كتاب الزهرة/الباب الرابع والتسعون ذكر الخطأ في القول والأوزان دون الخطأ في الإعراب والمعاني
الباب الرابع والتسعون ذكر الخطأ في القول والأوزان دون الخطأ في الإعراب والمعاني
فمن عيوب الشعراء المساندة والأكفاء والمزاحفة والأقواء والتضمين والإيطاء والخرم. فأمَّا المساندة فهي اختلاف الإعراب في أرداف القوافي مثل قول عمرو بن كلثوم:
فحرك الردف من البيت الأول وسكنه في البيت الثاني، وسبيل هذا الشعر أن يشاكل أرداف قوافيه في الإعراب ولا يضر أن يكون بعض أردافه ياءً وبعضها واواً ولا يجوز الألف بحال. وقال منصور النمري:
وزعم قوم أن الإجارة أن تكون القوافي مقيدة فتختلف الأرداف كقول امرئ القيس:
أفلا ترى أن الفاء الَّتي هي تردف قافية البيت الأول مكسورة والفاء الَّتي هي ردف قافية البيت مرفوعة فلو اتفقت هذه الأرداف كان أحسن لأن الحركة بالحركة أشبه من الحركة بالسكون وإذا اختلفت فالعيب في اختلافهما أيسر في اختلاف ما ذكرنا قبلها.
وأمَّا الإكفاء فمن العلماء من يقول هو اختلاف القوافي وذلك أبعد ممَّا قبله من الصواب وأولى بالترك والاجتناب لأن ما قبح اختلاف إعرابه تضاعف القبح في اختلاف ألفاظه، وأنشدتني الهمدانية أعرابية رأيتها بالبادية:
وقال آخر يصف الجراد:
وهذا هو مختلف القوافي لأن ياء القافية إنَّما هي الحرف الَّذي يلحقه الإعراب، فالإعراب ربما كان ياء وربما كان واواً فلا تغترر بحرف تراه آخر البيت فربما بين القافية وبين آخر البيت حرف وربما كان من الشعر ما يحتاج قافية كل بيت منه إلى أربعة أحرف لوازم لا بد منها وإلاَّ لم يكن شعراً، فمن ذلك قول لبيد:
فالألف الَّتي قبل الميم ردف القافية والردف إذا كان ألفاً لم يصلح أن ينوب غيرها كما إذا كان الردف ياءً أو واواً نابت عنها صاحبتها، والميم هي القافية لأن الإعراب يقع ولا بد من الألف الأخير وإلاَّ جاء بعض القوافي مذكراً وبعضها مؤنثاً وبعضها مضموماً وهذا لا يصلح بحال فكذلك لم يجز أن يكون في هذه الأبيات الَّتي ذكرناها ما يأتي قبل الهاء منه راء ولا يأتي قبلها منه ذال من قبل إن ما قيل الهاء هو حرف القافية ولا بد للشاعر من لزوم الميم، وقد جاء في الشعر ما هو أقبح من هذا كله فذلك أن هذه الأنواع الَّتي ذكرناها إنَّما هي عيوب يفهمها من يعلمها ويديرها والَّذي نحن إن شاء الله ذاكروه نفسه على عينة كل من سمعه:
وقال آخر:
وبلغني عن الخليل بن أحمد أنَّه كان يسمي هذا إجازة وإذا صفح عن هؤلاء الفصحاء المطبوعين فما معنى إنكاره على من حدث من المتكلفين.
وبلغني أن رجلاً جاء إلى دعبل بن علي ليلاً فقال له: قد صنعتُ شعراً لم يتقدمني فيه أحد إلاَّ النابغة وأمثاله ولا تحسنن أن تقول مثله قال هو فأنشده:
قال دعبل: فقلت له ويحك قافية البيت الأول راء وقافية البيت الثاني زاي، قال: فقال لا تتعظ فيفطنوا، قال: فقلت له فالأول مرفوع القافية والثاني مخفوض القافية. قال: فقال لي انظر إلى حمقه أنا آمره لا ينقط وهو يشكل.
وأمَّا المزاحفة فمثل قول امرئ القيس الكندي:
وهذان البيتان يقول كثير من الرواة أن امرأ القيس لم يقل خيراً منهما ولا قال أحد مثلها في معناهما، فأمَّا الأول منهما ففي المصراع الثاني فيه نقصان، وأمَّا البيت الثاني فمصراعاهما ناقصان. وقال زهير:
وقال زهير أيضاً:
وأمَّا الإقواء فزعم أبو عمرو انه اختلاف الإعراب في القوافي. قال النابغة الذبياني:
فيقال أنَّه لم يعلم، حتَّى غُنِّي بحضرته فوقف حينئذ على عيبه، قال النابغة أيضاً:
وفي هذه القصيدة يقول:
وقال بشر بن أبي حازم:
وفي هذه القصيدة يقول:
وإنَّما يتساهل في اختلاف إعراب القوافي إذا كان بعضها مرفوعاً وبعضها مخفوضاً، فأمَّا النصب فلا يصلح معه غيره البتَّة لا في شعر جاهلي ولا غيره، وأمَّا قول جرير:
برئتُ إلى عرينةَ من عَرينِ
فهذا إنَّما بناه على الوقف ولو أعربه لفسد الشعر فاختار أن ينقص من عروضه حرفاً لا يضرّه على أن يتم العروض فيفسد شعره. وقد زعم غير أبي عمرو أن اللحن في القوافي إنَّما هو الإكفاء والإقواء هو نقصان حرف من فاضلة البيت وإنَّما سميت الإقواء لأنه نقص من عروضه قوّة. ويقال: أقوى فلان الحبل إذا جعل إحدى قواه أغلظ من الأخرى، وأمَّا التضمين فهو أن يكون محتاجاً إلى ثانية فلا يفهم معناه حتَّى يسمع ما يليه.
قال بشر بن أبي حازم:
وقال شبيب:
وفي ذلك يقول الآخر وهو الشعر الجاري على ألسن الخاصة والعامة:
فزاد في الوزن " اشدد " وهي كلمة فيها أربعة حروف لا تحتاج عروض الشعر إلى واحد منها.
قالت الخنساء:
فزادت في البيت الأول الهاء لا تحتاج العروض إليها.
هامش