لافات ملكك ما أعيابه الطلب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

لاَفَاتَ مُلْكَكَ ما أَعْيابِهِ الطَّلَبُ

​لاَفَاتَ مُلْكَكَ ما أَعْيابِهِ الطَّلَبُ​ المؤلف ابن حيوس


لاَفَاتَ مُلْكَكَ ما أَعْيابِهِ الطَّلَبُ
وَلاَ تَزَلْ أَبَداً تَعْلُو بِكَ الرُّتَبُ
فَقَدْ حَلَلْتَ بِما تَأْتِي ذُرى شَرَفٍ
لَوْ يُدّعَى لاَدَّعَتْهُ السَّبْعَةُ الشُّهُبُ
وَعَمَّ بَيْتَكَ مِنْ مَجْدٍ خُصِصْتَ بِهِ
فَخْرٌ تَشارَكَ فِيهِ العُجْمُ وَالعَرَبُ
يُشَبِّبُ النَّاسُ إِنْ هَمُّوا بِمَكْرُمِةٍ
عِياً وَأَنْتَ عَلَى الحالاتِ تَقْتَضِبُ
نافيتهمْ بمساعٍ منْ أعينَ بها
فكلُّ مرمىً بعيدٍ رامهُ كثبُ
كما تنافى الثريا وَالثرى رتباً
لاَ مثلما يتنافى الصفرُ وَالذهبُ
فصحَّ حقكَ لما اعتلَّ باطلهمْ
لَنْ يَنفُقَ کلصِّدْقُ حَتّى يَكْنُسُدَ کلْكَذِبُ
يَکبْنَ کلأُلى دَاَنتِ کلدُّنْيا لَهُمْ رَهَباً
وَأَدْرَكُوا عَنْوَةً أَضْعافَ مَا طَلَبُوا
بالعزمِ حينَ يخونُ العزمُ طالبهُ
وَ الغَزْوِ حِينَ يُمَلُّ السَّرْجُ وَالقَتَبُ
ذَوُو الوَقَائِعِ حَلّى مُرَّها لَهُمُ
ضَرْبُ الطُّلى رُبَّ ضَرْبٍ دُونَهُ ضَرَبُ
الوَارِدُونَ حِياضَ المَوْتِ مَحْمِيَةً
والجائِدُونَ إِذا مَا ضَنَّتِ السُّحُبُ
لهمْ ظبيً تسلبُ الأعداءَ أنفسها
يَوْمَ الوَغى وَرِماحٌ كُلُّها سُلُبُ
وَطَالَمَا أَضْرَمُوا في كُلِّ مُعْتَرَكٍ
ناراً حماةُ أعاديهمْ لها حصبُ
مَا عَاشَ مَنْ لَمْ تَكُنْ هذِي الصِّفاتُ لَهُ
حُلىً وَلا ماتَ مَنْ نَصْرٌ لَهُ عَقِبُ
طَلْقُ المُحَيَّا بِحَيْثُ الحَرْبِ عَابِسَةٌ
كأنَّ جدَّ الوغى قدامهُ لعبُ
في مَوْقِفٍ شَهِدَتْ شُوسُ الكُماةِ لَهُ
بالجودِ بالنفسِ وَالأرواحُ تستلبُ
إذْ عمَّ كلَّ فصيحٍ مدرهٍ خرسٌ
وَلِلظُبى وَالعَوالي أَلْسُنٌ ذُرُب
وَرَأْيُهُ الكَرُّ في أَعْقابِ أُسْرَتِهِ
إِذْ رَأْيُ كُلِّ عَزِيزٍ جَارُهُ الهَرَبُ
حتى انجلتْ وَلهُ الذكرُ المبلغهُ
هذا المَدى رَضِيَ الحُسَّادُ أَوْ غَضِبُوا
مَنْ لَيْسَ يُجْزِلُ نُعْمَى جَرَّها سَبَبٌ
إلاّ تلاها بأخرى مالها سببُ
وَمظهرُ العدلِ في نأيٍ وَمقتربٍ
حَتّى لَقَدْ عَدَلَتْ عَنْ ظُلْمِها النُّوَبُ
فالجودُ وَالعدلُ مفروضٌ وَمتبعٌ
والجَوْرُ والبُخْلُ مَرْفُوضٌ وَمُجْتَنَبُ
تخفى الكرامُ متى عدتْ مكارمهُ
إِذا الأَتِيُّ طَغى لَمْ تَظْهَرِ القُلُبُ
فَلا يُحاوِلْ مَداهُ كُلُّ ذِي نَسَبٍ
فَما لَهُ في حَديثٍ طَيِّبٍ نَشَبُ
لَنْ يُعْدَمَ الخَيْرُ في بَيْتٍ قَواعِدُهُ
غُلْبٌ على الفَضْلِ وَالإِفْضالِ قَدْ غَلَبُوا
مَعَاشِرٌ لا يَرَوْنَ الجُودَ عارِفَةً
كَمْ مِنْ لُهَىً أَتْبَعَتَها بِلُهىً
إنَّ الخليفةَ لما رقتهُ شيماً
علقتَ منهُ بحبلٍ ليسَ ينقضبُ
حَنَا عَلَيْكَ فَما بَارَى مَبَرَّتَهُ
أخٌ شقيقٌ أوْ أبٌ حدبُ
وَزَادَ مُلْكَكَ مِنْ أَسْنَى مَوَاهِبِهِ
أشفَّ ما يصطفي منهُ وَينتخبُ
وَحزتَ كلَّ نفيسٍ منْ ملابسهِ
أَشْبَهَتَ لأْلآءَهُ والشِّبْهُ مُنْجَدِبُ
ممعٌ وَهوَ بالأبصارِ منتهبٌ
وَظاهرٌ وَهوَ بالأنوارِ محتجبُ
وَمُقْرَبٌ بَرَّحَ السَّيْرُ الحَثِيثُ بِهِ
حتى تحكمَ فيهِ الأينُ والدأبُ
نحا جناحكَ وَ الأشواقُ تجذبهُ
فدأبهُ الشدُّ وَالتقريبُ وَالخببُ
حتى رآكَ فمالَ الإختيالُ بهِ
إلى الجماحِ إلى أنْ كفهُ الأدبُ
وَقَلَّدَ العَضْبُ عَضْباً طالما انْكَشَفَتْ
بهِ صنوفُ الأذى وَانجابتِ الكربُ
وَكلُّ ما أَنْتَ مُمْطَاهُ وَلاَبِسُهُ
دونَ الذي ضمنتَ منْ مدحكَ الكتبُ
كَمْ أُوُدِعَتْ مِنْ صِفَاتٍ عَنْكَ مُخْبِرَةٍ
وَإنْ تظنىَّ جهولٌ أنها لقبُ
كَلُّ المَلابِسِ يَبْلَى عِنْدَ بِذْلَتِهِ
وَتلكَ باقيةٌ أثوابها قشبُ
إِنَّ النَّبَاهَةَ أَدْنَى مَا سَعَيْتَ لَهُ
فَإِنْ خُصِصْتَ بِأَقْصَاهَا فَلاَ عَجَبُ
لكَ الهناءُ الذي للشانئيكَ بهِ
لَذْعُ الهِنَاءِ وَإِنْ لَمْ يَذْهَبِ الجَرَبُ
منْ كلَّ مظهرِ ودٍّ ليسَ يضمرهُ
وَضاحكٍ لكَ خوفاً وَهوَ مكتئبُ
وَمَنْ أَحَقُّ التَّنْوِيهِ مِنْ مَلِكٍ
ماضي الغرارِ إذا ما كلتِ القضبُ
تَرْضَى المُلُوكُ بِأَنْ يُدْعَى لَهَا شَرَفاً
وَتعتلي باسمهِ الأشعارُ وَالخطبُ
أنالهُ الجودُ وَالإقدامُ منزلةً
مَا نَالَها سَالِفاً آباؤُهُ النُّجُبُ
وَتاجُ ملةِ خيرِ الأنبياءِ لهُ
جدٌّ وَتاجُ ملوكِ الخافقينِ أبُ
وَإنْ معاليهمُ طالتْ فقدْ بلغتْ
بهِ المآثرُ مالاَ يبلغُ الحسبُ
لَقَدْ ظَفِرْتَ مِنَ المَجْدِ الصَّريحِ
نصيبُ طلابهِ الإكداءُ وَالنصبُ
منافياً كلَّ منْ تخفيهِ همتهُ
فليسَ يعرفُ إلاَّ حينَ ينتسبُ
بكَ اقتضى الدينُ ديناً حانَ ماطلهُ
فَيَسَّرَ اللّهُ ما تَرْجُو وَتَرْتَقِبُ
فليسَ يعصيكَ إلاَّ منْ حشاشتهُ
يَسْتاقُها الحَتْفُ أَوْ يَشْتاقُها العَطَبُ
وَصَلْتَنِي بِصِلاَتٍ لاَ يَجُودُ بِها
إِلاَّ امْرُؤٌ مَالهُ فِي مالِهِ أَرَبُ
فمنْ بيانكَ ماءُ الفضلِ منهمرٌ
وَمنْ بنانكَ ماءُ الجودِ منسكبُ
وَالمَجْدُ إِنْ كانَ فِي الأَقْوَامِ مُكْتَسَباً
فإنهُ فيكَ مولودٌ وَمكتسبُ
سطوتَ فاستصغرَ الأنجادُ منْ غلبوا
وجدتَ فاستنزرَ الأجوادُ ما وهبوا
كمْ منْ لهىً جمةٍ أتبعتها بلهىً
كذبنَ منْ قالَ إني جاركَ الجنبُ
وَزادَ بِرُّكَ حَتَّى صارَ ناسِبُكُمْ
يعدني منْ ذوي القربى إذا نسبوا
فَقَدْ تَرَكْتُ غَنِيّاً غَيْرَ مَقْلِيَةٍ
لَمَّا تَجَدَّدَ لِي فِي عامِرٍ نَسَبُ
وَسَوْفَ أُبْقِي عَلَى ذَا المُلْكِ مِنْ كَلِمِي
مالا تحفيهُ الأحوالُ وَالحقبُ
منْ كلَّ مطريةٍ للفضلِ مطربةٍ
مَنْ لَيْسَ يَطْرَبُ وَالأَوْتارُ تَصْطَخِبُ
قولٌ يُضاعِفُ بُعْدُ الدَّارِ قِيْمَتَهُ
كالمسكِ يزدادُ قدراً حينَ يغتربُ
وَكيفَ أمدحهُ منْ بعدِ معرفتي
ألاَّ أَقُومَ بِمِعْشارِ الَّذي يَجِبُ
لَنْ يَبْلُغَ المَدْحُ أَدْنى ما تَجُودُ بِهِ
فَلَسْتَ تُحْرِزُ إِلاَّ دُونَ ما تَهَبُ