انتقل إلى المحتوى

لك الحق الذي يجب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

لك الحقُّ الذي يجبُ

​لك الحقُّ الذي يجبُ​ المؤلف لسان الدين الخطيب


لك الحقُّ الذي يجبُ
وفضلك ليس يحتجب
ودون عُلاك ما تُنمى
إليه السَّبعةُ الشُّهب
وفوْقَ ابن البتول ابن
وفوق ابن البتول أبُ
أتتني منكَ زائرَةٌ
يقودُ هدِّيها الأدَبُ
زرَتْ بابن الحسينِ فما
له في الحُسْن منتسَبُ
ونادت بالرَّضى لقدْ
حكيت وفاتَكَ الشَّنب
تعالى الله من يهبُ الكمالَ
ونعْمَ ما يَهَبُ
تُغازلني معانيها
فتُسفِرُ ثمَّ تنتقِبُ
ولكن نغَّص المَسْرى
ودهري كلُّهُ عجبُ
وأوحَتْ عنك لي وَصَبا
تخطى مجدَكَ الوصَبُ
فصرْتُ كصاحبِ الضَّليلِ
دون الدَّرْب أنتحِبُ
فإنَّك ذُخري الأعلى
ومعقِلُ عزِّي الأشِبُ
وأنت جميعُ أسبابي
إذا ما أعوَزَ السبَبُ
وجدتُكَ عدتي وغنى
يدي إذا أذهِبَ الذهبُ
فلولا أنك اسبقَيْتني
والعقل مستلبُ
وبالدَّر النثيرِ شعبتَ
صَدعا ليسَ ينشعِبُ
فدتْك كواعِبُ الخضراء
لا عجَمٌ ولا عربُ
ودُمت الدَّهر في سُحُبٍ
من الآلاء تنسحِبُ
ألا بكيا روْضَ الجلال الذي ذَوي
على حين هزَّتهُ السماحَةُ واستوا
وجادتْهُ أخلافُ الخلافَةِ فارتوا
ونوحا على نجْمِ العلاء الذي هَوا
فأبرَزَ شمسَ الجوِّ في خلعَةِ الجوا
فللهِ من ديوانِ فضلٍ قد انطوا
وعوجا بأكنافِ الضَّريح الذي حوا
من الجودِ والإفضال أسنى المراتِبِ
أقيما بحقِّ مأتمَ الباسِ والنَّدى
ولا تقفا خيْلَ الدُّموع إلى مدا
لبدرٍ جلى جنْحَ الرجا لِمن اهتدى
وغصْنٍ ذوى حينَ استوى وتأوَّدا
وسيف إمام أغمدتْهُ يدُ الرَّدى
ولا تأنسا ما راح ركبٌ وما غدا
ألا فابكيا غيث المواهِبِ والجدا
وليث الشَّرى نجلَ السُّراة الأطايب
هو الدَّمْع إن شحّتْ لخطب عيونُه
على ابن أبي عمرو يُذالُ مصونُه
فتًى حرَّك الأرجاء حزناً سُكنوه
وغالَتْ قصيات الأماني مَنونهُ
فحُثا سحابَ الدَّمْع تهمي هتونُهُ
عليه كما كانَتْ تصوبُ يمينَهُ
وجودا بوبْلِ الدَّمعِ تهمي شؤونُهُ
كما هملَتْ مزَنُ الغيوثِ السواكِبِ
وقولا لمن شُدَّت إليه نُسوعه
تُؤمِّل منه النصر فيما يروعُهُ
فيصرِخُه إن ضاقَ بالرَّوع روعُهُ
هو القدرُ المحتومُ حُمَّ وقوعُهُ
وبدرُ الليالي لا يُرجَّى طلوعُهُ
وقلب المعاني أسلمتْه ضلوعُه
ونوحا فإنَّ المجدَ أقوَتْ ربوعهُ
وزلزِلَ منه مشمخِرُّ الأهاضبِ
هصرْتَ ثمار العزِّ طيّبة الجنا
وشيَّدت مثوى الفخْرِ مستحكَمَ البِنا
وخلَّفت في الأرجاء من ذائِع الثنا
فضائِع لا يغتالُها طارقُ الفنا
وصيَّرت صعْبَ الشَّرق للغربِ هيناً
وكنت مسرّ اللخلوصِ ومُعلنا
وما كنتَ إلا البحر والطَّودَ والسَّنا
تضيءُ ضياء الزَّاهرات الثواقِب
ألهفاً عليها من خلالٍ كريمةٍ
كروْضِ الرُّبا تفترُّ في أرض ديمة
ترفُّ جناها عن أصولٍ قديمةٍ
ودرَّةِ مجدٍ لا تُقاسُ بقيمة
تذودُ عن الأحرارِ كل عظيمة
وكم من معالٍ قد حويْت عظيمة
وما كنْتَ إلا حائزاً كل شيمةٍ
من الفخْرِ سبَّاقاً لبذل الرَّغائب
إذا ذكر الحُجَّابُ في كل مشهَدٍ
وأملاكهُمُ في كلِّ هاد ومهتَد
ومعتمدٍ من بعدهم ومؤَيِّد
وعددت الآثارُ من كل أوحَد
كما زين نحْرٌ بالفريدِ المقلَّدِ
وكانوا نجوماً في الزمان لِمُهتَد
فما اختصَّت الأملاكُ مثل محمدٍّ
وما افتخرَتْ طول الزَّمان بحاجِب
محمَّد أحرزْتَ العلاءَ المكمَّلا
فعُلياكَ قد حطَّتْ سِواكَ وإن علا
فكنتَ الحيا والبدْرَ جوداً ومُجتلا
وسيفاً طريرَ الحدِّ منتظِمَ الحُلا
بلغْتَ التي ما فوقَها متمهَّلا
وما بالغ الإطنابُ فيكَ وإن غَلا
وما نالتِ الأشرافُ ما نلْتَ من عُلا
ولا لك ندٌّ في العلا والمناقِب
لأبديْتَ في التَّدبير كلَّ عجيبَة
بآراء كهلٍ في ثيابِ شبيبَة
فأعجزْتَ حُجَّاب العلا بضريبَة
من الله والخلقِ الحميد قريبَة
ونفسٍ إلى داعي الكمال مجيبَةِ
تذوبُ حياءً وهي غيرُ مريبة
وإن خُصَّ منهم ماجِدٌ بنقيبةٍ
فقد حُزتَ في العليا جميع المناقِب
كمُلْت فلم تلحَقْ عُلاك النقائصُ
سموت فلم يدرِكْ محلك شاخِصُ
وحثَّتْ لمغناكَ الرَّحب القلائِصُ
ورُدَّت بك الأهوالُ وهي نواكِص
فإن شئتَ إخلاصاً فؤادُكَ خالصٌ
ويارةً ما حازها قطٌّ غائِص
نمتك إلى المجدِ الأصيلِ خصائِصُ
يقصِّرُ عنها نجلُ زيدٍ وحاجِبِ
هو البين حتماً لا لعلَّ ولا عسى
وماذا عسى يُغْني الولي وما عسا
ولو كان يُجدي الحزْنُ وينفعُ الأسى
لما وجدَتْ أنفاسُنا متنفَّسا
فكم بين من هدَّ البناء وأسَّسا
وليس سواءً أحسنَ الدهْرُ أم أسا
ظعنَتْ عن الدنيا حميداً مقدَّساً
وسرْتَ بريًّا من ذميمٍ المثالبِ
كذا البثُّ لا يُشفي بليتَ وعلَّني
أعالج أشجاني إذا الليلُ جنَّني
وأنهلني وِرْدَ الدُّموع وعلَّني
وما أنا عن حُزني عليك بمنثَني
فلم يُلهني ما طاب من عيشي الهَني
أقولُ لمن يبغي سلوِّي خلِّني
فبالله ما دمعي براقٍ وإنني
أكفكِفُ منه كالعهادِ السَّواكبِ
لبست الرِّضى في بدأة وتتمَّةٍ
ودافعت عن مولاكَ كلَّ ملمَّة
كفيت إذا استكفاكَ كلَّ مهمةٍ
ولم تألُ في صيتٍ بعيدٍ وهمَّة
وكنتَ أحقَّ المخلصينَ بنعمةٍ
فقدسْتَ من إلٍّ كريم ورِمّة
وغمَّضك الرحمنُ منه برحمةٍ
تبلِّغُك الزُّلفى وأقصى المآربِ
ترحَّلْت عن ربعٍ علمت غرورَهُ
وفارقْتَ مغناهُ وأخليت دورَه
ورافقْتَ ولدانَ الجنانِ وحورَهُ
ومن قدَّم الخير استطاب وَجوره
فضاعفَ في مثواكَ ربُّك نورهُ
ونضرتَهُ لقاكَها وسرورَهُ
وبوَّأك من أعلى الجنانِ قصورهُ
تحيِّيك فيها مسبلاتُ الذوائبِ
على مثله ثُكلاً تشيب المفارِقُ
وهل تخطىء المرءَ الخطوبُ الطوارِقُ
لقد شاقَني منك الحبيبُ المفارِقُ
فقلبي وأجفاني العقيقُ وبارِقُ
أصبْتُ بذخري منك والدَّهرُ سارقٌ
سأصحَبُ فيك الوجدَ ما ذرَّ شارقُ
عليك سلامُ الله ما لاحَ بارقٌ
وما سجعت وُرْق الحمام النَّوادبُ