ليالينا على الجرعاء عودي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

ليالينا على الجرعاء عودي

​ليالينا على الجرعاء عودي​ المؤلف عبد الغفار الأخرس


ليالينا على الجرعاء عودي
بماضي العيش للصَّيبِّ العميدِ
بحيث منازلُ الأحباب تزهو
ونظمُ الشمل كالدر النضيد
وفي تلك المنازل لا عداها
حَياً ينهلّ من ذات الرعود
مسارح للمها يسخن فيها
وإنْ كانتْ مرابضَ للأسود
تعلَّقها هوى قيس لليلى
سوانح ربرب وقطيع غيد
هنالك تفتك اللحظات منها
وتنتسب الرماح إلى القدود
وكم فيا لحيّ من كبدٍ تلظّى
وتصلى حرَّ نيران الخدود
سقتك بمستهلّ المزن قطرٌ
وشاك الحيا وشي البرود
فأينَ ملاعب الغزلان فيها
وصفو العيش في الزمن الرغيد
وفي تلك الشفاه اللُّعس ريٌّ
فواظمأ الفؤاد إلى الورود
وما أنسى الإقامة في ظلالٍ
على ماء من الوادي برود
تُغَنّينا من الأوراق وُرْقٌ
وتشدونا على الغصن الميود
وتنشدنا الهوى طرباً فنلهو
وتطربنا بذياك النشيد
لقد كانت ليالينا بجَمْعٍ
مكان الخال من وجنات خود
أبيتُ ومن أحبُّ وكأس راحٍ
كذوب التبر في الماءِ الجَمود
وقد غَنَّت فأعربَتِ الأغاني
عن اللذات من نايٍ وعود
فما مالت إلى الفحشاء نفس
ولا ركنت إلى حسناء رود
وما زالت بي الألحاظُ حتى
ألانتْ هذه الأيام عودي
ولم تملك يمين الحرص نفسي
ولا ألوتْ إلى الأطناع جيدي
وليلٍ قد لبست به دجاه
بأردية من الظلماء سُود
لبيدٍ يَفْرَقُ الخريتُ فيها
ولم أصْحَبْ سوى حَنَشٍ وسيد
يجاوبني لديها الحتف نفسٌ
فيلمَسُ ملمَس الصعد الشديد
وتمنع جانبي بيضٌ شدادٌ
ولي بأسٌ أشدُّ من الحديد
وكم يوم ركبنا الفلك تطفو
بسيط الماء في البحر المديد
إذا عصفت بها ريحٌ هوت بي
كما يهوي المُصلّي للسجود
فآونةً تكون إلى هبوط
وآونةً تكون إلى صعود
ولولا اليوسُفان لما رمت بي
مراميها إلى خطر مبيد
وقد أهوى الكويتَ وأنتحيها
إلى مَغنى محمدها السعيد
إذا طالعت بهجته أرَتْني
مطالعها مطالع للسعود
أنامِلُه جداول للعطايا
وبهجته رياضٌ للوفود
وأكرَمُ من غَدَتْ تُثني عليه
بنو الدنيا بقافية شرود
مفيدٌ كلّ ذي أمل وحاجٍ
يمدُّ إليه راحة مستفيد
وَمُنْتَجَعُ العُفاة ينالُ فيه
مكانةُ رفعة ومنالُ جود
تَحُطُّ رحالَها فيه الأماني
وتعنيه المدائح من بعيد
وتأوي كلّما آوت إليه
ومأواها إلى ركن شديد
فتىً من عقدِ ساداتٍ كرام
يتيمةُ ذلك العقد الفريد
نعمتَ فتىً من الأشراف خلاًّ
فيا لله من خِلٍّ ودود
ولولا جودُه والفضلُ منه
كما منَّ الوجودُ على وجودي
مناقبُ في المعالي أورثوها
عن الآباء منهمْ والجدود
أسودُ مواطن الهيجاء قومٌ
لهم شرفُ العقول على الأسود
هو الشرف الذي يبدو سناه
فيخضع كلُّ جبار عنيد
ويخمد نورهم ناراً تلظى
وكان الظنّ آبية الخمود
وما اعترف الجحود بها وفاقاً
ولكنْ لا سبيل إلى الجحود
رفاعيٌّ رفيعٌ القدرِ سام
أبيٌّ راغمٌ أنفَ الحسود
ومُبدي كلِّ مكرمةٍ، معيدٌ
فيا لله من مبدٍ معيد
مكارمُ منعم ونوالُ بَرٍّ
غنيٌّ بالنجاز عن الوعود
وما مَلَكَتْ يداه من طريف
فلم تضع الجميل ومن تليد
عمودُ المجد من بيت المعالي
وهل بينُ يقوم بلا عمود
مَدَحْتُ سواه من نُقباء عصر
فكنتُ كمن تَيَمَمَّ بالصعيد
ولُذْتُ به فَلُذْتُ إذَن بظلٍّ
يمدُّ ظلال جنات الخلود
ولستُ ببارحٍ عن باب قرم
أقيّدُ من نداه في قيود
إذا جرَّدته عضباً صقيلاً
وقفتَ من الحديد على حديد
وإن ذكروا له خلقاً
فقلْ ما شئت بالخلق الحميد
إليك بعثتها أبيات شعر
يسير بها الرسول مع البريد
كقطر المزن يسجم من نمير
وروض المزن يبسم عن ورود
لئنْ كانت بنو الدنيا قصيداً
فإنّك بينهم بيتُ القصيد