قلبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

قلبي

​قلبي​ المؤلف علي محمود طه


كالنّجم في خفق و في ومض
متفرّدا بعوالم السّدم
حيران يتبع حيرة الأرض
و مصارع الأيّام و الأمم
مستوحشا في الأفق منفردا
و كأنّه في سامر الشّهب
هذا الزحام حياله احتشدا
هو عنه ناء جدّ مغترب
مترنّحا كالعاشق الثَمل
ريّان من بهج ومن حزن
نشوان من ألم من أمل
مستهزئا بالكون و الزّمن
تلك السّماء على جوانبه
بحر الحياة الفائر الزّبد
كم راح يلتمس القرار به
هيمان بين شواظئ الأبد
تهفو على الأمواج صورته
و شعاعه اللّماح في الغور
نفذت إلى الأعماق نظرته
فإذا الحياة جليّة السّرّ
و يمرّ بالأحداث مبتسما
كالشّمس حين يلفّها الغيم
زادته علما بالذي علما
دنيا تناهى عندها الوهم
بلغ الرّوائع من حقائقها
فإنّ السّعادة توأم الجهل
هتف المحدّق في مشارقها
ذهب النهار فريسة اللّيل
يا قلب: مثل النّجم في قلق
و النّاس حولك لا يحسّونا
لولا اختلاف النّور و الغسق
مرّوا بأفقك لا يطلّونا
فاصفح إذا غمطوك إدراكا
و اذكر قصور الآدميينا
أتريدهم يا قلب أملاكا
كلاّ...و ما هم بالنبيينا
هم عالم في غيّه يمضي
مستغرقا في الحمأة الدّنيا
نزلوا قرارة هذه الأرض
و حللت أنت القمّة العليا
عبّاد أوهام و ما عبدوا
إلاّ حقير منى و غايات
و مناك ليس يحدّها الأبد
دنيا وراء اللا نهايات
و لك الحياة دنى و أكوان
عزّت معارجها على الرّاقي
تحيا بها و تبيد أزمان
و شبابها المتجدّد الباقي
يا قلب: كم من رائع الحلك
ألقاك في بحر من الرّعب
كم عذت منه بقبّة الفلك
و صرخت وحدك فيه يا فلبي!
و مضيت تضرب في غياهبه
ترد عنك المائج الصّخبا
تترقّب البرق المطيف به
و تسائل الأنواء و السّحبا
و خفقت تحت دجاه من وجل
كالطير تحت الخنجر الصّلت
و عرفت بين اليأس و الأمل
صحو الحياة، و سكرت الموت
يا قلب: عندك ايّ أسرار
ما زلن في نشر و في طيّ
يا ثورة مشبوبة النّار
أقلقت جسم الكائن الحيّ
حمّلته العبء الذي فرقت
منه الجبال و أشفقت رهبا
و أثرت منه الرّوح فانطلقت
تحسو الحميم و تأكل اللّهبا
و ملأت سفر المجد من عجب
و خلقت أبطالا من العدم
و على حديثك في فم الحقب
سمة الخلود و نفحة القدم
كم من عجائب فيك للبشر
أخذتهمو منها الفجاءات
متنبّئا بالغيب و القدر
و عجيبة تلك النّبوءات
و عجبت منك و من إبائك في
أسر الجمال و ربقة الحبّ
و تلفّت المتكبّر الصّلف
عن ذلّة المقهور في الحرب
يا حرّ كيف قبلت شرعته
و قنعت منه بزاد مأسور
آثرت في الأغلال طلعته
و أبيت منه فكاك مهجور
فإذا جفاك الهاجر النّاسي
و قسا عليك المشفق الحدب
فاضت بدمعك فورة الكاس
و هتفت بكفّك و هي تضطرب
و فزعت للأحلام و الذّكر
تبكي و تنشد رجعة الأمس
ووددت لو حكّمت في القدر
لتعيد سيرتها من الرّمس
و وهمت نارا ذات إيماض
فبسطت كفّك نحوها فزعا
مرّت بعينيك لمحة الماضي
فوثبت تمسك بارقا لمعا
و صحوت من وهم و من خبل
فإذا جراحك كلّهن دم
لجّت عليك مرارة الفشل
و مشى يحزّ وتينك الألم
و الأرض ضاق فضاؤها الرّحب
و خلت فلا أهل و لا سكن
حال الهوى و تفرّق الصّحب
و بقيت وحدك أنت و الزّمن!
و صرخت حين أجنّك اللّيل
متمردا تجتاحك النّار
و بدا صراعك أنت و العقل
و لأنتما بحر و إعصار
ما بين سلمكما و حربكما
كون يبين، و يختفي كون
و بنيتما الدّنيا و حسبكما
دنيا يقيم بناؤها الفنّ