاص رضى الله تعالى عنه يوتر بركعة واحدة (ولنا) حديث عائشة رضى الله تعالى عنها كما روينا في صفة قيام رسول الله ثم يوتر بثلاث وبعث ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أمه لتراقب وتر رسول الله فذكرت أنه أوتر بثلاث ركعات قرأ في الاولى سبح اسم ربك الاعلى وفى الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد وقنت قبل الركوع وهكذا ذكر ابن عباس رضى الله تعالى عنهما حين بات عند خالته ميمونة ليراقب وتر رسول الله ولما رأى عمر رضى الله تعالى عنه سعدا يوتر بركعة فقال ما هذه البتيراء لتشفعنها أو لاوذينك وانما قال ذلك لان الوتر اشتهر أن النبي نهى عن البتيراء وقال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه والله ما أخرت ركعة قط ولانه لو جاز الاكتفاء بركعة في شئ من الصلوات لدخل في الفجر قصر بسبب السفر ولا حجة له فيما روى فان الله تعالى وتر لامن حيث العدد (والفصل الثاني) أنه يقنت في الوتر في جميع السنة عندنا لما روينا وعند الشافعي رضى الله تعالى عنه لا يقنت الا في النصف الاخير من رمضان لما روي أن عمر رضى الله تعالى عنه لما أمر أبى بن كعب بالامامة في ليالى رمضان أمره بالقنوت في النصف الاخير منه وتأويله عندنا أن المراد بالقنوت طول القراءة لا القنوت في الوتر (والثالث) أنه يقنت قبل الركوع عندنا لما روينا من الآثار ولان القنوت في معنى القراءة فان قوله اللهم أنا نستعينك

[ 165 ] مكتوب في مصحف أبي وابن مسعود في سورتين فالقراءة قبل الركوع فكذلك القنوت وعند الشافعي رحمه الله تعالى بعد الركوع ولا أثر له في قنوت الوتر في ذلك انما الاثر في القنوت في صلاة الفجر فقاس به القنوت في الوتر * قال (ولا قنوت في شئ من الصلوات سوى الوتر عندنا) وقال الشافعي رحمه الله تعالى يقنت في صلاة الفجر في الركعة الثانية بعد الركوع واستدل بحديث أنس رضى الله تعالى عنه كان النبي يقنت في صلاة الفجر إلى أن فارق الدنيا وقد صح قنوته فيها فمن قال أنه انتسخ فعليه اثباته بالدليل وقد صح أن عليا رضى الله تعالى عنه في حروبه كان يقنت على من ناواه في صلاة الفجر (ولنا) حديث ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أن النبي قنت في صلاة الفجر شهرا يدعو على حى من أحياء العرب ثم تركه وهكذا عن أنس رضى الله تعالى عنه قال قنت رسول الله في صلاة الفجر شهرا أو قال اربعين يوما يدعو على رعل وذكوان ويقول في قنوته اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف فلما نزل قوله تعالى ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم الآية ترك ذلك وقال أبو عثمان النهدي رضى الله تعالى عنه صليت خلف أبي بكر سنين وخلف عمر كذلك فلم أر واحدا منهما يقنت في صلاة الفجر. ورووا القنوت ورووا تركه كذلك ففعله المتأخر ينسخ فعله المتقدم وقد صح أنه كان يقنت في صلاة المغرب كما يقنت في صلاة الفجر ثم انتسخ أحدهما بالاتفاق فكذلك الآخر * قال (وكان يقال مقدرا القيام في القنوت إذا السماء انشقت وليس فيها دعاء مؤقت) يريد به سوى قوله اللهم انا نستعينك فالصحابة اتفقوا على هذا في القنوت والاولى أن يأتي بعده بما علم رسول الله الحسن بن على رضى الله تعالى عنهما في قنوته اللهم اهدني فيمن هديت إلى آخره والقراءة أهم من القنوت فإذا لم يؤقت في القراءة في شئ في الصلاة ففى دعاء القنوت أولى. وقد روى عن محمد رحمه الله تعالى التوقيت في الدعاء يذهب برقة القلب ومشايخنا قالوا مراده في أدعية المناسك فأما في الصلاة إذا لم يؤقت فربما يجرى على لسانه ما يفسد صلاته * قال ويرفع يديه حين يفتتح القنوت) للحديث المعروف لا ترفع الايدى الا في سبعة مواطن في افتتاح الصلاة وقنوت الوتر وفي العيدين وعند استلام الحجر وعلى الصفا والمروة وبعرفات وبجمع وعند المقامين وعند الجمرتين (ثم يكفيهما) قيل معناه يرسلهما ليكون حال الدعاء مخالفا لحال القراءة

[ 166 ] وقيل يضع احداهما على الاخرى لان القنوت مشبه بالقراءة وهو الاصح فالوضع سنة القيام فكل قيام فيه ذكر فانه يطول فالوضع فيه أولى وعن محمد بن الحنيفة رضى الله تعالى عنه قال الدعاء أربعة دعاء رغبة ودعاء رهبة ودعاء تضرع ودعاء خفية ففي دعاء الرغبة يجعل بطون كفيه نحو السماء وفى دعاء الرهبة يجعل ظهر كفيه إلى وجهه كالمستغيث من الشئ وفى دعاء التضرع يعقد الخنصر والبنصر ويحلق بالابهام والوسطى ويشير بالسبابة ودعاء الخفية ما يفعله المرء في نفسه وعلى هذا قال أبو يوسف رحمه الله تعالى في الاملاء يستقبل بباطن كفيه القبلة عند افتتاح الصلاة واستلام الحجر وقنوت الوتر وتكبيرات العيد ويستقبل بباطن كفيه السماء عند رفع الايدى على الصفا والمروة وبعرفات وبجمع وعند الجمرتين لانه يدعو في هذه المواقف بدعاء الرغبة. والاختيار الاخفاء في دعاء القنوت في حق الامام والقوم لقوله خير الدعاء الخفي وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى ان الامام يجهر والقوم يؤمنون على قياس الدعاء خارج الصلاة * قال (وإذا أم الرجل نساء في مسجد جماعة ليس معهن رجل فلا بأس بذلك) لما روى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه أمر أبى بن كعب أن يصلى بالرجال في ليالى رمضان وسليمان بن أبي حثمة بأن يصلى بالنساء ولان المسجد ليس بموضع الخلوة فلا بأس للرجل أن يجمع معهن فيه فأما في غير المسجد من البيوت ونحوها فانه يكره ذلك الا أن يكون معهن ذو رحم محرم منهن لقوله ألا لا يخلون رجل بامرأة ليس منها بسبيل فان ثالثهما الشيطان وبتفرد النساء يزداد معنى خوف الفتنة فلا تزول الكراهة الا أن يكون معهن محرم لحديث أنس رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى بهم في بيتهم قال فأقامني واليتيم من ورائه وأقام أمي أم سليم وراءنا ولان بوجود المحرم يزول معنى خوف الفتنة ويستوى ان كان المحرم لهن أو لبعضهن وتجوز الصلاة بكل حال لان الكراهة لمعنى في غير الصلاة * قال (رجل فاتته الصلاة بالجماعة في مسجد حيه فان أتى مسجدا آخر يرجو ادراك الجماعة فيه فحسن وان صلى في مسجد حيه فحسن) لحديث الحسن قال كانوا إذا فاتتهم الجماعة فمنهم من يصلى في مسجد حيه ومنهم من يتبع الجماعة ومراده الصحابة ولان في كل جانب مراعاة جهة وترك أخرى في أحد الجانبين مراعاة حرمة مسجده وترك الجماعة وفى الجانب الآخر مراعاة فضيلة الجماعة وترك حق مسجده فإذا تعذر الجمع بينهما مال إلى

[ 167 ] أيهما شاء والاولى في زماننا ان لم يدخل مسجده بعد أن يتبع الجماعة فان دخل مسجده صلى فيه * قال (ولا بأس بأن يتطوع قبل المكتوبة إذا لم يخف فوات الوقت) وكان الكرخي رحمه الله تعالى يستدل بهذا اللفظ أن له أن يترك الاربع قبل الظهر إذا فاتته الجماعة لانه قال لا بأس بأن يفعل فدل أن له أن يترك وهو الذى وقع عند العوام والمعنى فيه أن من فاتته الجماعة فهو كالمدد لهم فليعجل أداء الفريضة ليلحق بهم في أن لا يتطوع قبل المكتوبة إذا لم يخف فوات الوقت والاصح أنه لا ينبغي له أن يدعه لان التطوع مشروع جبرا لنقصان الفرائض وحاجة من فاتته الجماعة إلى هذا أمس * قال (وإذا أخذ المؤذن في الاقامة كرهت للرجل أن يتطوع لقوله إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة الا المكتوبة الا ركعتي الفجر فانى لم أكرههما) وكذلك إذا انتهى إلى المسجد وقد افتتح القوم صلاة الفجر يأتي بركعتي الفجر ان رجا أن يدرك مع الامام ركعة في الجماعة وهذا عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى يدخل مع الامام على قياس سائر التطوعات (ولنا) ماروى عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أنه دخل المسجد والامام في صلاة الفجر فقام إلى سارية من سوارى المسجد وصلى ركعتي الفجر ثم دخل مع الامام وعن أبى عثمان النهدي قال انى لا ذكر أن أبا بكر كان يفتتح صلاة الفجر فيدخل الناس ويصلون ركعتي الفجر ثم يدخلون معه وهذا بناء على أن عندنا لا يقضى هاتين الركعتين بعد الفوات فيحرزهما إذا طمع في ادراك ركعة من الصلاة كادراك جميع الصلاة قال من أدرك ركعة من الفجر قبل طلوع الشمس فقد أدرك وعند الشافعي رحمه الله تعالى يقضيهما بعد الفراغ من الصلاة فيشتغل باحراز فضيلة تكبيرة الافتتاح وان خاف فوت الجماعة دخل مع القوم لان أداء الصلاة بالجماعة من سنن الهدى قال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه عليكم بالجماعات فانها من سنن الهدى ولو صليتم في بيوتكم كما فعل هذا المتخلف لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم (وقال) عمر رضى الله تعالى عنه لقد هممت أن آمر من يصلى بالناس ثم أنظر إلى من لم يشهد الجماعة فأمر فتياني أن يحرقوا بيوتهم فدل أن الجماعة أقوى السنن فيشتغل باحراز فضيلتها ولم يذكر إذا كان يرجو ادراك التشهد وقيل على قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله ادرك التشهد كادراك ركعة كما في صلاة الجمعة فيبدأ بركعتي الفجر وعند محمد رحمه الله تعالى لا يعتبر ادراك التشهد كادراك ركعة فيدخل مع الامام * قال (رجل سلم على تمام من صلاته في نفسه

[ 168 ] ثم اقتدى به رجل وكبر ثم ذكر الامام أن عليه سجدة التلاوة أو أنه لم يقرأ التشهد في الرابعة فاقتداء الرجل به صحيح لان سلام الامام سهو وسلام السهو لا يخرجه من الصلاة فحصل الاقتداء في حال بقاء تحريمة الامام فان عاد الامام إلى سجدة التلاوة أو قرأ قرأءة التشهد تابعه الرجل ثم يقوم لاتمام صلاته بعد فراغ الامام من التشهد أو من سجود السهو وان لم يعد الامام إليها لم تفسد صلاته لان ما تذكر ليس من الاركان وكذلك لا تفسد صلاة المقتدى فيقوم لاتمام صلاته وان ذكر الامام أن عليه سجود السهو فعلى قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهم الله تعالى اقتداء الرجل به موقوف فان عاد الامام إلى سجود السهو صح الاقتداء وتابعه الرجل وان لم يعد لا يصح اقتداؤه به وعند محمد وزفر رحمهم الله تعالى الاقتداء صحيح على كل حال وقال بشر لا يصح الاقتداء على كل حال لان مذهبه أن سجود السهو ليس من الصلاة فانه يؤدى بعد السلام وعندنا سجود السهو من الصلاة لانه جبر لنقصانها ثم عند محمد وزفر رحمهما الله تعالى من سلم وعليه سجود السهو لا يصير خارجا من الصلاة لانه قد بقى عليه واجب من واجبات الصلاة فهو كسجدة التلاوة وقراءة التشهد ولو خرج من الصلاة لم يعد فيها الا بتحريمة جديدة فإذا لم يخرج صح اقتداء الرجل به على كل حال وعند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله بالسلام يخرج من الصلاة لان السلام محلل قال وتحليلها التسليم وقد أتى به في موضعه مع العلم بحاله فيعمل عمله في التحليل الا أنه إذا عاد يعود إلى حرمة الصلاة ضرورة ولا تتحقق تلك الضرورة قبل عوده فيخرج بالسلام من الصلاة عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ثم يعود إليها بالعود إلى سجود السهو وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى يتوقف حكم خروجه من الصلاة فلهذا كان الاقتداء به موقوفا * وينبنى على هذا الاصل أربع مسائل (احداها) ما بينا (والثانية) إذا نوى المسافر الاقامة بعد ما سلم وعليه سجود السهو فعند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى لا يتعين فرضه ويسقط عنه سجود السهو وعند محمد وزفر رحمهما الله تعالى يتعين فرضه فيقوم لا تمام صلاته (والثالثة) إذا ضحك قهقهة في هذه الحالة لم يلزمه الوضوء في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى يلزمه الوضوء لصلاة أخرى (والرابعة) إذا اقتدى به رجل بنية التطوع ثم تكلم قبل عود الامام إلى سجود السهو فليس عليه قضاء شئ عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وان عاد الامام إلى سجود

[ 169 ] السهو بعد ذلك وعند محمد رحمه الله تعالى عليه قضاء التطوع لان أقتداءه به حصل في حال بقاء الحرمة فصار شارعا في التطوع ثم مفسدا فعليه القضاء والله سبحانه وتعالى أعلم * (باب الحدث في الصلاة) * (مصل سبقه الحدث في الصلاة من بول أو غائط أو ريح أو رعاف بغير قصده انصرف فتوضأ وبنى على صلاته ما لم يتكلم استحسانا وان تكلم واستقبل فهو أفضل) وفي القياس عليه استقبال الصلاة بعد الوضوء وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى وكان مالك رحمه الله تعالى يقول يبنى ثم رجع عنه فعابه محمد رحمه الله تعالى في كتاب الحجج برجوعه من الآثار إلى القياس. وجه القياس أن الطهارة شرط بقاء الصلاة كما هو شرط ابتدائها فكما لا يتحقق شروعه في الصلاة بدون هذا الشرط فكذلك بقاؤها ولان الحدث مناف للصلاة قال لا صلاة الا بطهور ولا بقاء للعبادة مع وجود ما ينافيها. وجه قولنا حديث عائشة رضى الله تعالى عنها أن رسول الله قال من قاء أو رعف أو أمذى في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على ما مضى من صلاته ما لم يتكلم وان أبا بكر رضى الله تعالى عنه سبقه الحدث في الصلاة فتوضأ وبنى وعمر رضى الله تعالى عنه سبقه الحدث فاستخلف وتوضأ وبنى على صلاته وعلى رضى الله تعالى عنه كان يصلى خلف عثمان فرعف فانصرف وتوضأ وبني على صلاته وهو مروى عن ابن مسعود وابن عباس رضى الله تعالى عنهم والقياس يترك بالآثار. ثم الذى سبقه الحدث اما أن يكون منفردا واما أن يكون مقتديا أو أماما فأما المنفرد يذهب فيتوضأ ثم يتخير بين اتمام بقية الصلاة في بيته وبين الرجوع إلى مصلاه ليكون مؤديا جميع الصلاة في مكان واحد وهو أفضل وان أتم في بيته فلم يوجد منه الا ترك المشى في الصلاة وذلك لا يضره وأما المقتدي إذا فرغ من الوضوء فان لم يفرغ امامه من الصلاة فعليه أن يعود ولو أتم بقية صلاته في بيته لا يجزئه لان بينه وبين امامه ما يمنع صحة الاقتداء وان كان قد فرغ امامه يخير هو كما بينا وان كان اماما تأخر وقدم رجلا ممن خلفه يصلى بالقوم والشافعي رحمه الله تعالى في هذا يوافقنا فان على أصله بحدث الامام لا تفسد صلاة القوم لانه لو ظهر أنه كان محدثا جاز صلاة القوم فيستخلف لهم ثم يتوضأ ويستقبل وعندنا يستخلف لانه عجز

[ 170 ] عن اتمام ما ضمن لهم الوفاء به فيستعين بمن قدر عليه والدليل على جواز هذا أن رسول الله صلى الله عيله وسلم لما أمر أبا بكر رضى الله تعالى عنه أن يصلى بالناس وجد في نفسه خفة فخرج يهادى بين اثنين بعدما افتتح أبو بكر الصلاة فلما سمع أبو بكر حس رسول الله تأخر وتقدم رسول الله وانما تأخر لانه عجز عن المضى لقوله تعالى لا تقدموا بين يدى الله ورسوله فصار هذا أصلا في حق كل امام عجز عن الاتمام أنه يتأخر ويستخلف ثم يتوضأ ويبنى على صلاته ما لم يتكلم فان تكلم واستقبل فهو أفضل ليكون أبعد عن شبهة الاختلاف وأقرب إلى الاحتياط فان كان حين يرجع إلى أهله بال واستمشى لم يبن على صلاته لان هذا حدث عمد فهو بمنزلة الكلام أو فوقه في افساد الصلاة وجواز البناء كان بالآثار في الحدث الذى يسبقه فلا يقاس من يتعمد الحدث لان فيما يسبقه بلوى وضرورة بخلاف ما يتعمده ولهذا لو ابتلى بالجنابة في خلال الصلاة لم يبن بعد الاغتسال لانه مما لا تعم به البلوى * قال (فان تكلم في صلاته ناسيا أو عامدا مخطئا أو قاصدا استقبل الصلاة) وقال الشافعي رحمه الله تعالى إذا كان ناسيا أو مخطئا لا يستقبل الا إذا طال كلامه واحتج بقوله تعالى ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به وبقوله رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه واعتماده على حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال صلى بنا رسول الله احدى صلاتي العشى اما الظهر واما العصر فسلم على رأس ركعتين فقام رجل يقال له ذو اليدين فقال أقصرت الصلاة أم نسيتها فقال كل ذلك لم يكن فقال بعض ذلك قد كان فنظر إلى أبى بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما وقال احق ما يقول ذو اليدين فقالا نعم فأتم صلاته وسجد للسهو فقد تكلم ناسيا ثم بنى على صلاته وقاس الكلام بالسلام لان كل واحد منهما قاطع ثم في السلام فصل بين العمد والنسيان فكذلك الكلام بخلاف الحدث فانه مناف للصلاة لانه ينعدم به شرطها فسوينا بين النسيان والعمد لهذا * ولنا ما روينا وليبن على صلاته ما لم يتكلم فدل أن بعد الكلام لا يجوز البناء قط وفي حديث أبن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قدم من الحبشة فوجد رسول الله في الصلاة فسلم عليه فلم يرد عليه السلام قال فأخذني ما قرب وما بعد فلما فرغ قال يا ابن مسعود ان الله تعالى يحدث من أمره ما يشاء وان مما أحدث أن لا يتكلم في الصلاة وفي حديث معاوية بن الحكم رضى الله

[ 171 ] تعالى عنه قال صليت خلف رسول الله فعطس بعض القوم فقلت يرحمك الله فرمانى القوم بأبصارهم فقلت واثكل أماه مالى أراكم تنظرون إلى شزرا فضربوا بأيديهم على أفخاذهم فعلمت أنهم يسكتونني فلما فرغ النبي فوالله ما رأيت معلما أحسن تعليما منه ما نهرني ولا زجرني ولكن قال ان صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس انما هي للتسبيح والتهليل وقراءة القرآن وما لا يصلح للصلاة فمباشرته مفسدة للصلاة ألا ترى أن الا كل والشرب مبطل للصلاة ناسيا أو عامدا لهذا والخروج في الاعتكاف كذلك والجماع في الاحرام كذلك ولهذا لو طال الكلام كان مفسدا ولو كان النسيان فيه عذرا لا ستوى فيه أن يطول أو يقصر كالاكل في الصوم. والقياس في السلام أنه مفسد وان كان ناسيا ولكن استحسنا ما فيه لمعنى لا يوجد ذلك في الكلام وهو أن السلام من جنس أركان الصلاة فان المتشهد يسلم على النبي وعلى عباد الله الصالحين وهو اسم من أسماء الله تعالى وانما أخذ حكم الكلام لكاف الخطاب وانما يتحقق معنى الخطاب فيه عند القصد وإذا كان ناسيا شبهناه بالاذكار وإذا كان عالما شبهناه بالكلام فأما الكلام فهو ليس من أذكار الصلاة فكان منافيا للصلاة على كل حال والخطأ والنسيان عذر في رفع الاصر وعليه تحمل الآية والخبر فأما حديث ذى اليدين فقد كان في وقت كان الكلام فيه مباحا في الصلاة ثم انتسخ الكلام في الصلاة ألا ترى أن ذا اليدين كان عامدا بالكلام وكذلك أبو بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما ولم يأمرهم بالاستقبال (فان قيل) كيف يستقيم هذا واسلام أبى هريرة رضى الله تعالى عنه بعد فتح خيبر وقد قال صلى بنا وحرمة الكلام في الصلاة كانت ثابتة حين جاء من الحبشة وذلك في أول الهجرة (قلنا) معنى قوله بنا بأصحابنا ولا وجه للحديث الا هذا لان ذا اليدين قتل ببدر واسمه مشهور في شهداء بدر وذلك قبل خيبر بزمان طويل * قال (وان قهقه في صلاة استقبل الصلاة والوضوء عندنا ناسيا كان أو عامدا) لان القهقهة أفحش من الكلام عند المناجاة ولهذا جعلت ناقضة للوضوء ثم سوى بين النسيان والعمد وفى القهقهة أولى والبناء لاجل البلوى وذلك لا يتحقق في القهقهة وان قهقه بعد ما قعد قدر التشهد قبل أن يسلم لم تفسد صلاته كما لو تكلم في هذه الحالة لانه لم يبق عليه شئ من أركان الصلاة ولكن

[ 172 ] يلزمه الوضوء لصلاة أخرى عندنا ولا يلزمه عند زفر رحمه الله تعالى قال القهقهة عرفناها حدثا بالنص بخلاف القياس والنص ورد باعادة الصلاة والوضوء بالقهقهة فكل قهقهة توجب اعادة الصلاة توجب الوضوء وما لا يجب اعاة الصلاة لا يوجب الوضوء لانه ليس في معنى المنصوص من كل وجه (ولنا) أن الضحك صادف حرمة الصلاة لبقائها ما لم يسلم حتى لو نوى المسافر الاقامة في هذه الحالة لزمه الاتمام وبالنص صار الضحك حدثا لمصادفته حرمة الصلاة فان الجناية تفحش بالقهقهة في حالة المناجاة وذلك باق ببقاء التحريمة فألزمناه الوضوء لهذا فأما اعادة الصلاة فلبقاء البناء عليه وعجزه عنه بالقهقهة لفساد ذلك الجزء ولم يبق عليه البناء هنا فلم تلزمه الاعادة لهذا وكذلك لو قهقه في سجدتي السهو لان العود اليهما يرفع السلام دون القعدة فكأنه قهقه بعد القعدة قبل السلام الا في رواية شاذة عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أن العود إلى سجود السهو يرفع القعدة كالعود إلى سجدة التلاوة فعلى تلك الرواية تلزمه اعادة الصلاة * قال (وان قهقهه الامام والقوم جميعا فان كان الامام سبق بها فعليه اعادة الوضوء وليس ذلك على القوم) لانهم صاروا خارجين من الصلاة بخروج الامام منها فضحكهم لم يصادف حرمة الصلاة (وان قهقه القوم أولا ثم الامام فعلى الكل اعادة الوضوء) لان قهقهة القوم صادفت حرمة الصلاة وكذلك قهقهة الامام لانه لا يصير خارجا منها بخروج القوم وان ضحكوا معا فكذلك لان ضحك القوم لما اقترن بضحك الامام كان مصادفا حرمة الصلاة في حقهم فان خروجهم من حكم خروج الامام فيعقبه ولا يقترن به * قال (امام أحدث فقدم رجلا قد فاتته ركعة فعليه أن يصلى بهم بقية صلاة الامام) والاولى للامام أن يقدم مدركا لا مسبوقا لان المدرك أقدر على اتمام صلاته من المسبوق وقال من قلد انسانا عملا وفي رعيته من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين ولكن مع هذا المسبوق شريكه في التحريمة وصحة الاستخلاف بوجود المشاركة في التحريمة والحاجة إلى اصلاح صلاته فجاز تقديمه وقام مقام الاول فيتم ما بقى على الاول فإذا انتهى إلى موضع السلام تأخر وقدم رجلا من المدركين ليسلم بهم لانه عاجز عن السلام لبقاء ركعة عليه فيستعين بمن يقدر عليه فان اتمامه بعد سلام الامام فلهذا قدم مدركا ليسلم بهم ثم يقوم فيقضى ما بقى عليه من صلاته * قال (فان توضأ الاول وصلى في بيته ما بقي من صلاته

[ 173 ] فان كان صلى بعد فراغ الامام الثاني من بقية صلاته فصلاته تامة) لان الامامة تحولت إلى الثاني وصار الاول كواحد من المقتدين به وقد بينا أن المقتدى إذا أتم بقية صلاته في بيته بعد فراغ الامام جاز ولو صلى قبل أن يفرغ الامام الثاني فصلاته فاسدة كغيره من المقتدين إذا سبقه الحدث * قال (فان قعد الامام الثاني في الرابعة قدر التشهد ثم قهقه فعليه اعادة الوضوء والصلاة) لانه قد بقى عليه ركعة فضحكه حصل في خلال الصلاة في حقه وصلاة القوم تامة لانه لم يبق عليهم البناء وروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه قال صلاة القوم فاسدة لفساد ما مضى ولو ضحكوا بأنفسهم في هذه الحالة كانت صلاتهم تامة فضحك الامام في حقهم لا يكون أكثر تأثيرا من ضحكهم فأما الامام الاول فان كان قد فرغ من صلاته خلف الامام الثاني مع القوم فصلاته تامة كغيره من المدركين وان كان في بيته لم يدخل مع الامام الثاني في الصلاة فصلاته فاسدة وفى رواية أبى حفص رحمه الله تعالى قال صلاته تامة. وجه هذه الرواية أنه مدرك لاول صلاته فيكون كالفارغ بقعدة الامام قدر التشهد والرواية الاولى أصح وأشبه بالصواب لانه قد بقى عليه البناء وضحك الامام في حقه في المنع من البناء كضحكه ولو ضحك هو في هذه الحالة فسدت صلاته فكذلك ضحك الامام في حقه ورواية أبى حفص رحمه الله تعالى كأنه غلط وقع من الكاتب لانه اشتغل بتقسيم ثم أجاب في الفصلين بأن صلاته تامة وظاهر هذا التقسيم يستدعى المخالفة في الجواب * قال (رجل سلم في الركعتين من الظهر ناسيا ثم ذكر فظن أن ذلك يقطع الصلاة فاستقبل التكبير ينوى به الدخول في الظهر ثانية وهو امام قوم وكبروا معه ينوون معه ذلك فهم على صلاتهم الاولى يصلون ما بقى منها ويسجدون للسهو) لما بينا أن سلام الامام لا يقطع التحريمة فهم في صلاتهم بعد قد نووا ايجاد الموجود وذلك لغو. بقى مجرد التكبير وهو لا يقطع الصلاة بخلاف من كان في الظهر فنوى العصر وكبر لانه نوى ايجاد ما ليس بموجود فصار خارجا من الاولى داخلا في الثانية فان صلوا العصر أربع ركعات هكذا فان قعدوا في الثانية جازت صلاتهم وما زادوا من الركعتين نافلة لهم فان لم يقعدوا في الثانية فسدت صلاتهم لاشتغالهم بالنفل قبل اكمال الفرض حتى لو سلم ساهيا بعد ثلاث ركعات فجدد التكبير وصلى أربع ركعات لا تجزئه صلاته لانه لم يقعد بعد الركعة الرابعة حتى صلى ركعة أخرى وذلك مفسد لفرضه * قال (رجل صلى ركعة ثم جاء قوم فاقتدوا به

[ 174 ] فلما فرغ من صلاته وقعد قدر التشهد قهقه أو أحدث متعمدا فصلاته تامة) لانه لم يقعد بعد الركعة الرابعة حتى صلى ركعة أخرى وذلك مفسد للصلاة لانه لم يبق عليه البناء وصلاة القوم فاسدة في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا تفسد لانه لا سبب لافساد صلاتهم فان الضحك والحدث لم يوجدا منهم فلو فسدت صلاتهم انما تفسد بفساد صلاة الامام ولم تفسد صلاة الامام هنا فهو قياس ضحكه بعد السلام ولان الامام لما قعد قدر التشهد فقد صار المسبوق في حكم المنفرد يقوم لاتمام صلاته ألا ترى أن سلام الامام وكلامه لا يؤثر في حقه ولا يمنعه من البناء فكذلك ضحك الامام وحدثه وأبو حنيفة رحمه الله تعالى قال ما لم يسلم الامام فالمسبوق مقتد به ألا ترى أنه لو نوى الامامة أثر ذلك في حق المسبوق وانه ممنوع من القيام حتى يسلم الامام والضحك والحدث إذا لاقى جزأ من الصلاة كان مفسدا لذلك الجزء وبفساد ذلك الجزء من صلاة الامام يفسد مثله من صلاة المقتدى الا أن الامام لم يبق عليه البناء بفساد ذلك الجزء ولا يضره والمسبوق قد بقى عليه البناء ففساد ذلك الجزء يمنعه من بناء ما بقى عليه فيلزمه الاستقبال ألا ترى أنه لو ضحك بنفسه أو أحدث في هذه الحالة لزمه الاستقبال فكذلك فعل الامام في حقه بخلاف السلام والكلام فالسلام منه للصلاة والكلام قاطع لا مفسد لانه لا يفوت به شرط الصلاة وهو الطهارة فلم يؤثر ذلك في حق المسبوق فأما الضحك والحدث مفسد لا قاطع لانه يفوت به شرط الصلاة وهو الطهارة ولهذا قيل لو تكلم الامام بعد ما قعد قدر التشهد فعلى القوم أن يسلموا ولو أحدث الامام متعمدا أو قهقه لم يسلم القوم وخروج الامام من المسجد في كونه قاطعا لكلامه فلا يفسد صلاة المسبوقين * قال (وإذا افتتح الرجل صلاة المكتوبة في المسجد وحده ثم أقيم له فيها ففى ذوات الاربع كالظهر والعصر والعشاء ان كان صلى ركعة أضاف إليها أخرى وقعد وسلم ثم دخل مع الامام) لانه لو قطعها كذلك كان مبطلا عمله فان الركعة الواحدة لا تكون صلاة فيضيف إليها ركعة أخرى ليصير شفعا ثم يسلم فيدخل مع الامام لاحراز فضيلة الجماعة فان النبي قال صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة (فان قيل) كيف يقطع فرضة بعد الشروع فيها (قلنا) لا يقطعها رافضا لها وانما يقطعها ليعيدها على أكمل الوجوه وذلك جائز كما يقطع الظهر إذا أقيمت الجمعة وكذلك أن قام إلى الثالثة ولم يقيدها بالسجدة عاد فقعد وسلم لكيلا

[ 175 ] تفوته فضيلة الجماعة ولا يسلم كما هو قائما لان ما أتى به من القعدة كان سنة وقعدة الختم فرض فعليه أن يعود إلى القعدة ثم يسلم ليكون متنفلا بركعتين فان قيد الثالثة بالسجدة مضى في صلاته لانه أتى بأكثرها وللاكثر حكم الكمال فإذا فرغ منها دخل مع الامام في الظهر والعشاء بنية النفل لان التنفل بعدهما جائز ولو خرج من المسجد ربما توهم أنه ممن لا يرى الجماعة فلهذا دخل معه فأما في العصر لا يدخل لان التنفل بعده مكروه كما بينا. وعند الشافعي رضى الله تعالى عنه يدخل بناء على أصله في الصلاة التى لها سبب فإذا لم يدخل معه خرج من المسجد لان في المكث تطول مخالفته للامام وفي الخروج انما يظهر مخالفته في لحظة فهو أولى ولم يذكر في الكتاب أنه إذا كان في الركعة الاولى ولم يقيدها بالسجدة كيف يصنع والصحيح أنه يقطعها ليدخل مع الامام فيحرز به ثواب تكبيرة الافتتاح لان ما دون الركعة ليس لها حكم الصلاة حتى ان من حلف أن لا يصلى لا يحنث على ما دون الركعة ألا ترى انه من الركعة الثالثة يعود إذا لم يقيدها بالسجدة فكذلك في الركعة الاولى يقطعها ليدخل مع الامام (فأما في الفجر فان كان صلى ركعة قطعها) لانه لو أدى ركعة أخري ثم فرضه وفاتته الجماعة فالاولى أن يقطعها ليعيدها على أكمل الوجوه (وان كان قيد الركعة الثانية بسجدة أتمها) لانه أدى أكثرها ثم انه لا يدخل مع الامام لانه يكون متنفلا بعد الفجر وذلك مكروه والذى روى من حال الرجلين حين صلى رسول الله في مسجد الخيف صلاة الفجر كما روينا فقد ذكر أبو يوسف رحمه الله تعالى في الاملاء أن تلك الحادثة كانت في صلاة الظهر ولئن كانت في صلاة الفجر فقد كان في وقت لم ينههم عن صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ثم انتسخ بالنهي (وأما المغرب فان صلى ركعة قطعها) لانه لو أضاف إليها ركعة أخرى كان مؤديا أكثر الصلاة فلا يمكنه القطع بعد ذلك ولو قطع كان متنفلا بركعتين قبل المغرب وذلك منهى عنه فلهذا قطع صلاته ليعيدها على أكمل الوجوه وان كان قيد الركعة الثانية بسجدة أتم صلاته لانه قد أدى أكثرها ثم لا يدخل مع الامام وذلك مروي عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما وانما لا يدخل لا لان التنفل بعد المغرب منهى عنه ولكن لانه لو دخل معه فأما أن يسلم معه فيكون متنفلا بثلاث ركعات وهو غير مشروع أو يضيف إليها ركعة أخرى فيكون

[ 176 ] مخالفا لامامه فلهذا لا يدخل معه وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه يدخل معه فإذا فرغ الامام قام فصلى ركعة أخرى ليصير شفعا له ولا يبعد أن يقوم لاتمامه بعد فراغ الامام كالمسبوق وهو بالشروع قد التزم ثلاث ركعات فكأنه التزمها بالنذر فيلزمه أربع وعندنا ان دخل فعل كما قال أبو يوسف رحمه الله تعالى وقال بشر المريسي يسلم مع الامام لان هذا التغير كان بحكم الاقتداء وذلك جائز كالمسبوق يدرك الامام في القعدة يقعد معه وابتداء الصلاة لا يكون بالقعدة وجاز ذلك بحكم الاقتداء فهذا مثله * قال (وإذا صلى الظهر في بيته يوم الجمعة ثم صلى الجمعة مع الامام فالجمعة فرضه ويصير الظهر تطوعا له) لان بأداء الظهر ما سقط عنه الخطاب بالسعي إلى الجمعة فكان في أدائها مفترضا ولا يجتمع فرضان في وقت واحد فمن ضرورة كون الجمعة فرضا له أن ينقلب ما قبله تطوعا وهذا بخلاف مااذا صلى الظهر في بيته يوم الخميس ثم أدركها بالجماعة فصلاها فالاولى فرض والثانية تطوع بعد أداء الفرض هو غير مخاطب بشهود الجماعة في تلك الصلاة فان شهدها كان متنفلا. يوضح الفرق ان الجمعة أقوى من الظهر لانها تستدعى من الشرائط مالا يستدعيه الظهر والضعيف لا يظهر في مقابلة القوى وإذا ظهر القوى بأدائه لا سقاط فرض الوقت به سقط اعتبار الضعيف وكان تطوعا فأما الظهر المؤدى في الجماعة في حكم القوة كالمؤدى في بيته فان أحدهما يستدعى شرطا لا يستدعيه الآخر فإذا استويا ترجح السابق منهما لا سقاط فرض الوقت به فكانت الثانية نفلا * قال (وإذا أحدث الامام فلم يقدم أحدا حتى خرج من المسجد فان صلاة القوم فاسدة) لانهم مقتدون فيها ولم يبق لهم امام في مكانه وهو في المسجد ولم يبين في الكتاب حال الامام وذكر الطحاوي رحمه الله تعالي أن صلاته تفسد أيضا لان بعد سبق الحدث كان الاستخلاف ليصير هو في حكم المقتدى به كغيره فبترك الاستخلاف لما فسدت صلاة القوم فلان تفسد صلاته كان أولى وذكر أبو عصمة رحمه الله تعالى أن صلاته لا تفسد لانه في حق نفسه كالمنفرد فلا تفسد صلاته بالخروج من المسجد بعد سبق الحدث فعلى ما ذكره الطحاوي رحمه الله تعالى فساد صلاة القوم بطريق القياس على فساد صلاة امامهم وعلى ما ذكره أبو عصمة وهو الاصح فساد صلاة القوم استحسان فكان ينبغي في القياس أن لا تفسد فان بعد حدث الامام بقوا مقتدين به حتى لو وجد الماء في المسجد

[ 177 ] فتوضأ وعاد إلى مكانه وأتم بهم الصلاة أجزأهم فكذلك بعد خروجه ولكنه استحسن وأراه قبيحا أن يكون القوم في الصلاة في مسجد وامامهم في أهله فأما مادام في المسجد فكأنه في المحراب لان المسجد في كونه مكان الصلاة كبقعة واحدة فليس بينه وبينهم ما ينافي الاقتداء فأما بعد خروجه فقد صار بينه وبينهم ما ينافى الاقتداء فلهذا فسدت صلاتهم * قال (فان قدموا رجلا قبل خروج الامام من المسجد فصلاته وصلاتهم تامة) لان تقديم القوم اياه كاستخلاف الامام الاول ألا ترى أن في الامامة العظمى لا فرق بين اجتماع الناس على رجل وبين استخلاف الامام الاعظم. وهذا لان الامام في الاستخلاف ينظر لهم في اصلاح صلاتهم فيكون لهم أن ينظروا إلى أنفسهم أيضا فان قدم كل فريق من القوم رجلا فسدت صلاتهم لانها افتتحت بامام واحد فلا يجوز اتمامها بامامين ولو جاز ذلك لجاز بأكثر من اثنين فينوي كل واحد أن يؤم نفسه وهذا إذا استوى الفريقان في العدد لانه ليس أحدهما بأولى من الآخر فأما إذا اقتدى جماعة من القوم بأحد الامامين الا رجلا أو رجلين اقتديا بالثاني فصلاة من اقتدى به الجماعة صحيحة وصلاة الاخرين فاسدة لقوله يد الله مع الجماعة فمن شذ شذ في النار وقال عمر رضى الله تعالى عنه في الشورى ان اتفقوا على شئ وخالفهم واحد فاقتلوه فأما إذا اقتدى بكل امام جماعة وأحد الفريقين أكثر عددا من الآخر فقد قال بعض مشايخنا صلاة الاكثرين جائزة ويتعين الفساد في الآخرين كما في الواحد والمثنى والاصح أن تفسد صلاة الفريقين لان كل واحد منهما جمع تام يتم به نصاب الجمعة فيكون الاقل مساويا للاكثر حكما كالمدعيين يقيم أحدهما شاهدين والآخر عشرة من الشهود وكذلك ان كان الامام هو الذى قدم رجلين فهذا وتقديم القوم اياهما سواء وان وصل أحدهما إلى موضع الامامة قبل الآخر تعين للامامة وجاز صلاته وصلاة من اقتدى به لان الاستخلاف كان للضرورة وقد ارتفعت بوصوله إلى موضع الامامة فاستخلاف الآخر وجوده كعدمه * قال (وان أحدث الامام ولم يكن خلفه الا رجل واحد صار هو اماما قدمه الامام أو لم يقدمه نوى هو الامامة أولم ينو) لانه تعين للاستخلاف فان صلاحيته للاستخلاف بكونه شريك الامام في الصلاة ولا مزاحم له والحاجة في هذا إلى الاستخلاف أو النية للتمييز وذلك عند المزاحمة لا عند التعين فإذا توضأ الامام رجع ودخل مع هذا في صلاته لان الامامة تحولت إليه وان لم

[ 178 ] يرجع الامام حتى أحدث هذا فخرج من المسجد فسدت صلاة الامام الاول لانه في حكم المقتدى به ولم يبق له امام في المسجد وان لم يخرج حتى رجع الاول ثم خرج الثاني فقد صار الامام هو الاول لانه متعين لاصلاح الصلاة وان جاء ثالث واقتدى بالثاني ثم سبقه الحدث فخرج من المسجد تحولت الامامة إلى الثالث لكونه متعينا فان أحدث فخرج من المسجد قبل رجوع أحد الاولين فسدت صلاتهما لانه لم يبق لهما امام في المسجد وان كان قد رجع أحد الاولين قبل خروج الثالث تحولت الامامة إليه بخروج الثالث فان كانا رجعا جميعا فان استخلف الثالث أحدهما صار هو الامام وان لم يستخلف حتى خرج فسدت صلاتهما لانه ليس أحدهما بأولى بالامامة من الآخر * وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى إذا أحدث وليس معه الارجل واحد فوجد الماء في المسجد فتوضأ قال يتم صلاته مقتديا بالثاني لانه متعين للامامة فبنفس انصرافه تتحول الامامة إليه وان كان معه جماعة فتوضأ في المسجد عاد إلى مكان الامامة وصلى بهم لان الامامة لم تتحول منه إلى غيره في هذه الحالة الا بالاستخلاف ولم يوجد * قال (امام أحدث فانفتل وقدم رجلا جاء ساعتئذ فان كان كبر قبل الحدث من الامام صح استخلافه) لانه شريك الامام في الصلاة وان لم يكن كبر فلما استخلفه كبر ينوى الاقتداء به صح الاستخلاف أيضا الا على قول بشر فانه يقول لا يصح اقتداؤه بالامام لان حدث الامام في حق المقتدي كحدثه بنفسه وكونه محدثا يمنع الشروع في الصلاة ابتداء فيمنع من الاقتداء به أيضا فان بقاء الاقتداء بعد الحدث عرفناه بالسنة والابتداء ليس في معنى البقاء ولكنا نقول التحريمة في حق الامام باقية حتى إذا عاد بنى على صلاته وكذلك صفة الامامة له ما لم يخرج من المسجد حتى لو توضأ في المسجد وعاد إلى مكان الامامة جاز فاقتداء الغير به صحيح في هذه الحالة وإذا صح الاقتداء جاز استخلافه وان كان حين كبر نوى أن يصلى بهم صلاة مستقبلة ولم ينو الاقتداء بالاول فصلاته تامة لانه افتتحها منفردا بها وقد أداها وصلاة القوم فاسدة لانهم كانوا مقتدين بالاول فلا يمكنهم اتمامها مقتدين بالثاني فان الصلاة الواحدة لا تؤدى بامامين بخلاف خليفة الاول فانه قائم مقامه فكأنه هو بعينه فكان الامام واحدا معنى وان كان مثنى في الصورة وهنا الثاني ليس بخليفة الاول فانه لم يقيد به قط فتحقق أداء الصلاة الواحدة خلف امامين صورة ومعنى فلهذا لا يجزئهم * قال (امام أحدث وهو مسافر وخلفه مقيمون ومسافرون

[ 179 ] فقدم مقيما صح ذلك) لان المقيم شريكه في هذه الصلاة ولا يتغير به فرض المسافرين بخلاف مالو نوى الاول الاقامة لانهم لما قصدوا الاقتداء بالاول فقد ألزموا أنفسهم حكم الاقتداء وما قصدوا الاقتداء بالثاني انما لزمهم الاقتداء لضرورة الحاجة إلى اصلاح صلاتهم والثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة وعلى هذا قلنا لو قدم مسافرا فنوى الثاني الاقامة لا يتغير فرض المسافرين ثم على الثاني أن يتم بهم صلاة المسافرين لانه خليفة الاول فيأتى بما كان على الاول فإذا قعد قدر التشهد قدم مسافرا ليسلم بهم لانه عاجز عن التسليم بنفسه لبقاء البناء عليه ثم يقوم هو مع المقيمين فيتمون صلاتهم وحدانا هكذا قال رسول الله حين صلى بعرفات أتموا يا أهل مكة صلاتكم فانا قوم سفر فان اقتدوا فيما يقضون فسدت صلاتهم لان الاقتداء في موضع يحق فيه الانفراد كالانفراد في موضع يحق فيه الاقتداء لما بينهما من المخالفة في الحكم وان مضى الامام الثاني في صلاته حتى أتمها صلاة الاقامة والقوم معه فان قعد في الثانية قدر التشهد فصلاته وصلاة المسافرين تامة لانه في حق نفسه منفرد لا تتعلق صلاته بصلاة غيره والمسافرون انما اشتغلوا بالنفل بعد اكمال الفرض فلا يضرهم فأما صلاة المقيمين فاسدة لان عليهم الانفراد في الاخريين فإذا اقتدوا به فسدت صلاتهم فان لم يقعد الثاني في الركعتين فسدت صلاته وصلاة القوم كلهم لانه خليفة الاول فيفترض عليه ما على الاول والاول لو ترك القعدة الاولى فسدت صلاته وصلاة القوم فكذلك الثاني إذا تركها فتفسد به صلاة الامام الاول أيضا لانه كغيره من المقتدين به * قال (امام افتتح الصلاة فركع قبل أن يقرأ ثم رفع رأسه فقرأ وركع وسجد وأدرك معه رجل هذا الركوع الثاني فهو مدرك للركعة) لان الركوع الاول انتقض بالثاني فان الاول سبق أوانه لان أوان الركوع بعد القراءة فما سبقه كان منتقضا والركوع الثاني حصل في أوانه فهو المعتد به وقد أدركه الرجل وان كان قرأ قبل الركوع الاول فالركوع هو الاول ومن أدرك الركوع الثاني لا يصير به مدركا للركعة لان الاول حصل في أوانه فهو المعتد به والثانى وقع مكررا ولا تكرار في الركوع في ركعة واحدة فالمنتقض ما وقع مكررا وذكر في باب السهو في نوادر أبى سليمان أن المعتبر هو الركوع الثاني ومدركه مدرك للركعة ووجهه أن اعتبار الركوع باتصال السجود به وانما اتصل السجود بالركوع الثاني دون الاول فكان المنتقض هو الاول والاصح ما ذكر في كتاب الصلاة أن الفرض بالركوع الاول صار

[ 180 ] مؤدى فيقف ينتظر السجود فيجعل السجود متصلا به حكما وكذلك أن كان الامام أحدث حين فرغ من الركوع واستخلف رجلا فان الخليفة يعتد بذلك الركوع ان كان الامام قرأ قبله وان لم يكن قرأ قبله لم يعتد به لانه قائم مقام الاول فحاله في هذا كحال الاول * قال (امام أحدث فقدم رجلا على غير وضوء فصلاته وصلاة القوم فاسدة) لان المحدث لا يصلح للاستخلاف فاشتغاله باستخلاف من لا يصلح خليفة له أعراض منه عن صلاته فتفسد صلاته وصلاة القوم وهذا عندنا فان حدث الامام إذا تبين للقوم بعد الفراغ فصلاتهم فاسدة فكذلك في حالة الاستخلاف وعند الشافعي رحمه الله تعالى إذا اقتدوا به مع العلم بأنه محدث لا يصح الاقتداء به وإذا لم يعلموا به فصلاتهم تامة في حالة الاستخلاف واستدل بحديث روى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه أم في صلاة أصحابه ثم ظهر أنه كان جنبا فأعاد ولم يأمرهم بالاعادة (ولنا) ما روى عن النبي قال من أم قوما ثم ظهر أنه كان محدثا أو جنبا أعاد صلاته وأعادوا وقد روى نحو هذا عن عمر وعلى حتى ذكر أبو يوسف في الامالى أن عليا رضى الله تعالى عنه صلى بأصحابه يوما ثم علم أنه كان جنبا فأمر مؤذنه ابن التياح أن ينادى ألا ان أمير المؤمنين كان جنبا فأعيدوا صلاتكم وتأويل حديث عمر ما ذكره في بعض الروايات أنه رأى أثر الاحتلام في ثوبه بعد الفراغ ولم يعلم متى أصابه فأعاد صلاته احتياطا وعندنا في هذا الموضع لا يجب على القوم أعادة الصلاة وكذلك لو قدم الامام المحدث صبيا فسدت صلاتهم وصلاته لان صلاة الصبي تخلق وأعتياد أو نافلة فلا يصلح هو خليفة للامام في الفرض كما لا يصلح للامامة في هذه الصلاة أصلا بنفسه وهذا بناء على أصلنا أيضا فأما الشافعي رضى الله تعالى عنه فانه يجوز الاقتداء بالصبي في المكتوبة وهو بناء على اقتداء المفترض بالمتنفل وقد مر وأما الاقتداء بالصبي في التطوع فقد جوزه محمد بن مقاتل الرازي للحاجة إليه والاصح عندنا أنه لا يجوز لان نفل الصبى دون نفل البالغ حتى لا يلزمه القضاء بالافساد وبناء القوى على الضعيف لا يجوز كيف وقد قال رسول الله الامام ضامن والصبي لا يصلح ضامنا لفلس فكيف يصح منه الضمان لصلاة المقتدى وكذلك ان قدم الامام المحدث امرأة فصلاته وصلاتها وصلاة القوم كلهم فاسدة لان المرأة لا تصلح لامامة الرجال قال عليه الصلاة والسلام أخروهن من حيث أخرهن الله فاشتغاله باستخلاف من لا يصلح خليفة له اعراض

[ 181 ] منه عن الصلاة فتفسد صلاته وبفساد صلاته تفسد صلاة القوم لان الامامة لم تتحول منه إلى غيره وعند زفر رحمه الله تعالى صلاة النساء صحيحة انما تفسد صلاة الرجال لان المرأة تصلح لامامة النساء انما لا تصلح لامامة الرجال وفيما ذكرنا الجواب عن كلامه * قال (أمي * صلى بقوم أميين وقارئين فصلاة الامام والقوم كلهم فاسدة) عند أبى حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى صلاة الامام والاميين تامة لان الامي صاحب عذر فإذا اقتدى به من هو في مثل حاله ومن لا عذر به جازت صلاته وصلاة من هو في مثل حاله كالعارى يؤم العراة واللابسين والمومي يؤم من يصلى بالايماء ومن يصلى بالركوع والسجود وصاحب الجرح السائل يؤم من هو في مثل حاله والاصحاء * ولابي حنيفة رحمه الله تعالى طريقان (أحدهما) أنه لما جاؤا مجتمعين لاداء هذه الصلوات بالجماعة فالامي قادر على أن يجعل صلاة بالقراءة بأن يقدم القارئ فتكون قراءة امامه قراءة له قال من كان له امام فقراءة الامام له قراءة فإذا تقدم بنفسه فقد ترك أداء الصلاة بالقراء مع قدرته عليه بنفسه فتفسد صلاته وصلاة القوم أيضا بخلاف سائر الاعذار فلبس الامام لا يكون لبسا للمقتدين والركوع والسجود من الامام لا ينوب عن المقتدى ووضوء الامام لا يكون وضوأ للمقتدى فهو غير قادر على ازالة هذا العذر بتقديم من لا عذر له (فان قيل) لو كان الامام يصلى وحده وهناك قارئ يصلى بتلك الصلاة جازت صلاة الامي ولم ينظر إلى قدرته على أن يجعل صلاته بقراءة بالاقتداء بالقارئ (قلنا) ذكر أبو حازم أن على قياس قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا تجوز صلاته وهو قول مالك رحمه الله تعالى وبعد التسليم قلنا لم يظهر هناك من القارئ رغبة في أداء الصلاة بالجماعة فلا يعتبر وجوده في حق الامي بخلاف ما نحن فيه (والطريق الثاني) أن افتتاح الكل للصلاة قد صح لانه أوان التكبير فالامي قادر عليه كالقارئ فبصحة الاقتداء صار الامي متحملا فرض القراءة عن القارئ ثم جاء أوان القراءة وهو عاجز عن الوفاء بما تحمل فتفسد صلاته وبفساد صلاته تفسد صلاة القوم بخلاف سائر الاعذار فانها قائمة عند الافتتاح فلا يصح الاقتداء ممن لا عذر له بصاحب العذر ابتداء (فان قيل) لو أقتدى القارئ بالامى بنية النفل لا يلزمه القضاء ولو صح شروعه في الابتداء للزمه القضاء (قلنا) انما لا يلزمه القضاء لانه صار شارعا في صلاة لا قراءة فيها والشروع كالنذر ولو نذر صلاة بغير قراءة لا يلزمه شئ الا في رواية عن أبى

[ 182 ] يوسف رحمه الله فكذلك إذا شرع فيها * قال (أمي تعلم سورة وقد صلى بعض صلاته فقرأها فيما بقى فصلاته فاسدة مثل الاخرين) لزوال أميته في خلال الصلاة وكذلك لو كان قارئا في الابتداء فصلى بعض الصلاة بقراءة ثم نسى فصار أميا فصلاته فاسدة مثل الآخرين وهذا قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعند زفر رحمه الله تعالى لا تفسد في الموضعين جميعا وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله إذا تعلم السورة استقبل وإذا نسى بنى استحسانا لزفر رحمه الله تعالى إذ فرض القراءة في الركعتين ألا ترى أن القارئ لو ترك القراءة في الركعتين الاوليين وقد قرأ الاخريين أجزأه فإذا كان قارئا في الابتداء فقد أدى فرض القراءة في الاوليين فعجزه عنه بعد ذلك لا يضره كتركه مع القدرة وإذا تعلم السورة وقرأ في الاخريين فقد أدى فرض القراءة فلا يضره عجزه عنه في الابتداء كما لا يضره تركه وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى قالا إذا تعلم السورة في خلال الصلاة فلو استقبلها كان مؤديا لها على أكمل الوجوه فأمرناه بالاستقبال فأما إذا نسى القراءة فلو أمرناه بالاستقبال كان مؤديا جميع الصلاة بغير قراءة فالاولى هو البناء ليكون مؤديا بعضها بقراءة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول حين افتتحها وهو أمي فقد انعقدت صلاته بصفة الضعف فحين تعلم السورة فقد قوى حاله وبناء القوي على الضعيف لا يجوز كالعارى إذا وجد الثوب في خلال الصلاة وكالمتيمم إذا وجد الماء في خلالها وإذا كان قارئا في الابتداء فقد التزم أداء جميع الصلاة بقراءة ثم عجز عن الوفاء بما التزم فكان عليه الاستقبال في الفصلين هذا وكذلك ان كان الامام قارئا فقرأ في الركعتين الاوليين ثم أحدث فاستخلف أميا فسدت صلاتهم الا على قول زفر رحمه الله تعالى فانه يقول الامام الاول أدى فرض القراءة وليس في الاخريين قراءة فاستخلاف القارئ والامى فيه سواء (ولنا) أن القراءة فرض في جميع الصلاة تؤدى في موضع مخصوص فإذا كان الامام قارئا فقد التزم أداء جميع الصلاة بقراءة والامى عاجز عن ذلك فلا يصلح خليفة له واشتغاله باستخلاف من لا يصلح خليفة له يفسد صلاته كما لو استخلف صبيا أو امرأة وعلى هذا لو رفع رأسه من آخر السجدة ثم سبقه الحدث فاستخلف أميا فسدت صلاته وصلاة القوم عندنا فأما إذا قعد قدر التشهد ثم أحدث فاستخلف أميا فهو على الخلاف المعروف بين أبى حنيفة رحمه الله تعالى وصاحبيه * قال (أمي اقتدى بقارئ بعد ما صلى ركعة فلما فرغ الامام قام الامي لاتمام صلاته فصلاته فاسدة في القياس) وهو قول

[ 183 ] أبى حنيفة رحمه الله تعالى وفى الاستحسان يجزئه وهو قولهما. وجه القياس أنه بالاقتداء بالقارئ قد التزم أداء هذه الصلاة بقراءة وقد عجز عن ذلك حين قام للقضاء لانه منفرد فيما يقضى فلا تكون قراءة الامام له قراءة فتفسد صلاته. وجه الاستحسان أنه انما يلتزم القراءة ضمنا للاقتداء وهو مقتد فيما بقى على الامام لا فيما سبقه به الامام يوضحه أنه لو بنى كان مؤديا بعض الصلاة بالقراءة ولو استقبل كان مؤديا جميعها بغير قراءة وأداء البعض مع القراءة أولى من اداء الكل بغير قراءة * قال (رجل صلى أربع ركعات تطوعا ولم يقعد في الثانية ففي القياس لا يجزئه وهو قول محمد وزفر رحمهما الله) لان كل شفع من التطوع صلاة على حدة تفترض القعدة في آخرها فترك القعدة الاولى هنا كتركها في صلاة الفجر والجمعة فتفسد به الصلاة وفي الاستحسان تجزئه وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهم الله تعالى بالقياس على الفريضة لان حكم التطوع أخف من حكم الفريضة ويجوز أداء الفريضة أربع ركعات بقعدة واحدة فكذلك التطوع ألا ترى أن في التطوع يجوز الاربع بتسليمة واحدة وبتحريمة واحدة بالقياس على الفرض فكذلك في القعدة وعلى هذا قالوا لو صلى التطوع بثلاث ركعات بقعدة واحدة ينبغى أن يجوز بالقياس على صلاة المغرب والاصح أنه لا يجوز لان التطوع بالركعة الواحدة غير مشروع فيفسد ما اتصل به القعدة وبفسادها يفسد ما قبله. واختلف مشايخنا فيمن تطوع بست ركعات بقعدة واحدة فجوزها بعضهم بالقياس على التحريمة والتسلمية والاصح أنه لا يجوز لان استحسانه في الاربع كان بالقياس على الفريضة وليس في الفرائض ست ركعات يجوز أداؤها في قعدة واحدة فيعاد فيه إلى أصل القياس لهذا * قال (امرأة صلت خلف الامام وقد نوى الامام امامة النساء فوقفت في وسط الصف فانها تفسد صلاة من عن يمينها ومن عن يسارها ومن خلفها بحذائها عندنا استحسانا) وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه لا تفسد صلاة أحد بسبب المحاذاة لان محاذاة المرأة الرجل لا تكون أقوى من محاذاة الكلب أو الخنزير اياه وذلك غير مفسد لصلاة الرجل ولو فسدت الصلاة بسبب المحاذاة لكان الاولى أن تفسد صلاتها لانها منهية عن الخروج إلى الجماعة والاختلاط بالصفوف يدل عليه ان المحاذاة في صلاة الجنازة أو سجدة التلاوة غير مفسد على الرجل صلاته فكذلك في سائر الصلوات (ولنا) أنه ترك المكان المختار له في الشرع فتفسد صلاته كما لو أخرها وشرها أولها فالمختار للرجال التقدم على النساء فإذا وقف بجنبها أو خلفها

[ 184 ] فقد ترك المكان المختار له وترك فرضا من فروض الصلاة أيضا فان عليه أن يؤخرها عند اداء الصلاة بالجماعة قال عليه الصلاة والسلام أخروهن من حيث أخرهن الله والمراد من الامر بتأخيرها لاجل الصلاة فكان من فرائض صلاته وهذا لان حال الصلاة حال المناجاة فلا ينبغى أن يخطر بباله شئ من معاني الشهوة فيه ومحاذاة المرأة اياه لا تنفك عن ذلك عادة فصار الامر بتأخيرها من فرائض صلاته فإذا ترك تفسد صلاته وانما لا تفسد صلاتها لان الخطاب بالتأخير للرجل وهو يمكنه أن يؤخرها من غير أن يتأخر بأن يتقدم عليها ولهذا لم تفسد صلاة الجنازة بالمحاذاة لانها ليست بصلاة مطلقة هي مناجاة بل هي قضاء لحق الميت ثم ليس لها في الصلاة على الجنازة مقام لكونها منهية عن الخروج في الجنائز ولا تفسد صلاة من هو على يمين من هو على يمينها ومن على يسار من هو على يسارها إذ هناك حائل بينها وبينهما بمنزلة الاسطوانة أو كان من الثياب فان كان صف تام من النساء وراءهن صفوف من الرجال فسدت صلاة تلك الصفوف كلها استحسانا والقياس مثل الاول انه لا تفسد الا صلاة صف واحد خلف صفوف النساء لان تحقق المحاذاة في حقهم ولكنه استحسن حديث عمر رضى الله تعالى عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله من كان بينه وبين الامام نهر أو طريق أو صف من النساء فلا صلاة له ولان الصف من النساء بمنزلة الحائط بين المقتدى وبين الامام ووجود الحائط الكبير الذى ليس عليه فرجة بين المقتدى والامام يمنع صحة الاقتداء فكذلك في الصف من النساء فأما المرأتان والثلاث إذا وقفن في الصف فالمروى عن محمد بن الحسن رحمه الله تعالى ان المرأتين تفسدان صلاة أربعة نفر من عن يمينهما ومن عن يسارهما ومن خلفهما بحذائهما والثلاث يفسدن صلاة من عن يمينهن ومن عن يسارهن وثلاثة ثلاثة خلفهن إلى آخر الصفوف وقال الثلاث جمع متفق عليه فهو قياس الصف التام فأما المثنى فليستا بجمع تام فهما قياس الواحدة لا يفسدان الا صلاة من خلفهما وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى روايتان في احداهما جعل الثلاث كالاثنتين وقال لا يفسدن الا صلاة خمسة نفر من عن يمينهن ومن عن يسارهن ومن خلفهن بحذائهن لان الاثر جاء في صف تام والثلاث ليس بصف تام من النساء وفى الرواية الاخرى جعل المثنى كالثلاث وقال يفسدان صلاة من عن يمينهما ومن عن يسارهما وصلاة رجلين خلفهما إلى آخر الصفوف لان للمثنى حكم الثلاث في الاصطفاف حين يصطفان خلف الامام قال عليه

[ 185 ] الصلاة والسلام الاثنان فما فوقهما جماعة فان وقفت بحذاء الامام تأتم به وقد نوى امامتها فسدت صلاة الامام والقوم كلهم لان صلاة الامام بسبب المحاذاة في صلاة مشتركة تفسد وبفساد صلاته تفسد صلاة القوم وكان محمد بن مقاتل يقول لا يصح اقتداؤها لان المحاذاة اقترنت بشروعها في الصلاة ولو طرأت كانت مفسدة لصلاتها فإذا اقترنت منعت صحة اقتدائها وهذا فاسد لان المحاذاة لا تؤثر في صلاتها وانما تبطل صلاتها بفساد صلاة الامام فلا تفسد صلاة الامام الا بعد شروعها لان المحاذاة ما لم تكن في صلاة مشتركة لا تؤثر في صلاتها الا فسادا حتى ان الرجل والمرأة إذا وقفا في مكان واحد فصلى كل واحد منهما وحده لا تفسد صلاة الرجل لان الترتيب في المقام انما يلزمه عند المشاركة كالترتيب بين المقتدى والامام والاصل فيه حديث عائشة رضى الله تعالى عنها قالت كان رسول الله يصلى بالليل وأنا نائمة بين يديه معترضة كاعتراض الجنازة فكان إذا سجد خنست رجلى وإذا قام مددتهما. وأما إذا لم ينو الامام امامتها لم تكن داخلة في صلاته فلا تفسد الصلاة على أحد بالمحاذاة عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى يصح اقتداؤها به وان لم ينو امامتها والقياس ماقاله زفر فان الرجل صالح لامامة الرجال والنساء جميعا ثم اقتداء الرجال بالرجل صحيح وان لم ينو الامامة فكذلك اقتداء النساء واستدل بالجمعة والعيدين فان اقتداء المرأة بالرجل صحيح فيهما وان لم ينو امامتها (ولنا) أن الرجل لما كان يلحق صلاته فساد من جهة المرأة أمكنه التحرز عنه بالنية كالمقتدى لما كانت صلاته يلحقها فساد من جهة الامام أمكنه التحرز عنه بالنية وهو أن لا ينوي الاقتداء به وهذا لانا لو صححنا اقتداءها بغير النية قدرت على افساد صلاة الرجل كل امرأة متى شاءت بأن تقتدي به فتقف إلى جنبه وفيه من الضرر مالا يخفي وفى صلاة الجمعة والعيدين أكثر مشايخنا قالوا لا يصح اقتداؤها به ما لم ينو امامتها وان كان الجواب مطلقا في الكتاب ومنهم من سلم فقال الضرورة في جانبها هاهنا لانها لا تقدر على أداء صلاة العيد والجمعة وحدها ولا تجد اماما آخر تقتدي به والظاهر أنها لا تتمكن من الوقوف بجنب الامام في هذه الصلوات لكثرة الازدحام فصححنا اقتداءها به لدفع الضرر عنها بخلاف سائر الصلوات وروي الحسن بن زياد عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنها إذا وقفت خلف الامام جاز اقتداؤها به وان لم ينو امامتها ثم أذا وقفت إلى جنبه فسدت صلاتها لا صلاة الرجل وهذا قول أبى حنيفة رحمه الله

[ 186 ] تعالى الاول ووجهه أنها إذا وقفت خلفه فقصدها أداء الصلاة لافساد صلاة الرجل فلا يشترط نية الامامة فإذا وقفت إلى جنبه فقد قصدت افساد صلاته فرد قصدها بافساد صلاتها الا أن يكون الرجل قد نوى امامتها فحينئذ هو ملتزم بهذا الضرر * قال (وإذا سبق الرجل المرأة ببعض الصلاة فلما سلم الامام قاما يقضيان فوقفت بحذاء الرجل لم تفسد صلاته ولو كانا لا حقين بأن أدركا أول الصلاة ثم ناما أو سبقهما الحدث فوقفت المرأة بحذائه فيما يتمان فصلاة الرجل فاسدة) لان المسبوق فيما يقضي كالمنفرد حتى تلزمه القراءة وسجود السهو إذا سها فلم توجد المحاذاة في صلاة مشتركة فأما اللاحق فيما يتم كالمقتدي حتى لا يقرأ ولوسها لا يلزمه سجود السهو فوجدت المحاذاة في صلاة مشتركة. وفقه هذا الحرف أن اللاحق لما اقتدى بالامام في أول الصلاة قد التزم أداء جميع الصلاة بصفة الاقتداء فلا يجوز أداؤه بدون هذه الصفة فأما المسبوق انما التزم بحكم الاقتداء ما بقى على الامام دون ما فرغ منه لان ذلك لا يتصور فجعلناه كالمنفرد فيما يقضى بهذا * قال (وان كان الامام يصلى الظهر فائتمت به امرأة تريد التطوع وقد نوى الامام امامتها ثم وقفت بحذائه فسدت صلاته وصلاتها) لان اقتداء المتنفل بالمفترض صحيح فوجدت المحاذاة في صلاة مشتركة وعليها قضاء التطوع لان الفساد كان بعد صحة شروعها بسبب فساد صلاة الامام وان كانت نوت العصر لم تجزها صلاتها ولم تفسد على الامام صلاته لان تغاير الفرضين يمنع صحة الاقتداء على ما مر في باب الاذان وما ذكرناها هنا دليل على أنها لا تصير شارعة في الصلاة أصلا بخلاف ما ذكره في باب الاذان ففيه روايتان وبعض مشايخنا قال الجواب ما ذكر في باب الاذان ومعنى ما ذكر هاهنا أن الامام لم ينو امامتها في صلاة العصر فتجعل هي في الاقتداء به بنية العصر بمنزلة ما لم ينو امامتها فلهذا لا تصير شارعة في صلاة التطوع * قال (ويصلى العراة وحدانا قعودا بايماء) وقال بشر المريسى رحمه الله تعالى يصلون قياما بركوع وسجود وهو قول الشافعي رضى الله تعالى عنه لانهم عجزوا عن شرط الصلاة وهو ستر العورة فهم قادرون على أركانها فعليهم الاتيان بما قدروا عليه وسقط عنهم ما عجزوا عنه ومذهبنا مروى عن ابن عباس وابن عمر رضى الله تعالى عنهم قالا العارى يصلى قاعدا بالايماء ولان القعود والايماء أستر لهم وفى القيام والركوع والسجود زيادة كشف العورة وذلك حرام في الصلاة وغير الصلاة فكل ركوع وسجود لا يمكنه

[ 187 ] أن يأتي به الا بكشف العورة فذلك حرام فلا يكون من أركان صلاته فلهذا لا يلزمه القيام والركوع والسجود. وان صلوا جماعة قياما بركوع وسجود أجزأهم لان تمام الستر لا يحصل بالقعود فتركه لا يمنع جواز الصلاة وانما أمرناهم بترك الجماعة ليتباعد بعضهم من بعض فلا يقع بصر بعضهم على عورة البعض لان الستر يحصل به ولكن الاولى لامامهم إذا صلوا بجماعة أن يقوم وسطهم لكيلا يقع بصرهم على عورته وان تقدمهم جاز أيضا وحالهم في حال الموضع كحال النساء في الصلاة فالاولى أن يصلين وحدهن فان صلين بالجماعة قامت امامهن وسطهن وان تقدمتهن جاز فكذلك حال العراة. وان كان مع العارى ثوب فيه نجاسة فان كان قدر الربع من الثوب طاهرا يلزمه أن يصلى فيه فلو صلى عريانا لم تجز لان الربع بمنزلة الكمال في بعض الاحكام ألا ترى أن نجاسة الربع في حالة الاختيار في المنع من جواز الصلاة كنجاسة الكل فكذلك طهارة الربع في حالة الضرورة كطهارة الكل لوجوب الصلاة فيه وأما إذا كان الثوب كله مملوأ دما أو كان الطاهر منه دون ربعه فعند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يخير بين أن يصلى عريانا وبين أن يصلى فيه وهو الافضل وقال محمد رحمه الله تعالى لا تجزئه الصلاة الا فيه لان الصلاة في الثوب النجس أقرب إلى الجواز من الصلاة عريانا فان القليل من النجاسة في الثوب لا يمنع الجواز فكذلك الكثير في قول بعض العلماء وقال عطاء من صلى وفى ثوبه سبعون قطرة من دم جازت صلاته ولم يقل أحد بجواز الصلاة عريانا في حالة الاختيار ولانه لو صلى عريانا كان تاركا لفرائض منها ستر العورة ومنها القيام والركوع والسجود فإذا صلى فيه كان تاركا فرضا واحدا وهو طهارة الثوب فهذا الجانب أهون. وقالت عائشة رضى الله تعالى عنها ما خير رسول الله بين شيئين الا اختار أهونهما فمن ابتلى ببليتين فعليه أن يختار أهونهما وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا الجانبان في حكم الصلاة سواء على معنى أن كل واحد منهما ضرورة محضة لا تجوز عند الاختيار في النفل ولا في الفرض يعنى الصلاة عريانا والصلاة في ثوب مملوء دما وانما يعتبر التفاوت في حكم الصلاة فإذا استويا خير بينهما والاولى أن يصلى فيه لان ستر العورة غير مختص بالصلاة وطهارة الثوب عن النجاسة تختص بها فلهذا كان الافضل أن يصلى فيه * قال (وإذا أحدث الرجل في ركوعه أو سجوده فذهب وتوضأ وجاء لم يجزئه الاعتداد بالركوع والسجود الذى أحدث فيه) لان الحدث قد نقضه ومعنى

[ 188 ] هذا أن القياس أن يفسد جميع الصلاة بالحدث تركناه بالنص المجوز للبناء على الصلاة فبقى معمولا به في حق الركن الذى أحدث فيه لان انتقاض ذلك الركن لا يمنع من البناء ولان تمام الركن بالانتقال عنه ولا يمكن أن يجعل رفع رأسه بعد الحدث اتماما لذلك الركن لانه جزء من صلاته وأداء جزء من صلاته بعد سبق الحدث مفسد لصلاته وإذا جاء بعد الوضوء فعليه اتمام ذلك الركن ولا يمكنه اتمامه الا باعادته فعليه الاعادة لهذا * قال (فان كان اماما فاحدث وهو راكع فتأخر وقدم رجلا مكث الرجل راكعا كما هو حتى يكون قدر ركوعه) لان الاستدامة فيما يستدام كالانشاء والثانى قائم مقام الاول وعلى الاول انشاء الركوع فعلى الثاني استدامته أيضا فان لم يحدث ولكن تذكر في الركوع في الركعة الثانية أنه ترك سجدة من الركعة الاولى فخر ساجدا ثم رفع رأسه فان احتسب لذلك الركوع جاز وان أعاده فهو أحب إلى لان تذكره السجود غير ناقض لركوعه ولان رفع رأسه يمكن أن يجعل اتماما للركوع بعد تذكره السجدة ألا ترى أنه لو أخرها إلى آخر صلاته جاز فلهذا كان له أن يعتد به والاعادة أفضل لانه ما قصد اتمام الركن بالانتقال عنه انما قصد إذا تذكر وقال زفر رحمه الله عليه أن يعيد القيام والقراءة والركوع لان من أصله أن مراعاة الترتيب في أفعال الصلاة ركن واجب فالتحقت هذه السجدة بمحلها وبطل ما أدى من القيام والقراءة والركوع لترك الترتيب فأما عندنا مراعاة الترتيب ليست بركن ألا ترى أن المسبوق يبدأ بما أدرك مع الامام فيه ولو كان الترتيب ركنا لما جاز له تركها بعذر الجماعة كالترتيب بين الصلوات ولئن كان الترتيب واجبا فقد سقط بعذر النسيان. وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أن عليه اعاة الركوع لا محالة وهو بناء على أصله أن القومة التى بين الركوع والسجود ركن حتى لو تركها لا تجوز صلاته وأصل المسألة أن الاعتدال في أركان الصلاة سنة مؤكدة أو واجب عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وعند أبى يوسف والشافعي رحمهما الله تعالى هو ركن حتى أنه ان لم يتم ركوعه وسجوده في الصلاة ولم يقم صلبه تجوز صلاته عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ويكره أشد الكراهة وروى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى قال اخشى أن لا تجوز صلاته وعند أبى يوسف والشافعي رحمهما الله تعالى لا تجوز صلاته أصلا لحديث الاعرابي فانه دخل المسجد وخفف فقال له عليه الصلاة والسلام ارجع فصل فانك لم تصل حتى فعل ذلك ثلاثا ثم حين

[ 189 ] علمه قال له اركع حتى يطمئن كل عضو منك ثم ارفع رأسك حتى يطمئن كل عضو منك الحديث ورأى حذيفة بن اليمان رجلا يصلى ولا يتم الركوع والسجود فقال مذكم تصلى هكذا فقال مذ كذا فقال انك لم تصل منذ كذا ومثل هذا لا يعلم بالرأي وانما يقال سماعا (ولنا) ماروى عن النبي أنه كان في المسجد مع أصحابه فدخل رجل وصلى وخفف فلما خرج أساؤا القول فيه فقالوا أخرها ثم لم يحسن أداءها فقال عليه الصلاة والسلام ألا أحد يشترى صلاته منه فخرج أبو هريرة رضى الله تعالى عنه فاشتراها بدرهم فأبى فما زال يزيد حتى ضجر الرجل فقال لو أعطيتني مل ء الارض ذهبا ما بعتكها فعاد إلى رسول الله فأخبره بذلك فقال ألم أنهكم عن المصلين فقد جعل فعله صلاة معتبرة وسئل ابن عباس رضى الله تعالى عنهما عن صلاة الاعراب الذين ينقرون نقرا فقال ذلك خير من لا شئ ولان الركنية لا تثبت الا باليقين وانما ورد النص بالركوع والسجود ومطلق الاسم يتناول الادنى فبقيت الركنية بذلك القدر والزيادة على ذلك للاكمال ولكن ترك ما هو لاكمال الفريضة مما ليس بركن لا يفسده وقد نص عليه رسول الله في حديث الاعرابي فيما علمه فانه قال إذا فعلت ذلك فقد أتممت صلاتك وان نقصت من ذلك فقد نقصت صلاتك. إذا عرفنا هذا فنقول عند أبى يوسف رحمه الله تعالى القومة التى بين الركوع والسجود ركن فانه إذا تذكر السجدة في الركوع إما السجدة الصلاتية أو التلاوية فخر لها ساجدا ولم يأت بتلك القومة فعليه اعادة الركوع ليأتي بتلك القومة. وعندنا تلك القومة ليست بركن فتركها لا يفسد الصلاة والاولى الاعادة ليأتي بها. ثم قدر الركن من الركوع أدنى الانحطاط على وجه يسمى راكعا في الناس وفى السجود امساس جبهته أو أنفه على الارض عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى والمفروض من الرفع بين السجدتين قدر ما يزايل جبهته وأنفه الارض ليتحقق به الفصل بين السجدتين. وقال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى لا يجوز الا أن يرفع بقدر ما يكون إلى القعود أقرب منه إلى السجود والاول أقيس * قال (وإذا أدرك الرجل ركعة مع الامام من المغرب فلما سلم الامام قام يقضى قال يصلى ركعة ويقعد) وهذا استحسان والقياس يصلى ركعتين ثم يقعد لانه يقضى ما فاته فيقضى كما فاته ويؤيد هذا القياس بالسنة وهو قوله وما فاتكم فاقضوا ووجه الاستحسان أن هذه الركعة ثانية هذا المسبوق والقعدة بعد الركعة الثانية في صلاة

[ 190 ] المغرب سنة وهذا لان الثانية هي الثالثة للاولى والثانية للاولى في حقه هذه الركعة وروى أن جندبا ومسروقا رضى الله تعالى عنهما ابتليا بهذا فصلى جندب ركعتين ثم قعد ومسروق ركعة ثم قعد ثم صلى ركعة أخرى فسألا عن ذلك ابن مسعود رضى الله تعالى عنه فقال كلاكما أصاب ولو كنت أنا لصنعت كما صنع مسروق وتأويل قوله كلاكما أصاب طريق الاجتهاد فأما الحق فواحد غير متعدد ثم ما يصلى المسبوق مع الامام آخر صلاته حكما عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وعند محمد رحمه الله تعالى في القراءة والقنوت هو آخر صلاته وفى حكم القعدة هو أول صلاته ومذهبه مذهب ابن مسعود ومذهبهما مذهب على رضي الله تعالى عنه وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه هو أول صلاته فعلا وحكما لانه لا يتصور الآخر الا بعد الاول في الاداء ألا ترى أن تكبيرة الافتتاح في حقه أول الصلاة فكذلك ما بعده ولكنا نقول لو كان هذا مؤديا لاول الصلاة كان مخالفا لامامه ولا يصح الاقتداء به كيف وقد قال رسول الله ما فاتكم فاقضوا فهو نص على أنه مؤد مع الامام ما أدرك لا ما فاته ولكن محمد رحمه الله تعالى جعله في حكم القراءة هكذا احتياطا حتى تلزمه القراءة فيما يقضى لان القراءة مكررة في صلاة واحدة وكذلك في حكم القنوت لانه يتكرر في صلاة واحدة فلو جعلنا ما يؤديه مع الامام أول الصلاة للزمه القنوت فيما يقضى فيؤدى إلى تكرار القنوت في صلاة واحدة فأما في حكم القعدة فتتم الصلاة بقعدة في ركن ولن يكون ذلك الا بعد أن يجعل ما يؤديه مع الامام أول الصلاة فلهذا قعد إذا صلى ركعة * وحكي عن يحيى البناء وكان من أصحاب محمد رحمه الله تعالى أنه سأله عن هذه المسألة فأجاب بما قلنا فقال على وجه السخرية هذه صلاة معكوسة فقال محمد رحمه الله تعالى لا أفلحت قال وكان كما قال أفلح أصحابه ولم يفلح بدعائه * قال (وأحب أن يكون بين يدى المصلى في الصحراء شئ أدناه طول ذراع) لما روى عن النبي أنه قال إذا أحدكم في الصحراء فليتخذ بين يديه سترة وكانت العنزة تحمل مع رسول الله وتركز في الصحراء بين يديه فيصلى إليها حتى قال عون بن جحيفة عن أبيه رأيت رسول الله بالبطحاء في قبة حمراء من أدم فركز بلال العنزة وخرج رسول الله يصلى إليها والناس يمرون من ورائها وانما قال بقدر ذراع طولا ولم يذكر العرض وكان ينبغي أن تكون

[ 191 ] في غلظ أصبع لقول ابن مسعود يجزئ من السترة السهم فان المقصود أن يبدو للناظر فيمتنع من المرور بين يديه وما دون هذا لا يبدو للناظر من بعد (وإذا اتخذ السترة فليدن منها) لما جاء في الحديث إذا صلى أحدكم إلى سترة فليرهقها وان لم يكن بين يديه شئ فصلاته جائزة لان الامر باتخاذ السترة ليس لمعنى راجع إلى عين الصلاة فلا يمنع تركه جواز الصلاة وان مر بين يديه مار من رجل أو أمرأة أو حمار أو كلب لم يقطع صلاته عندنا وقال أصحاب الظواهر مرور المرأة والحمار والكلب بين يدى المصلى يفسد صلاته لحديث أبى ذر رضى الله تعالى عنه أن رسول الله قال يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب وفى بعض الروايات قال الكلب الاسود فقيل له وما بال الاسود من غيره فقال أشكل على ما أشكل فسألت رسول الله عن ذلك فقال الكلب الاسود شيطان (ولنا) حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله تعالى عنه قال رسول الله لا يقطع الصلاة مرور شئ وادرؤا ما استطعتم والحديث الذى رووا ردته عائشة رضى الله تعالى عنها فانها قالت لعروة يا عرية ماذا يقول أهل العراق قال يقولون تقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب فقالت يا أهل العراق والشقاق والنفاق قرنتمونى بالكلاب والحمير كان رسول الله يصلى بالليل وأنا معترضة بين يديه كاعتراض الجنازة والدليل على أن مرور المرأة لا يقطع الصلاة ماروي أن النبي كان يصلى في بيت أم سلمة فأراد عمر بن أبى سلمة أن يمر بين يديه فأشار عليه فوقف ثم أرادت زينب أن تمر بين يديه فأشار عليها فلم تقف فلما فرغ من صلاته قال هن أغلب صاحبات يوسف يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام والدليل على أن مرور الحمار والكلب لا يقطع الصلاة حديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال زرت رسول الله مع أخى الفضل على حمار في البادية فنزلنا فوجدنا رسول الله يصلى فصلينا معه والحمار يرتع بين يديه. وينبغى أن يدفع المار عن نفسه لكيلا يشغله عن صلاته عملا بقوله وادرؤا ما استطعتم الا أنه يدفعه بالاشارة أو الاخذ بطرف ثوبه على وجه ليس فيه مشى ولا علاج ومن الناس من قال ان لم يقف باشارته جاز دفعه بالقتال لحديث أبى سعيد الخدري رضى الله تعالى عنه أنه كان يصلى فأراد أن يمر ابن مروان بين يديه فأشار عليه فلم يقف فلما حاذاه ضربه على صدره ضربة أقعده على

[ 192 ] استه فجاء إلى أبيه يشكو أبا سعيد فدعاه فقال لم ضربت ابني فقال ما ضربت ابنك انما ضربت الشيطان قال لم تسمى ابني شيطانا قال لانى سمعت رسول الله يقول إذا صلى أحدكم فأراد مار أن يمر بين يديه فليدفعه فان أبى فليقاتله فانه شيطان ولكنا نستدل بقوله عليه الصلاة والسلام ان في الصلاة لشغلا يعنى بأعمال الصلاة وتأويل حديث أبى سعيد رضى الله عنه أنه كان في وقت كان العمل مباحا في الصلاة (ويكره للمار أن يمر بين يدي المصلي) لقوله لو علم المار بين يدى المصلى ما عليه لوقف ولو إلى أربعين ولم يوقت يوما ولا شهرا ولا سنة (وحد المرور بين يديه غير منصوص في الكتاب وقيل إلى موضع سجود وقيل بقدر الصفين) وأصح ما قيل فيه أن المصلى لو صلى بخشوع فالى الموضع الذى يقع بصره على المار يكره المرور بين يديه وفيما وراء ذلك لا يكره وحكى أبو عصمة عن محمد رحمه الله تعالى إذا لم يجد سترة يخط بين يديه فان الخط وتركه سواء لانه لا يبدو للناظر من بعد ومن الناس من يقول يخط بين يديه اما طولا شبه ظل السترة أو عرضا شبه المحراب لقوله عليه الصلاة والسلام إذا صلى أحدكم في الصحراء فليتخذ بين يديه سترة فان لم يجد فليخط بين يديه خطا ولكن الحديث شاذ فيما تعم به البلوي فلم نأخذ به لهذا * قال (وإذا انفرد المصلى خلف الامام عن الصف لم تفسد صلاته) وقال أهل الحديث منهم أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى تفسد صلاته لقوله لا صلاة لمنفرد خلف الصف وعن فرافصة أن النبي رأى رجلا يصلى في حجرة من الارض فقال أعد صلاتك فانه لا صلاة لمنفرد خلف الصف (ولنا) حديث أنس رضى الله تعالى عنه قال فأقامني واليتيم من ورائي وأمى أم سليم وراءنا فقد جوز اقتداءها وهى منفردة خلف الصف وفى هذا الحديث دليل على أنها تفسد صلاة الرجل لانه أقامها خلفهما مع النهي عن الانفراد فما كان ذلك الا صيانة لصلاتهما وان أبا بكر رضى الله تعالى عنه دخل المسجد ورسول الله راكع فكبر وركع ثم دب حتى لصق بالصف فلما فرغ رسول الله من صلاته قال زادك الله حرصا ولا تعد أو قال ولا تعد فقد جوز اقتداءه به وهو خلف الصف. يدل عليه أنه لو كان بجنبه مراهق تجوز صلاته بالاتفاق وصلاة المراهق تخلق فهو في الحقيقة منفرد خلف الصف ولذلك لو تبين أن من كان بجنبه كان محدثا تجوز صلاته وهو منفرد خلف الصف وتأويل الحديث نفى الكمال لقوله صلى الله

[ 193 ] عليه وسلم لاصلاة لجار المسجد الا في المسجد والامر بالاعادة شاذ ولو ثبت فيحتمل أنه كان بينه وبين الامام ما يمنع الاقتداء وفى الحديث ما يدل عليه فانه قال في حجرة من الارض أي ناحية ولكن الاولى عندنا أن يختلط بالصف ان وجد فرجة وان لم يجد وقف ينتظر من يدخل فيصطفان معه فان لم يدخل أحد وخاف فوت الركعة جذب من الصف إلى نفسه من يعرف منه علما وحسن الخلق لكيلا يصعب عليه فيصطفان خلفه فان لم ينجر إليه أحد حينئذ يقف خلف الصف بحذاء الامام لاجل الضرورة فان كان بين الامام وبين المقتدى حائط أجزأته وفى رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا تجزئه واليه أشار في الاصل في تعليل مسألة المحاذاة. وفى الحاصل هذا على وجهين ان كان الحائط قصيرا دليلا يعنى به الصغير جدا حتى يتمكن كل أحد من الركوب عليه كحائط المقصورة لا يمنع الاقتداء وان كان كبيرا فان كان عليه باب مفتوح أو خوخة فكذلك وان لم يكن عليه شئ من ذلك ففيه روايتان. وجه الرواية التى قال لا يصح الاقتداء أنه يشتبه عليه حال امامه ووجه الرواية الاخرى ما ظهر من عمل الناس كالصلاة بمكة فان الامام يقف في مقام إبراهيم وبعض الناس يقفون وراء الكعبة من الجانب الآخر فبينهم وبين الامام حائط الكعبة ولم يمنعهم أحد من ذلك فان كان بينهما طريق يمر الناس فيه أو نهر عظيم لم تجز صلاته لما روي عن عمر رضى الله تعالى عنه من كان بينه وبين الامام نهر أو طريق فلا صلاة له وفى رواية فليس. معه والمراد طريق تمر فيه العجلة فما دون ذلك طريق لا طريق والمراد من النهر ما تجرى فيه السفن فما دون ذلك بمنزلة الجدار لا يمنع صحة الاقتداء فان كانت الصفوف متصلة على الطريق جاز الاقتداء حينئذ لان باتصال الصفوف خرج هذا الموضع من أن يكون ممرا للناس وصار مصلى في حكم هذه الصلاة وكذلك ان كان على النهر جسر وعليه صف متصل فبحكم اتصال الصفوف صار في حكم واحد فيصح الاقتداء * قال (والفتح على الامام لا يفسد الصلاة) يعنى المقتدى فأما غير المقتدى إذا فتح على المصلى تفسد به صلاة المصلى وكذلك المصلى إذا فتح على غير المصلى لانه تعليم وتعلم والقارئ إذا استفتح غيره فكأنه يقول بعد ما قرأت ماذا فذكرني والذي يفتح عليه كأنه يقول بعد ما قرأت كذا فخذ مني ولو صرح بهذا لم يشكل فساد صلاة المصلى فأما المقتدي إذا فتح على امامه هكذا في القياس ولكنه استحسن لما روى أن النبي قرأ سورة المؤمنين فترك حرفا فلما

[ 194 ] فرغ قال ألم يكن فيكم أبى فقالوا نعم يارسول الله فقال هلا فتحت على فقال ظننت أنها نسخت فقال لو نسخت لانبأتكم بها وعن على رضى الله تعالى عنه قال إذا استطعمك الامام فأطعمه وابن عمر قرأ الفاتحة في صلاة المغرب فلم يتذكر سورة فقال نافع إذا زلزلت الارض زلزالها فقرأها ولان المقتدي يقصد اصلاح صلاته فان قرأ الامام فلتحقق حاجته قلنا لا تفسد صلاته وبهذا لا ينبغى أن يعجل بالفتح على الامام ولا ينبغي للامام أن يحوجه إلى ذلك بل يركع أو يتجاوز إلى آية أو سورة أخرى فان لم يفعل وخاف أن يجري على لسانه ما يفسد الصلاة فحينئذ يفتح لقول على رضى الله تعالى عنه إذا استطعمك الامام فأطعمه وهو مليم أي مستحق اللوم لانه أحوج المقتدي إلى ذلك وقد قال بعض مشايخنا ينوي بالفتح على امامه التلاوة وهو سهو فقراءة المقتدي خلف الامام منهي عنها والفتح على امامه غير منهي عنه ولا يدع نية ما رخص له بنية شئ هو منهى عنه وانما هذا إذا أراد أن يفتح على غير امامه فحينئذ ينبغي أن ينوي التلاوة دون التعليم فلا يضره ذلك * قال (وقتل الحية والعقرب في الصلاة لا يفسدها) لقوله عليه الصلاة والسلام اقتلوا الاسودين ولو كنتم في الصلاة ولدغ رسول الله عقرب في صلاته فوضع عليه نعله وغمزه حتى قتله فلما فرغ قال لعن الله العقرب لا تبالي نبيا ولا غيره أو قال مصليا ولاغيره ولانه رخص للمصلي أن يدرأ عن نفسه ما يشغله عن صلاته وهذا من جملة ذاك وقيل هذا إذا أمكنه قتل الحية بضربة واحدة كما فعله رسول الله في العقرب فأما إذا احتاج إلى معالجة وضربات فليستقبل الصلاة كما لو قاتل انسانا في صلاته لان هذا عمل كثير والاظهر أن الكل سواء فيه لان هذا عمل رخص فيه للمصلي فهو كالمشى بعد الحدث والاستقاء من البئر والتوضؤ وأذا رمى طائرا بحجر لم تفسد صلاته لان هذا عمل قليل ولكنه مكروه لانه اشتغال بما ليس من أعمال الصلاة ولم يذكر الكراهة في قتل الحية والعقرب لانه محتاج إلى ذلك لدفع أذاها عن نفسه وليس في أذى الطير ما يحوجه إلى هذا لدفع أذاها عن نفسه فلهذا ذكر الكراهة فيه. وان أخذ قوسا ورمى به فسدت صلاته وبعض أهل الادب عابوا عليه في هذا اللفظ وقالوا الرمى بالقوس اسقاطه من يده وانما يقال يرمى إذا رمى بالسهم غير أن المقصود لمحمد كان تعليم عامة الناس ووجد هذا اللفظ معروفا في لسان العامة فلهذا ذكره وانما فسدت صلاته لانه عمل كثير فان أخذ القوس

[ 195 ] وتثقيف السهم عليه والمد حتى رمى عمل كثير يحتاج فيه إلى استعمال اليدين والناظر إليه من بعيد لا يشك أنه في غير الصلاة فكان مفسدا لهذا وكذلك لوادهن أو سرح رأسه أو أرضعت المرأة صبيها من أصحابنا من جعل الفاصل بين العمل القليل والكثير أن يحتاج فيه إلى استعمال اليدين حتى قالوا إذا زر قميصه في الصلاة فسدت صلاته وإذا حل ازاره لم تفسد والاصح أن يقال فيه ان كل عمل إذا نظر إليه الناظر من بعيد لا يشك أنه في غير الصلاة فهو مفسد لصلاته وكل عمل لو نظر إليه الناظر فربما يشتبه عليه أنه في الصلاة فذلك غير مفسد فما ذكر من الاعمال إذا نظر الناظر إليه لا يشك أنه في غير الصلاة فان المرأة إذا حملت صبيها أو أرضعته لم يشكل على أحد أنها في غير الصلاة وقد روينا أن النبي قرأ المعوذتين في صلاة الفجر ثم قال سمعت بكاء صبي فخشيت على أمه أن تفتتن فلو كان الارضاع غير مفسد للصلاة لما ترك رسول الله سنة القراءة لاجل بكائه وان قاتل في صلاته فسدت صلاته لان النبي شغل عن أربع صلوات يوم الخندق لكونه مشغولا بالقتال فلو جازت الصلاة مع القتال لما أخرها وكذلك ان أكل أو شرب في الصلاة ناسيا أو عامدا بخلاف الصوم فانه يفصل بين النسيان والعمد لانه قد اقترن بحال المصلى ما يذكره فان حرمة الصلاة مانعة من التصرف في الطعام المؤدي إلى الاكل فلهذا سوى بين النسيان والعمد وفي الصوم لم يقترن بحاله ما يذكره فان الصوم لا يمنعه ما يؤدي إلى الاكل وهو التصرف في الطعام ثم الاكل عمل لو نظر إليه الناظر لا يشك أنه في غير الصلاة وعلى هذا قال محمد مضغ العلك في الصلاة يفسدها لان الناظر إليه من بعيد لا يشك أنه في غير الصلاة وان كان في أسنانه شئ فابتلعه لم يضره لان ما يبقى بين الاسنان في حكم التبع لريقه فلهذا لا يفسد الصوم وهذا إذا كان دون الحمصة فان ذلك يبقى بين الاسنان عادة وكذلك ان قلس أقل من مل ء الفم ثم رجع فدخل جوفه وهو لا يملكه فهذا بمنزلة ريقه ألا ترى أنه لا ينقض وضوءه فكذلك لا يفسد صلاته والمتهجد بالليل قد يبتلى بهذا خصوصا في ليالى رمضان إذا امتلا من الطعام عند الفطر فللبلوى قلنا لا تفسد صلاته * قال (وان انتضح البول على المصلى أكثر من قدر الدرهم من موضع فانفتل فغسله لم يبن على صلاته) وفى الاملاء عن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال يبنى لان هذا بعض ما ورد به النص فقد روينا في الرعاف ومن رعف يحتاج إلى غسل أنفه إلى الوضوء فإذا كان له أن يبنى ثمة فها هنا أولى. وجه ظاهر

[ 196 ] الرواية أن البناء على الصلاة حكم ثبت بالآثار بخلاف القياس فلا يلحق به الا ما يكون في معناه من كل وجه وهذا ليس في معنى المنصوص عليه لان الانصراف هناك كان للوضوء ولابد منه والانصراف هاهنا لغسل النجاسة عن الثوب وقد لا يحتاج إليه بأن يكون عليه ثوبان فيلقى ما تنجس من ساعته فلهذا أخذنا فيه بالقياس وقلنا لا يبنى * قال (وان سال من دمل به دم توضأ وغسل وبنى على صلاته كما لو رعف) ومراده من هذا إذا سال بغير فعله فأما أذا عصره حتى سال أو كان في موضع ركبتيه فانفتح من اعتماده على ركبتيه في سجوده فهذا بمنزلة الحدث العمد قال لايبنى على صلاته وان أصابته بندقة فشجته فسال منه دم لم يبن على صلاته في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يبنى إذا توضأ لان عمر رضى الله تعالى عنه لما طعن في المحراب استخلف عبد الرحمن بن عوف ولو فسدت صلاته لفسدت صلاة القوم فلم يستخلفه ولان الحدث سبقه بغير صنعه فهو كالحدث السماوي (ولنا) أن الحدث كان بصنع العباد فيمنعه كما لو كان بصنعه لان هذا ليس في معنى المنصوص عليه فان الحدث السماوي العذر المانع من المضى ممن له الحق وهنا العذر من غير من له الحق وبينهما فرق فان المريض يصلى قاعدا ثم لا يعيد إذا برأ والمقيد يصلى قاعدا ثم تلزمه الاعادة عند اطلاقه وحديث عمر رضى الله تعالى عنه كان قبل افتتاح الصلاة ليفتتح الصلاة ألا ترى أنه روى أنه لما طعن قال آه قتلني الكلب من يصلى بالناس ثم قال تقدم يا عبد الرحمن وهذا كلام يمنع البناء على الصلاة * قال (وان نام في صلاته فاحتلم في القياس يغتسل ويبنى) يريد القياس على الاستحسان في الحدث الصغرى ولكني أستحسن أن يستقبل يريد العود إلى القياس الاول لان هذا ليس في معنى المنصوص عليه فانه يحتاج في الاغتسال إلى كشف العورة ولا يحتاج إليه في الوضوء ولان المصلى قد يبتلى بالحدث الصغرى عادة فمن النادر أن يبتلى بالحدث الموجب للاغتسال والنادر ليس في معنى ما تعم به البلوى * قال (وإذا سقط عن المصلى ثوبه فقام عريانا وهو لا يعلم ثم تذكر من ساعته فتناول ثوبه ولبسه فانه يمضى على صلاته) وفى القياس يستقبل الصلاة لوجود انكشاف العورة في الصلاة وهو مناف لما ابتدأها ولكنه استحسن فقال الانكشاف الكثير في المدة اليسيرة بمنزلة الانكشاف اليسير في المدة الطويلة وذلك لا يمنع جواز الصلاة فهذا مثله وهذا إذا لم يؤد ركنا ولم يمكث عريانا بقدر ما يتمكن فيه من أداء ركن

[ 197 ] فان مكث عريانا ذلك القدر فليس له أن يبنى قياسا واستحسانا وكذلك ان سال عليه نجاسة كثيرة وعليه ثوبان فان القى النجس من ساعته فهو على القياس والاستحسان كما مروان أدى ركنا أو مكث بقدر ما يتمكن من أداء ركن استقبل الصلاة * قال (وإذا صلت المرأة وربع ساقها مكشوف أعادت الصلاة) وان كان أقل من ذلك لم تعد عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا تعيد حتى يكون النصف مكشوفا. فالحاصل أن ستر العورة فرض لقوله تعالى خذوا زينتكم عند كل مسجد والمراد ستر العورة لاجل الصلاة لا لاجل الناس والناس في الاسواق أكثر منهم في المساجد ورأس المرأة عورة قال عليه الصلاة والسلام لا يقبل الله صلاة امرأة حائض الا بخمار أي صلاة بالغة فان الحائض لا تصلى. ثم القليل من الانكشاف عفو عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى وهو نظير القليل من النجاسة. ودليلنا فيه ضرورة وبلوى خصوصا في حق الفقراء والذين لا يجدون الا الخلق من الثياب فقد روى عن عمر بن أبى سلمة قال كنت أؤم أصحابي يعنى الصبيان وعلى ازار متخرق فكانوا يقولون لامى غطى عنا است ابنك فدل أن القليل من الانكشاف عفو لا يمنع جواز الصلاة والكثير يمنع فقدر أبو يوسف ذلك بالنصف لان القلة والكثرة من الاسماء المشتركة فان الشئ إذا قوبل بما هو أكثر منه يكون قليلا وإذا قوبل بما هو أقل منه يكون كثيرا فإذا كان المكشوف دون النصف فهو في مقابلة المستور قليل وإذا كان أكثر من النصف فهو في مقابلة المستور كثير وفى النصف سواء روايتان عن أبى يوسف رحمه الله تعالى. في احداهما لا يمنع لان الانكشاف الكثير مانع ولم يوجد. وفى الاخرى استوى لجانب المفسد والمجوز فيغلب المفسد احتياطا للعبادة وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قدرا الكثير بالربع فان الربع يحكى الكمال ألا ترى أن المسح بربع الرأس كالمسح بجميعه ومن نظر إلى وجه انسان يستجيز من نفسه أن يقول رأيت فلانا وانما رأى أحد جوانبه الاربعة والذى بينا في الرأس كذلك في البطن والشعر والفخذ فأما في القبل والدبر فقد ذكر الكرخي أن التقدير فيهما بالدرهم دون الربع لانها عورة غليظة فتقاس بالنجاسة الغليظة وهذا ليس بقوى فانه ليس في هذا اظهار معنى التغليظ لان الدبر مقدر بالدرهم فعلى قياس قوله إذا انكشف الدبر ينبغي أن تجوز الصلاة حتى تكون أكثر من الدرهم فان قدر الدرهم من الصلاة لا يمنع جواز الصلاة حتى يكون أكثر منه والاصح

[ 198 ] أن التقدير بالربع في الكل واليه أشار في الزيادات * قال (وإذا صلت وشئ من رأسها وشئ من بطنها وشئ من عورتها باد فان كان ذلك إذا جمع بلغ قدر ربع عضو يمنع جواز الصلاة) والا فلا * قال (وتقعد المرأة في صلاتها كأستر ما يكون لها) لما روينا أن النبي قال لتلك المرأة ضمى بعض اللحم إلى الارض ولان مبنى حالها على التستر في خروجها فكذلك في صلاتها ينبغى أن تتستر بقدر ما تقدر عليه قال عليه الصلاة والسلام المرأة عورة مستورة * قال (رجل دعا في صلاته فسأل الله تعالى الرزق والعافية لم تفسد صلاته) لقوله تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية وقال عليه الصلاة والسلام وأما في سجودكم فاجتهدوا بالدعاء فانه قمن أن يستجاب لكم. وحاصل المذهب عندنا أنه إذا دعا في صلاته بما في القرآن أو بما يشبه ما في القرآن لم تفسد صلاته وان دعا بما يشبه كلام الناس نحو قولهم اللهم ألبسني ثوبا اللهم زوجنى فلانة تفسد صلاته وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه إذا دعا في صلاته بما يباح له أن يدعو به خارج الصلاة لم تفسد صلاته لقوله تعالى واسئلوا الله من فضله وقال عليه الصلاة والسلام سلوا الله حوائجكم حتى الشسع لنعالكم والملح لقدوركم وان عليا رضى الله تعالى عنه في حروبه كان يقنت في صلاة الفجر يدعو على من ناواه (ولنا) حديث معاوية بن الحكم فقد جعل قوله يرحمك الله من جنس كلام الناس وقال ان صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس فهو كلامهم وان سعد بن أبى وقاص رضى الله تعالى عنه رأى ابنا له يدعو في صلاته فقال اياك أن تكون من المعتدين فأني سمعت رسول الله يقول سيكون في أمتى أقوام يعتدون في الدعاء وتلا قوله تعالى انه لا يحب المعتدين ثم قال أما يكفيك أن تقول اللهم أنى أسالك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ولا حجة في حديث علي فانهم لم يسوغوا له ذلك الاجتهاد حتى كتب إليه أبو موسى الاشعري رضى الله تعالى عنه أما بعد فإذا أتاك كتابي فأعد صلاتك. وفى الاصل قال أرأيت لو أنشد شعرا أما كان مفسدا لصلاته ومن الشعر ما هو ذكر نحو قول القائل * الا كل شئ ما خلا الله باطل * قال (وإذا مر المصلى بآية فيها ذكر الجنة فوقف عندها وسأل أو بآية فيها ذكر النار فوقف عندها وتعوذ بالله منها فهو حسن في التطوع إذا كان وحده) لحديث حذيفة رضى الله تعالى عنه أنه صلى مع رسول الله صلى الله

[ 199 ] عليه وسلم قال فما مر بآية فيها ذكر الجنة الا وقف وسأل الله الجنة وما مر بآية فيها ذكر النار الا وقف وتعوذ بالله جل وعلا وما مر بآية فيها مثل الا وقف وتفكر فأما إذا كان اماما كرهت له ذلك لان رسول الله لم يفعله في المكتوبات والائمة بعده إلى يومنا هذا فكان من جملة المحدثات وربما يمل القوم بما يصنع وذلك مكروه ولكن لا تفسد صلاته لانه لا يزيد في خشوعه والخشوع زينة الصلاة وكذلك ان كان خلف الامام فانه يستمع وينصت لان القوم بالاستماع أمروا والى الانصات ندبوا وعلى هذا وعدوا الرحمة لقوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون. ويترتب هذا الفصل على اختلاف العلماء في قراءة المقتدى خلف الامام فالمذهب عند أهل الكوفة أنه لا يقرأ في شئ من الصلوات وعند أهل المدينة منهم مالك رحمه الله تعالى يقرأ في صلاة الظهر والعصر ولا يقرأ في صلاة الجهر وعند الشافعي رضى الله تعالى عنه يقرأ في كل صلاة الا أن في صلاة الجهر أو ان قراءة الفاتحة بعد فراغ الامام منها فان الامام ينصت حتى يقرأ المقتدى الفاتحة واستدل بقول النبي لا صلاة الا بقراءة وفي حديث عبادة بن الصامت رضى الله تعالى عنه قال صلينا مع رسول الله صلاة الصبح فلما فرغ قال لعلكم تقرؤن خلفي فقلنا نعم فقال لا تقرؤن الا بفاتحة الكتاب فانه لا صلاة الا بها وفي رواية لا صلاة لمن لم يقرأها والمعنى فيه ان القراءة ركن من أركان الصلاة فلا تسقط بسبب الاقتداء عند الاختيار كالركوع والسجود بخلاف ما إذا أدرك الامام في الركوع لان تلك الحالة حالة الضرورة فانه يخاف فوت الركعة بسبب الضرورة قد تسقط بعض الاركان ألا ترى أن القيام بعد التكبير ركن وقد يسقط هذا للضرورة (ولنا) قوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون وأكثر أهل التفسير على أن هذا خطاب للمقتدى ومنهم من حمله على حال الخطبة ولا تنافى بينهما ففيه بيان الامر بالاستماع والانصات في حالة الخطبة لما فيها من قراءة القرآن قال من كان له امام فقراءة الامام له قراءة وقال في الحديث المعروف وإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فانصتوا ومنع المقتدى من القراءة خلف الامام مروى عن ثمانين نفرا من كبار الصحابة وقد جمع أساميهم أهل الحديث. وقال سعد بن أبى وقاص من قرأ خلف الامام فسدت صلاته والمعنى فيه أن القراءة

[ 200 ] غير مقصودة لعينها بل للتدبر والتفكر والعمل به قال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أنزل القرآن ليعمل به فاتخذ الناس تلاوته عملا وحصول هذا المقصود عند قراءة الامام وسماع القوم فإذا اشتغل كل واحد منهم بالقراءة لا يتم هذا المقصود وهذا نظير الخطبة فالمقصود منها الوعظ والتدبر وذلك بأن يخطب الامام ويستمع القوم لا أن يخطب كل واحد منهم لنفسه دل عليه إذا أدرك الامام في حالة الركوع فان خاف فوت الركعة سقط عنه فرض القراءة ولو كان من الاركان في حق المقتدى لما سقط بهذا العذر كالركوع والسجود ولا يقال ان ركن القيام يسقط فانه لا بد من أن يكبر قائما وفرض القيام يتأدي بأدنى ما يتناوله الاسم ولا حجة لهم في الحديث فانه بقراءة الامام تصير صلاة القوم بالقراءة كما أن بخطبة الامام تصير صلاتهم جميعا بالخطبة وحديث عبادة بن الصامت رضى الله تعالى عنه يحمل على أنه كان ركنا في الابتداء ثم منعهم عن القراءة خلفه بعد ذلك ألا ترى أنه لما سمع رجلا يقرأ خلفه قال مالى أنازع في القرآن. والقراءة مخالفة لسائر الاركان فما هو المقصود بها لا يحصل بفعل الامام بخلاف القراءة على ما مر ومذهب مالك رحمه الله تعالى مروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فان رجلا سأله أأقرأ خلف الامام فقال له أما في الظهر والعصر فنعم * قال (وإذا مرت الخادم بين يدى المصلى فقال سبحان الله أو أومأ بيده ليصرفها لم تقطع صلاته) لما روينا أن النبي أشار على زينب فلم تقف وقال إذا نابت أحدكم نائبة فليسبح فان التسبيح للرجال والتصفيق للنساء قال في الكتاب وأحب إلى أن لا يفعل معناه ولا يجمع بين التسبيح والاشارة باليد فان له بأحدهما كفاية فمنهم من قال المستحب أن لا يفعل شيئا من ذلك وتأويل قول رسول الله أنه كان في وقت كان العمل فيه مباحا في الصلاة فان استأذن عليه انسان فسبح وأراد أعلامه أنه في الصلاة لحديث علي رضى الله عنه كان لى مدخلان من رسول الله في كل يوم بأيهما شئت دخلت فكنت إذا أتيت الباب فان لم يكن في الصلاة فتح الباب فدخلت وان كان في الصلاة رفع صوته بالقراءة فانصرفت ولانه قصد بهذا صيانة صلاته ولو لم يفعل ربما يلح المستأذن حتى يبتلى هو بالغلط في القراءة وان أخبر بخبر يسوءه فاسترجع لذلك فان أراد جوابه قطع صلاته وان لم يرد جوابه لم يقطع لان مطلق الكلام محمول على قصد التكلم فإذا أراد به الجواب كان جوابا ومعنى استرجاعه

[ 201 ] أعينوني فانى مصاب ولو صرح بهذا لم يشكل فساد صلاته فكذلك إذا أراده بالاسترجاع وإذا أخبر بخبر يسره فقال الحمد لله أو أخبر بما يتعجب منه فقال سبحان الله وأراد جواب المخبر فقد قطع صلاته عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف التحميد وأشباه ذلك لا يقطع الصلاة وان أراد به الجواب لان النبي قال انما هي للتسبيح والتهليل وقراءة القرآن فما تلفظ به شرعت الصلاة لاجله فلو فسدت صلاته انما تفسد بنيته ومجرد نية الكلام غير مفسد. ولم يذكر خلاف أبى يوسف في مسألة الاسترجاع والاصح أن الكل على الخلاف ومن سلم قال الاسترجاع اظهار المصيبة وما شرعت الصلاة لاجله والتحميد اظهار الشكر والصلاة شرعت لاجله (ولنا) قوله عليه الصلاة والسلام من سبح من غير غضب ولا عجب فله من الاجر كذا وانما جعله مسبحا إذا لم يقصد به التعجب فثبت له أنه إذا قصد به التعجب كان متعجبا لا مسبحا وهذا لان الكلام مبنى على غرض المتكلم فمن رأى رجلا اسمه يحيى وبين يديه كتاب فقال يا يحيى خذ الكتاب بقوة وأراد به خطابه لم يشكل على أحد أنه متكلم لا قارئ وإذا قيل للمصلي بأى موضع مررت فقال ببئر معطلة وقصر مشيد وأراد الجواب لا يشكل أنه متلكم به وإذا أنشد شعرا فيه ذكر اسم الله لم يشكل أنه كان منشدا لا ذاكرا حتى تفسد صلاته فكذلك فيما نحن فيه * قال (وإذا قرأ في صلاته في المصحف فسدت صلاته) عند أبى حنيفة وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى صلاته تامة ويكره ذلك وقال الشافعي رضى الله عنه لا يكره لحديث ذكوان مولى عائشة رضى الله عنها أنه كان يؤمها في شهر رمضان وكان يقرأ في المصحف ولانه ليس فيه الا حمل المصحف بيده والنظر فيه ولو حمل شيأ آخر لم تفسد صلاته فكذلك المصحف الا أنهما كرها ذلك لانه تشبه بفعل أهل الكتاب والشافعي رحمه الله تعالى قال ما نهينا عن التشبه بهم في كل شئ فانا نأكل كما يأكلون ولابي حنيفة رحمه الله تعالى طريقان. أحدهما أن حمل المصحف وتقليب الاوراق والنظر فيه والتفكر فيه ليفهم عمل كثير وهو مفسد للصلاة كالرمي بالقوس في صلاته وعلى هذا الطريق يقول إذا كان المصحف موضوعا بين يديه أو قرأ بما هو مكتوب على المحراب لم تفسد صلاته. والاصح ان يقول انه يلقن من المصحف فكأنه تعلم من معلم وذلك مفسد لصلاته ألا ترى أن من يأخذ من المصحف يسمى صحفيا ومن لا

[ 202 ] يحسن قراءة شئ عن ظهر قلبه يكون أميا يصلى بغير قراءة فدل أنه متعلم من المصحف وعلى هذا الطريق لا فرق بين أن يكون موضوعا بين يديه أو في يديه وليس المراد بحديث ذكوان أنه كان يقرأ من المصحف في الصلاة انما المراد بيان حاله انه كان لا يقرأ جميع القرآن عن ظهر القلب والمقصود بيان أن قراءة جميع القرآن في قيام رمضان ليس بفرض * قال (رجل صلى ومعه جلد ميتة مدبوغ فلا بأس بذلك عندنا) وقال مالك رحمه الله تعالى لا تجوز صلاته ولا ينتفع عنده بجلد الميتة وان كان مدبوغا الا في الجامد من الاشياء واستدل بحديث عبد الله بن حكيم الليثى قال أتانا كتاب رسول الله قبل موته بسبعة أيام وفيه لا تنتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب (ولنا) قوله أيما اهاب دبغ فقد طهر وتأويل حديث عبد الله أنه كان قبل الدباغة قال الاصمعي رحمه الله تعالى الاهاب اسم لجلد لم يدبغ فإذا دبغ يسمى أديما ثم المحرم بالموت ما يدخل تحت مصلحة الاكل قال انما حرم من الميتة أكلها وبالدباغ خرج الجلد من أن يكون صالحا للاكل وتبين أن نجاسته بما اتصل به من الدسومات النجسة وقد زال بذلك بالدباغ فصار طاهرا كالخمر تخلل وأصح ما قيل في حد الدباغ عندنا ما يعصمه من النتن والفساد حتى إذا شمسه أو تربه كان ذلك دباغا عندنا وعند الشافعي رضى الله تعالى عنه لا يكون دباغا الا بما يزيل الدموسات النجسة عنه وذلك باستعمال الشب والقرض والعفص (ودليلنا) فيه أن المقصود اخراجه من أن يكون صالحا لمنفعة الاكل وقد حصل ذلك وبه تبين أنه لم يبق فيه الدسومات النجسة فانها لو بقيت فيه لانتن بمضي الزمان وكذلك جلود السباع عندنا ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه مالا يؤكل لحمه لا يطهر جلده بالدباغ وقاس بجلد الخنزير والآدمي (ولنا) عموم الحديث أيما اهاب دبغ فقد طهر وما طهر من لبس الناس كجلد الثعلب والفيل والسمور ونحوها في الصلاة وغير الصلاة من غير نكير منكر يدل على طهارته بالدباغ فأما جلد الخنزير فقد روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه يطهر بالدباغ أيضا وفى ظاهر الرواية لا يحتمل الدباغة فان له جلودا مترادفة بعضها فوق بعض كما للادمي وانما لا يطهر لعدم احتماله المطهر وهو الدباغ أو لان عينه نجس وجلده من عينه فأما في سائر الحيوانات النجس ما اتصل بالعين من الدسومات وعلى هذا جلد الكلب يطهر عندنا بالدباغ وقال

[ 203 ] الحسن بن زياد رحمه الله تعالى لا يطهر وهو قول الشافعي رضى الله تعالى عنه لان عين الكلب نجس عندهما ولكنا نقول الانتفاع به مباح في حالة الاختيار فلو كان عينه نجسا لما أبيح الانتفاع به فان كان الجلد غير مدبوغ فصلى فيه أو صلى ومعه شئ كثير من لحم الميتة فصلاته فاسدة لانه حامل للنجاسة وان صلى ومعه شئ من أصوافها وشعورها أو عظم من عظامها فصلاته تامة عندنا وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه فيهما حياة وقال مالك رضى الله تعالى عنه في العظم حياة دون الشعر واستدلوا بقوله تعالى قال من يحيى العظام وهى رميم ولانه ينمو بتمادى الروح فكان فيه حياة فيحله الموت فيتنجس به ومالك يقول العظم يتألم ويظهر ذلك في السن بخلاف الشعر (ولنا) أنه مبان من الحي فلا يتألم به ويجوز الانتفاع وقال ما أبين من الحى فهو ميت فلو كان فيه حياة لما جاز الانتفاع به ولا نقول ان العظم يتألم بل ما هو متصل به فاللحم يتألم وبين الناس كلام في السن أنه عظم أو طرف عصب يابس فان العظم لا يحدث في البدن بعد الولادة وتأويل قوله تعالى من يحيى العظام وهي رميم أي النفوس وفى العصب روايتان في احدى الروايتين فيها حياة لما فيها من الحركة وينجس بالموت ألا ترى أنه يتألم الحي بقطعه بخلاف العظم فان قطع قرن البقرة لا يؤلمها فدل أنه ليس في العظام حياة فلا يتنجس بالموت واليه أشار رسول الله حين مر بشاة ملقاة لميمونة فقال هلا انتفعتم باهابها فقيل انها ميتة فقال انما حرم من الميتة أكلها وهذا نص على أن ما لا يدخل تحت مصلحة الاكل لا يتنجس بالموت وعلى هذا شعر الآدمى طاهر عندنا خلافا للشافعي رضى الله تعالى عنه فان النبي حين حلق شعره قسم شعره أصحابه فلو كان نجسا لما جاز لهم التبرك به ولكن لا ينتفع به لحرمته لا لنجاسته وكذلك عظمه لا ينتفع به لحرمته والذى قيل إذا طحن سن الآدمي مع الحنطة لم يؤكل وذلك لحرمة الآدمى لا لنجاسته فأما الخنزير فهو نجس العين عظمه وعصبه في النجاسة كلحمه فأما شعره فقد قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يجوز استعماله للخراز لاجل الضرورة وفى طهارته عنه روايتان في رواية طاهر وهكذا روى عن أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى أنه طاهر لما كان الانتفاع به جائزا ولهذا جوز أبو حنيفة بيع لان الانتقاع لا يتأدى به الا بعد الملك وهو نجس في احدى الروايتين لان الثابت بالضرورة لا يعدو موضعها وقد روى عن محمد رحمه الله تعالى انه ألحق الفيل

[ 204 ] بالخنزير والاصح أنه كسائر الحيوانات عظمه طاهر وقد جاء في حديث ثوبان ان النبي اشترى لفاطمة سوارين من عاج وظهر استعمال الناس العاج من غير نكير فدل على طهارته * قال (رجل صلى وقدامه عذرة قال لا يفسد ذلك صلاته) لان شرط الصلاة طهارة مكان الصلاة وقد وجد فالنجاسة فيما وراء ذلك لا تضره والمستحب أن يبعد من موضع النجاسة عند أداء الصلاة لان لمكان الصلاة حرمة فيختار لها أقرب الاماكن إلى الحرمة وان كانت النجاسة في موضع قيامه فصلاته فاسدة إذا كانت كثيرة لان القيام ركن فلا يتأدى على مكان نجس وكونه على النجاسة ككون النجاسة عليه في افساد الصلاة فان كانت النجاسة في موضع سجوده فكذلك عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وهو الظاهر من قول أبى حنيفة وروى أبو يوسف عنه أن صلاته جائزة ووجهه أن فرض السجود يتأدى بوضع الارنبة على الارض عنده وذلك دون مقدار الدرهم. ووجه ظاهر الرواية أن السجود فرض فإذا وضع الجبهة والانف تأدى الفرض بالكل كما إذا طول القراءة أو طول الركوع كان مؤديا للفرض واداء الكل بالفرض في المكان النجس لا يجوز والجبهة والانف أكثر من قدر الدرهم وقد روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه إذا سجد على مكان نجس ثم أعاد على مكان طاهر جاز وقال زفر رحمه الله تعالى لا تجوز صلاته. وجه قوله أن السجدة قد فسدت بأدائها على مكان نجس والصلاة الواحدة لا تتجزأ فإذا فسد بعضها فسد كلها كما لو أقام على النجاسة عند التحرم. ووجه قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ان الركن لا يتأدى على مكان نجس فكأنه لم يؤدها أصلا حتى أداها على مكان طاهر وهكذا نقول إذا كان عند التحرم على مكان نجس يصير كانه لم يتحرم للصلاة أصلا حتى لو كان متطوعا لا يلزمه القضاء وان كان النجاسة في موضع الكفين أو الركبتين جازت صلاته عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى لا تجزئه لان أداء السجدة بوضع اليدين والركبتين والوجه جميعا فكانت النجاسة في موضع الركبتين كهى في موضع الوجه فأكثر ما في الباب أن له بدأ من موضع اليدين والركبتين وهذا لا يدل على الجواز لا إذا وضع يده على المكان النجس كما لو لبس ثوبين بأحدهما نجاسة كثيرة لا تجوز صلاته وله بد من لبس الثوب النجس كما بالاكتفاء بثوب واحد (ولنا) أن وضع اليدين والركبتين على مكان نجس كترك الوضع أصلا وترك وضع اليدين والركبتين في السجود لايمنع

[ 205 ] الجواز كما قاله ابن عباس رضى الله تعالى عنهما مثل الذى يصلى وهو عاقص شعره كمثل الذى يصلى وهو مكتوف وبه فارق الوجه فان ترك الوضع فيه يمنع جواز السجود بخلاف الثوبين فان اللابس للثوب مستعمل له فإذا كان نجسا كان حاملا للنجاسة فلهذا تفسد صلاته كما لو كان يمسكه بيده والمصلى ليس بحامل للمكان حتى تفسد صلاته بهذا الطريق بل الطريق ما قلناه أن ما وضعه على مكان نجس يجعل كأنه لم يضعه أصلا * قال (رجل صلى على مكان من الارض قد كان فيه نجاسة فجفت وذهب أثرها جازت صلاته عندنا) وقال زفر رحمه الله تعالى لا تجزئه لان الشرط طهارة المكان ولم يوجد بدليل أن التيمم لا يجوز بهذا الموضع (ولنا) قوله أيما أرض جفت فقد زكت أي طهرت وقال زكاة الارض يبسها ثم النجاسة تحرقها الشمس وتفرقها الريح وتحول عينها الارض وينشفها الهواء فلا تبقى عينها بعد تأثير هذا الاشياء فيها فتعود الارض كما كانت قبل الاصابة وقد مر الفرق بين الصلاة والتيمم الصحيح من الجواب أنه لا فرق بين موضع تقع عليه الشمس أو لا تقع وبين موضع فيه حشيش نابت أو ليس فيه لان الحشيش تابع للارض فان أصاب الموضع ماء فابتل أو ألقي من ترابه في ماء قليل ففيه روايتان احداهما أنه يعود نجسا كما قبل الجفاف والاخرى وهو الاصح أنه لا يتنجس لان بعد الحكم بطهارته لم يوجد الا اصابة الماء والماء لا ينجس شيئا بخلاف ما إذا أصابت النجاسة البساط فذهب أثرها لان النجاسة تتداخل في أجزاء البساط فلا يخرجها الا الغسل بالماء وليس من طبع البساط أن يحول شيئا إلى طبعه ومن طبع الارض تحويل الاشياء إلى طبعها فان الثياب إذا طال مكثها في التراب تصير ترابا فإذا تحولت النجاسة إلى طبع الارض بذهاب أثرها حكمنا بطهارة الموضع لهذا وان كان الاثر باقيا لم تجز الصلاة لان طهور الاثر دليل على بقاء النجاسة * قال (ولا بأس بأن يصلى على الثلج إذا كان ممكنا يستطيع أن يسجد عليه) معناه أن يكون موضع سجوده متلبدا لانه حينئذ يجد جبينه حجم الارض فأما إذا لم يكن متلبدا حتى لا يجد جبينه حجم الارض حينئذ لا يجزئه لانه بمنزلة السجود على الهواء على هذا السجود على الحشيش أو القطن ان شغل جبينه فيه حتى وجد حجم الارض أجزأ والا فلا وكذلك إذا صلى على طنفسة محشوة جازت صلاته إذا كان متلبدا الا على قول مالك رحمه الله تعالى وقد روى عن بعض الصحابة قال ما أبالى صليت على

[ 206 ] عشر طنافس أو أكثر وكذلك الصلاة على الحصير لانه عمل الناس في مساجدهم بخلاف ما يقوله بعض من لا يعتد بقوله انه لا يجوز الصلاة على الحصير لان سائلا سأل عائشة رضى الله تعالى عنها هل صلى رسول الله على الحصير فاني سمعت قول الله تعالى وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا فقال لا ولكن هذا الحديث شاذ فقد اشتهر عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن رسول الله كان يصلى على الخمرة وهو اسم لقطعة حصير ومعنى قول الله تعالى وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا أي محتبسا وجاء في الحديث الصلاة على ما تنبته الارض أفضل من الصلاة على ما لم تنبته الارض فلهذا اختاروا الحشيش والحصير على البساط * قال (ويكره ان يكون قبلة المسجد إلى حمام أو قبر أو مخرج) لان جهة القبلة يجب تعظيمها والمساجد كذلك قال الله تعالى في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ومعنى التعظيم لا يحصل إذا كانت قبلة المسجد إلى هذه المواضع التى لا تخلو عن الاقذار * وروى أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى قال هذا في مساجد الجماعة فأما في مسجد الرجل في بيته فلا بأس بأن يكون قبلته إلى هذه المواضع لانه ليس له حرمة المساجد حتى يجوز بيعه وللناس فيه بلوى بخلاف مسجد الجماعة ولو صلى في مثل هذا المسجد جازت صلاته الا على قول بشر بن غياث المريسى وكذلك لو صلى في أرض مغصوبة أو صلى وعليه ثوب مغصوب عنده لا يجوز لان العبادة لا تتأدى بما هو منهى عنه والنهى عندنا إذا لم يكن لمعنى في الصلاة لا يمنع جوازها وأصل النهى في هذا الباب حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبي نهى عن الصلاة في سبع مواطن المجزرة والمزبلة والمقبرة والحمام وقوارع الطريق ومعاطن الابل وفوق ظهر بيت الله. فأما المجزرة والمزبلة فموضع النجاسات لا يجوز الصلاة فيهما لانعدام شرطها وهو الطهارة من حيث المكان. وأما المقبرة فقيل انما نهى عن ذلك لما فيه من التشبه باليهود كما قال لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فلا تتخذوا قبري بعدي مسجدا ورأى عمر رضى الله تعالى عنه رجلا يصلى بالليل إلى قبر فناداه القبر القبر فظن الرجل أنه يقول القمر فجعل ينظر إلى السماء فما زال به حتى بينه فعلى هذا القول تجوز الصلاة وتكره وقيل معني النهى أن المقابر لا تخلو عن النجاسات فالجهال يستترون بما يشرف من القبور فيبولون ويتغوطون خلفه فعلى هذا

[ 207 ] لا تجوز الصلاة لانعدام طهارة المكان. ومعنى النهى في الحمام أنه مصب الغسالات والنجاسات عادة فعلى هذا إذا صلى في موضع جلوس الحمامى لا يكره وقيل معنى النهى أن الحمام بيت الشيطان فعلى هذا الكراهة في كل موضع منه سواء غسل ذلك الموضع أو لم يغسل. ومعنى النهى في قوارع الطريق انه يستضر به المار فعلى هذا إذا كان الطريق واسعا لا يكره وحكي ابن سماعة أن محمدا رحمه الله تعالى كان يصلى على الطريق في البادية وقيل معنى النهى في قوارع الطرق أنها لا تخلو عن الارواث والابوال عادة فعلى هذا لا فرق بين الطريق الواسع والضيق. ومعنى النهى في معاطن الابل قيل لانها لا تخلو عن النجاسة عادة الا أنه جاء في الحديث صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في معاطن الابل وفيما يكون منها المعاطن والمرابض سواء وقيل معنى النهى أن الابل ربما تصول على المصلى فيبتلى بما يفسد صلاته وهذا لا يتوهم من الغنم. وأما فوق ظهر بيت الله النهى عندنا لان الانسان منهى عن الصعود على سطح الكعبة لما فيه من ترك التعظيم فلا يمنع جواز الصلاة وعند الشافعي رضي الله تعالى عنه هذا النهي لا فساد صلاته حتى إذا صلى على سطح الكعبة وليس بين يديه سترة لا تجوز صلاته عنده على ما بينه في آخر الكتاب * قال (ومن زحمه الناس فلم يجد موضعا للسجود فسجد على ظهر رجل أجزأه) لقول عمر رضى الله تعالى عنه اسجد على ظهر أخيك فانه مسجد لك وقال في خطبته حين طلب من الناس أن يوسع المسجد أيها الناس أن هذا مسجد بناه رسول الله والمهاجرون والانصار معه فمن لم يجد موضعا فليسجد على ظهر أخيه * وروى الحسن بن زياد عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى قال ان كان السجود علي ظهر شريكه في الصلاة يجوز والا فلا لان الجواز للضرورة وذلك عند المشاركة في الصلاة ومن أصحابنا من قال المراد ظهر القدم فأما إذا سجد علي ظهره فهو راكع لا ساجد فلا يجزئه وهو قول الحسن بن زياد والاصح أنه يجوز لان الرخصة فيه ثابتة شرعا للضرورة ومن اقتدى بامام ينوى صلاته ولم يدر أنها الظهر أو الجمعة أجزأه أيهما كان لانه بني صلاته علي صلاة الامام وذلك معلوم عند الامام فالعلم في حق الاصل يغني عنه في حق التبع والبناء والاصل فيه حديث علي وأبى موسى رضي الله تعالى عنهما فانهما قدما من اليمن على رسول الله فقال بم أهللتما فقالا باهلال رسول الله فجوز ذلك لهما وان لم يكن معلوما عندهما وقت الا هلال فان

[ 208 ] لم ينو صلاة الامام ولكنه نوى الظهر والاقتداء إذا كان امامه في الجمعة فصلاته فاسدة لانه يؤدى غير صلاة الامام وتغاير الفرضين يمنع الاقتداء وفي غير رواية أبى سليمان قال إذا نوى صلاة الامام والجمعة فإذا هي الظهر جازت صلاته وهذا صحيح فقد تحقق البناء بنية صلاة الامام ولا يعتبر بما زاد بعد ذلك وهو كمن نوى الاقتداء بهذا الامام وعنده أنه زيد فإذا هو عمرو وكان الاقتداء صحيحا بخلاف ما إذا نوى الاقتداء بزيد فإذا هو عمرو * قال (وإذا صلى الرجل المكتوبة كرهت له أن يعتمد على شئ الا من عذر) لان في الاعتماد تنقيص القيام ولايجوز ترك القيام في المكتوبة الا من عذر فكذلك يكره تنقيصه بالاعتماد الا من عذر وان فعل جازت صلاته لوجود أصل القيام ولم يبين الاعتماد في التطوع فقيل لا بأس به لان ترك القيام يجوز في التطوع فتنقيصه أولى وقيل بل يكره لان في الاعتماد بعض التنعم والتجبر ولا ينبغي للمصلى أن يفعل شيأ من ذلك بغير عذر وروى أن النبي رأى في المسجد حبلا ممدودا فقال لمن هذا فقيل لفلانة تصلى بالليل فإذا أعيت اتكأت فقال لتصل فلانة بالليل ما بسطت فإذا أعيت فلتنم * قال (ومن نسى تكبيرة الافتتاح حتى قرأ لم يكن داخلا في الصلاة) وكان عطاء يقول تكبيرة الركوع تنوب عن تكبيرة الافتتاح وهذا فاسد فان أركان الصلاة لا تكون الا بعد التحريمة والتحرم للصلاة بالتكبير يكون فإذا لم يكبر للافتتاح لم يكن داخلا في الصلاة * قال (وإذا افتتح التطوع قائما ثم أراد أن يقعد من غير عذر فله ذلك عند أبى حنيفة استحسانا) وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يجزئه قياسا لان الشروع ملزم كالنذر ومن نذر أن يصلى ركعتين قائما لم يجزه ان يقعد فيهما فكذلك إذا شرع قائما لم يجزه أن يقعد فيهما فكذلك إذا شرع قاعدا وأبو حنيفة يقول القعود في التطوع بلا عذر كالقعود في الفرض بعذر ثم هناك لا فرق بين حال الابتداء أو البقاء فكذلك هنا وهذا لانه في الابتداء كان مخيرا بين القيام والقعود وخياره فيما لم يؤد باق والشروع انما يلزمه ما باشر ولا صحة لما باشر الا به وللركعة الاولى صحة بدون القيام في الركعة الثانية بدليل حالة العذر فلم يلزمه القيام بالشروع بخلاف النذر فهو التزام بالتسمية وقد نص فيه على صفة القيام ولا رواية فيما إذا أطلق النذر فقيل يلزمه بصفة القيام اعتبارا لما يوجبه على نفسه بما يوجب الله تعالى عليه مطلقا وقيل لا يلزمه لان القيام وراء ما به يتم التطوع

[ 209 ] ولا يلزمه الا بالتنصيص عليه كالتتابع في الصوم وقيل هو على الخلاف على قياس ما مر في الشروع فان افتتحها قاعدا فقضى بعضها قائما وبعضها قاعدا أجزأه لما روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبي كان يفتتح التطوع قاعدا فيقرأ ورده حتى إذا بقى عشر آيات أو نحوها قام مقام قراءته ثم ركع وسجد وهكذا كان يفعل في الركعة الثانية فقد انتقل من القعود إلى القيام ومن القيام إلى القعود فدل أن ذلك جائز في التطوع * قال (وإذا افتتح التطوع على غير وضوء أو في ثوب نجس لم يكن داخلا في صلاته ولا يلزمه القضاء) لان الشروع لم يصح ووجوب القضاء والا تمام ينبنى عليه (وان افتتحها نصف النهار أو حين تحمر الشمس أو عند طلوعها فان صلى كذلك فقد أساء ولا يبنى عليه) لانه أداها كما شرع فيها وان قطعها فعليها القضاء الاعلى قول زفر رحمه الله تعالى فانه يعتبر الشروع في الصلاة في الاوقات المكروهة بالشروع في صوم يوم النحر لعله ان يرتكب المنهى والفرق لنا أن بالشروع هناك يصير صائما مرتكبا للمنهي وهاهنا بنفس الشروع لا يصير مصليا ما لم يقيد الركعة بالسجدة وارتكاب المنهى فيه ولان هناك لا يتصور الاداء بذلك الشروع الا بصفة الكراهة وهاهنا يتصور بأن يصبر حتى يذهب الوقت فلهذا ألزمناه القضاء والفرق بين هذا وبين ما سبق أن الشروع كالنذر والنذر بالصلاة في هذه الاوقات يصح فكذلك الشروع فأما النذر بالصلاة بغير وضوء لا يصح * وهنا مسائل. إذا نذر أن يصلى ركعتين بغير وضوء أو عريانا أو بغير قراءة فعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالي في المواضع كلها يلزمه ما سمى في الصلاة الصحيحة وما زاد في كلامه فهو لغو وعند زفر رحمه الله تعالى لا يلزمه شئ في الاحوال كلها لان ما سماء في نذره ليس بقربة وعند محمد رحمه الله إذا سمى ما لا يجوز أداء الصلاة معه بحال كالصلاة بغير طهارة لا يلزمه شئ وإذا سمى ما يجوز أداء الصلاة معه في بعض الاحوال كالصلاة بغير قراءة تلزمه * قال (وان افتتح صلاة التطوع وقت طلوع الشمس ثم قطعها ثم قضاها وقت تغير الشمس أجزأه) لانه لو أتمها في ذلك الوقت أجزأه فكذلك إذا قضاها في مثل ذلك الوقت * قال (وإذا صلت المرأة وهى حاملة ابنتها أجزأها) لما روى أن النبي كان يصلى في بيته وأمامة بنت أبى العاص يحملها على عاتقه فكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها * قال (وهي مسيئة في ذلك لانها شغلت نفسها بما ليس من أعمال صلاتها وأدنى ما فيه أن ذلك يمنعها من سنة الاعتماد (فان قيل)

[ 210 ] ورسول الله كان لا يفعل في صلاته ما هو مكروه (وقلنا) تأويله أنه كان في وقت كان العمل في الصلاة مباحا أولم يكن الاعتماد سنة * قال (وان صلى وفي فمه شى يمسكه جازت صلاته) وهذا إذا كان في فمه درهم أو دينار أو لؤلؤة على وجه لا يمنعه من القراءة فان كان يمنعه من القراءة لا تجوز صلاته لانه أكل وكذلك ان كان في فمه سكرة لا تجوز صلاته لانه أكل ولذلك ان كان في كفه متاع يمسكه جازت صلاته كما لو ترك الاعتماد أو وضع اليدين على الركبتين في الركوع. والمصلى قاعدا تطوعا أو فريضة بعذر يتربع ويعقد كيف شاء من غير كراهة ان شاء محتبيا وان شاء متربعا لانه لما جاز له ترك أصل القيام فترك صفة القعود أولى وقال زفر رحمه الله تعالى يقعد على ركبتيه كما يفعله في التشهد وقال أبو يوسف يؤدي جميع صلاته متربعا في حال قيامه فإذا أراد أن يركع قعد على ركبتيه ليكون أيسر عليه * قال (وإذا صلى فوق المسجد مقتديا بالامام أجزأه) لحديث أبى هريرة أنه وقف على سطح المسجد واقتدى بالامام وهو في جوفه وهذا إذا كان وقوفه خلف الامام أو بحذائه فإذا كان متقدما عليه لم يجزه كما لو افتتحها في جوف المسجد * قال (وكذلك ان كان على سطح بجنب المسجد وليس بينهما طريق) وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه لا يصح اقتداؤه لانه ترك مكان الصلاة بالجماعة من غير ضرورة (ولنا) أن اقتداءه وهو على سطح بجنب المسجد بمنزلة اقتدائه به وهو في جوف المسجد معه لانه لا يشتبه عليه حال امامه وليس بينهما مانع من الاقتداء فلهذا جوزناه * قال (ولا بأس بالصلاة في بيت في قبلته تماثيل مقطوعة الرأس) لان التمثال تمثال برأسه فبقطع الرأس يخرج من أن يكون تمثالا بيانه فيما روى أن النبي أهدى إليه ثوب عليه تمثال طائر فأصبحوا وقد محا وجهه وروى أن جبريل صلوات الله عليه استأذن على رسول الله فاذن له فقال كيف أدخل وفى البيت قرام فيه تمثال خيول ورجال فاما أن تقطع رؤسها أو تتخذ وسائد فتوطأ ولان بعد قطع الرأس صار بمنزلة تماثيل الشجر وذلك غير مكروه انما المكروه تمثال ذى الروح هكذا روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه نهى مصورا عن التصوير فقال كيف أصنع وهو كسبى قال ان لم يكن بد فعليك بتمثال الاشجار وان عليا رضى الله تعالى عنه قال من صور تمثال ذى الروح كلف يوم القيامة أن ينفخ فيه الروح وليس بنافخ. وان لم تكن مقطوعة الرأس كرهتها في القبلة لان فيه تشبيها بمن يعبد الصور ولكن هذا إذا كان كان كبيرا يبدو

[ 211 ] للناظرين من بعيد فان كان صغيرا فلا بأس لان من يعبد الصورة لا يعبد الصغير منها جدا وقد كان على خاتم أبى موسى ذبابتان ولما وجد خاتم دانيال صلوات الله وسلامه عليه كان على فصه اسدان بينهما رجل يلحسانه كأنه كان يحكى بهذا ابتداء حاله أو لان التمثال في شريعة من قبلنا كان حلالا قال الله تعالى يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وكما يكره في القبلة يكره في السقف أو عن يمين القبلة أو عن يسارها لان الاثر قد جاء أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو صورة فيجب تنزيه مواضع الصلاة عن ذلك الا أنه إذا كانت الصورة على الحائط الذى هو خلف المصلى فالكراهة فيه أيسر لان معنى التعظيم والتشبيه بمن يعبد الصور تنعدم هنا وكذلك ان كانت الصورة على الارض والازر والستور وأما على البساط فنقول اتخاذ الصورة على البساط مكروه ولكن لا بأس بالنوم والجلوس عليه لان البساط يوطأ فلا يحصل فيه معنى التعظيم وكذلك الوسادة ألا ترى أنه قال في حديث جبريل أو تتخذ وسائد فتوطأ فان كان المصلى على البساط ان كانت الصورة في موضع وجهه أو أمامه فهو مكروه لان فيه معنى التعظيم يحصل بتقرب الوجه من الصورة وان كانت في موضع قدميه فلا بأس به لان معنى التعظيم فيه لا يحصل فصلاته جائزة على كل حال لان الكراهة ليست لمعنى راجع إلى الصلاة * قال (رجل قارئ دخل في صلاة أمي تطوعا أو في صلاة امرأة أو جنب ثم أفسدها علي نفسه فليس عليه قضاؤها) لان شروعه في الصلاة لم يصح حين اقتدى بمن لا يصلح اماما له ولا يتمكن من أداء الصلاة خلفه ووجوب القضاء يكون بالافساد بعد صحة الشروع * قال (وإذا وقفت جارية مراهقة تعقل الصلاة بجنب رجل خلف الامام وهما في صلاته فسدت صلاة الرجل) استحسانا وفى القياس لا تفسد لان صلاة غير البالغة تخلق وليست بصلاة حقيقية ووجه الاستحسان أنها تؤمر بالصلاة وتضرب على ذلك كما ورد به الحديث فكانت كالبالغة في المشاركة في أصل الصلاة وعليه ينبنى الفساد بسبب المحاذاة لانها تشتهى فلا يصفو قبل الرجل عن الشهوة في حال المناجاة عند محاذاتها وهذا المعنى موجود هنا قال ألا ترى أنها لو صلت بغير وضوء أو عريانة أمرتها أن تعيد الصلاة لانها انما تؤمر بالصلاة لتتعود فلا يشق عليها إذا بلغت وذلك إذا أدت بصفة يجوز أداؤها بتلك الصفة بعد البلوغ بحال فان أدت بغير طهارة أو عريانة لا يحصل هذا المقصود فلهذا أمرت بالاعادة ولو صلت بغير قناع في القياس تؤمر بالاعادة كما إذا صلت

[ 212 ] عريانة لان الرأس منها عورة ولكنه استحسن فقال تجزئها صلاتها لقول النبي لا يقبل الله صلاة حائض الا بخمار معناه صلاة بالغة فثبت أن صلاة غير البالغة تجوز بغير الخمار ولان من البالغات من تصلى بغير قناع وهى المملوكة وتجوز صلاتها فصلاة غير البالغة أولى بخلاف العريانة * قال (وللامة أن تصلى بغير قناع) لحديث عمر رضى الله تعالى عنه أنه كان إذا رأى جارية متقنعة علاها بالدرة وقال ألقى عنك الخمار يادفار أتتشبهين بالحرائر وكذلك المكاتبة والمدبرة وأم الولد لان الرق قائم فيهن فليس لرؤسهن حكم العورة فان أعتقت في صلاتها أخذت قناعها ومضت في صلاتها استحسانا وفى القياس تستقبل كالعريانة إذا وجدت ثوبا في خلال الصلاة. وجه الاستحسان أن فرض الستر لزمها في خلال الصلاة مقصورا عليها وقد أتت به كما لزمها بخلاف العريانة لان فرض الستر كان عليها قبل الشروع ولكنها كانت عريانة بعذر العجز فإذا أزيل استقبلت كالمتيمم إذا وجد الماء في خلال الصلاة توضأ واستقبل والمتوضئ إذا سبقه الحدث توضأ وبنى على صلاته فهذا مثله * (باب صلاة المريض) * الاصل في صلاة المريض قوله تعالى الذين يذكروه الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم قال الضحاك في تفسيره هو بيان حال المريض في أداء الصلاة على حسب الطاقة ودخل رسول الله على عمران بن حصين يعوده في مرضه فقال كيف أصلى فقال عليه الصلاة والسلام صل قائما فان لم تستطع فقاعدا فان لم تستطع فعلى الجنب تومئ ايماء فان لم تستطع فالله أولى بالعذراى بقبول العذر منك ولان الطاعة على حسب الطاقة قال الله تعالى لا يكلف الله نفسا الا وسعها ولقوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم. فإذا عرفنا هذا فنقول المريض إذا كان قادرا على القيام يصلى قائما فإذا عجز عن القيام يصلى قاعدا بركوع وسجود وإذا كان عاجزا عن القعود يصلى بالايماء لانه وسع مثله فان كان قادرا على القيام في أول الصلاة وعجز عن القيام فانه يقعد وفرق بين هذا وبين الصوم فان المريض إذا كان قادرا على الصوم في بعض اليوم ثم عجز فانه لا يصوم أصلا وهنا يصلى. وجه الفرق بينهما وذلك لان في الصوم لما أفطر في آخر اليوم لم يكن فعله في أول اليوم معتدا فلا يشتغل به وفى الصلاة وان

[ 213 ] قعد في آخره ولكن فعله في أول الصلاة وقع معتدا فيشتغل به وأما إذا كان قادرا على القيام وعاجزا عن الركوع والسجود فانه يصلى قاعدا بايماء وسقط عنه القيام لان هذا القيام ليس بركن لان القيام انما شرع لافتتاح الركوع والسجود به فكل قيام لا يعقبه سجود لا يكون ركنا ولان الايماء انما شرع للتشبه بمن يركع ويسجد والتشبه بالقعود أكثر ولهذا قلنا بأن المومئ يجعل السجود أخفض من ركوعه لان ذلك أشبه بالسجود الا أن بشرا يقول انما سقط عنه بالمرض ما كان عاجزا عن ايتانه فأما فيما هو قادر عليه لا يسقط عنه ولكن الانفصال عنه على ما بينا ان كان عاجزا عن القعود يصلى بالايماء مضطجعا مستلقيا على قفاه ووجهه نحو القبلة عند علمائنا رحمهم الله تعالى وهو مذهب عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما وقال الشافعي رحمه الله تعالى يضطجع على جنبه الايمن ووجهه نحو القبلة واحتج بحديث عمران ابن حصين قال له رسول الله فعلى الجنب تومئ ايماء فالنبى نص على الجنب ولان فيما قلنا وجهه إلى القبلة كما إذا احتضر يضطجع على شقه الايمن هكذا يصلى أيضا وكذلك يوضع في القبر هكذا الا أن أصحابنا قالوا بانه إذا استلقى على قفاه كان أقرب إلى استقبال القبلة فالجانبان منه إلى القبلة ووجهه إلى ما هو القبلة وفيما قاله الشافعي رحمه الله تعالى وجهه إلى رجله وذا ليس بقبلة وكذلك إذا قدر على القيام فوجهه أيضا يكون إلى القبلة بخلاف ما إذا احتضر فان هناك لم يكن مرضه على شرف الزوال فافترقا من هذا الوجه. وأما الجواب عن احتجاجه بحديث عمران بن حصين رضى الله تعالى عنه فلما قيل بأن مرضه كان باسورا فلا يمكنه أن يستلقى على قفاه. والثاني وهو أن النبي قال فعلى الجنب تومئ ايماء يعنى ساقطا على الجنب كقوله فإذا وجبت جنوبها أي سقطت فكذلك هنا * قال (المومئ إذا اقتدى بالمومئ يصح اقتداؤه به) لقوله عليه الصلاة والسلام الامام ضامن معناه صلاة الامام تتضمن صلاة المقتدى وتضمن الشئ انما يتحقق فيما هو مثله أو فوقه ولا يتحقق فيما هو دونه وهاهنا حال المقتدى مثل حال الامام أو دونه فيصح اقتداؤه به فإذا عرفنا هذا فنقول بأن الامام ان كان قائما أو قاعدا أو موميا يصح اقتداؤه به لان حاله مثل حال الامام أو دونه فان كان الامام قارئا والمقتدى قارئا أو أميا يصح اقتداؤه به لان حاله مثل حال الامام أو دونه فأما إذا كان الامام قاعدا والمقتدى قائما يصح عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى استحسانا وعند محمد

[ 214 ] رحمه الله تعالى لا يصح قياسا. وجه قول محمد رحمه الله تعالى ما روى عن النبي أنه قال لا يؤمن أحد بعدى جالسا وهذا نص عن على رضى الله عنه أنه قال لا يؤم المتيم المتوضئين ولا المقيد المطلقين وهذا نص والمعنى فيه وذلك أن الامام صاحب عذر فمن كان حاله مثل حال الامام يصح اقتداؤه به وما لا فلا كامامة صاحب الجرح السائل للاصحاء ولا صحاب الجروح. وتأثير هذا الكلام وهو ان القيام ركن والمقتدى ينفرد بهذا الركن فلو قلنا بانه يصح اقتداؤه به يكون هذا مقتديا بالبعض دون البعض وهذا لا يجوز ووجه قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ما روى عن النبي انه صلى بأصحابه وكان قاعدا وهم قيام خلفه فانه لما ضعف في مرضه قال مروا أبا بكر يصلى بالناس فقالت عائشة لحفصة قولى له أن أبا بكر رجل أسيف إذا وقف في مكانك لا يملك نفسه فلو أمرت غيره فقالت ذلك كرتين فقال انكن صاحبات يوسف مروا أبا بكر يصلى بالناس فلما شرع أبو بكر في الصلاة وجد رسول الله خفة في نفسه فخرج وهو يهادى بين الفضل بن عباس وبين على وكان رجلاه تخطان الارض حتى دخل المسجد فسمع أبو بكر حس مجئ النبي فتأخر وتقدم النبي وقعد وكان أبو بكر يصلى بصلاة رسول الله والقوم يكبرون بتكبير أبي بكر وأبو بكر يكبر بتكبير رسول الله والصحابة يكبرون بكبير ابي بكر وهذا آخر فعل رسول الله في مرضه فيكون ناسخا لما كان قبله على ما جاء في حديث جابر رضى الله تعالى عنه أنه قال سقط رسول الله عن فرسه فجحش شقه الايسر فلم يخرج أياما فالصحابة دخلوا عليه فوجدوه في الصلاة قاعدا فاقتدوا به قياما فأشار إليهم أن اقعدوا فلما فرغ من صلاته قال انما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا على ائمتكم فان صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعين وان صلى قائما فصلوا قياما أجمعين ولا يؤمن أحد بعدى جالسا ولكنا نقول صار هذا منسوخا بفعله الاخر وهو ما روينا في حديث مرض موته وأما حديث على رضى الله تعالى عنه قلنا لا يمكن العمل به لان في الحديث زيادة وهو قوله ولا الماسح للغاسلين وبالاجماع امامة الماسح للغاسل جائزة فدل انه لا يمكن العمل به. والفقه فيه أن الامام صاحب بدل صحيح فاقتداء صاحب الاصل به صحيح كالماسح على الخفين إذا أم الغاسلين بخلاف صاحب

[ 215 ] الجرح السائل ونحوه لانه ليس بصاحب بدل صحيح ولان بين القيام والعقود تقاربا في الصلاة حتى يجوز القعود في التطوع من غير عذر وهذا لان القائم كلا الجانبين منه مستوفا لقاعد أحد الجانبين منه منثن فكان بينهما تقارب فيصح اقتداؤه به كاقتداء القائم بالراكع وان كان الامام يصلي بالايماء مضطجعا والمقتدى يصلى بركوع وسجود لا يصح اقتداؤه به عندنا خلافا لزفر رحمه الله هو يقول كل واحد منهما مؤدما هو مستحق عليه بصفة الصحة فيصح اقتداؤه به نظيره اقتداء المتوضئ بالمتيمم والغاسل بالماسح ولكنا نقول بان حال المقتدى فوق الامام لان الاكتفاء بالايماء مع القدرة على الركوع والسجود يمنع جواز الصلاة فيمنع صحة الاقتداء ولان الايماء ليس ببدل عن الركوع والسجود لانه بعضه فلو قلنا بأنه يصح اقتداؤه به يكون هذا اقتداء بالبعض دون البعض وهذا لا يجوز بخلاف التيمم والمسح فان التيمم بدل عن الوضوء والمسح بدل عن الغسل فيصح اقتداؤه به بالاجماع. فان كان الامام يصلى قاعدا بالايماء والمأموم يصلى قائما بالايماء يصح اقتداؤه به لان هذا القيام ليس بركن حتى كان الاولى تركه فيجعل كأن لم يكن ولو كان معدوما أصلا يصح اقتداؤه به لان هذا اقتداء القاعد بالقاعد فكذلك هنا فان كان الامام يصلى بالايماء مضطجعا والمقتدى يصلى بالايماء قاعدا أو قائما لا يصح اقتداؤه بالاجماع لان حاله فوق حال الامام فيمنع صحة الاقتداء * قال (فان نزع الماء من عينيه وأمر بأن يستلقى على قفاه أياما ونهى عن القيام والقعود له أن يصلى بالايماء مضطجعا عند علمائنا) وقال مالك رحمه الله ليس له ذلك واحتج بما روى عن عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال له طبيب بعد ما كف بصره لو صبرت أياما مستلقيا على قفاك لصحت عيناك فشاور في ذلك عائشة رضى الله تعالى عنها والصحابة فلم يرخصوا له في ذلك وقالوا له أرأيت لومت في هذه الايام كيف تصنع بصلاتك فلو جاز ذلك لجوزوا له الا أن علماءنا قالوا بأن حرمة الاعضاء كحرمة النفس ثم إذا خاف الهلاك على نفسه من عدو أو سبع كان معه له أن يصلى مستلقيا على قفاه فكذلك هنا وأما حديث عبد الله بن عباس قلنا يحتمل أنه انما لم يرخصوا له في ذلك لانه لم يظهر عندهم صدق ذلك الطبيب فيما يدعى فلهذا لم يرخصوا له * قال (ولو أن المريض إذا صلى إلى غير القبلة متعمدا لا تجوز وان أخطا تجوز) معناه إذا اشتبهت عليه القبلة فتحرى إلى جهة وصلى إليها ثم تبين أنه أخطأ القبلة تجوز صلاته وان تعمد لا تجوز لحديث على رضى الله تعالى عنه أنه قال قبلة المتحري جهة قصده. فالحاصل أن المريض انما

[ 216 ] بفارق الصحيح فيما هو عاجز عنه وأما فيما هو قادر عليه هو والصحيح سواء ثم الصحيح إذا اشتبهت عليه القبلة في المغارة فتحرى إلى جهة وصلى إليها ثم تبين أنه أخطأ القبلة تجوز صلاته ولو تعمد لا تجوز فكذلك هذا وقال محمد بن مقاتل الرازي رحمه الله تعالى إذا كان وجهه إلى غير القبلة ولا يمكنه أن يحول وجهه إلى القبلة ولا يجد أحدا بأن يحول وجهه إلى القبلة له أن يصلى إلى غير القبلة فإذا برأ أعاد الصلاة ولكنا نقول في ظاهر الرواية لا يجب عليه اعادة الصلاة لان التوجه إلى القبلة شرط جواز الصلاة والقيام والقراءة والركوع والسجود أركان الصلاة ثم ما سقط عنه من الاركان بعذر المرض لا يجب عليه اعادة الصلاة فكذلك ما سقط عنه من الشروط بعذر المرض لا يجب عليه اعادة الصلاة. وأما إذا صلى بغير طهارة أو بغير قراءة أو عريانا لا تجوز صلاته لما بينا أنه فيما هو قادر عليه هو والصحيح سواء ثم الصحيح إذا صلى بغير طهارة أو بغير قراءة أو عريانا لا تجوز صلاته فكذلك هنا * قال (قوم مرضى في بيت مظلم اشتبهت عليهم جهة القبلة صلوا بجماعة فتحرى كل واحد منهم إلى جهة وصلى إليها جازت صلاة الكل) لانها تجوز من الاصحاء بهذه الصفة فمن المرضى أولى قال الحاكم رحمه الله تعالى انما جازت صلاة المقتدى إذا كان المقتدى لا يعلم أنه خالف امامه فأما إذا علم أنه خالف امامه لا تجوز صلاته لانه اعتقد فساد صلاة الامام والاصل أن المقتدى إذا اعتقد فساد صلاة الامام تفسد صلاته وهذا بخلاف ما إذا صلى في جوف الكعبة وان علم أنه خالف امامه جازت صلاته لانه ما اعتقد فساد صلاة الامام الا إذا كان مقدما على الامام فحينئذ لا تجوز صلاته * قال (مريض متحر أو مسافر متحرتبين له في خلال الصلاة أنه أخطأ القبلة له أن يحول وجهه إلى القبلة ويبنى على صلاته ولا يجب عليه أن يستقبل) لحديث أهل قباء أخبروا في خلال الصلاة أن القبلة حولت من بيت المقدس إلى الكعبة فاستداروا كهيئتهم وهم في ركوع فجوز لهم رسول الله ولان المؤدى حصل بالاجتهاد وهذا اجتهاد آخر والاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله كالقاضي إذا قضى في حادثة بالاجتهاد ثم ظهر أن اجتهاده كان خطأ في تلك الحادثة باجتهاد آخر لا ينقض قضاؤه فكذلك ها هنا * قال (المريض المومى إذا وجب عليه سجدتا السهو يومئ ايماء لسهوه) لان سجدتي السهو دون الصلبية وتلك تتأدى بالايماء فهذا أولى فلو أنه عجز عن الايماء بالرأس سقط عنه الصلاة عند علمائنا

[ 217 ] الثلاثة وقال زفر والحسن رحمهما الله تعالى يومئ بعينيه وان عجز عن الايماء بالعينين قال زفر رحمه الله تعالى وحده يومئ بالقلب لانه وسع مثله ولكنا نقول بأن الايماء عبارة عن الاشارة والاشارة انما تكون بالرأس فأما العين يسمى انحاء ولا يسمى ايماء وبالقلب يسمى نية وعزيمة وبمجرد النية لا تتأدى الصلاة ونصب الابدال بالرأى لا يجوز. ثم إذا برأ ينظر ان كان معتقا بعد هذه الحالة حتى إذا برأ يجب اعادة الصلاة فان كان مغمى عليه ينظر إذا كان مغمى عليه يوما وليلة أو أقل يجب عليه اعادة الصلاة وان كان أكثر من يوم وليلة لا يجب عليه اعادة الصلاة عند علمائنا وقال بشر تجب عليه اعادة الصلاة وان طال الاغماء. هو يقول الاغماء نوع مرض فلا يسقط القضاء كالنوم وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه إذا استوعب وقت صلاة كاملة لا يجب عليه اعادة الصلاة ويقول وجوب القضاء ينبنى على وجوب الاداء ولا يجب عليه الاداء فلا يجب عليه القضاء (ولنا) ماروى عن على رضى الله تعالى عنه أنه أغمي عليه في أربع صلوات فقضاهن وعن عمار بن ياسر أنه أغمي عليه يوما وليلة فقضاهما وعبد الله بن عمر أغمى عليه ثلاثة أيام ولياليها فلم يقضها. والفقه فيه هو أن الاغماء إذا طال يجعل كالطويل عادة وهو الجنون والصغر وإذا قصر يجعل كالقصير عادة وهو النوم فيحتاج إلى الحد الفاصل بين القصير والطويل فان كان يوما وليلة أو أقل فهو قصر لان الصلاة لم تدخل في حد التكرار وان كان أكثر من يوم وليلة يكون طويلا لان الصلاة دخلت تحت حد التكرار * وروى عن أبى حنيفة رضي الله تعالى عنه أنه قال إذا أغمى عليه يوما وليلة يجب عليه القضاء ولكن يعتبر بالساعات لا بالصلوات والاول أصح * قال (وإذا لم يستطع السجود لمرض أو جرح أو خوف فهو كله سواء ويومئ) لانه وسع مثله * قال (فان عجز عن القراءة تسقط عنه القراءة) لان القراءة ركن كما أن القيام ركن فلو عجز عن القيام سقط عنه القيام فكذلك هنا * قال (وان كان على جبهته جراحة ولا يمكنه أن يسجد على الجبهة قال يسجد على أنفه) لان الانف مسجد كالجبهة * قال (ويكره للمريض المومى أن يرفع إليه عود أو وسادة ليسجد عليه) لما روى عن النبي أنه دخل على مريض ليعوده فوجده يسجد على عوده فقال له ان قدرت أن تسجد على الارض فاسجد والا فأوم برأسك وعبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنه دخل على أخيه عتبة يعوده في مرضه فرأى عودا يرفع بين يديه وكان يسجد عليه فأخذ العود من يد من كان في يديه

[ 218 ] وقال ان هذا شئ عرض لكم الشيطان فأوم بسجودك وعبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنه رأى مريضا يفعل هكذا فقال أتتخذون مع الله آلهة فدل أنه يكره له ذلك وان سجد هل يجوز له ذلك قال ينظر ان خفض رأسه للركوع ثم للسجود يجوز بالايماء لا بوضع الرأس على العود حتى أنه لو رفع العود إلى جبهته ووضع عليه جبهته لا يجوز لانه ترك ركنا من أركان الصلاة وهو الايماء فقلنا بأنه لا يجوز وأما إذا سجد على الوسادة يجزئه لما روى عن أم سلمة أنها كان بها رمد فسجدت على المرفقة فجوز لها رسول الله * قال (ولو أن المريض إذا صلى بالايماء مضطجعا ثم قدر على الركوع والسجود في آخر الصلاة يجب عليه أن يستقبل الصلاة) ولا يبنى الا على قول زفر رحمه الله تعالى وهذا بناء على أصل وهو أن المنفرد يبنى آخر صلاته على أول صلاته كالمقتدى يبنى صلاته على صلاة الامام ففى كل موضع يصح الاقتداء يصح البناء والا فلا فنقول بأن الامام إذا صلى بالايماء مضطجعا والمقتدى يصلى بالركوع والسجود لا يصح اقتداؤه به فكذلك هنا لا يجوز له البناء وأما إذا صلى قاعدا بالركوع والسجود ثم برأ وقدر على القيام في بعض الصلاة له أن يبنى على صلاته ولا يجب عليه أن يستقبل لان الامام إذا صلى قاعدا والمقتدى قائما يصح الاقتداء به عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى فكذلك يصح البناء وأما إذا شرع في الصلاة قائما ثم عجز عن القيام في خلال الصلاة وقعد له أن يبنى على صلاته لان هذا بناء القوى على الضعيف وذلك يصح والله سبحانه وتعالى أعلم * (باب سجود السهو) * الاصل في سجود السهو ماروى أن النبي سها في صلاته فسجد وفي حديث ثوبان عن رسول الله لكل سهو سجدتان بعد السلام وكان أبو الحسن الكرخي يقول هو واجب استدلالا بما قال محمد رحمه الله تعالى إذا سها الامام وجب على المؤتم أن يسجد. ووجهه أنه جبر لنقصان العبادة فكان واجبا كدماء الجبر في باب الحج وهذا لان أداء العبادة بصفة الكمال واجب وصفة الكمال لا تحصل الا بجبر النقصان. وغيره من أصحابنا كان يقول انه سنة استدلالا بما قال محمد رحمه الله تعالى ان العود إلى سجود السهو لا يرفع التشهد ولو كان واجبا لكان رافعا للتشهد كسجدة التلاوة

[ 219 ] ولانه يجب بترك بعض السنن والخلف لا يكون أقوى فوق الاصل. إذا عرفنا هذا فنقول إذا سها ولم يدر أثلاثا صلى أم أربعا وذلك أول ما سها استقبل الصلاة لحديث عبد الله ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال رسول الله من شك في صلاته فلم يدركم صلى ثلاثا أم أربعا فليستقبل ولان الاستقبال لا يريبه والمضى يريبه بعد الشك والاحتياط في العبادة ليؤديها بكمالها واجب. ومعنى قوله وذلك أول ما سها أن السهو ليس بعادة له لانه لم يسه في عمره قط وان لقى ذلك غير مرة تحرى الصواب وأتم الصلاة على ذلك لحديث أبن مسعود رضي الله تعالى عنه قال رسول الله من شك في صلاته فليتحر الصواب ولانا لو أمرناه بالاستقبال يقع في الشك ثانيا وثالثا إذا صار ذلك عادة له فيتعذر عليه المضى في الصلاة فلهذا تحرى وشهادة القلب في التحرى تكفى عندنا لقوله المؤمن ينظر بنور الله وعند الشافعي رضى الله تعالى عنه لا يكفى ما لم ينضم إليه دليل آخر لانه مجرد الظن وان الظن لا يغنى من الحق شيئا وان لم يكن له تحر أخذ بالاقل لحديث عبد الرحمن بن عوف رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله من شك في صلاته فليأخذ بالاقل وليصل حتى يشك في الزيادة كما يشك في النقصان ولانه متيقن بوجوب الاداء عليه فلا يترك هذا اليقين الا بيقين مثله وذلك في الاقل الا أنه في كل موضع يتوهم أنه آخر صلاته فيقعد لا محالة لان قعدة الختم ركن والاشتغال بالنافلة قبل اكمال الفرض مفسد لصلاته ثم يسجد للسهو بعد السلام عندنا. وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه قبل السلام لحديث عبد الله بن بحينة أن النبي سجد سجدتي السهو قبل السلام وما روى بعد السلام أي بعد التشهد كما قلتم في قوله وفى كل ركعتين فسلم أي فتشهد ولان سجود السهو مؤدى في حرمة الصلاة ولهذا لو أدرك الامام فيه صح اقتداؤه به والسلام محلل له فينبغي أن يتأخر عن كل ما يؤدي في حرمة الصلاة فكان هذا قياس سجدة التلاوة (ولنا) حديث ابن مسعود وعائشة وأبى هريرة رضى الله تعالى عنهم أن النبي سجد للسهو بعد السلام وما روى قبل السلام أي قبل السلام الثاني فان عندنا يسلم بعد سجود السهو أيضا إذ بما وقع الاختلاف في فعل رسول الله يصار إلى قوله وفى حديث ثوبان لكل سهو سجدتان بعد السلام ولان سجود السهو مؤخر عن محله فلو كان

[ 220 ] مؤدى قبل السلام لكان الاولى أن يؤدي في محله كسجدة التلاوة وانما كان مؤخرا ليتأخر أداؤه عن كل حالة يتوهم فيها السهو وفيما قبل السلام يتوهم السهو فيؤخر عنه لهذا ولكنه جبر لنقصان الصلاة فبالعود إليه يكون عائدا إلى حرمة الصلاة ضرورة فلهذا يسلم بعده. وقال مالك رحمه الله تعالى ان كان سهوه عن نقصان سجد قبل السلام لانه جبر للنقصان ولو كان عن زيادة سجد بعد السلام لانه ترغيم للشيطان الا أن أبا يوسف رحمه الله تعالى قال له بين يدى الخليفة أرأيت لو زاد ونقص كيف يصنع فتحير مالك رحمه الله (ومن سها عن قيام أو قعود فعليه سجود السهو) لحديث المغيرة بن شعبة رضى الله تعالى عنهما أن النبي قام من الثانية إلى الثالثة ولم يقعد فسبحوا له فلم يعد وسجد لسهوه ولانه تارك للقعدة مقدم للقيام على وقته وكذلك ان قعد في موضع القيام فهو زائد في صلاته قعدة ليست منها مؤخر للقيام عن وقته فيتمكن النقصان في فعله فلهذا سجد للسهو * قال (فان سها عن قراءة التشهد في القعدة الاولى وتكبيرات العيد أو قنوت الوتر ففى القياس لا يسجد للسهو) لان هذه الاذكار سنة فبتركها لا يتمكن كثير نقصان في الصلاة كما إذا ترك الثناء والتعوذ ولهذا كان مبنى الصلاة على الافعال دون الاذكار وسجود السهو عرف بفعل رسول الله وما نقل ذلك عنه الا في الافعال. وجه الاستحسان أن هذه السنة تضاف إلى جميع الصلاة يقال تكبيرات العيد وقنوت الوتر وتشهد الصلاة فبتركها يتمكن النقصان والتغير للصلاة فأما ثناء الافتتاح غير مضاف إلى جميع الصلاة بل الافتتاح والتعوذ غير مضاف إلى الصلاة بل هو للقراءة فبتركه لا يتمكن النقصان والتغير في الصلاة * قال (وان سها عن التكبيرات سوى تكبيرة الافتتاح فعليه سجود السهو عند مالك رحمه الله تعالى إذا سها عن ثلاث تكبيرات فعليه سجود السهو بالقياس على تكبيرات العيد) ولكنا نقول تكبيرة الانتقال سنة لا تضاف إلى جميع الصلاة فبتركها لا يتمكن التغير في الصلاة وكذلك لوسها عن تسبيحات الركوع والسجود لانها سنة تضاف إلى ركن منها لا إلى جميعها فكان كالتعوذ وثناء الافتتاح * قال (وان سها عن القراءة في الاوليين فعليه سجود السهو) لان القراءة ركن والاوليان تعينتا لاداء هذا الركن واجبا وبترك الواجب يتمكن النقصان في الصلاة * قال (وان سها عن فاتحة الكتاب في الركعة الاولى وبدأ بغيرها فلما قرأ بعض

[ 221 ] السورة تذكر يعود فيقرأ بفاتحة الكتاب ثم السورة) لان الفاتحة سميت فاتحة الكتاب لا فتتاح القراءة بها في الصلاة فإذا تذكر في محله كان عليه مراعاة الترتيب كما لوسها عن تكبيرات العيد حتى اشتغل بالقراءة ثم تذكر عاد الي التكبيرات ثم القراءة بعدها وعليه سجدتا السهو لان الترتيب في القراءة واجب فبتركه يتمكن النقصان * قال (وان قرأ في الاوليين سورة ولم يقرأ بفاتحة الكتاب لم يعد قراءة الفاتحة في الاخريين) لان الاخريين محل الفاتحة أداء فلا يكون محلا لها قضاء فانه لو قضى الفاتحة قرأها مرتين وذلك غير مشروع في قيام واحد * قال (ولو قرأ الفاتحة في الاوليين ولم يقرأ السورة قضاها في الاخريين) لحديث عمر رضى الله تعالى عنه أنه ترك القراءة في ركعة من صلاة المغرب فقضاها في الركعة الثالثة وجهر بها وعثمان رضى الله تعالى عنه ترك قراءة السورة في الاوليين من صلاة العشاء فقضاها في الاخريين وجهر ولان الاخريين ليستا بمحل للسورة أداء فتكونان محلا لها قضاء * ثم قال في الكتاب (وجهر) قال البلخي أي بالسورة خاصة لان القضاء بصفة الاداء فأما الفاتحة فهو مؤد فيخافت بها في الاخريين والاصح أنه يجهر بهما لان القراءة في قيام واحد لا يكون بعضه جهرا دون البعض وقد وجب عليه الجهر بالسورة فيجهر بالفاتحة أيضا وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى انه يخافت فيهما لان افتتاحه القراءة بالفاتحة والسنة المخافتة في الاخريين فكذلك ما ينبنى عليها وعنه في رواية أخرى أنه لا يقضى السورة في الاخريين كما لا يقضى الفاتحة لانها سنة فات موضعها وعن الحسن بن زياد رحمه الله تعالى أنه يقضى الفاتحة في الاخريين كما يقضى السورة لان الفاتحة أوجب من غيرها فالقضاء فيها أولى ولكنا نقول الفاتحة لافتتاح القراءة بها وذلك لا يحصل إذا قضاها في الآخرتين لانه لا يقرأ بعدها السورة وهذا كله إذا تذكر بعد ما قيد الركعة بالسجدة فان تذكر قراءة السورة في الركوع أو بعد ما رفع رأسه منها عاد إلى قراءة السورة وانتقض به ركوعه لان القراءة ركن فإذا طولها فالكل فرض فلمراعاة الترتيب بين الفرائض ينتقض الركوع لبقاء محل القراءة ما لم يقيد الركعة بالسجدة * قال (وإذا قرأ في كل ركعة من صلاته بآية أجزأه) في قول أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه الآخر قصيرة كانت أو طويلة وفى قوله الاول وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا تجزئ ما لم يقرأ في كل ركعة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة وفى بعض الروايات عن أبى يوسف رحمه الله تعالى لا يجزئه أقل من ثلاث آيات

[ 222 ] لان الواجب عليه قراءة المعجزة وهى السورة وأقصرها الكوثر وهى ثلاث آيات ولانه لابد ان يأتي بما يسمى به قارئا ومن قال ثم نظر أو قال مدهامتان لا يسمى به قارئا وأبو حنيفة رحمه الله تعالى استدل بقوله تعالى فأقرؤا ما تيسر من القرآن والذى تيسر عليه قراءة آية واحدة فيكون ممتثلا للامر ولانه يتعلق بالقراءة حكمان جواز الصلاة وحرمة القراءة على الجنب والحائض ثم في أحد الحكمين لا فرق بين الآية القصيرة والطويلة فكذلك في الحكم الآخر وهو بناء على الاصل الذى بيناه لابي حنيفة رحمه الله تعالى أن الركن يتأدي بأدنى ما يتناوله الاسم (وان جهر الامام فيما يخافت فيه أو خافت فيما يجهر به يسجد للسهو) لان مراعاة صفة القراءة في كل صلاة بالجهر والمخافتة واجب على الامام فإذا ترك فقد تمكن النقصان والتغير في صلاته فعليه السهو وذكر في نوادر أبى سليمان رحمه الله تعالى ان جهر فيما يخافت فعليه السهو قل أو أكثر ذلك وان خافت فيما يجهر فان كان في أكثر الفاتحة أو في ثلاث آيات من غير الفاتحة فعليه السهو والافلا. ووجهه أن صفة المخافتة في صلوات النهار ألزم من صفة الجهر في صلوات الليل ألا تري أن المنفرد في صلاة الجهر يتخير وفي صلاة المخافتة لا يتخير فبنفس الجهر في صلوات المخافتة يتمكن النقصان وبنفس المخافتة في صلوات الجهر لا يتمكن النقصان ما لم يكن في مقدار ثلاث آيات أو أكثر * وروى ابن سماعة عن محمد رحمه الله تعالى التسوية بين الفصلين أنه ان تمكن التغير في ثلاث آيات أو أكثر فعليه سجود السهو والا فلا وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى في آية واحدة وهو بناء على ما سبق أن عندهما لا يتأدى فرض القراءة الا بثلاث آيات فما لم يتمكن التغير في هذا المقدار لا يجب سجود السهو وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يتأدى الفرض بآية واحدة فإذا تمكن التغير في هذا القدر وجب السهو * قال (وان كان منفردا فليس عليه سجود السهو بهذا) أما في صلاة الجهر هو مخير بين الجهر والمخافتة فلا يتمكن النقصان في صلاته جهر أو خافت وأما في صلاة المخافتة فجهر المنفرد بقدر اسماعه نفسه وهو غير منهى عن ذلك فلهذا لا يلزمه السهو * قال (وسهو الامام يوجب عليه وعلى المؤتم سجدتي السهو) لانه شريك الامام تبع له وقد تقرر السبب الموجب في حق الاصل فيجب على التبع بوجوبه على الاصل وسهو المؤتم لا يوجب شيئا أما على الامام فلا اشكال لانه ليس بتبع للمؤتم وأما على المؤتم فلانه لو سجد كان مخالفا لامامه وقد قال عليه الصلاة والسلام فلا تختلفوا عليه * قال (وإذا سلم

[ 223 ] في الرابعة ساهيا بعد قعود مقدار التشهد ولم يقرأ التشهد أو كان عليه سجدة تلاوة أو سجدة صلاتية عاد إلى قضاء ما عليه) لان سلامه سلام سهو وقد بقى عليه واجب محل أدائه قبل السلام وقد ذكرنا أن بسلام السهو لا يصير خارجا من الصلاة ثم ان عاد إلى سجدة التلاوة أو قراءة التشهد انتقض به القعدة كما لو عاد إلى سجدة صلاتية لان قراءة التشهد واجبة محله قبل الفراغ من القعدة وكذلك سجدة التلاوة محلها قبل القعدة فالعود إليها يرفع القعدة كالعود إلى الصلاتية حتى لو تكلم قبل أن يقعد بعدها فسدت صلاته لترك القعدة الا خيرة بخلاف العود إلى سجود السهو فانه رافع للسلام دون القعدة لان محله بعد الفراغ من القعدة والسلام الا أن ارتفاع السلام به للضرورة حتى يكون مؤديا في حرمة الصلاة ولا ضرورة إلى ارتفاع القعدة به حتى لو تكلم بعد ما سجد قبل أن يقعد فصلاته تامة وان كان قد سلم عامدا فقد قطع صلاته بسلام العمد فان كان ما ترك سجدة صلاتية فعليه اعادة الصلاة لانها ركن وان كان ما ترك سجدة التلاوة أو قراءة التشهد فليس عليه اعادة لانها واجبة وترك الواجب يوجب الكراهة والنقصان ولا يفسد الصلاة لان حكم الجواز متعلق بأداء الاركان وعن زفر رحمه الله تعالى التسوية بين سجدة التلاوة والصلاتية والفرق بينهما واضح فان سجدة الصلاتية من موجبات التحريمة وسجدة التلاوة ليست من موجبات التحريمة ولكنها وجبت بعارض قراءة آية السجدة فبتركها لا تفسد الصلاة وانما يتمكن النقصان وليس عليه سجود السهو كاسمه يجب عند تمكن السهو ولا سهو إذا كان عامدا * قال (وإذا شك في شئ من صلاته ثم استيقن به فان طال تفكره حين شك حتى شغله عن شئ من صلاته سجد للسهو وان بطل تفكره فليس عليه سهو) وفي القياس هما سواء ولا سهو عليه لانه لا يتمكن النقصان في صلاته حين تذكر أنه أداها على وجهها ومجرد التفكر لا يوجب عليه السهو كما لو شك في صلاته قبل هذا ثم تذكر أنه أداها لا سهو عليه وان طال تفكره. وجه الاستحسان أنه إذا طال تفكره حتى شغله عن شئ من صلاته فقد تمكن النقصان بتأخير الركن عن أوانه بخلاف ما إذا لم يطل تفكره ثم السهو انما يوجب السجدة إذا كان هذا في هذه الصلاة فإذا شك في صلاة أخرى لم يكن سهوه في هذا الصلاة فلهذا لا سهو عليه * قال (وإذا نهض من الركعتين ساهيا فلم يستتم قائما فقعد فعليه سجود السهو) لتمكن السهو له في صلاته وفى ظاهر الرواية إذا لم يستتم قائما يعود وإذا استتم قائما

[ 224 ] لا يعود لانه جاء في الحديث عن النبي أنه قام من الثانية إلى الثالثة قبل أن يقعد فسبحوا به فعاد وروى أنه لم يعد ولكنه سبح بهم فقاموا. ووجه التوفيق بين الحديثين أن ماروى أنه عاد كان قبل أن يستتم قائما وما روى أنه لم يعد كان بعد ما استتم قائما وهذا لانه لما استتم قائما اشتغل بفرض القيام وليس من الحكمة ترك الفرض للعود إلى السنة بخلاف ما قبل أن يستتم قائما وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه قال ان كان إلى العود أقرب يعود لانه كالقاعد وان كان أقرب إلى القيام لا يعود كما لو استتم قائما * قال (وإذا سها في صلاته مرات لا يجب عليه الا سجدتان) لقوله عليه الصلاة والسلام سجدتان تجزئان عن كل زيادة أو نقصان ولان سجود السهو انما يؤخر إلى آخر الصلاة لكيلا يتكرر في صلاة واحده بتكرر السهو * قال (وإذا أراد أن يقرأ سورة فأخطأ وقرأ غيرها لم يكن عليه سجود السهو) لان ما قرأ وما أراد أن يقرأ في حكم الصلاة سواء فلا يتمكن النقصان في صلاته بهذا السبب وإذا سجد للسهو قبل السلام أجزأه لان فعله حصل في موضع الاجتهاد ولانا لو أمرناه بالاعادة بعد التسليم كان ساجدا للسهو مرتين في صلاة واحدة ولم يقل به أحد ولان يكون فعله على وجه قال به بعض العلماء أولى من أن يكون على وجه لم يقل به أحد * قال (وان كان شك في سجود السهو عمل بالتحرى ولم يسجد للسهو) لما بينا ان تكرار سجود السهو في صلاة واحدة غير مشروع ولانه لو سجد بهذا السهو ربما يسهو فيه ثانيا وثالثا فيؤدى إلى مالا نهاية له * وحكى أن محمدا رحمه الله تعالى قال للكسائي وكان ابن خالته لم لا تشتغل بالفقه مع هذا الخاطر فقال من أحكم علما فذلك يهديه إلى سائر العلوم فقال محمد رحمه الله تعالى أنى ألقى عليك شيئا من مسائل الفقه فخرج جوابه من النحو فقال هات فقال ما تقول فيمن سها في سجود السهو ففكر ساعة فقال لا سهو عليه فقال من أي باب من النحو خرجت هذا الجواب فقال من باب ان المصغر لا يصغر فتعجب من فطنته * قال (وان سلم وهو يريد أن لا يسجد لسهوه لم يكن ذلك قطعا ويسجد) لان أوان السجود ما بعد السلام فلم يفته بهذا السلام شئ ونيته أن لا يسجد حديث النفس فلا يعتد حكما كما لو نوي أنه يتكلم في حال صلاته لم تفسد صلاته * قال (وان سبقه الحدث بعد ما سلم وبعد ما سجد سجدة واحدة للسهو توضأ وعاد فأتم) لان حرمة الصلاة باقية وسبق الحدث لا يمنعه من البناء بعد الوضوء وان كان اماما استخلف

[ 225 ] من يتم بالقوم كما لو سبقه الحدث في خلال الصلاة * قال (وإذا أحدث الامام في خلال صلاته وقد سها فاستخلف رجلا يسجد خليفته للسهو بعد السلام) لانه قائم مقام الاول فعليه أن يأتي بما كان يأتي به الاول وان سها خليفته فيما يتم أيضا كفته سجدتان كما لو كان الاول سها مرتين لان الثاني قائم مقامه * قال (وان لم يكن الامام الاول سها لزمه سجود السهو لسهو الثاني) لانه صار مقتديا بالثاني كغيره من القوم فيلزمه السهو لسهو امامه ألا ترى أن الثاني لو أفسد الصلاة على نفسه فسدت على الاول فكذلك بسهوه يتمكن النقصان في حق الاول * قال (ولو سها الاول بعد الاستخلاف لا يوجب سهوه شيئا) لانه صار في حكم المقتدى ألا ترى أنه لو أفسد صلاته لم تفسد به صلاة الثاني ولا صلاة القوم * قال (ويسجد المسبوق مع الامام سجود السهو قبل أن يقوم إلى قضاء ما سبق به) وعن إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى أنه لا يسجد معه لان أوان سجود السهو بعد السلام وهو لا يتابعه في السلام فكيف يتابعه فيما يؤدى بعد السلام ولكنا نقول بأن سجود السهو وجب على الامام لعارض في صلاته فيتابعه المسبوق فيها كما يتابعه في سجدة التلاوة ولان أوان قيامه إلى القضاء ما بعد فراغ الامام فما دام الامام مشغولا بواجب من واجبات الصلاة مؤديا في حرمة الصلاة لا يمكنه أن يقوم إلى القضاء فعليه متابعة الامام فيها وان لم يفعل سجد في آخر صلاته استحسانا وفى القياس لا يسجد لان وجوب هذه السجدة عليه في حالة الاقتداء وقد صار منفردا فيما يقضى وكان هذا بمنزلة ما لو اشتغل بصلاة أخرى لان حكم صلاة المنفرد مخالف لحكم صلاة المقتدى. ووجه الاستحسان في ذلك أنه يبنى ما يقضى على تلك التحريمة وهو بعد القضاء منفرد في الافعال مقتد في التحريمة حتى لا يصح اقتداء الغير به فلهذا يسجد لذلك السهو * قال (وان سها فيما يقضى كفاه سجدتان لسهوه) ولما عليه من قبل الامام لان التحريمة واحدة فبتكرر السهو فيها لا يتكرر السجود وان كان قد سجد مع الامام لسهوه سجد في أخر صلاته لان ما أداه مع الامام كان بطريق المتابعة فلا ينوب عما لزمه مقصودا بنفسه (فان قيل) قد تكرر عليه سجود السهو في تحريمة واحدة (قلنا) التحريمة واحدة صورة فأما الافعال مختلفة في الحكم لكونه منفردا فيما يقضى بعد ان كان مقتديا في أصل الصلاة فنزل هذا بمنزلة اختلاف الصلوات * قال (وإذا دخل المسبوق في صلاته بعد ما سلم قبل أن يسجد سجد

[ 226 ] معه الامام) لان الامام حين عاد إلى سجود السهو صح اقتداء المقتدى به فيتابعه فيما أدرك معه وان لم يسجد معه قضى في آخر صلاته استحسانا كما بينا * قال (وإذا دخل في صلاته بعد ما سجد سجدة واحدة وهو في الثانية فانه يسجدها معه) وهو لا يقضى الاول وكذلك إذا دخل في صلاته بعد ما سجدها لم يقضها لان الوجوب عليه بحكم المتابعة وانما يتحقق ذلك فيما لم يفرغ الامام منه قبل اقتدائه به فأما فيما فرغ منه الامام فلا متابعة ولا يتقرر السبب في حقه * قال (ولا يتابع المسبوق الامام في التكبير في أيام التشريق) بخلاف سجود السهو لان التكبير غير مؤدى في حرمة الصلاة حتى أن من اقتدى به في حالة التكبير لا يصح اقتداؤه به وكذلك لا يسلم بعد التكبير بخلاف سجود السهو لانه مؤدى في حرمة الصلاة حتى يسلم بعده ويصح اقتداء المقتدى به في هذه الحالة والتكبير في هذا كالتلبية في حق المحرم بعد فراغه من الصلاة فكما لا يتابعه المسبوق في التلبية فكذلك في التكبير الا أنه ان تابعه في التكبيرات لا تفسد صلاته لانه من أذكار الصلاة وان تابعه في التلبية تفسد صلاته لانه من جنس الكلام فانه اجابة للداعى والدليل عليه كاف الخطاب فيه * قال (وإذا ذكر سجدتين من ركعتين بدأ بالاولى منهما) لان القضاء معتبر بالاداء كما ان الثانية تترتب على الاولى في الاداء فكذلك في القضاء وعند الشافعي رضى الله تعالى عنه من ترك سجدة وصلى بعدها ركعة أو ركعتين يأتي بتلك السجدة ويعيد ما صلى بعدها لانه حصل قبل أوانه وهو بناء على أصله أن زيادة ركعة أو ركعتين كزيادة ما دون الركعة في احتمال الالغاء فأما عندنا زيادة الركعة الواحدة لا تحتمل الالغاء والركعة تتقيد بالسجدة الواحدة فأداء الركعة الثانية إذا معتبر فليس عليه الاقضاء المتروك وترك السجود مخالف لترك الركوع لان كل سجود لم يسبقه ركوع لا يعتد به فان السجود تتقيد الركعة به وذلك لا يتحقق قبل الركوع وكذلك إذا كانت احداهما لتلاوة وقال زفر رحمه الله يبدأ بالصلاتية لانها أقوى ولكنا نقول القضاء معتبر بالاداء فإذا كانت سجدة التلاوة من الركعة الاولى والصلاتية من الركعة الثانية بدأ بالتلاوة لتقدم وجوبها * قال (وإذا سلم وانصرف ثم تذكر ان عليه سجدة صلاتية أو سجدة تلاوة فان كان في المسجد ولم يتكلم عاد إلى صلاته استحسانا) وفي القياس إذا صرف وجهه عن القبلة لم يمكنه أن يعود إلى صلاته وهى رواية عن محمد رحمه الله تعالى فان صرف الوجه عن القبلة مفسد للصلاة كالكلام فيمنعه من البناء

[ 227 ] . وجه الاستحسان هو أن المسجد مكان الصلاة فبقاؤه فيه كبقائه في مكان الصلاة والدليل على أنه في حكم مكان واحد صحة الاقتداء بالامام لمن هو في المسجد وان كان بينهما فرجة صرف الوجه عن القبلة غير مفسد للصلاة كما في حق الملتفت في الصلاة وان كان قد خرج من المسجد استقبل الصلاة في الصلاتية خاصة لما بينا أنها ركن والخروج من مكان الصلاة يمنعه من البناء وان كان في الصحراء فان تذكر قبل أن يجاوز أصحابه عاد في الصلاة لان بحكم اتصال الصفوف صار ذلك الموضع كالمسجد بدليل صحة الاقتداء ولم يذكر في الكتاب إذا كان يمشى أمامه قيل وقته بقدر الصفوف خلفه اعتبارا لاحد الجانبين بالآخر والاصح أنه إذا جاوز موضع سجوده فذلك في حكم خروجه من المسجد يمنعه من البناء بعد ذلك * قال (رجل صلى الظهر خمس ركعات ولم يقعد في الرابعة قال صلاته فاسدة) وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه لا تفسد لما روى أن النبي صلى الظهر خمسا ولم ينقل أنه كان قعد في الرابعة ولا أنه أعاد صلاته وهو بناء على الاصل الذى بينا أن الركعة الكاملة في احتمال النقص وما دونها سواء فكما أنه لو تذكر قبل أن يقيد الخامسة بالسجدة تمكن من اصلاح صلاته بالعود إلى القعود فكذلك بعد ما قيدها بالسجدة (ولنا) انه اشتغل بالنفل قبل اكمال الفريضة ولان القعدة من أركان الصلاة والركعة الخامسة نفل لا محالة لان الظهر لا يكون أكثر من أربع ركعات ومن ضرورة استحكام شروعه في النفل خروجه عن الفرض والخروج من الفرض قبل اكماله مفسد للفرض بخلاف ما قبل تقيد الركعة بالسجدة لان ما دون الركعة ليس لها حكم الصلاة حتى أن من حلف أن لا يصلى لم يحنث بما دون الركعة فلم يستحكم شروعه في النفل بما دون الركعة والحديث تأويله أنه كان قعد قدر التشهد في الرابعة بدليل أنه قال صلى الظهر والظهر اسم لجميع أركان الصلاة ومنها القعدة وهو الظاهر فانما قام إلى الخامسة على تقدير انها هي القعدة الاولى حملا لفعل رسول الله عليه وسلم على ما هو أقرب إلى الصواب * قال (وأحب إلى أن يشفع الخامسة بركعة ثم يسلم ثم يستقبل الظهر) وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى فأما عند محمد رحمه الله تعالى فبالفساد يصير خارجا من الصلاة لان للصلاة عنده جهة واحدة ولان ترك القعدة في التطوع في كل شفع عنده مفسد للصلاة فأما عندهما تفسد الفريضة ويبقى أصل الصلاة تطوعا فيشفعها بركعة واحدة لان

[ 228 ] ترك القعدة عقيب كل شفع عندهما غير مفسد للتطوع وان كان قعد في الرابعة قدر التشهد فقد تمت الظهر والخامسة تطوع لان قيامه إلى النافلة كان بعد اكمال الفرض فلا يفسد به الفرض ويشفع الخامسة بركعة فيكون متطوعا بركعتين وان لم يفعل فلا شئ عليه وقال زفر رحمه الله تعالى عليه قضاء ركعتين وهو بناء على ما إذا شرع في صوم أو في صلاة على ظن انه عليه لان شروعه ههنا في الخامسة على ظن انها عليه والاولى أن يشفعها بركعة لان ما دون الركعة لا يكون صلاة تامة كما قال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه والله ما أخرت ركعة قط وإذا شفعها بركعة فعليه ان يسجد للسهو استحسانا وفى القياس لا سهو عليه لان تمكن السهو كان في الفرض وقد أدى بعدها صلاة أخرى وفى الاستحسان انما بنى النفل على التحريمة التى يمكن فيها السهو فيأتى بسجود السهو لبقاء التحريمة وهو قياس المسبوق الذى قدمناة والاصح أن هاتين الركعتين لا تنوبان عن السنة التى بعد الظهر لان شروعه كان لا عن قصد ولهذا لم يلزمه والسنة ما شرع فيه عن قصد الاقتداء برسول الله فيما واظب عليه * قال (رجل افتتح الصلاة فقرأ وركع ولم يسجد ثم قام فقرأ وسجد ولم يركع فهذا قد صلى ركعة) لان ركوعه الاول توقف على ان يتقيد بالسجدة والقيام والقراءة بعده غير معتد به فحين سجد تقيد ركوعه به فكان مصليا ركعة واحدة وكذلك ان ركع أولا ثم قرأ وركع وسجد فانما صلى ركعة لان ركوعه الاول حصل في أوانه والثانى وقع مكررا فلا يعتد به فبسجوده يتقيد الركوع الاول وكذلك ان قرأ أولا وسجد سجدتين ولم يركع ثم قام فقرأ وركع ولم يسجد ثم قام فقرأ وسجد ولم يركع فانما صلى ركعة لان سجوده الاول حصل قبل أوانه فلا يعتد به فحين قرأ وركع توقف هذا الركوع على التقيد بسجود بعده فحين سجد بعد القراءة تقيد به ذلك الركوع فكان مصليا ركعة وكذلك ان ركع في الاولى ولم يسجد وركع في الثانية ولم يسجد وسجد في الثالثة ولم يركع فانما صلى ركعة واحدة لان الركوع الاول توقف على السجود فحين سجد في الثالثة تقيد بها الركوع الاول فصار مصليا ركعة وعليه سجود السهو لتمكن السهو له بما زاد ولا تفسد صلاته الا في رواية عن محمد رحمه الله تعالى فانه يقول زيادة السجدة الواحدة كزيادة الركعة بناء على أصله أن السجدة الواحدة قربة بيانه في سجود الشكر فأما عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى السجدة الواحدة ليست بقربة الا سجدة التلاوة وزيادة ما دون الركعة لا يكون مفسدا للصلاة * قال (وإذا سها المصلى

[ 229 ] فسجد في ركعة واحدة ثلاث سجدات أو ركع ركوعين لم تفسد صلاته) لما بينا أنه انما زاد ما دون الركعة * قال (وإذا سها الامام ثم أحدث فاستخلف مسبوقا فأتم المسبوق بقية صلاة الامام تأخر من غير أن يسلم) لان عليه القضاء لما فاته فكان عاجزا عن التسليم وأوان سجود السهو ما بعد التسليم فقلنا يتأخر ويقدم مدركا يسلم بهم ويسجد سجدتي السهو وسجد هو معهم كما لو كان الامام الاول هو الذى يسجد لسهوه ثم يقوم إلى قضاء ما سبق به وحده وان لم يسجد مع خليفته سجد للسهو في آخر صلاته استحسانا وقد بينا هذا في حق الامام الاول فكذلك هنا * قال (وكذلك المقيم خلف المسافر يتابعه في سجود السهو) ثم يقوم إلى اتمام صلاته وان سها فيما يقضى سجد أيضا * وهذه ثلاث فصول * أحدها في المسبوق وقد بيناه * والثانى في اللاحق إذا نام خلف الامام أو أحدث فذهب وتوضأ ثم جاء فانه يبدأ باتمام صلاته أولا ولا يتابع الامام في سجود السهو قبل اتمام صلاته لان اللاحق في حكم المقتدى فيما يتم وسهو المقتدى متعطل ولهذا لا يقرأ فيما يتم والمسبوق يقضى كالمنفرد ولهذا تلزمه القراءة فيلزمه سجود السهو أيضا ولا يقوم إلى القضاء الا بعد اتمام خروج الامام من صلاته وذلك بعد سجود السهو * والثالث في المقيم خلف المسافر إذا قام إلى اتمام صلاته لم تلزمه القراءة فيما يتم رواية واحدة لان فرض القراءة في الاوليين وقراءة الامام فيهما تكون قراءة له فأما في حكم السهو ففى الكتاب جعله كالمسبوق فقال يتابع الامام في سجود السهو وإذا سها فيما يتم فعليه سجود السهو أيضا لانه في الاتمام غير مقتدو كيف يكون مقتديا فيما ليس على امامه والامام لو أتم صلاته أربعا كان متنفلا في الاخريين ولو جعلناه مقتديا فيهما كان كاقتداء المفترض بالمتنفل وذكر الكرخي رحمه الله تعالى في مختصره أنه كالاحق لا يتابع الامام في سجود السهو وإذا سها فيما يتم لم يلزمه سجود السهو لانه مدرك لاول الصلاة فكان في حكم المقتدى فيما يؤديه بتلك التحريمة كاللاحق * قال (وان سجد اللاحق مع الامام للسهو لم يجزه) لانه سجد قبل أوانه في حقه فعليه أن يعيد إذا فرغ من قضاء ما عليه ولكن لا تفسد صلاته لانه ما زاد الا سجدتين (فان قيل) أليس أن المسبوق لو تابع الامام في سجود السهو تبين أنه لم يكن على الامام سهو فصلاة المسبوق فاسدة وما زاد الا سجدتين (قلنا) فساد صلاته ليس للزيادة بل لانه اقتدى في موضع كان عليه الانفراد في ذلك الموضع ومثله غير موجود هاهنا فاللاحق مقتد في جميع ما يؤدى

[ 230 ] فلهذا لم تفسد صلاته * قال (ولو كان الامام لم يقرأ في الاوليين ثم اقتدى به انسان في الاخريين فقرأ الامام فيهما ثم قام المسبوق إلى قضاء ما سبق به فعليه القراءة وان ترك ذلك لم تجزئه صلاته) لان الامام قضى في الاخريين ما فاته من القراءة في الاوليين والفائت إذا قضى التحق بمحله فكأنه قرأ في الاوليين ما فاته من القراءة فلهذا يجب على المسبوق القراءة أيضا بخلاف المقيم خلف المسافر فان القراءة من الامام في الاوليين كانت أداء والمقيم شريكه فيهما وكذلك إذا كان المسبوق قرأ خلف الامام فيما صلى معه فعليه القراءة فيما يقضى لان قراءته فيما هو مقتد فيه مكروهة غير معتد بها فلا يتأدى بها فرض القراءة في حقه * قال (وإذا قام المسبوق إلى قضاء ما عليه بعد ما تشهد الامام قبل أن يسلم فقضاه أجزأه) لان قيامه حصل بعد فراغ الامام من أركان الصلاة ولكنه مسئ في ترك الانتظار لسلام الامام فان أوان قيامه للقضاء ما بعد خروج الامام من الصلاة فان قام إليه وقضى قبل أن يقعد الامام قدر التشهد لم يجزه لان قيامه كان قبل أوانه فان الامام لم يفرغ من أركان الصلاة بعد لان القعدة من أركانها. ثم فسر هذه المسألة في نوادر أبى سليمان فقال ان كان مسبوقا بركعة أو بركعتين فان قرأ بعد فراغ الامام من التشهد مقدار ما يتأدى به فرض القراءة جازت صلاته والافلا لان قيامه وقراءته غير معتد بهما ما لم يفرغ الامام من التشهد ويجعل هو في الحكم كالقاعد معه لان ذلك مستحق عليه فانما تعتبر قراءته بعد فراغ الامام من التشهد وان كان مسبوقا بثلاث ركعات فان لم يركع حتى فرغ الامام من التشهد ثم ركع وقرأ في الركعتين بعد هذه جازت صلاته وان كان ركع قبل فراغ الامام من التشهد لم تجزه صلاته لان القيام فرض في كل ركعة فلا يعتد بقيامه ما لم يفرغ الامام من التشهد ففرض القراءة هو الركعتان فإذا فرغ الامام من التشهد قبل أن يركع هو فقد وجد القيام في هذه الركعة والقراءة في الركعتين بعده فتجوز صلاته وان كان ركع قبل فراغ الامام من التشهد فلم يوجد منه قيام معتد به في هذه الركعة فلهذا فسدت صلاته وان كان قام بعد ما تشهد الامام وعليه سجود السهو فقرأ وركع فانه يرفض ذلك ويخر فيسجد مع الامام لانه لم يستحكم انفراده بأداء ما دون الركعة فعليه أن يعود إلى متابعة الامام ثم يقوم للقضاء ولا يعتد بما كان يصنع لانه صار رافضا لها بالعود إلى المتابعة فان لم يعد إلى المتابعة جازت صلاته ويسجد للسهو في آخر صلاته استحسانا * قال (وان كان ركع وسجد ثم عاد

[ 231 ] الامام إلى سجود السهو لم يعد إلى متابعته) لانه قد استحكم انفراده بأداء ركعة كاملة وان عاد إلى متابعته فسدت صلاته لانه اقتدى في موضع كان عليه الانفراد في ذلك الموضع * وهذه ثلاث فصول * أحدها في السهو وقد بيناه * والثانى في الصلاتية إذا تذكر الامام سجدة صلاتية بعد ما قام المسبوق إلى القضاء فان لم يكن قيد الركعة بالسجدة عاد إلى متابعة الامام فيها وسجد وان لم يفعل فصلاته فاسدة وان كان قيد ركعته بالسجدة فصلاته فاسدة عاد إلى المتابعة أو لم يعد لان الصلاتية من أركان الصلاة ألا ترى أن الامام لو لم يأت بها كانت صلاته فاسدة فكذلك إذا لم يتابعه المسبوق بها وبعد اكمال الركعة هو عاجز عن المتابعة * والثالث إذا تذكر الامام سجدة التلاوة فان كان المسبوق لم يقيد ركعته بالسجدة فعليه أن يعود إلى متابعة الامام وان لم يفعل فصلاته فاسدة لان عود الامام إلى سجدة التلاوة يرفع القعدة بدليل أنه لو لم يقعد بعدها لم تجز صلاته والقعدة من أركانها كالصلاتية وان كان المسبوق قيد ركعته بالسجدة قبل أن يعود الامام إلى سجدة التلاوة ثم عاد الامام فان تابعه المسبوق فصلاته فاسدة رواية واحدة وان لم يتابعه ففيه روايتان قال في الاصل صلاته فاسدة أيضا لان عود الامام إلى سجدة التلاوة ينقض القعدة وهو والصلاتية سواء وفى نوادر أبى سليمان لا تفسد صلاته لانه لو ترك تلك القعدة جازت صلاته بخلاف الصلاتية. وفقه هذا أن قعوده كان معتدا به وانما انتقض في حقه بالعود إلى سجدة التلاوة وذلك بعد ما استحكم انفراد المسبوق عنه فلا يتعدى حكمه ألا ترى أن اماما لو صلى بقوم ثم ارتد بطلت صلاته ولا تبطل صلاة القوم وكذلك لو صلى الظهر بقوم يوم الجمعة ثم راح إلى الجمعة فادركها انقلب المؤدي في حقه تطوعا وبقى فرضا في حق القوم * قال (وإذا اقتدى أحد المسبوقين بالآخر فيما يقضيان فسدت صلاة المؤتم) لانه اقتدى في موضع كان عليه الانفراد ولانه كان مقتديا بالامام الاول في بعض صلاته والاخر ليس بخليفة الاول وكان هذا أداء صلاة بامامين وذلك لا يجوز لما بينا وكذلك المقيمان خلف المسافر إذا قاما إلى اتمام صلاتهما فاقتدى أحدهما بالآخر فصلاة المقتدى فاسدة لما بينا * قال (وإذا اقتدى مصلى التطوع بمصلى الظهر في القعدة الاخيرة فعليه قضاء أربع ركعات) وكذلك لو اقتدى به في أول الصلاة ثم قطعها لانه صار بالاقتداء ملتزما صلاة الامام وصلاة الامام أربع ركعات * قال (وإذا افتتح الظهر وهو ينوى أن يصليها ستا ثم بداله فسلم على الاربع تمت صلاته)

[ 232 ] وليس عليه شئ لانه أساء فيما نوى ثم ندم والندم توبة ومجرد النية لا يوجب شيئا ما لم يشرع وانما حصل شروعه في الظهر والظهر لا يكون أكثر من أربع ركعات وقد أداها (وكذلك لو افتتحها المسافر ينوى أن يصليها أربعا ثم بدا له فصلى ركعتين فصلاته تامة) لان الظهر في حق المسافر ركعتان كالفجر في حق المقيم فنية الزيادة على ذلك لغو وكذلك لو نوى أن يقطعها بكلام أو غيره فتلك النية ساقطة ما لم يعمل بها لقوله عليه الصلاة والسلام ان الله تجاوز عن أمتى ما حدثت به أنفسهم ما لم يتكلموا أو يعملوا * قال (وإذا لم يقرأ في ركعة من التطوع أو في ركعة من الفجر فسدت صلاته) لان فرض القراءة في الركعتين والقراءة في الركعة الواحدة وان طالت لا تنوب عن القراءة في الركعتين ولا يمكنه أن يصلى بعد الركعة ركعتين لان الفجر لا يكون ثلاث ركعات فلهذا تعين جهة الفساد في صلاته * قال (وإذا توهم مصلى الظهر أنه قد أتمها فسلم ثم علم أنه صلى ركعتين وهو على مكانه فانه يتمها ثم يسجد للسهو لان سلامه كان سهوا فلم يصر به خارجا من الصلاة وهذا بخلاف ما إذا ظن أنه مسافر أو أنه يصلى الجمعة فسلم على رأس الركعتين فصلاته فاسدة لانه علم بالقدر الذى أدى فسلامه سلام عمد وذلك قاطع لصلاته وظنه ليس بشئ فأما إذا كان عنده ان هذه هي القعدة الاخيرة فسلامه سلام سهو فلم تفسد به صلاته * قال (وإذا لم يسلم ولكنه نوى القطع لصلاته والدخول في صلاة أخرى تطوعا وهو ساه وقد كبر ثم ذكر ذلك فانه يمضى على التطوع ثم يعيد الظهر) لان تكبيره بنية التطوع قطع لما كان فيه وشروع في التطوع فيتم ما شرع فيه ثم يعيد ما كان قطعه قبل اتمامه * قال (وإذا سها الامام في صلاة الخوف سجد للسهو وتابعه فيهما الطائفة الثانية فأما الطائفة الاولى فانما يسجدون إذا فرغوا من الاتمام) لان الطائفة الثانية بمنزلة المسبوقين لم يدركوا مع الامام أول الصلاة والطائفة الاولى بمنزلة اللاحقين قد أدركوا مع الامام أول الصلاة * قال (رجل افتتح الصلاة فقرأ ثم شك في تكبيرة الافتتاح وأعاد التكبير والقراءة ثم علم أنه كان كبر فعليه سجود السهو) لانه زاد على التكبيرة والقراءة ساهيا وكذلك ان كان ركع قبل أن يشك بنى على ذلك الركوع وليس تكبير الثاني يقطع الصلاة لانه نوى عندها ايجاد الموجود ونية الايجاد فيما هو موجود لغو بقى مجرد التكبير وهو ليس يقطع الصلاة. وان كان في الظهر فتوهم انه في العصر وصلى في ذلك ركعة أو ركعتين فلا سهو عليه لانه ساعين شيئا من أفعال الصلاة وتعين النية كأصلها شرط

[ 233 ] افتتاح الصلاة لا شرط البقاء فان تفكر في ذلك تفكرا شغله عن ركن فعليه سجود السهو وقد بينا * قال (وإذا قعد المصلى في آخر صلاته قدر التشهد ثم شك في شئ من صلاته حتى شغله ذلك عن التسليم ثم ذكر أنه في الصلاة فسلم فعليه سجود السهو) لتأخيره السلام ولهذا قلنا أوان سجود السهو ما بعد السلام لان بعد الفراغ من التشهد قبل السلام أوان وجوب سجود السهو فيؤخر الاداء عنه كما قبل القعدة وان عرض له ذلك بعد ما سلم تسليمة واحدة فلا سهو عليه لانه بالتسليمة الواحدة صار خارجا من الصلاة والثانية لتعميم القوم بها فلم يتمكن له سهو في صلاته * قال (وإذا أحدث في صلاته فذهب فتوضأ فعرض له هذا الشك حتى شغله عن وضوئه ساعة فعليه سجدتا السهو) لان حرمة الصلاة باقية بعد الحدث فانما تمكن له هذا السهو في صلاته * قال (وإذا صلى ركعتين تطوعا وسها فيهما فسجد لسهوه بعد التسليم ثم أراد أن يبنى عليهما ركعتين لم يكن له ذلك) لانه لو فعل كان سجوده للسهو في وسط الصلاة وذلك غير مشروع بخلاف المسافر إذا صلى الظهر ركعتين وسجد للسهو ثم نوى الاقامة فانه يقوم لاتمام صلاته لان هناك ان حصل سجود السهو في خلال الصلاة فذلك لمعنى شرعى لا يفعل مباشرة باختياره. وحقيقة الفرق أن السلام محلل ثم بالعود إلى سجود السهو تعود حرمة الصلاة للضرورة وهذه الضرورة فيما يرجع إلى إكمال تلك الصلاة لا في صلاة أخرى ونية الاقامة عملها في وجوب اكمال تلك الصلاة فيظهر عود الحرمة في حقها فأما كل شفع من التطوع صلاة على حدة ولم تعد الحرمة في حق صلاة أخرى فلهذا لا يمكنه أن يبنى عليها ركعتين * قال (رجل صلى العشاء فسها فيها فقرأ آية التلاوة ولم يسجدها وترك سجدة من ركعة ساهيا ثم سلم فان كان ناسيا للكل لم تفسد صلاته) لان هذا سلام السهو (وان كان ذاكر للصلاتية حين سلم فصلاته فاسدة) لانه سلام عمد (وان كان ذاكرا لسجدة التلاوة ناسيا للصلاتية فصلاته فاسدة) أيضا وروى أصحاب الاملاء عن أبى يوسف رحمه الله تعالى انه لا تفسد صلاته ووجهه أن سجدة التلاوة من الواجبات دون الاركان فسلامه فيما هو ركن سلام سهو وذلك لا يفسد الصلاة ووجهه ظاهر الرواية أنه سلم وهو ذاكر لواجب يؤدى قبل السلام فكان سلامه قطعا لصلاته وانما قطعها قبل اتمام أركانها ولانا لو لم تفسد صلاته حتى يأتي بالصلاتية لزمنا أن نقول يأتي بسجدة التلاوة أيضا لبقاء التحريمة ولا وجه إلى ذلك فقد سلم وهو ذاكر

[ 234 ] للتلاوة فكان قطعا في حقه وقراءة التشهد الاخير في هذا الحكم كسجدة التلاوة لانه واجب ليس بركن * قال (وإذا قرأ الرجل في الصلاة شيئا من التوراة والانجيل والزبور وهو يحسن القرآن أو لا يحسنه لم تجزئه) لانه كلام ليس بقرآن ولا تسبيح ومعنى هذا أن قد ثبت لنا أنهم قد حرفوا وبدلوا فلعل ما قرأ مما حرفوه وهذا كلام الناس ولان النقل المتواتر الذى لا يثبت كلام الله الا به غير موجود فيما هو في أيديهم الآن والواجب عليه بالنص قراءة القرآن وهذا ليس بقرآن فلا يقطع القول بأن ما قرأ كلام الله تعالى فلهذا فسدت صلاته وقيل هذا إذا لم يكن موافقا لما في القرآن وأما إذا كان ما قرأ موافقا لما في القرآن تجوز به الصلاة عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لانه تجوز قراءة القرآن بالفارسية وغيرها من الالسنة فيجعل كأنه قرأ القرآن بالسريانية والعبرانية فتجوز الصلاة عنده لهذا * قال (وان نسى القنوت في الوتر ثم ذكر بعد ما رفع رأسه من الركوع لم يقنت) لانه سنة فاتت عن موضعها فان أوان القنوت قبل الركوع وما كان سنة في محله يكون بدعة في غير محله ولانه لو قنت لكان بعد الركوع والفرض لا ينتقض بالسنة وبه فارق قراءة السورة لان القراءة ركن وإذا قرأ السورة كان مفترضا فيما يقرأ فينتقض به الركوع * قال (وإذا تذكر القنوت وهو راكع ففيه روايتان * في احداهما يعود لان حالة الركوع كحالة القيام ولهذا لو أدرك الامام فيها كان مدركا للركعة ولهذا يعود لتكبيرات العيد إذا ذكرها في الركوع فكذلك للقنوت. وفي الرواية الاخرى لا يعود للقنوت لان الركوع فرض ولا يترك الفرض بعد ما اشتغل به للعود إلى السنة كما لو قام إلى الثالثة قبل أن يقعد بخلاف تكبيرات العيد فانها لم تسقط فالركوع محل لها حتى إذا أدرك الامام في الركوع يأتي بها فلهذا يعود لاجلها فأما القنوت فقد سقط بالركوع لانه ليس بمحل له فالقنوت مشبه بالقراءة وحالة الركوع ليس بحالة القراءة فبعد ما سقط لا يعود لاجله وعليه سجدة السهو على كل حال عاد أو لم يعد قنت أو لم يقنت لتمكن النقصان في صلاته لسهوه * قال (ولو صلى ركعتين تطوعا فسها فيهما وتشهد ثم قام فصلى ركعتين فعليه أن يسجد لسهوه في الاوليين) لان الشفع الثاني مبنى على التحريمة التى تمكن فيها السهو فلا يمنعه من أداء سجود السهو والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب

[ 235 ] (باب صلاة المسافر) قال رضى الله تعالى عنه (وأقل ما يقصر فيه الصلاة في السفر إذا قصد مسيرة ثلاثة أيام) وفسره في الجامع الصغير بمشى الاقدام وسير الابل فهو الوسط لان أعجل السير سير البريد وأبطأ السير سير العجلة وخير الامور أوسطها وهذا مذهب ابن عباس رضى الله تعالى عنهما واحدى الروايتين عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما وعنه في رواية أخرى التقدير بيوم وليلة وهو قول الزهري والاوزاعي رحمهما الله تعالى وقال مالك رحمه الله تعالى أربعة برد كل بريد اثنا عشر ميلا واستدل بحديث مجاهد وعطاء أن النبي قال يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة فيما دون مكة إلى عسفان وذلك أربعة برد وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه في قول التقدير بيوم وليلة وفي قول التقدير بستة وأربعين ميلا لحديث مجاهد رضى الله تعالى عنه قال سألت ابن عمر رضى الله تعالى عنه عن أدنى مدة السفر فقال أتعرف السويداء فقلت قد سمعت بها فقال كنا إذا خرجنا إليها قصرنا ومن السويداء إلى المدينة ستة وأربعون ميلا وقال نفاة القياس لا تقدير لادنى مدة السفر لظاهر قوله تعالى وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح الآية فاثبات التقدير يكون زيادة ولكنا نقول ثبت بالنص أن المراد السفر وقد قال في آية أخرى فمن كان منكم مريضا أو على سفر والخارج إلى حانوت أو إلى ضيعة لا يسمى مسافرا فلا بد من اثبات التقدير لتحقيق اسم السفر وانما قدرنا بثلاثة ايام لحديثين. أحدهما قوله لا تسافر المرأة فوق ثلاثة أيام ولياليها الا ومعها زوجها أو ذو رحم محرم منها معناه ثلاثة أيام وكلمة فوق صلة كما في قوله تعالى فاضربوا فوق الاعناق وهي لا تمنع من الخروج لغيره بدون المحرم. وقال يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها فهو تنصيص على أن مدة السفر لا تنقص عما يمكن استيفاء هذه الرخصة فيها والمعنى فيه أن التخفيف بسبب الرخصة لما فيه من الحرج والمشقة ومعنى الحرج والمشقة أن يحتاج إلى أن يحمل رحله من غير أهله ويحطه في غير أهله وذلك لا يتحقق فيما دون الثلاثة لان في اليوم الاول يحمل رحله من غير أهله وفى اليوم الثاني إذا كان مقصده يحطه في أهله وإذا كان التقدير بثلاثة أيام ففى اليوم الثاني يحمل رحله من غير أهله ويحطه في غير أهله فيتحقق معني الحرج فلهذا قدرنا بثلاثة أيام ولياليها ولهذا قدر

[ 236 ] بعض اصحابنا بثلاث مراحل لان المعتاد من السفر في كل يوم مرحلة واحدة خصوصا في أقصر أيام السنة وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه قدر بيومين والاكثر من اليوم الثالث فأقام الاكثر من اليوم الثالث مقام الكمال وهكذا رواه الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى وابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى لانه إذا بكر واستعجل في اليوم الثالث وصل إلى المقصد قبل غروب الشمس فأقمنا الاكثر من اليوم الثالث مقام الكمال ولا معنى للتقدير بالفراسخ فان ذلك يختلف باختلاف الطرق في السهول والجبال والبحر والبر وانما التقدير بالايام والمراحل وذلك معلوم عند الناس فيرجع إليهم عند الاشتباه فإذا قصد مسيرة ثلاثة أيام قصر الصلاة حين تخلف عمران المصر لانه ما دام في المصر فهو ناوى السفر لا مسافر فإذا جاوز عمران المصر صار مسافرا لاقتران النية بعمل السفر والاصل فيه حديث على رضى الله تعالى عنه حين خرج من البصرة يريد الكوفة صلى الظهر أربعا ثم نظر إلى خص أمامه فقال لو جاوزنا ذلك الخص صلينا ركعتين * قال (وأقل مدة الاقامة خمسة عشر يوما) وهو قول ابن عمر وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه أربعة أيام وهو قول عثمان رضى الله تعالى عنه فانه كان يقول من أقام أربعا صلى أربعا ولم يأخذ به لحديث جابر رضى الله تعالى عنه أن النبي دخل مكة صبيحة الرابع من ذى الحجة وخرج منها إلى منى في الثامن من ذى الحجة وكان يقصر الصلاة حتى قال بعرفات يا أهل مكة أتموا صلاتكم فانا قوم سفر وانما قدرنا بخمسة عشر يوما لان التقدير انما يكون بالايام أو بالشهور والمسافر لا يجد بدا من المقام في المنازل أياما للاستراحة أو لطلب الرفقة فقدرنا أدنى مدة الاقامة بالشهور وذلك نصف شهر ولان مدة الاقامة في معنى مدة الطهر لانه يعيد ما سقط من الصوم والصلاة فكما يتقدر أدنى مدة الاقامة في معنى الطهر بخمسة عشر يوما فكذلك أدنى مدة الاقامة ولهذا قدرنا أدنى مدة السفر بثلاثة أيام اعتبارا بأدنى مدة الحيض واستدل الشافعي رضى الله تعالى عنه بما روى أن النبي رخص للمهاجرين بالمقام بمكة بعد قضاء المناسك ثلاثة أيام فهو دليل على أن بالزيادة على ذلك يثبت حكم الاقامة ولكنا نقول انما قدرنا بهذا لانه علم أن حوائجهم كانت ترتفع في هذه المدة لا لتقدير أدنى مدة الاقامة * قال (وإذا قدم الكوفى مكة وهو ينوى أن يقيم فيها وبمنى خمسة عشر يوما فهو مسافر) لان نية الاقامة ما يكون في موضع واحد فان الاقامة ضد السفر والانتقال من

[ 237 ] أرض إلى أرض يكون ضربا في الارض ولو جوزنا نية الاقامة في موضعين جوزنا فيما زاد على ذلك فيؤدى إلى القول بأن السفر لا يتحقق لانك إذا جمعت اقامة المسافر المراحل ربما يزيد ذلك على خمسة عشر يوما وهذا إذا نوى الاقامة في موضعين بمكة ومنى والكوفة والحيرة فان كان عزم على أن يقيم بالليالى في أحد الموضعين ويخرج بالنهار إلى الموضع الآخر فان دخل أولا الموضع الذى عزم على المقام فيه بالنهار لا يصير مقيما وان دخل الموضع الذى عزم على الاقامة فيه بالليالى يصير مقيما ثم بالخروج إلى الموضع الآخر لا يصير مسافرا لان موضع اقامة الرجل حيث يثبت فيه ألا ترى أنك إذا قلت للسوقى أين تسكن يقول في محلة كذا وهو بالنهار يكون في السوق * وكان سبب تفقه عيسى بن أبان هذه المسألة فانه كان مشغولا بطلب الحديث قال فدخلت مكة في أول العشر من ذى الحجة مع صاحب لى وعزمت على الاقامة شهرا فجعلت أتم الصلاة فلقينى بعض أصحاب أبى حنيفة رحمه الله تعالى فقال أخطأت فانك تخرج إلى منى وعرفات فلما رجعت من منى بدا لصاحبي أن يخرج وعزمت أن أصاحبه فجعلت أقصر الصلاة فقال لى صاحب أبى حنيفة أخطأت فانك مقيم بمكة فما لم تخرج منها لا تكون مسافرا فقلت أخطأت في مسألة في موضعين ولم ينفعني ما جمعت من الاخبار فدخلت مجلس محمد رحمه الله تعالى واشتغلت بالفقه * قال (فان لم يعزم على الاقامة مدة معلومة ولكنه مكث أياما في المصر وهو على عزم الخروج لا يصير مقيما عندنا وان طال مكثه) وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه إذا زاد على ثمان عشرة ليلة أتم الصلاة لان النبي أقام بمكة بعد الفتح ثمان عشرة ليلة وكان يقصر الصلاة والقياس أن السفر ينعدم بالمقام لانه ضده تركناه في هذه المدة للنص فبقى ما رواه على أصل القياس (ولنا) ماروى عن النبي أنه أقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة وابن عمر أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة وأنس أقام بنيسابور شهرا يقصر الصلاة وعلقمة بن قيس أقام بخوارزم سنين يقصر الصلاة ولانه لو خرج خلف غريم له لم يصر مسافرا ما لم ينو أدنى مدة السفر وان طاف جميع الدنيا فكذلك لا يصير مقيما ما لم ينو المكث أدنى مدة الاقامة وان طال مقامه اتفاقا * قال (وان خرج من مصره مسافرا بعد ما دخل وقت الصلاة صلى صلاة المسافر عندنا) وقال ابن شجاع رحمه الله تعالى يصلى صلاة المقيم وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه إذا مضى من الوقت مقدار

[ 238 ] ما يصلى فيه أربع ركعات ثم خرج مسافرا صلى أربعا وهو بناء على ان وجوب الصلاة عندهما بأول الوقت فإذا كان مقيما في أول الوقت وجب عليه صلاة المقيمين فلا يسقط ذلك بالسفر وعندنا الوجوب يتعلق بآخر الوقت لانه مخير في أول الوقت بين الاداء والتأخير والوجوب ينفى التخير والتخير ينفى الوجوب ولو مات في الوقت لقى الله تعالى ولا شئ عليه فدل أن الوجوب يتعلق بآخر الوقت فإذا كان مسافرا في آخر الوقت كان عليه صلاة السفر وقال زفر رحمه الله تعالى إذا خرج مسافرا وقد بقى من الوقت مقدار ما يمكنه أن يصلى فيه يصلى صلاة السفر وان كان الباقي من الوقت ما دون ذلك صلى صلاة المقيم لان التأخير لا يسعه إلى وقت لا يتمكن فيه من أداء الصلاة في الوقت ولكنا نقول جزء من الوقت بمنزلة جميعه ألا ترى أن ادراك جزء من الوقت وان قل سبب لوجوب الصلاة فوجود السفر في ذلك الجزء كوجوده في جميع الوقت والدليل عليه أن الصلاة لا تصير دينا في ذمته الا بخروج الوقت فإذا صار مسافرا قبل أن تصير دينا في ذمته صلى صلاة المسافرين فإذا صارت دينا في ذمته بخروج الوقت قبل أن يصير مسافرا لا يتغير ذلك بالسفر ويعتبر جانب السفر بجانب الاقامة فانه لو دخل مصره قبل فوات الوقت صلى صلاة المقيمين وان كان الباقي من الوقت شيئا يسيرا فكذلك في جانب السفر ولا يحتاج إلى نية الاقامة إذا دخل مصره لان النبي كان يخرج مسافرا إلى الغزوات ثم يعود إلى المدينة ولا يجدد نية الاقامة * قال (وإذا قرب المسافر مصره فحضرت الصلاة صلى صلاة المسافر ما لم يدخل مصره) لان عليا رضى الله تعالى عنه صلى صلاة السفر وهو ينظر إلى بيوت الكوفة حين قدمها من البصرة وهكذا روى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال للمسافر صلى ركعتين ما لم تدخل منزلك ولانه في موضع لو خرج من المصر إليه على قصد السفر صار مسافرا فلان يبقى مسافرا بعد وصوله إليه أولى وان كان خرج من مصره مسافرا ثم بدا له أن يرجع إلى مصره لحاجة له قبل أن يسير مسيرة ثلاثة أيام صلى صلاة المقيم في انصرافه لانه فسخ عزيمة السفر بعزمه على الرجوع إلى وطنه وبينه وبين وطنه دون مسيرة السفر فصار مقيما من ساعته بخلاف الاول فانه ماض على سفره ما لم يدخل مصره * قال (رجل خرج من مصره مسافرا فحضرت الصلاة فافتتحها ثم أحدث فانفتل ليأتي مصره فتوضأ ثم علم أن امامه ما صلى فانه يتوضأ ويصلى صلاة المقيم فان تكلم

[ 239 ] صلى صلاة المسافر) لانه من عزم على الانصراف إلى أهله فقد صار مقيما وبعد ما صار مقيما في صلاته لا يصير مسافرا فيها ألا ترى أن المسافر إذا نوى الاقامة في خلال الصلاة يصح والمقيم في السفينة إذا جرت به السفينة لا يصير مسافرا في هذه الصلاة لان السفر عمل وحرمة الصلاة تمنعه عن مباشرة العمل فأما الاقامة ترك السفر وحرمة الصلاة لا تمنع من ذلك فإذا تكلم فقد ارتفعت حرمة الصلاة وهو متوجه أمامه على عزم السفر فصار مسافرا والاصل أن النية متى تجردت عن العمل لا تكون مؤثرة فإذا نوى الاقامة في موضع الاقامة فقد اقترنت النية بعمل الاقامة فصار مقيما وإذا نوى السفر فقد تجردت النية عن العمل ما لم يخرج فلا يصير مسافرا وهو نظير مالو نوى في عبد التجارة أن يكون للخدمة صار للخدمة ولو نوى في عبد الخدمة أن يكون للتجارة لا يصير لها ما لم يتجر فيه * قال (مسافر صلى في سفره أربعا أربعا فان كان قعد في كل ركعتين قدر التشهد فصلاته تامة والاخريان تطوع له وان كان لم يقعد فصلاته فاسدة عندنا) وقال مالك رضى الله تعالى عنه يعيد ما دام في الوقت على كل حال وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه صلاته تامة وكان الاربع فرضا له وهو بناء على أن القصر عزيمة في حق المسافر عندنا وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه رخصة واستدل بقوله تعالى فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة فهو تنصيص على أن أصل الفرض أربع والقصر رخصة وعن على بن ربيعة الوابى قال سألت عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه ما بالنا نقصر الصلاة في السفر ولا نخاف شيئا وقد قال الله تعالى ان خفتم فقال أشكل على ما أشكل عليك فسألت رسول الله فقال انها صدقة تصدق الله عليكم فاقبلوا صدقته فهو تنصيص على أن القصر رخصة وان عائشة رضى الله تعالى عنها كانت تتم الصلاة في السفر وعثمان رضى الله تعالى عنه صلى بعرفات أربع ركعات واعتبر الصلاة بالصوم فان السفر مؤثر فيها ثم الفطر رخصة ومن صام في السفر كان مؤديا للفرض فكذلك القصر في الصلاة (ولنا) حديث عائشة رضى الله تعالى عنها قالت فرضت الصلاة في الاصل ركعتين الا المغرب فانها وتر النهار ثم زيدت في الحضر وأقرت في السفر على ما كانت وعن عمر رضى الله تعالى عنه قال صلاة المسافر ركعتان تام غير قصر على لسان نبيكم وعن ابن عمر رضى الله تعالى عنه قال صلاة المسافر ركعتان من خالف السنة فقد كفر وابن عباس رضى الله تعالى عنه قال صلاة المسافر ركعتان وصلاة الفجر

[ 240 ] ركعتان وسأله رجلان أحدهما كان يتم الصلاة في السفر والثانى يقصر عن حالهما فقال للذى قصر أنت الذي أكملت وقال للآخر أنت قصرت ولما صلى عثمان رضى الله تعالى عنه بعرفات أربعا قال ابن مسعود رضى الله عنه صليت مع رسول الله في هذا المقام ركعتين ومع أبى بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ركعتين ثم اختلف بكم الطرق فليت حظى من الاربع مثل حظي من الركعتين فلما بلغ ذلك إلى عثمان قال انى نأهلت بمكة وسمعت رسول الله يقول من تأهل ببلدة فهو من أهلها فانكار عبد الله ابن مسعود واعتذار عثمان دليل على أن فرض المسافر ركعتان الا أن ابن مسعود أحب أن يأمن عثمان غيره لتكون اقامة الصلاة على هيئة فعل رسول الله وعثمان رضى الله تعالى عنه أقام بنفسه لكثرة الاعراب بعرفات كيلا يظن ظان أن الصلاة في حق المقيم ركعتان والمعنى فيه أن الشفع الثاني ساقط عن المسافر لا إلى بدل وبقاء الفرضية يوجب القضاء أو الاداء فحين لم يثبت في حقه واحد منهما عرفنا أنه لم تبق الفرضية فيما زاد على الركعتين في حقه وأن الظهر في حقه كالفجر في حق المقيم ثم المقيم إذا صلى أربعا فان لم يقعد في الثانية فسدت صلاته لاشتغاله بالنفل قبل اكمال الفرض وان قعد في الثانية جازت صلاته والاخريان تطوع له فكذلك هنا وبه فارق الصوم فان الفرضية لما بقيت هناك لم ينفك عن قضاء أو أداء. وتأويل حديث عائشة رضى الله تعالى عنها ما قيل انها كانت تتنقل من بيت بعض أولادها إلى بيت بعض فلم تكن مسافرة وفى قول رسول الله فاقبلوا صدقته ما يدل على أن القصر عزيمة لانه أمر به والامر يدل على الوجوب وتأويل الآية التجوز في القراءة والاركان عند الخوف فأما صلاة المسافر عرفناه بالسنة كما روينا من الآثار * قال (مسافر صلى الظهر ركعتين وسلم وعليه سهو ثم نوى الاقامة فصلاته تامة) لان نيته لم تصادف حرمة الصلاة عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى فلا يتغير به فرضه وليس عليه سجود السهو لانه لو سجد للسهو كان عائدا إلى حرمة الصلاة فيتغير فرضه بنية الاقامة ويكون سجوده في خلال الصلاة وكما يسجد بترك الاتمام للصلاة فلا فائدة في الاشتغال به وان كان بنية الاقامة بعدما عاد الي سجود السهو قام فأتم صلاته لان نيته حصلت في حرمة الصلاة وعند محمد رحمه الله تعالى هما سواء يقوم فيتم صلاته ثم يسجد للسهو لان عنده بالسلام لا يصير خارجا من الصلاة

[ 241 ] إذا كان عليه سهو وقد بينا هذا * قال (مسافر أم مسافرين ومقيمين فصل بهم ركعة وسجدة ثم أحدث فقدم رجلا دخل معه في الصلاة ساعتئذ وهو مسافر فلا ينبغى لذلك الرجل أن يتقدم) لان غيره أقدر على اتمام صلاة الامام وان تقدم جاز لانه شريك الامام وينبغي له أن يسجد تلك السجدة لانه خليفة الاول فيبدأ بما كان على الامام الاول أن يبدأ به فان لم يفعله ولكنه صلى بهم ركعة وسجدة ثم أحدث فقدم رجلا جاء ساعتئذ فذهب وتوضأ ورجع الامام الاول والثانى قال يسجد الثالث السجدة الاولى لانه خليفة الامامين ويسجدها معه الامام الاول والقوم لانهم صلوا تلك الركعة فاتما بقى عليهم تلك السجدة ولا يسجدها الامام الثاني لانه مسبوق في تلك الركعة فعليه اعادتها فلا يبدأ بالسجدة منها وفي نوادر أبى سليمان قال يسجدها معهم لانه كالمقتدى بالامام الثالث فيتابعه فيما يأتي به وان لم يكن محسوبا من صلاته كمن أدرك الامام في السجود ثم سجد السجدة الاخرى وسجدها معه الامام الثاني والقوم لانهم صلوا هذه الركعة ولا يسجدها معه الامام الاول الا أن يكون صلى تلك الركعة وانتهى إلى هذه السجدة فحينئذ سجدها لانه لاحق فيبدأ بالاول فالاول ولهذا قلنا يصلى الامام الاول الركعة الثانية بغير قراءة ثم يتشهد الامام الثالث ويتأخر ويقدم رجلا قد أدرك أول الصلاة فيسلم بهم لانه عاجز عن السلام بنفسه فيستعين بمن يقدر عليه ثم يسجد للسهو ويسجدون معه ثم يقوم الثاني فيقضى الركعة التى سبق بها بقراءة ويكمل المقيمون صلاتهم * ثم ذكر بعد هذا فصلين في المقيمين (أحدهما) في اللاحقين إذا صلى الائمة الاربعة كل واحد منهم ركعة وسجدة ثم أحدث الرابع وقدم خامسا وجاء الائمة الاربعة فانه ينبغى للخامس أن يبدأ بالسجدة الاولى ويسجدها معه الائمة والقوم لانهم صلوا تلك الركعة ثم يسجد السجدة الثانية ويسجدونها معه غير الامام الاول فانه لم يؤد تلك الركعة بعد الا أن يكون عجل فصلى الركعة الثانية وأدرك الامام في السجدة الثانية فحينئذ سجد الثالثة ويسجدها معه ثم يسجد الثالثة ويسجدونها معه من غير الامام الاول والثانى لانهما لم يصليا الركعة الثانية ثم يسجد الرابعة ويسجدونها معه غير الامام الاول والثانى والثالث لانهم ما صلوا هذه الركعة بعد ثم يقوم الامام الاول فيقضى ثلاث ركعات والامام الثاني ركعتين والامام الثالث الركعة الرابعة بغير قراءة لانهم مدركون لاول الصلاة ثم يسلم الخامس ويسجد للسهو والقوم معه وكل امام فرغ من اتمام صلاته وأدركه

[ 242 ] تابعه في سجود السهو ومن لم يفرغ أخر سجود السهو إلى آخر صلاته (والفصل الثاني) في الائمة الاربعة إذا كانوا مسبوقين وقد صلى كل واحد منهم ركعة وسجدة ثم أحدث الرابع وقدم رجلا خامسا وتوضأ الائمة الاربعة وجاؤا فينبغي للخامس أن يسجد السجدة الاولى ويسجدها معه القوم والامام الاول ولا يسجدها معه الامام الثاني والثالث والرابع لانهم مسبوقون في تلك الركعة وفي رواية النوادر يسجدونها معه للمتابعة ثم يسجد السجدة الثانية ويسجدها معه القوم والامام الثاني لانه صلى تلك الركعة بعد ولا يسجدها معه الامام الاول لانه ما صلى تلك الركعة بعد ولا الثالث ولا الرابع لانهما مسبوقان في هذه الركعة الا على رواية النوادر ثم يسجد الثالثة ويسجدها معه القوم والامام الثالث لانه صلوا هذه الركعة ولم يسجدوا هذه السجدة ثم يسجد الرابعة ويسجدها معه القوم والامام الرابع ثم يتشهد ويتأخر ويقدم سادسا ليسلم بهم ويسجد سجدتي السهو ثم يقوم الخامس فيصلى أربع ركعات لانه مسبوق فيها فيقرأ في الاوليين وفى الاخريين هو بالخيار وأما الامام الاول يقضى ثلاث ركعات بغير قراءة لانه أدرك أول الصلاة ولا قراءة على اللاحق فيما يقضى والامام الثاني يقضى ركعتين بغير قراءة لانه لا حق فيهما ثم ركعة بقراءة والامام الثالث يقضى الرابعة أولا بغير قراءة ثم يقضى ركعتين بقراءة لانه مسبوق فيهما والامام الرابع يقضى ثلاث ركعات يقرأ في ركعتين منها وفى الثالثة هو بالخيار لانه مسبوق فيها (فان قيل) لماذا أورد هذا المسائل مع تيقن كل عاقل بأنها لا تقع ولا يحتاج إليها (قلنا) لا يتهيأ للمرء أن يعلم ما يحتاج إليه الا بتعلم ما لا يحتاج إليه فيصير الكل من جملة ما يحتاج إليه لهذا الطريق وانما يستعد للبلاء قبل نزوله * قال (مسافر أم مسافرين فصلى بهم ركعة ثم نوى الاقامة فعليه أن يكمل بهم الصلاة) لان نيته استندت إلى أول الصلاة وهم قد التزموا متابعته فعليهم ما عليه من اتمام الصلاة بخلاف ما إذا كان الناوى للاقامة خليفة الامام المسافر لان القوم ما التزموا متابعته وانما لزمهم ذلك لضرورة اصلاح صلاتهم ففيما وراء ذلك ليس عليهم متابعته * قال (امام أحدث فاستخلف مدركا ثم نام خلفه حتى صلى الامام ركعة وقدمه فان تأخر هو وقدم غيره فهو أولى) لان غيره أقدر على اتمام صلاة الامام فانه محتاج إلى البداءة بما فرغ منه الامام وان لم يفعل ولكنه أشار عليهم بأن ينتظروه ليصلى ركعة أولا ثم يصلى بهم بقية الصلاة جاز أيضا لانه شريك الامام

[ 243 ] فيصلح أن يكون خليفة الامام وان لم يفعل ولكنه صلى بهم الثلاث ركعات بقية صلاة الامام وتشهد ثم قدم مدركا وسلم بهم وقام وقضى ما عليه أجزأه ذلك عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى لا يجزئه لانه مأمور بالبداءة بالركعة الاولى فإذا لم يفعل فقد ترك الترتيب المأمور به فتفسد صلاته كالمسبوق إذا بدأ بقضاء ما فاته قبل أن يتابع الامام فيما أدرك معه (ولنا) أن مراعاة الترتيب في أفعال الصلاة الواحدة واجبة وليست بركن ألا ترى أنه لو ترك سجدة من الركعة الاولى إلى آخر صلاته لم تفسد صلاته وان المسبوق إذا أدرك الامام في السجود يتابعه فيه فدل أن مراعاة الترتيب في صلاة واحدة ليست بركن فتركها لا يفسد الصلاة بخلاف المسبوق ففساد صلاته هناك للعمل بالمنسوخ لا لترك الترتيب ولان حكم ما هو مسبوق فيه مخالف لحكم ما أدركه معه لانه فيما هو مسبوق فيه كالمنفرد فإذا انفرد في موضع يحق عليه الاقتداء تفسد صلاته صلاته وههنا حكم الكل واحد في حقه فترك الترتيب لا يكون مفسدا صلاته * قال (وان صلى بهم ركعة ثم ذكر ركعته تلك فالافضل أن يومئ إليهم لينتظروه حتى يقضى تلك الركعة ثم يصلى بهم بقية الصلاة) كما كان في الابتداء يفعله وان لم يفعل وتأخر حين تذكر ذلك وقدم رجلا منهم فصلى بهم فهو أفضل أيضا كما في الابتداء وان لم يفعل ولكنه صلى بهم وهو ذاكر لركعته أجزأه أيضا لما بينا * قال (وليس للمسافر أن يقتدى بالمقيم بعد فوات الوقت وللمقيم أن يقتدى بالمسافر في الوقت وبعد فوات الوقت) أما في الوقت فلان النبي جوز اقتداء أهل مكة بعرفات حين قال أتموا صلاتكم يا أهل مكة فانا قوم سفر وكذلك بعد فوات الوقت لان فرض المقيم لا يتعين بالاقتداء. وأما اقتداء المسافر بالمقيم في الوقت يجوز ويتغير فرضه هكذا روى عن ابن عمر وابن عباس رضى الله تعالى عنهما وبعد فوات الوقت لا يصح اقتداؤه لان فرضه لا يتغير بالاقتداء فان المغير للفرض اما نية الاقامة أو الاقتداء بالمقيم ثم الفرض بعد خروج الوقت لا يتغير بنية الاقامة فكذلك الاقتداء بالمقيم وإذا لم يتغير فرضه كان هذا عقدا لا يفيد موجبه ولو صلى ركعتين وسلم كان قد فرغ قبل امامه وان أتم أربعا كان خالطا النفل بالمكتوبة قصدا وذلك لا يجوز ثم القعدة الاولى نفل في حق الامام فرض في حقه واقتداء المفترض بالمتنفل لا يجوز على ما بينا هذا الفروق كما أمليناه من شرح الجامع * قال (والغلام المراهق إذا كان معه رجل في الصف أجزأهما

[ 244 ] ذلك) لحديث أنس رضى الله تعالى عنه فأقامني واليتيم من ورائه * قال (رجل ترك صلاة واحدة ثم صلى شهرا وهو ذاكر لها فعليه أن يقضى تلك الصلاة وحدها استحسانا) وان كان صلى يوما أو أقل من ذلك أعاد ما صلى بعدها في هذه عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وهذه المسألة التى يقال لها واحدة تفسد خمسا وواحدة تصحح خمسا لانه ان صلى السادسة قبل الاشتغال بالقضاء صح الخمس عنده وان أدى المتروكة قبل أن يصلى السادسة فسد الخمس وعلى قولهما عليه قضاء الفائتة وخمس صلوات بعدها وهو القياس لان الخمس فسدت بسبب ترك الترتيب حتى لو اشتغل بالقضاء في ذلك الوقت كان عليه قضاء الكل فبتأخر القضاء لا ينقلب صحيحا وأبو حنيفة رضى الله تعالى عنه يقول الفساد كان بوجوب مراعاة الترتيب وقد سقط ذلك عنه بالاتفاق عند تطاول الزمان والدليل عليه أنه لو أعادها غير مرتب يجوز فكيف يلزمه اعادتها لترك الترتيب مع أنه ليس عليه مراعاة الترتيب بالاعادة ولا يبعد أن يتوقف حكم الصلاة المؤداة على ما تبين في الثاني كمصلى الظهر يوم الجمعة ان أدرك الجمعة تبين أن المؤداة كانت تطوعا والا كان فرضا وصاحبة العادة إذا انقطع دمها فيما دون عادتها وصلت صلوات ثم عاودها الدم تبين انها لم تكن صلاة صحيحة وان لم يعاودها كانت صحيحة قال وإذا زاد على أيام عادتها فإذا انقطع لتمام العشرة تبين أن الكل حيض وليس عليها قضاء الصلوات وان جاوزها كان عليها قضاء الصلوات) وقال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى إذا صلى الحاج المغرب في طريق المزدلفة فعليهم اعادتها ان وصل إلى المزدلفة قبل طلوع الفجر وان لم يصل فليس عليهم اعادتها فهذا مثله. وحاصل كلام أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان هذا الصلوات مؤداة في أوقاتها والفساد بسبب ترك الترتيب فساد ضعيف فلا يبقى حكمه بعد سقوط الترتيب وهما يقولان ما يحكم بفساده لمراعاة الترتيب لا يصح لسقوط الترتيب كمن افتتح الصلاة في أول الوقت وهو ذاكر للفائتة فطولها حتى يضيق الوقت لم يحكم بجوازها الا أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال هناك لم يسقط الترتيب لان بعد السقوط لا يعود الترتيب وهناك إذا خرج الوقت فعليه مراعاة الترتيب وعلى قول زفر رحمه الله تعالى يلزمه اعادة المتروكة وصلاة شهر بعده بناء على مذهبه في حد الكثرة التى سقط بها الترتيب وقد بينا * قال (رجل صلى الظهر على غير وضوء ثم صلى العصر على وضوء ذاكر الذلك وهو يظن أنه يجزئه فعليه أن يعيدها جميعا) لوجوب مراعاة الترتيب وظنه جهل فلا

[ 245 ] يسقط عنه ما هو مستحق عليه وكان الحسن بن زياد رحمه الله تعالى يقول انما يجب مراعاة الترتيب على من يعلم فأما من لا يعلم فليس عليه ذلك لانه ضعيف في نفسه فلا يثبت حكمه في حق من لا يعلم به وكان زفر رحمه الله تعالى يقول إذا كان عنده ان ذلك يجزئه فهو في معنى الناسي للفائتة فيجزئه فرض الوقت (ولنا) أن نقول إذا كان الرجل مجتهدا قد ظهر عنده ان مراعاة الترتيب ليس بفرض فهو دليل شرعى وكذلك إذا كان ناسيا فهو معذور غير مخاطب بأداء الفائتة قبل أن يتذكر فأما إذا كان ذاكرا وهو غير مجتهد فمجرد ظنه ليس بدليل شرعى فلا يعتبر فان أعاد الظهر وحدها ثم صلى المغرب وهو يظن ان العصر له جائز قال يجزئه المغرب ويعيد العصر فقط لان ظنه هذا استند إلى خلاف معتبر بين العلماء فكان دليلا شرعيا وحاصل الفرق ان فساد الصلاة بترك الطهارة فساد قوى مجمع عليه فيظهر أثره فيما يؤدى بعده فأما فساد العصر بسبب تذكر الترتيب فساد ضعيف مختلف فيه فلا يتعدى حكمه إلى صلاة أخرى فهو كمن جمع بين حر وعبد في البيع بثمن واحد بطل العقد فيهما بخلاف مااذا جمع بين قن ومدبر * قال (رجل أسلم في دار الحرب فمكث فيها شهرا ولم يصل ولم يعلم ان عليه الصلاة فليس عليه قضاؤها) وقال زفر رحمه الله تعالى عليه قضاؤها لان بقبول الاسلام صار ملتزما لما هو من أحكامه ولكن قصر عنه خطاب الاداء لجهله به وذلك غير مسقط للقضاء بعد تقرر السبب الموجب كالنائم إذا انتبه بعد مضى وقت الصلاة عليه. وجه قولنا أن ما يجب بخطاب الشرع لا يثبت حكمه في حق المخاطب قبل علمه به ألا ترى أن أهل قباء افتتحوا الصلاة إلى بيت المقدس بعد فرضية التوجه إلى الكعبة وجوز لهم رسول الله لانه لم يبلغهم. وشرب بعض الصحابة الخمر بعد نزول تحريمها قبل علمه بذلك وفيه نزل قوله تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا وهذا لان الخطاب بحسب الوسع وليس في وسع المخاطب الائتمار قبل العلم فلو ثبت حكم الخطاب في حقه كان فيه من الحرج مالا يخفى ولهذا قلنا ان عزل الوكيل والحجر على المأذون لا يثبت في حقه ما لم يعلم (وان كان ذميا أسلم في دار الاسلام فعليه قضاؤها استحسانا) وفى القياس لاقضاء عليه أيضا وهو الحد لما بينا. ووجه الاستحسان هو أن الخطاب شائع في دار الاسلام فيقوم شيوع الخطاب مقام العلم لانه ليس في وسع المبلغ أن يبلغ كل أحد انما الذى وسعه أن يجعل الخطاب شائعا وهذا لانه في دار الاسلام يسمع الاذان

[ 246 ] والاقامة ويرى شهود الناس الجماعات في كل وقت فانما يشتبه عليه ما لا يشتبه ولان في دار الاسلام يجد من يسأل منه فترك السؤال تقصير منه بخلاف دار الحرب فان بلغه في دار الحرب رجل واحد فعليه القضاء فيما ترك بعد ذلك عندهما وهو احدى الروايتين عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى وفى رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى ما لم يخبره رجلان أو رجل وامرأتان لا يلزمه القضاء لان هذا خبر ملزم ومن أصله اشتراط العدد في الخبر الملزم كما قال في حق الحجر على المأذون وعزل الوكيل والاخبار بجناية العبد. وجه الرواية الاخرى وهو الاصح أن كل أحد مأمور من صاحب الشرع بالتبليغ قال عليه الصلاة والسلام نضر الله أمرأ سمع منا مقالة فوعاها كما سمعها ثم أداها إلى من لم يسمعها فهذا المبلغ نظير الرسول من المولى والموكل وخبر الرسول هناك ملزم فههنا كذلك * قال (رجل ترك الظهر والعصر من يومين مختلفين لا يدرى لعل الظهر الذى ترك أولا أو العصر فانه يتحرى في ذلك) لان عليه مراعاة الترتيب ولا يتوصل إليها الا بالتحرى فعليه أن يتحرى كما إذا اشتبهت عليه القبلة فان لم يكن له في ذلك رأى وأراد الاخذ بالثقة صلاهما ثم أعاد الاولى منهما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقالا ليس عليه سوى التحرى لانا نعلم يقينا أنه ما ترك الاصلاتين فكيف يلزمه قضاء ثلاث صلوات وهذا نظير من اشتبهت عليه القبلة لا يؤمر بالصلاة إلى الجهات كلها احتياطا وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الاخذ بالاحتياط في العبادات أصل وفى اعادة الاولى منهما تيقن بأداء ما كان عليه من الترتيب بخلاف أمر القبلة فان الصلاة إلى غير جهة القبلة لا تكون قربة فلا يحصل معنى الاحتياط بمباشرة ما ليس بقربة. فأما ههنا اعادة الاولى اما أن تكون فرضا أو نفلا وهو قربة وهو نظير من تذكر فأئتة لا يدرى أيما هي من صلوات اليوم أو الليلة فعليه صلاة يوم وليلة احتياطا وكذلك لو تذكر أنه ترك سجدة من صلاة وكان محمد بن مقاتل الرازي رحمه الله تعالى يقول يعيد الفجر والمغرب ثم يصلى أربعا بنية ما عليه ومن أصحابنا من يقول يصلى أربع ركعات بنية ما عليه بثلاث قعدات وهذا كله فاسد فان القضاء لا يتأدى الا بتعيين النية وفيما قالوا تضييع النية فكيف يتأدى به القضاء والصحيح ما قلنا أنه يعيد صلاة يوم وليلة احتياطا فهذا مثله * قال (رجل أم نساء ليس معهن رجل فأحدث فذهب وتوضأ فصلاته تامة وصلاة النسوة فاسدة) لان الامام في حق نفسه كالمنفرد لا تتعلق صلاته بصلاة غيره ولم يبق للنسوة امام في المسجد فتفسد

[ 247 ] صلاتهن لهذا * قال (فان استخلف امرأة فسدت صلاته وصلاتهن) وقال زفر رحمه الله تعالى تجوز صلاة النسوة لان المرأة تصلح لامامة النساء دون الرجل بدليل الابتداء ولكنا نقول اشتغاله باستخلاف من لا يصلح أن يكون خليفة له مفسد لصلاته فانما فسدت صلاته قبل تحول الامامة منه إلى غيره فتفسد به صلاة المقتدين * قال (فان تقدمت امرأة منهن من غير أن يقدمها قبل أن يخرج من المسجد فهذا والاول سواء) وهذا جواب مبهم فقد تقدم فصلان حكمهما مختلف ثم ذكر الفصل الثالث ولم يبين بأى فصل يعتبره فمن أصحابنا من قال معناه هذا واستخلاف الامام اياها سواء حتى تفسد صلاة الامام لما بينا في باب الحدث لانه لا فرق بين تقدم واحد من القوم وبين تقديم الامام اياه والاصح أن هذا نظير الفصل الاول حتى لا تفسد صلاة الامام لانه لم يشتغل باستخلاف من لا يصلح خليفة له وليس للنساء عليه ولاية في افساد الصلاة فصار في حقه كأن لم يقدم واحدة منهن فتجوز صلاته لانه في حق نفسه كالمنفرد * قال (مسافر صلى الظهر ركعتين بغير قراءة ثم نوى المقام فعليه أن يصلى ركعتين بقراءة) وهو والمقيم فيه سواء عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى صلاته فاسدة وهذا بناء على ما سبق أن فساد الصلاة بترك القراءة يخرجه من حرمة الصلاة عند محمد رحمه الله تعالى ولا يخرجه منها عندهما وأما على سبيل الابتداء فههنا حجة محمد رحمه الله تعالى ان ظهر المسافر كفجر المقيم ثم الفجر في حق المقيم يفسد بترك القراءة فيهما أو في احداهما على وجه لا يمكنه اصلاح صلاته الا بالاستقبال فكذلك الظهر في حق المسافر إذ لا تأثير لنية الاقامة في رفع الفساد ولهما أن نية الاقامة في آخر الصلاة كهي في أولها ولو كان مقيما في أولها لم تفسد صلاته بترك القراءة في الاوليين فهذا مثله وتبين بهذا أن المفسد لم يتقرر لان صلاة المسافر بعرض أن يلحقه مدد نية الاقامة والمفسد خلو الصلاة عن القراءة في ركعتين منها ولا يتحقق ذلك بترك القراءة في الاوليين بخلاف فجر المقيم وكذلك ان قام إلى الثالثة وركع ثم نوى الاقامة الا أنه أن كان لم يقرأ في الاوليين يعيد القراءة وان كان قرأ في الاوليين يعيد القيام والركوع لان ما أدى كان نفلا لانه حين قام إلى الثالثة لم يكن نوى الاقامة فكانت هذه الركعة بقدر ما أدى إلى وقت نية الاقامة نافلة فلا تنوب عن الفرض فكان عليه الاعادة لهذا * قال (مسافر دخل في صلاة المقيم ثم ذهب الوقت لم تفسد صلاته) لان الاتمام لزمه بالشروع مع الامام في الوقت فالتحق بغيره من

[ 248 ] المقيمين بخلاف ما لو اقتدى به بعد خروج الوقت فان الاتمام لم يلزمه بهذا الاقتداء فان أفسدها الامام على نفسه كان على المسافر أن يصلى صلاة السفر لان وجوب الاتمام عليه بمتابعة الامام وقد زال ذلك بالافساد (فان قيل) فقد كان هو مقيما في هذه الصلاة عند خروج الوقت فبأن صار في حكم المسافر بعد خروج الوقت لا يتغير ذلك الفرض (قلنا) لم يكن مقيما فيها وانما يلزمه الاتمام لمتابعة الامام ألا ترى أنه لو أفسد الاقتداء في الوقت كان يصلى صلاة السفر والقصر في السفر في الظهر والعصر والعشاء لان القصر عبارة عن سقوط شطر الصلاة وفى هذه الصلاة بعد سقوط الشطر تبقى صلاته كاملة بخلاف الفجر فان بعد سقوط الشطر منها لا يبقى الا ركعة وهى لا تكون صلاة تامة وكذلك في المغرب بعد سقوط شطر منها لا تبقى صلاة تامة فلهذا لم يدخلها القصر والسنن والتطوعات لا يدخلها القصر بسبب السفر لان القصر في الصلاة بسبب السفر توقيف لم يعرف بالرأى ومن الناس من قال بترك السنن في السفر ويروون عن بعض الصحابة انه قال لو أتيت بالسنن لاتممت الفريضة وتأويل هذا عندنا في حالة الخوف على وجه لا يمكنه المكث في موضع لاداء السنن * قال (ويخفف القراءة في جميع الصلوات) لما روي أن رسول الله قرأ في الفجر في السفر قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وأطال القراءة في صلاة الفجر ولان السفر لما أسقط عنه شطر الصلاة دفعا للحرج فلان يسقط مراعاة سنة القراءة أولى ولكن المستحب أن تكون قراءته في الفجر والظهر أطول اعتبارا بحالة الاقامة فيقرأ والسماء والطارق والشمس وضحاها وما أشبههما وفى العصر والمغرب والعشاء قل هو الله أحد وما أشبهها * قال (ودخول المسافر في صلاة المقيم يلزمه الا كمال ان دخل في أولها أو في آخرها قبل السلام) لان الاقتداء بالمقيم في تغير الفرض كنية الاقامة ولا فرق فيه بين أول الصلاة وآخرها فهذا مثله * قال (وتوطين أهل العسكر أنفسهم على الاقامة وهم في دار الحرب محاصرون لاهل المدينة ساقط وهم مسافرون) لحديث ابن عباس رضى الله تعالى عنه أن رجلا سأله فقال انا نطيل الثوى في دار الحرب فقال صل ركعتين حتى ترجع إلى أهلك ولان نية الاقامة لا تصح الا في موضع الاقامة ودار الحرب ليس بموضع لاقامة المحاربين من المسلمين لانه غير متمكن من الفرار بنفسه بل هو بين أن يهزم العدو فيفر وبين أن ينهزم فيفر ولان فناء البلدة تبع لجوفها والبلدة في يد أهل الحرب فالموضع الذى فيه العسكر كان في أيديهم أيضا

[ 249 ] حكما وكذلك إذا نزلوا المدينة وحاصروا أهلها في الحصن فلا قرار لهم ماداموا محاربين فكان نية الاقامة في غير موضع الاقامة مقاس نية السفر في غير موضعها وكذلك ان حاربوا أهل البغى في دار الاسلام وحاصروهم وقال زفر رحمه الله تعالى في الفصلين جميعا ان كانت الشوكة والغلبة للعدو لم تصح نيتهم الاقامة وان كانت الشوكة لهم صحت نيتهم الاقامة لانهم يتمكنون من الفرار باعتبار الظاهر وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى ان كانوا في الاخبية والفساطيط خارج البلدة لم تصح نيتهم الاقامة وان كانوا في البيوت والابنية صحت نيتهم الاقامة لان الابنية موضع الاقامة دون الصحراء وعلى هذا اختلف المتأخرون في الذين يسكنون الاخبية في دار الاسلام كالاعراب والا تراك فمنهم من يقول لا يكونون مقيمين أبدا لانهم ليسوا في موضع الاقامة والاصح أنهم مقيمون لان الاقامة للمرء أصل والسفر عارض وهم لا ينوون السفر قط انما ينتقلون من ماء إلى ماء ومن مرعى إلى مرعى فكانوا مقيمين باعتبار الاصل * قال (وإذا مر الامام بمدينة وهو مسافر فصلى بهم الجمعة أجزأه وأجزأهم) وقال زفر رحمه الله تعالى لا يجوز لانه لا جمعة على المسافر قال أربعة لا جمعة عليهم المسافر والمريض والعبد والمرأة فكان هذا في معنى اقتداء المفترض بالمتنفل ولكنا نقول قد أقام رسول الله الجمعة بمكة وهو كان مسافرا بها ثم صلاة الجمعة من غيره في هذا الموضع انما تجوز بأمره فلان تجوز منه أولى وانما لا يجب الحضور على المسافر لدفع الحرج فإذا حضر وأدى كان مفترضا كالمريض وكذلك الامير يطوف في بلاد عمله وهو مسافر فهو والامام سواء في هذا * قال (ويصلى المسافر التطوع على دابته بايماء حيثما توجهت به) لحديث أبن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النبي كان يصلى على دابته تطوعا حيثما توجهت به وتلا قوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله وعن جابر رضى الله تعالى عنه قال رأيت رسول الله في غزوة انما يتطوع على دابته بالايماء ووجهه الي المشرق الا أن في حديث ابن عمر رضى الله تعالى عنه أنه كان ينزل للوتر والمكتوبة وفي حديث جابر رضى الله تعالى عنه ذكر أنه كان يوتر على دابته وينزل للمكتوبة ولو لم يكن له في التطوع على الدابة من المنفعة الا حفظ اللسان وحفظ النفس عن الوساوس والخواطر الفاسدة لكان ذلك كافيا * قال (وان كان على سرجه قذر فكذلك تجوز صلاته) وكان محمد بن مقاتل وأبو حفص النجارى رحمهما الله تعالى يقولان لا تجوز إذا كانت النجاسة في

[ 250 ] موضع الجلوس أو في موضع الركابين أكثر من قدر الدرهم اعتبارا للصلاة على الدابة بالصلاة على الارض وكانا يقولان تأويل ما ذكره من القذارة عرق الدابة وأكثر مشايخنا رحمهم الله تعالى يقولون تجوز لما قال في الكتاب والدابة أشد من ذلك يعنى أن باطنها لا يخلو عن النجاسات ويترك عليها الركوع والسجود مع التمكن من النزول والاداء والاركان أقوى من الشرائط فإذا سقط اعتبار الاركان هنا لحاجة فشرط طهارة المكان أولى ثم الايماء لا يصيب موضعه انما هو إشارة في الهواء وانما يشترط طهارة الموضع الذى يؤدى عليه ركنا وهو لا يؤدى على موضع سرجه وركابيه ركنا فلا تضره نجاستهما. وكذلك المقيم يخرج من مصره فرسخين أو ثلاثة فله أن يتطوع على دابته لانه في معنى المسافر يحتاج إلى قطع الوساوس عن نفسه ولا سير على الدابة هاهنا مديد كسير المسافر ولم يذكر في الكتاب إذا كان راكبا في المصر هل يتطوع على دابته وذكر في الهارونيات أن عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا يجوز التطوع على الدابة في المصر وعند محمد رحمه الله تعالى يجوز ويكره عند أبى يوسف رحمه الله تعالى لا بأس به وأبو حنيفة رحمه الله تعالى قال التطوع على الدابة بالايماء جوزناه بالنص بخلاف القياس وانما ورد النص به خارج المصر والمصر في هذا ليس في معنى خارج المصر لان سيره على الدابة في المصر لا يكون مديدا عادة فرجعنا فيه إلى أصل القياس. وحكى أن أبا يوسف رحمه الله تعالى لما سمع هذا من أبى حنيفة رحمه الله تعالى قال حدثنى فلان عن فلان أن النبي ركب الحمار في المدينة يعود سعد بن عبادة وكان يصلى وهو راكب فلم يرفع أبو حنيفة رحمه الله تعالى رأسه قيل انما لم يرفع رجوعا منه إلى الحديث وقيل بل هذا حديث شاذ فيما تعم به البلوى والشاذ في مثله لا يكون حجة عنده فلهذا لم يرفع رأسه وأبو يوسف رحمه الله تعالى أخذ بالحديث ومحمد رحمه الله تعالى كذلك الا أنه كره ذلك في المصر لان اللغط يكثر فيها فلكثرة اللغط ربما يبتلى بالغلط في القراءة فلذلك كره * قال (ولا يصلى المسافر المكتوبة على الدابة من غير عذر) لان المكتوبة في أوقات محصورة فلا يشق عليه النزول لا دائها فيها بخلاف التطوع فانه ليس بمقدر بشئ فلو ألزمناه النزول لادائها تعذر عليه إذا ما ينشطه فيه من التطوعات أو ينقطع سفره وكذلك ينزل للوتر عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لانها واجبة وعندهما له أن يؤتر على الدابة لما روى عن النبي أنه كان مع أصحابه في سفر فمطروا

[ 251 ] فأمر مناديا ينادى حتى نادى صلوا على رواحلكم فنزل ابن رواحة فطلب موضعا يصلى فيه فأخبر بذلك رسول الله فدعاه فلما أقبل إليه فقال أما انه يأتيكم وقد لقن حجته قال ألم تسمع ما أمرت به أمالك في أسوة قال يارسول الله أنت تسعى في رقبة قد فكت وأنا أسعى في رقبة لم يظهر فكاكها قال ألم أقل لكم انه يأتيكم وقد لقن حجته ثم قال له أنى لارجو على هذا أن أكون أخشاكم لله تعالى فقد جوز لهم الصلاة على الدابة عند تعذر النزول بسبب المطر فكذلك بسبب الخوف من سبع أو عدو ولان مواضع الضرورة مستثناة * قال (وإذا افتتح التطوع على الارض ثم ركب فأتمها راكبا لم تجزه ولو افتتحها راكبا ثم نزل فأتمها أجزأه) قيل لان النزول عمل يسير والركوب عمل كثير لانه يحتاج فيه إلى استعمال اليدين عادة وفى النزول يجعل رجليه من جانب فينزل من غير حاجة إلى معالجة وقيل إذا افتتح على الارض فلو أتمها راكبا كان دون ما شرع فيها لانه شرع فيها بركوع وسجود والايماء دون ذلك والراكب إذا نزل يؤديها أتم مما شرع فيها لانه شرع فيها بالايماء ويؤديها بركوع وسجود وعن زفر رحمه الله تعالى فيهما جميعا يبنى لانه لما جاز له افتتاح التطوع على الدابة بالايماء مع القدرة على النزول فالاتمام أولى وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى فيهما جميعا يستقبل لانه لو بنى بعد النزول كان هذا بناء القوى على الضعيف وذلك لا يجوز كالمريض المومئ يقدر على الركوع والسجود في خلال الصلاة وفى ظاهر الرواية فرق فقال هناك ليس له أن يفتتح بالايماء على الدابة مع القدرة على الركوع والسجود فكذلك إذا قدر على ذلك في خلال الصلاة لا يبنى وبينا له أن يفتتح بالايماء على الدابة مع القدرة على الركوع والسجود فقدرته على ذلك بالنزول لا تمنعه من البناء * قال (ومن قال لله على أن أصلى ركعتي فصلاهما على الدابة من غير عذر لم يجز) اعتبارا بما يوجبه على نفسه بما أوجب الله عليه وكذلك ان سمع تلاوة على الارض فسجدها على الدابة بالايماء لم تجزه لانها لزمته بالسجود بالسماع على الارض حيث سمعها قبل الركوب ولو سمعها وهو راكب فسجدها بالايماء جاز لانه أداها كما لو التزمها ولو سجد على الارض أجزأه لانه أداها أتم مما التزمها * قال (رجلان في محل اقتدى أحدهما بالآخر في التطوع أجزأهما) كما لو كانا على الارض إذ ليس بين المقتدى والامام ما يمنع من الاقتداء ويكره له أن يأتم إذا كان عن يسار الامام اعتبارا بما لو كان على الارض وان كان كل واحد منهما على

[ 252 ] دابة لم تجز صلاة المؤتم لان بين الدابتين طريقا والطريق العظيم بين المقتدى والامام يمنع الاقتداء وعن محمد بن الحسن رحمه الله تعالى قال أستحسن أن يجوز اقتداؤه بالامام إذا كانت دابتهم بالقرب من دابة الامام على وجه لا يكون الفرجة بينهم وبين الامام الا بقدر الصف بالقياس على الصلاة على الارض * قال (ونية اللاحق للاقامة وهو في قضاء ما عليه وقد فرغ الامام من صلاته ساقطة لا يلزمه الاتمام) لانه فيما يتم مقتد بالامام فنيته في هذه الحالة كنية امامه ونية الامام للاقامة لا يلزمه اتمام هذه الصلاة ويعني بعد ما فرغ منها فكذلك نيته (فان قيل) نية المقتدى معتبرة في حقه ما لم يخرج من حرمة الصلاة وفي حق الامام انما تعتبر بخروجه عن حرمة الصلاة (قلنا) المقتدي تبع فيجعل كالخارج من الصلاة حكما لخروج امامه منها وكذلك لو دخل مصره فان دخول موضع الاقامة ونية الاقامة في الحكم سواء ونية المسبوق في قضاء ما عليه للاقامة أو دخوله مصره يلزمه الاتمام لان المسبوق فيما يقضى كالمنفرد ونية المنفرد الاقامة معبر فرضه في الوقت فكذلك نية المسبوق لانه أصل بنفسه ونية المنفرد الاقامة بعد خروج الوقت في صلاة افتتحها في الوقت ساقطة وكذلك دخوله المصر لان بخروج الوقت صار صلاة السفر دينا في ذمته فلا يتغير باقامته فأما في الوقت لا يصير دينا في ذمته بعد ألا ترى أن في الوقت يسقط بعذر الحيض وبعد خروج الوقت لا يسقط * قال (خراساني قدم الكوفة فأقام بها شهرا ثم خرج منها إلى الحيرة فوطن نفسه على اقامة خمسة عشر يوما ثم خرج منها يريد خراسان ويمر بالكوفة فانه يصلى ركعتين) لان وطنه بالكوفة كان وطنا مستعارا فانتقض بمثله * فالحاصل أن الاوطان ثلاثة. وطن قرار ويسمى الوطن الاصلى وهو أنه إذا نشأ ببلدة أو تأهل بها توطن بها. ووطن مستعار وهو أن ينوى المسافر المقام في موضع خمسة عشر يوما وهو بعيد عن وطنه الاصلى ووطن سكنى وهو أن ينوى المسافر المقام في موضع أقل من خمسة عشر يوما أو خمسة عشر يوما وهو قريب من وطنه الاصلى ثم الوطن الاصلى لا ينقضه الا وطن أصلي مثله والوطن المستعار ينقضه الوطن الاصلى ووطن مستعار مثله والسفر لا ينقضه وطن السكنى لانه دونه ووطن السكنى ينقضه كل شئ الا الخروج منه لاعلى نية السفر. وقد قررنا هذا الاصل فيما أمليناه من شرح الزيادات فأكثر المسائل على هذا الاصل بخروجها ثمة والقدر الذى ذكرنا ههنا ما بينا انه حين توطن بالحيرة خمسة عشر يوما كان هذا وطنا مستعارا له فانتقض به


[ 253 ][عدل]

وطنه بالكوفة والتحق بمن لم يدخلها قط فلهذا يصلى بها ركعتين وان لم يوطن على اقامة خمسة عشر يوما بالحيرة صلى بالكوفة أربعا ما لم يخرج منها فان الحيرة كانت وطن السكنى له فلم ينتقض به وطنه بالكوفة فهو مقيم بها ما لم يخرج على قصد خراسان منها * قال (كوفى خرج إلى القادسية لحاجة ثم خرج منها إلى الحفيرة ثم خرج من الحفيرة يريد الشام وله بالقادسية نقل يريد أن يحمله منها من غير ان يمر بالكوفة فانه يصلى بها ركعتين) لان القادسية كانت وطن السكنى في حقه سواء عزم على الاقامة بها خمسة عشر يوما أو لم يعزم لانه من فناء الوطن الاصلى فان بينها وبين الكوفة دون مسيرة السفر فلما خرج إلى الحفيرة انتقض وطنه بالقادسية لان وطن السكنى ينقضه مثله وقد ظهر له بالحفيرة وطن السكنى فالتحق بمن لم يدخل القادسية فلهذا صلى بها ركعتين وشرطه أن لا يمر بالكوفة لانه إذا كان يمر بها فقد عزم على الرجوع إلى وطنه الا صلى وبينه وبين وطنه الاصلى دون مسيرة السفر فكان مقيما من ساعته * قال (وان كان لم يأت الحفيرة ولكنه خرج من القادسية لحاجة حتى إذا كان قريبا من الحفيرة بدا له أن يرجع إلى القادسية فيحمل ثقله منها ويرتحل إلى الشام ولا يمر بالكوفة صلى أربعا حتى يرتحل من القادسية استحسانا) وفى القياس يصلى ركعتين لان وطن السكنى الذى كان له بالقادسية قد انتقض بخروجه منها على قصد الحفيرة كما ينتقض لو دخلها ولكنه استحسن فقال القادسية كانت لى وطن السكنى ولم يظهر له بقصد الحفيرة وطن سكني آخر ما لم يدخلها فبقى وطنه بالقادسية أرأيت لو خرج منها لبول أو غائط أو تشييع جنازة أو لا ستقبال قادم أكان ينتقض وطنه بهذا القدر من الخروج لا ينتقض فكذلك بالخروج إلى الحفيرة ما لم يدخلها فلهذا صلى بالقادسية أربعا حتى يرتحل منها (تم الباب والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب) (وبتمامه يتم الجزء الاول من التقسيم الذى أجرينا الطبع على اعتباره) (ويتلوه الجزء الثاني وأوله باب الصلاة في السفينة)