كتاب الزهرة/الباب الثلاثون من منع من البراح تشوق بالرياح

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


الباب الثلاثون من مُنع من البراح تشوَّق بالرِّياح

كلُّ متشوَّقٍ من العشَّاق بنسيم ريحٍ أوْ لمعان برقٍ أوْ سجع حمامٍ فهو ناقصٌ عن حال التَّمام من جهتين إحداهما قلَّة صبره على فقد صاحبه حتَّى يحتاج أن يرى ما يشوقه بذكره والأخرى أنَّ من كانت هذه صفته فإنَّ الصَّبابة لم تتمالك على قلبه فتشغله عن أن يتشوَّق بشيءٍ يلمُّ به غير أنَّ الشَّوق بما ذكرناه إنَّما يقصِّر بأهله عن درجة الكمال وليس بمدخلٍ لهم في جملة الموصوفين بالنَّقص والإخلال ومن مختار ما قيل في الشَّوق بالرِّياح.

قول ذي الرمة:

إذا هبَّتِ الأرياحُ من نحوِ جانبٍ
بهِ أهلُ ميٍّ هاجَ شوقي هبوبُها
هوًى تذرفُ العينانِ منهُ وإنَّما
هوى كلِّ نفسٍ حيثُ حلَّ حبيبُها

وقال آخر:

وقدْ عاودتْنا الرِّيحُ منها بنفحةٍ
علَى كبدٍ من طيبِ أرواحها بردُ
عِديني بنفسي أنتِ وعداً فربَّما
جلا كربةَ المكروبِ عن قلبه الوعْدُ
فقدْ بتُّ لا قومٌ ولا كبليَّتي
ولا مثلُ وجدي في الشِّفا بكمُ وجدُ

وقال مجنون بني عامر:

أيا جبليْ نعمانَ باللهِ خلِّيا
طريقَ الصَّبا يخلصْ إليَّ نسيمُها
أجدْ بردَها أوْ تشفِ منِّي حرارةً
علَى كبدٍ لمْ يبقَ إلاَّ صميمُها
فإنَّ الصَّبا ريحٌ إذا ما تنسَّمتْ
علَى نفسِ مغمومٍ تجلَّتْ غيومُها

وقال ابن الدمينة:

وقدْ جعلتْ ريَّا الجنوبِ إذا جرتْ
علَى ضعفِها تبدَا لنا وتطيبُ
جنوبٌ بريَّا مِنْ أُميمةَ تغتدِي
حجازيَّةً عُلويةً وتؤوبُ

وقالت وجيهة بنت أوس الضبية:

فلو أنَّ ريحاً بلَّغتْ وحْيَ مُرسل
حفِيِّ لناجيتُ الجنوبَ علَى النَّقبِ
فقلتُ لها أدِّي إليهمْ تحيَّتي
ولا تخلطيها طالَ سعدكِ بالتُّربِ
فإنِّي إذا هبَّتْ شمالٌ سألتُها
هلِ ازدادَ صدَّاحُ النُّميرةِ مِنْ قربِ

وقال يزيد بن الطثرية:

إذا ما الرِّيحُ نحوَ الأثلِ هبَّتْ
وجدتُ الرِّيحَ طيِّبةً جنوبا
فماذا يمنعُ الأرواحَ تسرِي
بريَّا أُمِّ عمرو أنْ تطيبا
أليستْ أُعطيتْ في حسنِ خلقٍ
كما شاءتْ وجُنِّبتِ العيوبا

وقال آخر:

خليليَّ مِنْ سكانَ مُرَّانَ هاجَني
سكونُ الجنوبِ مرَّةً وابتسامُها
فإنْ تسأَلاني ما دوائِي فإنَّني
بمنزلةٍ أعيَى الطَّبيبَ سقامُها

وقال صخر الحرمازي:

لعمركَ ما ميعادُ عينيكَ بالبُكا
بداراءَ إلاَّ أنْ تهبَّ جنوبُ
أُعاشرُ في داراءَ مَنْ لا أُحبُّهُ
وبالرَّملِ مهجورٌ إليَّ حبيبُ

وقال آخر:

عليكِ سلامُ اللهِ أمَّا قلوبُنا
فمرضَى وأمَّا ودُّنا فصحيحُ
وإنِّي لأستسقِي بكلِّ سحابةٍ
تمرُّ بها منْ نحوِ أرضكِ ريحُ

قال آخر:

هوَى صاحِبي ريحُ الشَّمالِ إذا جرتْ
وأهوَى لنفسي أنْ تهبَّ جنوبُ
وما ذاكَ إلاَّ أنَّها حينَ تنتهي
تناهَى وفيها مِنْ أُميمةَ طيبُ
فويلِي منَ العذَّالِ ما يترُكونني
بغمِّي أمَا في العاذلينَ لبيبُ
يقولُونَ لو عزَّيتَ قلبكَ لارْعَوى
فقلتُ وهلْ للعاشقينَ قلوبُ

وقال مهدي بن الملوح:

إذا الرِّيحُ مِنْ نحوِ الحبيبِ تنسَّمتْ
وجدتُ لريَّاها علَى كبدِي بردَا
علَى كبدٍ قدْ كادَ يُبدي بها الجوى
صدوعاً وبعضُ القومِ يحسبُني جلدا

وقال آخر:

تمرُّ الصَّبا بساكنِ ذي الغضا
فيصدعُ قلبي أنْ يهبَّ هبوبُها
قريبةُ عهدٍ بالحبيبِ وإنَّما
هوَى كلِّ نفسٍ حيثُ كانَ حبيبُها

وقال الجويرية:

يصحِّحُ أوصابي علَى النَّأيِ والهوَى
مُهيجُ الصَّبا مِنْ نحوِها حينَ تنفحُ
وما اعترضتْ للرَّكبِ أدماءُ حرّةٌ
منَ العينِ إلاَّ ظلَّتِ العينُ تسفحُ
وعاتبةٍ عندِي لها قلتُ أقْصري
فغيركِ خيرٌ منكِ قولاً وأنصحُ

وقال الورد بن الورد العجلي:

أمُغترباً أصبحتَ في دارِ مهرةٍ
ألا كلُّ نجديٍّ هناكَ غريبُ
إذا هبَّ عُلويُّ الرِّياحِ وجدتَني
كأنِّي لعُلويِّ الرِّياحِ نسيبُ
ألا حبَّذا الإصعادُ لو تستطيعهُ
ولكنْ أجلْ لا ما أقامَ عسيبُ
فإنْ مرَّ ركبٌ مُصعدونَ فقلبهُ
معَ المُصعدينَ الرَّائحينَ جنيبُ
سلِ الرِّيحَ إنْ هبَّتْ جنوباً ضعيفةً
متى عهدُها بالدَّيرِ زِير حبيبُ
متى عهدُها بالمُوقلاتِ وحبَّذا
شواكلُ ذاكَ العيشِ حينَ يطيبُ
ولا خيرَ في الدُّنيا إذا أنتَ لمْ تزرْ
حبيباً ولمْ يطربْ إليكَ حبيبُ

وقال آخر:

ألا ليتَ شِعري هلْ يعودَنَّ ما مضَى
لياليَ عيشُ الأصفياءِ رطيبُ
وهلْ عائدٌ قبلَ المماتِ فراجعٌ
علَى عهدهِ دهرٌ إليَّ حبيبُ
وإنِّي لتُحْييني الصَّبا وتُميتُني
إذا ما جرتْ بعدَ الشَّمالِ جنوبُ
وتبردُ نفسي بلْ تعيشُ حشاشَتي
شمالٌ بها بعدَ الهدوِّ هبوبُ
وأرتاحُ للبرقِ اليمانِي كأنَّني
لهُ حينَ يجري في السَّماءِ نسيبُ

وقال ابن الدمينة:

ألا لا أُحبُّ السَّيرَ إلاَّ مُصعِّداً
ولا الرِّيحَ إلاَّ أنْ تهبَّ جنوبُ
إذا هبَّ عُلويُّ الرِّياحِ وجدتَني
كأنِّي لعُلويِّ الرِّياحِ نسيبُ

وقال آخر:

إذا هبَّتِ الأرواحُ مِنْ نحوِ أرضهمْ
وجدتُ لريَّاها إذا ما جرتْ بردَا
ومَنْ يلبسِ الدُّنيا ونُعمى ويختلفْ
عليهِ جَديداها يُجِدَّا لهُ فقدا

وقال ابن الدمينة:

فيا حسراتِ النَّفسِ مِنْ غربةِ النَّوى
إذا قسمتْها نيَّةٌ وشعوبُ
ومِنْ خطراتٍ تعتَريني وزفرةٍ
لها بينَ جلدي والعظامِ دبيبُ
وقدْ جعلتْ ريَّا الجنوبِ إذا جرتْ
علَى طيبِها تبدَا لنا وتطيبُ
جنوبٌ بريَّا مِنْ أُميمةَ تغتدي
حجازيَّةً علويَّةً وتؤوبُ

وقال هدبة بن خشرم:

ألا ليتَ الرِّياحَ مسخَّراتٌ
لِحاجتنا تراوحُ أوْ تؤُبُ
فتُبلغنا الشَّمالُ إذا أتتْنا
وتُبلغَ أهلَنا عنَّا الجنوبُ

ولبعض أهل هذا العصر في هذا المعنى:

مباشرةُ النَّسيمِ لشخصِ إلفي
أشدُّ عليَّ مِنْ فقدِ الحبيبِ
نأَى عنِّي الحبيبُ فصارَ قلبي
يغارُ علَى الصَّبا وعلَى الجنوبِ
ولوْ يسطيعُ ما درجتْ دَبورٌ
إذنْ ونهَى الشَّمالُ عنِ الجنوبِ
خليلِي مِنْ نواكَ أخذتُ حظِّي
فهلْ لي في نوالكَ مِنْ نصيبِ
نُفيتُ منَ الهوَى إنْ كانَ قلبي
دعَى ودّاً كودِّكَ في المغيبِ

وقال حميد بن ثور:

يهشُّ لنجديِّ الرِّياحِ كأنَّهُ
أخُو كربةٍ داني الإسارِ طليقُ
فيا طيبَ ريَّاها وبردَ نسيمِها
إذا حانَ مِنْ حامي النَّهارِ طروقُ

وقال جرير:

يا حبَّذا جبلُ الرَّيانِ مِنْ جبلٍ
وحبَّذا ساكنُ الرَّيانِ مَنْ كانا
وحبَّذا نفحاتٌ منْ يمانيَةٍ
تأتيكَ منْ قبلِ الرَّيانِ أحيانا

وقال آخر:

إذا هبَّ علويُّ الرِّياحِ وجدتَني
يهشُّ لعلويِّ الرِّياحِ فؤاديا
فإنْ هبَّتِ الرِّيحُ الصَّبا هيَّجتْ لنا
دواعيَ حزنٍ لم يجدنَ مُداويا
وما هبَّتِ الرِّيحُ الصَّحيحةُ موهناً
منَ اللَّيلِ إلاَّ بتُّ للرِّيحِ ضاويا
وإلاَّ علتْني عبرةٌ ثمَّ زفرةٌ
وإلاَّ تداعى القلبُ منِّي تداعيا

وقالت امرأة من مرة:

ألا خَليا بردَ الجنوبِ فإنَّهُ
يُداوي فؤادي مِنْ هواهُ نسيمُها
وكيفَ تُداوي الرِّيحُ شوقاً مماطلاً
وعيناً طويلاً للدُّموعِ سجومُها

وقال آخر:

حسبتُ الغضا يشفي هُيامِي فلم أجدْ
شميمَ الغضا يشفي هُيامَ فؤاديا
بلَى لو أتتْنا الرِّيحُ تُدلجُ موهناً
بريحِ الخزامى كانَ أشفى لِما بِيا

وقال الوقاف وهو الورد بن الورد الجعدي:

إذا تركتْ وحشيَّةٌ نجدَ لم يكنْ
لعينيكَ ممَّا يشكوانِ طبيبُ
إذا راحَ ركبٌ مُصعدونَ فقلبهُ
معَ المصعدينَ الرَّائحينَ جنيبُ
وكانتْ رياحُ الشَّامِ تُبغضُ مرَّةً
فقدْ جعلتْ تلكَ الرِّياحُ تطيبُ
وقد كانَ علويُّ الرِّياحِ أحبَّها
إلينا فقدْ دارتْ هناكَ جنوبُ

وقال آخر:

ألا حبَّذا يومٌ تهبُّ به الصَّبا
لنا وعشيَّاتٌ تدانتْ غيومُها
بنُعمانَ إذْ أهلي بنُعمانَ جيرةٌ
لياليَ إذْ يرضَى بدارٍ مقيمُها

وقال كلاب بن عقبة:

بأهلي ونفسي مَنْ تجنَّبتُ دارهُ
ومَنْ لا أرَى لي مِنْ زيارتهِ بدَّا
ومَنْ ردَّني إذْ جئتُ زائرَ بيتهِ
ولو زارَ بيتي ما أُهينَ ولا رُدَّا
ومَنْ لا تهبُّ الرِّيحُ مِنْ شقِّ أرضهِ
فتبلغَني إلاَّ وجدتُ لها بردا

وقال آخر:

ما هبَّتِ الرِّيحُ مِنْ تلقاءِ أرضكمُ
إلاَّ وجدتُ لها برداً علَى كبدي
ولا تنسَّمتْ أُخرى أستفيقُ لها
إلاَّ وجدتُ خيالاً منكَ بالرَّصدِ

وقال ابن الدمينة:

يمانيَةٌ هبَّتْ بليلٍ فأرَّقتْ
حشاشةَ نفسٍ قد تعنَّى طبيبُها
أبِيني إذا استخبرتِ هل تحفظُ الهوَى
أُميمةُ أم هلْ عادَ بعدِي رقيبُها

وقال الورد بن الورد العبسي:

ألا ليتَ أنَّ الرِّيحَ في ذاتِ بينِنا
رسولٌ فتطوي بينَنا بلداً قفْرا
فتخبرَها ماذا لقينا منَ الهوَى
وتُخبرنا عنها علانيَةً جهرا

وقال آخر:

ألا يا جبالَ الغورِ خلِّينَ بينَنا
وبينَ الصَّبا يخرجُ علينا سَنينُها
فقدْ طالَ ما حالت ذُراكنَّ بينَنا
وبينَ ذُرى نجدٍ فما نسْتَبينُها

وقال طريح بن إسماعيل:

هلِ الرِّيحُ مِنْ صبٍّ مقيمٍ مريحةٌ
علَى الظَّاعنِ النَّائي سلامَ المسلمِ
وكيفَ تناسى مَنْ تجدِّدُ ذكرَهُ
نسيمُ الرِّياحِ للصَّبا المتنسَّمِ

وقالت العيوق بنت مسعود:

إذا هبَّتِ الأرواحُ زادتْ صبابةً
عليَّ وبرحاً في فؤادي هبوبُها
ألا ليتَ أنَّ الرِّيحَ ما حلَّ أهلُنا
بصحراءِ نجدٍ لا تهبُّ جنوبُها
وآلتْ يميناً لا تهبُّ شمالُها
ولا نكباً إلاَّ صَباً نستطيبُها

وقال آخر:

ألا حبَّذا ريحُ الأُلا إذا جرتْ
بريَّاهُ هبَّاتُ الرِّياحِ الجنائبُ
وإنِّي لمعذورٌ إلى الشَّوقِ كلَّما
بدَا لي مِنْ نخلِ الصَّباحِ النَّصائبُ

وقال آخر:

هلِ الرِّيحُ أوْ برقُ اليمامةِ مخبرٌ
ضمائرَ حاجٍ لا أُطيقُ لها ذكرا
سُليمى سقَاها اللهُ حيثُ تصرَّفتْ
بها غُرباتُ الدَّارِ عن دارِنا القطرا
إذا درجتْ ريحُ الصَّبا وتنسَّمتْ
تعرَّفتُ مِنْ نجدٍ وساكنهِ نشرا
تقرَّفَ قرحُ القلبِ بعدْ انْدِمالهِ
فهيَّجَ دمعاً لا جموداً ولا نذرا