انتقل إلى المحتوى

لعمري لقد أنكرت غير نكير

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

لعمري لقد أنكرتَ غيرَ نكيرِ

​لعمري لقد أنكرتَ غيرَ نكيرِ​ المؤلف ابن الرومي


لعمري لقد أنكرتَ غيرَ نكيرِ
عُبُوسُ الغواني لابتسام قَتيرِ
كذا هن لا يوقعنَ وُدًّا على امرىءٍ
أطارت غُراباً عنه كفُّ مُطيرِ
وللشَّيب جَهرٌ والشبيبة طُرةٌ
وليس جَهيرٌ في الصِّبا كطَريرِ
عزاؤك عن ظبيٍ طَرير فإنه
بعينيك إذ شيَّبتَ غير غرير
رأيت حياةَ المرءِ بعد مشيبه
إذا زاول الدنيا حياةَ أسير
خليليَّ هل من نُهية الشّيب عائضٌ
لمعتاضهِا من حَبْرةٍ وحَبير
وبنتِ نعيم في ضبابة عنبرٍ
تفورُ وطوراً في عَجاجِ عَبير
برَهْرهةٍ لم تُغْزَ إلا بناعمٍ
ولم تُسقَ من ماءٍ بغير نَمير
مضمّخة اللَّباتِ تحسب نحرها
من المسك والجاديِّ نحر نَحير
محجّبةٌ تحتل عليا خَوَرْنقٍ
تشارف أنهاراً خلال سَدير
سَقَتْني بعينيها وفيها وَدَلها
خُموراً لها ليستْ خمور عَصير
من الظّبياتِ العاطيات لمُجتنِي
ثمار قلوب لا لحَبِّ بذير
تُغيرُ على الجَلْد اللبيبِ فتستبي
حِجاه ولم تحمل سلاحَ مُغيرِ
بدرٍّ نثير من حديثٍ تحفُّهُ
بآخر في سِمطين غير نثيرِ
تبسَّمُ عنهُ في الدُّجَى فكأنما
يُضيء الدُّجى منه بروقُ صَبيرِ
أفيما يُفيدُ الشيب من واعظِ النُّهى
وفاءٌ بهذا في حكومةِ زير
أبى ذاك إلا كلُّ شهمٍ مشمِّر
لها من مجازٍ واعتنى بمصير
طوى مدةً من دهره ذاتَ زُخرفٍ
إلى أبدٍ ذي سُندسٍ وحرير
بمنزلةٍ لا لغو فيها سوى الذي
بها من غناءٍ مُطربٍ وزَمير
أرانينُ طيرٍ لا تزال مَليَّةً
بكرِّ هَديلٍ تارةً وصفير
ألا تِلكُمُ الدار التي حل أهلها
بناءٍ عن الخطب المخوف شَطير
خفيرُهمُ فيها من الشر كلّه
خفيرٌ إليه أمرُ كلِّ خفير
لهم ما اشتهوا فيها مسوقاً إليهمُ
مَقوداً إذا شاؤوا بغير جرير
وليست بها شمسٌ فكل زمانهم
غدوٌّ وإصالٌ بغير هجير
بلى كلُّ شمسٍ فوق خوطٍ مهفهفٍ
على دِعصِ رملٍ يزدَهيكَ وثير
وعيشٌ بلا موتٍ وكل ملذةٍ
يفوز بها الملتذُّ غير مَضير
أناخ بهم في الأمن خوفٌ أراهمُ
كأنهمُ يمشون فوق شفير
نهتهم به أحلامهم أن يثابروا
على عملٍ للعاملين مُبير
وإن ابن إبراهيمَ حقاً لمِنهمُ
وإن كان للسلطان أيّ ظهير
فتى يُتقَى في السلمِ حشوُ دواته
كما يُتقى في الحرب حشو جفير
يرى الحائنون الموتَ يصرف نابه
إذا بعث الأقلامَ ذات صرير
إذا ما أثارَ الحقَّ بعد آدِّفانه
بتحصيله الشافي فأيُّ مُثير
له حُلم لقمان الحكيم فإن طغا
سفيهٌ فخلفُ الحلم صولةُ شيرِ
وما ظنُّ راجٍ ما لديه بكاذبٍ
ولا مخُّ راع في ذَراه برير
بكيرُ العطايا للعُفاة وإنما
حميدُ نباتِ الأرض كلُّ بكير
ينيلُ بلا وعدٍ إذا النيْلُ لم يكن
بغير وعيدٍ قبله وهَرير
فتى لا يُنسيه الفعالَ اتِّكاله
على تاج مُلك سالف وسرير
ولكنه يبني على إرثِ من مضى
جهيراً من البنيان فوقَ جهير
أبا الحسنين العلم والجود لاتزلْ
بنعماءَ ما قامت هضابُ ثبير
كَناكَ بها لا بالحسين مُسلِّم
إليك رِقابَ الود غيرَ مُعير
معظِّمُ قدرٍ منك جدِّ مُعظَّم
مُكبِّر شأن منك جدِّ كبير
أبتْ لك أنْ تكنى بحسنٍ مُصغَّرٍ
محاسنُ ما مقدارُها بصغير
وقد علم الأقوامُ أنك مُكملٌ
لك الحسنُ في مرأىً وغيبِ ضمير
وما الحسن إلا شيمةٌ مستقلةٌ
بتبصير ذي جهلٍ وجبر كسير
وأنت الذي لا ينكُر الناس أنه
هُدىً لأخِي جوْرٍ غِنًى لفقير
تُعظِّمُ من شكر الصديق حقيره
وتَحقرُ من جدواك غير حقير
لك الدهرَ معروفٌ شهيرٌ وإنما
تُحب من المعروف كلَّ ستير
وما أعجبَ المعروفَ تستر فِعله
ولستَ تراه الدهرَ غير شهير
إذا زارك العافُون كان إيابُهم
إيابَ بشيرٍ لا إيابَ نذيرِ
ولو قعد العافون عنك لَزارهم
نوالُك من تِلقاءِ خَيرِ مُزيرِ
كأن الذي يغشى جنابك نازلٌ
على روضة مَوْليَّة وغدير
نداك لهم رهنٌ مدى الدهر كله
بأخضر رِبْعيِّ النبات نضير
فهنأك الله الفضيلة مِنحة
ولا زلت في خيرٍ يزيد وخِيرِ
وهنأك الله الذي أنت أهلُهُ
برغم العدى من رأي خير أمير
أمير رأى فيك الذي ليسَ مُشكِلاً
ووافقه في ذاك خيرُ وزير
لعمري لقد جَلّى بعين جليةٍ
من القوم نظّارٌ فقيد نظير
تأمل أين الفهمُ والحزم والتقى
لباغي سفيرٍ فوقَ كل سفير
فأبصرها فيك الموفّق كلّها
فولاك ما ولاك غير نكير
ولما عزمتَ الظّعن كي تفصل التي
عصتْ كلّ طب بالأمورِ خبير
رحلتَ على اسم الله أيمنَ رحلةٍ
وسرتَ على اسم الله خيرُ مسير
على ثقة من ناصر الدين أنه
سينصرُ منك الحقّ خيرَ نصير
فألفاك ميمونَ النقيبهِ كالذي
عُرفتَ به في أول وأخير
ظللتَ له بالغيبِ عيناً يُديرها
فأيتما عينٍ وأيُّ مدير
ولما توسطت الأمور كفيتَها
وأقبلتَ محموداً بوجه بشير
ولولاك لم تُعدَم دماءٌ ممارةٌ
سُدًى من قتيل طائح وعَقير
إذا ولَعاق العاملين عن الحيا
عوائقُ بالسلطان ذات ضرير
ولكن نهيتَ السيف عن سَطواته
بيُمنك فارتد ارتداد حسير
وبدَّلتَ خبط العالمين هدايةً
وقد يهتدي أعمى بنور بصير
وما كان إصلاحُ الأمور التي التوتْ
فداويتها من دائها بيسيرِ
ولكنّ من والى الإلهُ مُيسَّر
له بأقلّ السعي كلُّ عسير
ولم تُمتَهن لكنك المرء لم يزل
مُعِدّاً لعِيرٍ تارةً ونفير
فتنفِر في النّفار أيّ محافظ
وتقعد طوراً أيّ حافظ عير
تغيب فلا تنفك شُغل مُذاكِرٍ
وتبدو فلا تنفك نُصب مشير
يَهش لذكراك العدو وإنه
ليُضمر في الأحشاء نار سعير
وقد سُئل الحساد عنك بأسرهم
فقالوا وما حابوا بوزن نَقير
مُهذبُ أخلاقٍ مشرَّف همةٍ
مثقفُ آراءٍ مُمرُّ مرير
فأعجِبْ بفضلٍ بان حتى استبانه
من الناس قومٌ في غباءِ حَمير
وأعجبْ بفضلٍ بان حتى عنَتْ له
سِباعٌ من الأعداء ذاتُ زئير
وحتى غدا يُثني به كلُّ كاشح
بقول ويتلو قوله بزفير
أطال عليّ الدهر قومٌ بظلمهم
وكم لك من يوم عليّ قصير
فلو كان لي حقُّ تريد قضاءَهُ
لأ لفيتَ قد جاوزته بكثير
ولكنّ ما تُسديه فضلٌ منحتَه
وأنت بترك الفضل غير جدير
إذا كنتَ شمساً نورها من طباعها
فكيف بأن نلقاك غيرَ منير
وكنتَ سحاباً ضاق بالماء وُسْعهُ
فكيف بأن نلقاك غير مطير
أبى الله إلا أن تضيء لحائرٍ
وتَندَى لمستسقٍ إباء قدير
شكرتُ ولم أسأل مزيداً فزدتني
دريراً من المعروف بعد درير
نفحتَ بسيل بعد قَطرٍ وللحيا
سيولٌ بعَقْب القطر ذاتُ خرير
مطرتَ وقد أيبستُ حتى بلّلتني
فعُوديَ ليْن المتن غيرُ هصيرِ
عليه ثمارُ الشكر بين شَكيرِه
فيا حُسنَه حَمْلاً خلال شكير
وقالوا أطلْ في مدحه قلت حسبكم
رِشائيفليس المستقى بقَعير
ألا رُبما قَصَّرتُ في مدح ماجدٍ
وفزتُ بسَجْل من نداه غزير
وما بي غنًى عما لديك ولو غدتْ
مفاتيحُ ما مُلِّكتُ عبءَ بعير
فعِشْ في جوار الله خيرِ مجاوَرٍ
يُجير بك الأحرارَ خيرُ مُجير
يدُ الله من ريب الزمان وقايةٌ
على خطر للمجد فيك خطير
فما لك عيبٌ غير أنك لم تدعْ
أخا كرمٍ جاراك غير بَهير
وأنك مَنْ أصبحتَ يوماً عشيرهُ
من الناس طُرّاً ذَمَّ كلَّ عشير
مَنحتُكها غراء يقطعُ وَخْدُها
نهار أخي لهو وليل سَمير
وإن لم أقرظْ منك إلا مُقرِّظاً
وإن لم أشِدْ إلا بذكر ذَكير