كتاب الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد
كتاب الاعتقاد
كتاب الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة أخبرنا القاضي الفقيه الإمام العالم الصدر الكبير شيخ القضاة بقية المشايخ الزاهد العابد الورع جمال الدين أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري أثابه الله الجنة بقراءتي عليه في يوم الجمعة منتصف رمضان من سنة تسع وست مائة بزاوية الخضر من جامع دمشق قلت له أخبرك الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد بن سليمان المرادي قراءة عليه وأنت تسمع فأقر به قال أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الفراوي قلت للقاضي وأخبرك أبو عبد الله الفراوي إجازة فأقر به قال أخبرنا الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي الحافظ قراءة سنة خمسين وأربعمائة قال الحمد لله الذي خلق الخلق كما شاء لما شاء واختار من الخلق لرسالته والدعاء لمعرفته والتمسك بطاعته من شاء وهدى إلى إجابة دعوته واجتناب معصيته بما أقام من البينات وأظهر من الآيات من
شاء ووعد لأهل طاعته ما أعد لهم في الجنة من الثواب كما شاء وأوعد أهل معصيته بما أعتد لهم من النار في العقاب كيف شاء لا معقب لحكمه كما قال جل ثناؤه في محكم كتابه الذي أنزله على نبيه محمد ﷺ وعلى آله وربك يخلق ما يشاء ويختار وقال الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس وقال إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده إلى قوله رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما وقال والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وقال ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى وقال واتقوا النار التي أعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين وقال وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون فالحمد لله على جميع نعمه وصلى الله على كافة رسله وخص نبينا محمدا بأفضل الصلاة والتحية والبركة وآتاه ما وعده من الوسيلة والفضيلة والرفعة في الدنيا والآخرة وبعثه يوم القيامة مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون وجمع بيننا وبينه في جنات النعيم مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
بفضله ورحمته إنه أرحم الراحمين وخير الغافرين أما بعد فإني بتوفيق الله سبحانه وتعالى صنفت فيما يفتقر أهل التكليف إلى معرفته في أصول العلم وفروعه ما قد انتشر ذكره في بعض البلاد وانتفع به من وفق لسماعه وتحصيله من العباد غير أن جمل ما يحتاج إلى معرفته من ذلك للاعتقاد على السداد معرفة في تلك الكتب ولا يكاد يتفق لجماعتهم الإتيان على جمعها والإحاطة بجميعها فأردت والمشيئة لله تعالى أن أجمع كتابا يشتمل على بيان ما يجب على المكلف اعتقاده والاعتراف به مع الإشارة إلى أطراف أدلته على طريق الاختصار وما ينبغي أن يكون شعاره على سبيل الإيجاز فاستخرت الله تعالى في ذلك وفي جميع أموري وابتدأت به مستعينا بالله عز اسمه على إتمامه وأسأله أن يجعلني والناظرين فيه ممن يخصه بجميل إنعامه وإكرامه وجزيل إحسانه وامتنانه إنه وليه والقادر عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله
باب أول ما يجب على العاقل البالغ معرفته والإقرار به قال الله جل ثناؤه لنبيه محمد ﷺ فاعلم أنه لا إله إلا الله وقال له ولأمته فاعلموا أن الله مولاكم وقال فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون وقال قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا الآية فوجب بالآيات قبلها معرفة الله تعالى وعلمه ووجب بهذه الآية الاعتراف به والشهادة له بما عرفه ودلت السنة على مثل ما دل عليه الكتاب أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران العدل ببغداد أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا يعلى بن عبيد الأعمش عن أبي سفيان عن جابر وعن أبي صالح عن أبي هريرة قالا قال رسول الله ﷺ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى ورواه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن
النبي ﷺ وفيه من الزيادة ويؤمنوا بي وبما جئت به أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ ثنا محمد بن إسحاق ثنا محمد بن معمر بن ربعي ثنا عمر بن يونس الحنفي ثنا عكرمة بن عمار حدثني أبو كثير حدثني أبو هريرة فذكر حديثا طويلا قال فيه عن النبي ﷺ أنه قال يا أبا هريرة وأعطاني نعليه اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة أخبرنا أبو عبد الله ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا عفان حدثني بشر بن المفضل عن خالد بن الوليد أبي بشر قال سمعت حمران يقول سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله ﷺ يقول من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن الفضل القطان بمدينة السلام أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو
عاصم عن عبد الحميد بن جعفر عن صالح بن أبي عريب عن كثير ابن مرة عن معاذ بن جبل أن النبي ﷺ قال من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وجبت له الجنة قال الشيخ رحمه الله ففي الحديث الأول بيان ما يجب على المدعو أن يأتي به حتى يحقن به دمه وفي الحديث الثاني بيان ما يجب عليه من الجمع بين معرفة القلب والإقرار باللسان مع الإمكان حى يصح إيمانه وفي الخبر الثالث والرابع شرط على الإيمان حتى يستحق دخول الجنان بوعد الله تعالى وبالله التوفيق
باب ذكر بعض ما يستدل به على حدوث العالم وأن محدثه ومدبره إله واحد قديم لا شريك له ولا شبيه قال الله تعالى وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس بن يعقوب ثنا أحمد بن الفضل الصائغ ثنا آدم بن أبي إياس ثنا أبو جعفر الرازي ثنا سعيد بن مسروق عن أبي الضحى وإلهكم إله واحد قال لما نزلت هذه الآية عجب المشركون وقالوا إن محمدا يقول إن إلهكم إله واحد فليأتنا بآية إن كان من الصادقين فأنزل الله تعالى إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار إلى قوله لآيات لقوم يعقلون قال الشيخ رحمه الله فذكر الله تعالى خلق السماوات بما فيها
من الشمس والقمر والنجوم المسخرات وذكر خلق الأرض بما فيها من البحار والأنهار والجبال والمعادن وذكر اختلاف الليل والنهار وأخذ أحدهما من الآخر وذكر الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وذكر ما أنزل من السماء من المطر الذي فيه حياة البلاد وبه وبما وضع الله في الليل والنهار من الحر والبرد يتم رزق العباد والبهائم والدواب وذكر ما بث في الأرض من كل دابة مختلفة الصور والأجساد مختلفة الألسنة والألوان وذكر تصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض وما فيهما من منافع الحيوانات وما في جميع ذلك من الآيات البينات لقوم يعقلون ثم أمر في آية أخرى بالنظر فيهما فقال لنبيه ﷺ قل انظروا ماذا في السماوات والأرض يعني والله أعلم من الآيات الواضحات والدلالات النيرات وهذا لأنك إذا تأملت هيئة هذا العالم ببصرك واعتبرتها بفكرك وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع ما يحتاج إليه ساكنه من آلة وعتاد فالسماء مرفوعة كالسقف والأرض مبسوطة كالبساط والنجوم منضودة كالمصابيح والجواهر مخزونة كالذخائر وضروب النبات مهيأة للمطاعم والملابس والمآرب وصنوف الحيوان مسخرة للمراكب مستعملة في المرافق والإنسان كالمملك البيت المخول ما فيه وفي هذا دلالة واضحة على أن العالم مخلوق بتدبير وتقدير ونظام وأن له صانعا حكيما تام القدرة بالغ الحكمة وهذا فيما قرأته من كتاب أبي سليمان الخطابي رحمه الله
قال الشيخ رحمه الله ثم إن الله تعالى حضهم على النظر في ملكوت السماوات والأرض وغيرهما من خلقه في آية أخرى فقال أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون يعني بالملكوت الآيات يقول أولم ينظروا فيها نظر تفكر وتدبر حتى يستدلوا بكونها محلا للحوادث والتغيرات على أنها محدثات وأن المحدث لا يستغني عن صانع يصنعه على هيئة لا يجوز عليه ما يجوز على المحدثات كما استدل إبراهيم الخليل عليه السلام بمثل ذلك فانقطع عنها كلها إلى رب هو خالقها ومنشئها فقال إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس في قوله تعالى وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض يعني به الشمس والقمر والنجوم رأى كوكبا قال هذا ربي حتى غاب فلما غاب قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر حتى فلما غابت قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض الآية قال الشيخ أحمد رحمه الله وحثهم على النظر في أنفسهم والتفكر فيها فقال وفي أنفسكم أفلا تبصرون يعني لما فيها من الإشارة إلى آثار الصنعة الموجودة في الإنسان من يدين يبطش بهما ورجلين يمشي عليهما وعين يبصر بها وأذن يسمع بها ولسان يتكلم به وأضراس تحدث له عند غناه عن الرضاع وحاجته إلى الغذاء يطحن بها الطعام ومعدة أعدت لطبخ الغذاء وكبد يسلك إليها صفوه وعروق ومعابر تنفذ فيها إلى الأطراف وأمعاء يرسب إليها ثفل الغذاء ويبرز عن أسفل البدن فيستدل بها على أن لها صانعا حكيما عالما قديرا أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد بن محمد بن علي الروذباري أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا عباس بن محمد ثنا عبيد الله بن موسى ثنا سفيان عن ابن جريج عن محمد بن المنكدر عن عبد الله بن الزبير وفي أنفسكم أفلا تبصرون قال سبيل الخلاء والبول
أخبرنا يحيى بن إبراهيم حدثني محمد بن عبيد الله الأديب ثنا محمود بن محمد ثنا عبد الله بن الهيثم ثنا الأصمعي قال سمعت ابن السماك يقول لرجل تبارك من خلقك فجعلك تبصر بشحم وتسمع بعظم وتتكلم بلحم قلنا ثم إنا رأينا أشياء متضادة من شأنها التناحر والتباين والتفاسد مجموعة في بدن الإنسان وأبدان سائر الحيوان وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة فقلنا إن جامعا جمعها وقهرها على الاجتماع وأقامها بلطفه فلولا ذلك لتنافرت ولتفاسدت ولو جاز أن تجتمع المتضادات والمتنافرات وتتقادم من غير جامع يجمعها لجاز أن يجتمع الماء والنار ويتقاوما من ذاتها من غير جامع يجمعها ومقيم يقيمها وهذا محال لا يتوهم فثبت أن اجتماعها إنما كان بجامع قهرها على الاجتماع والالتئام وهو الله الواحد القهار وقد حكي عن الشافعي رحمه الله أنه احتج بقريب من هذا المعنى حين سأله المريسي عن دلائل التوحيد في مجلس الرشيد واحتج أيضا بالآية التي ذكرناها في أول الباب وباختلاف الأصوات قلنا وقد بين الله تعالى في كتابه العزيز تحول أنفسنا من حالة إلى حالة وتغيرها ليستدل بذلك على خالقها ومحولها فقال ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا وقال ولقد خلقنا الإنسان من
سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون فالإنسان إذا فكر بنفسه رآها مدبرة وعلى أحوال شتى مصرفة كان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم لحما وعظما فيعلم أنه لم ينقل نفسه من حال النقص إلى حال الكمال لأنه لا يقدر أن يحدث لنفسه في الحال الأفضل التي هي كمال عقله وبلوغ رشده عضوا من الأعضاء ولا يمكنه أن يزيد في جوارحه جارحة فيدله ذلك على أنه في حال نقصه وأوان ضعفه عن فعل ذلك أعجز وقد يرى نفسه شابا ثم كهلا ثم شيخا وهو لم ينقل نفسه من حال الشباب والقوة إلى الشيخوخة والهرم ولا اختاره لنفسه ولا في وسعه أن يزايل حال المشيب ويراجع قوة الشباب فيعلم بذلك أنه ليس هو الذي فعل هذه الأفعال بنفسه وأن له صانعا صنعه وناقلا نقله من حال إلى حال ولولا ذلك لم تتبدل أحواله بلا ناقل ولا مدبر ثم يعلم أنه لا يتأتى الفعل المحكم المتقن ولا يوجد الأمر والنهي ممن لا حياة له ولا علم ولا قدرة ولا إرادة ولا سمع ولا بصر ولا كلام فيستدل بذلك على أن صانعه حي عالم قادر سميع بصير متكلم ثم يعلم استغناء المصنوع بصانع واحد وعلو بعضهم على بعض وما يدخل من الفساد في الخلق أن لو كان معه آلهة فيستدل بذلك على أنه إله واحد لا شريك له كما قال عز من قائل ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما
يشركون وقال لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون ثم يعلم أن صانع العالم لا يشبه شيئا من العالم لأنه لو أشبه شيئا من المحدثات بجهة من الجهات لأشبهه في الحدوث من تلك الجهة ومحال أن يكون القديم محدثا أو يكون قديما من جهة حديثا من جهة ولأنه يستحيل أن يكون الفاعل يفعل مثله كالشاتم لا يكون شتما وقد فعل الشتم والكاذب لا يكون كذبا وقد فعل الكذب ولأنه يستحيل أن يكون شيئان مثلين يفعل أحدهما صاحبه لأنه ليس أحد المثلين بأن يفعل صاحبه أولى من الآخر وإذا كان كذلك لم يكن لأحدهما على الآخر مزية يستحق لأجلها أن يكون محدثا له لأن هذا حكم المثلين فيما تماثلا فيه وإذا كان كذلك استحال أن يكون الباري سبحانه مشبها للأشياء فهو كما وصف نفسه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وقال قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ أنا عبدالله محمد بن يعقوب الحافظ وأبو جعفر محمد بن صالح بن هانئ قالا ثنا الحسين بن الفضل ثنا محمد بن سابق ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا يا محمد انسب لنا ربك فأنزل الله تبارك وتعالى قل هو الله أحد الله
الصمد لم يلد ولم يولد لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت وليس شيء يموت إلا سيورث وإن الله تبارك لا يموت ولا يورث ولم يكن له كفوا أحد لم يكن له شبيه ولا عدل ليس كمثله شيء أخبرنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم أنا أبو الحسن الطرائفي ثنا عثمان بن سعيد ثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ولله المثل الأعلى قال يقول ليس كمثله شيء وفي قوله هل تعلم له سميا يقول هل تعلم للرب مثلا أو شبيها قلنا وقد سلك بعض مشايخنا رحمنا الله وإياهم في إثبات الصانع وحدوث العالم طريق الاستدلال بمقدمات النبوة ومعجزات الرسالة لأن دلائلها مأخوذة من طريق الحس لمن شاهدها ومن طريق استفاضة الخبر لمن غاب عنها فلما ثبتت النبوة صارت أصلا في وجوب قبول ما دعا إليه النبي ﷺ وعلى هذا الوجه كان إيمان أكثر المستجيبين
للرسل صلوات الله عليهم أجمعين أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المقرئ رحمه الله أنا الحسن بن محمد بن إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا نصر بن علي حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق حدثني الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وعن عروة بن الزبير وصلب الحديث عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة زوج النبي ﷺ قالت إن النبي ﷺ لما فتن أصحابه بمكة أشار عليهم أن يلحقوا بأرض الحبشة فذكر الحديث بطوله إلى أن قال فكلمه جعفر رضي الله عنه يعني النجاشي فقال كنا على دينهم يعني على دين أهل مكة حتى بعث الله تعالى فينا رسولا نعرف نسبه وصدقه وعفافه فدعا إلى أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا ونخلع ما يعبد قومنا وغيرهم من دونه وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر وأمرنا بالصلاة والصيام والصدقة وصلة الرحم وكل ما يعرف من الأخلاق الحسنة فتلا علينا تنزيلا جاءه من الله تعالى ففارقنا عند ذلك قومنا وآذونا فقال النجاشي هل معكم مما نزل عليه شيء تقرؤونه علي قال جعفر نعم فقرأ كهيعص فلما قرأها بكى النجاشي حتى اخضلت لحيته وبكت أساقفته حتى اخضلت مصاحفهم وقال النجاشي إن هذا الكلام والكلام الذي جاء به موسى عليه السلام ليخرجان من مشكاة واحدة
قلنا فهؤلاء مع النجاشي وأصحابه استدلوا بإعجاز القرآن على صدق النبي ﷺ فيما ادعاه من الرسالة فاكتفوا به وآمنوا به وبما جاء به من عند الله فكان فيما جاء به إثبات الصانع وحدوث العالم أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا أبو النضر حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال كنا نهينا أن نسأل رسول الله ﷺ عن شيء فكان يعجبنا أن يأتيه الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع فأتاه رجل منهم فقال يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك قال صدق قال فمن خلق السماء قال الله قال فمن خلق الأرض قال الله قال فمن نصب هذه الجبال قال الله قال فمن جعل فيها هذه المنافع قال الله قال فبالذي خلق السماء والأرض ونصب الجبال وجعل فيها هذه المنافع آلله أرسلك قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال صدق قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا صدقة في أموالنا قال صدق قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا صوم شهر في سنتنا قال صدق قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا قال صدق قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم قال والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن فلما مضى قال لئن صدق ليدخلن الجنة
قال الشيخ رحمه الله فهذا السائل كان قد سمع بمعجزات رسول الله ﷺ فكانت مستفيضة في زمانه ولعله أيضا ما كان يتلوه من القرآن فاقتصر في إثبات الخالق ومعرفة خلقه على سؤاله وجوابه عنه وقد طالبه بعض من لم يقف على معجزاته بأن يريه من آياته ما يدل على صدقه فلما أراه ووقف عليه آمن به وصدقه فيما جاء به من عند الله تعالى أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر بن إسحاق أنا علي بن عبد العزيز ح وأخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة حدثنا أبو علي حامد بن محمد الرفا أنا علي بن عبد العزيز حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني أنا شريك عن سماك عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال جاء أعرابي إلى النبي ﷺ فقال بم أعرف أنك رسول الله فقال أرأيت لو دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله قال نعم قال فدعا العذق فجعل العذق ينزل من النخلة حتى سقط في الأرض فجعل ينقز حتى أتى النبي ﷺ قال ثم قال له ارجع فرجع حتى عاد إلى مكانه فقال أشهد أنك رسول الله وآمن به تابعه الأعمش عن أبي ظبيان ورواه أبو حيان عن عطاء عن ابن عمر عن النبي ﷺ بمعناه
باب ذكر أسماء الله وصفاته عزت أسماؤه وجل ثناؤه قال الله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون وقال قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى وقال هو الله الذي لا إله إلا هو إلى قوله له الأسماء الحسنى أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الفقيه رحمه الله أنا أبو بكر أحمد بن الحسين بن الحسن القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة قال قال رسول الله ﷺ لله تسعة وتسعون اسما مائة إلا
واحدا من أحصاها دخل الجنة وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه أخبرنا محمد بن أحمد بن الوليد الكرابيسي ثنا صفوان بن صالح الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم ثنا شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة إنه وتر يحب الوتر هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق القوي الوكيل المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعال البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار
النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور وأخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل رحمه الله أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا حدثني حميد بن الربيع حدثني خالد بن مخلد حدثنا عبد العزيز بن الحصين ثنا أيوب وهشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها كلها دخل الجنة الله الرحمن الرحيم الإله الرب الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الحليم العليم السميع البصير الحي القيوم الواسع اللطيف الخبير الحنان المنان البديع الودود الغفور الشكور المجيد المبدئ المعيد النور البادي الأول الظاهر الباطن العفو الغفار الوهاب القادر الأحد الصمد الوكيل الكافي الباقي الحميد المغيث الدائم المتعالي ذو الجلال والإكرام المولى النصير الحق المبين الباعث المجيب المحيي المميت الجليل الصادق الحافظ المحيط الكبير القريب الرقيب الفتاح التواب القديم الوتر الفاطر الرزاق العلام العلي العظيم الغني المليك المقتدر الأكرم الرؤوف المدبر القدير المالك القاهر الهادي الشاكر
الكريم الرفيع الشهيد الواحد ذو الطول ذو المعارج ذو الفضل الخلاق الكفيل الجميل قال الشيخ رحمه الله تفرد بالرواية الأولى مع ذكر الأسامي الوليد بن مسلم عن شعيب بن أبي حمزة وتفرد بهذه الرواية عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان عن أيوب السختياني وهشام بن حسان وزعم بعض أهل العلم بالحديث أن ذكر الأسامي في هذا الحديث من جهة بعض الرواة وأن الحديث عن النبي ﷺ في ذكر عددها دون تفسير العدد وهذه الأسامي مذكورة في كتاب الله تعالى وفي سائر الأحاديث عن نبينا محمد ﷺ مفردة نصا أو دلالة فذكرناها في كتاب الأسماء والصفات وقوله ﷺ إن لله تسعة وتسعين اسما لا ينفي غيرها وإنما أراد والله أعلم أن من أحصى من أسماء الله عز
وجل تسعة وتسعين اسما دخل الجنة سواء أحصاها مما نقلنا في الحديث الأول أو مما ذكرنا في الحديث الثاني أو من سائر ما دل عليه الكتاب أو السنة أو الإجماع وبالله التوفيق
باب ذكر الأسماء التي رويناها علي طريق الإيجاز الله معناه من له الإلهية وهي القدرة على اختراع الأعيان وهذه صفة يستحقها بذاته الرحمن من له الرحمة الرحيم الراحم فعيل بمعنى فاعل على المبالغة وقيل الرحمن المريد لرزق كل حي في الدنيا والرحيم المريد لإكرام المؤمنين بالجنة في العقبى فيرجع معناها إلى صفة الإرادة التي هي صفة قائمة بذاته الملك هو التام الملك والمالك هو الخاص الملك وحقيقتهما في صفة الله تعالى أن يكون قادرا على الإيجاد وهذه صفة يستحقها بذاته القدوس هو الطاهر من العيوب المنزه عن الأولاد والأنداد وهذه صفة يستحقها بذاته
السلام هو الذي سلم من كل عيب وبرئ من كل آفة وهذه صفة يستحقها بذاته وقيل هو الذي سلم المؤمنون من عقوبته المؤمن هو الذي صدق نفسه وصدق عباده المؤمنين فتصديقه لنفسه علمه بأنه صادق وتصديقه لعباده علمه بأنهم صادقون وقيل المؤمن الموحد لنفسه وهو من صفات ذاته وقيل المؤمن الذي يؤمن عباده المؤمنين يوم القيامة من عقوبته المهيمن هو الشهيد على خلقه بما يكون منهم من قول أو عمل وهو من صفات ذاته وقيل هو الأمين وقيل هو الرقيب على الشيء والحافظ له العزيز هو الغالب الذي لا يغلب والمنيع الذي لا يوصل إليه وقيل هو القادر القوي وقيل هو الذي لا مثل له وهو من صفات الذات الجبار هو الذي لا تناله الأيدي ولا يجري في ملكه غير ما أراد وهو من الصفات التي يستحقها بذاته وقيل هو الذي جبر الخلق على ما أراد وقيل هو الذي جبر مفاقر الخلق وهو على هذا المعنى من صفات فعله المتكبر هو المتعالي عن صفات الخلق وهذه صفة يستحقها بذاته وقيل هو الذي يتكبر على عتاة خلقه إذا نازعوه العظمة
فيقصمهم الخالق هو المبدع المخترع للخلق على غير مثال سبق البارئ هو الخالق وله اختصاص بقلب الأعيان المصور هو الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة الغفار هو الستار لذنوب عباده مرة بعد أخرى القهار هو القاهر على المبالغة وهو القادر فيرجع معناه إلى صفة القدرة التي هي صفة قائمة بذاته وقيل هو الذي قهر الخلق على ما أراد
الوهاب هو الذي يجود بالعطاء الكثير من غير استثابة الرزاق هو القائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها وما مكنها من الانتفاع به من مباح وغير مباح رزق لها الفتاح هو الحاكم بين عباده ويكون الفتاح الذي يفتح المنغلق على عباده من أمورهم دينا ودنيا ويكون بمعنى الناصر العليم هو العالم على المبالغة فالعلم صفة له قائمة بذاته القابض الباسط هو الذي يوسع الرزق ويقتره يبسطه بجوده ورحمته ويقبضه بحكمته وقيل القابض الذي يقبض الأرواح بالموت الذي كتبه على العباد والباسط الذي يبسط الأرواح في الأجساد الخافض الرافع فالخافض هو الذي يخفض من يشاء بانتقامه والرافع هو الذي يرفع من يشاء بإنعامه المعز المذل يعز من يشاء ويذل من يشاء لا مذل لمن أعزه ولا
معز لمن أذله السميع من له سمع يدرك به المسموعات والسمع له صفة قائمة بذاته البصير من له بصر يرى به المرئيات والبصر له صفة قائمة بذاته الحكم هو الحاكم وحكمه خبره وخبره قوله فيرجع معناه إلى صفة الكلام وقد يكون بمعنى حكمه لواحد بالنعمة ولآخر بالمحنة فيكون من صفات فعله العدل هو الذي له أن يفعل ما يفعل وهذه الصفة يستحقها بذاته اللطيف هو البر بعباده وهو من صفات فعله وقد يكون بمعنى العالم بخفايا الأمور فيكون من صفات ذاته الخبير هو العالم بكنه الشيء المطلع على حقيقته وقيل الخبير المخبر وهو من صفات ذاته الحليم وهو الذي يؤخر العقوبة على مستحقيها ثم قد يعفو عنهم العظيم هو المستحق لأوصاف العلو والرفعة والجلال والعظمة والتقديس من كل آفة وهو من الصفات التي يستحقها بذاته الغفور هو الذي يكثر من المغفرة
الشكور هو الذي يشكر اليسير من الطاعة ويعطي عليه الكثير من المثوبة وشكره قد يكون بمعنى ثنائه على عبده فيرجع معناه إلى صفة الكلام التي هي صفة قائمة بذاته الكبير هو الموصوف بالجلال وكبر الشأن فصغر دون جلاله كل كبير وقيل هو الذي كبر عن شبه المخلوقين وهذه صفة يستحقها بذاته الحفيظ هو الحافظ لكل ما أراد حفظه ومن أراد وقيل هو الذي لا ينسى ما علم فيرجع معناه إلى صفة العلم المقيت هو المقتدر فيرجع معناه إلى صفة القدرة وقيل المقيت الحفيظ وقيل هو معطي القوت فيكون من صفات الفعل الحسيب هو الكافي وقيل بمعنى المحاسب الجليل هو من الجلال والعظمة ومعناه ينصرف إلى جلال القدرة وعظم الشأن فهو الجليل الذي يصغر دونه كل جليل
ويتضع معه كل رفيع وهذه صفة يستحقها بذاته الكريم هو المنزه عن الدناءة وهذه صفة يستحقها بذاته وقيل الكريم الكثير الخير وقيل المحسن بما لا يجب عليه والصفوح عن حق وجب له وهو على هذا المعنى من صفات فعله الرقيب هو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء فيرجع معناه إلى صفة العلم المجيب هو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويغيث الملهوف إذا ناداه الواسع هو العالم فيرجع معناه إلى صفة العلم وقيل الغني الذي وسع غناه مفاقر الخلق الحكيم هو المحكم لخلق الأشياء وقد يكون بمعنى المصيب في أفعاله الودود هو الذي يود عباده المؤمنين ويوده عباده المؤمنون ومحبة الله عباده إرادته رحمتهم ومدحهم فيرجع معناه إلى صفة الإرادة والكلام وقد يكون بمعنى إنعامه عليهم ومن إنعامه عليهم أن يوددهم إلى خلقه وهو على هذا المعنى من صفات فعله المجيد هو الجليل الرفيع القدر المحسن الجزيل البر فالمجد في اللغة قد يكون بمعنى الشرف وقد يكون بمعنى السعة
وهو على المعنى الأول صفة يستحقها بذاته الباعث و الذي يبعث عباده بعد الموت للجزاء وقد يبعث من شاء منهم عند السقطة وينعشه عند الصرعة الشهيد هو الذي لا يغيب عنه شيء وقيل هو العالم الرائي فيرجع معناه إلى صفة العلم وصفة الرؤية الحق هو الموجود حقا وهذه صفة يستحقها بذاته الوكيل هو الكافي وهو الذي يستقل بالأمر الموكول إليه وقيل هو الكفيل بالرزق والقيام على الخلق بما يصلحهم القوي هو القادر وهو أن يكون تام القدرة لا يستولي عليه عجز في حالة من الأحوال ويرجع معناه إلى صفة القدرة المتين هو الشديد القوة الذي لا تنقطع قوته ولا يمسه في أفعاله لغوب ويرجع معناه أيضا إلى صفة القدرة
الولي هو الناصر وقيل المتولي للأمر القائم به الحميد هو المحمود الذي يستحق الحمد وقيل من له صفات المدح والكمال وهذه صفة يستحقها بذاته 3 - المحصي هو الذي أحصى كل شيء بعلمه فيرجع معناه إلى صفة العلم المبدئ هو الذي أبدأ الإنسان أي ابتدأه مخترعا المعيد هو الذي يعيد الخلق بعد الحياة المحيي هو الذي يحيي النطفة الميتة فيخرج منها النسمة الحية ويحيي الأجسام البالية بإعادة الأرواح إليها عند البعث ويحيي القلوب بنور المعرفة ويحيي الأرض بعد موتها بإنزال الغيث وإنبات الرزق المميت هو الذي يميت الأحياء ويوهي بالموت قوة الأقوياء الحي في صفة الله تعالى هو الذي لم يزل موجودا وبالحياة موصوفا فالحياة له صفة قائمة بذاته القيوم هو القائم الدائم بلا زوال فيرجع معناه إلى صفة البقاء والبقاء صفة الذات وقيل هو المدبر والمتولي بجميع ما يجري في العالم وهو على هذا المعنى من صفات الفعل الواجد هو الغني الذي لا يفتقر والوجد الغنى وقد يكون من الوجود وهو الذي لا يؤوده طلب ولا يحول بينه وبين المطلوب هرب وقد يكون بمعنى العالم
الماجد هو المجيد وقد مضى ذكر معناه الواحد هو الفرد الذي لم يزل وحده بلا شريك وقيل هو الذي لا قسيم لذاته ولا شبيه له ولا شريك وهذه صفة يستحقها بذاته الصمد هو السيد الذي يصمد إليه في الأمور ويقصد في الحوائج وقيل هو الباقي الذي لا يزول وهو من صفات الذات القادر هو الذي له القدرة الشاملة والقدرة له صفة قائمة بذاته المقتدر هو التام القدرة الذي لا يمتنع عليه شيء المقدم والمؤخر هو المنزل الأشياء منازلها يقدم ما شاء ومن شاء ويؤخر ما شاء ومن شاء الأول هو الذي لا ابتداء لوجوده الآخر هو الذي لا انتهاء لوجوده الظاهر هو الظاهر بحججه الباهرة وبراهينه النيرة وشواهد أعلامه الدالة على ثبوت ربوبيته وصحة وحدانيته وقد يكون الظهور بمعنى العلو والرفعة وقد يكون بمعنى الغلبة
الباطن هو الذي لا يستولي عليه توهم الكيفية وقد يكون الظاهر بمعنى العالم بما ظهر من الأمور والباطن بمعنى المطلع على ما بطن من الغيوب وهما من صفات الذات الوالي هو المالك للأشياء والمتولي لها وقد يكون بمعنى المنعم عودا على بدء المتعالي هو المنزه عن صفات الخلق وهذه صفة يستحقها بذاته وقد يكون بمعنى العالي فوق خلقه بالقهر البر هو المحسن إلى خلقه عمهم برزقه وخص من شاء منهم بولايته ومضاعفة الثواب له على طاعته والتجاوز عن معصيته التواب هو الذي يتوب على من يشاء من عبيده المنتقم هو الذي ينتصر من أعدائه ويجازيهم بالعذاب على معاصيهم وقد يكون بمعنى المهلك لهم العفو من العفو على المبالغة ثم قد يكون بمعنى المحو فيرجع معناه إلى الصفح عن الذنب وقد يكون بمعنى المفضل فيعطي الجزيل من الفضل الرؤوف هو الرحيم والرأفة شدة الرحمة ورحمة الله إرادته إنعام
من شاء من عباده فيرجع معناه إلى صفة الإرادة ثم قد تسمى تلك النعمة رحمة مالك الملك ومعناه أن الملك بيده يؤتيه من يشاء وقد يكون معناه مالك الملوك وقد يكون معناه وارث الملك يوم لا يدعي الملك مدع ولا ينازعه فيه منازع واستحقاقه لذلك صفة يستحقها بذاته ذو الجلال والإكرام أي مستحق أن يجل ويكرم فلا يجحد فتكون صفة يستحقها بذاته وقد يكون الإكرام بمعنى إكرامه أهل ولايته في الدنيا بمعرفته وفي الآخرة بجنته فيكون من صفات الفعل المقسط هو العادل في حكمه الجامع هو الذي يجمع الخلائق ليوم لا ريب فيه وهو من صفات الفعل وهو الذي جمع أوصاف المدح وهذه صفة يستحقها بذاته الغني هو الذي استغنى عن الخلق وقيل المتمكن من تنفيذ إرادته في مراداته وهذه صفة يستحقها بذاته المغني هو الذي جبر مفاقر الخلق وقد يكون بمعنى الكافي من الغناء وهو الكفاية المانع هو الناصر الذي يمنع أولياءه أي يحوطهم وينصرهم وقيل
هو الذي يمنع العطاء عن قوم والبلاء عن آخرين الضار هو موصل الضرر إلى من أراد النافع هو موصل النفع إلى من يشاء النور هو الهادي وقيل هو المنور وهو من صفات فعله وقيل هو الحق وقيل هو الذي لا يخفى على أوليائه بالدليل وتصح رؤيته بالأبصار وهذه صفة يستحقها الباري تعالى بذاته الهادي هو الذي بهدايته اهتدى أهل ولايته وبهدايته اهتدى الحيوان لما يصلحه واتقى ما يضره البديع هو الذي فطر الخلق مبدعا له لا على مثال سبق وهو من صفات فعله وقد يكون بمعنى لا مثل له فيكون صفة يستحقها بذاته الباقي هو الذي دام وجوده والبقاء له صفة قائمة بذاته وفي معناه الوارث الرشيد هو المرشد وهو الهادي وقد يكون بمعنى الحكيم ذي الرشد لاستقامة تدبيره وإصابته في أفعاله الصبور هو الذي لا يعالج العصاة بالعقوبة وهو قريب من معنى الحليم وصفة الحليم أبلغ في السلامة من عقوبته
وأما الأسماء التي وردت في رواية عبد العزيز بن الحصين مما ليس في رواية الوليد بن مسلم فمنها الرب ومعناه السيد وقيل معناه المالك وقيل هو المبلغ كل ما أبدع حد كماله الذي قدره له فهو على هذا المعنى من صفات فعله وعلى ما قبله من صفات ذاته الحنان معناه ذو الرحمة المنان هو الكثير العطاء البادئ معناه المبدئ الأحد الذي لا شبيه له ولا نظير الواحد الذي لا شريك له ولا عديل وعبر عن معناه بعبارة أخرى فقيل الأحد وهو المنفرد بالمعنى لا يشاركه فيه أحد والواحد المنفرد بالذات لا يضامه أحد وهما من الصفات التي يستحقها بذاته الكافي الذي يكفي عباده المهم ويدفع عنهم الملم المغيث هو الذي يدرك عباده في الشدائد فيخلصهم الدايم هو الموجود لم يزل ولا يزال ويرجع معناه إلى صفة البقاء المولى هو الناصر المعين المبين هو البين أمره في الوحدانية وهذه صفة يستحقها بذاته الصادق هو الذي يصدق قوله ويصدق وعده وهو من صفات الذات
المحيط هو الذي أحاطت قدرته بجميع المقدورات وأحاط علمه بجميع المعلومات والقدرة له صفة قائمة بذاته والعلم له صفة قائمة بذاته القريب معناه أنه قريب بعلمه من خلقه قريب ممن يدعوه بإجابته القديم هو الموجود لم يزل وهذه صفة يستحقها بذاته الوتر هو الفرد الذي لا شريك له ولا نظير وهذه أيضا صفة يستحقها بذاته الفاطر هو الذي فطر الخلق أي ابتدأ خلقهم العلام بمعنى العليم وبناء الفعال بناء التكثير والعلم لله صفة قائمة بذاته المليك هو المالك على المبالغة وقد يكون بمعنى الملك وقد مضى معناهما 3 - الأكرم هو الذي لا يوازيه كريم ولا يعادله نظير وقد يكون بمعنى الكريم 3 - المدبر هو العالم بأدبار الأمور وعواقبها ومقدر المقادير ومجريها إلى غاياتها يدبر الأمور بحكمته ويصرفها على مشيئته ذو المعارج والمعارج الدرج وهي المصاعد التي تعرج عليها الملائكة ذو الطول وذو الفضل ومعناه أهل الطول والفضل وذو حرف النسبة كقوله ذو الجلال والإكرام الجميل هو المجمل المحسن الرفيع قد يكون بمعنى الرافع يرفع درجات من يشاء فيكون من
صفات الفعل وقد يكون معناه هو الذي لا أرفع قدرا منه وهو المستحق لدرجات المدح والثناء وهي أصنافها لا مستحق لها غيره فيكون من صفات الذات قال الشيخ رحمه الله وقد قيل في معاني هذه الأسماء غير ما ذكرنا قد ذكرنا بعضها في كتاب الأسماء والصفات وبعضها في كتاب الجامع وهذه الوجوه التي ذكرنا في معانيها كلها صحيح وربنا جل جلاله وتقدست أسماؤه متصف بجميع ذلك فله الأسماء الحسنى والصفات العلى لا شبيه له في خلقه ولا شريك له في ملكه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
باب بيان صفة الذات وصفة الفعل قال الله جل ثناؤه هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا لإله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم فأشار في هذه الآيات إلى فصل أسماء الذات من أسماء الفعل على ما نبينه إلى سائر ما ذكر في كتابه من أسماء الذات وأسماء الفعل فلله عز اسمه أسماء وصفات وأسماؤه صفاته وصفاته أوصافه وهي على قسمين أحدهما صفات ذات والآخر صفات فعل 1 - فصفات ذاته ما يستحقه فيما لم يزل ولا يزال وهو على قسمين أحدهما عقلي والآخر سمعي أ فالعقلي ما كان طريق إثباته أدلة العقول مع ورود السمع به وهو على قسمين 1 أحدهما ما يدل خبر المخبر به عنه ووصف الواصف له به على ذاته كوصف الواصف له بأنه
شيء ذات موجود قديم إله ملك قدوس جليل عظيم متكبر والاسم والمسمى في هذا القسم واحد 2 والثاني ما يدل خبر المخبر به عنه ووصف الواصف له به على صفات زائدات على ذاته قائمات به وهو كوصف الواصف له بأنه حي عالم قادر مريد سميع بصير متكلم باق فدلت هذه الأوصاف على صفات زائدة على ذاته قائمة به كحياته وعلمه وقدرته وإرادته وسمعه وبصره وكلامه وبقائه والاسم في هذا القسم صفة قائمة بالمسمى لا يقال أنها هي المسمى ولا أنها غير المسمى ب وأما السمعي فهو ما كان طريق إثباته الكتاب والسنة فقط كالوجه واليدين والعين وهذه أيضا صفات قائمة بذاته لا يقال فيها إنها هي المسمى ولا غير المسمى ولا يجوز تكييفها فالوجه له صفة وليست بصورة واليدان له صفتان وليستا الجارحتين والعين له صفة وليست بحدقة وطريق إثباتها له صفات ذات ورود خبر الصادق به
2 - وأما صفات فعله فهي تسميات مشتقة من أفعاله ورد السمع بها مستحقة له فيما لا يزال دون الأزل لأن الأفعال التي اشتقت منها لم تكن في الأزل وهو كوصف الواصف له بأنه خالق رازق محيي مميت منعم مفضل فالتسمية في هذا القسم إن كانت من الله عز جل فهي صفة قائمة بذاته وهو كلامه لا يقال إنها المسمى ولا غير المسمى وإن كانت التسمية من المخلوق فهي فيها غير المسمى ومن أصحابنا من ذهب إلى أن جميع أسمائه لذاته الذي له صفات الذات وصفات الفعل فعلى هذا الاسم والمسمى في الجميع واحد والله أعلم وعلى هذه الطريقة يدل كلام المتقدمين من أصحابنا أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا الحسن بن رشيق إجازة ثنا سعيد بن أحمد بن زكريا اللخمي ثنا يونس بن عبد الأعلى قال سمعت الشافعي يقول إذا سمعت الرجل يقول الاسم غير المسمى فاشهد عليه بالزندقة قال الشيخ وقد قال الشافعي في كتاب الإيمان ما دل على أنه
لا يقال في أسماء الله تعالى إنها أغيار وقد نقلنا كلامه فيها في مواضع وبالله التوفيق ومن قال بهذا احتج بقول الله تعالى بغلام اسمه يحيى فأخبر أن اسمه يحيى ثم قال يا يحيى فخاطب اسمه فعلم أن المخاطب يحيى وهو اسمه واسمه هو ولذلك قال وما تعبدون من دون الله إلا أسماء وأراد المسميات وقال تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام كما قال تبارك الذي نزل الفرقان وكما قال تبارك الذي بيده الملك وروي عن النبي ﷺ ثم عن عمر بن الخطاب سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك كما قال النبي ﷺ في الدعاء بعد السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام وقال في دعاء القنوت تباركت ربنا وتعاليت قال أبو منصور الأزهري معنى تبارك تعالى وتعظم وقيل هو تفاعل من البركة وهي الكثرة والاتساع أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم البغوي ببغداد ثنا محمد بن العباس الكاملي ثنا عبد العزيز بن عبد
الله الأويسي ثنا مالك بن أنس وغيره عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال إذا أتى أحدكم فراشه فلينفضه بصنفة ثوبه ثلاث مرات فإنه لا يدري ما خلفه عليه وليقل باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين غير أن مالكا لم يقل فإنه لا يدري ما خلفه عليه وروينا في حديث أبي ذر وحذيفة أن النبي ﷺ كان إذا أخذ مضجعه قال اللهم باسمك أحيا وباسمك وأموت كما قال في رواية أبي هريرة في الدعاء عند الصباح اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا زيد بن الحباب حدثني عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان حدثني عمير بن هانئ قال سمعت جنادة بن أبي أمية يقول سمعت عبادة بن الصامت يذكر عن
رسول الله ﷺ أن جبريل عليه السلام جاءه وهو يوعك فقال أرقيك من كل داء يؤذيك ومن كل حسد حاسد ومن كل عين واسم الله يشفيك قال الشيخ رحمه الله ولو كان اسمه غيره أو ليس هو المسمى لكان القائل إذا قال عبد الله والله اسمه أن يكون عبد اسمه أي غيره أو ما لا يقال إنه هو وذلك محال وقوله إن لله تسعة وتسعين اسما معناه تسميات العباد لله لأنه في نفسه واحد قال الشاعر ... إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... قال أبو عبيد أراد ثم السلام عليكما لأن اسم السلام هو السلام
باب ذكر آيات وأخبار وردت في صفات يستحقها الباري تعالى بذاته سوى ما ذكرنا في البابين قبله قال الله تعالى وهو العلي العظيم وقال وهو العلي الكبير وقال وهو الغني الحميد وقال هو الأول والآخر والظاهر والباطن وقال قل هو الله أحد الله الصمد وقال وهو الحق المبين وقال إنه حميد مجيد وقال الكبير المتعال وقال وما من إله إلا الله الواحد القهار وقال نعم المولى ونعم النصير وقال هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر
وقال إن العزة لله جميعا وقال أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا وقال خبرا عن إبليس فبعزتك لأغوينهم أجمعين وقال ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وقال تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام وقال وله الكبرياء في السماوات والأرض أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا محمد بن صالح بن هانئ ثنا الحسين بن الفضل البجلي ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا علي بن حمشاد ثنا الحسن بن علي بن زياد ثنا سعيد بن منصور ثنا حماد بن زيد ثنا معبد بن هلال العنزي قال انطلقنا إلى أنس بن مالك رضي الله عنه فذكر حديث الشفاعة ثم ذكر معبد عن الحسن عن أبي الحسن عن أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال ثم أقوم في الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله فيقال لي ليس ذلك لك أوليس ذلك إليك وعزتي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله وفي رواية سليمان بن حرب وعزتي وجلالي وعظمتي
أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا محمد بن عبد الملك بن مروان ثنا يزيد بن هارون أنا عاصم عن أبي الوليد عن عائشة رضي الله عنها قالت ما كان النبي ﷺ يجلس بعد الصلاة إلا بمقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الروذباري أنا أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثني معاوية بن صالح عن عمرو بن قيس عن عاصم بن حميد عن عوف بن مالك الأشجعي قال قمت مع رسول الله ﷺ ليلة فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ قال ثم ركع بقدر قيامه يقول في ركوعه سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ثم سجد بقدر قيامه ثم قال في سجوده مثل ذلك ثم قام فقرأ بآل عمران ثم قرأ سورة سورة وروينا في حديث ابن عباس عن النبي ﷺ في الدعاء بعد الركوع أهل الثناء والمجد
قال الشيخ رحمه الله وهذه الصفات من كمال أوصاف الإلهية فوجب إثبات كل مدح له ونفي كل نقص عنه
باب ذكر آيات وأخبار وردت في صفات زائدات على الذات قائمات به قال الله جل ثناؤه لا إله إلا هو الحي القيوم وقال وعنت الوجوه للحي القيوم وقال وتوكل على الحي الذي لا يموت فهو حي وله حياة يباين بها صفة من ليس بحي وقال والله على كل شيء قدير وقال وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وقال ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء فهو عالم وله علم يباين به صفة من ليس بعالم وقال لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل
شيء علما أي علمه أحاط بالمعلومات كلها كما قدرته عمت المقدورات كلها وقال إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين وقال وأن القوة لله جميعا والقوة القدرة وقال إن الله يفعل ما يريد وقال فعال لما يريد وقال وربك يخلق ما يشاء ويختار والمشيئة والإرادة عبارتان عن معنى واحد فهو مريد وله إرادة يباين بها صفة من يكون ساهيا أو مغلوبا أو مكرها وقال وكان الله سميعا بصيرا وقال قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير فهو سميع بصير وله سمع وبصر يدرك بأحدهما جميع المسموعات وبالآخر جميع المبصرات وقال وكلم الله موسى تكليما وقال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي وقال وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب وقال وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله فهو متكلم وله كلام يباين
به صفة الأخرس والساكت وقال هو الأول والآخر والظاهر والباطن وقال الحي القيوم وقيل في معنى القيوم أنه الدائم وقال ويبقى وجه ربك فهو باق وله بقاء ومعنى وصفه بذلك أنه واجب الوجود فيما لا يزال أخبرنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسن بن داود العلوي رحمه الله أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أبو الأزهر ثنا ابن أبي فديك عن إبراهيم بن الفضل عن المقبري عن أبي هريرة قال كان رسول الله ﷺ إذا اجتهد في الدعاء قال يا حي يا قيوم قال الاستاذ الإمام رحمه الله وروينا في الحديث الثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه كان يقول في دعائه أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني أنت الحي القيوم الذي لا يموت والجن والإنس يموتون وقال سعد بن عبادة في حديث الإفك بين يدي رسول الله ﷺ
لسعد بن معاذ لعمر الله لا نقتله وقال أسيد بن حضير لعمر الله لنقتلنه فحلف كل واحد منهما بحياة الله وببقائه والنبي ﷺ يسمع أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا القعنبي عن عبد الرحمن بن أبي الموال عن محمد بن المنكدر عن جابر قال كان رسول الله ﷺ يعلمنا الإستخارة في الأمر كما يعلمنا السورة من القرآن يقول لنا إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تعلم ولا أعلم وتقدر ولا أقدر وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر وتسميه بعينه الذي تريد خيرا لي في ديني ومعاشي ومعادي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي وبارك لي فيه اللهم وإن كنت تعلمه شرا لي في ديني ومعاشي ومعادي وعاقبة أمري مثل الأول فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به أو قال في عاجل أمري وآجله قال الأستاذ الإمام رحمه الله وفي هذا الحديث الصحيح إثبات صفة العلم وصفة القدرة واستخارة النبي ﷺ بهما وقد ذكرنا شواهده في كتاب الأسماء والصفات ص 118 119 أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد الفقيه أنا أبو بكر القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق قال ثنا معمر عن همام بن منبه
قال هذا ما حدثنا به أبو هريرة رضي الله عنه قال وقال رسول الله ﷺ لا يقول أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت وارحمني إن شئت وارزقني إن شئت ليعزم مسألته إنه يفعل ما يشاء لا مكره له قال الأستاذ وفي هذا إثبات المشيئة له تعالى تعالى وأنه يفعل ما يشاء وله شواهد كثيرة أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله الحرفي ببغداد ثنا أحمد بن سلمان النجاد ثنا محمد بن عبد الله بن سليمان ثنا عباس النرسي ثنا جعفر بن سليمان عن الجريري عن أبي نضرة قال ينتهي القرآن كله إلى أن ربك فعال لما يريد ورواه سليمان التيمي عن أبي نضرة عن جابر وأبي سعيد أو بعض أصحاب النبي ﷺ بمعناه وفيه إثبات الإرادة لله تعالى وأن ما أوعد عليه عباده فيما دون الشرك إلى مشيئته كما قال ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء
وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني رحمه الله أنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا سعدان بن نصر ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن تميم بن سلمة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله ﷺ وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول فأنزل الله تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وفي هذا إثبات السمع لله تعالى وأخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا محمد بن عبيد الله بن المنادي ثنا يونس بن محمد ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن يحيى بن يعمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي ﷺ في حديث الإيمان قال يعني السائل يا محمد ما الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إن لا تكن تراه فإنه يراك قال الأستاذ الإمام رحمه الله وفي هذا إثبات الرؤية لله تعالى والرؤية والبصر بمعنى واحد وروينا في حديث الحر والبرد عن النبي ﷺ أنه قال إذا كان يوم حار ألقى الله سمعه وبصره إلى أهل الأرض فإذا قال العبد لا إله إلا الله ما أشد حر هذا اليوم اللهم أجرني من حر جهنم قال الله تعالى لجهنم إن عبدا من عبادي استجار بي منك
وإني أشهدك أني قد أجرته وقال في اليوم الشديد البرو معناه أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ويحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر ثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب وأبيه الحارث بن يعقوب حدثاه عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج عن بشر بن سعيد عن سعد بن أبي وقاص عن خولة بنت حكيم أنها سمعت رسول الله ﷺ يقول إذا نزل أحدكم منزلا فليقل أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه وفي رواية يحيى بكلمات الله التامات وفي هذا إثبات صفة الكلام لله تعالى وإنما قال بكلمات على طريق التعظيم وروينا في حديث الشفاعة عن النبي ﷺ ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه الله التوراة وكلمه تكليما
وفي حديث عدي بن حاتم عن النبي ﷺ ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه حاجب ولا ترجمان أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو جعفر الرزاز ثنا عبد الله بن محمد بن شاكر ثنا أبو أسامة ثنا الأعمش عن خيثمة بن عبد الرحمن عن عدي بن حاتم قال قال رسول الله ﷺ فذكره
باب ذكر آيات وأخبار وردت في إثبات صفة الوجه واليدين والعين وهذه صفات طريق إثباتها السمع فنثبتها لورود خبر الصادق بها ولا نكيفها قال الله تبارك وتعالى ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام فأضاف الوجه إلى الذات وأضاف النعت إلى الوجه فقال ذو الجلال والإكرام ولو كان ذكر الوجه صلة ولم يكن للذات صفة لقال ذي الجلال والإكرام فلما قال ذو الجلال والإكرام علمنا أنه نعت للوجه وهو صفة للذات وقال الله تعالى ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي بتشديد الياء من الإضافة وذلك تحقيق في التثنية وفي ذلك منع من حملها على النعمة والقدرة لأنه ليس لتشخيص التثنية في نعم الله ولا في قدرته معنى يصح لأن نعم الله أكثر من أن تحصى ولأنه خرج مخرج التخصيص وتفضيل آدم عليه السلام على إبليس وحملها على القدرة أو على النعمة يزيل معنى التفضيل لاشتراكهما فيها ولا يجوز حملها على الماء والطين لأنه لو أراد ذلك لقال لما خلقت من يدي كما يقال صنعت هذا الكوز من الفضة أو من النحاس فلما قال بيدي علمنا أن المراد بهما غير ذلك وقال الله تعالى ولتصنع على
عيني وقال فإنك بأعيننا أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني رحمه الله أنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا سعدان بن نصر ثنا سفيان عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول لما نزل على النبي ﷺ قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم قال أعوذ بوجهك أو من تحت أرجلكم قال أعوذ بوجهك أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض قال هاتان أيسر وأهون أخبرنا أبو محمد الأصبهاني أنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ثنا روح بن عبادة حدثنا هشام بن أبي عبد الله عن قتادة عن أنس أن النبي ﷺ قال يجمع المؤمنون يوم القيامة فيهتمون لذلك فيقولون لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا فيأتون آدم فيقولون يا آدم أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك الملائكة وعلمك أسماء كل شيء اشفع لنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا وذكر الحديث أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر أحمد بن سلمان النجاد ثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي ثنا أبو عمر الحوضي ثنا شعبة عن قتادة عن أنس عن النبي ﷺ قال ما بعث نبي إلا قد أنذر
الدجال ألا وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور قال الأستاذ الإمام رحمه الله وفي هذا نفي نقص العور عن الله سبحانه وإثبات العين له صفة وعرفنا بقوله تعالى ليس كمثله شيء وبدلائل العقل أنها ليست بحدقة وأن اليدين ليستا بجارحتين وأن الوجه ليس بصورة فإنها صفات ذات أثبتناها بالكتاب والسنة بلا تشبيه وبالله التوفيق
باب في ذكر صفة الفعل قال الله تعالى خالق كل شيء وقال وخلق كل شيء فقدره تقديرا وقال وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وقال فاطر السماوات والأرض وقال وخلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور إلى سائر ما ورد في الكتاب في معنى هذه الآيات أخبرنا أبو الحسين بن الفضل بن القطان أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ثنا يعقوب بن سفيان ثنا عمر بن حفص بن غياث ثنا أبي ثنا الأعمش ثنا جامع بن شداد ح وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه أنا بشر بن موسى ثنا معاوية بن عمرو ثنا أبو إسحاق الفزاري عن الأعمش عن جامع بن شداد عن صفوان بن محرز عن عمران بن حصين قال أتيت رسول الله ﷺ فجاءه نفر من أهل اليمن فقالوا يا رسول الله أتيناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول
هذا الأمر كيف كان قال كان الله تعالى ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء ثم كتب في الذكر كل شيء ثم خلق السماوات والأرض قال الأستاذ الإمام رحمه الله قوله كان الله ولم يكن شيء غيره يدل على أنه لم يكن شيء غيره لا الماء ولا العرش ولا غيرهما وكل ذلك أغيار وقوله وكان عرشه على الماء يعني به ثم خلق الماء وخلق العرش على الماء بيان ذلك في حديث أبي رزين العقيلي عن النبي ﷺ حين قال ثم خلق العرش على الماء أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو زكريا العنبري ثنا محمد بن عبد السلام ثنا إسحاق بن إبراهيم أنا عبد الرزاق عن عمر بن حبيب المكي عن حبيب بن قيس الأعرج عن طاوس قال جاء رجل إلى عبد الله بن عباس فسأله فقال مم خلق الخلق قال من الماء والنور والظلمة والريح والتراب فقال الرجل مم خلق هؤلاء فتلا عبد الله بن عباس وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه
قال فأخبرنا ابن عباس أن الماء والنور والظلمة والريح والتراب مما في السماوات وما في الأرض وقد أخبر الله تعالى أن مصدر الجميع منه أي من خلقه وإبداعه واختراعه فهو خالق كل شيء خلق الماء أولا أو الماء وما شاء من خلقه لا عن أصل ولا على مثال سبق ثم جعله أصلا لما خلق بعده فهو المبدع وهو الباري لا إله غيره ولا خالق سواه
باب القول في القرآن القرآن كلام الله تعالى وكلام الله صفة من صفات ذاته ولا يجوز أن يكون من صفات ذاته مخلوقا ولا محدثا ولا حادثا قال الله جل شأنه إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون فلو كان القرآن مخلوقا لكان الله سبحانه قائلا له كن والقرآن قوله ويستحيل أن يكون قوله مقولا له لأن هذا يوجب قولا ثانيا والقول في القول الثاني وفي تعلقه بقول ثالث كالأول وهذا يفضي إلى ما لا نهاية له وهو فاسد وإذا فسد أن يكون القرآن مخلوقا ووجب أن يكون القول أمرا أزليا متعلقا بالمكون فيما لا يزال كما أن الأمر متعلق بصلاة غد وغد غير موجود ومتعلق بمن يخلق من المكلفين إلى يوم القيامة إلا أن تعليقه بهم على الشرط الذي يصح فيما بعد كذلك قوله في التكوين وهذا كما أن علم الله تعالى أزلي متعلق بالمعلومات عند حدوثها وسمعه أزلي متعلق بإدراك المسموعات عند ظهورها وبصره أزلي متعلق بإدراك المرئيات عند وجودها من غير حدوث معنى فيه تعالى عن أن يكون محلا للحوادث وأن يكون شيء من صفات ذاته محدثا ولأن الله تعالى قال الرحمن علم القرآن خلق الإنسان فلما جمع في الذكر بين القرآن الذي هو كلامه وصفته
وبين الإنسان الذي هو خلقه ومصنوعه خص القرآن بالتعليم والإنسان بالتخليق فلو كان القرآن مخلوقا كالإنسان لقال خلق القرآن والإنسان وقال ألا له الخلق والأمر ففرق بين خلقه وأمره بالواو الذي هو حرف الفصل بين الشيئين المتغايرين فدل على أن قوله غير خلقه وقال لله الأمر من قبل ومن بعد يعني من قبل أن يخلق الخلق ومن بعد ذلك وهذا يوجب أن الأمر غير مخلوق وقال ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين وقال لولا كتاب من الله سبق والسبق على الإطلاق يقتضي سبق كل شيء سواه وقال وكلم الله موسى تكليما ولا يجوز أن يكون كلام المتكلم قائما بغيره ثم يكون هو به متكلما مكلما دون ذلك الغير كما لا يجوز ذلك في العلم والسمع والبصر وقال وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء فلو كان كلام الله لا يوجد إلا مخلوقا في شيء مخلوق لم يكن لاشتراط هذه الوجوه معنى لاستواء جميع الخلق في سماعه من غير الله ووجودهم ذلك عند الجهمية مخلوقا في غير الله وهذا يوجب إسقاط مرتبة النبيين صلوات الله عليهم أجمعين ويجب عليهم إذا زعموا أن كلام الله لموسى خلقه في شجرة أن يكون من سمع كلام الله من ملك أو نبي أتاه به من عند الله أفضل مرتبة في سماع الكلام من موسى لأنهم سمعوه من نبي ولم يسمعه موسى
عليه السلام من الله وإنما سمعه من شجرة وأن يزعموا أن اليهود إذ سمعت كلام الله من موسى نبي الله أفضل مرتبة في هذا المعنى من موسى بن عمران صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم لأن اليهود سمعته من نبي من الأنبياء وموسى صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم سمعه مخلوقا في شجرة ولو كان مخلوقا في شجرة لم يكن الله تعالى مكلما لموسى من وراء حجاب ولأن كلام الله تعالى لموسى عليه السلام لو كان مخلوقا في شجرة كما زعموا لزمهم أن تكون الشجرة بذلك الكلام متكلمة ووجب عليهم أن مخلوقا من المخلوقين كلم موسى وقال له إنني أنا ربك لا إله إلا أنا فاعبدني وهذا ظاهر الفساد وقد احتج علي بن إسماعيل رحمه الله بهذه الفصول واحتج بها غيره من سلفنا رحمهم الله أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا الحسن بن رشيق إجازة ثنا محمد بن سفيان بن سعيد ثنا محمد بن إسماعيل الأصبهاني بمكة قال سمعت الجارودي يقول ذكر الشافعي إبراهيم بن إسماعيل بن علية فقال أنا مخالف له في كل شيء وفي قوله لا إله إلا الله لست أقول كما يقول أنا أقول لا إله إلا الله الذي كلم موسى من وراء حجاب وذاك يقول لا إله إلا الله الذي خلق كلاما أسمعه موسى من وراء حجاب قلنا ولأن الله قال مخبرا عن المشركين أنهم قالوا إن هذا إلا قول البشر يعنون القرآن فمن زعم أن القرآن مخلوق فقد جعله قولا
للبشر وهذا مما أنكره الله على المشركين ولأن الله تعالى قال لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا فلو كانت البحار مدادا يكتب به لنفدت البحار وتكسرت الأقلام ولم يلحق الفناء كلمات الله تعالى كما لا يلحق الفناء علم الله لأن من فني كلامه لحقته الآفات وجرى عليه السكوت فلما لم يجر ذلك على ربنا تعالى صح أنه لم يزل متكلما ولا يزال متكلما وقد نفى النفاد عن كلامه كما نفى الهلاك عن وجهه وأما قول الله تعالى إنه لقول رسول كريم معناه قول تلقاه عن رسول كريم أو سمعه من رسول كريم أو نزل به رسول كريم فقد قال فأجره حتى يسمع كلام الله فأثبت أن القرآن كلام الله تعالى ولا يكون شيء واحد كلاما للرسول ﷺ وكلاما لله دل أن المراد بالأول ما قلنا وقوله إنا جعلناه قرآنا عربيا معناه سميناه قرآنا عربيا وأنزلناه مع الملك الذي أسمعناه إياه حتى نزل به بلسان العرب ليعقلوا معناه وهو كما قال الله تعالى ويجعلون لله ما يكرهون يعني يصفون لله ما يكرهون ولم يرد به الخلق وقوله ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون يحتمل أن يكون معناه ذكرا غير القرآن وكلام الرسول ﷺ ووعظه إياهم بقوله وذكر فإن الذكرى تنفع
المؤمنين ولأنه لم يقل لا يأتيهم ذكر إلا كان محدثا وإنما قال ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون فدل على أن ذكرا غير محدث ثم إنه إنما أراد ذكر القرآن لهم وتلاوته عليهم وعلمهم به وكل ذلك محدث والمذكور المتلو المعلوم غير محدث كما أن ذكر العبد لله وعلمه به وعبادته له محدث والمذكور المعلوم المعبود غير محدث وحين احتج به على أحمد بن حنبل رحمه الله قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه قد يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المحدث لا الذكر نفسه محدث قال الشيخ رحمه الله وهذا الذي أجاب به أحمد بن حنبل رحمه الله في الآية وإتيانه تنزيله على لسان الملك الذي أتى به والتنزيل محدث وقد أجاب أحمد بن حنبل رحمه الله بالجواب الأول وأما تسمية عيسى بكلمة الله فعلى أنه صار مكونا بكلمة الله من غير أب كما صار آدم مكونا بكلمة الله من غير أب ولا أم وقد بينه بقوله إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون وقد روينا في الحديث الصحيح عن عمران بن حصين عن النبي ﷺ أنه قال وكتب في الذكر كل شيء والقرآن فيما كتب في الذكر لقوله تعالى بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ وفي ذلك دلالة على قدم القرآن ووجوده قبل وقوع الحاجة إليه ومما يدل على ذلك الحديث الصحيح الذي أخبرناه محمد بن عبد الله الحافظ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب وأبو الفضل بن
إبراهيم قالا حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري حدثنا أنس بن عياض حدثنا الحارث بن أبي ذباب عن يزيد بن هرمز وعن عبد الرحمن الأعرج قالا سمعنا أبا هريرة يقول قال رسول الله ﷺ احتج آدم وموسى عند ربهما فحج آدم موسى عليه السلام فقال موسى أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وأسكنك جنته ثم أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض قال آدم أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وكلامه وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء وقربك الله نجيا فبكم وجدت التوراة قبل أن أخلق قال موسى بأربعين عاما قال آدم وجدت فيها وعصى آدم ربه فغوى قال نعم قال أفتلومني أن أعمل عملا كتب الله علي عمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة قال رسول الله ﷺ فحج آدم موسى قال الشيخ وهذا التاريخ يرجع إلى إظهاره ذلك لمن شاء من ملائكته وفي ذلك مع الآية دلالة على وجوده قبل وقوع الخطيئة من آدم عليه السلام
وكلام الله تعالى موجود فيما لم يزل موجود فيما لا يزال وبإسماعه كلامه من شاء من ملائكته ورسله وعباده متى شاء صار كلامه مسموعا له بلا كيف والمسموع كلامه الذي لم يزل موصوفا به وكلامه لا يشبه كلام المخلوقين كما لا يشبه سائر أوصافه أوصاف المخلوقين وبالله التوفيق أخبرنا أبو علي الحسن بن إبراهيم بن أحمد بن شاذان ببغداد أنا حمزة بن محمد بن العباس ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا محمد بن كثير العبدي أنا إسرائيل ثنا عثمان بن المغيرة عن سالم يعني ابن الجعد عن جابر بن عبد الله قال لما أمر النبي ﷺ أن يبلغ الرسالة جعل يقول يا قوم لم تؤذونني أن أبلغ كلام ربي يعني القرآن أخبرنا الحسين بن محمد بن علي الروذباري أنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا العباس بن عبد العظيم ثنا الأحوص بن جواب ثنا عمار بن رزيق عن أبي إسحاق عن الحارث وأبي ميسرة عن علي رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه كان يقول عند مضجعه اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامة من شر ما أنت آخذ بناصيته اللهم أنت تكشف المغرم والمأثم اللهم لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك ولا ينفع ذا الجد منك الجد سبحانك وبحمدك
قال الأستاذ الإمام رحمه الله فاستعاذ رسول الله ﷺ في هذا الخبر وغيره بكلمات الله كما استعاذ بوجهه الكريم فكما أن وجهه الذي استعاذ به غير مخلوق فكذلك كلماته التي استعاذ بها غير مخلوقة وكلام الله واحد لم يزل ولا يزال وإنما جاء بلفظ الجمع على معنى التعظيم كقوله إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون وإنما سماها تامة لأنه لا يجوز أن يكون في كلامه عيب أو نقص كما يكون ذلك في كلام الآدميين أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو طاهر محمد بن الحسن المحمد أبادي ثنا حامد بن محمود ثنا إسحاق بن سليمان الرازي قال سمعت الجراح الكندي عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ خياركم من تعلم القرآن وعلمه قال أبو عبد الرحمن فذاك الذي أجلسني هذا المجلس وكان يقرىء القرآن قال وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الرب على خلقه وذلك بأنه منه قال الشيخ قوله وذلك بأنه منه يريد به أنه من صفاته وأنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أبو أسامة الكلبي ثنا شهاب بن عباد ثنا محمد بن الحسن بن أبي يزيد عن عمرو بن قيس عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ﷺ يقول الله تعالى من شغله قراءة القرآن عن مسألتي
أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه قال الأستاذ رحمه الله قال أصحابنا لما كان من فضل الله على خلقه أنه قديم غير مخلوق كان من فضل كلامه على كلام خلقه أنه لم يزل غير مخلوق أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل رضي الله عنه ثنا أبو معمر الهندي عن شريح بن النعمان حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن نيار بن مكرم أن أبا بكر رضي الله عنه قرأ عليهم قوله تعالى ألم غلبت الروم فقالوا كلامك هذا أم كلام صاحبك قال ليس بكلامي ولا كلام صاحبي ولكن كلام الله تعالى
أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الروذباري أنا أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا إبراهيم بن موسى ثنا ابن أبي زائدة عن مجالد عن عامر يعني الشعبي عن عامر بن شهر قال كنت عند النجاشي فقرأ ابن له آية من الإنجيل فضحكت فقال أتضحك من كلام الله تعالى أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو زكريا العنبري ثنا محمد بن عبد السلام ثنا إسحاق بن إبراهيم أنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن فروة بن نوفل الأشجعي قال كنت جارا لخباب بن الأرت فخرجنا مرة من المسجد فأخذ بيدي فقال يا هناه تقرب
إلى الله بما استطعت وإنك لن تقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا ابن نمير ثنا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن عابس حدثني إياس عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقول في خطبته إن أصدق الحديث كلام الله تعالى أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ أنا أبو عمرو أحمد بن محمد بن عيسى الصفار ثنا أبو عوانة ثنا عثمان بن خرزاد ثنا خالد بن خداش حدثني ابن وهب أنا يونس بن يزيد عن الزهري قال قال عمر رضي الله عنه القرآن كلام الله وروي أيضا عن أبي الزعراء عن عمر رضي الله عنه
أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا أبو محمد بن حيان ثنا محمد بن العباس بن أيوب ثنا أبو عمر بن أيوب الصريفيني ثنا سفيان بن عيينة ثنا إسرائيل أبو موسى قال سمعت الحسن يقول قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه لو أن قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربنا وإني لأكره أن يأتي على يوم لا أنظر في المصحف قال الأستاذ رحمه الله وروينا في كتاب الأسماء والصفات عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال ما حكمت مخلوقا ما حكمت إلا القرآن وعن عكرمة قال صلى ابن عباس رضي الله عنه على جنازة فقال رجل من القوم اللهم رب القرآن العظيم اغفر له فقال ابن عباس ثكلتك أمك إن القرآن منه إن القرآن منه يعني أنه من صفاته أخبرنا أبو منصور الفقيه أنا أبو أحمد الحافظ أنا أبو عروبة السلمي قال حدثنا سلمة بن شبيب ثنا الحكم بن محمد ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال سمعت مشيختنا منذ سبعين سنة يقولون قال أبو أحمد وأنا محمد بن سليمان بن فارس واللفظ له أنا محمد يعني ابن إسماعيل البخاري قال قال الحكم بن محمد أبو مروان الطبري حدثنا من سمع سفيان بن عيينة قال أدركت مشيختنا منذ سبعين سنة منهم عمرو بن دينار يقولون إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق
قال الأستاذ الإمام رحمه الله هكذا وقعت هذه الحكاية في تاريخ البخاري عن الحكم بن محمد عن سفيان أدركت ورواه غيره عن سفيان عن عمرو أنه قال سمعت وكذلك رواه الحميدي وغيره عن سفيان عن عمرو أنه قال أدركت ومشايخ عمرو بن دينار جماعة من الصحابة ثم أكابر التابعين فهو حكاية إجماع منهم
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي طاهر الدقاق ببغداد ثنا أحمد بن عثمان الآدمي ثنا ابن أبي العوام ثنا موسى بن داود الضبي عن معبد أبي عبد الرحمن عن معاوية بن عمار قال سألت جعفر بن محمد فقلت إنهم يسألوننا عن القرآن أمخلوق هو قال ليس بخالق ولا مخلوق ولكنه كلام الله تعالى قال رحمه الله وكذلك رواه سويد بن سعيد عن معاوية بن عمار عن جعفر الصادق وكذلك رواه قيس بن الربيع عن جعفر فهو عن جعفر صحيح مشهور وقد روي ذلك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين وروي عن الزهري عن علي بن الحسين ورويناه من أوجه عن مالك بن أنس وهو مذهب كافة أهل العلم قديما وحديثا وقد ذكرنا أسامي أئمتهم وكبرائهم الذين صرحوا بهذا ورأوا استتابة من قال بخلافه في كتاب الأسماء والصفات ص 239 وما بعدها وروينا عن محمد بن سعيد بن سابق أنه قال سألت أبا يوسف فقلت أكان أبو حنيفة يقول القرآن مخلوق فقال معاذ الله ولا أنا أقوله أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا عبد الله بن محمد الفقيه أنا أبو
جعفر الأصبهاني أنا أبو يحيى الساجي إجازة قال سمعت أبا شعيب المصري يقول سمعت محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله يقول القرآن كلام الله غير مخلوق وبمعناه رواه الربيع بن سليمان عن أبي شعيب عن الشافعي رحمه الله قال الأستاذ الإمام رحمه الله وقد ذكر الشافعي رحمه الله ما دل على أن ما نتلوه في القرآن بألسنتنا ونسمعه بآذاننا ونكتبه في مصاحفنا يسمى كلام الله تعالى وأن الله تعالى كلم به عباده بأن أرسل به رسوله ﷺ وبمعناه ذكره أيضا علي بن إسماعيل في كتاب الإبانة قال الشافعي رحمه الله في كتاب الجزية من جاء من المشركين فعلى الإمام أن يجيره حتى يسمع كلام الله ثم يبلغه مأمنه كان ذلك فرضا على الإمام لقول الله لنبيه ﷺ وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه وقال في كتاب الإيمان فيمن حلف أن لا يكلم رجلا فأرسل إليه رسولا من قال يحنث ذهب إلى الله تعالى قال وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء وقال إن الله تعالى يقول للمؤمنين في المنافقين قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وإنما نبأهم من أخبارهم بالوحي الذي تنزل به جبريل عليه السلام على النبي ﷺ ويخبرهم النبي ﷺ بوحي الله قال ومن قال لا يخنث قال إن كلام الآدميين لا يشبه كلام الله تعالى كلام الآدميين
بالمواجهة قال الأستاذ الإمام رحمه الله وذكر باقي المسألة وهو فيما قرأته على أبي سعيد بن أبي عمرو في هذين الكتابين أن أبا العباس محمد بن يعقوب حدثهم قال أنا الربيع بن سليمان أنا الشافعي رحمه الله فذكره فقد سمى الشافعي رحمه الله على القولين جميعا ما نسميه من القرآن كلام الله وأن الله كلم به عباده بأن أرسل به رسوله ﷺ وأن كلام الآدميين وإن كان يكون بالمواجهة في الحكم في أحد القولين فكلام الله تعالى عبادة قد يكون بالرسالة والوحي كما جاء به الكتاب ويسمى ذلك كلاما وتكليما والله أعلم وقال أبو الحسن علي بن إسماعيل رحمه الله تعالى في كتابه فإن قال قائل حدثونا أتقولون إن كلام الله تعالى في اللوح المحفوظ قيل له نقول ذلك لأنه قال بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ فالقرآن في اللوح المحفوظ وهو في صدور الذين أوتوا العلم قال الله تعالى بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وهو متلو بالألسنة قال الله تعالى لا تحرك به لسانك فالقرآن مكتوب في مصاحفنا في الحقيقة محفوظ في صدورنا في الحقيقة متلو بألسنتنا في الحقيقة مسموع لنا في الحقيقة كما قال فأجره حتى يسمع كلام الله أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في التاريخ ثنا أبو بكر محمد بن
أبي الهيثم المطوعي ببخارى ثنا محمد بن يوسف الفربري قال سمعت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري يقول سمعت عبد الله بن سعيد يعني أبا قدامة يقول سمعت يحيى بن سعيد يعني القطان يقول ما زلت أسمع أصحابنا يقولون أفعال العباد مخلوقة قال أبو عبد الله البخاري حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب فهو كلام الله ليس بمخلوق قال الله تعالى بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم قال الشيخ الأستاذ الإمام رحمه الله وهذا القول لا يخالف قول أحمد بن حنبل رحمه الله وقد روينا عنه في كتاب الأسماء والصفات أنه أنكر على تلميذه أبي طالب قوله لفظي بالقرآن غير مخلوق وكره الكلام في اللفظ قال وسمعت أبا عمرو الأديب يقول سمعت أبا بكر الإسماعيلي يقول سمعت عبد الله بن محمد بن ناجية يقول سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول سمعت أبي يقول من قال لفظي بالقرآن مخلوق يريد به القرآن فهو كافر
قال الشيخ رضي الله عنه فإنما أنكر قول من تذرع بهذا إلى القول بخلق القرآن وكان يستحب ترك الكلام فيه لهذا المعنى والله أعلم
باب القول في الاستواء قال الله تبارك وتعالى الرحمن على العرش استوى والعرش هو السرير المشهور فيما بين العقلاء قال الله تعالى وكان عرشه على الماء وقال وهو رب العرش العظيم وقال ذو العرش المجيد وقال وترى الملائكة حافين من حول العرش وقال الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم الآية وقال ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية وقال إن ربكم الله الذي
خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش وقال الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وقال ثم استوى على العرش وقال وهو القاهر فوق عباده وقال يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون وقال إليه يصعد الكلم الطيب إلى سائر ما ورد في هذا المعنى وقال أأمنتم من في السماء وأراد من فوق السماء كما قال ولأصلبنكم في جذوع النخل يعني على جذوع النخل وقال فسيحوا في الأرض يعني على الأرض وكل ما علا فهو سماء والعرش أعلى السماوات فمعنى الآية والله أعلم أأمنتم من على العرش كما صرح به في سائر الآيات أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن محمد بن حمدان ثنا محمد بن غالب ثنا سعد بن عبد الحميد بن جعفر ثنا فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ في حديث ذكره فإن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن
ومنه تتفجر أنهار الجنة أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن خالد بن خلي ثنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي قال الأستاذ الإمام رحمه الله والأخبار في مثل هذا كثيرة وفيما كتبنا من الآيات دلالة على إبطال قول من زعم من الجهمية أن الله سبحانه وتعالى بذاته في كل مكان وقوله تعالى وهو معكم أينما
كنتم إنما أراد به بعلمه لا بذاته ثم المذهب الصحيح في جميع ذلك الاقتصار على ما ورد به التوقيف دون التكييف وإلى هذا ذهب المتقدمون من أصحابنا ومن تبعهم من المتأخرين وقالوا الاستواء على العرش قد نطق به الكتاب في غير آية ووردت به الأخبار الصحيحة وقبوله من جهة التوقيف واجب والبحث عنه وطلب الكيفية له غير جائز
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الحارث الفقيه أنا أبو محمد بن حيان ثنا أبو جعفر أحمد بن زيرك اليزدي قال سمعت محمد بن عمرو بن النضر النيسابوري يقول سمعت يحيى بن يحيى يقول كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال يا أبا عبد الله الرحمن على العرش استوى كيف استوى فأطرق مالك رأسه ثم علاه الرحضاء ثم قال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا مبتدعا فأمر به أن يخرج قال الشيخ وعلى مثل هذا درج أكثر علمائنا في مسألة الاستواء وفي مسألة المجيء والإتيان والنزول قال الله تعالى وجاء ربك والملك صفا صفا وقال هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ثنا أحمد بن سلمان قال قرئ على سليمان بن الأشعث ح وأخبرنا أبو علي الروزذباري أنا أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال ينزل الله تعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني
فأعطيه من يستغفرني فأغفر له قال رحمه الله وهذا حديث صحيح رواه جماعة من الصحابة عن النبي ﷺ وأصحاب الحديث فيما ورد به الكتاب والسنة من أمثال هذا ولم يتكلم أحد من الصحابة والتابعين في تأويله على قسمين 1 منهم من قبله وآمن به ولم يؤوله ووكل علمه إلى الله ونفى الكيفية والتشبيه عنه 2 ومنهم من قبله وآمن به وحمله على وجه يصح استعماله في اللغة ولا يناقض التوحيد وقد ذكرنا هاتين الطريقتين في كتاب الأسماء والصفات في المسائل التي تكلموا فيها من هذا الباب وفي الجملة يجب أن يعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج ولا استقرار في مكان ولا مماسة لشيء من خلقه لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بلا أين بائن من جميع خلقه وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان وأن مجيئه ليس بحركة وأن نزوله ليس بنقلة وأن نفسه ليس بجسم وأن وجهه ليس بصورة وأن يده ليست بجارحة وأن عينه ليست بحدقة وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها ونفينا عنها التكييف فقد
قال ليس كمثله شيء وقال ولم يكن له كفوا أحد وقال هل تعلم له سميا أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ثنا محمد بن بشر بن مطر ثنا الهيثم بن خارجة حدثنا الوليد بن مسلم قال سئل الأوزاعي ومالك وسفيان الثوري والليث بن سعد عن هذه الأحاديث فقالوا أمروها كما جاءت بلا كيفية أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني محمد بن يزيد سمعت أبا يحيى البزار يقول سمعت العباس بن حمزة يقول سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول سمعت سفيان بن عيينة يقول كل ما وصف الله من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه قال الشيخ وإنما أراد به والله أعلم فيما تفسيره يؤدي إلى تكييف وتكييفه يقتضي تشبيهه له بخلقه في أوصاف الحدوث أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الروذباري أنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا القعنبي ثنا يزيد بن إبراهيم عن عبد الله بن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت قرأ رسول الله ﷺ هذه الآية هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب قالت رضي الله عنها قال رسول الله ﷺ فإذا رأيتم
الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني أبو بكر محمد بن علي الفقيه القفال ثنا عمر بن محمد بن بحير ثنا يونس بن عبد الأعلى قال قال لي محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله لا يقال للأصيل لم ولا كيف قال الشيخ وقال في رواية الربيع بن سليمان عنه الأصل كتاب الله أو سنة نبيه أو قول بعض أصحاب رسول الله ﷺ أو إجماع الناس أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا العباس محمد بن يعقوب أنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي فذكره
باب القول في إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة بالأبصار قال الله تعالى وجوه يومئذ يعني يوم القيامة ناضرة يعني مشرقة إلى ربها ناظرة وليس يخلو النظر من وجوه 1 إما أن يكون الله تعالى عنى به نظر الاعتبار كقوله أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت 2 أو يكون عنى به نظر الانتظار كقوله ما ينظرون إلا صيحة واحدة 3 أو يكون عنى به نظر التعطف والرحمة كقوله ولا ينظر إليهم 4 أو يكون عنى الرؤية كقوله ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت ولا يجوز أن يكون الله سبحانه عنى بقوله إلى ربها ناظرة
نظر التفكر والاعتبار لأن الآخرة ليست بدار استدلال واعتبار وإنما هي دار اضطرار ولا يجوز أن يكون عنى نظر الانتظار لأنه ليس في شيء من أمر الجنة انتظار لأن الانتظار معه تنغيص وتكدير والآية خرجت مخرج البشارة وأهل الجنة فيما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من العيش السليم والنعيم المقيم فهم ممكنون مما أرادوا وقادرون عليه وإذا خطر ببالهم شيء أتوا به مع خطوره ببالهم وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون الله أراد بقوله إلى ربها ناظرة نظر الانتظار ولأن النظر إذا ذكر مع ذكر الوجوه فمعناه نظر العينين اللتين في الوجه كما في قوله تعالى قد نرى تقلب وجهك في السماء وأراد بذلك تقلب عينيه نحو السماء ولأنه قال إلى ربها ناظرة ونظر الانتظار لا يكون مقرونا ب إلى لأنه لا يجوز عند العرب أن يقولوا في نظر الانتظار إلى ألا ترى أن الله تعالى لما قال ما ينظرون إلا صيحة واحدة لم يقل إلى إذ كان معناه الانتظار وقالت بلقيس فيما أخبر الله عنها فناظرة بم يرجع المرسلون فلما أرادت الانتظار لم تقل إلى قلنا ولا يجوز أن يكون الله سبحانه أراد نظر التعطف والرحمة لأن الخلق لا يجوز أن يتعطفوا على خالقهم فإذا فسدت هذه الأقسام الثلاثة صح القسم الرابع من أقسام النظر وهو أن معنى قوله إلى ربها ناظرة أنها رائية ترى الله تعالى ولا يجوز أن يكون معناه إلى ثواب ربها ناظرة لأن ثواب الله غير الله وإنما قال الله تعالى إلى ربها ولم يقل إلى غير ربها ناظرة والقرآن على ظاهره وليس لنا أن نزيله عن ظاهره إلا بحجة ألا ترى
أنه لما قال فاذكروني أذكركم واشكروا لي لم يجز أن يقال أراد ملائكتي ورسلي ثم نقول إن جاز لكم أن تدعوا هذا في قوله إلى ربها ناظرة جاز لغيركم أن يدعيه في قوله لا تدركه الأبصار فيقول أراد بها لا تدرك غيره ولم يرد أنها لا تدركه الأبصار وإذا لم يجز ذلك لم يجز هذا ولا حجة لهم في قوله لا تدركه الأبصار فإنما أراد به لا تدركه أبصار المؤمنين في الدنيا دون الآخرة ولا تدركه أبصار الكافرين مطلقا كما قال كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فلما عاقب الكفار بحجبهم عن رؤيته دل على أنه يثيب المؤمنين برفع الحجاب لهم عن أعينهم حتى يروه ولما قال في وجوه المؤمنين وجوه يومئذ فقيدها بيوم القيامة ووصفها فقال ناضرة ثم أثبت لها الرؤية فقال إلى ربها ناظرة علمنا أن الآية الأخرى في نفيها عنهم في الدنيا دون الآخرة وفي نفيها عن الوجوه الباسرة دون الوجوه الناضرة جمعا بين الآيتين حملا للمطلق من الكلام على المقيد منه ثم قال بعض أصحابنا إنما نفى عنه الإدراك دون الرؤية والإدراك هو الإحاطة بالمرئي دون الرؤية فالله يرى ولا يدرك كما يعلم ولا يحاط به علما ومما يدل على أن الله تعالى يرى بالأبصار قول موسى الكليم عليه السلام رب أرني أنظر إليك ولا يجوز أن يكون نبي من
الأنبياء قد ألبسه الله جلباب النبيين وعصمه مما عصم منه المرسلين يسأل ربه ما يستحيل عليه وإذا لم يجز ذلك على موسى عليه السلام فقد علمنا أنه لم يسأل ربه مستحيلا وأن الرؤية جائزة على ربنا تعالى ومما يدل على ذلك قول الله تعالى لموسى عليه السلام فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما كان الله قادرا على أن يجعل الجبل مستقرا كان قادرا على الأمر الذي لو فعله لرآه موسى فدل ذلك على أن الله قادر على أن يري نفسه عباده المؤمنين وأنه جائز رؤيته وقوله لن تراني أراد به في الدنيا دون الآخرة بدليل ما مضى من الآية ولأن الله تعالى قال تحيتهم يوم يلقونه سلام واللقاء إذا أطلق على الحي السليم لم يكن إلا رؤية العين وأهل هذه التحية لا آفة بهم ولأنه قال ولدينا مزيد وقال للذين أحسنوا الحسنى وزيادة وقد فسر رسول الله ﷺ المبين عن الله تعالى فمن بعده من الصحابة الذين أخذوا عنه والتابعين الذين أخذوا عن الصحابة أن الزيادة في هذه الآية النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى وانتشر عنه وعنهم إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة بالأبصار ونحن ذاكرون أقوال بعضهم على طريق الاختصار فقد أفردنا لإثبات الرؤية كتابا وبالله التوفيق أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عمر بن برهان وأبو الحسين بن
بشران في آخرين ببغداد قالوا أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا الحسن ابن عرفة ثنا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال قال رسول الله ﷺ إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا لم تروه قال فيقولون فما هو ألم يبيض وجوهنا ويزحزحنا عن النار ويدخلنا الجنة قال فيكشف الحجاب فينظرون إليه قال فوالله ما أعطاهم الله تعالى شيئا هو أحب إليهم منه قال ثم قرأ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال الأستاذ الإمام رحمه الله ورواه هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة بإسناده ومعناه إلا أنه قال قال رسول الله ﷺ والذي نفسي بيده ما أعطاهم شيئا هو أحب إليهم ولا أقر لأعينهم من النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو النضر الفقيه ثنا محمد بن نصر المروزي ثنا هدبة ثنا حماد بن سلمة فذكره قال رحمه الله وروينا عن أبي بن كعب وكعب بن عجرة عن النبي ﷺ في قوله للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال النظر إلى وجه الرحمن
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس الأصم ثنا محمد بن الجهم ثنا الفراء حدثني أبو الأحوص عن أبي إسحاق ح وأخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو حامد بن بلال ثنا أحمد بن منصور المروزي ثنا عمر بن يونس أنا محمد بن جابر عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قوله للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال زيدوا النظر إلى ربهم وفي رواية أبي الأحوص قال النظر إلى وجه الرب تعالى قال رضي الله عنه تابعهما إسرائيل عن أبي إسحاق وروينا هذا في التفسير عن حذيفة بن اليمان وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا أبو الأشهب هوذة بن خليفة حدثنا عوف عن الحسن للذين أحسنوا الحسنى قال الجنة و زيادة قال النظر إلى وجه الرب تعالى قال الأستاذ الإمام رحمه الله وروينا عن سعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الرحمن بن سابط وقتادة وغيرهم من التابعين معنى قول الحسن البصري في تفسيره الزيادة في هذه الآية بالنظر إلى وجه ربهم تعالى
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق ثنا أبو نعيم ثنا سلمة بن سابور عن عطية عن ابن عباس وجوه يومئذ ناضرة يعني حسنها إلى ربها ناظرة قال نظرت إلى الخالق وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي ثنا إبراهيم بن الحسين ثنا آدم بن أبي إياس ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن في قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة قال حسنة إلى ربها ناظرة قال تنظر إلى ربها تعالى حسنها الله بالنظر إليه وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى ربها قال رحمه الله وروينا في ذلك عن عكرمة وغيره من التابعين أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ ثنا يحيى بن محمد بن يحيى ثنا مسدد ثنا إسماعيل بن علية ثنا أبو حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال كان رسول الله ﷺ يوما بارزا للناس فأتاه رجل فقال يا رسول الله ما الإيمان قال الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث الآخر وذكر باقي الحديث
قال الأستاذ الإمام رحمه الله واللقاء المذكور في هذا الحديث هو لقاء الله تعالى فقد أفرد البعث بالذكر وقال في حديث دعاء التهجد ووعدك حق ولقاؤك حق وفي رواية أبي بكر عن النبي ﷺ وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة الأنصار أن النبي ﷺ قال لهم اصبروا حتى تلقوا الله ورسوله وفي الكتاب فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر الجراحي ثنا يحيى بن ساسويه ثنا عبد الكريم السكري ثنا وهب بن زمعة أخبرني علي بن الباشاني قال سألت عبد الله بن المبارك عن قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يخبر به أحدا
أخبرنا أبو محمد بن عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا وكيع بن الجراح حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال كنا جلوسا عند رسول الله ﷺ فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال أما أنكم ستعرضون على ربكم تعالى فترونه كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا وأخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي ثنا أبو العباس الأصم حدثني أحمد بن يونس الضبي ثنا يعلى بن عبيد ثنا إسماعيل بن أبي خالد فذكره بإسناده ومعناه زاد عند قوله وقبل غروبها ثم قرأ فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب قال الشيخ الإمام أحمد رحمه الله سمعت الشيخ الإمام أبا الطيب سهل بن محمد بن سليمان رحمه الله يقول فيما أملاه علينا في قوله لا تضامون في رؤيته بضم التاء وتشديد الميم يريد لا تجتمعون لرؤيته من جهته ولا يضم بعضكم إلى بعض لذلك فإنه تعالى لا يرى في جهة كما يرى المخلوق في جهة ومعناه بفتح التاء لا تضامون لرؤيته مثل معناه بضمها لا تتضامون في رؤيته بالاجماع في جهة وهو دون تشديد الميم من الضيم معناه لا تظلمون فيه برؤية بعضكم دون بعض وأنكم ترونه في جهاتكم كلها وهو يتعالى عن جهة قال والتشبيه برؤية القمر ليقين الرؤية دون تشبيه المرئي تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني الحسين بن علي الدارمي ثنا يحيى بن محمد بن صاعد ثنا يوسف بن موسى ثنا عاصم بن يوسف اليربوعي ثنا أبو شهاب عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن جرير قال قال رسول الله ﷺ إنكم سترون ربكم عيانا أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ثنا أبو سهل بن زياد القطان ثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ثنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري أخبرنا سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة رضي الله عنه أخبرهما أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول الله ﷺ هل تمارون في رؤية القمر ليلة البدر وليس دونه سحاب قالوا لا يا رسول الله قال فإنكم ترونه كذلك أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قالا ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الوهاب أنا أبو جعفر بن عون أنا هشام بن سعد ثنا زيد بن أسلم عن عطاء ابن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال هل تمارون في رؤية الشمس في الظهيرة صحوا ليس دونها سحاب قال قلنا لا يا رسول الله قال فهل تمارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيه سحاب قالوا لا يا رسول الله قال ما تمارون في رؤيته يوم القيامة إلا كما تمارون في رؤية أحدهما قال الأستاذ الإمام رحمه الله قوله تمارون أصله تتمارون
فأسقطت إحداهما وهو من المرية وهي الشك في الشيء والاختلاف فيه يقول ترون ربكم يوم القيامة بلا شك ولا مرية كما ترون الشمس والقمر في دار الدنيا بلا شك ولا مرية أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم المزكي ثنا أحمد بن سلمة ثنا إسحاق بن إبراهيم أنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي ثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه قال قال رسول الله ﷺ جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن قال الأستاذ الإمام رضي الله عنه قوله رداء الكبرياء هو ما يتصف به من إرادة احتجاب الأعين عن رؤيته فإذا أراد إكرام أوليائه بها رفع ذلك الحجاب عن أعينهم بخلق الرؤية فيها ليروه بلا كيف وقوله في جنة عدن يعني والناظرون في جنة عدن ولهذه الأخبار الصحيحة شواهد من حديث علي بن أبي طالب وعمار ابن ياسر وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وعبادة بن الصامت وجابر بن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعدي ابن حاتم وأبي رزين العقيلي وأنس بن مالك وبريدة بن حصيب وغيرهم رضي الله عنهم عن النبي ﷺ وقال رضي الله عنه وروينا في إثبات الرؤية عن أبي بكر الصديق
رضي الله عنه وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وأبي موسى وغيرهم رضي الله عنهم ولم يرو عن أحد منهم نفيها ولو كانوا فيه مختلفين لنقل اختلافهم إلينا وكما أنهم لما اختلفوا في رؤيته بالأبصار في الدنيا نقل إختلافهم في ذلك إلينا فلما نقلت رؤية الله بالأبصار عنهم في الآخرة ولم ينقل عنهم في ذلك اختلاف يعني في الآخرة كما نقل عنهم فيها اختلاف في الدنيا علمنا أنهم كانوا على القول برؤية الله بالأبصار في الآخرة متفقين مجتمعين وبالله التوفيق أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي سمعت جعفر بن محمد بن الحارث يقول سمعت الحسن بن محمد بن بحر يقول سمعت المزني يقول سمعت ابن هرم القرشي يقول سمعت الشافعي رحمه الله يقول في قول الله تعالى كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون قال فلما حجبهم في السخط كان هذا دليلا على أنهم يرونه في الرضا وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا علي بن عمر الحافظ قال ذكر إسحاق الطحان المصري ثنا سعيد بن أسد قال قلت للشافعي رحمه الله ما تقول في حديث الرؤية فقال لي يا ابن أسد اقض علي حييت أو مت أن كل حديث يصح عن رسول الله ﷺ فإني أقول به وإن لم يبلغني
باب القول في الإيمان بالقدر قال الله تعالى وكل شيء أحصيناه في إمام مبين وقال ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها وقال يعلم السر وأخفى وقال إنا كل شيء خلقناه بقدر والقدر اسم لما صدر مقدرا عن فعل القادر يقال قدرت الشيء وقدرته بالتشديد والتخفيف فهو قدر أي مقدور ومقدر كما يقال هدمت البناء فهو هدم أي مهدوم وقبضت الشيء فهو قبض أي مقبوض فالإيمان بالقدر هو الإيمان بتقدم علم الله سبحانه بما يكون من إكساب الخلق وغيرها من المخلوقات وصدور جميعها عن تقدير منه وخلق لها خيرها وشرها أخبرنا أبو الحسن بن بشران أنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز ثنا عيسى بن عبد الله الطيالسي ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ثنا
كهمس بن الحسن قال سمعت عبد الله بن بريدة يحدث عن يحيى بن يعمر قال كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني فانطلقنا حجاجا أنا وحميد بن عبد الرحمن فلما قدمنا قلنا لو لقينا بعض أصحاب رسول الله ﷺ فسألناه عما يقول هؤلاء القوم في القدر قال فوافقنا عبد الله بن عمر في المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله قال يحيى فظننت أن صاحبي يكل الكلام إلي فقلت يا أبا عبد الرحمن إنه ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويعرفون العلم يزعمون أن لا قدر وإنما الأمر أنف فقال عبد الله فإذا لقيتم أولئك فأخبروهم أني بريء منهم وهم مني برآء والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبله الله تعالى منه حتى يؤمن بالقدر كله خيره وشره ثم قال حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال بينا نحن عند رسول الله ﷺ ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا نعرفه حتى جلس إلى رسول الله ﷺ فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه ثم قال يا محمد أخبرني عن الإسلام ما الإسلام قال رسول الله ﷺ الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه السبيل فقال الرجل صدقت قال عمر رضي الله عنه فعجبنا له يسأله ويصدقه ثم قال يا محمد أخبرني عن
الإيمان ما الإيمان فقال الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر كله خيره وشره فقال صدقت فقال أخبرني عن الإحسان ما الإحسان فقال الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال فحدثني عن الساعة متى الساعة قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن أماراتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان ثم انطلق فقال عمر رضي الله عنه فلبثت مليا ثم قال لي رسول الله ﷺ يا عمر ما تدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال ذاك جبريل عليه السلام أتاكم يعلمكم دينكم وأخبرنا علي بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا يعلى بن عبيد ثنا أبو سنان عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة قال كنت أنا وابن يعمر جالسين في المسجد فجاء ابن عمر فذكر الحديث في سؤال الرجل رسول الله ﷺ عن الإيمان وقال في جوابه قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث والحساب والجنة والنار والقدر خيره وشره من الله تعالى
أخبرنا أبو الحسين محمد بن محمد بن الفضل القطان أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو نعيم ثنا سفيان ح وأخبرنا أبو ذر بن أبي الحسين بن أبي القاسم المذكر ثنا أبو عبد الله بن محمد بن عبد الله الأصبهاني الزاهد ثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المؤدب ثنا الحسين بن حفص ثنا سفيان عن زياد بن إسماعيل السهمي عن محمد بن عباد المخزومي عن أبي هريرة قال جاء مشركو قريش إلى رسول الله ﷺ يخاصمونه في القدر قال فنزلت هذه الآية إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني أبو النضر الفقيه ثنا محمد بن نصر ثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي قال قرأت على مالك بن أنس عن زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم عن طاوس قال أدركت ناسا من أصحاب رسول الله ﷺ يقولون كل شيء بقدر قال وسمعت عبد الله بن عمر يقول قال رسول الله ﷺ كل شيء بقدر
حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنا بكر بن محمد الصيرفي بمرو ثنا عبد الصمد بن الفضل ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ثنا حيوة ثنا أبو هانئ أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلى قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول سمعت رسول الله ﷺ يقول قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وأخبرنا الحسين بن محمد بن علي الروذباري أنا أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا جعفر بن مسافر الهذلي ثنا يحيى بن حسان ثنا الوليد ابن رباح عن إبراهيم بن أبي عبلة عن أبي حفصة قال قال عبادة بن الصامت لابنه يا بني إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك سمعت رسول الله صلى اله عليه وسلم يقول إن أول ما خلق الله جل ثناؤه القلم فقال له اكتب قال رب وماذا أكتب قال اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة يا بني إني سمعت رسول الله ﷺ يقول من مات على غير هذا فليس مني
أخبرني أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ رحمه الله ببغداد أنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ثنا إسحاق بن الحسن ثنا إبراهيم ثنا سفيان عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله ﷺ في بقيع الغرقد في جنازة فقال ما منكم أحد إلا قد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة قالوا يا رسول الله أفلا نتكل قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له ثم قرأ فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى قال الشيخ الإمام رحمه الله وقوله فكل ميسر يريد أنه ميسر في أيام حياته للعمل الذي سبق له القدر به قبل وجوده وكونه وأمر بالعمل الذي هو أمارة له ليكون راجيا خائفا أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ببغداد أنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز ثنا سعدان بن نصر ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله رضي الله عنه قال ثنا رسول الله ﷺ وهو الصادق المصدوق أن أحدكم يجمع خلقه
في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث إليه الملك فينفخ فيه الروح ثم يؤمر بأربع اكتب رزقه وعمله وأجله وشقي هو أم سعيد والذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل الجنة فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل النار فيدخلها أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري ثنا الحسن بن محمد الزعفراني ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن طاوس سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله ﷺ احتج آدم وموسى عليهما السلام فقال موسى أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة فقال له آدم يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة أتلومني على أمر قدره علي قبل أن يخلقني قال فحج آدم موسى قال رحمه الله ورواه أيضا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي ﷺ وأبو سعيد الخدري عن النبي ﷺ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف المصري بمكة حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي الموت إملاء حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا القعنبي
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد الصفار ثنا أبو السري موسى بن الحسن ثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن رقبة بن مسقلة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب رضي الله عنهما قال قال رسول الله ﷺ إن الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام طبع كافرا ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا أخبرنا أبو الخير جامع بن أحمد الوكيل المحمد أبادي أنا أبو طاهر محمد بن الحسن المحمد أبادي ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا عبد الرحمن بن المبارك ثنا حماد بن زيد عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال السعيد من سعد في بطن أمه قال رحمه الله ورواه يحيى بن عبد الله ورواه يحيى بن عبد الله التيمي عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ وزاد فيه والشقي من شقي في بطن أمه أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ببغداد أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا عباس بن عبد الله الترقفي ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ثنا نافع بن يزيد وابن لهيعة وكهمس بن الحسن وهمام بن يحيى عن قيس بن الحجاج عن حنش عن ابن عباس قال كنت رديف رسول الله ﷺ فقال لي رسول الله ﷺ يا غلام أو يا
بني ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن فقلت بلى فقال احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله قد جف القلم بما هو كائن فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يقضه الله عليك لم يقدروا عليه فاعمل لله بالشكر في اليقين واعلم أن الصبر على ما تكره خير كثير وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا قال الأستاذ الإمام رحمه الله ورواه الليث بن سعد عن قيس بن الحجاج وقال في الحديث رفعت الأقلام وجفت الصحف ولهذا الحديث شواهد عن ابن عباس رضي الله عنه وحديث السعيد من سعد في بطن أمه لا يخالف الأحاديث الواردة في المقادير وجريان القلم بما يكون فإنه إنما يسعد في بطن أمه من جرى القلم بسعادته وإنما جرى القلم بسعادة من كان في علم الله وفي تقديره سعادته أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن إسحاق أنا الحسن بن علي بن زياد ثنا سعيد بن سليمان ثنا سعيد بن عبد الرحمن قال سمعت أبا حازم يقول إن الله تعالى علم قبل أن يكتب وكتب
قبل أن يخلق فمضى الخلق على علمه وكتابه أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن ابن شهاب أن أبا خزامة حدثه أن أباه حدثه أنه قال يا رسول الله أرأيت دواء نتداوى به ورقي نسترقيها وتقى نتقيه هل يرد ذلك من قدر الله من شيء فقال رسول الله ﷺ إنه من قدر الله قال الشيخ رحمه الله الذي يشهد لهذا الحديث بالصحة قوله ﷺ كل ميسر لما خلق له فهو إذا تداوى أو استرقى أو اتقى فبتقدير الله وتيسيره أمكنه ذلك ولو لم يقدره لم يتيسر منه فعل ذلك وبالله التوفيق
باب القول في خلق الأفعال قال الله تعالى ذلكم الله ربكم خالق كل شيء فدخل فيه الأعيان والأفعال من الخير والشر وقال أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء فنفى أن يكون خالق غيره ونفى أن يكون شيء سواه غير مخلوق فلو كانت الأفعال غير مخلوقه لكان الله سبحانه خالق بعض الأشياء دون جميعها وهذا خلاف الآية ومعلوم أن الأفعال أكثر من الأعيان فلو كان الله خالق الأعيان والناس خالقي الأفعال لكان خلق الناس أكثر من خلقه ولكانوا أتم قوة منه وأولى بصفة المدح من ربهم سبحانه ولأن الله تعالى قال والله خلقكم وما تعملون فأخبر أن أعمالهم مخلوقة لله تعالى أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبيد الله بن المنادي ثنا يونس بن محمد ثنا شيبان عن قتادة في قوله أتعبدون ما تنحتون قال الأصنام والله خلقكم وما
تعملون قال خلقكم وخلق ما تعملون بأيديكم قلنا ولأن الله تعالى قال وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم فامتدح بالقولين جميعا فكما لا يخرج شيء من علمه لا يخرج شيء غيره من خلقه ولأنه قال وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق فأخبر أن قولهم وسرهم وجهرهم خلقه وهو بجميع ذلك عليم وقال وأنه هو أضحك وأبكى كما قال وأنه هو أمات وأحيا فكما كان مميتا محييا بأن خلق الموت والحياة كان مضحكا مبكيا بأن خلق الضحك والبكاء وقد يضحك الكافر سرورا بقتل المسلمين وهو منه كفر وقد يبكي حزنا بظهور المسلمين وهو منه كفر فثبت أن الأفعال كلها خيرها وشرها صادرة عن خلقه وإحداثه إياها ولأنه قال فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وقال أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون فسلب عنهم فعل القتل والرمي والزرع مع مباشرتهم إياه وأثبت فعلها لنفسه ليدل بذلك على أن المعنى المؤثر في وجودها بعد عدمها هو إيجاده وخلقه وإنما وجدت من عباده مباشرة تلك الأفعال بقدرة حادثة أحدثها خالقنا تعالى على ما أراد فهي من الله سبحانه خلق على معنى أنه هو الذي اخترعها بقدرته القديمة وهي من عباده
كسب على معنى تعلق قدرة حادثة بمباشرتهم التي هي أكسابهم ووقوع هذه الأفعال أو بعضها على وجوه تخالف قصد مكتسبها يدل على موقع أوقعها على ما أراد غير مكتسبها وهو الله ربنا خلقنا وخلق أفعالنا لا شريك له في شيء من خلقه تبارك الله رب العالمين وكان الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان يعبر عن هذا بعبارة حسنة فيقول فعل القادر القديم خلق وفعل القادر المحدث كسب فتعالى القديم عن الكسب وجل وصغر المحدث عن الخلق وذل وقد أثبت الله سبحانه كسب العباد وخلقه كسبهم بما ذكرنا من الآيات في هذا الموضع وفي كتاب القدر مما لم نذكره ها هنا وبمثل ذلك جاءت السنة عن رسول الله ﷺ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو النضر الفقيه ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا علي بن المديني ثنا مروان بن معاوية ثنا أبو مالك الأشجعي عن ربعي بن خراش عن حذيفة قال قال رسول الله ﷺ إن الله يصنع كل صانع وصنعته أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك أنا عبد الله بن جعفر الأصبهاني ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا هشام ح وأنا عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن إسحاق أنا محمد بن عيسى بن السكن الواسطي ثنا القواريري ثنا معاذ بن هشام ثنا أبي عن قتادة عن الحسن عن أبي موسى رضي الله عنه أن نبي الله ﷺ قال الخير والشر خليقتان ينصبان للناس يوم القيامة وفي رواية أبي داود والذي نفسي بيده إن المعروف والمنكر لخليقتان ينصبان للناس يوم القيامة فأما المعروف فيعد أهله الخير ويمنيهم وأما المنكر
فيقول إليكم إليكم وما يستطيعون له إلا لزوما أخبرنا أبو منصور أحمد بن محمد بن منصور الدامغاني نزيل بيهق ثنا أبو بكر الإسماعيلي الجرجاني أخبرني الحسن بن سفيان ثنا أبو عمار ثنا الفضل بن موسى عن أبي فروة الرهاوي عن أبي يحيى الكلاعي عن أبي أمامة الباهلي قال قال رسول الله ﷺ إن الله تعالى يقول أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الخير وقدرته فطوبى لمن خلقته للخير وخلقت الخير له وأجريت الخير على يديه أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الشر وقدرته فويل لمن خلقت الشر له وخلقته للشر وأجريت الشر على يديه وأما ما روي في حديث دعاء الاستفتاح الخير في يديك والشر ليس إليك فإنما معناه الإرشاد إلى استعمال الأدب في الثناء على الله تعالى والمدح له بأن يضاف إليه محاسن الأمور دون مساويها ولم يقصد به إدخال شيء في قدرته ونفي ضده عنه فقد قال في هذا الحديث والمهدي من هديت وفي حديث آخر والمعصوم من عصم الله وفي ذلك دلالة على أنه يهدي قوما دون قوم آخرين ومن لم يهده ولم يعصمه فقد خذله ومن خذله لم يرد به خيرا قال الله تعالى أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم وكان النضر بن
شميل يقول معناه الشر لا يتقرب به إليك أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال سمعت العباس بن محمد الدوري يقول سمعت يحيى بن معين يقول قال النضر بن شميل والشر ليس إليك تفسيره والشر لا يتقرب به إليك أخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطان في آخرين قالوا أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا الحسن بن عرفة ثنا إسماعيل بن علية عن يزيد عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن إسحاق أنا إسماعيل بن قتيبة ثنا يحيى بن يحيى أنا حماد عن يزيد الرشك ثنا مطرف عن عمران بن حصين قال قيل يا رسول الله أعلم أهل الجنة من أهل النار قال نعم قيل ففيم يعمل العاملون قال كل ميسر لما
خلق له وفي رواية ابن علية قال اعملوا فكل ميسر أو كما قال قال أبو سفيان الخطابي رحمه الله فيما بلغني عنه في هذا الحديث فأعلمهم ﷺ أن العلم السابق في أمرهم واقع على معنى تدبير الربوبية وأن ذلك لا يبطل تكليفهم العمل بحق العبودية إلا أنه أخبر أن كلا من الخلق ميسر لما دبر له في الغيب فيسوقه العمل إلى ما كتب له من سعادة أو شقاوة فيثاب ويعاقب على سبيل المجازاة فمعنى العمل التعريض للثواب والعقاب وبه وقعت الحجة وعليه دارت المعاملة وكان الشيخ أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان رحمه الله يقول أعمالنا أعلام الثواب والعقاب قلنا وليس لقائل أن يقول إذا خلق كسبه ويسره لعمل أهل النار ثم عاقبه عليه كان ذلك منه ظلما كما ليس له أن يقول إذا مكنه منه وعلم أنه لا يتأتى منه غيره ثم عاقبه كان ذلك منه ظلما لأن الظلم في كلام العرب مجاوزة الحد والذي هو خالقنا وخالق أكسابنا لا آمر فوقه ولا حاد دونه وكل من سواه خلقه وملكه فهو يفعل في ملكه ما يشاء لا يسأل عما يفعل وهم يسألون أخبرنا أبو طاهر الزيادي أنا أبو طاهر محمد بن الحسن المحمد
أبادي ثنا أبو قلابة ثنا عثمان بن عمر ح وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنا محمد بن يعقوب الشيباني ثنا محمد بن شاذان ثنا إسحاق بن إبراهيم أنا عثمان بن عمر أنا عزرة بن ثابت عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلمي قال قال لي عمران بن حصين أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه شيء قضى عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق أو فيما يستقبلونه مما أتاهم به نبيهم ﷺ وثبتت الحجة عليهم فقلت بل شيء قضي عليهم ومضى عليهم قال فقال أفلا يكون ظلما قال ففزعت من ذلك فزعا شديدا وقلت كل شيء خلق الله وملك يده فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون فقال لي يرحمك الله إني لم أرد بما سألتك عنه إلا لأحرز عقلك إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله ﷺ فقالا يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق أو فيما يستقبلونه به مما أتاهم به نبيهم ﷺ وثبتت عليهم الحجة فقال لا بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم قال ففيم نعمل إذا قال من كان الله خلقه لواحدة من المنزلتين يسره لها وتصديق ذلك في كتاب الله ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ببغداد أنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار ثنا الحسن بن مكرم ثنا إسحاق بن سليمان الرازي ثنا أبو سنان الشيباني قال سمعت وهب بن خالد الحمصي يحدثنا عن ابن الديلمي قال وقع في نفسي شيء من القدر فأتيت أبي بن كعب فقلت أبا المنذر وقع في نفسي شيء من القدر فخفت أن يكون فيه هلاك ديني أو أمري فقال يا ابن أخي إن الله تعالى لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم ولو أن لك مثل أحد ذهبا أنفقته في سبيل الله ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وإنك إن مت على غير هذا دخلت النار ولا عليك أن تأتي أخي عبد الله بن مسعود فتسأله فأتيت عبد الله بن مسعود فسألته فقال مثل ذلك وقال لي لا عليك أن تأتي حذيفة بن اليمان فتسأله فأتيته فسألته فقال لي مثل ذلك وقال ائت زيد بن ثابت فسله فأتيت زيد بن ثابت فسألته فقال سمعت رسول الله ﷺ يقول فذكر مثل ذلك قال الأستاذ الإمام رحمه الله تابعه سفيان الثوري فرواه في جامعه عن أبي سنان هذا ورواه أيضا كثير بن مرة عن ابن الديلمي إلا أنه زاد سعد بن أبي وقاص في أوله ولم يذكر حذيفة أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا محمد بن علي بن عبد الحميد الصغاني ثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري أنا عبد الرزاق عمن معمر قال بلغني أن عمرو بن العاص قال لأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما وددت أني أجد من أخاصم إليه ربي فقال أبو موسى أنا فقال عمرو أيقدر علي شيئا ويعذبني عليه فقال أبو موسى رضي الله عنه
نعم قال لم قال لأنه لا يظلمك فقال صدقت أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الشيخ أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب أنا إسماعيل بن إسحاق ثنا محمد بن عبيد ثنا حماد بن زيد عن حبيب بن الشهيد قال سمعت إياس بن معاوية يقول لم أخاصم بعقلي كله من أهل الأهواء غير أصحاب القدر قلت أخبرني عن الظلم في كلام العرب ما هو قال أن يأخذ الرجل ما ليس له قلت فإن الله له كل شيء قال الشيخ أبو بكر الظلم عند العرب هو فعل ما ليس للفاعل فعله وليس من شيء يفعله الله إلا وله فعله ألا ترى أنه فاعل بالأطفال والمجانين والبهائم ما شاء من أنواع البلاء فقال أغرقوا فأدخلوا نارا فأغرقهم صغيرهم وكبيرهم وقال وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم وغير ذلك من الآيات الواردة في تعذيب الصغير والكبير والأطفال والمجانين بأنواع البلاء
باب القول في الهداية والإضلال قال الله تعالى من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وقال من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم وقال إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وقال معناه في غير آية من كتابه كتبناها في كتاب القدر أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ أنا أبو عمرو بن السماك قال أنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور قال ثنا يحيى بن سعيد قال نا يزيد بن كيسان قال ثني أبو حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ لعمه قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة فقال لولا أن تعيرني نساء قريش لأقررت بها عينك فأنزل الله تعالى إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ورواه أيضا سعيد بن المسيب بن حزن القرشي عن أبيه عن النبي ﷺ
أخبرنا أبو طاهر الفقيه وأبو زكريا بن أبي إسحاق في آخرين قالا أنا أبو العباس هو الأصم قال نا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال أنا بشر بن أبي بكر عن ابن جابر قال سمعت بسر بن عبيد الله قال سمعت أبا إدريس الخولاني يقول سمعت النواس بن سمعان الكلابي قال سمعت رسول الله ﷺ يقول ما من قلب إلا بين أصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه وكان رسول الله ﷺ يقول اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك والميزان بيد الرحمن يرفع أقواما ويخفض آخرين إلى يوم القيامة قال الشيخ رحمه الله وقوله بين أصبعين من أصابع الرحمن أراد به كون القلب تحت قدرة الرحمن وقد أثنى الله تعالى ربنا على الراسخين في العلم الذين يقولون ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وفيه وفي السنة دلالة على أن الله تعالى إن شاء هداهم وثبتهم وإن شاء أزاغ قلوبهم وأضلهم نعوذ بالله من زيغ القلوب أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال أنا أبو عبد الله الحسين بن
الحسن بن أيوب قال أنا أبو يحيى عن أبي ميسرة قال أنا خلاد بن يحيى قال أنا عبد الواحد بن أيمن المكي عن عبيد بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه قال لما كان يوم أحد انكفأ المشركون فقال رسول الله ﷺ استووا حتى أثني على ربي فصاروا خلفه صفوفا فقال اللهم لك الحمد كله اللهم لا مانع لما بسطت ولا باسط لما قبضت ولا هادي لما أضللت ولا مضل لما هديت ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت ولا مقرب لما باعدت ولا مباعد لما قربت اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك اللهم إني أسألك النعيم يوم القيامة والأمن يوم الخوف اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا ومن شر ما منعتنا اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك واجعل عليهم رجزك وعذابك إله الحق أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق قال أنا أبو الحسين أحمد بن محمد ابن عبدوس قال أنا عثمان بن سعيد الدارمي قال أنا عبد الله بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه قال قد دعا الله إلى توبته ولكن لا يقدر العبد أن يتوب حتى يتوب الله عليه قوله ثم تاب عليهم ليتوبوا فبدء التوبة من الله تعالى
وبإسناده إلى ابن عباس في قوله يحول بين المرء وقلبه يقول يحول بين المؤمن وبين الكفر ويحول بين الكافر وبين الإيمان وقوله ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة قال لو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى كما حيل أول مرة في الدنيا وقوله ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم فاستجاب الله لموسى عليه السلام وحال بين فرعون وبين الإيمان حتى أدركه الغرق فلن ينفعه الإيمان وقوله رب بما أغويتني يقول أضللتني وقوله إنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم يقول لا تضلون أنتم ولا أضل منكم إلا من قضيب له أنه صال الجحيم وقوله وكذلك زينا لكل أمة عملهم قال زين لكل أمة عملهم الذي يعملون حتى يموتوا وقوله تعالى ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا خلقنا من الجن والإنس وقوله كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليه الضلالة وقال إن الله تعالى بدأ خلق ابن آدم مؤمنا وكافرا كما قال هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمنا وكافرا وقال في قوله فأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى يقول بينا لهم وقوله وقضى ربك ألا تعبدوا إلا
إياه يقول أمر وقوله قل كل من عند الله يقول الحسنة والسيئة من عند الله أما الحسنة فأنعم الله بها عليك وأما السيئة فابتلاك الله بها قوله ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك قال الحسنة ما فتح الله عليه يوم بدر وما أصاب من الغنيمة والفتح والسيئة ما أصاب يوم أحد أن شج وجهه وكسرت رباعيته هذا كله عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وروينا عن سعيد بن المسيب أنه قال في قوله وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون أي ما خلقت من يعبدني إلا ليعبدني وفي قوله وإن من شيء إلا يسبح بحمده قال وإن من شيء يسبح إلا يسبح بحمده وقيل قوله وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون أي إلا لأمر أهل التكليف منهم بعبادتي وقيل إلا لتكونوا لي عبادا كقوله إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا
باب القول في وقوع أفعال العبد بمشيئة الله تعالى قال الله تبارك وتعالى وما تشاؤون إلا أن يشاء الله فأخبر أنا لا نشاء شيئا إلا أن يكون الله قد شاء وقال ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا وقال ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها وقال وما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله وقال فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء وقال ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم وآيات القرآن في معنى هذه الآيات كثيرة قد كتبناها في كتاب الأسماء والصفات وفي كتاب القدر حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المقرئ قال أنا الحسن بن محمد بن إسحاق قال نا يوسف بن يعقوب القاضي قال ثنا حفص بن
عمر الحوضي قال نا شعبة بن منصور قال سمعت عبد الله بن يسار عن حذيفة عن النبي ﷺ قال لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان أخبرنا سعيد بن أبي عمرو قال أنا أبو العباس الأصم قال أنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي رضي الله عنه المشيئة إرادة الله تعالى قال الله تعالى وما تشاؤون إلا أن يشاء الله فأعلم الله خلقه أن المشيئة له دون خلقه وأن مشيئتهم لا تكون إلا أن يشاء أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال أنا إسماعيل بن محمد الصفار ح وأنا أبو محمد بن يوسف قال أنا أبو سعيد بن الأعرابي قال أنا سعدان بن نصر قال ثنا سفيان عن الزهري أنه سمع عروة يحدث عن كرز بن علقمة الخزاعي قال سأل رجل النبي ﷺ هل للإسلام من منتهى فقال رسول الله ﷺ أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد الله بهم خيرا أدخل عليهم الإسلام فقال ثم ماذا قال ثم تقع الفتن كأنها الظلل أخبرنا أبو طاهر الفقيه قال أنا أبو طاهر محمد بن الحسين المحمد أبادي قال أنا إبراهيم بن عبد الله السعدي قال أنا يزيد بن هارون قال أنا حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال لا عليكم أن تعجبوا بأحد حتى تنظروا بما يختم له فإن العامل يعمل زمانا من عمره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة ثم يتحول فيعمل عملا سيئا وإن العبد ليعمل قبل موته
موته زمانا من دهره بعمل سيء لو مات عليه لدخل النار ثم يتحول فيعمل عملا صالحا وإذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قبل موته قالوا يا رسول الله وكيف يستعمله قبل موته قال يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه أخبرنا أبو طاهر الفقيه قال أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان قال أنا أحمد بن يوسف السلمي قال أنا عبد الرزاق قال أنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا به أبو هريرة قال قال رسول الله ﷺ تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغرتهم قال الله تعالى للجنة إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها أخبرنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي رحمه الله قال أنا عبد الله بن محمد بن الحسن الشرقي قال ثنا محمد بن يحيى
الذهلي قال ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ثنا عمر بن ذر قال سمعت عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول لو أراد الله أن لا يعصى لم يخلق إبليس وقد بين ذلك في آية من كتاب الله تعالى وفصلها علمها من علمها وجهلها من جهلها ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم وقد روي فيه خبر مرفوع أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أنا أبو بكر أحمد بن سليمان الموصلي ثنا علي بن حرب الموصلي قال أنا عبد الله بن إدريس عن ربيعة بن عثمان عن محمد بن يحيى بن حيان عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير فاحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن اللو يفتح عمل الشيطان أخبرنا أبو سعد سعيد بن محمد بن أحمد الشعبي قال أنا أبو عمرو ابن مطر قال أنا أبو خليفة قال أنا أبو الربيع الزهراني قال ثنا عباد بن عباد عن عمر بن ذر قال سمعت عمر بن عبد العزيز يقول لو أراد الله أن لا يعصى ما خلق إبليس قال وحدثني مقاتل بن حيان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ قال لأبي بكر رضي الله عنه يا أبا بكر لو أراد الله أن لا يعصى ما خلق إبليس
أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق قال أنا أبو الحسن أحمد بن محمد الطرائفي قال ثنا عثمان بن سعيد الدارمي قال أنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا يقول من يرد الله ضلالته فلن تغني عنه من الله شيئا وقوله إن تكفروا فإن الله غني عنكم يعني الكفار الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم فيقولوا لا إله إلا الله ثم قال ولا يرضى لعباده الكفر وهم عباده المخلصون الذين قال إن عبادي ليس لك عليهم سلطان فألزمهم شهادة أن لا إله إلا الله وحببها إليهم وفي قوله وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها يقول سلطنا شرارها فعصوا فيها فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم بالعذاب وهو قوله تعالى وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وفي قوله ولو نشاء لطمسنا على أعينهم يقول أضللناهم عن الهدى فكيف يهتدون وقال من أعميناهم عن الهدى وفي قوله فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر يقول من شاء الله له الإيمان آمن ومن شاء له الكفر كفر وهو قوله تعالى وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين وفي قوله تعالى سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا قال وكذلك كذب الذين من قبلهم ثم قال ولو
شاء الله ما أشركوا وقال ولو شاء لهداكم أجمعين يقول الله لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين وبهذا الإسناد عن ابن عباس رضي الله عنه قال قوله وجعلنا في أعناقهم أغلالا وقوله من أغفلنا قلبه عن ذكرنا وقوله ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ونحو هذا من القرآن قال إن رسول الله ﷺ كان يحرص على أن يؤمن جميع الناس ويبايعوه على الهدى فأخبر الله أنه لا يؤمن إلا من سبق له من الله السعادة في الذكر الأول ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاوة في الذكر الأول ثم قال لنبيه ﷺ لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين قال الشيخ رحمه الله وقد روينا في حديث زيد بن ثابت وفي حديث أبي الدرداء وغيرهما أن النبي ﷺ قال ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وهذا كلام أخذته الصحابة عن رسول الله ﷺ
وأخذه التابعون عنهم ولم يزل يأخذه الخلف عن السلف من غير نكير وصار ذلك إجماعا منهم على ذلك وفي كتاب الله تعالى ما شاء الله لا قوة إلا بالله وقال لنبيه ﷺ قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله فنفى أن يملك العبد كسبا ينفعه أو يضره إلا بمشيئة الله وقدرته وفي معنى ذلك قال الشافعي رضي الله عنه ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ قال حدثني حمزة بن علي العطار قال أنا الربيع بن سليمان قال سئل الشافعي رضي الله عنه عن القدر فأنشأ يقول ... فما شئت كان وإن لم أشأ ... وما شئت إن لم تشأ لم يكن ... خلقت العباد على ما علمت ... ففي العلم يجري الفتى والمسن ... على ذا مننت وهذا خذلت ... وهذا أعنت وذا لم تعن ... فمنهم شقي ومنهم سعيد ... ومنهم قبيح ومنهم حسن ... وعلى نحو قول الشافعي رضي الله عنه في إثبات القدر لله ووقوع أعمال العباد بمشيئة الله درج أعلام الصحابة والتابعين وإلى مثل ذلك ذهب فقهاء الأمصار الأوزاعي ومالك بن أنس وسفيان الثوري وسفيان ابن عيينة والليث بن سعد وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم وغيرهم رضي الله عنهم وحكينا عن أبي حنيفة رحمه الله مثل ذلك وهو فيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا بكر محمد بن جعفر
المزكي يقول أنا أبو العباس أحمد بن سعيد بن مسعود المروزي قال نا سعد بن معاذ قال ثنا إبراهيم بن رستم قال سمعت أبا عصمة يقول سألت أبا حنيفة من أهل الجماعة قال من فضل أبا بكر وعمر وأحب عليا وعثمان وآمن بالقدر خيره وشره من الله ومسح على الخفين ولم يكفر مؤمنا بذنب ولم يتكلم في الله بشيء
باب القول في الأطفال أنهم يولدون على فطرة الإسلام أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الروذباري قال أنا محمد بن بكر قال ثنا أبو داود قال ثنا القعنبي عن مالك بن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه كما تناتج الإبل من بهيمة جمعاء هل تحس من جدعاء قالوا يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير قال الله أعلم بما كانوا عاملين آخر هذا الخير يدل على أن المراد بالأول بيان حكمه في الدنيا كما قال الشافعي رضي الله عنه في رواية أبي عبد الرحمن البغدادي
عند قول النبي ﷺ كل مولود يولد على الفطرة هي الفطرة التي فطر الله عليها الخلق فجعلهم رسول الله ﷺ ما لم يفصحوا بالقول فيختاروا أحد القولين الإيمان أو الكفر لا حكم لهم في أنفسهم إنما الحكم لهم بآبائهم فمن كان آباؤه يوم يولدون فهم بحالهم إما مؤمن فعلى إيمانه وإما كافر فعلى كفره قال الشيخ رحمه الله الذي يؤكد هذا ما روى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ في هذا الحديث فإن كانا مسلمين فمسلم فأما حكمهم في الآخرة فبيانه في آخر الخبر وهو قوله الله أعلم بما كانوا عاملين فحكمهم في الدنيا في النكاح والمواريث وسائر أحكام الدنيا حكم آبائهم حتى يعربوا عن أنفسهم بأحدهما وحكمهم في الآخرة موكول إلى علم الله تعالى فيهم وعلى مثل هذا يدل حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ في أطفال المسلمين أخبرنا أبو ذر محمد بن أبي الحسين بن أبي القاسم المذكر قال أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار الزاهد قال أنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المؤدب قال أنا الحسين بن حفص عن سفيان عن طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن عائشة بنت طلحة عن عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين أنها قالت أتي النبي ﷺ بصبي من الأنصار ليصلي عليه قال فقلت يا رسول الله طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سوءا ولم يدره فقال أو غير ذلك يا عائشة إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلا خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم وخلق النار وخلق لها أهلا خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم فهذا الحديث يمنع من قطع القول بكونهم في الجنة
وحديث أبي بن كعب عن النبي ﷺ في الغلام الذي قتله الخضر أنه طبع كافرا يدل على ذلك فقد كان أبواه مؤمنين وقد روينا في أواخر كتاب القدر أخبارا في أن أولاد المشركين مع آبائهم في النار وأولاد المسلمين مع آبائهم في الجنة وأخبارا غير قوية في أولاد المشركين أنهم خدام أهل الجنة وما صح من ذلك يدل على أن أمرهم موكول إلى الله تعالى وإلى ما علم الله من كل واحد منهم وكتب له السعادة أو الشقاوة وقد قيل في أولاد المسلمين أن الله تبارك وتعالى أكرم هذه الأمة بأن ألحق بهم ذرياتهم في الجنة أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا محمد بن علي الصغاني بمكة قال أنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد قال أنا عبد الرزاق قال أنا الثوري عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى ألحقنا بهم ذرياتهم قال قال الله تعالى يرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإن كانوا دونه في العمل ثم قرأ والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء يقول وما نقصناهم ورواه محمد بن بشر عن الثوري عن عمرو بن مرة وكذلك رواه شعبة عن عمرو بن مرة أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق قال أنا أبو الحسن الطرائفي قال أنا عثمان بن سعيد قال أنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وإن ليس للإنسان إلا ما سعى
فأنزل الله بعد هذا ألحقنا بهم ذرياتهم يعني بإيمان فأدخل الله تعالى الأبناء بصلاح الآباء الجنة قال الشيخ رحمه الله فيحتمل أن يكون خبر عائشة رضي الله عنها في ولد الأنصاري قبل نزول الآية فجرى رسول الله ﷺ على الأصل المعلوم في جريان القلم بسعادة كل نسمة أو شقاوتها فمنع من القطع بكونه في الجنة ثم أكرم الله تعالى أمته بإلحاق ذرية المؤمن به وإن لم يعملوا عمله فجاءت أخبار بدخولهم الجنة فعلمنا بها جريان القلم بسعادتهم فمنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه صغارهم دعاميص الجنة وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضا عن النبي ﷺ أولاد المسلمين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة عليهما السلام فإذا كان يوم القيامة دفعوا إلى آبائهم وفي حديث معاوية بن مرة عن أبيه عن النبي ﷺ في قصة الرجل الذي هلك ابن له قال فعزاه النبي ﷺ فقال يا فلان أيما أحب إليك أن تتمتع به عمرك أولا تأتي غدا بابا من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك فقال يا نبي الله لا بل يسبقني إلى أبواب الجنة أحب إلي قال فذاك لك فقام رجل من الأنصار فقال يا نبي الله جعلني الله فداك أهذا لهذا خاصة أو من هلك له طفل من المسلمين كان ذاك له قال من هلك له طفل من المسلمين
كان ذلك له وأسانيد هذا الحديث مع غيرها ذكرناها في باب الصبر من كتاب الجامع وكل ذلك فيمن وافى أبواه يوم القيامة مؤمنين أو أحدهما فيلحق بالمؤمن ذريته كما جاء به الكتاب ويستفتح له كما جاءت به السنة ويحكم لها بأنها كانت ممن جرى له القلم بالسعادة وقد ذكر الشافعي رحمه الله في كتاب المناسك ما دل على صحة هذه الطريقة في أولاد المسلمين فقال إن الله تعالى بفضل نعمته أثاب الناس على الأعمال أضعافها ومن على المؤمنين بأن ألحق بهم ذرياتهم ووفر عليهم أعمالهم فقال ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء فلما من على الذراري بإدخالهم جنته بلا عمل كان أن من عليهم بأن يكتب لهم عمل البر في الحج وإن لم يجب عليهم في ذلك المعنى قال وقد جاءت الاأحاديث في أطفال المسلمين أنهم يدخلون الجنة قال الشيخ الإمام رحمه الله وهذه طريقة حسنة في جملة المؤمنين الذين يوافون القيامة مؤمنين وإلحاق ذريتهم بهم كما ورد به الكتاب وجاءت به الأحاديث إلا أن القطع به في واحد من المؤمنين بعينه غير ممكن لما يخشى من تغير حاله في العاقبة ورجوعه إلى ما كتب له من الشقاوة فكذلك قطع القول به في واحد من المولودين غير ممكن لعدم علمنا بما يؤول إليه حال متبوعه وبما جرى له به القلم في الأزل من السعادة أو الشقاوة وكان إنكار النبي ﷺ القطع به في حديث عائشة
رضي الله عنها وعن أبيها لهذا المعنى فنقول بما ورد به الكتاب والسنة في جملة المؤمنين وذرياتهم ولا نقطع القول به في آحادهم لما ذكرنا وفي هذا جمع بين جميع ما ورد في هذا الباب والله أعلم ومن قال بالطريقة الأولى في التوقف في أمرهم جعل امتحانهم وامتحان أولاد المشركين في الآخرة محتجا بما أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أنا أبو جعفر الرزاز ثنا حنبل بن إسحاق ثنا علي بن عبد الله المديني ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن الأحنف عن الأسود بن سريع أن نبي الله ﷺ قال أربعة يوم القيامة يعني يدلون على الله بحجة رجل أصم لا يسمع ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في فترة فأما الأصم فيقول رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا وأما الأحمق فيقول رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر وأما الهرم فيقول رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا وأما الذي مات في فترة فيقول رب ما آتاني الرسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه ويرسل إليهم أن ادخلوا النار فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها ما كانت عليهم إلا بردا وسلاما وبهذا الإسناد عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ بنحو من هذا وهذا إسناد صحيح وروي ليث بن أبي سليم عن عبد الوارث عن أنس عن النبي ﷺ قال يؤتى يوم القيامة بمن مات في الفترة والشيخ الفاني والمعتوه
والصغير الذي لا يعقل فيتكلمون بحجتهم وعذرهم فيأتي عنق من النار فيقول لهم ربهم إني كنت أرسل إلى الناس رسلا من أنفسهم وإني رسول نفسي إليكم ادخلوا هذه النار فأما من كتب عليهم الشقاوة فيقولون ربنا منها فررنا وأما أهل السعادة فينطلقون حتى يدخلوها فيدخل هؤلاء الجنة ويدخل هؤلاء النار فيقول للذين كانوا لم يطيعوه قد أمرتكم أن تدخلوا النار فعصيتموني وقد عاينتموني فأنتم لرسلي كنتم أشد تكذيبا أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال نا أبو العباس هو الأصم قال نا العباس بن الوليد قال أنا ابن شعيب قال حدثني شيبان عن ليث فذكره قال الشيخ رحمه الله وهكذا ينبغي أن يقول في الطريقة الثانية في أولاد المسلمين فمن لم يواف أحد أبويه القيامة مؤمنا يجعل إمتحانه في الآخرة حيث لم يجد متبعا يلحق به في الجنة
باب القول في الآجال والأرزاق قال الله جل جلاله فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون والأجل عبارة عن الوقت الذي ينقطع فيه فعل الحياة كما أن أجل الدين عبارة عن الوقت الذي يحل فيه الدين والمقتول والميت أجلهما عند خروج روحهما وقوله يغفر لكم من ذنوبكم يعني من الشرك ويؤخركم إلى أجل مسمى يعني والله أعلم بغير عقوبة و إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر قال الموت وقال يحيى بن زياد الفراء إنما أراد مسمى عندكم ومثله قوله وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه يعني وهو أهون عليه عندكم في معرفتكم وهذا فيما أخبرناه أبو سعيد بن أبي عمرو قال ثنا أبو العباس الأصم قال ثنا محمد بن الجهم عن الفراء فذكره وقال في الرزق ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها وقد علمنا أن جميع المكلفين ليسوا بآكلين حلالا فلو كان لم يرزقهم الحرام كان لم يرزق أكثر الأنام لأكلهم الحرام وما
يأكله المكلفون من حلال وحرام وما يأكله الأطفال من لبن لا يملكونه وغيره مما يأكل البهائم وإن لم يكن لها ملك أخبرنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود الحسيني رحمه الله قال أنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال نا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم قال ثنا سفيان بن عمرو بن دينار عن أبي الطفيل عن حذيفة ابن أسيد يبلغ به النبي ﷺ قال يوكل الموكل على النطفة بعدما استقرت في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة فيقول أي رب ماذا أشقي هو أم سعيد فيقول الله تعالى فيكتبان ثم يقول أي رب أذكر أم أنثى فيقول الله تعالى فيكتبان ويكتب عمله وأجله ورزقه وعمره ثم ترفع الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال نا أبو بكر أحمد بن إسحاق قال ثنا أبو المثنى قال ثنا مسدد قال ثنا حماد بن زيد عن عبيد الله بن بكر عن جده أنس بن مالك قال قال رسول الله ﷺ إن الله تعالى ذكره وكل بالرحم ملكا فيقول يا رب علقة يا رب مضغة فإذا أراد الله خلقه قال رب أذكر أم أنثى شقي أم سعيد فما الرزق فما الأجل فيكتب ذلك في بطن أمه أخبرنا أبو محمد جناح بن نذير بن جناح القاضي بالكوفة قال ثنا
أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم قال ثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة قال ثنا جعفر بن عون قال ثنا مسعر عن علقمة بن مرثد عن المغيرة بن عبد الله اليشكري عن المعرور بن سويد عن عبد الله هو ابن مسعود قال قالت أم حبيبة اللهم أمتعني بزوجي رسول الله ﷺ بأبي أبي سفيان وبأخي معاوية فقال لها النبي ﷺ قد دعوت الله لآجال معلومة وأرزاق مقسومة وآثار مبلوغة لا يعجل شيء منها قبل حلها ولا يؤخر شيء منها بعد حلها فلو دعوت الله أن يعافيك أو سألت الله أن يعيذك أو يعافيك من عذاب في النار أو عذاب في القبر لكان خيرا أو لكان أفضل أخبرنا أبو عبد الله الحافظ رحمه الله قال أنا أبو بكر بن إسحاق قال أنا أحمد بن إبراهيم بن صلحان قال ثنا ابن بكير قال حدثني الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن سعيد بن أبي أمية الثقفي عن يونس بن كثير عن ابن مسعود أن رسول الله ﷺ قال لا يستبطئن أحد منكم رزقه فإن جبريل عليه السلام ألقى في روعي أن أحدا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه فاتقوا الله أيها الناس وأجملوا في الطلب ورواه أيضا جابر بن عبد الله وغيره عن النبي ﷺ
باب القول في الإيمان قال الله تعالى إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا فأخبر أن المؤمنين هم الذين جمعوا هذه الأعمال التي بعضها يقع في القلب وبعضها في باللسان وبعضها بهما وسائر البدن وبعضها بهما أو بأحدهما وبالمال وفيما ذكر الله في هذه الأعمال تنبيه على ما لم يذكره وأخبر بزيادة إيمانهم بتلاوة آياته عليهم وفي كل ذلك دلالة على أن هذه الأعمال وما نبه بها عليه من جوامع الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وإذا قبل الزيادة قبل النقصان وبهذه الآية وما في معناها من الكتاب والسنة ذهب أكثر أصحاب الحديث إلى أن اسم الإيمان يجمع الطاعات فرضها ونفلها وأنها على ثلاثة أقسام 1 فقسم يكفر بتركه وهو اعتقاد ما يجب اعتقاده والإقرار بما اعتقده 2 وقسم يفسق بتركه أو يعصي ولا يكفر به إذا لم يجحده وهو
مفروض الطاعات كالصلاة والزكاة والصيام والحج واجتناب المحارم 3 وقسم يكون بتركه مخطئا للأفضل غير فاسق ولا كافر وهو ما يكون من العبادات تطوعا واختلفوا في كيفية تسمية جميع ذلك إيمانا منهم من قال جميع ذلك إيمان بالله تبارك وتعالى وبرسوله ﷺ لأن الإيمان في اللغة هو التصديق وكل طاعة تصديق لأن أحدا لا يطيع من يثبته ولا يثبت أمره ومنهم من قال الاعتقاد دون الإقرار إيمان بالله وبرسوله ﷺ وبسائر الطاعات إيمان لله ورسوله فيكون التصديق بالله وإثباته والاعتراف بوجوده والتصديق له قبول شرائعه واتباع فرائضه على أنها صواب وحكمة وعدل وكذلك التصديق بالنبي ﷺ والتصديق له فقد ذكرنا بيانه ودليله في كتاب الإيمان وفي كتاب الجامع ونحن نذكر ها هنا طرفا من ذلك أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ومحمد بن موسى قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال نا إبراهيم بن مرزوق قال نا أبو عامر عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال قيل للنبي ﷺ أرأيت الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم ورواه أيضا البراء بن عازب أتم منه
وفي هذا دلالة على أنه سمى صلاتهم إلى بيت المقدس إيمانا فإذا ثبت ذلك في الصلاة ثبت ذلك في سائر الطاعات وقد سمى رسول الله ﷺ الطهور إيمانا فقال في حديث أبي مالك الأشعري الطهور شطر الإيمان حدثنا محمد بن يوسف قال أنا أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب قال أنا محمد بن عيسى بن السكن قال ثنا عفان قال أنا أبان بن يزيد قال عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبي سلام عن أبي مالك الأشعري عن النبي ﷺ أنه كان يقول الطهور شطر الإيمان وسمى في حديث وفد عبد القيس كلمتي الشهادة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت وإعطاء الخمس إيمانا أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي طاهر الدقاق ببغداد قال أنا علي بن محمد الحرفي قال أنا أبو قلابة قال ثنا أبو زيد الهروي قال ثنا قرة بن خالد عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي عن أبن عباس قال قدم وفد عبد القيس على النبي ﷺ فقال مرحبا بالوفد غير الخزايا قالوا يا رسول الله إن بيننا وبينك كفار مضر وإنا لا نصل إليك إلا في شهر حرام فمرنا بأمر نعمل به وندعو إليه من وراءنا قال آمركم بالإيمان تدرون ما الإيمان شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتصوموا رمضان وتحجوا البيت قال وأحسبه قال وتعطوا الخمس من
الغنائم وسمى شعب الدين كلها إيمانا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الجبار السكري ببغداد قال أنا إسماعيل بن محمد الصفار قال أنا عباس بن عبد الله الترقفي قال أنا محمد بن يوسف عن سفين عن سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله أدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان أخبرنا أبو علي الروذباري قال أنا أبو بكر داسة قال نا أبو داود أنا أبو الوليد الطيالسي قال أنا سليمان بن كثير قال أنا الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ أنه
سئل أي المؤمنين أكمل إيمانا قال رجل يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله ورجل يعبد الله في شعب من الشعاب قد كفى الناس شره أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن الحسن بن إسحاق البزار ببغداد قال أنا أبو محمد بن عبد الله بن محمد بن إسحاق الفاكهي بمكة قال نا أبو يحيى بن أبي ميسرة قال نا عبد الله بن يزيد المقرئ قال نا سعيد بن أبي أيوب قال نا محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ أنه قال أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا قال الشيخ رحمه الله وقوله أكمل المؤمنين إيمانا أراد به والله أعلم من أكمل المؤمنين إيمانا جمعا بينه وبين سائر ما ورد في هذا المعنى وهذا لفظ سائغ في كلام العرب يقولون أكمل وأفضل ومرادهم به من أكمل ومن أفضل أخبرنا أبو علي الروذباري قال أنا أبو بكر بن داسة قال نا أبو داود قال نا مؤمل بن الفضل قال نا محمد بن شعيب بن شابور عن يحيى بن الحارث عن القاسم عن أبي أمامة عن رسول الله ﷺ أنه قال من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل
الإيمان ورواه سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه أن رسول الله ﷺ فذكره وزاد وأنكح لله فقد استكمل إيمانه أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال ثنا محمد بن صالح بن هانئ قال أنا السري بن خزيمة قال ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب الشيباني قال ثنا إبراهيم بن عبد الله السعدي قال ثنا محمد بن عبيد قال ثنا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال قال أبو سعيد الخدري سمعت رسول الله ﷺ يقول من رأى منكم منكرا فإن استطاع أن يغيره بيده فليفعل فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال ثنا علي بن حماد العدل قال أنا الحسن بن سهل المجوز قال نا أبو سلمة موسى بن إسماعيل قال ثنا أبان ابن يزيد قال أنا قتادة قال أنا أنس قال قال رسول الله ﷺ يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه من الإيمان ما يزن برة ورواه أبو سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال من كان في قلبه
مثقال حبة خردل من الإيمان والأحاديث في تسمية شرائع الإسلام إيمانا وأن الإيمان والإسلام عبارتان عن دين واحد إذا كان الإسلام حقيقة ولم يكن بمعنى الاستسلام وأن الإيمان يزيد وينقص سوى ما ذكرنا كثيرة وفيما ذكرنا ها هنا كفاية وقد روينا في ذلك عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ثم عن عبد الله بن رواحة ومعاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وأبي الدرداء وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وعثمان بن حنيف وعمير بن حبيب وجندب وعقبة بن عامر رضي الله عنهم ومن التابعين وأتباعهم عن جماعة يكثر تعدادهم وهو قول فقهاء الأمصار رحمهم الله مالك بن أنس والأوزاعي وسفيان بن سعيد الثوري وسفيان بن عيينة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة ومحمد بن إدريس الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي وغيرهم من أهل الحديث ورويناه عن قتيبة بن سعيد عن أبي يوسف القاضي وكل ذلك مذكور في كتاب الإيمان أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد بن محمد بن علي الروذباري قال أنا أبو بكر بن محمد بن مهرويه بن عباس بن سنان الرازي قال قال أنا أبو حاتم الرازي وغيره قالا أنا أبو الصلت الهروي قال أنا علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى عن أبيه جعفر عن أبيه محمد عن أبيه علي عن أبيه الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قال قال رسول الله ﷺ الإيمان قول باللسان عمل بالأركان معرفة بالقلب تابعه محمد بن أسلم الطوسي وغيره عن علي بن موسى الرضا
رضي الله عنه أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثني الزبير بن عبد الواحد الحافظ بأسد أباد قال حدثني يوسف بن عبد الأحد قال ثنا الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول الإيمان قول وعمل يزيد وينقص
قال الشيخ رحمه الله والاستثناء في الإيمان فقد كان يستثنى جماعة من الصحابة والتابعين وأتباعهم وإنما يرجع استثناؤهم إلى كمال الإيمان وإلى إشفاقهم على إيمانهم في ثاني الحال وبأن تغيير حال الإنسان في الإيمان لم يمنع كونه موصوفا به في الحال قبل التغيير والله أعلم أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثني أبو أحمد الحافظ قال أنا أبو العباس محمد بن شادي الهاشمي قال أنا أحمد بن نصر المقرئ الزاهد قال أنا عبد الله بن عبد الجبار الحمصي قال ثنا ابن الوليد عن تمام بن نجيح قال سأل رجل الحسن البصري عن الإيمان فقال الإيمان إيمانان فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار والبعث والحساب فأنا مؤمن وإن كنت تسألني عن قول الله تعالى إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا فوالله ما أدري أنا منهم أو لا
فلم يتوقف الحسن في أصل إيمانه في الحال وإنما توقف في كماله الذي وعد الله تعالى لأهل الجنة بقوله لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم وأخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال أنا بشر بن أحمد المهرجاني قال أنا داود بن الحسين البيهقي قال سمعت محمد بن مقاتل المروزي وسعيد بن يعقوب قالا أنا المؤمل بن إسماعيل قال سمعت سفيان الثوري يقول خالفنا المرجئة في ثلاث نحن نقول الإيمان قول وعمل وهم يقولون قول بلا عمل ونحن نقول يزيد وينقص وهم يقولون لا يزيد ولا ينقص ونحن نقول أهل القبلة عندنا مؤمنون أما عند الله فالله أعلم وهم يقولون نحن عند الله مؤمنون فسفيان الثوري رحمه الله أخبر عن أهل السنة أنهم لا يقطعون بكونهم مؤمنين عند الله يعني في ثاني الحال لأن الله يعلم الغيب فهو عالم بما يصير إليه حال العبد ثم يموت عليه ونحن لا نعلمه فنكل الأمر فيما لا نعلمه إلى عالمه خوفا من سوء العاقبة ونستثني على هذا المعنى ونرجو من الله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة والأحاديث التي وردت في جريان القلم بما هو كائن ورجوع كل
إنسان إلى ما كتب له من الشقاوة والسعادة فموته علبة مانعة من قطع القول بما يكون في العاقبة حاملة على الاستثناء وعلى الخوف من تبدل الحالة والله يعصمنا من ذلك بفضله وسعة رحمته أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ الاسفراييني بها قال أنا الحسن بن محمد بن إسحاق قال نا يوسف بن يعقوب القاضي قال نا عبد الواحد بن عتاب وهدبة قال نا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة إنه لمكتوب في الكتاب أنه من أهل النار فإذا كان عند موته تحول فعمل بعمل أهل النار فمات ودخل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار وإنه لمكتوب في الكتاب أنه من أهل الجنة فإذا كان عند موته تحول فعمل بعمل أهل الجنة فمات ودخل الجنة وشواهد هذا الحديث كثيرة من حديث عبد الله بن مسعود وغيره عن النبي ﷺ وفي حديث سهل بن سعد الساعدي عن النبي ﷺ إنما الأعمال بالخواتيم
وفي حديث أسامة بن زيد عن النبي ﷺ في صفة الجنة قال فقالوا نحن المشمرون لها يا رسول الله قال قولوا إن شاء الله
باب القول في مرتكبي الكبائر قال الله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء يعني ما دون الشرك لمن يشاء بلا عقوبة وقد يعاقب بعضهم على ما اقترف من الذنوب ثم يعفو عنه ويدخل الجنة بإيمانه لقوله إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا وقوله إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد الفقيه أنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال ثنا يحيى بن الربيع المكي ثنا سفيان بن عيينة ح وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو بكر بن الحسن قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا الربيع بن سليمان أنا الشافعي أنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي إدريس عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله ﷺ في مجلس فقال بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا وقرأ عليهم الآية وقال
فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه فهو إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن محمد بن الحسن المهرجاني أنا أبو بكر محمد بن جعفر المزكي ثنا محمد بن إبراهيم ثنا ابن بكير ثنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حيان عن ابن محيريز أن رجلا من بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلا بالشام يدعى أبا محمد يقول إن الوتر واجب قال المخدجي فرحت إلى عبادة بن الصامت فاعترضت له وهو رايح إلى المسجد فأخبرته بالذي قال أبو محمد فقال عبادة رضي الله عنه كذب أبو محمد سمعت رسول الله ﷺ يقول صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بها لم يضيع منها شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة أخبرنا أبو محمد جناح بن نذير بن جناح بالكوفة ثنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم ثنا إبراهيم بن إسحاق القاضي ثنا محمد بن عبيد عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال جاء رجل إلى النبي ﷺ
فقال يا رسول الله ما الموجبتان قال من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن إسحاق أنا بشر بن موسى ثنا سعيد بن منصور ثنا أبو معاوية عن جعفر بن برقان عن يزيد بن أبي شيبة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله ﷺ ثلاث من أصل الإيمان الكف عمن قال لا إله إلا الله لا نكفره بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل والجهاد ماض منذ بعثني الله تعالى إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل والإيمان بالأقدار قال الأستاذ الإمام رحمه الله ولهذه الأحاديث شواهد ذكرناها في كتاب الإيمان وفي كتاب البعث والنشور وعلى هذا درج من مضى من الصحابة والتابعين وأتباعهم من أهل السنة وقال الشافعي رحمه الله في كتاب وصيته وجعل الآخرة دار قرار وجزاء بما عمل في الدنيا من خير أو شر إن لم يعفه جل ثناؤه وإلى مثل هذا ذهب فقهاء الأمصار وقالوا في آيات الوعيد إن ذلك جزاؤه فإن شاء الله أن يعفو عن جزائه فيما دون الشرك فعل أخبرنا أبو علي الروذباري أنا أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا أحمد بن يونس ثنا أبو شهاب عن سليمان التيمي عن أبي مجلز في
قوله ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم قال هي جزاؤه فإن شاء الله أن يتجاوز عن جزائه فعل أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن حمدان الفارسي في آخرين قالوا أنا أبو عمرو السلمي أنا أبو مسلم الأنصاري قال ثنا هشام بن حسان قال كنا عند محمد بن سيرين فقال له رجل ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم حتى ختم الآية قال فغضب محمد وقال أين أنت عن هذه الآية إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء قم فاخرج عني وروى حرب بن سريج المنقري ثنا أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه قال مازلنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا من نبينا ﷺ يقول إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وأنه قال إني ادخرت دعوتي شفاعة لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة قال فأمسكنا عن كثير مما كان في أنفسنا ونطقنا به ورجوناه أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا شيبان ثنا حرب بن سريج المنقري فذكره وروى فيه عن مقاتل بن حيان عن نافع عن ابن عمر وعن بكر بن عبد الله عن ابن عمر ما يكون شاهد الرواية حرب والله أعلم
أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن المؤمل ثنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري ثنا محمد بن عبد الوهاب أنا جعفر بن عون أخبرنا المسعودي عن عون بن عبد الله قال قال لقمان لابنه يا بني ارج الله رجاء لا تأمن فيه مكره وخف الله مخافة لا تيأس فيها من رحمته قال يا أبتاه وكيف أستطيع ذلك وإنما لي قلب واحد قال المؤمن كذا له قلبان قلب يرجو به وقلب يخاف به
باب القول في الشفاعة وبطلان قول من قال بتخليد المؤمنين في النار قال الله تعالى لنبيه ﷺ عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا وقال ولسوف يعطيك ربك فترضى وقال وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الروذباري وأبو عبيد الحسين بن عمر بن برهان وأبو الحسين بن الفضل القطان وأبو محمد السكري قالوا أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا الحسن بن عرفة ثنا القاسم بن مالك المزني عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال قال رسول الله ﷺ أنا أول شفيع يوم القيامة وأنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة إن من الأنبياء لمن يأتي يوم القيامة ما معه مصدق غير واحد
حدثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان وأبو عبد الله الحافظ وأبو طاهر الفقيه قالوا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ثنا إسحاق بن بدر بن مضر عن أبيه عن جعفر بن ربيعة عن صالح بن عطاء بن خباب عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ قال أنا قائد المرسلين ولا فخر وأنا خاتم النبيين ولا فخر وأنا أول شافع ومشفع ولا فخر أخبرنا أبو محمد بن يوسف الأصبهاني أنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا الحسن بن محمد الزعفراني ثنا روح بن عبادة حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله ﷺ إن لكل نبي دعوة قد دعا بها في أمته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي وبمعناه رواه أبي بن كعب وأبو هريرة وعبد الرحمن بن أبي عقيل وغيرهم عن النبي ﷺ أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المقرئ أنا الحسن بن محمد ابن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب القاضي ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا هشام الدستوائي ثنا قتادة عن أنس عن النبي ﷺ قال يجمع
المؤمنون يوم القيامة فيهتمون ذلك اليوم فيقولون لو استشفعنا على ربنا يريحنا من مكاننا هذا فيأتون آدم فيقولون له يا آدم أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك اسم كل شيء فاشفع لنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا فيقول لهم لست هناكم ويذكر لهم خطيئته التي أصاب ولكن ائتوا نوحا أول رسول بعثه الله إلى الأرض فيأتون نوحا فيقول لست هناكم ويذكر لهم خطيئته التي أصاب ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن فيأتون إبراهيم فيقول لهم لست هناكم ويذكر لهم خطاياه التي أصاب ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه الله تعالى التوراة وكلمه تكليما فيأتون موسى فيقول لهم لست هناكم ويذكر لهم خطيئته التي أصاب ولكن ائتوا عيسى فيقول لهم لست هنا كم ولكن ائتوا محمدا عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال رسول الله ﷺ فيأتونني فأنطلق معهم فأستأذن على ربي فيؤذن لي فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول لي يا محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع فأحمده بمحامد علمنيها ثم أحد لهم حدا فأدخلهم الجنة ثم أرجع الثانية فأستأذن على ربي فيأذن لي فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدا فيدعني ما شاء أن يدعني ثم يقول يا محمد ارفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع فأحمد ربي بمحامد علمنيها ثم أحد لهم حدا ثانيا فأدخلهم الجنة ثم أرجع فأستأذن على ربي فيؤذن لي فإذا رأيت ربي تعالى وقعت له ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول لي يا محمد ارفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع فأحمد ربي بمحامد علمنيها ثم أحد لهم حدا ثالثا فأدخلهم الجنة حتى أرجع فأقول يا
رب ما بقي إلا من وجب عليه الخلود أو حبسه القرآن وروي حديث الشفاعة بطوله أبو هريرة رضي الله عنه وغيره عن النبي ﷺ أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك أنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود الطيالسي ثنا شعبة وهشام عن قتادة عن أنس أن النبي ﷺ قال يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة قال هشام ذرة وقال شعبة درة قال الشيخ الإمام رحمه الله رواية هشام الدستوائي أصح وكذلك قاله سعيد بن أبي عروبة أخبرني أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه ثنا أبو داود سليمان بن الأشعث وإسماعيل بن إسحاق قالا ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد عن الحسن بن ذكوان ثنا أبو رجاء حدثني عمران بن حصين عن النبي ﷺ قال يخرج قوم من النار بشفاعة محمد ﷺ فيدخلون الجنة يسمون الجهنميين
حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو سعيد بن الأعرابي ح وأخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ببغداد أنا إسماعيل بن محمد الصفار قالا ثنا سعدان بن نصر ثنا سفيان بن عيينة أنه سمع عمرا سمعت جابر بن عبد الله يقول سمعت بأذني هاتين من رسول الله ﷺ يقول إن الله تعالى يخرج قوما من النار فيدخلهم الجنة ورواه حماد بن زيد عن عمرو بن دينار وزاد فيه بالشفاعة أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ أنا أبو جعفر أحمد بن عبيد الحافظ بهمدان ثنا إبراهيم بن الحسين الكسائي ثنا أبو نعيم ثنا أبو عاصم الثقفي محمد بن أبي أيوب حدثني يزيد الفقير قال كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج وكنت رجلا شابا قال فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج ثم نخرج على الناس فمررنا على المدينة فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم عن رسول الله ﷺ جالسا إلى سارية وإذا هو قد ذكر الجهنميين قال قلت يا صاحب رسول الله ما هذا الذي تحدثون والله يقول إنك من تدخل النار فقد أخزيته و كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وما هذا الذي تقولون قال فقال لي أي بني أتقرأ القرآن قال قلت نعم قال فهل سمعت بمقام محمد ﷺ المحمود الذي يبعثه الله فيه قال قلت نعم قال فهو المقام المحمود الذي يخرج الله به من يخرج من النار قال
ثم نعت وضع الصراط ومر الناس عليه فأخاف أن لا أكون حفظت ذاك غير أنه قد زعم أن قوما يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها قال فيخرجون كأنهم عيدان السماسم فيدخلون نهرا من أنهار الجنة فيغتسلون فيه قال فيخرجون كأنهم القراطيس البيض قال فرجعنا فقلنا ويحكم ترون هذا الشيخ يكذب على رسول الله ﷺ فرجعنا فلا والله ما خرج منا إلا رجل واحد قال الشيخ رحمه الله في حديث أبي سعيد في هذا الباب بيان حال من يبقى في النار ومن يخرج منها حدثنا عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان أنا علي بن الحسين بن أبي عيسى أنا عبد الله بن الوليد العدني أنا إبراهيم بن طهمان ثنا أبو سلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول الله ﷺ أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن أناسا تصيبهم النار بذنوبهم حتى إذا كانوا فحما إذن في الشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم من الماء قال فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن إسحاق المزكي قالا
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب أنا جعفر بن عون أنا هشام بن سعد ثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فذكر حديث الرؤية كما سبق ذكره وذكر قصة المنادي يوم القيامة وسجود من سجد قال ثم يضرب الجسر على جهنم قلنا وما الجسر يا رسول الله بأبينا أنت وأمنا قال دحض مزلة له كلاليب وخطاطيف وحسك يكون بنجد عقيضنا يقال له السعدان فيمر المؤمنون كلمح البرق وكالطير وكالطرف وكأجاويد الخيل وكالراكب فمرسل ومخدوش ومكروس قال أبو حامد إنما هو مكردس في نار جهنم والذي نفسي بيده ما أحدكم بأشد مناشدة في الحق يراه ممضيا من المؤمنين في إخوانهم إذا هم رأوا وقد خلصوا من النار يقولون أي ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا ويجاهدون معنا قد أخذتهم النار فيقول اذهبوا فمن عرفتم صورته قأخرجوه ويحرم صورتهم على النار فيجدون الرجل قد أخذته النار إلى قدميه وإلى أنصاف ساقيه وإلى ركبتيه وإلى حقوه فيخرجون منها بشرا كثيرا ثم يعودون فيتكلمون فيقول اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال قيراط خيرا فأخرجوه فيخرجون بشرا كثيرا ثم يعودون فيتكلمون فلا يزال يقول ذلك حتى يقول اذهبوا فأخرجوا من وجدتم في قلبه مثقال ذرة فأخرجوه
وكان أبو سعيد إذا حدث بهذا الحديث يقول فإن لم تصدقوا فاقرأوا إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما فيقولون أي ربنا لم نذر فيها خيرا فيقول هل بقي إلا أرحم الرحمين قال فيأخذ قبضة من النار قال فيخرج قوما قد عادوا حممه لم يعملوا لله عمل خير قط قال فيطرحون في نهر في الجنة يقال له نهر الحياة فينبتون فيه والذي نفسي بيده كما تنبت الحبة في حميل السيل ألم تروها وما يليها في الظل أصيفر وما يليها من الشمس أخيضر قلنا يا رسول الله كأنك كنت في الماشية قال فينبتون كذلك فيخرجون أمثال اللؤلؤ فيجعل في رقابهم الخواتيم ثم يرسلون في الجنة هؤلاء الجهنميون هؤلاء الذين أخرجهم الله من النار بغير عمل ولا خير قدموه فيقول الله تعالى خذوا فلكم ما أخذتم فيأخذون حتى ينتهوا قال ثم يقولون لو يعطينا الله ما أخذنا فيقول الله تعالى فإني أعطيكم أفضل مما أخذتم فيقولون يا ربنا وما أفضل مما أخذنا فيقول رضواني فلا أسخط أخبرنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي أنا أبو حامد بن بلال ثنا أحمد بن حفص بن عبد الله حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري أنه قال قال رسول الله ﷺ يخرج قوم من النار قد احترقوا فيدخلون الجنة فينطلقون إلى نهر يقال له الحياة فيغتسلون فيه فينضرون كما ينضر العود فيمكثون في الجنة حينا فيقال لهم تشتهون شيئا فيقولون
أن يرفع عنا هذا الاسم قال فيرفع عنهم أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ أنا عبد الله محمد بن علي بن عبد الحميد الآدمي بمكة ثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري أنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة قال قال الناس يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه قال فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت وتبقى هذه الأمة فذكر الحديث في الرؤية ثم قال يضرب جسر جهنم فأكون أول من يجيز ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وله كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم شوك السعدان قالوا نعم يا رسول الله فإن بها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله تعالى قال فتخطف الناس بأعمالهم فمنهم الموبق بعمله ومنهم المخردل ثم ينجو حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يرحم ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله أمر الملائكة أن يخرجوهم قال فيعرفونهم بعلامة آثار السجود قال فيخرجونهم قد امتحشوا قال فيصب عليهم من ماء يقال
له ماء الحياة فينبتون نبات الحبة في حميل السيل قال ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار فيقول يا رب قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها فاصرف وجهي عن النار قال فلا يزال يدعو الله فيقول لعلي إن أعطيتك ذلك أن تسألني غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره فيصرف وجهه عن النار ثم يقول بعد ذلك قربني إلى باب الجنة فيقول أوليس قد زعمت أن لا تسألني غيره ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فلا يزال يدعو فيقول الله تعالى لعلي إن أعطيتك ذلك أن تسألني غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره ويعطي الله من العهود والمواثيق أن لا يسأله غيره قال فيقربه إلى باب الجنة فإذا دنا منها انفهقت له الجنة فلما رأى ما فيها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول رب أدخلني الجنة فيقول أوليس قد زعمت أن لا تسألني غيره أوليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسألني غيره ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول يا رب لا تجعلني أشقى خلقك فلا يزال يدعو حتى يؤذن له بالدخول فيها فإذا دخل قيل له تمن من كذا فيتمنى قال ثم يقال تمن من كذا تمن من كذا قال فيتمنى حتى تنقطع به الأماني فيقال له هذا لك ومثله معه قال أبو هريرة وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا الجنة قال وأبو سعيد الخدري جالس مع أبي هريرة لا يغير عليه شيئا من حديثه حتى انتهى إلى قوله هذا لك ومثله معه فقال أبو سعيد
سمعت رسول الله ﷺ يقول هذا لك وعشرة أمثاله فقال أبو هريرة حفظت ومثله معه أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا يحيى بن منصور ثنا أبو بكر الجارودي ثنا إسحاق بن منصور ثنا أبو داود ثنا مبارك بن فضالة عن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس بن مالك قال قال رسول الله ﷺ يعني قول الله تعالى أخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا يعلى بن عبيد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي وهي نائلة منكم إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئا قال رحمه الله وروينا في هذا عن معاذ بن جبل وأبي ذر وأبي موسى وعوف بن مالك وغيرهم رضي الله عنهم عن النبي ﷺ
حدثنا أبو طاهر الإمام أنا أبو طاهر محمد بن الحسن المحمد أبادي ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله ﷺ شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وأخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الروذباري أنا أبو أحمد القاسم بن أبي صالح الهمداني ثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا جعفر هو ابن سليمان ثنا مالك بن دينار قال سمعت أنس بن مالك يقول قال النبي ﷺ شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وتلا هذه الآية إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما أخبرنا أبو علي الروذباري وأبو عبد الله بن برهان وأبو الحسين بن الفضل القطان وأبو محمد السكري قالوا ثنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا الحسن بن عرفة ثنا عبد السلام بن حرب الملائي عن زياد ابن خيثمة عن نعمان بن قراد عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ﷺ خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل شطر أمتي الجنة فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكفى أترونها للمؤمنين المتقين لا
ولكنها للمذنبين المتلوثين الخطائين أخبرنا أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر ببغداد أخبرنا الحسين بن يحيى بن عياش القطان ثنا أبو الأشعث ثنا الفضيل بن سليمان ثنا أبو مالك الأشجعي حدثني ربعي بن حراش أنه سمع حذيفة بن اليمان أنه سمع رجلا يقول اللهم اجعلني فيمن تصيبه شفاعة محمد ﷺ قال إن الله يغني المؤمنين عن شفاعة محمد ﷺ ولكن الشفاعة للمذنبين المؤمنين والمسلمين أخبرنا يحيى بن إبراهيم أنا أبو الحسن الطرايفي ثنا عثمان بن سعيد ثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قول الله تعالى ولا يشفعون إلا لمن ارتضى يقول الذين ارتضاهم بشهادة أن لا إله إلا الله أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ثنا سعيد بن مسعود ثنا عبد الله بن موسى أنا إسرائيل عن السدي قال سألت مرة الهمداني عن قول الله تعالى وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا فحدثني أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم حدثهم عن رسول الله ﷺ قال يرد الناس
النار ثم يصدرون بأعمالهم كلمع البرق ثم كمر الريح ثم كحضر الفرس ثم كالراكب ثم كشد الرحال ثم كمشيهم ورواه أبو الأحوص عن عبد الله بن مسعود في قوله وإن منكم إلا واردها قال الصراط على جهنم وروينا عن ابن عباس أنه قال الورود الدخول واستشهد بقوله أنتم لها واردون وبقوله فأوردهم النار وبئس الورد المورود وروينا عن جابر بن عبد الله عن النبي ﷺ أنه قال الورود الدخول ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا وقد ذكرناه في كتاب الجامع وفي كتاب البعث مع سائر الروايات فيه
باب الإيمان بما أخبر عنه رسول الله ﷺ في ملائكة الله وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والحساب والميزان والجنة والنار وأنهما مخلوقتان معدتان لأهلهما وبما أخبر عنه في حوضه وفي أشراط الساعة قبل قيامها قال الله تعالى آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وقال زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير وقال ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين وقال فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا وقال ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وقال الوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت
موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون والآيات في مثل هذا كثيرة وقال في الجنة عرضها السماوات والأرض والمعدوم لا عرض له وقال في الحوض إنا أعطيناك الكوثر وقال في أشراط الساعة يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران العدل أنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار وأبو جعفر محمد بن عمرو بن البحتري الرزاز قالا ثنا محمد بن عبيد الله بن المنادي ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو الحسن علي بن محمد بن علي الإسفرائيني قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أبو جعفر محمد بن عبيد الله بن المنادي ثنا يونس بن محمد المؤدب ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن يحيى بن يعمر قال قلت لابن عمر يا أبا عبد الرحمن إن قوما يزعمون أن ليس قدر قال فهل عندنا منهم أحد قال قلت لا قال فأبلغهم عني إذا لقيتهم أن ابن عمر بريء إلى الله منكم وأنتم برآء منه سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول بينما نحن جلوس عند رسول الله ﷺ إذ جاء رجل عليه سحناء سفر وليس من
أهل البادية وليس من أهل البلد يتخطى حتى ورك بين يدي رسول الله ﷺ كما يجلس أحدنا في الصلاة ثم وضع يديه على ركبتي رسول الله ﷺ فقال يا محمد ما الإسلام قال الإسلام أن تشهد أ لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء وتصوم رمضان قال فإن فعلت هذا فأنا مسلم قال نعم قال صدقت قال يا محمد ما الإيمان قال الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالجنة والنار والميزان وتؤمن بالبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره قال فإذا فعلت هذا فأنا مؤمن قال نعم قال صدقت قال يا محمد ما الإحسان قال أن تعمل لله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال فإذا فعلت هذا فأنا محسن قال نعم قال صدقت قال فمتى الساعة قال سبحان الله ما المسؤول عنها بأعلم من السائل إن شئت أنبأتك بأشراطها قال أجل قال إذا رأيت العالة الحفاة العراة يتطاولون في البناء وكانوا ملوكا قال ما العالة الحفاة العراة قال العريب قال وإذا رأيت الأمة تلد ربتها وربها فذاك من أشراط الساعة قال صدقت ثم نهض فولى فقال رسول الله ﷺ هل تدرون من هذا هذا جبريل عليه السلام أتاكم يعلمكم دينكم فخذوا عنه فوالذي نفسي بيده ما شبه علي منذ أتاني غير مرتي هذه ما عرفته حتى ولى قال رحمه الله قد سمى رسول الله ﷺ كلمة الشهادة في هذا الحديث إسلاما وسماه في حديث ابن عباس في قصة وفد عبد القيس إيمانا وفي
الحديثين دلالة على أنهما اسمان لمسمى واحد إلا أنه في هذا الحديث فسر الإيمان بما هو صريح فيه وهو التصديق وفسر الإسلام بما هو إمارة له وإن كان اسم صريحه يتناول أمارته واسم أمارته يتناول صريحه وهذا كما فصل بينهما وبين الإحسان وإن كان الإيمان والإسلام إحسانا والإحسان الذي فسره بالإخلاص واليقين يكون إيمانا وقوله في أشراط الساعة تلد الأمة ربتها وربها يريد به اتساع الإسلام وكثرة السبايا حتى يستولد الناس الجواري فتلد الأمة من سيدها ابنة أو ابنا فيكون ولدها في معنى سيدها إذ هو ولد مولاها وبعثة النبي ﷺ واتساع شريعته من أشراط الساعة بمعنى أنه ليس بينه وبين الساعة نبي آخر ثم لا يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا الله تعالى وروينا من حديث مطر الوراق عن عبد الله بن بريدة عن يحيى ابن يعمر في هذا الحديث قال في الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالموت وبالبعث من بعد الموت والحساب والجنة والنار والقدر كله وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد بن
عبد الله العنبري وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن سعد الحافظ قالا ثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي ثنا أمية بن بسطام ثنا يزيد بن زريع ثنا روح بن القاسم عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله قال الشيخ ونعتقد فيما أنزله الله تعالى على رسوله محمد ﷺ في القرآن ولم ينسخ رسمه في حياته وأنه بقي في أمته محفوظا لم تجر عليه زيادة ولا نقصان كما وعد الله بقوله إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون وهو كما قال وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه قال الحسن البصري حفظه الله من الشيطان فلا يزيد فيه باطلا ولا ينقص منه حقا حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي أنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسين الحافظ ثنا محمد بن يحيى الذهلي ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا أبي عن صالح بن كيسان ثنا نافع عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ﷺ يقوم الناس يوم القيامة لرب العالمين حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنا أبو عبدالله محمد بن عبدالله الصفار ثنا أحمد بن مهران ثنا عبيد الله بن موسى ثنا عثمان بن
الأسود عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قال سمعت رسول الله ﷺ يقول من نوقش الحساب هلك قال قلت يا رسول الله إن الله تعالى يقول فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا قال ذاك العرض أخبرنا أبو علي الروذباري أنا أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا يعقوب بن إبراهيم وحميد بن مسعدة أن إسماعيل بن إبراهيم حدثهم قال أنا يونس وقال يعقوب عن يونس وهذا حديثه عن الحسن عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها أنها ذكرت النار فبكت فقال رسول الله ﷺ ما يبكيك قالت ذكرت النار فبكيت فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة فقال رسول الله ﷺ أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدا عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل وعند الكتاب حين يقال هاؤم اقرأوا كتابيه حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الأديب أنا أبو بكر الإسماعيلي أخبرني الحسن بن سفيان ثنا أبو خيثمة ثنا محمد بن فضيل ثنا عمارة
عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم قال رضي الله عنه فالإيمان بالميزان واجب بما ذكرنا ثم كيفية الوزن فقد قيل توضع صحف الحسنات في إحدى كفتي الميزان وصحف السيئات في الكفة الأخرى ثم توزن وقد ورد في بعض الأخبار ما يدل عليه وقد يجوز أن يحدث الله تعالى أجساما مقدرة بعدد الحسنات والسيئات بحيث يتميز أحدهما من الأخرى ثم توزن كما توزن الأجسام والله أعلم وما ورد به خبر الصادق نؤمن به ونحمله على وجه يصح وبالله التوفيق أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا عبد الله بن نمير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ يقول الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قرأ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون أخبرنا أبو الحسين بن بشران وأبو عبد الله بن برهان في آخرين قالوا أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا الحسن بن عرفة حدثني
القاسم بن مالك المزني عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال بينما رسول الله ﷺ ذات يوم فذكر الحديث إلى أن قال وأيم الذي نفس محمد بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا قالوا يا رسول الله وما رأيت قال رأيت الجنة والنار أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن محمد بن الحسن المهرجاني أنا أبو بكر محمد بن جعفر المزكي ثنا أبو عبد الله البوشنجي ثنا يحيى بن بكير ثنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله ﷺ قال إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله تعالى إليه يوم القيامة أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي ثنا إبراهيم بن الحسين ثنا آدم بن أبي إياس ثنا شيبان عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله ﷺ لما عرج بي إلى السماء أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت ما هذا يا جبريل فقال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك فأهوى الملك بيده فاستخرج من طينه مسكا أذفر
أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داو رحمه الله أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن الحسن بن الشرقي ثنا محمد بن يحيى الذهلي ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن قرة بن خالد عن أبي حمزة قال دخل أبو برزة على عبيد الله بن زياد فقال إن محمدكم هذا لدحداح فقال ما كنت أراني أن أعيش في قوم يعدون صحبة محمد ﷺ عارا قالوا إن الأمير إنما دعاك ليسألك عن الحوض فقال عن أي باله قال أحق هو قال نعم فمن كذب به فلا سقاه الله منه حدثنا أبو الحسن العلوي أنا عبيد الله بن إبراهيم بن بالويه المزكي ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة قال قال رسول الله ﷺ لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الوهاب أنا يعلى بن عبيد ثنا فضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنا أبو الفضل بن إبراهيم ثنا
أحمد بن سلمة ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن النعمان بن سالم قال سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود قال سمعت رجلا قال لعبد الله بن عمرو إنك تقول إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا فقال لقد هممت أن لا أحدثكم بشيء إنما قلت إنكم ترون بعد قليل أمرا عظيما فكان حريق البيت قال شعبة هذا أو نحوه قال عبد الله بن عمرو قال رسول الله ﷺ يخرج الدجال في أمتي فيمكث فيهم أربعين لا يدري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين سنة فيبعث الله عيسى بن مريم عليه السلام كأنه عروة بن مسعود الثقفي فيطلبه فيهلكه ثم يلبث الناس بعده سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته حتى لو أن أحدكم كان في كبد جبل لدخلت عليه قال سمعتها من رسول الله ﷺ ويبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا فيتمثل لهم الشيطان فيقول ألا تستجيبون فيأمرهم بعبادة الأوثان فيعبدونها وهم في ذلك دارة أرزاقهم حسن عيشهم ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد صغا ليتا ورفع ليتا ورفع بندار إحدى منكبيه وأول من يسمعه رجل يلوط حوضه فيصعق ثم لا يبقى أحد إلا صعق ثم يرسل الله أو ينزل الله مطرا كأنه الطل أو الظلل النعمان الشاك فينبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ثم يقال يا أيها الناس هلموا إلى ربكم وقفوهم إنهم مسؤولون ثم يقال أخرجوا بعث النار فيقال كم فيقال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين
قال أحمد بن جعفر حدثني شعبة بهذا الحديث مرات وعرضته عليه قال الشيخ رحمه الله سقط من كتابي ورفع ليتا والليت مجرى القرط من العنق أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا سعدان بن نصر ثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن حبيبة عن أمها أم حبيبة عن زينب زوج النبي ﷺ قالت استيقظ النبي ﷺ من نوم محمرا وجهه وهو يقول لا إله إلا الله ثلاث مرات ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق حلقة بأصبعيه قلت يا يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث قال وقد روينا في كتاب البعث قصة الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام وخروج يأجوج ومأجوج وهلاكهم وقيام الساعة من حديث النواس بن سمعان وغيره حدثنا أبو سعد عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد رحمه الله أنا حامد ابن محمد الهروي أنا علي ابن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا فطر بن خليفة عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي وأبو نصر عمر بن عبد العزيز بن قتادة قالا أنا يحيى بن منصور القاضي ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا فطر عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل عن علي بن أبي طالب عن النبي ﷺ قال لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا قال وحدثنا فطر عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن علي رضي الله عنه قال فطر رواه عن النبي ﷺ لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا ورواه عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ وذكر فيه يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي وأخبرنا أبو محمد جناح بن نذير بن جناح المحاربي بالكوفة أنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم ثنا أحمد بن حازم بن أبي غرازة أخبرنا عبيد الله بن موسى أنا سفيان عن عوف عن أنس بن سيرين عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال مضت الآيات غير أربع طلوع
الشمس من مغربها والدجال والدابة ويأجوج ومأجوج قال وبها يختم الأعمال قال ثم قرأ يوم يأتي بعض آيات ربك قال رحمه الله يعني الآيات أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو جعفر أحمد بن عبيد بن إبراهيم الحافظ ثنا إبراهيم بن الحسين ثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ثنا شعيب بن حمزة حدثني أبو الزناد عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ يعني يقول الله تعالى كذبني ابن آدم ولم ينبغ له أن يكذبني وشتمني ابن آدم ولم ينبغ له أن يشتمني فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ح وأخبرنا الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم أنا أبو بكر بن محمد بن يزداد الجوسقاني ثنا أبو عبد الله محمد بن العباس المؤدب قالا ثنا عفان بن مسلم ثنا حماد بن سلمة أنا يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين العقيلي قال قلت يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى وما آية ذلك في خلقه قال أما مررت بواد لك محلا ثم مررت به يهتز خضرا ثم مررت به محلا ثم مررت به يهتز خضرا
قال بلى قال كذلك يحيي الله الموتى وذلك آيته في خلقه لفظ حديث المؤدب وفي رواية الصغاني بوادي أهلك ولم يقل يهتز قال الشيخ وقد ورد ذلك في كتاب الله تعالى قال الله تبارك وتعالى وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وآيات القرآن في الإعادة كثيرة
باب الإيمان بعذاب القبر نعوذ بالله من عذاب القبر ومن عذاب النار قال الله تعالى الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون وما بعدها في الآية قال مجاهد ذاك عند الموت وقال في الكفار ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق أي ويقولون لهم هذا تعريفا إياهم أنهم يقدمون على عذاب الحريق وقال ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون فدلت الآيتان على أن الكفار يعنف عليهم في نزع أرواحهم وأنهم يخبرون بما هم قادمون عليه من العذاب الهون خلاف المؤمنين الذين يؤمنون ويبشرون بالجنة التي كانوا يوعدون
وقال في آل فرعون النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب وحديث ابن عمر رضي الله عنه في معناه قد مضى ذكره في الباب قبله وقال يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر أحمد بن سليمان الفقيه ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا الحوضي ثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعيد بن عبيدة عن البراء بن عازب عن النبي ﷺ قال المؤمن إذا شهد أن لا إله إلا الله وعرف محمدا في قبره فذلك قول الله تعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة وأخبرنا أبو علي الروذباري أنا أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود الطيالسي ثنا شعبة فذكره غير أنه قال إن رسول الله ﷺ قال إن المسلم إذا سئل في القبر فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قول الله فذكره أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو الحسن علي بن محمد المصري ثنا مالك بن يحيى أبو غسان حدثنا عبد الوهاب بن عطاء أنا محمد بن
عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال إن الميت إذا وضع في قبره إنه ليسمع خفق نعالهم حين يولون عنه فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام عن يمينه وكانت الزكاة عن يساره وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة ما قبلي مدخل ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام ما قبلي مدخل ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة ما قبلي مدخل ثم يؤتى من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس ما قبلي مدخل فيقال له اجلس فيجلس قد مثلت له الشمس قد دنت للغروب فيقال له هذا الرجل ماذا تقول فيه فيقول دعوني حتى أصلي فيقولون إنك ستفعل أخبرنا عما نسألك عنه قال عما تسألونني قالوا ماذا تقول في هذا الرجل الذي فيكم وبماذا تشهد عليه فيقول أشهد أنه رسول الله وأنه جاء بالحق من عند الله فيقال له على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ثم يفتح له بابا من أبواب الجنة فيقال له انظر إلى مقعدك منها وما أعد الله تعالى لك فيها فيزداد غبطة وسرورا ثم يفسح له قبره سبعون ذراعا وينور له ويعاد الجسد كما بدئ ويجعل نسمه من النسم الطيب وهي طائر تعلق في شجر الجنة قال محمد وسمعت عمر بن الحكم بن ثوبان قال فينام نومة العروس لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله ثم عاد إلى حديث أبي هريرة قال وهو قول الله تعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين وإن كان كافرا أتي من قبل رأسه فلم يوجد شيء ثم أتي عن يمينه فلم يوجد شيء ثم أتي عن يساره فلم يوجد شيء ثم أتي من قبل رجليه فلم يوجد شيء فيقال
له اجلس فيجلس خائفا فيقال له أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم أي رجل هو وماذا تقول فيه وماذا تشهد به عليه فيقول أي رجل فيقال الذي فيكم فلا يهتدي لاسمه حتى يقال له محمد فيقول ما أدري سمعت الناس قالوا قولا فقلت كما قال الناس فيقال له على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له ذلك مقعدك من النار وما أوعد الله لك فيزداد حسرة وثبورا ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له ذلك كان مقعدك من الجنة وما أعد الله لك فيها لو أطعته فيزداد حسرة وثبورا ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه قال أبو هريرة فذلك قول الله تعالى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ورواه سعيد بن عامر عن محمد بن عمرو وزاد فيه في المؤمن ثم يفتح له باب من قبل النار فيقال انظر إلى منزلك وإلى ما أعد الله لك لو عصيت فيزداد غبطة وسرورا أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني سليمان بن محمد بن ناجية ثنا
محمد بن إسحاق بن راهويه ثنا علي بن عبد الله ثنا مفضل بن صالح عن إسماعيل عن أبي خالد بن أبي سهل عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ يا عمر كيف أنت إذا كنت في أربع من الأرض في ذراعين فرأيت منكرا ونكيرا قال يا رسول الله وما منكر ونكير قال فتانا القبر أبصارهما كالبرق الخاطف وأصواتهما كالرعد القاصف معهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل منى ما استطاعوا رفعها هي أهون عليهما من عصاي هذه فامتحناك فإن تعاييت أو تلويت ضرباك بها ضربة تصير بها رمادا قال يا رسول الله وإني على حالتي هذه قال نعم قال أرجو أكفيكهما غريب بهذا الإسناد تفرد به مفضل هذا وقد رويناه من وجه آخر عن ابن عباس ومن وجه آخر صحيح عن عطاء بن يسار عن
النبي ﷺ مرسلا في قصة عمر وقال ثلاثة أذرع في عرض ذراع وشبر ولم يذكر المرزبة وروينا في حديث البراء بن عازب عن النبي ﷺ في قصة عذاب القبر قال فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان قال الشيخ وإعادة الروح في جزء واحد وسؤال جزء واحد وتعذيب جزء واحد مما يجوز في العقل وليس في تعرف الأجزاء استحالة ما وردت به الأخبار في عذاب القبر وهو كما شاء الله ولمن شاء الله وإلى من شاء الله نعوذ بالله من عذاب الله والأخبار في عذاب القبر كثيرة وقد أفردنا لها كتابا مشتملا على ما ورد فيها من الكتاب والسنة والآثار وقد استعاذ منه رسول الله ﷺ وأمر أمته بالاستعاذة منه أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا هاشم بن القاسم أخبرنا شعبة عن الأشعث يعني ابن سليم عن أبيه عن مسروق عن عائشة أن يهودية دخلت عليها فذكرت لها عذاب القبر فقالت أعاذك الله من عذاب القبر قالت عائشة فسألت النبي ﷺ عن عذاب القبر فقال النبي ﷺ عذاب القبر حق قالت عائشة فما سمعته يصلي صلاة بعد إلا تعوذ فيها من عذاب القبر
أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا إبراهيم بن هانئ النيسابوري حدثنا أبو المغيرة ومحمد بن كثير جميعا عن الأوزاعي عن حسان يعني ابن عطية عن محمد يعني ابن أبي عائشة عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ إذا فرغ أحدكم من صلاته فليدع بأربع ثم ليدع بما شاء اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني أنا روح حدثنا مالك عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم القرآن يقول قولوا اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات قال الشيخ قرأت في كتاب الفقيه أبي منصور الحمشادي فيما ذكر سماعه من أبي الحسن محمد بن إسحاق عن أبي موسى المجاشعي قال قال أبو نعيم حدثنا الربيع قال قال الشافعي إن مشيئة العباد هي إلى الله تعالى ولا يشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين وإن أعمال الناس خلق
من الله فعل العباد وإن القدر خيره وشره من الله تعالى وإن عذاب القبر حق ومسألة أهل القبور حق والبعث والحساب والجنة والنار وغير ذلك مما جاءت به السنن وظهرت على ألسنة العلماء وأتباعهم من بلاد المسلمين
باب الاعتصام بالسنة واجتناب البدعة قال الله تعالى لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين وقال فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع أنا الشافعي قال سمعت بعض من أرضي من أهل العلم بالقرآن يقول الحكمة سنة رسول الله ﷺ قال الشيخ قد رويناه عن الحسن البصري وقتادة ويحيى بن أبي كثير وقوله فإن تنازعتم في شيء قال الشافعي يعني إن اختلفتم في شيء فردوه إلى الله والرسول يعني والله أعلم إلى ما قال الله والرسول وروينا عن ميمون بن مهران أنه قال في هذه الآية الرد إلى الله
الرد إلى كتابه والرد إلى الرسول إذا قبض إلى سنته أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أخبرنا العباس بن الفضل الأسفاطي حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني ثنا جدي حدثنا ابن أبي أويس قال حدثني أبي عن ثور ابن زيد الديلمي عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ خطب في حجة الوداع فقال إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم فاحذروا يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنة نبيه إن كل مسلم أخو المسلم المسلمون إخوة ولا يحل لامرء من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس ولا تظلموا ولا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أخبرنا بشر بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثني أبو النضر سالم مولى عمر بن عبيد الله بن معمر عن عبيد الله بن أبي رافع عن النبي ﷺ قال لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول ما أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه
أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود ثنا محمد بن الصباح حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه سعد بن إبراهيم عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت قال رسول الله ﷺ من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد وروينا في الحديث الثابت عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله ﷺ في خطبته يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني حدثنا جعفر بن محمد الفريابي حدثنا حيان بن موسى حدثنا ابن المبارك عن سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر فذكره أنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا أبو عاصم حدثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمر عن العرباض بن سارية قال صلى بنا رسول الله ﷺ صلاة الصبح ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال أوصيكم بتقوى الله تعالى والسمع والطاعة وإن أمر عليكم عبد فإنه من يعيش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها
بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة وأخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا يحيى بن أيوب حدثنا إسماعيل بن جعفر أخبرني العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب ثنا سعيد بن مسعود حدثنا النضر بن شميل أخبرنا شعبة بن الحجاج حدثنا عون بن أبي جحيفة قال سمعت المنذر بن جرير بن عبد الله عن أبيه قال قال رسول الله ﷺ من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينتقص من أوزارهم شيء
أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد ثنا أحمد بن الهيثم الشعراني ثنا ابن أبي أويس ح وأخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الله الحرفي ببغداد ثنا أحمد بن سليمان الفقيه ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا ابن أبي أويس قال حدثني كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ وفي رواية الحرفي قال سمعت رسول الله ﷺ يقول من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل أجر من عمل بها من الناس لا ينقص ذلك من أجور الناس شيئا ومن ابتدع بدعة لا يرضاها الله ورسوله فإن عليه إثم من عمل بها من الناس لا ينقص ذلك من آثام الناس شيئا
أخبرنا أبو سعيد يحيى بن محمد بن يحيى الإسفراييني أنا أبو بحر البربهاري حدثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا يزيد بن هارون أنا العوام بن حوشب ثنا القاسم بن عوف الشيباني عن رجل حدثه أنه أتى أبا ذر بمنى فسمعه يقول أمرنا رسول الله ﷺ ألا نغلب على أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونعلم الناس السنن قال الشيخ وإذا لزم اتباع رسول الله ﷺ فيما سن وكان لزومه فرضا باقيا ولا سبيل إلى اتباع سنته إلا بعد معرفتها ولا سبيل لنا إلى معرفتها إلا بقبول خبر الصادق عنه لزم قبوله ليمكننا متابعتة ولذلك أمر بتعليمها والدعاء إليها وبالله التوفيق أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو جعفر الرزاز حدثنا محمد بن عبد الله بن المنادي ثنا وهب بن جرير ثنا شعبة عن مخارق عن طارق عن عبد الله بن مسعود أنه قال أحسن الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها وإن الشقي من شقي في بطن أمه وأن السعيد من وعظ بغيره فاتبعوا ولا تبتدعوا ورواه أبو عبد الرحمن السلمي مختصرا قال قال عبد الله فاتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو العباس القاسم بن القاسم السياري بمرو ثنا أبو الموجه الفزاري حدثنا يوسف بن عيسى ثنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ تفرقت اليهود على إحدى وسبعين والنصارى مثل ذلك وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة وروي معناه في حديث معاوية وغيره وقد ذكرنا في كتاب المدخل وغيره أن الخلاف المذموم ما خولف فيه كتاب أو سنة صحيحة أو اجماع أو ما في معنى واحد من هؤلاء وذلك كخلاف من خالف أهل السنة فيما أشرنا إليه في هذا الكتاب فقد قال الله تعالى ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات وقد جاء الكتاب والسنة ثم اجماع الصحابة بإثبات ما أثبتناه من صفات الله تعالى ورؤيته وشفاعة نبيه ﷺ وغير ذلك فمن نفاه واختلف فيه كان ذلك اختلافا بعد مجيء البينة ورد من رد ما ورد فيه من السنة الثابتة جهالة منه بلزومه اتباع ما بلغه منه وتأويل من تأول ما ورد فيه من الكتاب غير سائغ في الشريعة فلا وجه لترك الظاهر إلا بمثله أو بما هو أقوى منه والله يعصمنا من ذلك برحمته ويشبه أن يكون اختلاف هؤلاء وأمثالهم أريد بما روينا في حديث أبي هريرة والذي يؤكده ما روي في حديث معاوية في هذا الحديث أنه قال كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة وفي حديث عمرو
ابن عوف إلا واحدة الإسلام وجماعتهم وفي حديث عبد الله بن عمرو إلا واحدة ما أنا عليه وأصحابي وإنما اجتمع أصحابه على مسائل الأصول فإن لم يرو عن واحد منهم خلاف ما أشرنا إليه في هذا الكتاب فأما مسائل الفروع فما ليس فيه نص كتاب ولا نص سنة فقد اجتمعوا على بعضه واختلفوا في بعضه فما اجتمعوا عليه ليس لأحد مخالفتهم فيه وما اختلفوا فيه فصاحب الشرع هو الذي سوغ لهم هذا النوع من الاختلاف حيث أمرهم بالاستنباط وبالاجتهاد مع علمه بأن ذلك يختلف وجعل للمصيب منهم أجرين وللمخطئ منهم أجرا واحدا وذلك على ما يحتمل من الاجتهاد ورفع عنه ما أخطأ فيه أخبرنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي أخبرنا أبو حامد ابن الشرقي ثنا محمد بن يحيى وأبو الأزهري وعبد الرحمن بن بشر وأحمد بن يوسف قالوا حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن سفيان عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب كان له أجران فإن اجتهد فأخطأ كان له أجر قال الشيخ فهذا النوع من الاختلاف غير ما ذم الله تعالى وذمه رسوله محمد ﷺ فيما روينا وكان الشافعي رحمه الله يجعل هؤلاء المختلفين في معنى المجتمعين حيث أن كل واحد منهم أدى ما كلف من الاجتهاد ولم يخالف كتابا ولا سنة قائمة بلغته ولا إجماعا ولا قياسا صحيحا عنده إنما نظر في القياس فأداه إلى غير ما أدى إليه
صاحبه كما أداه التوجه إلى البيت بدلائل النجوم وغيرها إلى غير ما أدى إليه صاحبه فكل واحد منهم يكون مؤديا في الظاهر ما كلف ويرفع عنه إثم ما غاب عنه أو أخطأه من التأويل الصحيح أو السنة الصحيحة أو أو القياس الصحيح إذ لم يكلف علم الغيب فمن سلك من فقهاء الأمصار سبيل الصحابة والتابعين فيما أجمعوا عليه واختلفوا فيه كانوا كالفرقة الواحدة وهي الفرقة الناجية التي أشار إليها رسول الله ﷺ فكل منهم أخذ بوثيقة فيما يرى فيما تبع فيه من الكتاب أو السنة أو الاجماع وبالله التوفيق وأما تخليد من عداهم من أهل البدع في النار فهو مبني على تكفيرهم فمن لم يكفرهم أجراهم بالخروج من النار بأصل الإيمان مجرى الفساق المسلمين وحمل الخبر على تعذيبهم بالنار مدة من الزمان دون الأبد واحتج في ترك القول بتكفيرهم بقوله ﷺ تفترق أمتي فجعل الجميع مع افتراقهم من أمته والله أعلم
باب النهي عن مجالسة أهل البدع أخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري ثنا محمد بن عبد الوهاب أخبرنا عبد الله بن يزيد المقرئ ثنا سعيد بن أبي أيوب عن عطاء بن دينار الهذلي عن حكيم بن شريك عن يحيى بن ميمون الحضرمي عن ربيعة الجرشي عن أبي هريرة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل قال عبد العزيز بن أبي حازم حدثني بمنى عن أبيه عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم وروي من وجه آخر
عن ابن عمر من قوله وروي عن حذيفة وجابر وأبي هريرة مرفوعا وإنما سموا قدرية لأنهم أثبتوا القدر لأنفسهم ونفوه عن الله سبحانه وتعالى ونفوا عنه خلق أفعالهم وأثبتوه لأنفسهم فصاروا بإضافة بعض الخلق إليه دون بعض مضاهين للمجوس في قولهم بالأصلين النور والظلمة وأن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة أخبرنا أبو نصر محمد بن أحمد بن إسماعيل الطابراني بها أخبرنا أبو النضر محمد بن محمد بن يوسف الفقيه إملاء ثنا هارون بن موسى ثنا حميد بن زنجويه ح وأخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الله البيهقي أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسين البيهقي حدثنا داود بن الحسين البيهقي حدثنا حميد بن زنجويه ثنا حيوة بن شريح ثنا بقية بن الوليد عن أبي العلاء الدمشقي عن محمد بن جحادة عن يزيد بن حصين عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله ﷺ ما بعث الله نبيا إلا وفي أمته قدرية ومرجئة يشوشون عليه أمر أمته ألا وإن الله قد لعن القدرية والمرجئة على لسان سبعين نبيا
ورواه أيضا سويد بن سعيد عن شهاب بن خراش عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي ﷺ بنحو من معناه أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الله ثنا عمر بن حفص السدوسي ثنا سويد فذكره أخبرنا أبو نصر محمد بن أحمد بن إسماعيل الطوسي ثنا أبو النضر الفقيه ثنا أبو موسى هارون بن موسى بن كثير الزاهد ثنا أبو عمر الضرير وعلي بن أبي سلمة قالا ثنا محمد بن بشر عن علي بن نزار عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب المرجئة والقدرية قال أبو عمر سألت وكيعا عن المرجئة فقال الذين يقولون الإيمان قول هذا يعد في إفراد نزار بن حيان عن عكرمة وقد أخرجه أبو عيسى الترمذي في كتابه عن محمد بن رافع عن محمد بن بشر عن سلام بن أبي عمرة عن عكرمة أخبرنا أبو محمد بن عبد الله بن يوسف الأصبهاني أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي حدثنا الحسين بن محمد الزعفراني ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب عن أبي قلابة قال لا تجالسوا أهل الأهواء فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون
أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا يعلى بن عبيد ثنا سفيان يعني ابن دينار قال سمعت مصعب بن سعد يقول لا تجالسوا مفتونا فإنه لن يخطئك منه إحدى خصلتين إما أن يفتنك فتتابعه أو يؤذيك قبل أن تفارقه أخبرنا أبو عبد الله حدثني أبو زرعة ثنا أحمد بن محمد الصابوني قال سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي يقول المراء في العلم يقسي القلب ويورث الضغائن أخبرنا أبو عثمان بن سعيد بن محمد بن محمد بن عبدان قال سمعت أبا العباس الأصم يقول سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي يقول لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الهوى
باب ما على الوالي من مراعاة أمر الرعية أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أبي المليخ أن عبيد الله بن زياد عاد معقل ابن يسار في مرضه فقال له معقل إني محدثك بحديث لولا أني في الموت لم أحدثك به سمعت رسول الله ﷺ يقول ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم ولا ينصح إلا لم يدخل معهم الجنة أنا أبو زكريا بن إسحاق أنا أبو الحسن الطرائفي ثنا عثمان بن سعيد ثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله ﷺ قال ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع عليهم وهو مسؤول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم وامرأة الرجل راعية على بيت بعلها وولدها وهي مسؤولة عنهم وعبد الرجل راع على مال
سيده وهو مسؤول عنه فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته وروى شهر بن حوشب عن أبي أمامة قال قال رسول الله ﷺ أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله وأوصيه بجماعة المسلمين أن يعظم كبيرهم ويرحم صغيرهم ويوقر عالمهم وأن لا يضربهم فيذلهم ولا يوحشهم فيكفرهم وأن لا يخصيهم فينقطع نسلهم وأن لا يغلق بابه دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم حدثناه أبو عبدالله الحافظ حدثنا أبو العباس المحبوبي ثنا سعيد بن مسعود ثنا يزيد بن هارون أخبرنا العوام بن حوشب عن شهر بن حوشب فذكره وقد روي ما في هذا الحديث في أخبار متفرقة قد ذكرناها في غير هذا الموضع
باب طاعة الولاة ولزوم الجماعة وإنكار المنكر بلسانه أو كراهيته بقلبه والصبر على ما يصيبه من سلطانه قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم وقال ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأحمد بن الحسين ومحمد بن موسى قالوا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني والعباس بن محمد الدوري قالا حدثنا الحجاج بن محمد الأعور قال قال ابن جريج يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي بعثه النبي ﷺ سرية أخبرنيه يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
حدثنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن إبراهيم بن بالويه ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة قال قال رسول الله ﷺ من أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصيني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أخبرنا أبو المثنى ثنا مسدد ثنا يحيى عن عبيد الله حدثني نافع عن عبد الله عن النبي ﷺ قال السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود ثنا مسدد وسليمان بن داود المعنى قالا ثنا حماد بن زيد عن المعلى بن زياد وهشام بن حسان عن الحسن عن ضبة بن محصن عن أم سلمة زوج النبي ﷺ قالت قال رسول الله ﷺ سيكون عليكم أئمة تعرفون منهم وتنكرون فمن أنكر قال
مسدد في حديثه قال الحسن وقال سليمان قال هشام بلسانه فقد برئ ومن كره بقلبه فقد سلم ولكن من رضي وتابع فقيل يا رسول الله أفلا نقتلهم وقال ابن داود أفلا نقاتلهم قال لا ما صلوا وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ثنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا عثمان بن عمر الضبي ثنا ابن حسان ثنا حماد بن زيد فذكره بإسناده نحوه إلا أنه قال فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم قال الحسن فمن أنكر بلسانه فقد برئ وقد ذهب زمان هذه ومن كره بقلبه فقد جاء زمان هذه ورواه هشام الدستوائي عن قتادة عن الحسن ثم قال قتادة يعني من أنكر بقلبه وكره بقلبه أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم ثنا أحمد بن سلمة ثنا محمد بن بشار ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة ثنا الحسن عن ضبة بن محصن عن أم سلمة عن النبي ﷺ أنه قال سيعمل عليكم أمراء بعدي تعرفون وتنكرون فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع قالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم قال لا ما صلوا قال قتادة يعني من أنكر بقلبه وكره بقلبه أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد ثنا تمتام محمد ابن غالب ثنا يحيى بن عبد الحميد ثنا إبراهيم بن سعد عن صالح
ابن كيسان عن الحارث الخطمي عن جعفر بن عبد الله عن الحكم عن عبد الرحمن بن المسور عن أبي رافع عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله ﷺ ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بها ثم يخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا حجاج بن منهال وعارم وسليمان بن حرب ومسدد قالوا حدثنا حماد بن زيد ثنا الجعد أبو عثمان ثنا أبو رجاء العطاردي قال سمعت ابن عباس يرويه عن النبي ﷺ قال من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا إلا مات ميتة جاهلية أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك رحمه الله أخبرنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة عن عمر بن سليمان عن عبد الرحمن بن أبان عن أبيه قال سمعت زيد بن ثابت يقول سمعت رسول الله ﷺ يقول نضر الله امرأ سمع حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل
لله ومناصحة ولاة الأمر ولزوم الجماعة فإن دعوتهم تحبط من وراءهم
باب معرفة جمل ما كلف المؤمنون أن يعقلوه ويعملوه ويعطوا من أنفسهم وأموالهم وأن يكفوا عنه ما حرم عليهم منه قال الله تعالى وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وقال فمن شهد منكم الشهر فليصمه وقال وأتموا الحج والعمرة لله وعلقه بالاستطاعة في آية أخرى وهي البلوغ والزاد والراحلة وتخلية الطريق وأمر بالجهاد وحض عليه حتى يقوم به من فيه الكفاية في غير آية من كتابه وحرم الفواحش والربا والقتل والظلم وقطيعة الرحم في غير موضع أخبرنا أبو محمد جناح بن نذير بن جناح القاضي بالكوفة أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم ثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة ثنا عبد الله بن موسى أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان قال سمعت عكرمة بن خالد يحدث طاوسا قال جاء رجل إلى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن ألا تغزو فقال إني سمعت رسول الله ﷺ يقول بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء
الزكاة والحج وصوم رمضان أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الحافظ أخبرنا أحمد بن سليمان إملاء ببغداد ثنا هلال بن العلاء وثنا عبد الله بن جعفر الرقي ثنا عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن جبلة بن سحيم ثنا أبو المثنى العبدي سمعت ابن الخصاصية يقول أتيت رسول الله ﷺ لأبايعه على الإسلام فاشترط علي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتصلي الخمس وتصوم رمضان وتؤدي الزكاة وتحج البيت وتجاهد في سبيل الله قال قلت يا رسول الله أما اثنتان فلا أطيقهما إيتاء الزكاة فما لي إلا عشر ذودهن رسل أهلي وحمولتهن وأما الجهاد فيزعمون أنه من ولى فقد باء بغضب من الله فأخاف إذا حضرني قتال كرهت وجشعت نفسي قال فقبض رسول الله يده ثم حركها ثم قال لا صدقة ولا جهاد فبم تدخل الجنة قال ثم قلت يا رسول الله أبايعك فبايعني عليهن كلهن أخبرنا أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار ببغداد أخبرنا الحسين بن يحيى بن عباس القطان ثنا حفص بن عمرو يعني الربالي ثنا بهز بن أسد العمي ثنا شعبة ثنا محمد بن عثمان بن عبد الله بن موهب وأبوه عثمان بن عبد الله أنهما سمعا موسى بن طلحة يحدث عن أبي أيوب الأنصاري أن رجلا قال يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة فقال القوم ما له فقال رسول الله ﷺ دعوه
أرب ما له فقال ﷺ تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم درها قال كأنه كان على راحلته حدثنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن دلويه ثنا محمد بن إسماعيل البخاري ثنا أبو الوليد ثنا شعبة قال الوليد بن العيزار أخبرني قال سمعت أبا عمرو الشيباني يقول أخبرني صاحب هذه الدار وأومأ بيده إلى دار عبد الله قال سألت النبي ﷺ أي العمل أحب إلى الله قال الصلاة لوقتها قلت ثم أي قال بر الوالدين قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله قال حدثني بهن ولو استزدته لزادني أخبرني أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك رحمه الله أخبرنا عبد
الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة عن عبد الله بن أبي بكر عن أنس قال سئل رسول الله ﷺ عن الكبائر فقال الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وشهادة الزور أو قال قول الزور أخبرنا أبو عبد اله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الربيع بن سليمان ثنا عبد الله بن وهب أخبرنا سليمان بن بلال عن ثور بن يزيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات أخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الحدود أحدكم يعني الخمر حين يشربها وهو مؤمن والذي نفس محمد بيده لا ينتهب أحدكم نهبة ذات شرف يرفع إليه المؤمنون أعينهم فيها حين ينتهبها وهو مؤمن ولا يغل أحدكم حين يغل وهو مؤمن
فإياكم وإياكم قال الشيخ رضي الله عنه وإنما أراد والله أعلم أن هذه الأفعال ليست من أفعال من يكون مؤمنا مستكمل الإيمان وكان الزهري يقول من الله القول وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم قال الزهري وكانوا يجرون الأحاديث عن رسول الله ﷺ كما جاءت تعظيما لحرمات الله ولا يعدون الذنوب شركا ولا كفرا أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ ببغداد أخبرنا أحمد بن يوسف يعني ابن خلاد النصيبي ثنا الحارث بن محمد ح وأخبرنا أبو علي بن الصواف ثنا محمد بن يحيى المروزي قالا حدثنا عاصم بن علي ثنا عاصم بن محمد عن واقد بن محمد قال سمعت أبي وهو يقول قال عبد الله يعني ابن عمر قال رسول الله ﷺ في حجة الوداع ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة قالوا شهرنا هذا قال أي بلد تعلمونه أعظم حرمة قالوا بلدنا هذا قال أتعلمون أي يوم أعظم قالوا يومنا هذا قال فإن الله تعالى حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا في
بلدكم هذا ألا هل بلغت ثلاثا كل ذلك يجيبونه ألا نعم أخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا حاجب بن أحمد ثنا عبد الرحيم ابن منذر ثنا جرير أخبرنا سهيل ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ في آخرين قالوا ثنا أبو العباس محمد ابن يعقوب أنا الربيع بن سليمان أنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن سهيل بن أبي صالح عن عطاء بن يزيد الليثي عن تميم الداري قال قال رسول الله ﷺ الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة لله ولكتابه ولنبيه ولأئمة المسلمين وعامتهم أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في آخرين قالوا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا العباس بن الوليد بن مزيد أنا محمد بن شعيب أخبرنا عتبة بن أبي الحكم الهمداني حدثني عمرو بن جارية اللخمي عن أبي أمامة الشعباني قال أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت كيف تصنع بهذه الآية قال أية آية قلت قوله يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم قال أما والله لقد سألت عنها خبيرا
سألت عنها رسول الله ﷺ فقال بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ورأيت أمرا لا يدان لك به فعليك نفسك ودع عنك أمر العوام فإن من ورائك أياما الصبر فيهن مثل قبض على الجمر للعامل فيهن كأجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله قال الشيخ وأما ما ينوب العباد من فروع الفرائض وما يخص من الأحكام وغيرها فما ليس فيه نص كتاب ولا في أكثره نص سنة وإن كانت في شيء منه سنة فإنما هي من أخبار الخاصة وما كان منه يحتمل التأويل ويستدرك قياسا فقد قال الشافعي رحمه الله هذه درجة من العلم ليس يبلغها العامة وإذا قام بها من خاصتهم من فيه الكفاية لم يجرح غيره ممن تركها إن شاء الله تعالى واحتج في ذلك بقول الله تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون وجعل مثال ذلك الجهاد في سبيل الله والصلاة على الجنازة ودفنها ورد السلام وغير ذلك من فرائض الكفايات وهو فيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس أخبرنا الربيع عن الشافعي فذكره قال الشيخ وإذا عرف العبد ما تعبد به فحق عليه أن يطلب
موافقة الأمر فيما تعبد به ويخلص له النية فيما يعلمه من العبادات ويدعه من المنكرات حتى يكون مطيعا للأمر ممتثلا قال الله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين وقال النبي ﷺ إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا يحيى بن سعيد أنا محمد بن إبراهيم أخبره أنه سمع علقمة بن وقاص يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت رسول الله ﷺ يقول إنما الأعمال بالنيات فذكره
باب القول في إثبات نبوة محمد المصطفى ﷺ وهو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب سماه الله محمدا وأحمد ﷺ وسماه أسماء أخر ذكرناها في كتاب الدلائل ودلائل النبوة كثيرة والأخبار بظهورالمعجزات ناطقة وهي وإن كانت في آحاد أعيانها غير متواترة ففي جنسها متواترة متظاهرة من طريق المعنى لأن كل شيء منها مشاكل لصاحبه في أنه مزعج للخواطر ناقض للعادات وهذا أحد وجوه التواتر الذي يثبت بها الحجة وينقطع بها العذر وقد جمعناها في كتاب مع بيان ما جرى عليه أحوال صاحب المعجزة أيام حياته ﷺ في خمسين جزءا ونحن نشيرها هنا إن شاء الله في معجزاته ودلائل نبوته إلى ما يليق بهذا الكتاب على طريق الاختصار فمن دلائل نبوته التي استدل بها أهل الكتاب على صحة نبوته ما
وجدوا في التوراة والانجيل وسائر كتب الله المنزلة من ذكره ونعته وخروجه بأرض العرب وإن كان كثير منهم قد حرفوها عن مواضعها أخبرنا أبو الحسين محمد بن الفضل القطان أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو صالح حدثني الليث حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن سلام أنه كان يقول إنا لنجد صفة رسول الله ﷺ إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميته المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويتجاوز ولن أقبضه حتى يقيم الملة المتعوجة بأن يشهد أن لا إله إلا الله يفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وقال عطاء بن يسار أخبرني الليثي أنه سمع كعب الأحبار يقول مثل ما قال عبد الله بن سلام فهذان عالمان من أهل الكتاب شهدا ببعض ما وجدا في كتبهم من صفة محمد ﷺ ولهذا شواهد عنهما وعن غيرهما ذكرناها في كتاب الدلائل ورويناه عن زيد بن عمرو بن نفيل أنه خرج يبتغي الدين حتى أتى على شيخ بالجزيرة فأخبره بالذي خرج له فقال ممن أنت قال من أهل بيت الله قال فإنه قد خرج في بلدك نبي وهو خارج قد طلع نجمه فارجع فصدقه وآمن به وروينا معناه في حديث سلمان الفارسي وغيره
ومن دلائل ما حدث بين يدي أيام مولده ومبعثه ﷺ من الأمور الغريبة الأكوان العجيبة القادحة في سلطان أمة الكفر والموهنة لكلمتهم المؤيدة لشأن العرب المنوهة بذكره كأمر الفيل وما أحل الله بحزبه من العقوبة والنكال ومنها خمود نار فارس وسقوط شرفات إيوان كسرى وغيض ماء بحيرة ساوة ورؤيا الموبذان وغير ذلك ومنها ما سمعوه من الهواتف الصارخة لا من باب الكون والاتفاق لا والذي بعثه بالحق وسخر له هذه الأمور ما يرتاب عاقل في شيء من ذلك وإنما هو أمر إلهي وشيء غالب سماوي ناقض للعادات يعجز عن بلوغه قوة البشر ولا يقدر عليه إلا من له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين قال وقد انتظم جملة ما ذكرناه في هذا الفصل قوله سبحانه وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم
قال ومن دلائل نبوته ﷺ أنه كان أميا لا يخط كتابا بيمينه ولا يقرأه ولد في قوم أميين ونشأ بين ظهرانيهم في بلد ليس بها عالم يعرف أخبار المتقدمين وليس فيهم منجم يتعاطى علم الكوائن ولا مهندس يعرف التقدير ولا فيلسوف يبصر الطبائع ولا متكلم يهتدي لرسوم الجدل ووجوه المحاجة والمناظرة والاستدلال بالحاضر على الغائب ولم يخرج في سفر ضاربا إلى عالم فيعكف عليه ويأخذ منه هذه العلوم وكل هذه معلوم عند أهل بلده مشهور عند ذوي المعرفة والخبرة بشأنه يعرف العالم والجاهل والخاص والعالم منهم فجاءهم بأخبار التوراة والإنجيل والأمم الماضية وقد كان ذهب معالم تلك الكتب ودرست وحرفت عن مواضعها ولم يبق من المتمسكين بها وأهل المعرفة بصحيحها من سقيمها إلا القليل ثم حاج كل فريق من أهل الملل المخالفة له بما لو احتشد له حذاق المتكلمين وجهابذة المحصلين لم يتهيأ لهم نقض شيء منه فكان ذلك من أدل شيء على أنه أمر من عند الله تعالى وهذا هو معنى قوله سبحانه أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ففيه إشارة إلى ما اقتصصنا من حاله ووصفنا من أمره في أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب ولم يعرف بدرس الكتب وطلب الأخبار وإنما هو شيء أنزله الله عليه فهو يتلوه عليهم وكفى به دلالة على صحة أمره وصدق دعواه ومن دلائل نبوته وصدقه فيما جاء به من عند الله سبحانه من القرآن العظيم أنه تحدى الخلق بما في القرآن من الإعجاز ودعاهم إلى معارضته والإتيان بسورة مثله فنكلوا عنه وعجزوا عن الإتيان بشيء
منه واختلف أهل العلم في إعجاز القرآن منهم من قال إعجازه من جهة البلاغة وحسن اللفظ دون النظم ومنهم من قال إعجازه في نظمه دون لفظه فإن العرب قد تكلمت بألفاظه ومنهم من قال إعجازه في إخباره عن الحوادث وإنذاره بالكوائن في مستقبل الزمان ووقوعها على الصفة التي أنبأ عنها ومنهم من قال إعجازه في أن الله أعجز الناس عن الإتيان بمثله وصرف الهمم عن معارضته مع وقوع التحدي وتوفر الدواعي إليه لتكون آية للنبوة وعلامة لصدقه في دعواه وقد ذهب بعض العلماء إلى إثبات الإعجاز للقرآن من جميع هذه الوجوه ولا معنى لقول من زعم أن الإعجاز في لفظه لأن الألفاظ مستعملة في كلام العرب ومتداولة في خطابها لأن البلاغة ليست في أعيان الأسماء ومفرد الألفاظ وحسب دون أن تكون هذه الأوضاع معتبرة بمحالها ومواضعها المصرفة إليها والمستعملة فيها قال الشيخ أبو سليمان رحمه الله وبيان ذلك أن العرب قد تعرف لفظ الصدع في لغتها وتتكلم به في خطابها ثم إنك لا تجده مستعملا لهم في مثل قوله فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ويستعمل العرب اسم الضرب ثم لا تجد لهم مستعملا في مثل قوله فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا وكذلك لفظ النبذ ثم لا تجد لهم في مثل قوله تعالى فانبذ إليهم على سواء إلى ما يجمع هذا الكلام من الوجازة والاختصار وحذف المقتضى وإعمال الضمير والاقتصار على الوحي المفهم وكقوله تعالى وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإن حقيقته نخرج منه النهار إلا أن موضع البلاغة
هاهنا في السلخ أنه إخراج الشيء مما لابسه وعسر انتزاعه منه لالتحامه به ذلك قياس الليل ومثاله وكقوله تعالى عذاب يوم عظيم أي يوم لا يعقب للمعذبين غدا ولا ينتج لهم خيرا قال وقد استحسن الناس في الإيجاز قولهم القتل أنفى للقتل وبينه وبين قول الله سبحانه ولكم في القصاص حياة تفاوت في البلاغة والإيجاز وبيان ذلك أن في هذا الكلام كل ما في قولهم القتل أنفى للقتل وزيادة معان ليست فيه منها الإبانة عن الفداء لذكر القصاص ومنها الإبانة عن الغرض المرغوب فيه لذكر الحياة ومنها بعده عن التكلف وسلامته من تكرار اللفظ الذي فيه على النفس مشقة وعلى السمع مؤونة قال الشيخ وقوله في القصاص حياة أوجز في العبارة فإنه عشرة أحرف وقول من قال القتل أنفى للقتل أربعة عشر حرفا قال وإذا تأملت هذه المعاني من القرآن وتتبعتها منه كثر وجودك لها وإنما ذكرنا هذا القدر ليكون مثالا مرشدا إلى نظائر منه وأما إعجازه من جهة النظم فالمعجز منه نظم جنس الكلام الذي باين به القرآن سائر أصناف الكلام التي تكلمت بها العرب فإن أجناس كلام العرب التي تكلمت بها خمسة 1 المنثور الذي تستعمله العرب في محاورة بعضهم بعضا 2 والشعر الموزون 3 والخطب 4 والرسائل 5 والسجع
وكل نوع منها نمطه غير نمط صاحبه ونظم كلام القرآن مباين لهذه الوجوه الخمسة مباينة لا تخفى على من يسمعه من عربي فصيح أو ذي معرفة بلسان العرب من غيرهم حتى إذا سمعه لم يلبث أن يشهد بمخالفته لسائر هذه الأنواع من الكلام والحجة إنما قامت على قريش وسائر العرب بوقوفهم على ذلك من أمره وأن هذا الفرق بينه وبين سائر الكلام هو موضع الحجة وبذلك صار معجزا للخلق وقائما مقام الحجج الذي بعث الله بها رسله واحتج بها على الناس مثل فلق البحر وإحياء الموتى ومنع النار من الإحراق ولذلك قال سبحانه وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله إلى أن قال تعالى فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة الآية وقال بعض العلماء إن الذي أورده المصطفى ﷺ على العرب من الكلام الذي أعجزهم عن الإتيان بمثله أعجب في الآية وأوضح في الدلالة من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص لأنه أتى أهل البلاغة وأرباب الفصاحة ورؤساء البيان المتقدمين في اللسان بكلام مفهوم المعنى عندهم فكان عجزهم أعجب من عجز من شاهد من المسيح إحياء الموتى لأنهم لم يكونوا يطمعون فيه ولا في إبراء الأكمه والأبرص ولا يتعاطون علمه وقريش كانت تتعاطى الكلام الفصيح والبلاغة والخطابة فدل على أن العجز عنه إنما كان لأن يصير علما على رسالته وصحة نبوته وهذه حجة قاطعة وبرهان واضح فإن قيل أن وجه ما يظهر به بينونة القرآن من سائر أنواع الكلام هو ما يقع من السجع في مقاطع الكلام ومنتهى الآيات نحو قوله والطور وكتاب مسطور وقوله والشمس وضحاها
والقمر إذا تلاها وما أشبه ذلك من سور القرآن والسجع في كلام العرب كثير غير عديم ولا غريب فكيف جعلتم ذلك علما للإعجاز قيل ليس شيء من هذا سجعا وإنما هي فواصل تفصل بين الكلامين بحروف متشاكلة في المقاطع تعين على حسن إفهام المعاني والفواصل بلاغة والسجع عيب ذلك أن الفواصل تابعة للمعاني وأما الأسجاع فالمعاني تابعة لها والسجع تكلف وليس فيه أكثر من تأليف أواخر الكلم على نمط وهو مأخوذ من سجع الحمامة وهو موالاتها الصوت على نمط لا يختلف فمن شبه الفواصل التابعة لمعاني الكلام المفيدة حسن الإفهام بالسجع الخالي عن المعنى المتتبع له المتكلف على سبيل الاستكراه فقد ذهب عن الصواب وأخطأ مذهب القياس وأما من ذهب إلى أن إعجازه لما فيه من الأخبار الصادقة عن الأمور الكائنة فوجهه بين وشواهده كثيرة كقوله سبحانه الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فكان الأمر كما نطق به القرآن فظهرت فارس على الروم فاغتم به المسلمون وسر به المشركون فوعد الله المسلمين بظهور الروم على فارس في بضع سنين فظهروا عليها لتسع سنين وقيل لسبع وفرح المؤمنون بنصر الله أهل الكتاب وقال تعالى في قصة بدر وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين أخبرنا أبو عبد الله الحاكم ثنا أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه ثنا
جعفر بن محمد بن شاكر ثنا أبو نعيم ثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال لما فرغ رسول الله ﷺ من القتلى يعني يوم بدر قيل له عليك بالعير ليس دونها شيء فناداه العباس وهو في وثاقه أنه لا يصلح لك قال لم قال لأن الله وعدك إحدى الطائفتين وقد أنجز لك وعدك قال الشيخ وحين التقى هو والمشركون ببدر قال وهو في قبته اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم فاخذ أبو بكر بيده فقال حسبك حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك وهو في الدرع فخرج وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر فتلا ما كان قد نزل من أخبار الله تعالى إياه بهزيمة المشركين فكان كما أخبر وقال تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا فدخل المسجد الحرام
على الصفة التي نطقت بها الآية في عمرة القضية وكان ما وعده الله في هذه السورة من الفتح القريب وهو فتح خيبر وقيل الصلح بالحديبية وقال فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها قيل فتح خيبر وأخرى لم تقدروا عليها قيل هو ما أصابوا بعده وقال تعالى ليظهره الله على الدين كله ولو كره المشركون وقد وقع الظهور والغلبة بحمد الله أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال قد أظهر الله دينه الذي بعث به رسوله ﷺ على الأديان بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق وما خالفه من الأديان باطل وأظهره بأن جماع الشرك دينان أهل الكتاب ودين الأميين فقهر رسول الله الأميين حتى دانوا بالإسلام طوعا وكرها وقتل من أهل الكتاب وسبى حتى دان بعضهم بالإسلام وأعطى بعض الجزية صاغرين وجرى عليهم حكمه ﷺ وهذا ظهور الدين كله وقال الله تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون فوعدهم في حال الخوف والشدة وغلبة أهل الكفر ظهورهم واستخلافهم في الأرض وتمكينهم من القيام بأمور دينهم الذي ارتضى لهم وتبديلهم من الخوف بالأمن وبأصحابه وأتباعه جميع ما وعدهم به وفي
ذلك دليل على صحة نبوته وصدقه في دعوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني محمد بن صالح بن هانئ ثنا أبو سعيد محمد بن شاذان ثنا أحمد بن سعيد بن أحمد الدارمي ثنا علي بن الحسين بن واقد حدثني أبي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال لما قدم رسول الله ﷺ وأصحابه إلى المدينة وآواهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة وكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه فقالوا ترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله فنزلت وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات قرأ إلى قوله ومن كفر بعد ذلك يعني بالنعمة فأولئك هم الفاسقون قال الشيخ وفي مثل هذا المعنى قوله تعالى والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون زعم بعض أهل التفسير أنها نزلت في المعذبين بمكة حين هاجروا إلى المدينة بعدما ظلموا فوعدهم الله في الدنيا حسنة يعني بها الرزق الواسع فأعطاهم ذلك فروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا أعطى الرجل عطاءه من المهاجرين يقول خذ بارك الله لك فيه هذا ما وعدك الله في الدنيا وما ادخر لك في الآخرة أفضل
وحين امتنع أبو لهب من الإسلام وقال رسول الله ﷺ ما قال أنزل الله تعالى فيه تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب فمات أبو لهب على شركه وصلي النار بكفره وإنما نزلت وأبو لهب حي فلم يمكنه مع حرصه على تكذيب رسول الله ﷺ ونقض كلمته أن يظهر الإسلام ليشكك الناس في النبي ﷺ وفيما أخبرهم من شأنه ولا يجوز أن تقع هذه الأمور على الاتفاق وتستمر على الصدق فلا يختلف شيء منها إلا أن يكون من قبل الله علام الغيوب وأما الصرفة والتعجيز مع توهم القدرة منهم على الإتيان بمثله فإنما يعلم ذلك بعدم المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة إليه وذلك ما لا يجوز أن يشك فيه عاقل من أنهم لو كانوا قادرين عليه لبادروا إليه مع حرصهم على إبطال دعوته ونقض كلمته ولما خرجوا في أمر إلى نصب القتال والتغرير بالأنفس وإتلاف الأموال ومفارقة الأهل والأوطان ولكان ذلك أيسر عليهم من مباشرة الخطوب ومقاساة هذه الشدائد والكروب فلما لم يفعلوه دل على عجزهم عن ذلك وسبيل هذا سبيل رجل عاقل اشتد به العطش وبحضرته ماء فجعل يتلوى من شدة الظمأ ولا يشرب الماء فلا يشك شاك أنه عاجز عن شربه أو ممنوع لسبب يعوقه عنه وأنه لم يتركه اختيارا مع توفر الدواعي له وشدة الحاجة منه إليه وهذا بين والحمد لله ومن دلائل صدقه أنه كان من عقلاء الرجال عند أهل زمانه وقد قطع القول فيما أخبر عن ربه تعالى بأنهم لا يأتون بمثل ما تحداهم به فقال فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فلولا علمه بأن ذلك من عند علام الغيوب وأنه لا يقع فيما أخبر عنه خلاف وإلا لم يأذن له
عقله في أن يقطع القول في شيء يكون بأنه لا يكون وهو بعرض أن يكون وقد روينا في كتاب الدلائل من الأخبار التي وردت في قراءة النبي ﷺ بعض ما نزل عليه على المشركين الذين كانوا من أهل الفصاحة والبلاغة وإقرارهم بإعجازه ما يكشف عن جملة مما أشرنا إليها ونحن نقتصرها هنا على ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني يزيد بن زياد مولى بني هاشم عن محمد بن كعب قال حدثت أن عتبة بن ربيعة وكان سيدا حليما قال ذات يوم وهو جالس وحده في المسجد يا معشر قريش ألا أقوم إلى هذا فأكلمه فأعرض عليه أمورا لعله أن يقبل منها بعضها ويكف عنا قالوا بلى يا أبا الوليد فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله ﷺ في نادي قريش ورسول الله ﷺ جالس فذكر الحديث فيما قال له عتبة وفيما عرض عليه من المال والملك وغير ذلك فلما فرغ عتبة قال رسول الله ﷺ أفرغت يا أبا الوليد قال نعم قال فاسمع مني قال افعل فقال رسول الله ﷺ بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا فمضى رسول الله ﷺ يقرأها عليه فلما سمعها عتبة أنصت لها وألقى بيديه خلف ظهره معتمدا عليها يسمع منه حتى انتهى رسول الله ﷺ إلى السجدة فسجد فيها ثم قال سمعت يا أبا الوليد قال فأنت وذاك فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد قال ورائي أني والله سمعت قولا ما سمعت مثله قط والله ما هو بالشعر ولا
السحر ولا الكهانة يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ وروينا هذا في حديث جابر بن عبد الله وفيه من الزيادة فيما حكى عتبة لأصحابه قال فأجابني بشيء والله ما هو سحر ولا شعر ولا كهانة قرأ بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم حتى بلغ فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فأمسكته بفيه وناشدته الرحم أن يكف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب وروينا عن عكرمة مرسلا في قصة الوليد بن المغيرة أنه قال لرسول الله ﷺ إقرأ علي فقرأ عليه إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون قال أعد فأعاد النبي ﷺ فقال والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وما يقول هذا بشر وقال لقومه والله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده مني ولا بأشعار الجن والله ما يشبه هذا الذي يقول شيئا من هذا والله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو وما يعلى وإنه ليحطم ما تحته
وروينا في حديث أم سلمة في قصة دخول جعفر بن أبي طالب على النجاشي وقوله للنجاشي بعث الله إلينا رسولا نعرف نسبه وصدقه وعفافه وتلا علينا تنزيلا لا يشبهه شيء غيره والأخبار الصحيحة المشهورة المروية من طرق شتى في معجزات رسول الله ﷺ كثيرة وهي في كتاب دلائل النبوة مكتوبة والمعرفة بها لمن وقف عليها وأمعن النظر فيها حاصلة وإنما يذكر في هذا الكتاب من الدلائل أطرافها ومن الآيات والمعجزات ما يكون بلغة لمن لم يصل إلى معرفة جميعها فمنها ما أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران العدل ببغداد أخبرنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز ثنا محمد بن عبد الله بن يزيد ثنا يونس بن محمد ثنا شيبان عن قتادة عن أنس بن مالك قال إن أهل مكة سألوا نبي الله ﷺ أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد ثنا سعيد بن سليمان ثنا هشيم ثنا مغيرة عن أبي الضحاك عن مسروق عن عبد الله يعني ابن مسعود قال انشق القمر بمكة حتى صار فرقتين فقال كفار أهل مكة هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة انظروا السفار فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق وإن كانوا لم يروا ما رأيتم فهو سحر سحركم
به فسئل السفار وقدموا من كل وجه فقالوا رأينا ومنها ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو بكر أحمد بن الحسن ومحمد بن موسى بن الفضل قالوا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا عثمان بن عمر ثنا معاذ بن العلاء عن نافع عن أبي بن عمران أن رسول الله ﷺ كان يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر حن الجذع فأتاه فالتزمه وحدثنا السيد أبو الحسن العلوي أخبرنا أبو عبد الله محمد بن سعيد النسوي ثنا إسحاق بن إبراهيم بن فهد الهاشمي ثنا عبد الله بن رجاء ثنا أبو حفص بن العلاء أخو أبي عمرو بن العلاء فذكره بإسناده ومعناه قال فأتاه النبي ﷺ فمسحه فسكن وأخبرنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن حبيب البخاري أخبرنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي ثنا أيوب بن سليمان بن بلال قال حدثني أبو بكر بن أويس عن سليمان بن بلال قال قال يحيى بن سعيد أخبرني حفص بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري أنه سمع جابر بن عبد الله يقول كان المسجد في زمان رسول الله ﷺ مسقوفا على جذوع من نخل فكان رسول الله ﷺ إذا خطب يقوم إلى جذع فلما صنع المنبر كان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار حتى جاءها رسول الله ﷺ فوضع يده عليها فسكنت ورواه عبد الواحد بن أيمن عن أبيه عن جابر بن عبد الله وقال في
آخره فنزل رسول الله ﷺ فضمها إليه كانت تئن أنين الصبي الذي يسكت كانت تبكي على ما تسمع من الذكر عندها وفي حديث سهل بن سعد الساعدي فقال رسول الله ﷺ ألا تعجبون من حنين هذه الخشبة فأقبل الناس عليها فرقوا من حنينها حتى كثر بكاؤهم وفي حديث ابن عباس عن النبي ﷺ قال لو احتضنه لحن إلى يوم القيامة وفي حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك عن النبي ﷺ معنى قول ابن عباس وفي حديثه في هذه القصة فلما قعد رسول الله ﷺ على ذلك المنبر خار الجذع كخوار الثور حتى ارتج المسجد بخواره وفي حديث أم سلمة فلما فقدته تعني الخشبة خارت كما يخور الثور حتى سمعها أهل المسجد وأمر الحنانة من الأمور الظاهرة والأعلام الباهرة التي أخذها الخلف عن السلف ورواية الأحاديث فيه كالتكلف أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو محمد بن أبي الحسن أخبرنا عبد الرحمن يعني ابن أبي حاتم الرازي قال قال أبي قال عمرو بن أبي سواد قال لي الشافعي رحمه الله ما أعطى الله تعالى نبيا ما أعطى محمدا ﷺ فقلت أعطى عيسى عليه السلام إحياء الموتى فقال
أعطى محمد ﷺ الجذع الذي كان يخطب إلى جنبه حتى هيئ له المنبر فلما هيئ له المنبر حن الجذع حتى سمع له صوت فهذا أكبر من ذاك ومنها ما أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الأديب أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي أخبرني الحسن بن سفيان ثنا محمد بن بشار العبدي ثنا أبو أحمد الزبيري ثنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله هو ابن مسعود قال إنكم تعدون الآيات عذابا وكنا نعدها بركة على عهد رسول الله ﷺ قد كنا نأكل مع النبي ﷺ الطعام ونحن نسمع تسبيح الطعام وأتي النبي ﷺ بإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فقال النبي ﷺ حي على الطهور المبارك والبركة من السماء حتى توضأنا كلنا وروينا في حديث أبي ذر تسبيح الحصيات في كف رسول الله ﷺ ثم في يد أبي بكر ثم في يد عمر ثم في يد عثمان ومنها ما أخبرنا أبو بكر بن الحسين بن فورك أخبرنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت سالم بن أبي الجعد قال شعبة وأخبرني حصين بن عبد الرحمن قال سمعت سالم بن أبي الجعد قال قلت لجابر كم كنتم يوم الشجرة قال كنا ألفا وخمسمائة وذكر عطشا أصابهم قال فأتي رسول الله ﷺ بماء في قدر فوضع يده
فيه فجعل الماء يخرج من بين أصابعه كأنه العيون قال فشربنا ووسعنا وكفانا قال قلت كم كنتم قال لو كنا مائة ألف كفانا كنا ألفا وخمسمائة ورواه عبد العزيز بن مسلم وابن فضيل عن حصين وفيه من الزيادة فشربنا وتوضأنا وفي رواية الأعمش عن سالم عن جابر فتوضأ الناس وشربوا قال فجعلت لا آلو ما جعلت في بطني منه وعلمت أنه بركة ورواه أيضا عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ وفي بعض الروايات عنه قول النبي ﷺ حي على الوضوء والبركة من الله فأقبل الناس فتوضأوا وشربوا وجعلت لا هم لي إلا ما أجعل في بطني من قول رسول الله ﷺ والبركة من الله وفي رواية ابن عباس قال فرأيت العيون تنبع بين أصابعه قال فأمر بلالا ينادي في الناس الوضوء المبارك وهذا يكون في وقت آخر فإن ابن عباس لم يشهد الحديبية ورواه أنس بن مالك عن النبي ﷺ أنه صنع ذلك والأشبه أن ذلك كان بالمدينة أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا علي بن حمشاد العدل أخبرنا أبو المثنى ثنا مسدد ثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس أن
رسول الله ﷺ دعا بإناء من ماء فأتي بقدح رحراح فيه شيء من ماء فوضع أصابعه فيه قال أنس فجعلت أنظر إلى الماء ينبع بين أصابعه قال أنس فحزرت من توضأ منه ما بين السبعين إلى الثمانين ورواه عبيد الله بن عمر عن ثابت عن أنس قال خرج النبي ﷺ إلى قباء ورواه حميد عن أنس قال حضرت الصلاة فقام من كان قريب الدار إلى أهله يتوضأ وبقي قوم فذكر الحديث وذكر عدد الثمانين وزيادة وفي كل ذلك دلالة على أنه كان في وقت آخر سوى ما رواه جابر ومن تابعه وروى قتادة عن أنس أن النبي ﷺ وأصحابه كانوا بالزوراء والزوراء بالمدينة عند السوق والمسجد فدعا بقدح فذكر الحديث غير أنه قال قلت لأنس يا أبا حمزة كم كانوا قال زهاء ثلاثمائة فيشبه أن يكون هذا مرة أخرى وفي حديث زياد بن الحارث الصدائي أنه كان مع النبي ﷺ في بعض أسفاره قال فتبرز ثم انصرف إلي وقد تلاحق أصحابه فقال هل من ماء يا أخا صداء فقلت لا إلا شيء قليل لا يكفيك فقال ﷺ اجعله في إناء ثم ائتني به ففعلت فوضع كفه في الماء قال الصدائي فرأيت بين إصبعين من أصابعه عينا تفور فهذا يكون خبرا عن قصة أخرى
ومنها ما أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا عبد الله بن رجاء أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان نزلنا يوم الحديبية وهي بئر فوجدنا الناس قد نزحوها فلم يدعوا فيها قطرة فذكر ذلك للنبي ﷺ فجلس رسول الله ﷺ فدعا بدلو فنزع منها ثم أخذ منه بفيه فمجه فيها ودعا الله فكثر ماؤها حتى صدرنا وركائبنا ونحن أربع عشرة مائة ورواه أيضا سلمة بن الأكوع والمسور بن مخرمة وقد صنع مثل هذا رسول الله ﷺ بآبار وقد ذكرنا صنعه بكل واحدة منها في كتاب الدلائل ومنها ما أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ببغداد أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق ح وأخبرنا أبو عبدالله الحافظ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الحميد الصغاني بمكة ثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق أنا معمر عن عوف بن أبي رجاء العطاردي عن عمران بن حصين قال سرى رسول الله ﷺ في سفر هو وأصحابه قال فأصابهم عطش شديد فأقبل رجلان من أصحابه قال أحسبه عليا والزبير أو غيرهما قال إنكما ستجدان بمكان كذا وكذا امرأة معها بعير
عليه مزادتان على البعير فائتياني بها قال فأتيا المرأة فوجداها ركبت بين مزادتين على البعير فقالا لها أجيبي رسول الله ﷺ قالت ومن رسول الله أهذا الصابئ قالا هو الذي تعنين وهو رسول الله حقا فجاءا بها فأمر النبي ﷺ فجعل في إناء من مزاديتها شيء ثم قال فيه ما شاء الله أن يقول وفي رواية ابن إسحاق قال ما شاء أن يقول ثم أعاد الماء في المزادتين ثم أمر بغطاء المزادتين ففتحت ثم أمروا الناس فملأوا آنيتهم وأسقيتهم فلم يدعوا يومئذ إناء ولا سقاء إلا ملأوه قال عمران بن حصين فكان يخيل إلي أنهما لم يزدادا إلا امتلاءا قال فأمر النبي ﷺ بثوبها فبسط ثم أمر أصحابه فجاؤا من أزوادهم حتى ملأ لها ثوبها ثم قال لها اذهبي فإنا لم نأخذ من مائك شيئا ولكن الله سقانا قال فجاءت أهلها فأخبرتهم فقالت جئتكم من عند أسحر الناس أو أنه لرسول الله حقا قال فجاء أهل ذلك الحواء حتى أسلموا كلهم وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن يعقوب ثنا يحيى بن أبي طالب ثنا عبد الوهاب بن عطاء أنا عوف بن أبي جميلة فذكره بإسناده ومعناه يزيد وينقص وقال في آخره قال فكان المسلمون يغيرون على من حولها من المشركين ولا يصيبون الصرم الذي هي فيه فقالت يوما لقومها إن هؤلاء القوم عمدا يدعونكم هل لكم في الإسلام فأطاعوها فجاءوا جميعا فدخلوا الإسلام قال الشيخ وهذا لأنه ﷺ كان يرجو إسلامهم بما أرى المرأة منهم من معجزاته فأخبرتهم بذلك فعلموا تصديقه فأسلموا
وحديث الميضأة الذي رواه عمران وأبو قتادة الأنصاري من هذا الباب فقتادة الأنصاري من هذا الباب فإن النبي ﷺ قال لأبي قتادة أمعكم ماء قال قلت نعم ميضأة فيها شيء من ماء فتوضأ القوم وبقي في الميضأة جرعة فقال ازدهر يا أبا قتادة فإنها سيكون لها شأن فذكر الحديث في سيرهم فلما اشتدت بهم الظهيرة قالوا يا رسول الله هلكنا عطشا قال لا هلك عليكم ثم قال يا أبا قتادة ائتني بالميضأة فأتيته بها فقال حل لي غمري يعني قدحه فحللته فأتيته به فجعل يصب ويسقي الناس فقال رسول الله ﷺ أحسنوا الملء فكلكم سيصدر عن ري فشرب القوم حتى لم يبق غيري وغيره فصب لي فقال اشرب يا أبا قتادة قلت اشرب أنت يا رسول الله فقال إن ساقي القوم آخرهم شربا فشربت ثم شرب بعدي وبقي في الميضأة نحو ما كان فيها وهم يومئذ ثلاثمائة أخبرنا علي بن بشران أخبرنا أبو جعفر الرزاز أخبرنا محمد بن عبيد الله بن يزيد ثنا يزيد بن هارون أنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة فذكره وفي آخره تصديق عمران بن حصين عبد الله بن رباح في روايته ورواه سليمان بن المغيرة عن ثابت فقال فيه فلما رأى الناس ما في الميضأة تكالبوا عليها فقال أحسنوا الملء كلكم سيروى ومنها ما أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا تمتام وهو محمد بن غالب ثنا موسى بن إسماعيل ثنا عكرمة عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال غزونا مع
رسول الله ﷺ فأصابنا جهد شديد حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا فقال رسول الله ﷺ اجمعوا بعض مزاودكم فأمر نبي الله بنطع فمد قال فجاء القوم بشيء في أجربتهم فنبذوه قال فتطاولت أحزره حتى كم هو فإذا هو كربضة الشاة ونحن أربع عشرة مائة فأكلنا حتى شبعنا أجمعين قال ثم تطاولت له بعد ما شبع القوم أحزره كم هو فإذا هو كربضة الشاة قال فحشونا جربنا منه ثم أتي رسول الله ﷺ بنطفة في إداوة فصبها في قدح فرفعنا منها حتى تطهرنا بأجمعنا ثم جاء بعد ذلك ثمانية نفر قالوا هل من وضوء فقال رسول الله ﷺ فرغ الوضوء ورواه النضر بن محمد عن عكرمة بن عمار وقال في الحديث فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة أربع عشرة مائة وروى أبو هريرة قصة الأزواد وقال فدعا عليها حتى ملأ القوم أزودتهم وروي في مثل ذلك عن أبي عمرة الأنصاري
وعن أبي حبيش العقاري وعن ابن عباس كلهم عن النبي ﷺ ومنها ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا جعفر بن محمد بن شاكر ثنا محمد بن سابق ثنا شيبان عن فراس قال قال الشعبي فحدثني جابر بن عبد الله أن أباه استشهد يوم أحد وترك ست بنات وترك عليه دينا كثيرا فلما حضر جداد النخل أتيت رسول الله ﷺ قلت يا رسول الله قد علمت أن والدي قد استشهد يوم أحد وترك عليه دينا كثيرا فأنا أحب أن يراك الغرماء قال اذهب فبيدر كل تمرة على حدة ففعلت ثم دعوته فلما نظروا إليه أغروا بي تلك الساعة فلما رأى ما يصنعون أطاف حول أعظمها بيدرا ثلاث مرات ثم جلس عليه ثم قال ادع أصحابك فما زال يكيل لهم حتى أدى الله أمانة والدي وأنا والله راض أن يؤدي الله أمانة والدي ولا أرجع إلى إخوتي بتمرة فسلم الله البيادر كلها حتى إني لأنظر إلى البيدر الذي عليه رسول الله ﷺ
كأنه لم ينقص منه ثمرة واحدة ومنها ما أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني أبو النضر الفقيه ثنا عثمان بن سعيد أنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول قال أبو طلحة لأم سليم لقد سمعت صوت رسول الله ﷺ ضعيفا أعرف به الجوع فهل عندك من شيء فقالت نعم فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخذت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت يدي وردتني ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول الله ﷺ فذهبت به فوجدت رسول الله ﷺ جالسا في المسجد ومعه أناس فقمت عليهم فقال رسول الله ﷺ أرسلك أبو طلحة قال فقلت نعم فقال طعام فقلت نعم فقال رسول الله ﷺ لمن حوله قوموا ننطلق قال فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته قال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله بالناس وليس عندنا ما نطعمهم فقالت الله ورسوله أعلم قال فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله ﷺ فأقبل رسول الله ﷺ وأبو طلحة معه حتى دخلا فقال رسول الله ﷺ هلمي ما عندك يا أم سليم فجاءت بذلك الخبز فأمر به رسول الله ﷺ ففته وعصرت عليه أم سليم عكة لها فآدمته ثم قال فيه رسول الله ﷺ ما شاء الله أن يقول ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة حتى أكل القوم كلهم والقوم سبعون رجلا أو ثمانون ورواه سعد بن سعيد عن أنس بن مالك وزاد في آخره قال ثم هيأها فإذا هي مثلها حين أكلوا منها ورواه النضر بن أنس عن أنس وقال وأكل منها بضع وثمانون رجلا وفضل منها فضل فدفعها إلى أم سليم فقال كلي وأطعمي جيرانك وفي حديث جابر بن عبد الله أنه دعا رسول الله ﷺ على صاع من شعير وعناق فدعا الله على القدر والتنور فأكلوا وهم ثلاثمائة
قال وأكلنا وأهدينا لجيراننا فلما خرج رسول الله ﷺ ذهب كل ذلك وفي حديث سمرة في القصعة التي كانت تمد من السماء وفي حديث أبي أيوب فيما صنع من الطعام وفي الشاة التي اشتراها من الأعرابي
وفي اللبن الذي دعا عليه أهل الصفة
وفيما خلف على عائشة من الشعير وفيما أعطى الرجل من الشعير وفيما بقي عند المرأة من السمن في العكة وغير ذلك في سائر هذه الأحاديث وغيرها مما في معناها بأسانيدها مما يطول به الكتاب وفيما أشرنا إليه كفاية وبالله التوفيق ومنها ما أخبرنا به أبو علي الحسين بن محمد بن محمد بن علي الروذباري وأبو عبد الله الحسين بن عمر بن برهان الغزال في آخرين قالوا أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا الحسن بن عرفة ثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال كنت أرعى غنما لعقبة بن معيط فمر بي رسول الله ﷺ وأبو بكر رضي الله عنه فقال يا غلام هل من لبن قال قلت نعم ولكني مؤتمن فقال هل من شاة لم ينزل عليها الفحل فأتيته بشاة فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في إناء فشرب وسقى
أبا بكر قال ثم قال للضرع اقلص فقلص قال ثم أتيته بعد هذا فقلت يا رسول الله علمني من هذا القول فمسح رأسي وقال يرحمك الله فإنك عليم معلم ورواه حماد بن سلمة وغيره عن عاصم فقال هل عندك من جذعة لم ينزل عليها الفحل بعد فأتيته بها فاعتقلها أبو بكر وأخذ رسول الله ﷺ الضرع فدعا فحفل الضرع وقد صنع مثل هذا في غير موضع وصنع ذلك بشاة أم معبد حين مر بها في الهجرة حتى قال فيها الهاتف الأبيات المذكورة في قصتها ومنها ما أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنا عبد الله بن
جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا عبيد الله بن موسى وعبد الله بن رجاء وأبو عمرو الغداني ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن إسحاق أنا محمد بن سليمان بن الحرث ثنا عبيد الله بن موسى وعبد الله بن رجاء قالا حدثنا إسرائيل بن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال اشترى أبو بكر من عازب رحلا بثلاثة عشر درهما فقال أبو بكر لعازب مر البراء فليحمله إلى رحلي فقال له عازب لا حتى تحدثني كيف صنعت أنت ورسول الله ﷺ حين خرجتما من مكة والمشركون يطلبونكما قال أدلجنا من مكة ليلا فأحيينا ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة فرميت ببصري هل أرى من ظل نأوي إليه فإذا صخرة فانتهيت إليها فإذا بقية ظل لها قال فسويته ثم فرشت لرسول الله ﷺ فروة ثم قلت اضطجع يا رسول الله فاضطجع ثم ذهبت أنفض ما حولي هل أرى من الطلب أحدا فإذا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة يريد منها الذي أريد يعني الظل فسألته فقلت له لمن أنت يا غلام فقال لرجل من قريش فسماه فعرفته فقلت هل في غنمك من لبن قال نعم قلت هل أنت حالب لي قال نعم فأمرته فاعتقل شاة من غنمه وأمرته أن ينفض درعها من التراب ثم أمرته أن ينفض كفيه فقال هكذا فضرب إحدى كفيه على الأخرى فحلب لي كثبة من لبن وقد رويت و معي لرسول الله ﷺ إداوة على فمها خرقة فصببت على اللبن حتى برد أسفله فأتيت رسول الله ﷺ فوافقته وقد استيقظ فقلت اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت ثم قلت قد آن الرحيل يا رسول الله قال فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن
مالك بن جعثم على فرس له فقلت هذا الطلب لقد لحقنا يا رسول الله قال لا تحزن إن الله معنا فلما دنا منا وكان بيننا وبينه قيد رمحين أو ثلاثة قلت هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله وبكيت فقال ما يبكيك فقلت أما والله ما على نفسي أبكي ولكنني إنما أبكي عليك قال فدعا عليه رسول الله ﷺ فقال اللهم اكفناه بما شئت قال فساخت به فرسه في الأرض إلى بطنها فوثب عنها ثم قال يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادعو الله أن ينجيني مما أنا فيه فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي فخذ منها سهما فإنك ستمر بإبلي وغنمي بمكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله ﷺ لا حاجة لنا في إبلك وغنمك ودعا له رسول الله ﷺ فانطلق راجعا إلى أصحابه ومضى رسول الله ﷺ وأنا معه حتى قدمنا المدينة ليلا ورواه زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن البراء عن أبي بكر قال به وأتبعنا سراقة بن مالك ونحن في جلد من الأرض فقلت يا رسول الله أتينا فقال لا تحزن إن الله معنا فدعا عليه رسول الله ﷺ فارتطمت فرسه إلى بطنها ورواه الزهري عن عبد الرحمن بن مالك المدلجي عن أبيه عن سراقة فذكر قصة خروجه خلف النبي ﷺ قال حتى سمعت قراءة رسول الله ﷺ وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر التلفت ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغت الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يداها فلما استوت قائمة إذا غبار ساطع في السماء مثل الدخان قال فعرفت أنه منع مني وأنه طاهر
والأحاديث في دعائه على آحاد المشركين ودعائه لآحاد المسلمين واستسقائه وعائه بالحبس وإجابة الله تعالى إياه في مسائل
كثيرة وهي في كتاب الدلائل بأسانيدها مذكورة ومنها ما أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ومحمد بن موسى قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن إسماعيل بن عبد الملك عن أبي الزبير عن جابر قال خرجت مع رسول الله ﷺ في سفر وكان رسول الله ﷺ إذا أراد البراز تباعد حتى لا يراه أحد فنزلنا منزلا بفلاة من أرض ليس فيها علم ولا شجر فقال لي يا جابر خذ هذه الإداوة وانطلق بها فملأت الإداوة ماء وانطلقنا فمشينا حتى لا نكاد نرى فإذا شجرتان بينهما أذرع فقال رسول الله ﷺ يا جابر انطلق فقل لهذه الشجرة يقول لك رسول الله ﷺ الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما ففعلت فزحفت حتى لحقت بصاحبتها فجلس خلفهما حتى قضى حاجته ثم رجعنا فركبنا رواحلنا فسرنا فكأنما علينا الطير تظللنا فإذا نحن بامرأة قد عرضت لرسول الله ﷺ معها صبي تحمله
فقالت يا رسول الله إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات لا يدعه فوقف رسول الله ﷺ فتناوله فجعله بينه وبين مقدمة الرجل فقال رسول الله ﷺ اخسأ عدو الله أنا رسول الله فأعاد ذلك ثلاث مرات ثم ناولها إياه فلما رجعنا فكنا بذلك الماء عرضت لنا المرأة معها كبشان تقودهما والصبي تحمله فقالت يا رسول الله اقبل مني هديتي فوالذي بعثك بالحق نبيا إن عاد إليه بعد فقال رسول الله ﷺ خذوا أحدهما منها وردوا الآخر ثم سرنا ورسول الله ﷺ بيننا فجاء جمل ناد فلما كان بين السماطين خر ساجدا فقال رسول الله ﷺ أيها الناس من صاحب هذا الجمل فقال فتية من الأنصار هو لنا يا رسول الله قال فما شأنه قال سنونا عليه منذ عشرين سنة فلما كبر سنه وكانت عليه شحيمة فأردنا نحره لنقسمه بين غلمتنا فقال رسول الله ﷺ تبيعونيه قالوا يا رسول الله هو لك قال فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله قالوا يا رسول الله نحن أحق أن نسجد لك من البهائم قال رسول الله ﷺ لا ينبغي لبشر أن يسجد لبشر ولو كان ذلك كان النساء لأزواجهن
وقد روى عبادة بن الوليد عن جابر بن عبد الله قصة انقياد الشجرتين لنبينا ﷺ واجتماعهما حتى استتر بهما ثم افتراقهما وروى يعلى بن مرة عن أبيه وقيل عنه دون أبيه أنه شهد هذه المعجزات الثلاث من رسول الله ﷺ كما شهدهن جابر وروينا في حديث ابن عباس دعاء رسول الله ﷺ ونزوله من النخلة ومشيه إليه ورجوعه إلى مكانه وفي حديث ابن عمر عن النبي ﷺ دعاؤه الشجرة وإقبالها إليه حتى قامت بين يديه فاستشهدها ثلاثا فشهدت أنه كما قال ثم رجعت
إلى منبتها وفي حديث سلمان الفارسي حين كاتب قومه على كذا وكذا نخلة يغرسها لهم ويقوم عليها حتى تطعم فجاء النبي ﷺ فغرس النخل كلها إلا نخلة واحدة غرسها غيره فأطعم نخله من سنته إلا تلك النخلة وفي حديث جابر وغيره في قصة خيبر إخبار الذراع إياه بأنها مسمومة
وفي حديث أبي سعيد الخدري شهادة الذئب لنبينا ﷺ وفي حديث النعمان بن بشير وسعيد بن المسيب شهادة زيد بن خارجة الأنصاري بعدما مات لنبينا ﷺ بالرسالة
وفي حديث روي عن عمر وغيره في شهادة الضب لنبينا ﷺ وفي حديث ربعي بن حراش شهادة أخيه بعدما مات لنبينا ﷺ بالرسالة
وفي حديث الأعمش عن شمر بن عطية عن أشياخه شهادة الصبي الذي شب ولم يتكلم لنبينا بالرسالة وفي حديث معيقيب شهادة الرضيع لنبينا ﷺ بالرسالة وفي قصة أحد أن نبينا ﷺ أعطى عبد الله بن جحش عسيبا من نخل وكان قد ذهب سيفه فرجع في يد عبد الله سيفا وفي مغازي محمد بن إسحاق بن يسار ثم الواقدي في قصة بدر أن عكاشة بن محصن انقطع سيفه فأعطاه رسول الله ﷺ عودا فإذا هو سيف أبيض طويل القامة فلم يزل عنده حتى هلك وفي كتاب الواقدي أنه انكسر سيف سلمة بن أسلم فأعطاه رسول الله ﷺ قضيبا كان في يده فقال اضرب به فإذا هو سيف جيد فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد وفي قصة بدر وقيل
أحد عن قتادة بن النعمان أنه أصيبت عينه فسالت حدقته على وجنته فدعا به رسول الله ﷺ فغمز حدقته براحته فكان لا يدري أي عينه أصيبت وعن رفاعة بن رافع أنه رمي يوم بدر بسهم ففقئت عينه فبصق فيها رسول الله ﷺ ودعا له فما آذته وبصق في عين علي رضي الله عنه يوم خيبر من رمد كان بها ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع ثم لم يشك عينيه وله من دعواته واستسقائه واستشفائه وإجابة الله تعالى إياه في جميع ذلك آيات كثيرة ودلالات واضحة ومعجزاته أكثر من أن تحصى وأشهر من أن تخفى وإنما نشيرها هنا من كل جنس إلى مقدار ما يتضح به ما قصدناه في هذا الكتاب وقد روينا أن جماعة من أصحاب النبي ﷺ رأوا جبريل عليه السلام في صورة دحية الكلبي ودحية غائب
ورأى جماعة من المشركين جماعة من الملائكة الذين أمد رسول الله ﷺ بهم يوم بدر ورأى سعد بن أبي وقاص يوم أحد رجلين أحدهما عن يمين النبي ﷺ والآخر عن يساره عليهما ثياب بياض يقاتلان عنه أشد القتال ما رآهما قبل ذلك ولا بعده وإذا هما ملكان وأما أخبار النبي ﷺ عن الكوائن أيام حياته وبعد وفاته وظهور صدقه في جميع ذلك فهي كثيرة وهي في كتاب الدلائل منقولة فإنه ﷺ أخبر حين كان بمكة بما أفسدت الأرضة من صحيفة قريش فأتي بها فوجدت كما قال وحين أخبر عن مسراه إلى بيت المقدس ثم إلى السماوات السبع وكذب فيه أخبرهم عن العير التي رآها في طريقه وعن قدومها وعن
نبأ بيت المقدس فكان كما قال وأخبر أصحابه بما وقع لزيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة بموته ونعاهم قبل أن يجيء خبرهم ونعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وأخبر عن كتاب حاطب بن أبي بلتعة وأخبر عن أشياء وجد تصديقه في جميعها ورواية جميع ذلك ها هنا مما يطول به الكتاب ووعد أمته الفتوح التي وجدت بعده وحذرهم الفتن التي بدت في آخر خلافة عثمان وظهرت عند قتله وبعده وأخبرهم بمدة بقاء
الخلفاء بعده وأشار إلى الملوك الذين يكونون بعدهم من بني أمية ثم بني العباس فكانوا كما قال وسمى جماعة من أصحابه شهداء فأدركوا الشهادة بعده وأخبر بأن عبد الله بن سلام لا يدرك الشهادة غير أنه يموت على الإسلام فكان كما أخبر وأخبر عن البلاء الذي أصاب عثمان بن
عفان وعن قتل عمار بن ياسر وقتل ابن ابنته الحسين بن علي وإصلاح الحسن بن علي ابن
ابنته بين فئتين عظيمتين من المسلمين فوجد تصديقه في جميع ذلك ونعى نفسه إلى ابنته فاطمة وأخبر أنها أول أهله لحوقا به فكان كما قال وبشر أمته بكفاية الله شر الأسود العنسي ومسيلمة الكذابين فكان كما قال وذكر أويسا القرني ووصفه بما وجد تصديقه بعده وارتد رجل من الأنصار ولحق بالكفار وكان قد قرأ البقرة وآل عمران ثم مات فقال النبي ﷺ لا تقبله الأرض فدفن مرارا
فلم تقبله الأرض ولكل جنس من أجناس دلائل صدقه أشياء ذكرناها في كتاب دلائل النبوة ومن أراد معرفتها بأسانيدها رجع إليها إن شاء الله تعالى ولنبينا ﷺ مرتبة عظيمة ومنزلة شريفة بما كان له من خاتم النبوة وكانت له علامة ظاهرة في كتفه عرفه بها أهل الكتاب وبسائر صفاته التي وجدوها مكتوبة في كتبهم ثم بما كان من شق قلبه واستخراج حظ الشيطان منه وغسله وكان أمرا ظاهرا شاهده جماعة كانوا معه وكان أنس بن مالك يقول كنت أرى أثر المخيط في صدره ثم بما كان له من المعراج ليلة أسري به من المسجد الحرام إلى
المسجد الأقصى ثم عرج به إلى سدرة المنتهى وكان ذلك في اليقظة وكل ما أخبر عنه من رؤية من رآه تلك الليلة من الملائكة والنبيين والجنة والنار وغير ذلك من آيات ربه كان رؤية عين أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أن أحمد بن جعفر القطيعي قال ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا سفيان عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس قال وهي رؤيا عين أريها النبي ﷺ ليلة أسري به وقد ذكرنا قصة المعراج وشق الصدر وصفة خاتم النبوة في كتاب دلائل النبوة وأما قول الله تعالى ولقد رآه بالأفق المبين ولقد رآه نزلة أخرى فقد قالت عائشة أنا أول هذه الأمة سأل عن هذا رسول الله ﷺ فقال جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين
السماء إلى الأرض وفي حديث عبد الله بن مسعود في هذه الآية فكان قاب قوسين أو أدنى قال قال رسول الله ﷺ رأيت جبريل عليه السلام له ستمائة جناح وعن عبد الله بن مسعود في قوله ولقد رآه نزلة أخرى قال رأى جبريل له ستمائة جناح وعن أبي هريرة مثل ذلك وذهب ابن عباس إلى أنه رأى ربه مرتين وحمل الآيتين على رؤيته تعالى والله أعلم وقد مضى ذكر أقاويلهم وأقاويل غيرهم في ذلك بأسانيدها في كتاب
الأسماء والصفات وكتاب الرؤية فصل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعدما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء وقد رأى نبينا ﷺ جماعة منهم ليلة المعراج وأمر بالصلاة عليه والسلام عليه وأخبر وخبره صدق أن صلاتنا معروضة عليه وأن سلامنا يبلغه وأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء وقد أفردنا لإثبات حياتهم كتابا فنبينا ﷺ كان مكتوبا عند الله تعالى قبل أن يخلق نبيا
ورسولا وهو بعد ما قبضه نبي الله ورسوله وصفيه وخيرته من خلقه والذين يبلغون عنه أوامره ونواهيه خلفاؤه فرسالته باقية وشريعته ظاهرة حتى يأتي أمر الله تعالى صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما
باب القول في كرامات الأولياء قال الله تعالى في قصة مريم عليها السلام كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب وقال في قصة سليمان عليه السلام قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك وآصف لم يكن نبيا وإنما لا يجوز ظهور الكرامات على الكاذبين فأما على الصادقين فإنه يجوز ويكون ذلك دليلا على صدق من صدقه من أنبياء الله تعالى وقد حكى نبينا ﷺ من الكرامات التي ظهرت على جريح الراهب والصبي الذي ترك السحر وتبع الراهب والنفر الذين آووا إلى غار من بني إسرائيل فانحطت
عليهم الصخرة وغيرهم ما يدل على جواز ذلك وقد ظهر على أصحابه في زمانه وبعد وفاته ثم على الصالحين من أمته ما يوجب اعتقاد جوازه وبالله التوفيق أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك أنا عبد الله بن جعفر الأصبهاني ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عمر بن أسيد بن حارثة حليف بني زهرة وكان من أصحاب أبي هريرة قال بعث رسول الله ﷺ عشرة رهط عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت وهو جد عاصم بن عمر فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم بمائة رجل رام فاتبعوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر فقالوا هذا تمر يثرب فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد فقالوا انزلوا ولكم العهد والميثاق ألا نقتل منكم أحدا فقال عاصم أما أنا فوالله لا أنزل في ذمة كافر اليوم اللهم بلغ عنا نبيك السلام فقاتلوا فقتل منهم سبعة ونزل ثلاثة على العهد والميثاق فلما استمكنوا منهم حلوا أوتار قسيهم وكتفوهم فلما رأى ذلك منهم أحد الثلاثة قال هذا والله أول الغدر فعالجوه فقتلوه وانطلقوا بخبيب بن عدي وزيد بن الدثنة إلى مكة فباعوهما وذلك بعد وقعة بدر فاشترى بنو الحارث خبيبا وقد كان قتل الحارث يوم بدر قالت ابنة الحارث فكان خبيب أسيرا عندنا فوالله إن رأيت
أسيرا قط خيرا من خبيب والله لقد رأيته يأكل قطفا من عنب وما بمكة يومئذ من ثمره وإن هو إلا رزق رزقه الله خبيبا قالت واستعار مني موسى يستحد به للقتل قالت فأعرته إياه ودرج ابن لي وأنا غافلة فرأيته يجلسه على صدره قالت ففزعت فزعة عرفها خبيب قالت ففطن لي فقال أتحسبين أني قاتله ما كنت لأفعله قالت فلما أجمعوا على قتله قال لهم دعوني أصلي ركعتين وقال لولا أن تحسبوا أن بي جزعا لزدت قالت وكان خبيب أول من سن الصلاة لمن قتل صبرا ثم قال اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا ... فلست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي حال كان في الله مصرعي ... وذلك في جنب الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع ... قال وبعث المشركون إلى عاصم بن ثابت ليؤتوا من لحمه بشيء وكان قتل رجلا من عظمائهم فبعث الله مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يستطيعوا أن يأخذوا من لحمه شيئا وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا إسماعيل بن محمد بن الفضل البيهقي ثنا جدي أبو ثابت حدثني إبراهيم بن سعد فذكره بإسناده ومعناه وذكر قول المرأة والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب والله لقد وجدته يأكل قطفا من عنب وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمره وقال في الشعر وذلك في ذات الإله وزاد واستجاب الله لعاصم
يوم أصيب فأخبر رسول الله ﷺ أصحابه يوم أصيبوا خبرهم وذكر في عاصم ما بعث الله عليه من الدبر حتى حمته وذكره محمد بن إسحاق بن يسار في المغازي عن عاصم بن عمر بن قتادة وزاد فلما حالت بينهم وبينه قالوا دعوه حتى يمسي فتذهب عنه فنأخذه فبعث الله الوادي فاحتمل عاصما فذهب به قال وقد كان عاصم أعطى الله عهدا لا يمس مشركا ولا يمسه مشرك أبدا في حياته قال ابن إسحاق فكان عمر بن الخطاب يقول يحفظ الله المؤمن فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع منهم في حياته وروينا عن بريدة بن سفيان استجابة الله دعاء خبيب على الذين قتلوه فلم يحل الحول ومنهم أحد غير رجل لبد في الأرض حين رآه يدعو وفي هذا الحديث الصحيح كرامات ظهرت على من سمى فيه أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد ابن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن ثابت عن أنس بن مالك أن أسيد بن حضير الأنصاري ورجلا آخر من الأنصار تحدثا عند رسول الله ﷺ في حاجة لهما حتى ذهب من الليل ساعة في ليلة شديدة الظلمة ثم خرجا من عند رسول الله ﷺ يتقلبان وبيد كل واحد منهما عصية فأضاءت عصا أحدهما لهما حتى مشى في ضوئها حتى إذا افترقت بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه فمشى كل واحد منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال كان عباد بن بشر وأسيد بن حضير ورواه قتادة عن أنس
فلم يسم الرجلين قال ومعهما مثل المصباحين يضيئان بين أيديهما وقد روينا عن حمزة بن عمرو الأسلمي وأبي عيسى بن جبر أنهما أكرما بقريب من ذلك فأضاءت أصابع حمزة ونور في عصا أبي عيسى أخبرنا أبو الحسين بن بشران ثنا عبد الرزاق ثنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن قتادة قال كان مطرف بن عبد الله بن الشخير وصاحب له سريا في ليلة مظلمة فإذا طرف سوط أحدهما عنده ضوء فقال لصاحبه أما إنا لو حدثنا الناس كذبونا قال مطرف المكذب أكذب يقول المكذب بنعمة الله أكذب ومطرف بن عبد الله كان من كبار التابعين وإنما أوردته عقيب حديث الصحابة لكونه شبيها بما أكرموا به
وقد روينا نزول الملائكة للقرآن عند قراءة أسيد بن حضير وذلك أنه رأى مثل الظلة فيها أمثال المصابيح فقال النبي ﷺ تلك الملائكة أتت لصوتك وروينا تسليم الملائكة على عمران بن حصين وروينا عن جماعة من الصحابة أن كل واحد رأى جبريل عليه السلام في صورة دحية الكلبي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن إسحاق بن أيوب الفقيه أنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو النعمان محمد بن الفضل ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي عثمان أنه حدثه عبد الرحمن بن أبي بكر أن أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء وأن رسول الله ﷺ قال مرة من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس بسادس أو كما قال وأن أبا بكر جاء بثلاثة وانطلق رسول الله ﷺ بعشرة فهو وأنا وأبو بكر وأمي ولا أدري قال وامرأتي وخادم بين بيتنا وبين بيت أبي وأن أبا بكر تعشى عند رسول الله ﷺ ثم لبث حتى صليت العشاء ثم رجع فلبث حتى تعشى رسول الله ﷺ فجاء بعدما مضى من الليل ما شاء الله فقالت له امرأته ما حبسك عن أضيافك أو قالت عن ضيفك قال أو ما عشيتهم قالت أبوا حتى تجيء وقد عرضوا عليهم
فغلبوهم قال فذهبت أنا واختبأت وقال يا غنثر وسب وقال كلوا وذكر كلمة وقال والله لا طعمته أبدا قال وايم الله ما كنا نأخذ لقمة إلا وربا من أسفلها أكثر منها قال وشبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك قال فنظر إليها أبو بكر فإذا هي كما هي أو أكثر قال لامرأته يا أخت بني فراس ما هذا قالت لا وقرة عيني لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات فأكل منها أبو بكر وقال إنما كان ذلك من الشيطان يعني يمينه ثم حملها إلى رسول الله ﷺ قال وكان بيننا وبين قوم عهد فمضى الأجل فعرفنا اثني عشر رجلا مع كل رجل أناس الله أعلم كم مع كل رجل قال فأكلوا منها أجمعون قال الشيخ رضي الله عنه وقد روينا كرامات ظهرت على عدة من الأولياء في حياة نبينا ﷺ وله شواهد كثيرة ذكرناها في كتاب دلائل النبوة وغيره وقد روينا في فضائل الصحابة كرامات ظهرت على بعضهم بعد وفاة
النبي ﷺ وإعادتها في هذا الكتاب مما يطول شرحه فاقتصرنا منها على بعضها وفيه كفاية أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا حمزة بن العباس العقبي ثنا عبد الكريم بن الهيثم الديرعاقولي حدثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب بعث جيشا وأمر عليهم رجلا يدعى سارية قال فبينا عمر يخطب قال فجعل يصيح وهو على المنبر يا سارية الجبل يا سارية الجبل قال فقدم رسول الجيش فسأله فقال يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمونا وإن الصائح ليصيح يا سارية الجبل يا سارية الجبل فشددنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله فقيل لعمر إنك كنت تصيح بذلك وحدثني ابن عجلان وحدثني إياس بن معاوية بن قرة بذلك وقد روينا من أوجه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال ما كنا ننكر ونحن متوافرون إن السكينة تنطق على لسان عمر وعن عبد الله بن مسعود ما رأيت عمر قط إلا وكان بين عينيه
ملكا يسدده وعن عبد الله بن عمر قال كان عمر يقول القول فننتظر متى يقع قال الشيخ وكيف لا تكون وقد قال رسول الله ﷺ أنه كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في هذه الأمة فهو عمر بن الخطاب وهذا الحديث أهل في جواز كرامات الأولياء وفي قراءة أبي بن كعب وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث وقرأها ابن عباس كذلك ثم في بعض الروايات عن النبي ﷺ أنه قيل كيف يحدث قال يتكلم الملائكة على لسانه وذلك يوافق ما روينا عن علي وعبد الله في عمر رضي الله عنه وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أن عبد الله بن جعفر قال ثنا يعقوب بن سفيان ثنا محمد بن عزيز الإيلي عن سلامة بن روح عن عقيل حدثني ابن شهاب عن أنس بن مالك قال قال رسول الله ﷺ كم من ضعيف متضعف ذو طمرين لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك وأن البراء لقي زحفا من المشركين فقالوا له يا
براء إن النبي ﷺ قال لو أقسمت على الله لأبرك فاقسم على ربك قال أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم فمنحوا أكتافهم ثم التقوا على قنطرة السويس فأوجعوا في المسلمين فقالوا أقسم يا براء على ربك قال فأقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم ورزقتني الشهادة فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيدا أخبرنا أبو زكريا بن إسحاق أنا أبو عبد الله بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الوهاب أنا جعفر بن عوف أنا أسامة بن زيد عن محمد بن عمرو عن محمد بن المنكدر عن سفينة مولى النبي ﷺ قال ركبت سفينة في البحر فانكسرت بي فركبت لوحا منها فأخرجني إلى أجمة فيها أسد إذ أقبل الأسد فلما رأيته قلت يا أبا الحارث أنا سفينة مولى رسول الله ﷺ فأقبل نحوي حتى ضربني بمنكبه ثم مشى معي حتى أقامني على الطريق ثم همهم وضربني بذنبه فرأيت أنه يودعني قال الشيخ محمد بن عمرو هذا هو محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ورواه أيضا سعيد بن عبد الرحمن عن ابن المنكدر
باب القول في أصحاب رسول الله ﷺ وعلى آله ورضي عنهم قال الله تبارك وتعالى محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار فأثنى عليهم ربهم وأحسن الثناء عليهم ورفع ذكرهم في التوراة والإنجيل والقرآن الكريم ثم وعدهم المغفرة والأجر العظيم فقال وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما وأخبر في آية أخرى برضاه عنهم ورضاهم عنه فقال والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ثم بشرهم بما أعد لهم فقال وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم وأمر رسول الله ﷺ بالعفو عنهم والاستغفار لهم فقال فاعف عنهم
واستغفر لهم وأمره بمشاورتهم تطييبا لقلوبهم وتنبيها لمن بعدهم من الحكام على المشاورة في الأحكام فقال وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله وندب من جاء بعدهم إلى الاستغفار لهم وأن لا يجعلوا في قلوبهم غلا للذين آمنوا فقال والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم وأثنى رسول الله ﷺ وعلى آله عليهم وشبههم بالنجوم ونبه بذلك أمته إلى الإقتداء بهم في أمور دينهم كما يهتدون بالنجوم في ظلمات البر والبحر في مصالحهم فقال ما أخبرنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي ثنا أبو حامد بن الشرقي ثنا أبو صالح أحمد بن منصور زاج ثنا الحسين بن علي الجعفي عن مجمع بن يحيى عن ابن أبي بردة يعني سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه عن أبي موسى
قال صلينا مع النبي ﷺ المغرب فقلنا لو انتظرنا حتى نصلي معه العشاء قال ففعلنا فخرج إلينا فقال ما زلتم هاهنا فقلنا نعم يا رسول الله قلنا نصلي معك العشاء قال أصبتم أو أحسنتم ثم رفع رأسه إلى السماء فقال النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أنا أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون وروي عنه في حديث موصول بإسناد آخر غير قوي وفي حديث منقطع أنه قال إن مثل أصحابي كمثل النجوم في السماء من أخر بنجم منها اهتدى والذي رويناه هاهنا من الحديث الصحيح يؤدي بعض معناه وقد أشار النبي ﷺ إلى الحواريين والأصحاب الذين ينصرون دينه ويأخذون بسنته ويقتدون بأمره فقال في رواية عبد الله بن مسعود عنه ما من نبي بعثه الله تعالى إلا كان له في أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم أنه ﷺ شهد بكونهم خير أمته فقال في رواية عبد الله بن مسعود عنه وفي رواية عائشة وعمران بن حصين وأبي هريرة خير الناس
قرني وفي بعضها خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم وقال في رواية عمر بن الخطاب أكرموا أصحابي فإنهم خياركم وفي رواية أخرى احفظوني في أصحابي وأمر فيما روي عنه بمحبتهم ونهى عن سبهم وأخبر أمته بأن أحدا منهم لا يدرك محلهم ولا يبلغ درجتهم وأن الله تعالى غفر لهم أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد بن محمد بن علي الروذباري ثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمويه العسكري ثنا جعفر بن محمد القلانسي ثنا آدم بن أبي إياس ثنا شعبة عن الأعمش قال سمعت ذكوان يحدث عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ﷺ لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ولا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر
حدثنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا علي بن سعيد النسوي حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا عبيدة بن أبي رائطة الكوفي عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن مفضل المزني قال قال رسول الله ﷺ الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه أخبرنا أبو محمد بن يوسف أنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا الحسن بن محمود الزعفراني ثنا عفان ثنا أبو عوانة ثنا الحصين عن سعيد بن عبيد عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة فاغرورقت عينا عمر
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا حجاج بن محمد قال قال ابن جريح أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول أخبرتني أم مبشر أنها سمعت النبي ﷺ يقول عند حفصة لا يدخل النار إن شاء الله تعالى من أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها قالت بلى يا رسول الله فانتهرها فقالت حفصة وإن منكم إلا واردها فقال النبي ﷺ قد قال الله تعالى ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك أنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا المسعودي عن عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود قال إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد ﷺ خير قلوب الناس فاختار محمد ﷺ فبعثه برسالته وانتخبه بعلمه ثم نظر في قلوب الناس بعده فاختار له أصحابه فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه فما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن وما رأوه قبيحا فهو عند الله قبيح أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن إسحاق أنا زياد بن الخليل التستري ثنا كثير بن يحيى أبو مالك ثنا أبو عوانة بن أبي بلج
عن عمرو بن ميمون قال كنا عند ابن عباس فقال أخبرنا الله في القرآن أنه قد رضي عن أصحاب الشجرة فعلم ما في قلوبهم فهل حدثنا أنه سخط عليهم بعد وأخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو بكر القطان ثنا أحمد بن يوسف ثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم قال أمر الله تعالى بالاستغفار لهم يعني أصحاب النبي ﷺ وهو يعلم أنه سيحدثون ما أحدثوا حدثنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن الأزهر بن منيع ثنا أبو أسامة عن سفيان عن نسير بن دعلوق قال سمعت ابن عمر يقول لا تسبوا أصحاب النبي ﷺ فإن مقام أحدهم ساعة أفضل من عمل أحدكم عمره
باب القول في أهل بيت رسول الله ﷺ وآله وأزواجه قال الله تعالى إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا وابتدأ الآية في نساء النبي ﷺ وتخييرهم فلما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة كان لهن ما أعد الله لهن من الأجر العظيم ثم ميزهن عن نساء العالمين في العذاب والأجر ثم أبانهن منهن فقال يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض فساق الكلام إلى قوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا وإنما ورد بلفظ الذكور لإدخال غيرهن معهن في ذلك ثم أضاف البيوت إليهن بقوله واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة وجعلهن أمهات المؤمنين فقال النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وحرم نكاحهن بعد وفاة نبيه ﷺ فقال وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا
وأنزل في براءة عائشة بنت الصديق مما رميت به في قوله الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه إلى آخر الآيات فهي تتلى في مساجد المسلمين وفي صلواتهم وفي محاريبهم وتكتب في مصاحفهم وألواحهم إلى يوم الدين وفيها بيان عفتها وحصانتها وطهارتها وكبير إثم من رماها وعظيم عذابه ولعنه في الدنيا والآخرة وكفى لها بذلك شرفا ولمن وقع فيها عذابا معدا ولعنا متتابعا عاجلا وآجلا أخبرنا أبو محمد جناح بن نذير بن جناح القاضي بالكوفة ثنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم ثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري ثنا جعفر يعني ابن عون ويعلى عن أبي حيان التيمي عن يزيد بن حيان قال سمعت زيد بن أرقم قال قام فينا ذات يوم رسول الله ﷺ خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيبه وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فاستمسكوا بكتاب الله وخذوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاث مرات فقال له حصين يا زيد من أهل بيته أليس نساؤه من أهل بيته قال بلى إن نساءه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال ومن هم قال آل علي وآل جعفر وآل العباس وآل عقيل فقال كل هؤلاء يحرم الصدقة قال نعم قال الأستاذ الإمام رضي الله عنه قد بين زيد بن أرقم أن نساءه من أهل بيته واسم أهل البيت لكل من النساء تحقيق وهو متناول للآل واسم الآل لكل من يحرم الصدقة من أولاد هاشم وأولاد المطلب
لقول النبي ﷺ إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد وإعطائه الخمس الذي عوضهم من الصدقة بني هاشم وبني المطلب وقال إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وقد يسمى أزواجه آلا بمعنى التشبيه بالنسب فأراد زيد تخصيص الآل من أهل البيت بالذكر ولفظ النبي ﷺ في الوصية بهم عام يتناول الآل والأزواج وقد أمرنا بالصلاة على جميعهم فقال ما أخبرنا أبو علي الروذباري أنا أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حبان بن يسار الكلابي حدثني أبو مطرف عبد الله بن طلحة عن عبيد الله بن كريز حدثني محمد بن علي الهاشمي عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد
قال الشيخ وأمر في حديث أبي حميد الساعدي بالصلاة عليه وعلى أزواجه وذريته ويحتمل أنه أفردهن بالذكر من جملة أهل البيت على وجه التأكيد كما أفرد الذرية على وجه التأكيد ثم رجع إلى التعميم في حديث أبي هريرة ليدخل فيها غير الأزواج والذرية من آله الذين يقع عليهم اسم أهل البيت والله أعلم أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي من أصل كتاب قالا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن مكرم ثنا عثمان بن عمر ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن شريك بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن أم سلمة قالت في بيتي أنزلت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت قالت فأرسل رسول الله ﷺ إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين فقال هؤلاء أهلي قالت فقلت يا رسول الله أما أنا من أهل البيت قال بلى أن شاء الله قال أبو عبد الله هذا حديث صحيح سنده ثقات رواته قال الشيخ وهذا يؤكد ما ذكرنا من دخول آله وأزواجه في أهل بيته وعلينا محبتهم جميعهم وموالاتهم في الدين أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنا أبو النضر محمد بن محمد بن
يوسف الفقيه ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا علي بن بحر بن بري ثنا هشام بن يوسف الصنعاني ثنا عبد الله بن سليمان النوفلي عن محمد بن علي بن عباس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا إبراهيم بن الحارث البغدادي ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن حمزة بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول على المنبر ما بال رجال يقولون إن رحم رسول الله ﷺ لا ينفع قومه يوم القيامة بلى والله إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة وإني أيها الناس فرط لكم على الحوض قال الشيخ وقد روينا في فضائل أهل البيت والصحابة رضي الله عنهم في كتاب الفضائل ما ورد فيهما وفيما روينا عن عائشة عن فاطمة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال لها ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو نساء المؤمنين وفيما روي عن حذيفة وأبي سعيد وغيرهما عن النبي ﷺ فاطمة سيدة نساء أهل الجنة زاد أحدهما في روايته إلا ما كان من مريم
بنت عمران وآسية بنت مزاحم وفي رواية ابن عباس أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وفي حديث أبي موسى وأنس بن مالك عن النبي ﷺ فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام وقال لابنته فاطمة ألست تحبين ما أحب قالت بلى قال فأحبي هذه يعني عائشة وقال عمار بن ياسر بمشهد علي رضي الله عنهما لمن نال من عائشة اسكت مقبوحا منبوحا تؤذي حبيبة رسول الله ﷺ وقال عمار إنها زوجة رسول الله ﷺ في الدنيا والآخرة وفي حديث أبي سعيد وغيره عن النبي ﷺ الحسن والحسين سيدا
شباب أهل الجنة وجميع ذلك مع غيره مذكور في كتاب الفضائل بأسانيدها ومن أراد الوقوف عليها رجع إليه إن شاء الله تعالى
باب تسمية العشرة الذين شهد لهم رسول الله ﷺ فيما روي عنه بالجنة أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ببغداد أخبرنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز ثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور ثنا يحيى بن سعيد عن صدقة بن المثنى حدثني جدي رباح ابن الحرث أن المغيرة بن شعبة كان في المسجد الأكبر وعنده أهل الكوفة فقال سعيد بن زيد أشهد على رسول الله ﷺ بما سمعته أذناي ووعاه قلبي من رسول الله ﷺ فأني لم أكن أروي عنه كذبا يسألني عنه إذا لقيته أنه قال أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن مالك في الجنة وتاسع المسلمين لو شئت أن أسميه لسميته قال فرجع أهل المسجد يناشدونه يا صاحب رسول الله ﷺ من التاسع قال نشدتموني بالله والله عظيم أنا تاسع المسلمين ورسول الله ﷺ العاشر ثم أتبع ذلك يمينا والله لمشهد شهده رجل مع رسول الله ﷺ أفضل من عمل أحدكم ولو عمر عمر نوح
وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ أنا أبو حامد أحمد بن علي بن الحسن المقرئ ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا صالح بن مسمار حدثني ابن أبي فديك عن موسى بن يعقوب عن عمر بن سعيد عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن سعيد بن زيد حدثه في نفر أن رسول الله ﷺ قال عشرة في الجنة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص فعد هؤلاء التسعة وسكت عن العاشر فقال القوم ننشدك الله يا أبا الأعور أنت العاشر قال نشدتموني بالله تالله أبو الأعور في الجنة وقد روي عن النبي ﷺ أنه شهد لجماعة سواهم بالجنة وروينا في الباب قبله قوله فيمن شهد بدرا وفيمن بايع تحت الشجرة
باب تسمية الخلفاء الذين نبه رسول الله ﷺ على خلافتهم بعده وعلى مدة بقائهم أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ثنا يعقوب بن سفيان ثنا عبد الله بن موسى ثنا حشرج بن نباته حدثني سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله ﷺ قال قال رسول الله ﷺ الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك قال لي سفينة أمسك خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان وخلافة علي فنظرنا فوجدناها ثلاثين سنة تابعه عبد الوارث بن سعيد عن سعيد بن جمهان أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا إبراهيم بن مرزوق البصري بمصر ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد حدثني أبي ثنا سعيد بن جمهان عن سفينة أبي عبد الرحمن مولى رسول الله ﷺ قال خلافة النبوة ثلاثون سنة وروي عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه عن النبي ﷺ
أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو عمرو بن السماك ثنا حنبل بن إسحاق وحدثني أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ثنا إسحاق بن عيسى عن أبي معشر ح قال وحدثنا حنبل قال ثنا عاصم بن علي ثنا أبو معشر قال استخلف أبو بكر في شهر ربيع الأول حين توفي رسول الله ﷺ ومات لثمان بقين من جمادي الآخرة يوم الاثنين في سنة ثلاث عشرة فكانت خلافته سنتين وأربعة أشهر إلا عشرة ليال وقتل عمر يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة تمام سنة ثلاث وعشرين فكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام وقتل عثمان بن عفان يوم الجمعة لثمان عشرة مضت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين فكانت خلافته ثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوما وقتل علي بن أبي طالب في رمضان يوم الجمعة لسبع عشرة من رمضان سنة أربعين فكانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر وقيل إلا شهرين أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد بن محمد بن علي الروذباري أنا أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا محمد بن المثنى ثنا عفان بن مسلم ثنا حماد بن سلمة عن أشعث بن عبد الرحمن عن أبيه عن سمرة بن جندب أن رجلا قال يا رسول الله إني رأيت كأن دلوا أدلي من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيبها فشرب شربا ضعيفا ثم جاء عمر فأخذ بعراقيبها فشرب حتى تظلع ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيبها فشرب حتى تظلع ثم جاء علي فأخذ بعراقيبها فانتشطت وانتضح عليه منه شيء
2 - قال الأستاذ الإمام رضي الله عنه شرب أبي بكر رضي الله عنه قصر مدته والانتضاح منه على علي رضي الله عنه ما أصابه من المنازعة في ولايته والله أعلم وشواهد هذا الباب قد ذكرناها في كتاب الفضائل وفي كتاب دلائل النبوة أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا إدريس بن علي المؤدب قال سمعت أبا بكر عبد الله بن محمد بن زياد قال سمعت الربيع بن سليمان
يقول سمعت الشافعي يقول في الخلافة والتفضيل نبدأ بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أخبرنا أبو منصور عبد القاهر بن طاهر أخبرنا أبو أحمد الحافظ قال سمعت أبا عروبة السلمي يقول سمعت الميموني يقول سمعت أحمد بن حنبل وقيل إلى ما تذهب في الخلافة قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فقيل له كأنك تذهب إلى حديث سفينة قال اذهب إلى حديث سفينة وإلى شيء آخر رأيت عليا في زمن أبي بكر وعمر وعثمان لم يتسم بأمير المؤمنين ولم يقم الجمع والحدود ثم رأيته بعد قتل عثمان قد فعل ذلك فعلمت أنه قد وجب له في ذلك الوقت ما لم يكن له قبل ذلك
باب تنبيه رسول الله ﷺ على خلافة أبي بكر الصديق بعده وبيان ما في الكتاب من الدلالة على صحة إمامته وإمامة من بعده من الخلفاء الراشدين أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ رحمه الله ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا الحسين الجعفي عن زايدة عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة عن أبي موسى قال مرض رسول الله ﷺ فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت عائشة يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق متى يقوم مقامك لا يستطيع يصلي بالناس قال فقال مروا أبا بكر يصلي بالناس فإنكن صواحبات يوسف قال فصلى أبو بكر في حياة رسول الله ﷺ أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الفقيه أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أنا
معمر عن الزهري قال أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر عن عائشة قالت لما دخل رسول الله ﷺ بيتي قال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت قلت يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه فلو أمرت غير أبي بكر قالت والله ما بي إلا كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم في مقام رسول الله ﷺ قالت فراجعته مرتين أو ثلاثا فقال ليصل بالناس أبو بكر فإنكن صواحب يوسف أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزهري أخبرني أنس بن مالك الأنصاري وكان تبع النبي ﷺ عشر سنين وخدمه وصحبه أن أبا بكر الصديق كان يصلي لهم في وجع النبي ﷺ الذي توفي فيه حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة كشف النبي ﷺ ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورق مصحف ثم تبسم يضحك قال فهممنا أن نفتتن ونحن في الصلاة من فرح برؤية رسول الله ﷺ ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن النبي ﷺ خارج إلى الصلاة قال فأشار إلينا رسول الله ﷺ بيده أن أتموا صلاتكم ثم دخل النبي ﷺ وأرخى الستر فتوفي من يومه ذلك قال الشيخ وهذا الذي رواه أنس بن مالك من إرخاء الستر بعدما نظر إليهم وأظهروا الفرح بمكانهم صفوفا خلف أبي بكر كان في الركعة الأولى من صلاة الصبح ثم أنه وجد في نفسه خفة فخرج فأدرك الركعة الثانية فصلاها خلف أبي بكر فلما سلم أبو بكر أتم
رسول الله ﷺ الركعة الأخرى وتوفي من يومه ذلك هكذا ذكره موسى بن عقبة في مغازيه وكذلك عروة بن الزبير وبمعناه ذكره عبد الله بن أبي مليكة ويشهد له ما أخبرنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن أنا أبو بكر بن محمد بن أحمد بن خنبب ثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ثنا أيوب بن سليمان ثنا أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن حميد الطويل عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أنه قال آخر صلاة صلاها رسول الله ﷺ مع القوم صلى في ثوب واحد موشحا به خلف أبي بكر الصديق أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في آخرين قالوا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر ثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أن سعيدا أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول سمعت رسول الله ﷺ يقول بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعته فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له ثم استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر بن الخطاب حتى ضرب الناس بعطن وكذلك رواه ابن عمر عن النبي ﷺ قال الشافعي رؤيا الأنبياء وحي وقوله وفي نزعه ضعف قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب لأهل الردة عن الافتتاح والتزيد
الذي بلغه عمر في طول مدته أخبرنا بذلك أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي فذكره أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في المخرج على كتاب المسلم ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا الربيع بن سليمان أنا الشافعي أنا إبراهيم بن سعد ح وأخبرنا أبو عبد الله أخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني ثنا جدي ثنا أبو ثابت ثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال أتت النبي ﷺ امرأة فكلمته في شيء فأمرها أن ترجع إليه قالت يا رسول الله أرأيت إن رجعت فلم أجدك كأنها تعني الموت قال فإن لم تجديني فائتي أبا بكر وقد روينا عن النبي ﷺ في حديث أبي قتادة في قصة الميضأة عموم قول النبي ﷺ وإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنا عبد الله بن جعفر حدثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد وقبيصة عن سفيان عن عبد الملك بن عمير عن مولى لربعي عن ربعي عن حذيفة قال قال رسول الله ﷺ اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر
واهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن مسعود ورواه إبراهيم بن سعد عن سفيان عن عبد الملك عن هلال مولى ربعي عن حذيفة ورواه عمرو بن هرم عن أبي عبد الله وربعي عن حذيفة وروي عن ابن الزعراء عن ابن مسعود كلاهما عن النبي ﷺ أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا إبراهيم بن عبد الله السعدي ثنا يزيد بن هارون أخبرنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت دخل علي رسول الله ﷺ في اليوم الذي بدي به فقلت وارأساه قال لوددت أن ذلك كان وأنا حي فأصلي عليك وأدفنك قالت فقلت غيرة كأني بك في ذلك اليوم معرسا ببعض نسائك قال وأنا وارأساه ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر قال رحمه الله وقد روينا في حديث أبي سعيد الخدري وفي حديث ابن عباس جلوس النبي ﷺ على المنبر في ابتداء مرضه وقوله يا أيها الناس إن أمن الناس علي بنفسه وماله أبو بكر
وفي حديث ابن المعلى ما من أحد من الناس أمن علينا في صحبته وذات يده من ابن أبي قحافة وفي حديث أبي الدرداء وغيره عن رسول الله ﷺ أنه قال إن الله بعثني إليكم فقلتم كذب وقال أبو بكر صدق وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركوا لي صاحبي فهذه الأخبار وما في معناها تدل على أن النبي ﷺ رأى أن يكون الخليفة من بعده أبو بكر الصديق فنبه أمته بما ذكر من فضيلته وسابقته وحسن أثره ثم بما أمرهم به من الصلاة خلفه ثم بالاقتداء به وبعمر بن الخطاب رضي الله عنهما على ذلك وإنما لم ينص عليه نصا لا يحتمل غيره والله أعلم لأنه علم بإعلام الله إياه أن المسلمين يجتمعون عليه وأن خلافته تنعقد بإجماعهم على بيعته وقد دل كتاب الله تعالى على إمامة أبي بكر ومن بعده من الخلفاء قال الله تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وقال الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر فلما وجدت هذه الصفة في الاستخلاف والتمكين في أمر أبي بكر وعمر وعثمان وعلي دل على أن خلافتهم حق ودل أيضا على إمامة الصديق قول الله تعالى في سورة براءة للقاعدين عن نصرة
نبيه ﷺ والمتخلفين عن الخروج معه في غزوة الحديبية فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا وقال في سورة أخرى سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله يعني قوله لن تخرجوا معي أبدا ثم قال كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا وقال قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا الداعي لكم إلى قتالهم يؤتكم أجرا حسنا وإن تتولوا يعني تعرضوا عن إجابة الداعي لكم إلى قتالهم كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما وهل الداعي لهم إلى غير ذلك النبي ﷺ الذي قال الله له فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا وقال في سورة الفتح يريدون أن يبدلوا كلام الله فمنعهم من الخروج مع نبيه ﷺ وجعل خروجهم معه تبديلا لكلامه فوجب بذلك أن الداعي الذي يدعوهم إلى القتال داع يدعوهم بعد نبيه ﷺ وقد قال مجاهد في قوله أولي بأس شديد هم فارس والروم وكذلك قال الحسن البصري وقال عطاء هم فارس وفي رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فارس وفي رواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس هم بنو حنيفة يوم اليمامة فإن كانوا أهل اليمامة فقد قتلوا في أيام أبي بكر الصديق وهو الداعي إلى قتال مسيلمة وبني
حنيفة من أهل اليمامة وإن كانوا أهل فارس فقد قوتلوا أيام عمر وهو الداعي إلى قتال كسرى وأهل فارس وإن كانوا أهل فارس والروم فإنه أراد تنحية أهل الروم عن أرض الشام وقد قوتلوا في أيام أبي بكر ثم تم قتالهم وتنحيتهم عن الشام في أيام عمر مع قتال فارس فوجب بذلك إمامة أبي بكر وعمر وفي وجوب إمامة أحدهما وجوب إمامة الآخر وقد احتج بما ذكرنا من الآيات علي بن إسماعيل رحمه الله وغيره من علمائنا في إثبات إمامة الصديق رضي الله عنه ودل أيضا على إمامة الصديق قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه فكان في علم الله سبحانه وتعالى ما يكون بعد وفاة رسول الله ﷺ من ارتداد قوم فوعد رسوله ووعده صدق أنه يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم فلما وجد ما كان في علمه في ارتداد من ارتد بعد وفاة رسول الله ﷺ وجد تصديق وعده بقيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه بقتالهم فجاهد بمن أطاعه من الصحابة من عصاه من الأعراب ولم يخف في الله لومة لائم حتى ظهر الحق وزهق الباطل وصار تصديق وعده بعد وفاة رسوله ﷺ آية للعالمين ودلالة على صحة خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال نا إبراهيم بن مرزوق قال نا روح بن عبادة عن عوف عن الحسن في قوله من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه قال هم الذين قاتلوا مع أبي بكر أهل الردة من العرب
حتى رجعوا إلى الإسلام بعد رسول الله ﷺ وكذلك قاله عكرمة وقتادة والضحاك وروينا عن عبد الله بن الأهتم أنه قال لعمر بن عبد العزيز إن أبا بكر الصديق قام بعد رسول الله ﷺ فدعا إلى سنته ومضى على سبيله فارتدت العرب أو من ارتد منهم فعرضوا أن يقيموا الصلاة ولا يؤتوا الزكاة فأبا أن يقبل منهم إلا ما كان رسول الله ﷺ قابلا في حياته فانتزع السيوف من أغمادها وأوقد النيران في شعلها وركب بأهل حق الله أكتاف أهل الباطل حتى قررهم بالذي نفروا منه وأدخلهم من الباب الذي خرجوا منه حتى قبضه الله إليه وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن علي الميموني ثنا الفريابي ثنا عباد بن كثير عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال والذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف ما عبد الله ثم قال الثانية ثم الثالثة ثم قيل له مه يا أبا هريرة فقال إن رسول الله ﷺ وجه أسامة بن زيد في سبع مائة إلى الشام فلما نزل بذي خشب قبض النبي ﷺ وارتدت العرب حول المدينة واجتمع إليه أصحاب رسول الله ﷺ فقالوا يا أبا بكر رد هؤلاء توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة فقال والذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله ﷺ ما رددت جيشا وجهه رسول الله ﷺ ولا حللت لواء عقده رسول الله ﷺ فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام
باب اجتماع المسلمين على بيعة أبي بكر الصديق وإنقاذهم لإمامته وهو أبو بكر عبد الله بن عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر بن حفص المقرئ بن الحمامي ببغداد نا أحمد بن سلمان النجاد قال قرئ على محمد بن الهيثم وأنا أسمع ثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني سليمان بن بلال عن هشام بن عروة أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي ﷺ أن النبي ﷺ مات وأبو بكر بالسنح فقام عمر فقال والله ما مات رسول الله ﷺ قال عمر والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك وليبعثنه الله تعالى فيقطعن أيدي رجال وأرجلهم فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله ﷺ فقبله وقال بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا والذي نفسي بيده لا يذيقك الله تعالى الموتتين أبدا ثم خرج فقال أيها الحالف على رسلك فلما تكلم أبو بكر جلس عمر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد
الله فإن الله حي لا يموت وقال إنك ميت وإنهم ميتون وقال وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه الآية كلها فنشج الناس يبكون واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا منا أمير ومنكم أمير فذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر وكان عمر يقول والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما أعجبني فخشيت أن لا يبلغه أبو بكر فتكلم وأبلغ وقال في كلامه نحن الأمراء وأنتم الوزراء قال الحباب بن المنذر لا والله لا نفعل أبدا منا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء يعني المهاجرين هم أوسط العرب دارا وأعزهم أحسابا فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة بن الجراح فقال عمر بل نبايعك أنت خيرنا وسيدنا وأحب إلى رسول الله ﷺ وأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس فقال قائل قتلتم سعد بن عبادة فقال عمر قتله الله ورواه عبد الله بن عباس عن عمر بن الخطاب في قصة السقيفة بمعنى ما روته عائشة وفيه من الزيادة عن عمر قال فلم أكره مما قال غيرهم كأن والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن
أومر على قوم فيهم أبو بكر وزاد أيضا قال عمر فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى أشفقت الاختلاف فقلت ابسط يدك يا أبا بكر فبسط أبو بكر يده فبايعه وبايعه المهاجرون والأنصار وقد ذكرناه في كتاب الفضائل بالتمام وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن خالد بن خلي ثنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة عن أبيه عن الزهري أخبرني أنس بن مالك أنه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس أبو بكر على منبر رسول الله ﷺ وذلك الغد من يوم توفي رسول الله ﷺ قال أنس بن مالك فتشهد عمر وأبو بكر صامت ثم قال أما بعد فإني قد قلت لكم بالأمس مقالة وإنها لم تكن كما قلت وإني والله ما وجدت المقالة التي قلت لكم في كتاب أنزله الله تعالى ولا عهد عهده إلي رسول الله ﷺ ولكني قد كنت رجوت أن يعيش رسول الله ﷺ حتى يدبرنا يريد بذلك أن يكون آخرهم فقال عمر وإن يك محمد ﷺ قد مات فإن الله تعالى قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به هدي الله محمدا ﷺ فاعتصموا به تهتدوا لما هدى الله له محمدا ﷺ قال ثم ذكر عمر أبا بكر صاحب رسول الله ﷺ وثاني اثنين وإنه أحق المسلمين بأمرهم فقوموا فبايعوه وقد كان طائفة منهم بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة وكانت بيعته على المنبر بيعة العامة أخبرنا الفقيه أبو علي الحسين بن محمد بن محمد بن علي الروذباري رحمه الله ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الحميد الحارثي الكوفي ثنا الحسين بن علي الجعفي عن زائدة عن
عاصم بن أبي النجود عن زر عن عبد الله قال لما قبض رسول الله ﷺ قالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير قال فأتاهم عمر فقال يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله ﷺ أمر أبا بكر أن يصلي بالناس قالوا بلى قال فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر قالوا نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو الفضل بن حميرويه ثنا أحمد بن نجدة ثنا إبراهيم بن زياد ثنا عبد الله بن داود عن سلمة بن نبيط عن نعيم بن أبي هند عن نبيط بن شريط عن سالم بن عبيد قال مرض النبي ﷺ فذكر الحديث في أمره أبا بكر بالصلاة بالناس ثم في وفاته ثم في رجوع الناس إلى أمر أبي بكر في وفاة النبي ﷺ ثم في الصلاة عليه ثم دفنه ثم في موضع دفنه ثم في أمره بني عمه بغسله ثم خروج المهاجرين إلى الأنصار فقال قائل من الأنصار منا أمير ومنا أمير فقال عمر وأخذ بيد أبي بكر من له مثل هذه الثلاثة التي لأبي بكر قال الله ثاني اثنين إذ هما في الغار من هما إذ يقول لصاحبه من صاحبه لا تحزن إن الله معنا من كان الله معهما ثم بسط يد أبي بكر وبايعه وبايعه الناس بيعة حسنة جميلة وحدثنا أبو عبد الله الحافظ وأبو محمد عبد الرحمن بن أبي حامد المقرئ قراءة عليه قالا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا جعفر بن محمد بن شاكر ثنا عفان بن مسلم ثنا وهيب ثنا داود بن أبي هند ثنا أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري قال لما توفي رسول الله ﷺ قام خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول يا معشر المهاجرين إن رسول الله ﷺ كان إذا استعمل رجلا منكم قرن معه رجلا منا
فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان أحدهما منكم والآخر منا قال فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك فقام زيد بن ثابت فقال إن رسول الله ﷺ كان من المهاجرين وإن الإمام يكون من المهاجرين ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله ﷺ فقام أبو بكر فقال جزاكم الله خيرا يا معشر الأنصار وثبت قائلكم ثم قال أما لو فعلتم غير ذلك لما صافحناكم ثم أخذ زيد بن ثابت بيد أبي بكر فقال هذا صاحبكم فبايعوه ثم انطلقوا فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليا فسأل عنه فقام ناس من الأنصار فأتوا به فقال أبو بكر ابن عم رسول الله ﷺ وختنه أردت أن تشق عصا المسلمين فقال لا تثريب يا خليفة رسول الله ﷺ فبايعه ثم لم ير الزبير بن العوام فسأل عنه حتى جاؤوا به قال ابن عمة رسول الله ﷺ وحواريه أردت أن تشق عصا المسلمين فقال مثل قوله لا تثريب يا خليفة رسول الله ﷺ فبايعه وأخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن السقا الإسفراييني نا أبو علي الحسن بن علي الحافظ ثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة وإبراهيم بن أبي طالب قالا حدثنا بندار بن بشار ثنا أبو هشام المخزومي ثنا وهيب فذكره بإسناده ومعناه غير أنه قال فقام عمر بن الخطاب فقال صدق قائلكم أما لو قلتم غير هذا لم نتابعكم وأخذ بيد أبي بكر فقال هذا صاحبكم فبايعوه وبايعه عمر وبايعه المهاجرون والأنصار وحدثنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا محمد بن صالح بن هانئ ثنا الفضل بن محمد البيهقي ثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن سعد بن إبراهيم قال حدثني إبراهيم بن
عبد الرحمن بن عوف في هذه القصة قال ثم قام أبو بكر فخطب الناس واعتذر إليهم يعني إلى علي والزبير ومن تخلف وقال والله ما كنت حريصا على الإمارة يوما وليلة قط ولا كنت فيها راغبا ولا سألتها الله في سر ولا علانية ولكني أشفقت من الفتنة وما لي في الإمارة من راحة ولكن قلدت أمرا عظيما ما لي به طاقة ولا يدان إلا بتقوية الله ولوددت أن أقوى الناس مكاني عليها اليوم فقبل المهاجرون منه ما قال وما اعتذر به وقال علي والزبير ما غضبنا إلا أنا أخرنا عن المشاورة وإنا نرى أن أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله ﷺ إنه لصاحب الغار وثاني اثنين وإنا لنعرف شرفه وكبره ولقد أمره رسول الله ﷺ بالصلاة بالناس وهو حي وكذلك رواه إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة وكذلك ذكره محمد بن إسحاق بن يسار في المغازي وقال في اعتذار أبي بكر إلى علي وغيره ممن تخلف عن بيعته أما والله ما حملنا على أبي بكر إلى علي وغيره ممن تخلف عن بيعته أما والله ما حملنا على إبرام ذلك دون من غاب عنه إلا مخافة الفتنة وتفاقم الحدثان وإن كنت لها لكارها لولا ذلك ما شهدها أحد كان أحب إلي أن يشهدها منك إلا من هو بمثل منزلتك ثم أشرف على الناس فقال أيها الناس هذا علي بن أبي طالب فلا بيعة لي في عنقه وهو بالخيار من أمره ألا وأنتم بالخيار جميعا في بيعتكم إياي فإن رأيتم لها غيري فأنا أول من يبايعه فلما سمع ذلك علي من قوله تحلل عنه ما كان قد دخله فقال لا حل لا نرى لها غيرك فمد يده فبايعه هو والنفر الذين كانوا معه وقال جميع الناس مثل ذلك فردوا الأمر إلى أبي بكر وهو خليفة رسول الله ﷺ وذلك لأنه استقدمه على الصلاة بعده فكانوا يسمونه
خليفة رسول الله ﷺ حتى هلك أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق فذكر قصة السقيفة ثم ذكر بيعة العامة من بعد يوم السقيفة ثم ذكر ما نقلناه وأبو بكر الصديق رضي الله عنه ذهب فيما خيرهم فيه من مبايعته مذهب التواضع وليستبرئ قلوبهم في استخلافه حتى إذا عرف منهم الصدق سكن إلى اجتماعهم على ذلك في السر والعلانية وقد صح بما ذكرنا اجتماعهم على مبايعته مع علي بن أبي طالب فلا يجوز لقائل أن يقول كان باطن علي أو غيره بخلاف ظاهره فكان علي أكبر محلا وأجل قدرا من أن يقدم على هذا الأمر العظيم بغير حق أو يظهر للناس خلاف ما في ضميره ولو جاز هذا في اجتماعهم على خلافة أبي بكر لم يصح اجماع قط والاجماع أحد حجج الشريعة ولا يجوز تعطيله بالتوهم والذي روى أن عليا لم يبايع أبا بكر ستة أشهر ليس من قول عائشة إنما هو من قول الزهري فأدرجه بعض الرواة في الحديث في قصة فاطمة رضي الله عنها وحفظه معمر بن راشد فرواه مفصلا وجعله من قول الزهري منقطعا من الحديث وقد روينا في الحديث الموصول عن أبي سعيد الخدري ومن تابعه من أهل المغازي أن عليا بايعه في بيعة العامة التي جرت في السقيفة ويحتمل أن عليا بايعه بيعة العامة كما روينا في حديث أبي سعيد الخدري وغيره ثم شجر بين فاطمة وأبي بكر كلام بسبب الميراث إذ
لم تسمع من رسول الله ﷺ في باب الميراث ما سمعه أبو بكر وغيره فكانت معذورة في طلبته وكان أبو بكر معذورا فيما منع فتخلف علي عن حضور أبي بكر حتى توفيت ثم كان منه تجديد البيعة والقيام بواجباتها كما قال الزهري ولا يجوز أن يكون قعود علي في بيته على وجه الكراهية لإمارته ففي رواية الزهري أنه بايعه بعد وعظم حقه ولو كان الأمر على غير ما قلنا لكانت بيعته آخرا خطأ ومن زعم أن عليا بايعه ظاهرا وخالفه باطنا فقد أساء الثناء على علي وقال فيه أقبح القول وقد قال علي في إمارته وهو على المنبر ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها ﷺ قالوا بلى قال أبو بكر ثم عمر ونحن نزعم أن عليا كان لا يفعل إلا ما هو حق ولا يقول إلا ما هو صدق وقد فعل في مبايعته أبي بكر ومؤازرة عمر ما يليق بفضله وعلمه وسابقته وحسن عقيدته وجميل نيته في أداء النصح للراعي والرعية وقال في فضلهما ما نقلناه في كتاب الفضائل فلا معنى لقول من قال بخلاف ما قال وفعل وقد دخل أبو بكر الصديق على فاطمة في مرض موتها وترضاها حتى رضيت عنه فلا طائل لسخط غيرها ممن يدعي موالاة أهل البيت ثم يطعن على أصحاب رسول الله ﷺ ويهجن من يواليه ويرميه بالعجز والضعف واختلاف السر والعلانية في القول والفعل وبالله العصمة والتوفيق أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ ثنا محمد بن عبد الوهاب ثنا عبدان بن عثمان العتكي بنيسابور أنا أبو حمزة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر الصديق فاستأذن عليها فقال يا فاطمة
هذا أبو بكر يستأذن عليك فقالت أتحب أن آذن له قال نعم فأذنت له فدخل عليها يترضاها وقال والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت ثم ترضاها حتى رضيت أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله الصفار ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا نصر بن علي ثنا ابن داود عن فضيل بن مرزوق قال قال زيد بن علي بن الحسين بن علي أما أنا فلو كنت مكان أبي بكر لحكمت بمثل ما حكم به أبو بكر في فدك وأما حديث الموالاة فليس فيه إن صح إسناده نص على ولاية علي بعده فقد ذكرنا من طرقه في كتاب الفضائل ما دل على مقصود النبي ﷺ من ذلك وهو أنه لما بعثه إلى اليمن كثرت الشكاة عنه وأظهروا بغضه فأراد النبي ﷺ أن يذكر اختصاصه به ومحبته إياه ويحثهم بذلك على محبته وموالاته وترك معاداته فقال من كنت وليه فعلي وليه وفي بعض الروايات من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه والمراد به ولاء الإسلام ومودته وعلى المسلمين أن يوالي بعضهم بعضا ولا يعادي بعضهم بعضا وهو في معنى ما ثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي ﷺ إلى أنه لا يحبني إلا
مؤمن ولا يبغضني إلا منافق وفي حديث بريدة شكا عليا فقال النبي ﷺ أتبغض عليا فقلت نعم فقال لا تبغضه وأحببه وازدد له حبا قال بريدة فما كان من الناس أحد أحب ألي من علي بعد قول رسول الله ﷺ أخبرنا أبو عبد الله السلمي ثنا محمد بن محمد بن يعقوب الحجاجي ثنا العباس بن يوسف الشكلي قال سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي رحمه الله يقول في معنى قول النبي ﷺ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه من كنت مولاه فعلي مولاه يعني بذلك ولاء الإسلام وذلك قول الله تعالى ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم وأما قول عمر بن الخطاب لعلي أصبحت مولى كل مؤمن يقول ولي كل مسلم أخبرنا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن علي أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب قال ثنا محمد بن عبد الوهاب أنا جعفر بن عون أنا فضيل بن مرزوق قال سمعت الحسن بن الحسن وسأله رجل ألم يقل رسول الله ﷺ من كنت مولاه فعلي مولاه قال لي بلى والله لو يعني بذلك رسول الله ﷺ الإمارة والسلطان لأفصح لهم بذلك فإن رسول الله ﷺ كان أنصح للمسلمين فقال يا أيها الناس هذا ولي أمركم والقائم عليكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا والله لئن كان الله ورسوله اختار عليا لهذا الأمر وجعله القائم به للمسلمين من بعده ثم ترك علي ما أمر الله
ورسوله لكان علي أول من ترك أمر الله ورسوله ورواه شبابة بن سوار عن الفضيل بن مرزوق قال سمعت الحسن ابن الحسن أخا عبد الله بن الحسن وهو يقول لرجل ممن يتولاهم فذكر قصة ثم قال ولو كان الأمر كما يقولون أن الله ورسوله اختار عليا لهذا الأمر وللقيام به على الناس بعد رسول الله صلى الله عيه وسلم إن كان علي لأعظم الناس خطية وجرما في ذلك إذ ترك أمر رسول الله ﷺ كما أمره ويعذر فيه إلى الناس قال فقال الرافضي ألم يقل رسول الله ﷺ لعلي من كنت مولاه فعلي مولاه فقال أما والله إن رسول الله ﷺ إن كان يعني بذلك الأمرة والسلطان والقيام على الناس بعده لأفصح لهم بذلك كما أفصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت ولقال لهم إن هذا ولي أمركم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا فما كان من وراء هذا شيء فإن أنصح الناس كان للمسلمين رسول الله ﷺ أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن ثنا أبو العباس الأصم ثنا يحيى بن ابي طالب ثنا شبابة بن سوار أنا الفضيل بن مرزوق فذكره وأما حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي ﷺ خلف عليا في غزوة تبوك فقال يا رسول الله أتخلفني في النساء والصبيان فقال أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي وفي رواية معي فإنه لا يعني به استخلافه بعد وفاته وإنما يعني به استخلافه على المدينة عند خروجه إلى غزوة تبوك كما استخلف موسى هارون عند خروجه إلى الطور وكيف يكون المراد
به الخلافة بعد موته وقد مات هارون قبل موسى ثم الجواب عن هذا وعن جميع ما روي في معناه ما روينا عن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب من تنزيه علي رضي الله عنه عن كتمان ما أمره به رسول الله ﷺ وكذلك قاله أخوه عبد الله بن الحسن فإنا روينا عنه أنه قال من هذا الذي يزعم أن عليا كان مقهورا وأن رسول الله صلى الله عليه وسيلم أمره بأمور لم ينفذها فكفى ازدراء على علي ومنقصة بأن يزعم قوم أن رسول الله ﷺ أمره بأمر فلم ينفذه أخبرنا أحمد بن الحسن ثنا أبو العباس الأصم ثنا يحيى بن أبي طالب أنا شبابة أنا حفص بن قيس عن عبد الله بن الحسن فذكره وقد اعترف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأن رسول الله ﷺ لم يستخلف أحدا بعد وفاته في أحاديث قد ذكرناها في مرض النبي ﷺ في آخر دلائل النبوة وفي كتاب الفضائل ونحن نذكر هاهنا منها ما أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو جعفر الرزاز ثنا عبد الرحمن بن مرزوق ثنا شبابة بن سوار ثنا شعيب بن ميمون ثنا حصين بن عبد الرحمن عن الشعبي عن شقيق بن سلمة قال قيل لعلي استخلف علينا فقال ما استخلف رسول الله ﷺ فأستخلف إن يرد الله بالناس خيرا جمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم ﷺ على خيرهم وأخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الروذباري أنا أبو محمد عبد الله بن عمر بن شوذب الواسطي بها ثنا شعيب بن أيوب ثنا أبو داود الحضري عن سفيان عن الأسود بن قيس عن عمرو بن سفيان قال لما ظهر علي رضي الله عنه على الناس يوم الجمل قال أيها الناس إن رسول الله ﷺ لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيا حتى رأينا من الرأي
أن نستخلف أبا بكر فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه ثم إن أقوى ما طلبوا في هذه الدنيا فكانت أمور يقضي الله فيها ما يشاء ورواه الضحاك بن مخلد أبو عاصم عن سفيان عن الأسود بن قيس بن عمرو بن سفيان عن أبيه أن عليا خطب فقال إن رسول الله ﷺ لم يعهد إلينا عهدا في الإمارة نأخذ به ولكنه رأي رأيناه استخلف أبو بكر فأقام واستقام ثم استخلف عمر فأقام حتى ضرب الدين بجرانه أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المقرئ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب القاضي ثنا محمد بن أبي بكر ثنا الضحاك بن مخلد ثنا سفيان فذكره أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو حامد بن بلال ثنا محمد بن إسماعيل الأحسي ثنا المحاربي ثنا محمد بن طلحة عن أبي عبيدة عن الحكم بن حجل قال خطبنا علي بالبصرة فقال ألا لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر لا أوتي بأحد فضلني عليهما إلا جلدته حد المفتري أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أحمد بن علي المقرئ في التاريخ ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا الحسن بن عرفة حدثني محمد بن الفضيل عن سالم بن حفصة قال سألت أبا جعفر محمد بن علي وجعفر بن محمد عن أبي بكر وعمر فقالا لي يا سالم تولاهما وابرأ من عدوهما فإنهما كانا إمامي هدى قال سالم وقال لي جعفر بن محمد يا سالم أيسب الرجل جده أبو بكر جدي لا نالتني شفاعة محمد ﷺ يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما قال أبو عيسى وكانت أم جعفر بن محمد أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أخبرني بذلك بعض ولد أبي بكر الصديق
باب استخلاف أبي بكر عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وهو أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب القرشي العدوي رضي الله عنه أنا الشيخ الإمام الزاهد أبو علي إسماعيل بن أحمد البيهقي قراءة بمدينة تبريز بعد صلاة العصر أنا الشيخ والدي رحمه الله أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا إبراهيم بن الحرث ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا إسرائيل بن أبي إسحاق عن أبي عبيدة قال قال عبد الله بن مسعود أفرس الناس ثلاثة الملك حين تفرس في يوسف والقوم فيه زاهدون وابنة شعيب في موسى فقالت لأبيها يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين وأبو بكر حين تفرس في عمر فاستخلفه ورواه جماعة عن
سفيان بن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا أبو عبد الله بن محمد بن موسى الكعبي ثنا محمد بن أيوب ثنا محمد بن كثير ثنا سفيان فذكره أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن وأبو صادق محمد بن أبي الفوارس قالوا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا إبراهيم بن سليمان البرلسي ثنا عبد الله بن صالح ثنا يحيى بن أيوب عن ابن حرملة عن سعيد بن المسيب قال لما ولي عمر خطب الناس على منبر رسول الله ﷺ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أيها الناس إني قد كنت علمت أنكم كنتم تصفون مني شدة وغلظة وذلك أني كنت مع رسول الله ﷺ فكنت عبده وخادمه وكان كما قال الله تبارك وتعالى بالمؤمنين رؤوفا رحيما وكنت بين يديه كالسيف المسلول إلا أن يغمدني أو ينهاني عن أمر فأكف وإلا أقمت على الناس لمكان لينه فلم أزل مع رسول الله ﷺ على ذلك حتى توفاه الله وهو عني راض فالحمد لله على ذلك كثيرا وأنا به أسعد ثم قمت ذلك المقام مع أبي بكر خليفة رسول الله ﷺ بعده وقد علمتم في كرمه ودعته ولينه فكنت خادمه كالسيف المسلول على الناس بين يديه أخلط شدتي بلينه إلا أن يتقدم إلي فأكف وإلا خدمت فلم أزل على ذلك حتى توفاه الله وهو عني راض فالحمد لله كثيرا وأنا به أسعد ثم صار أمركم إلي اليوم وأنا أعلم أنه سيقول قائل كان يشدد علينا والأمر إلى غيره فكيف به إذا صار إليه واعلموا أنكم قد عرفتموني وجربتموني وقد عرفت بحمد الله من سنة نبيكم ﷺ ما عرفت وما أصبحت نادما على شيء يكون كنت أحب أن يسأل رسول الله ﷺ إلا وقد سألته واعلموا أن شدتي التي كنتم ترون مني قد زادت أضعافا إذا كان الأمر إلي على الظالم والمعتدي والأخذ للمسلمين لضعيفهم من قويهم وإني بعد شدتي تلك واضع
خدي على بالأرض بأهل الكفاف والكف منكم والتسليم وإني لا أبالي كان بيني وبين أحد في أحسابكم أن أمشي معه إلى من أحببتم منكم فينظر فيما بيني وبينه فاتقوا الله عباد الله وأعينوني على أنفسكم بكفها عني وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واحضار النصيحة فيما ولاني الله ثم نزل قال ابن المسيب فوالله لقد وفا بما قال وزاد في موضع الشدة على أهل الريبة والظلمة والرفق بأهل الحق من كانوا أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الروذباري ثنا أبو محمد عبد الله بن عمر بن شوذب الواسطي ثنا شعيب بن أيوب ثنا يعلى بن عبد الطنافسي وأبو نعيم عن سفيان عن القاسم بن كثير بياع السابري عن قيس الحارثي قال سمعت عليا يقول على هذا المنبر سبق رسول الله ﷺ وثنى أبو بكر وثلث عمر ثم أصابتنا فتنة فهو ما شاء الله تعالى وكذلك رواه عبد خير عن علي وقال فيه يعفو الله عمن يشاء أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا محمد بن الفضل بن جابر ثنا الحكم بن موسى ثنا شهاب يعني ابن خراش ثنا الحجاج بن دينار عن أبي معشر عن إبراهيم قال ضرب علقمة هذا المنبر وقال خطبنا علي على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وذكر ما شاء الله أن يذكره ثم قال بلغني أن ناسا يفضلونني على أبي بكر وعمر ولو كنت تقدمت في ذلك لعاقبت فيه ولكن أكره العقوبة قبل التقدم ومن قال شيئا من ذلك فهو مفتر عليه ما على
المفتري إن خير الناس بعد رسول الله ﷺ أبو بكر وعمر وأحدثنا بعدهما أحداثا يفعل الله فيها أظنه قال ما أحب ولهذا شواهد عن علي رضي الله عنه ذكرناها في كتاب الفضائل أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس القاسم بن القاسم السياري بمرو ثنا أبو الموجه أخبرنا عبدان أنا عبد الله بن المبارك عن عمرو بن سعيد عن ابن أبي مليكة قال سمعت ابن عباس يقول لما وضع عمر على سريره فكنفه الناس يدعون ويصلون فلم يرعني إلا رجل أخذ بمنكبي فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب فقال والله ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك وإن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك إن كنت أسمع النبي ﷺ يقول ذهبت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر و دخلت أنا وأبو بكر وعمر فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما ورواه أيضا جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر عن علي مختصرا أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن هانئ ثنا أبو العباس أحمد بن خالد الدامغاني ثنا أبو مصعب الزهري ثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه أنه قال ما رأيت هاشميا أفقه من علي بن الحسين سمعت علي بن الحسين يقول وهو يسأل كيف منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله ﷺ فأشار بيده إلى القبر ثم قال منزلتهما منه الساعة ورواه يعقوب بن محمد الزهري عن عبد العزيز وقال في الجواب كمنزلتهما منه الساعة هما ضجيعاه
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنا الحسن ين يعقوب العدل ثنا يحيى بن أبي طالب ثنا عبد الوهاب بن عطاء أنا داود بن أبي هند عن عامر عن ابن عباس قال دخلت على عمر حين طعن فقلت أبشر بالجنة يا أمير المؤمنين أسلمت حين كفر الناس وجاهدت مع رسول الله ﷺ حين خذله الناس وقبض رسول الله ﷺ وهو عنك راض ولم يختلف في خلافتك اثنان وقتلت شهيدا فقال أعد علي فأعدت عليه فقال والله الذي لا إله غيره لو أن لي ما على الأرض من صفراء وبيضاء لافتديت به من هول المطلع زاد فيه غيره عن ابن عباس ووليت فعدلت وقال فيه سماك الحنفي عن ابن عباس أبشر يا أمير المؤمنين فإن الله قد مصر بك الأمصار ودفع بك النفاق وأفشى بك الرزق وقال فيه ابن أبي مليكة مرة عن ابن عباس ومرة عن المسور بن مخرمة أن ابن عباس قال له لقد صحبت رسول الله ﷺ فأحسنت صحبته وفارقك وهو عنك راض وصحبت المسلمين فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون
باب استخلاف عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو أبو عبد الله وقيل أبو عمرو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني أبو عبد الرحمن بن أبي الوزير التاجر حدثنا أبو حاتم الرازي ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ثنا أشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسين بن أبي بكرة أن النبي ﷺ قال من رأى منكم رؤيا فقال رجل أنا رأيت كأن ميزانا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر ووزن عمر وعثمان فرجح عمر ثم رفع الميزان فرأينا الكراهية في وجه رسول الله ﷺ وأخبرنا أبو علي الروذباري أنا أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي ﷺ أنه قال ذات يوم أيكم رأى رؤيا فذكر معناه ولم يذكر الكراهية وقال فاستاء لها رسول
الله ﷺ يعني ساءه ذلك فقال خلافة نبوة ثم يولي الله الملك من يشاء وحدثنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ثنا أحمد بن مهدي بن رستم ثنا موسى بن هارون البردي ثنا محمد بن حرب حدثني الزبيدي عن الزهري عن عمرو بن أبان بن عثمان عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ قال رأى الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله ونيط عمر بأبي بكر ونيط عثمان بعمر قال جابر فلما قمنا من عند النبي ﷺ قلنا الرجل الصالح النبي ﷺ فأما ما ذكر من نوط بعضهم بعضا فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه ﷺ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو عبد الرحمن السلمي قالا أخبرنا أحمد بن محمد بن عبدوس ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا موسى بن إسماعيل ثنا أبو عوانة عن حصين عن عمرو بن ميمون قال رأيت عمر بن الخطاب فذكر الحديث في مقتله قال فقالوا أوص يا أمير المؤمنين استخلف فقال ما أحد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله ﷺ وهو عنهم راض فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن بن عوف قال يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء كالتعزية له فإن أصابت الأمرة سعدا فهو دال وإلا فليستعن به أيكم ما أمر فإني لم أعز له من عجز ولا خيانة وقال أوصي الخليفة من بعدي فذكر وصيته بالمهاجرين الأولين ثم بالأنصار ثم بأهل الأمصار ثم بالأعراب ثم بأهل الذمة ثم ذكر دفنه ثم قال فلما فرغ من دفنه ورجعوا
اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم قال الزبير قد جعلت أمري إلى علي وقال طلحة قد جعلت أمري إلى عثمان وقال سعد قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن فقال عبد الرحمن أيكم يبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه وليحرصن على صلاح الأمة قال فأسكت الشيخان فقال عبد الرحمن أفتجعلونه إلي والله علي أن لا آلو عن أفضلكم فقالا نعم قال فأخذ بيد أحدهما فقال لك من قرابة رسول الله ﷺ والقدم في الإسلام ما قد علمت والله عليك لئن أنا أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك فلما أخذ الميثاق قال ارفع يدك يا عثمان فبايعه وبايع له علي ولج أهل الدار فبايعوه ورواه المسور بن مخرمة وقال فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال أما بعد يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعلن على نفسك سبيلا قال وأخذ بيد عثمان وقال أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون وهذا بعد أن شاور عبد الرحمن الناس ثلاثة أيام لا يخلو به رجل ذو رأي فيعدل بعثمان حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا أبو سلمة الخزاعي ثنا عبد العزيز الماجشون ثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال كنا في زمن النبي ﷺ لا نعدل بعد النبي ﷺ أحدا بأبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي ﷺ لا نفاضل بينهم
أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الروذباري أنا أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا محمد بن كثير أنا سفيان ثنا جامع بن أبي راشد ثنا أبو يعلى عن محمد بن الحنفية قال قلت لأبي يعني عليا أي الناس خير بعد رسول الله ﷺ قال أبو بكر قال قلت ثم من قال ثم عمر قال ثم خشيت أن أقول ثم من فيقول عثمان فقلت ثم أنت يا أبي قال ما أنا إلا رجل من المسلمين أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المقرئ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب القاضي ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي عثمان عن أبي موسى أن رسول الله ﷺ دخل حائطا وأمرني بحفظ باب الحائط فجاء رجل يستأذن فقال إيذن له وبشره بالجنة فإذا أبو بكر ثم جاء رجل آخر يستأذن فقال إيذن له وبشره بالجنة فإذا عمر ثم استأذن رجل آخر فسكت هنيهة ثم قال إيذن له وبشره بالجنة بعد بلوى تصيبه فإذا عثمان قال حماد فحدثني علي بن الحكم وعاصم الأحول أنهما سمعا أبا عثمان يحدثه عن أبي موسى نحوا من هذا غير أن عاصما زاد فيه أن رسول الله ﷺ كان في مكان فيه ماء قد كشف عن ركبتيه فلما أقبل عثمان غطاهما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك
ثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور ثنا يحيى بن سعيد القطان عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي حازم عن أبي سهلة مولى عثمان عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال ادع لي أوليت عندي رجلا من أصحابي قالت قلت أبو بكر قال لا قلت عمر قال لا قلت ابن عمك علي قال لا قلت فعثمان قال نعم قالت فجاء عثمان فقال قومي قال فجعل النبي ﷺ يسر إلى عثمان ولون عثمان يتغير فلما كان يوم الدار قلنا ألا تقاتل قال لا إن رسول الله ﷺ عهد إلي أمرا فأنا صابر نفسي عليه وروينا من حديث ابن عمر وأبي هريرة وعبد الله بن حوالة ومرة بن كعب عن النبي ﷺ في فتنة ذكرها وأشار إلى عثمان بأنه يكون فيها على الحق أو قال على الهدى وفي رواية بعضهم عليكم بالأمير وأصحابه وأشار إلى عثمان بن عفان وفي كل ذلك مع ما ذكرناه في الفضائل دلالة على صحة خلافته أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي وهو يحتج في تثبيت خبر الواحد قال وما أجمع المسلمون عليه من أن يكون الخليفة واحدا فاستخلفوا أبا بكر ثم استخلف أبو بكر عمر ثم عمر أهل الشورى ليختاروا واحدا فاختار عبد الرحمن عثمان بن عفان وروينا عن الشافعي أنه كان يقول أفضل الناس بعد رسول الله ﷺ
أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي وأخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن فتحويه الدينوري ثنا صفوان بن الحسين ثنا محمد بن إبراهيم بن زياد ثنا الربيع بن سليمان سمعت الشافعي يقول مثل ذلك وكذلك روي عن ابن الحكم عن الشافعي وروي عن الربيع في رواية أخرى عن الشافعي أنه قال أفضل الناس بعد رسول الله ﷺ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وروينا عن أبي ثور عن الشافعي أنه قال ما اختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على جميع الصحابة وإنما اختلف من اختلف منهم في علي وعثمان ونحن لا نخطئ واحدا من أصحاب رسول الله ﷺ فيما فعلوا وقد ذكرنا أسانيدها في كتاب الفضائل وروينا عن جماعة من التابعين وأتباعهم نحو هذا وبالله التوفيق
باب استخلاف أبي الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم رضي الله عنه أخبرنا أبو علي الروذباري ثنا أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا سوار بن عبد الملك ثنا عبد الوارث عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال قال رسول الله ﷺ خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله الملك من يشاء ثم ذكر سفينة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وقال سعيد قلت لسفينة إن هؤلاء يزعمون أن عليا لم يكن خليفة فقال كذب أستاه بني الزرقاء أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا الحجاج بن أبي منيع ثنا جدي عن الزهري قال لما قتل عثمان برز علي بن أبي طالب للناس ودعاهم إلى البيعة فبايعه الناس ولم يعدلوا به طلحة ولا غيره وهذا لأن سائر من بقي من أصحاب الشورى كانوا قد تركوا حقوقهم عند بيعة عثمان كما مضى ذكره فلم يبق أحد منهم لم يترك حقه إلا علي وكان قد وفى بعهد عثمان حتى قتل وكان أفضل من بقي من الصحابة فلم يكن أحد أحق بالخلافة منه ثم لم يستبد بها مع كونه أحق الناس بها حتى جرت له
بيعة وبايعه سائر الناس من بقي من أصاب الشورى حدثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان إملاء أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي الدقاق أنا عبد بن محمد بن عبد الرحمن المديني ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في مسنده ثنا عبدة بن سليمان ثنا سالم المرادي أبو العلاء قال سمعت الحسن يقول لما قدم علي البصرة في إثر طلحة وأصحابه قام عبد الله بن الكوا وابن عباد فقال له يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرك هذا أوصية أوصاك بها رسول الله ﷺ أم عهد عهده إليك أم رأي رأيته حين تفرقت الأمة واختلفت كلمتها فقال ما أكون أول كاذب عليه والله ما مات رسول الله ﷺ موت فجأة ولا قتل قتلا ولقد مكث في مرضه كل ذلك يأتيه المؤذن فيؤذن بالصلاة فيقول مروا أبا بكر ليصلي بالناس ولقد تركني وهو يرى مكاني ولو عهد إلي شيئا لقمت به حتى عرضت في ذلك امرأة من نسائه فقالت إن أبا بكر رجل رقيق إذ قام مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر أن يصلي بالناس قال لها إنكن صواحب يوسف فلما قبض رسول الله ﷺ نظر المسلمون في أمرهم فإذا رسول الله ﷺ قد ولى أبا بكر أمر دينهم فولوه أمر دنياهم فبايعه المسلمون وبايعته معهم فكنت أغزو إذا أغزاني وآخذ إذا أعطاني وكنت سوطا بين يديه في إقامة الحدود فلو كانت محاباة عند حضور موته لجعلها لولده فأشار بعمر ولم يأل فبايعه المسلمون وبايعته معهم فكنت أغزو إذا أغزاني وآخذ إذا أعطاني وكنت سوطا بين يديه في إقامة الحدود فلو كانت محاباة عند حضور موته لجعلها لولده وكره أن ينتخب منا معشر قريش رجلا فيوليه أمرا لأمة فلا يكون فيه إساءة لمن بعده إلا لحقت عمر في قبره فاختار منا ستة أنا فيهم لنختار للأمة رجلا منا فلما اجتمعنا وثب
عبد الرحمن بن عوف فوهب لنا نصيبه منها على أن نعطيه مواثيقنا على أن يختار من الخمسة رجلا فيوليه أمر الأمة فأعطيناه مواثيقنا فأخذ بيد عثمان فبايعه ولقد عرض في نفسي عند ذلك فلما نظرت في أمري فإذا عهدي قد سبق بيعتي فبايعت وسلمت فكنت أغزو إذا أغزاني وآخذ إذا أعطاني فلما قتل عثمان نظر ت في أمري فإذا الربقة التي كانت لأبي بكر وعمر في عنقي قد انحلت وإذا العهد لعثمان قد وفيت به وإذا أنا برجل من المسلمين ليس لأحد عندي دعوى ولا طلب فوثب فيها من ليس مثلي يعني معاوية لا قرابته كقرابتي ولا علمه كعلمي ولا سابقته كسابقتي وكنت أحق بها منه قالا صدقت فأخبرنا عن قتالك هذين الرجلين يعنيان طلحة والزبير صاحباك في الهجرة وصاحباك في بيعة الرضوان وصاحباك في المشورة قال بايعاني بالمدينة وخالفاني بالبصرة ولو أن رجلا ممن بايع أبا بكر خلعه لقاتلناه ولو أن رجلا ممن بايع عمر خلعه لقاتلناه سمعت الشيخ الإمام أبا الطيب سهل بن محمد الصعلوكي وهو يذكر ما يجمع هذا الحديث من فضائل علي رضي الله عنه ومناقبه ومزاياه ومحاسنه ودلالات صدقه وقوة دينه وصحة بيعته قال ومن كبارها أنه لم يدع ذكر ما عرض له فيما أجرى إليه عبد الرحمن وإن كان يسيرا حتى قال ولقد عرض في نفسي عند ذلك وفي ذلك ما يوضح أنه لو عرض له في أمر أبي بكر وعمر شيء واختلف له فيه سر وعلن لبينه بصريح أو نبه عليه بتعريض كما فعل فيما عرض له عند فعل عبد الرحمن ما فعل قال الشيخ وكان السبب في قتال طلحة والزبير عليا أن بعض الناس صور لهما أن عليا كان راضيا بقتل عثمان فذهبا إلى عائشة أم المؤمنين وحملاها على الخروج في طلب دم عثمان والإصلاح بين الناس
بتخلية علي بينهم وبين من قدم المدينة في قتل عثمان فجرى الشيطان بين الفريقين حتى اقتتلوا ثم ندموا على ما فعلوا وتاب أكثرهم فكانت عائشة تقول وددت أني كنت ثكلت عشرة مثل ولد الحرث بن هشام وأني لم أسر مسيري الذي سرت وروي أنها ما ذكر مسيرها قط إلا بكت حتى تبل خمارها وتقول يا ليتني كنت نسيا منسيا وروي أن عليا بعث إلى طلحة يوم الجمل فأتاه فقال نشدتك الله هل سمعت رسول الله ﷺ يقول من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه قال نعم قال فلم تقاتلني قال لم أذكر قال فانصرف طلحة ثم روي أنه حين رمي بايع رجلا من أصحاب علي ثم قضى نحبه فأخبر علي بذلك فقال الله أكبر صدق الله ورسوله أبى الله أن يدخل الجنة إلا وبيعتي في عنقه وروي أن عليا بلغه رجوع الزبير بن العوام فقال أما والله ما رجع جبنا ولكنه رجع تائبا وحين جاء ابن جرموز قاتل الزبير قال ليدخل قاتل ابن صفية النار سمعت رسول الله ﷺ يقول لكل نبي حواري وحواري الزبير أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا محمد بن يوسف قال ذكر سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قال علي إني لأرجو أن أكون وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا
على سرر متقابلين وكان أمير المؤمنين رضي الله عنه بريئا من قتل عثمان وكان يقول والله ما قتلت ولا أمرت ولا رضيت ولا شاركت في قتل عثمان ولكن غلبت وكان يقول إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان من الذين قال الله تعالى ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المقرئ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب القاضي ثنا عمرو بن مرزوق ثنا شعبة عن منصور بن عبد الرحمن أنه سمع الشعبي يقول أدركت خمسمائة من أصحاب النبي ﷺ أو أكثر كلهم يقول عثمان وعلي وطلحة والزبير في الجنة وأما خروج من خرج على أمير المؤمنين رضي الله عنه مع أهل الشام في طلب دم عثمان ثم منازعته إياه في الإمارة فإنه غير مصيب فيما فعل واستدللنا ببراءة علي من قتل عثمان بما جرى له من البيعة لما كانت له من السابقة في الإسلام والهجرة والجهاد في سبيل الله والفضائل الكثيرة والمناقب الجمة التي هي معلومة عند أهل المعرفة إن الذي خرج عليه ونازعه كان باغيا عليه وكان رسول الله ﷺ قد أخبر عمار بن ياسر بأن الفئة الباغية تقتله فقتله هؤلاء الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في حرب صفين أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد السبعيني النيسابوري ثنا أبو العباس الأصم ثنا إبراهيم بن مرزوق ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ثنا شعبة عن خالد الحذاء عن سعيد بن أبي الحسن عن أمه عن أم سلمة أن رسول الله ﷺ قال لعمار تقتلك الفئة الباغية قال الأصم وحدثنا إبراهيم بن مرزوق ثنا أبو داود ثنا شعبة عن خالد الحذاء عن الحسن بن أبي الحسن عن أمه أم سلمة أن رسول الله ﷺ
قال لعمار تقتلك الفئة الباغية أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا بكر محمد بن جعفر المزكي وأبا الطيب محمد بن أحمد الكرابيسي وأبا أحمد بن أبي الحسن الدارمي يقولون سمعنا أبا بكر محمد بن إسحاق يقول وهو ابن خزيمة رحمه الله خير الناس بعد رسول الله ﷺ وأولاهم بالخلافة أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ثم عثمان ذو النورين ثم علي بن أبي طالب رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين قال وكل من نازع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في إمارته فهو باغ على هذا عهدت مشايخنا وبه قال ابن إدريس يعني الشافعي رحمه الله قال الشيخ ثم لم يخرج من خرج عليه ببغيه عن الإسلام فقد كان رسول الله ﷺ قال لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة ودعواهما واحدة أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو بكر القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة قال قال رسول الله ﷺ فذكره قال الشيخ ويعني بقيام الساعة انقراض ذلك العصر والله أعلم وصحيح عن علي رضي الله عنه أنه قاتلهم قتال أهل العدل مع أهل البغي فكان أصحابه لا يجهزون على جريح ولا يقتلون موليا ولا يسلبون قتيلا أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا علي بن حمشاد ثنا الحرث بن أبي أسامة أن كثير بن همام حدثهم ثنا جعفر بن برقان ثنا ميمون بن
مهران عن أبي أمامة قال شهدت صفين فكانوا لا يجهزون على جريح ولا يقتلون موليا ولا يسلبون قتيلا وكان رسول الله ﷺ أخبر بفرقة تكون بين طائفتين من أمته فتخرج من بينهما مارقة يقتلها أولى الطائفتين بالحق كانت هذه الفرقة بين علي ومن نازعه وقد جعلهما جميعا من أمته ثم خرجت هذه المارقة وهي أهل النهروان قتلهم علي وأصحابه وهم أولى الطائفتين بالحق وكان النبي ﷺ وصف المارقة الخارجة وأخبر بالمخدج الذي يكون فيهم فوجدوا بالصفة التي وصف ووجد المخدج بالنعت الذي نعت وذلك بين في حديث أبي سعيد الخدري وغيره وكان إخبار النبي ﷺ بذلك ووجود تصديقه بعد وفاته من دلائل النبوة ومما يؤثر في فضائل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في كونه محقا في قتالهم مصيبا في قتل من قتل منهم وحين وجد المخدج سجد علي رضي الله عنه شكرا لله تعالى على ما وفق له من قتالهم وقد ذكرنا هذه الأحاديث في الفضائل وهذا الكتاب لا يحتمل أكثر من هذا وقد أخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطان أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان حدثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا إسرائيل ثنا
أبو موسى قال سمعت الحسن قال سمعت أبا بكرة يقول رأيت رسول الله ﷺ على المنبر والحسن بن علي معه إلى جنبه وهو يلتفت إلى الناس مرة وإليه مرة ويقول إن ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين قال سفيان قوله فئتين من المسلمين يعجبنا جدا قال الشيخ وإنما أعجبهم لأن النبي ﷺ سماهم جميعا مسلمين وهذا خبر من رسول الله ﷺ بما كان من الحسن بن علي بعد وفاة علي في تسليمه الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان وقال في خطبته أيها الناس إن الله هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية ما هو حق لأمرئ كان أحق به مني بل حق لي تركته لمعاوية إرادة إصلاح المسلمين وحقن دمائهم بل وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين
قال الشيخ الإمام رضي الله عنه هذا الذي أودعناه هذا الكتاب اعتقاد أهل السنة والجماعة وأقوالهم وقد أفردنا كل باب منها بكتاب يشتمل على شرحه منورا بدلائله وحججه واقتصرنا في هذا الكتاب على ذكر أصوله والإشارة إلى أطراف أدلته إرادة انتفاع من نظر فيه به والله يوفقنا لمتابعة السنة واجتناب البدعة ويجعل عاقبة أمرنا إلى رشد وسعادة بفضله وسعة رحمته إنه الحنان المنان الواسع الغفران انتهى