كتاب الاعتبار/الباب الثالث/الصيد بسورية والجزيرة ومصر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​كتاب الاعتبار
 المؤلف أسامة بن المنقذ
الصيد بسورية والجزيرة ومصر



الصيد بسورية والجزيرة ومصر


الصيد في سورية[عدل]

فأما ما كان في شيزر فكان مع الوالد رحمه الله، وكان مشغوفاً بالصيد لهجاً به ويجمع الجوارح، وما يستكثر ما يغرمه عليه لفرجته، فإنه كان نزهته فليس له شغل سوى الحرب وجهاد الأفرنج ونسخ كتاب الله عز وجل عند فراغه من أشغال أصحابه، وهو رحمه الله صائم الدهر مواظب على تلاوة القرآن. فكان الصيد كما جاء في الخبرروح القلوب تعي الذكر. فما رأيت قط مثل صيده وتربيته. وقد شاهدت صيد ملك الأمراء أتابك زنكي رحمه الله، وكان له جوارح كثيرة، فرأيته ونحن نسير على الأنهار فيتقدم البازدارية بالبزاة ترميها على الطيور الماء وتدق الطبول كجاري العادة فتتصيد منها ما تصيد وتخطئ ما تخطئ وورائهم الشواهين الكوهية على أيدي البازدارية. فإذا اصطادت البزاة وأخطأت أرسلوا الشواهين الكوهية على الطيور وقد أبعدت دشب خبز فتلحق وتصيد، وترسل على الحجل في طلوعها في سفح الجبل فتصيد، فإنها من سرعة الطيران على صفة عجيبة. وشاهدت يوماً ونحن في المغرقة بظاهر الموصل نسير في باذنجان وبين يدي أتابك بازيار على يد باشق، فطار ذكر دراج فارسله عليه فأخذه ونزل. فلما صار في الأرض فرط الدراج من كفه وطار. فلما ارتفع انتقل الباز من الأرض أخذه ونزل وقد ثبته. ورأيته وهو في صيد الوحش دفعات، إذا اجتمعت الحلقة واجتمع فيها الوحش شيء رموه، وكان من أيرمى الناس، فكان إذا دنا منه الغزال رماه، فنزاه كأنه قد عثر فيقع ويذبح، وكان أول غزال يضربه في كل صيد أحضره ينفذه لي مع غلام من غلمانه وأنا معه. وشاهدته وقد اجتمعت الحلقة ونحن في أرض نصيبين على الهرماس وقد ضربوا الخيام، فوصل الوحش إلى الخيام، فخرج الغلمان بالعصي والعمد، فضربوا منها شيئاً كثيراً، واجتمعوا في حلقة ذيب فوثب في وسطها على غزال أخذه وبرك عليه فقتل وهو عليه. وشاهدته يوماً ونحن بسنجار وقد جاءه فارس من أصحابه فقالها هنا ضبعة نائمة! فسار ونحن معه إلى واد هناك، والضبعة نائمة على صخرة في سفح الوادي، فترجل أتابك ومشى حتى وقف مقابلها وضربها بنشابة رماها إلى أسفل الوادي، ونزلوا جاءوا بها إلى بين يديه وهي ميتة. ورأيته أيضاً بظاهر سنجار وقد جلوا أرنباً. فأمر فاستدارت الخيل حولها وأمر غلاماً خلفه يحمل الوشق كما يحمل الفهد، فتقدم أرسله على الأرنب فدخلت بين قوائم الخيل وما تمكن منها. وما كنت رأيت الوشق قبل ذلك يصيد. ورأيت الصيد بدمشق أيام شهاب الدين محمود بن تاج الملوك للطير والغزلان وحمر الوحش واليحامير، فرأيته يوماً وقد دخلنا إلى شعراء بانياس وفي الأرض عشب عظيم، فتصدينا كثير من اليحامير، وضربت الخيام حلقة ونزلنا، فقام من وسط الحلقة يحمور كان نائماً في العشب فأخذ في وسط الخيام. ورأيت ونحن عائدون رجلاً قد رأى سنجاباً في شجرة فأعلم به شهاب الدين فجاء وقف تحته ورماه مرتين او ثلاثاً فما أصابه، فتركه وسار شبه المغتاظ الذي لم يصبه. فرأيت رجلاً من الأتراك جاء رماه فوسط النشابة فيه، فاستخرت يداه وبقي متعلقاً برجليه والنشابة فيه حتى هزوا الشجرة فوقع، ولو كانت تلك النشابة في ابن آدم كان مات لوقته، فسبحان خالق الخلق.

الصيد في مصر[عدل]

ورأيت الصيد في مصر، كان للحافظ لدين الله عبد المجيد ابي ميمون رحمه الله جوارح كثيرة من البزاة والصقور والشواهين البحرية، فكان لهم زمام يخرج بهم في الجمعة يومين وأكثرهم رجالة على أيديهم الجوارح، فكنت أركب يوم خروجهم إلى الصيد لأتفرج بنظر صيدهم، فمضى الزمام إلى الحافظ وقال لهان الضيف فلاناً يخرج معنا - كأنه يستطلع أمره في ذلك. فقالاخرج معه يتفرج على الجوارح. فخرجنا يوماً ومع بعض البازيارية باز مقرنص بيت احمر العينين فرأينا كراكي. فقال له الزمامتقدم ارمي عليها الباز الأحمر العينين. فتقدم رماه وطارت الكراكي فلحق منها واحداً على بعد منا فحطه. فقلت لغلام لي على حصان جيدأدفع الحصان إليه وانزل أغرز منقار الكراكي في الأرض وأكتفه واترك رجليه تحت رجليك إلى ان نصلك. فمضى وعمل ما قلت له، ووصل البازيار ذبح الكركي واشبع الباز. فلما دخل الزما حدث الحافظ بما جرى وما قلته للغلام وقاليا مولانا حديثه حديث صياد. قالوأي شيء شغل هذا إلى القتال والصيد؟ وكان معهم صقور يرسلونها على البلاشيب وهي طائرة، فإذا رأى البلشوب الصقر دار وارتفع، والصقر يدور في جانب آخر حتى يرتفع على البلشوب، ثم ينقلب عليه يأخذه. وفي تلك البلاد طيور يسمونها البج مثل النحام يصيدونها أيضاً، وطيور الماء في مقطعات النيل سهلة الصيد، والغزال عندهم قليل. بل في تلك البلاد بقرب بني إسرائيل وهي بقر صفر قرونها مثل قرون البقر وهي أصغر من البقر تعدو عدواً عظيماً، وتخرج لهم من النيل دابة يسمونها فرس البحر مثل البقرة الصغيرة عيناها صغيرتان وهي جرداء مثل الجاموس ولها أنياب طوال في فكها الأسفل وفي فكها الأعلى خروق لأنيابها تخرج رؤوسها من تحت عينيها وصياحها مثل صياح الخنزير، ولا تبرح في بركة لها ماء وتأكل الخبز والحشيش والشعير.

الصيد في عكا[عدل]

وكنت قد مضيت مع الأمير معين الدين رحمه الله إلى عكا إلى عند ملك الإفرنج فلك بن فلك فرأينا رجل من الجنوية وقد وصل من بلاد الإفرنج ومعه باز كبير مقرنص يصيد الكركي ومعه كلبة صغيرة إذا أرسل الباز على الكركي عدت تحته، فإذا أخذ الكركي وحطه عضته فلا يقدر على الخلاص منها. وقال لنا ذلك الجنوي إن الباز عندنا إذا كان ذنبه ثلاث عشر ريشة اصطاد الكركي. فعددنا ذنب ذلك الباز فكان كذلك. فطلب الأمير معين الدين رحمه الله فأخذه من ذلك الجنوي هو والكلبة وأعطاه للأمير معين الدين فجاء معنا، فرأيته في الطريق يثب على الغزلان كما يثب إلى اللحم، ووصلنا به إلى دمشق، فما طال عمره بها ولا صاد شيئاً ومات.

في حصن كيفا[عدل]

وشاهدت الصيد في حصن كيفا مع الأمير فخر الدين قرا أرسلان بن داود رحمه الله. وهناك الحجل والزرخ كثير والدراج، فأما طير الماء فهو في الشط وهو واسع ما يتمكن الباز منها، وأكثر صيدهم الاراوي ومعزى الجبل يعملونا لها شباكاً ويمدونها في الأودية ويطردون الأراوي فتقع في تلك الشباك وهي كثيرة عندهم وقريبة المتصيد وكذلك الأرانب.

مع نور الدين[عدل]

وشهدت الصيد مع الملك العادل نور الدين رحمه الله فحضرته ونحن بأرض حماة وقد جلوا له أرانباً فضربها بنشابة كشماء، وقامت وسبقت إلى محجر دخلته فركضنا خلفها، ووقف عليها نور الدين وناولني الشريف السيد بهاء الدين رحمه الله رجلها قد قطعته النشابة من فوق العرقوب وشقت جوفها قرنة النصلة فوقع منها بيت الولد وسبقت بعد هذا وانجحرت، فأمر نور الدين بعض الوشاقية. نزل وقلع خفافه ودخل خلفها وما وصل إليها، وقلت للذي معه بيت الأولاد وفيه خرنقانشقه واطمرهم بالتراب ففعل، فتحركوا وعاشوا. وحضرته يوماًوقد أرسل كلبة على ثعلب ونحن على قرى حصار بأرض حلب فركض خلفه وأنا معه، فلحقت الكلبة وأخذت ذنب الثعلب فرجع إليه برأسه فعض خيشومها، فصارت الكلبة تعوي ونور الدين يضحك، ثم خلاها وانجحر، فما قدرنا عليه. وجاءه يوماُ ونحن ركاب تحت قلعة حلب من شمالي البلد باز فقال لنجم الدين أبي طالب بن علي كرد رحمه اللهقل لفلان يعنيني يأخذ هذا الباز يلعب به. فقال ليفقلت ما أحسن له. فقال نور الدينانتم بالصيد ما كنتم تزالون، ما تحسن تصلح للباز؟ قلتما كنا نصلحها نحن كان لنا بازيارية وغلمان يصلحونها ويتصيدون بها قدامنا، وما أخذت الباز.