انتقل إلى المحتوى

ما رشأ الأنس بمستأنس

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

ما رَشَأ الأنسِ بمستأنِس

​ما رَشَأ الأنسِ بمستأنِس​ المؤلف ابن الرومي


ما رَشَأ الأنسِ بمستأنِس
إلى بياض الشَّعَر المُخْلِسِ
بل صَدْفةُ المبغض من حُكمه
في الشيب تتلو نظرة المُبلِسِ
وصحبةُ المعتِم من شأنِه
وليس منه صحبةُ المغلسِ
ماذا على الدهر وعَوْداته
لو صاح يا ليل الصِّبا عسعسِ
فاسودَّ مبيضٌّ كسا نُورُهُ
قَلْبي ظلاماً حالك الطرمسِ
أستلبِسُ الله النُّهى إنه
أحْصَنُ ملبوس لمستلبسِ
فاجأني الشيب على صبوةٍ
أيُّ يد في الغيِّ لم تَغمِسِ
نورٌ ونار لهما وقدةٌ
لو قُرِنا بالماء لم يَجمُسِ
ما أعدلَ الحبّ على جَورهِ
في خُلطة الأحمقِ والكيِّس
قلبي على وعظ النهى مولع
بجالبٍ للداء مستنكِس
أحببت روداً من بنات الصبا
أي بنات القلب لم تَخلِس
منَّاعةً للرشف منَّاحةً
للطرف إن تُبَرئْكَ تستنكِس
ترنو بطرف مؤنِس قاتلٍ
لولا عمى الأهواء لم تؤنس
لا عوقبتْ نحلة لِمْ حلأَّت
عن ريقها حائمةَ المخمُس
ضَنَّت بماء العيشِ لكنها
من يقتَبسْ نار الجوى تُقبِس
يا نحلةَ الشهد التي أيأست
منه وإن غرت فلم تُؤيس
ما حققتْ معنى اسمها نحلةٌ
قيل أقلسي أَرياً فلم تَقلِس
يا هل أحسَّت ليلة المنحنَى
أم ذهلت عنّي فلم تَحسس
وسَواسُ وجدٍ ضافني هاجَهُ
وسواسُ حَليٍ ضافها مُجرِس
كأنما ناجى به صدرُها
صدري فماذا فيه لم يَهجس
يا أيها السَّامي بألحاظه
للبيض في البيض ألا نكِّس
تلك المها أصبحن مثل المها
ليست لقُنّاصِ بني سِنْبس
قالت لك العينُ وآرامُها
ما أنت بالمرعَى ولا المكنِس
أخْيَبُ ذي قوسٍ رمى ظبيةً
من هتف الدهر به قَوِّس
فلا تَعُوجَنَّ على قاطعٍ
مطيةَ الوصل ولا تَحبِس
واعدل إلى ذي خُلةٍ حافظٍ
معاهدَ المورِقِ في المؤيس
كالأَردشيريِّ الذي بَيَّنَتْ
في عُودِه حُرِّية المغرِس
بلّغْ عبيد الله مُلِّيتَهُ
أني إذا ما غاب في مَحْبس
لكنني ما دمتُ في ظِلِّه
من غامر النعمة في مَغمسِ
يا واهب التاج الذي لم يزل
من زينة اللابس والمُلْبِس
أقسمتُ بالمجد وأسبابه
إنك منه غيرُ ما مُفْلس
نفَّلتني ودَّ عقيدِ الندى
عفواً بجدواك ولم تَعبِس
ودَّ المكنى لا تُحابَى به
باسم رسول المنعِم المبئس
الحسنِ المحسنِ في فعله
أنفِسْ به من عُقدةٍ أنفس
آنسني والدهر لي مُوحشٌ
بمؤنسٍ ناهيكَ من مُؤنِس
بمُفضلٍ ما شئتَ من مُفضلٍ
ومُقبسٍ ما شِئتَ من مُقبِس
منبلج الرأي غزير الندى
صاحب يوم مُمْطرٍ مُشمس
نواله كالغيث في أزمة
ورأيه كالنجمِ في حِنْدِس
إذا قضى بالحدس ذو شُبهة
تتبَّع الحق ولم يَحدس
من آل وهبٍ شاد بنيانه
كلُّ أشمّ المجد والمعْطِس
بدرُ سماء وسناً باهرٍ
لا يمحق الله ولا يَطمس
أسعدُ بالحلم من المشتري
وبالحجى والعلم من هِرْمس
حرٌّ متى يظفر بذي ذلةٍ
يغفر ولا يظفرْ ولا يَضْرس
يَعفو إذا الجاني ابتغى عَفْوَهُ
لكنه فارسٌ مُستفْرِس
ممن إذا أُغْضِبَ في قُدرة
كقُدرةِ القَسْور لم يفرِس
يقابلُ الحسنى بأمثالها
ويقرعُ الدهرِسَ بالدهرس
مَكايدُ من مَسَّحتْ عِطفَهُ
مسَّحه الحَيْنُ فلم يَشْمس
يأخذ بالعينين أخذَ العمى
ويَعقِل الرِّجْلَين كالنِّقرس
خِرق إذا أسنى أفاعيلَهُ
قال لِمُسني شكرِه خسِّسِ
طالبَ تسهيلٍ على شاكرٍ
لا زاهداً في راغبٍ مُنفس
وذاك أدعى لذوي حمدهِ
إنْ سمعت فطنةُ مستوْجسِ
فما يزال الدهر مستوفياً
للحمد في صورة مُسْتَبْخِس
مُقتسمٌ بين صبا ذي النهى
وحكمةِ المُوضِح لا المشْكِس
فلسفةٌ شَفْعُ مُلوكِيةٍ
أظرِفْ بمن حازهما أَنطِس
إذا صَبتْ زُهْرتُه صبوةً
قال لها هِرمسُه هَندِس
وإن عدا هِرْمسه حدَّهُ
قالت له زُهْرتُه نفِّس
فما اجتلاهُ غير مُستحسن
ولا ابتلاهُ غيرُ مستنْفس
كم مجلسٍ مرَّ له كلهُ
كأنه باكورة المجلس
ذكَّرني فيه بأخلاقه
دمع الندى في حَدَق النرجس
أرْجو سنائي لمُجازاتِه
لكنني راجٍ كمستيئس
كيف أجازي كوكباً نيِّراً
أسْعد أيامي ولم يُنحس
لو لم تر السبعةَ بمثاله
في اللَّوح لم تَجْر ولم تكْنِس
ولو أطاعتها مقاديرُها
جرتْ لتلقاهُ ولم تخنس
يُطمعني في شكره قدرتي
على القريض المُطمِع المؤيس
وتارةً يُؤيسُني أَنني
أَحْزنتُ في الشكر ولم أُدهِس
شكر امرىءٍ قصَّر عن شكره
أقصى حَويلِ الماتح الممرِس
مستأنس الجزء إلى قبضتي
والكلّ منه غير مستأنس
يا أيها المُوجس في نفسه
خوفاً من الأيام لا توجس
لله بالشام وفي بابلٍ
بيتان بيتُ القدس والمقدِس
بيتٌ قديم ذائعٌ ذكرهُ
وبيتُ شاهٍ بالعلا مُعرس
يُصبح من حاول مَعْروفَهُ
مُلتمساً أفضى إلى مُلمِس
ولا ترى راحتُهُ عِرمِساً
عند مُناخ الرِّسْلة العِرمس
بين أياديه وأيامنا
تفاوتُ الناعس والمُنعِس
من آل وهبٍ شاد بنيانَهُ
كلُّ أَشَمِّ المجدِ والمعطِس
وعرضه أملسُ ما خيَّمتْ
آمال راجيه على أمْلَسِ
أستحرِس الله له إنه
أفضل محروسٍ لمستحرِس
المُنطِق المخرسُ سَقياً له
رعْياً له من مُنطقٍ مُخرِس
أنطق مُدَّاحاً وكَمَّتْ به
أفواهُ حسَّادٍ فلم تَنْبِس
ومدحه المأخوذُ من مجدِه
ما قال لي وجدي به دَلِّسِ
بل قال أجلي الليل عن صُبحه
للعين فاصدقْ عنه أو لبِّس
وسائل عنه وعن أهله
قلتُ له جهراً ولم أهمس
أنت الذي أحوجهُ جَهْلهُ
في رؤية الشمسِ إلى مَقْبِس
بلَغْتهمْ فاحطُطْ بوادِيهمُ
تحططْ بأحوَى النبتِ مُسْتَحلس
لا خير في نزع يدي نابلٍ
بعد لحوق النَّصل بالمعجس
لآل وهبٍ مِننٌ جَمَّةٌ
من يَرَها من حاسدٍ يُبلس
كم قال لي تأمِيلهُم سِرْ بنا
وقال لي تمويلهم عَرِّس
كم زوَّجتني بدأةٌ منهمُ
وقالتْ العودة لي أعرِس
غَرَستُ أنواعاً فما أثمرتْ
وأثمروا لي حيثُ لم أغرِس
قلتُ لمن قال استزِد فَضْلَهم
جاهِرْ بتهديدك أو وسوِس
أَصابعي خمسٌ حباني بها
من لا يراني قائلاً سَدِّس
سمعاً بني وهبٍ فلم أستعِر
لكم حُليَ قومٍ ولم أعكس
ما قلتُ إلا بعض ما فيكُم
فليقُمْ الحاسد وليجْلس
لم أهتضمْ دِيني ولم أنتهك
عرضي بما قلت ولم أدْنِس