ما بين غزلان النقا في الوادي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

ما بين غزلان النّقا في الوادي

​ما بين غزلان النّقا في الوادي​ المؤلف إبراهيم المنذر


ما بين غزلان النّقا في الوادي
ورخيم تغريد الهزار الشّادي
وخفيف أوراق الغصون ورقصة
النّسم البليل على الغدير الهادي
وأريج زهر الرّوض في فصل
الرّبيع المنعش الأرواح والأجساد
خطرت فتاةٌ لم تقع عيني على
أبهى وأجمل من سناها البادي
هيفاء مشرقة المحيّا غادةٌ
تسبي النّفوس بقدّها الميّاد
حسناء ما شمس الصّباح ونو
رها إلا انعكاس جبينها الوقّاد
نظرت بساحر طرفها الذّاوي
إلى شيخٍ بلاه الدّهر بالإقعاد
وغدت تطارحه الغرام بمنطقٍ
تشفي عذوبته غليل الصّادي
قالت على الشّيخ السّلام معطّراً
كالمسك مرّ به النّسيم الغادي
إّني وددتك دون أبناء الورى
فاعطف عليّ ولا ودادي
فأجابها يا غادة الآداب ما
هذا الوداد فقد أضعت رشادي
أنت الفريدة في ألبها وأنا
كما تجدين شيخٌ من بقايا عاد
ما كنت أعهد أنّ فاتنة الحمى
تهوى امرأً مثلي من الزّهاد
قالت له والله لا أهوى سوا
ك ولو أردت قطيعتي وبعادي
إّني أرى بك من معاني الحسن
ما لم ألقه في ناطقٍ بالضّاد
فأجابها مخدوعةٌ والله أنت
وما فطنت لظهري المنآد
وافيتني ومنحتني هذا الهوى
عفواً بلا نظرٍ ولا استعداد
ولئن تفيضي بالمديح فإنّني
أخشى على نفسي من الحسّاد
قالت عشقت وإنّ عشقي
كيفما علّلته متوطّد الأوتاد
لمّا بدوت لمقلتيّ فتنتني
وسعرت نار الوجد طيّ فؤادي
قال أرعوي عن ذا الغرام وحاذري
عقبي الغواية وانطقي بسداد
ما ترتجين من امرئٍ هرم
طوى الأعوام يقضي ليله بسهاد
والدّهر ذر بعارضه مشيبه
والهمّ دبّ بذهنه الهجّاد
هند أنثني عن عزمك الواهي وعي
ما قلت وانصرفي إلى أولادي
فعساك أن تلقي حبيباً يجد
الوصول إليك خير مرّاد
قالت تحاول أن تصدّ عن الهوى
قلبي وتعرض طالباً إبعادي
إمّا فعلت فإنني أجري على
خطواتك الميلاء كالصّياّد
فأجابها ولهاً وقد برقت
أسرّة وجهه لفؤادها المنقاد
يا هند هذا الشّيخ متّهم لدى
بعض الورى بالكفر والإلحاد
والعصر عصر مذاهبٍ وتعصّب
فأجري مع التيّار دون تماد
من خالف الجمهور كان جزاؤه
قيد السّجون وفيصل الجلاّد
والحرّ في ذا العصر مضطهدٌ
فلا تتعرضي لملامة الأضداد
قالت هو الأمر الذّي أرجوه
من دهره فقد أفصحت عن مرتادي
يا حبّذا الكفر الذّي تفسيره
حبّ القريب ونصرة القصّاد
أنا لست أخشى في هواك ملامة
فقد ازدريت سفاسف الأوغاد
لمّا رأى أن لا مناص له
من الحسناء قال لها بصوت وداد
لبيك يا ذات العفاف إذا بدا
لك من بقايا الشّيخ بعض الزّاد
جدّدت بي عهد الصّبا وجعلتني
صبّاً يهيم من الهوى في واد
والشّيخ إن يعشق تمشى العشق
في دمه فَقُرّي قد ملكت فؤادي
أهوت عليه فضمّها وتعانقا
فكأنما كانا على ميعاد
هي قسمة ضئزى ولكن هكذا
شاءت فتاة الحيّ يا أسيادي
الشّيخ معروفٌ وأمّا هنده
فهي المعارف نور هذا النّادي
لله أرباب المعارف إنّكم
روح الرّقيّ وأسّ كلّ رشاد
نور الهداية أنتم في النّائبات
تكافحون لصون حقّ بلادي
جدّ الأجانب في العلاء وقومنا
يتغزّلون بزينبٍ وسعاد
نمشي على الغبراء زحفاً عجّزاً
ويطير أهل الغرب بالمنطاد
أهل المعارف إنّ شعب بلادنا
ضلّ السّبيل بسيره المعتاد
فيودّ ذلك أن يسود الأجنبي
وسواه يرفض رأيه بعناد
هذا يؤيد قوله بمحمّدٍ
ويلوذ ذلك بالمسيح الفادي
وكلا محمّد والمسيح تبرّأا
من وصمة الأحزاب والأحقاد
إنّي لأعجب من جهول قائلٍ
أصبحت حرّاً وهو في الأصفاد
ومن الذّي نادى مضى استعبادنا
وهو المسوق بسوط الاستعباد
ومن الدّعي يصيح وحّدنا القوى
في الرّأي وهو ممزّق الأعضاد
يا قومي اتّعظوا ولا يأخذكم
هوس الغرور فنحن رهن جلاد
لا تستهينوا بالأمور فإنمّا
لبنان يمشي فوق شوك قتاد
لم يبق في الجبل الأشمّ سيمذع
يحمي الذّمار ولا رفيع عماد
أخذت بلاد الغرب كلّ حلاحلٍ
منّا وكلّ فتى طويل نجاد
والحرب أودت بالذين سموا
وقد كثر الوشاة وقلّ كلّ جواد
لا ترفعوا الأعلام فيه بل
انسحبوا لشوامخ الأطواد ثوب حداد
يا ويح مؤتمر السّلام وويح
من راحوا يسنّون النّظام العادي
جاروا على أبهى وأجمل بقعةٍ
وسبوا ذخيرة خير شعبٍ هاد
بلدٌ بنوه كالنعاج يقودهم
بالختل أضعف فاتحٍ مرتاد
لم يغضبوا يوماً ولا ثاروا
ولا كانوا مع التّاريخ غير جماد
نومٌ عميقٌ لا تليه صحوةٌ
إلا على التّصفيق للقوّاد
والله ما هجروا الدّيار وآثروا
شقّ البحار إلى أشقّ بلاد
لو لم يروا شبح المجاعة ماثلاً
والشرّ يعظم والفساد ينادي
أفذا جزا شعبٍ ألمّ به الشّقا
وقضت عليه من الزّمان عوّاد
والله ما نجح الجبان ولا ارتقى
في الكون غير الثّائر النقّاد
أبناء أوطاني ارعووا كيلا
يقال هووا فلم يجدوا لهم من هاد
الجهل ساد وليس يخفى أنّه
عيبٌ يدُكُّ شوامخ الأطواد
وحذار من سعي الوشاة فإنّهم
يقفون للأحرار بالمرصاد
وتذكّروا مجد الجدود فأرضنا
مهد العلوم ومربض الآساد
واسعوا لتأليف القلوب على الولا
واستأصلوا بالعلم كلّ فساد
وتعاونوا حتّى تصان بلادكم
صون البلاد بشعبها المتفادي
ما قام بالعمل العظيم فتىً
على حدةٍ إذا لم يستعن بسواد
الفرد يحيا بالجموع إذاً
كما تحيا الجموع بقوّة الأفراد
مهما يَجُر وطني عليّ وأهله
فالأرض أرضي والبلاد بلادي