انتقل إلى المحتوى

لك يا وليد تحية الأحرار

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

لك يا وليد تحية الأحرار

​لك يا وليد تحية الأحرار​ المؤلف جبران خليل جبران


لك يا وليد تحية الأحرار
كتحية الجنات والأطيار
أقبلت وجهك بالطهارة أبلج
والوقت طلق والربيع مدبج
آيات حسن لم يكن مظاهرا
للسعد فيك ولا ضربن بشائرا
لو كان بيت إمارة لك منبتا
لألت الدنيا ولادك من فتى
ولقال راج أن يثاب بما افترى
تلك العلائم في السماء وفي الثرى
لكن ولدت كما أتيح وما درى
أحد الأنام لأي أمر قدرا
سر ولك ابن لأنثى بولد
سر لهذا الناس يكشفه الغد
عن سائم بين الرعية ضائع
أو كوب ماحي الكواكب ساطع
ما حكمة الرحمن فيك أتنجلي
عن آخر في القوم أم عن أول
فلئن سموت إلى مقام إمارة
يوما فعيسى كان طفل مغارة
وأحق ما حق العلاء لنائل
ما نلته من همة وفضائل
ما لي وما لأبيك أطرئة فما
هي شيمتي وأبوك لا يعنيه ما
وهو السعيد بأن أمك أهله
ألمزدهي عجبا بأنك نجله
فسرور كل مهنإ بك لم يكن
إلا بذاتك إن تعز وإن تهن
يرجون أن تحيا وإن لم تنبغ
لا يبتغون لك الذي قد تبتغي
أمنية الآباء لا يعدونها
وهي التي للطفل يشهدونها
وسوى الحياة من المنى يدعونه
لله يقضي في الوليد شؤونه
فهو الذي يعلي العلي القادرا
وهو الذي يضع الوضيع الصاغرا
إن شاء جاء الطفل في ميقاته
فشأى بني أوطانه ولداته
أو شاء خالف وقته فذكاؤه
كلظى الحريق شبوبه وضياؤه
ولقد شفى منا قدومك حسرة
وأقر أعين والديك مسرة
حيث الرياض تظاهرت بهجاتها
فتفتقت مسرورة مهجاتها
فجميعكم متهلل في كمه
متناول ألبانه من أمه
ألأم تغذو طفلها من ضرعها
والأرض تغذو أمه من زرعها
فعلام من دون الأزاهر أتهما
أبواك يا هذا الصبي وإن هما
أي القسوس أتى النبات فزوجا
بعضا ببعض منه كيما ينتجا
هل ساجع الأيكات حين يغرد
في ذلك الريش الملون سيد
وهل الرياح يعيبها أن تحملا
نسم الهوى الدوري من ذكر إلى
ومن الذي يرمي السوابح بالخنا
ويرى مناسلة السباع من الزنا
هن استبحن إناثهن بلا نهى
والمرء فرق باختيار بينها
سن العفاف كما ارتآه فضيلة
ودعا الخلاف نقيصة ورذيلة
ناط الزواج بصيغة تتعدد
أشكالها عدد الطوائف يقصد
فإذا اصطفى ما شاء من أعراضها
وجرى على المرعي من أغراضها
قالوا أتى نكرا ونكر قولهم
لولا تبجحهم ولولا طولها
دفع ادعاءهم وأبطل زعمهم
زمن طوى تحت الغباوة ظلمهم
يا طفل قلب طرفك المترددا
أو ما ترى شبحا عبوسا أسودا
هذا أساء إليك قبل المولد
وجنى عليك جناية المتعمد
زعم الإله يريد مثلك مذنبا
من يومه ومعاقبا ومعذبا
تالله إن تنظره نظرة مغضب
تزهقه إرهاق الشهاب لغيهب
لكن أراك تبش بشة سامح
وأراك ترمقه بعين الصافح
رسل المسيح الشاربين دماءه
الآكلين بلا تقى أحشاءه
أفذبحكم ذاك الذبيح لفدية
أم تلك مأساة تعاد لكدية
ما أجمل الصلاح منكم خلة
ما أبشع الظلام منكم فعلة
الله أوحى فكرة هي دينه
فمن اهتدى هي نوره ويقينه
نزلت على الفادي الأمين الشافع
كلما ثلاثا تحت لفظ جامع
ألحب في المعنى العميم الكامل
معنى المراحم والفداء الشامل
والعدل يقضي بالخراج لقيصرا
والصفح عن كل يسيء من الورى
ألقى مبادئها وكلا خولا
تعليمها ونفى الرئاسة والعلى
وأرادكم لتعلموا وتبشروا
وأرادكم لتسامحوا ولتغفروا
فنذرتم لله بطنا مشبعا
ويدا إذا مدت فكيما تجمعا
وزهدتم في غير ما ترضونه
ورغبتم عن كل ما تأبونه
وقسمتم دين المسيح مذاهبا
تستكثرون مراتبا ومناصبا
ومضيتم في الغي حتى نلتم
في بعض وهمكم الجنين وقلتم
فلئن يكن في الخلق خلق طاهر
فالطفل تمثال العفاف الظاهر
أفما كفى ذاك الرهينة للردى
ما سوف يلقاه من الدنيا غدا
يا من عرفت وكان قسا صالحا
عدلا كما يرضى المسيح مسامحا
متجردا عن عزه وشبابه
وهناء عيشته ولهو صحابه
يهدي الأنام بقوله وبفعله
مسترشدا في الريب حكمة عقله
متجنب التحريم فيه حيثما
تنبو قوى الإدراك عنه فربما
متوفرا للخير جهد نشاطه
يفنى ولا يفني قوى استنباطه
مترديا مسحا كثيفا شائكا
مخشوشنا يجد اللذاذة فاركا
قم من ضريحك بالبلى متلففا
واخز الطغاة المفسدين وقل كفى
لا تنقضوا بيتا لدى تكوينه
وحذار من يتم الصغير بدينه
هذي المذاهب كلها دين الهدى
كأشعة الشمس افترقن إلى مدى
يا طفل إنك للفضيلة معبد
فلديك أركع بالضمير وأسجد
أجثو وأرجو ضارعا متخشعا
منك ابتساما أجتليه ليقشعا
فلقد صفحت تكرها وتطولا
عمن أبوا الأذى لك والقلى