انتقل إلى المحتوى

ليس أمر المفارقين كأمري

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

ليس أمر المفارقين كأمري

​ليس أمر المفارقين كأمري​ المؤلف جبران خليل جبران


ليس أمر المفارقين كأمري
أنا في وحشة بقية عمري
كان لي رفقة هم العيش أو أطيب
ما فيه من متاع الفكر
صفوة من نوابغ العلم والآداب
عز اجتماعها في قطر
نزحوا والزمان حرصا عليهم
عالق بعد كل عين بإثر
كل يوم نشر لهم بعد طي
كل يوم طي لهم بعد نشر
وتمر الأيام بي بين تجديد
لقاء وبين تجديد هجر
ما بقائي بعد الأحباء إلا
كمقام الغريب في دار أسر
إن يسؤني حمامهم فعزائي
أن أراهم في الناس أحياء ذكر
بقي الشعر حقبة تحت ليل
أعقبته في مصر طلعة فجر
جاء سام فيها طليعة خير
وتلاه الندان شوقي وصبري
وأتى حافظ فكان لكل
قسطه في افتتاح هذا العصر
أيها الأوفياء ممن أجابوا
داعي البر بابن مصر الأبر
شاعر النيل شاعر الشرق والتخصيص
بالنيل شامل كل نهر
إن يمجده قومه فلهم مجد
به جاز كل بحر وبر
بارك الله في مساعيكم الحسنى
وفي ذلك الشعور الطهر
ليس في أجر ما صنعتم كما توليكم
النفس من كريم الأجر
يا وزيرا أهدى إلى الضاد ما شاء
لها البعث من مآثر غر
كل أمر العرفان ما تتولى
وعلي يرجى لكل الأمر
إن تكن ناصر القديم فما كنت
ضنينا على الحديث بنصر
ليس شأن القديم بالنزر في الفصحى
وشأن الحديث ليس بنزر
بين فرع وبين أصل زكي
هل يتم النماء من غير إصر
أنت أنصفت حافظا دمت من قاض
نزيه ومن وزير حر
جمع آثاره وتمثيلها بالطبع
فضل يبقى بقاء الدهر
إن ديوان حافظ لهو تاريخ
زمان يحويه ديوان شعر
عربي الأسلوب ممتنع سهل
له في النهى أفاعيل سحر
مستيعر من الحلى ما أعار الله
فصحاه في حكيم الذكر
صاغت الفطنة البديعة فيه
أنفس الدر في قلائد تبر
حيث قلبت ناظريك تجلت
للقوافي فيه مطالع زهر
ورياض من المحاسن زينت
بالأفانين من غراس وزهر
فيه من سر مصر ما لا يجاريه
بيان بلطف ذاك السر
قلبها نابض به ومعين النيل
منه يفيض في كل بحر
جود الشعر حافظ كل تجويد
وصفاه في أناة وصبر
لم يعقه تأخر العصر عن شأو
حبيب في عصره والمعري
وإلى ذاك لم يكن في بديع
النظم إلاه في بديع النثر
صاغ ما صاغه مقلا مجيدا
شأن من ينتقي فريد الدر
فإذا استنشد القوافي في حفل
لله دره أي در
يخفق المنبر الذي يعتليه
كخفوق القلوب في كل صدر
برع البارعين بالنطق والإيماء
والصوت بين خفض وجهر
ذاهبا آيبا يواجه أو يلوى
فصيح الأداء فخم النبر
صائلا في المجال كرا وفرا
يأسر اللب بين كر وفر
ولقد يسرد الحديث فينشي
صحبه بالسلاف من غير وزر
يؤثر المولعون بالخمر منهم
ما سقاهم على عتيق الخمر
عد عن تلك في المزايا وقل في الجود
أو في الوفاء أو في البر
واشد بالإباء والحلم والعزة
في العسر والندى في اليسر
كان ذاك الفقيد من أكرم الخلق
بأخلاقه وليسوا بكثر
رجل وافر المروءة لا يعتد
إلا للمحمدات بوفر
ويحب الحياة ملأى جهودا
كل أسبابها بواعث فخر
يا مليكا كأن مهجة دنياه
حنانا عليه مهجة مصر
كاشفته بسر ما هرمت فيه
وما زال في صباه النضر
خلق طاهر وخلق سري
ونوبغ يهل من وجه بدر
شرفت حافظا رعايتك العيا
وفيها للذكر أنفس ذخر
فكأني بقطرة من ندى الرحمة
تحيي رميمه في القبر
وكأني به من الغيب يملي
فتعيد الأصداء آيات شكر
عاش فاروق سيدا ومليكا
وعزيزا لمصر أطول عمر
ورعاه الله الكريم وأولاه
إذا ما استعانه كل نصر