فتح المجيد/القسم الحادي عشر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



باب من جحد شيئًا من الأسماء والصفات باب من جحد شيئًا من الأسماء والصفات وقول الله تعالى : ' 13 : 30 ' " وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب " . سبب نزول هذه الآية معلوم مذكور في كتب التفسير وغيرها . وهو أن مشركي قريش جحدوا اسم الرحمن عنادًا ، وقال تعالى: ' 17 : 110 ' " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيًا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى " و الرحمن اسم وصفته ، دل هذا الإسم على أن الرحمة وصفه سبحانه ، وهي من صفات الكمال ، فإن كان المشركون جحدوا إسمًا من أسمائه تعالى ، وهو من الأسماء التي دلت على كماله سبحانه وبحمده فجمود معنى هذا الإسم ونحوه من الأسماء يكون كذلك ، فإن جهم بن صفوان ومن تبعه يزعمون أنها لا تدل على صفة قائمة بالله تعالى . وتبعهم على ذلك طوائف من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم . فلهذا كفرهم كثيرون من أهل السنة . قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى : ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان الكائي الإمام حكاه عنــ هم بل حكاه قبله الطبراني فإن هؤلاء الجهمية ومن وافقهم على التعطيل جحدوا ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله من صفات كماله ونعوت جلاله ، وبنوا هذا التعطيل على أصل باطل أصلوه من عند أنفسهم ، فقالوا : هذه هي صفات الأجسام . فيلزم من إثباتها أن يكون الله جسمًا ، هذا منشأ ضلال عقولهم ، لم يفهموا من صفات الله إلا ما فهموه من خصائص صفات المخلوقين ، فشبهوا الله في إبتداء آرائهم الفاسدة بخلقه ثم عطلوه من صفات كماله ، وشبهوه بالناقصات والجمادات والمعدومات ، فشبهوا أولًا وعطلوا ثانيًا . وشبهوه ثالثًا بكل ناقص ومعدوم ، فتركوا ما دل عليه الكتاب والسنة من إثبات ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله على ما يليق بجلاله وعظمته . وهذا هو الذي عليه سلف الأمة وأئمتها ، فإنهم أثبتوا لله ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله إثباتًا بلا تمثيل ، وتنزيهًا بلا تعطيل ، فإن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات يحتذى حذوه فكما أن هؤلاء المعطلة يثبتون لله ذاتًا لا تشبه لذوات ، فأهل السنة يقولون ذلك ويثبتون ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله من صفات كماله ونعوت جلاله لا تشبه صفاته صفات خلقه ، فإنهم آمنوا بكتاب الله وسنة رسوله ولم يتناقضوا ، وأولئك المعطلة كفروا بما في الكتاب والسنة من ذلك ، وتناقضوا . فبطل قول المعطلين بالعقل والنقل ولله الحمد والمنة ، وإجماع أهل السنن من الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة المسلمين . وقد صنف العلماء رحمهم الله تعالى في الرد على الجهمية والمعطلة والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم في إبطال هذه البدع وما فيها من التناقض والتهافت : كالإمام أحمد رحمه الله تعالى في رده المشهور ، وكتاب السنة لابنه عبد الله ، وصاحب الحيدة عبد العزيز الكتاني في رده على بشر المريسي ، وكتاب السنة لأبي عبد الله المروزي ، ورد عثمان بن سعيد على الكافر العنيد . وهو بشر المريسي ، وكتاب التوحيد لإمام الأئمة محمد بن خزيمة الشافعي ، وكتاب السنة لأبي بكر الخلال ، وأبي عثمان الصابوني الشافعي ، وشيخ الإسلام الأنصاري ، وأبي عمر بن عبد البر النمري ، وخلق كثير من أصحاب الأئمة الأربعة وأتباعهم ، وأهل الحديث ومن متأخريهم أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة ، وشيخ الإسلام ابن تيمية وأصحابه وغيرهم رحمهم الله تعالى . فلله الحمد والمنة على بقاء السنة وأهلها مع تفرق الأهواء وتشعب الآراء . والله أعلم . قوله : وفي صحيح البخاري عن علي رضي الله عنه : حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله .

على هو أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب ، وأحد الخلفاء الراشدين . وسبب هذا القول ـ والله أعلم ـ ما حدث في خلافته من كثرة إقبال الناس على الحديث ، وكثرة القصاص وأهل الوعظ . فيأتون في قصصهم بأحاديث لا تعرف من هذا القبيل ، فربما استنكرها بعض الناس وردها وقد يكون لبعضها أصل أو معنى صحيح ، فيقع بعض المفاسد لذلك ، فأرشدهم أمير المؤمنين رضي الله عنه إلى أنهم لا يحدثون عامة الناس إلا بما هو معروف ينفع الناس في أصل دينهم وأحكامه ، من بيان الحلال من الحرام الذي كلفوا به علمًا وعملًا ، دون ما يشغل عن ذلك مما قد يؤدي إلى رد الحق وعدم قبوله فيفضي بهم إلى التكذيب ، ولا سيما مع اختلاف الناس في وقته ، وكثرة خوضهم وجدلهم . وقد كان شيخنا المصنف رحمه الله لا يحب أن يقرأ على الناس إلا ما ينفعهم في أصل دينهم وعباداتهم ومعاملاتهم الذي لا غنى لهم عن معرفته ، وينهاهم عن القراءة في مثل كتب ابن الجوزي : كالمنعش ، والمرعش ، والتبصرة لما في ذلك من الإعراض عما هو أوجب وأنفع ، وفيها ما الله به وأعلم مما لا ينبغي اعتقاده . والمعصوم من عصمه الله . وقد كان أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان ينهى القصاص عن القصص ، لما في قصصهم من الغرائب والتساهل في النقل وغير ذلك ، ويقول : لا يقص إلا أمير أو مأمور وكل هذا محافظة على لزوم الثبات على الصراط المستقيم علمًا وعملًا ونية وقصدًا ، وترك كل ما كان وسيلة إلى الخروج عنه من البدع ووسائلها ، والله الموفق للصواب ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . قوله : وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس : أنه رأى رجلًا انتفض لما سمع حديثًا عن النبي في الصفات ـ استنكارًا لذلك ـ فقال : ما فرق هؤلاء ؟ يجدون رقة عند محكمه ، ويهلكون عند متشابهه . قوله : وروى عبد الرزاق هو ابن همام الصنعاني المحدث محدث اليمن صاحب التصانيف، أكثر الرواية عن معمر بن راشد صاحب الزهري . وهو شيخ عبد الرزاق يروي عنه كثيرًا . ومعمر ـ بفتح الميمين وسكون العين ـ أبو عروة بن أبي عمرو راشد الأزدي الحراني ثم اليماني ، أحد الأعلام من أصحاب محمد بن شهاب الزهري يروي عنه كثيرًا . قوله : عن ابن طاوس هو عبد الله بن طاوس اليماني . قال معمر : كان من أعلم الناس بالعربية . وقال ابن عيينة : مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة . قوله : عن أبيه هو طاوس بن كيسان الجندي بفتح الجيم والنون ـ الإمام العلم ، قيل اسمه ذكوان ، قاله ابن الجوزي . قلت : وهو من أئمة التفسير ومن أوعية العلم ، قال في تهذيب الكمال : عن الوليد الموقري عن الزهري قال : قدمت على عبد الملك بن مروان فقال : من أين قدمت يا زهري ؟ قال : قلت : من مكة ، قال : ومن خلفت يسودها وأهلها ؟ قلت : عطاء بن أبي رباح ، قال : فمن العرب أم من الموالي ؟ قلت : من الموالي ، قال : فبم سادهم ؟ قال : قلت : بالديانة والرواية . قال : إن الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا . قال : فمن يسود أهل اليمن ؟ قلت : طاوس بن كيسان ، قال : فمن العرب أم من الموالي ؟ قال : قلت : من الموالى ، قال : فبم سادهم ؟ قلت : بما ساد به عطاء ، قال : إنه لينبغي ذلك . قال : فمن يسود أهل مصر ؟ ؟ قلت يزيد بن حبيب ، قال : فمن العرب أم من الموالى ؟ قال : قلت : من الموالى ، قال : فمن يسود أهل الشام ؟ قلت : مكحول ، قال : فمن العرب أم من الموالي ؟ قلت من الموالي ، عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل . قال : فمن يسود أهل الجزيرة ؟ قلت : ميمون بن مهروان ، قال : فمن العرب أم من الموالي ، قال : قلت : من الموالي . قال فمن يسود أهل خراسان ؟ قال : قلت : الضحاك بن مزاحم ، قال : فمن العرب أم من الموالي ؟ قال : قلت : من الموالي ، قال : فمن يسود أهل البصرة ؟ قال : قلت : الحسن البصري ، قال فمن العرب أم من الموالي ؟ قلت : من الموالي . قال : ويلك ، ومن يسود أهل الكوفة ؟ قال : قلت : إبراهيم النخعي ، قال : فمن العرب أم من الموالي ؟ قال : قلت : من العرب . قال : ويلك يا زهري فرجت عني ، والله لتسودن الموالي على العرب في هذا البلد حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها . قال : قلت : يا أمير المؤمنين ، إنما هو دين : من حفظه ساد ومن ضيعه سقط . قوله : عن ابن عباس قد تقدم ، وهو حبر الأمة وترجمان القرآن ، ودعا له النبي قال : " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " وروى عنه أصحابه أئمة التفسير : كمجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعطاء بن أبي رباح ، وطاوس وغيرهم . قوله : ما فرق هؤلاء يستفهم من أصحابه ، يشير إلى أناس ممن يحضر مجلسه من عامة الناس ، فإذا سمعوا شيئًا من محكم القرآن ومعناه حصل معهم فرق أي خوف ، فإذا سمعوا شيئًا من أحاديث الصفات انتفضوا كالمنكرين له ، فلم يحصل منهم الإيمان الواجب الذي أوجبه الله تعالى على عباده المؤمنين قال الذهبي : حديث وكيع عن إسرائيل بحديث :إذا جلس الرب على الكرسي فاقشعر رجل عند وكيع . فغضب وكيع . وقال : أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها أخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب الرد على الجهمية . وربما حصل معهم من عدم تلقيه بالقبول ترك ما وجب من الإيمان به ، فشبه حالهم حال من قال الله فيهم : ' 2 : 85 ' " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض " فلا يسلم من الكفر إلا من عمل بما وجب عليه في ذلك من الإيمان بكتاب الله كله واليقين كما قال تعالى : ' 3 : 7 ' " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب " فهؤلاء الذين ذكرهم ابن عباس رضي الله عنهما تركوا ما وجب عليهم من الإيمان بما لم يعرفوا معناه من القرآن ، وهو حق لا يرتاب فيه مؤمن ، وبعضهم يفهم منه غير المراد من المعنى الذي أراد الله فيحمله على غير معناه ، كما جرى لأهل البدع ، كالخوارج والرافضة والقدرية ، ونحوهم ممن يتأول بعض آيات القرآن على بدعته . وقد وقع منهم الابتداع والخروج عن الصراط المستقيم ، فإن الواقع من أهل البدع وتحريفهم لمعنى الآيات يبين معنى قول ابن عباس . وسبب هذه البدع جهل أهلها وقصورهم في الفهم ، وعدم أخذ العلوم الشرعية على وجهها ، وتلقيها من أهلها العارفين لمعناها الذين وفقهم الله تعالى لمعرفة المراد ، والتوفيق بين النصوص ، والقطع بأن بعضها لا يخالف بعضًا ، ورد المتشابه إلى المحكم . وهذه طريقة أهل السنة والجماعة في كل زمان ومكان ، فلله الحمد لا نحصي ثناء عليه .

ما ورد عن علماء السلف في المشتابه ( ذكر ما ورد عن علماء السلف في المتشابه ) قال في الدر المنثور : أخرج الحاكم ـ وصححه ـ عن ابن مسعود عن النبي قال : " كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ، فنزل القرآن من سبعة أحرف : زجر ، وأمر ، وحلال ، وحرام ، ومحكم ومتشابه ، وأمثال . فأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، وافعلوا ما أمرتم به ، وانتهوا عما نهيتم عنه ، واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمة ، وآمنوا بمتشابهه ، وقولوا آمنا به كل من عند ربنا " . قال : وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله تعالى : ' 3 : 7 ' " فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه " الآية . قال : طلب القوم التأويل ، فأخطأوا التأويل وأصابوا الفتنة ، وطلبوا ما تشابه منه فهلكوا بين ذلك . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : " آيات محكمات " قال : منهن قوله تعالى : ' 6 : 151 ـ 153 ' " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم " إلى ثلاث آيات ، ومنهن : ' 17 : 23 ـ 39 ' " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه " إلى آخر الآيات . وأخرج ابن جرير من طريق أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس ، وعن مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة رضي الله عنهم : المحكمات الناسخات التي يعمل بهن ، والمتشابهات المنسوخات . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن إسحق بن سويد أن يحيى بن يعمر وأبا فاختة تراجعا هذه الآية " هن أم الكتاب " فقال أوب فاختة : هن فواتح السور . منها يستخرج القرآن : " الم * ذلك الكتاب " منها استخرجت البقرة و " الم * الله لا إله إلا هو " منها استخرجت آل عمران . وقال يحيى : هن اللاتي فيهن الفرائض ، والأمر والنهي والحال والحرام . والحدود وعماد الدين . وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير قال : المحكمات فيهن حجة الرب وعصمة العباد ، ودفع الخصوم والباطل ، ليس فيها تصريف ولا تحريف عما وضعت عليه وأخر متشابهات في الصدق ، لهن تصريف وتحريف وتأويل ، ابتلى الله بهن العباد كما ابتلاهم بالحلال والحرام ، لا يصرفن إلى الباطل ولا يحرفن عن الحق . وأخرج ابن أبي حاتم مقاتل بن حيان إنما قال : " هن أم الكتاب " لأنه ليس من أهل دين لا يرضي بهن : " وأخر متشابهات " يعني فيما بلغنا ألم و المص و المر . قلت : وليس في هذه الآثار ونحوها ما يشعر بأن أسماء الله تعالى وصفاته من المتشابه ، وما قال المنفاة من أنها من المتشابه دعوى بلا برهان . قوله : ولما سمعت قريش رسول الله يذكر الرحمن أنكروا ذلك فأنزل الله فيهم : ' 13 : 30 ' " وهم يكفرون بالرحمن " روى ابن جرير عن قتادة : " وهم يكفرون بالرحمن " روى ابن جرير عن قتادة : " وهم يكفرون بالرحمن " ذكر لنا أن نبي الله زمن الحديبية حين صالح قريشًا كتب : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله ، فقال مشركوا قريش : لئن كنت رسول الله ثم قاتلناك لقد ظلمناك ، ولكن اكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله . فقال أصحاب رسول الله  : يا رسول الله دعنا نقاتلهم . فقال : لا . اكتبوا كما يريدون : إني محمد بن عبد الله فلما كتب الكاتب بسم الله الرحمن الرحيم قالت قريش : أما الرحمن فلا نعرفه . وكان أهل الجاهلية يكتبون : باسمك اللهم . فقال أصحابه : دعنا نقاتلهم . قال : لا . ولكن اكتبوا كما يريدون وروى أيضًا عن مجاهد قال : قوله : ' 13 : 30 ' " كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب " قال : هذا ما كاتب عليه رسول الله قريشًا في الحديبية ، كتب بسم الله الرحمن الرحيم قالوا : لا تكتب الرحمن ، لا ندري ما الرحمن ؟ لا نكتب إلا باسمك اللهم . قال تعالى : " وهم يكفرون بالرحمن " الآية . وروى أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله يدعو ساجدًا : يا رحمن يا رحيم . فقال المشركون : هذا يزعم أنه يدعو واحدًا وهو يدعو مثنى مثنى . فأنزل الله : ' 17 : 110 ' " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى " الآية .

يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها قوله : باب قول الله تعالى : ' 16 : 83 ' " يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون " . ذكر المصنف رحمه الله ما ذكر بعض العلماء في معناها . وقال ابن جرير : فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنى بالنعمة . فذكر عن سفيان عن السدى : " يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها " قال : محمد وقال آخرون بل معنى ذلك أنهم يعرفون أن ما عدد الله تعالى ذكره في هذه السورة من النعم من عند الله ، وأن الله هو المنعم عليهم بذلك ، ولكنهم ينكرون ذلك ، فيزعمون أنهم ورثوه عن آبائهم . وأخرج عن مجاهد : " يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها " ، قال : هي المساكن والأنعام وما يرزقون منها والسرابيل من الحديد والثياب ، تعرف هذا كفار قريش ثم تنكره ، بأن تقول : هذا كان لآبائنا فورثونا إياه وقال آخرون : معنى ذلك أن الكفار إذا قيل لهم من : رزقكم ؟ أقروا بأن الله هو الذي يرزقهم ثم ينكرونه بقولهم : رزقنا ذلك شفاعة آلهتنا . وذكر المصنف مثل هذا عن ابن قتيبة وهو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري قاضي مصر النحوي اللغوي ، صاحب المصنفات البديعة المفيدة المحتوية على علوم جمة ، اشتغل ببغداد وسمع الحديث على إسحاق بن راهوية وطبقته . توفي سنة ست وسبعين ومائتين . وقال آخرون : ما ذكره المصنف عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي أبو عبد الله الكوفي الزاهد عن أبيه وعائشة وابن عباس وعنه قتادة وأبو الزبير والزهري ، وثقة أحمد وابن معين قال البخاري : مات بعد العشرين ومائة " يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها " قال : إنكارهم إياها أن يقول الرجل : لولا فلان ما كان كذا وكذا ، ولولا فلان ما أصبت كذا وكذا وإختار ابن جرير القول الأول ، واختار غيره أن الآية تعم ما ذكره العلماء في معناها . وهو الصواب والله أعلم . قوله : قال مجاهد هو شيخ التفسير : الإمام الرباني ، مجاهد بن جبر المكي مولى بني مخزوم . قال الفضل بن ميمون : سمعت مجاهدًا يقول عرضت المصحف على ابن عباس مرات ، أقفه عند كل آية وأسأله : فيم نزلت ؟ وكيف نزلت ؟ وكيف معناها ؟ توفي سنة اثنتين ومائة . وله ثلاث وثمانون سنة رحمه الله . قوله : وقال أبو العباس هو شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الإمام الجليل رحمه الله ـ بعد حديث زيد بن خالد ـ وقد تقدم في باب ما جاء في الإستسقاء بالأنواء . قال : وهذا كثير في الكتاب والسنة ، يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره ويشرك به . قال بعض السلف هو كقولهم : كانت الريح طيبة ، والملاح حاذقًا . نحو ذلك مما هو جار على ألسنة كثير . ا هـ . وكلام شيخ الإسلام يدل على أن حكم هذه الآية عام فيمن نسب النعم إلى غير الله الذي أنعم بها ، وأسند أسبابها إلى غيره ، كما هو مذكور في كلام المفسرين المذكور بعضه هنا . قال شيخنا رحمه الله : وفيه اجتماع الضدين في القلب ، وتسمية هذا الكلام إنكارًا للنعمة .

قول الله " فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون " قوله : باب قول الله تعالى : ' 2 : 22 ' " فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون " . الند : المثل والنظير . وجعل الند لله : هو صرف أنواع العبادة أو شئ منها لغير الله ، كحال عبدة الأوثان الذين يعتقدون فيمن دعوه ورجوه أنه ينفعهم ويدفع عنهم ، ويشفع لهم . وهذه الآية في سياق قوله تعالى : " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون * الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون " قال العماد ابن كثير رحمه الله في تفسيره : قال أبو العالية : لا تجعلوا لله أندادًا أي عدلاء شركاء . وهكذا قال الربيع بن أنس وقتادة والسدى وأبو مالك واسماعيل بن أبي خالد . وقال ابن عباس : " فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون " أي لا تشركون بالله شيئًا من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر ، وأنتم تعلمون أنه ربكم لا رب لكم يرزقكم غيره ، وقد علمتم أن الذي يدعوكم الرسول إليه من توحيده هو الحق الذي لا شك فيه . وكذلك قال قتادة ومجاهد : " فلا تجعلوا لله أندادًا " قال أكفاء من الرجال تطيعونهم في معصية الله . وقال ابن زيد : الأنداد هي الآلهة التي جعلوها معه وجعلوا لها مثل ما جعلوا له . وعن ابن عباس : " فلا تجعلوا لله أندادًا " أشباهًا . وقال مجاهد : " فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون " قال تعلمون أنه إله واحد في التوراة والإنجيل . وذكر حديثًا في معنى هذه الآية الكريمة وهو ما في مسند أحمد عن الحارث الأشعري أن نبي الله قال : " إن الله أمر يحيى بن زكريا عليه السلام بخمس كلمات أن يعمل بهن وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن ، وأنه كاد أن يبطيء بها . فقال له عيسى عليه السلام : إن الله أمرك بخمس كلمات أن تعمل بهن وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن فإما أن تبلغهن وإما أن أبلغهن ، فقال : يا أخي ، إني أخشى إن سبقتني أن أعذب أو يخسف بي . قال : فجمع يحيى بن زكريا بني إسرائيل في بيت المقدس ، حتى امتلأ المسجد وقعد على الشرف . فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن : أولاهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا : فإن مثل ذلك مثل رجل اشترى عبدًا من خالص ماله بذهب أو ورق ، فجعل يعمل ويؤدي غلته إلى غير سيده ، فأيكم يسره أن يكون عبده كذلك ؟ وإن الله خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئًا . وآمركم بالصلاة فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده ما لم يلتفت . فإذا صليتم فلا تلتفتوا . وآمركم بالصيام ، فإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك في عصابة كلهم يجد ريح المسك . وإن خلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك . وآمركم بالصدقة . فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فشدوا يديه إلى عنقه ، وقدموه ليضربوا عنقه . فقال لهم : هل لكم أن أفتدي نفسي منكم ؟ فجعل يفتدى بالقليل والكثير حتى فك نفسه . وآمركم بذكر الله كثيرًا : فإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعًا في أثره ، فأتى حصنًا حصينًا فتحصن فيه ، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله . قال : وقال رسول الله  : وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن : الجماعة ، والسمع والطاعة، والهجرة والجهاد في سبيل الله ، فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع ، ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثي جهنم . قالوا يا رسول الله وإن صلى وصام ؟ فقال : وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم ، فادعوا المسلمين بأسمائهم التي سماهم الله عز وجل : المسلمين المؤمنين عباد الله " . وهذا حديث حسن ، والشاهد منه في هذه الآية قوله : " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا " وهذه الآية دالة على توحيد الله تعالى بالعبادة وحده لا شريك له . وقد استدل بها كثير من المفسرين على وجود الصانع ، وهي دالة على ذلك بطريق الأولى . والآيات الدالة على هذا المقام في القرآن كثيرة جدًا . وسئل أبو نواس عن ذلك فأنشد : تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين ناظرات بأحداق هي الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك وقال ابن المعتز : فيا عجبًا ، كيف يعصى الإلـ ـه أم كيف يجحده الجاحد ؟ وفي كل شئ له آية تدل على أنه واحد قوله : وعن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية الأنداد هو الشرك ، أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل . وهو أن تقول : والله ، وحياتك يا فلانة . وحياتي ، وتقول : لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص . ولولا الله وفلان . لا تجعل فيها فلانًا. هذا كله به شرك رواه ابن أبي حاتم . بين ابن عباس رضي الله عنهما أن هذا كله من الشرك ، وهو الواقع اليوم على ألسن كثير ممن لا يعرف التوحيد ولا الشرك : فتنبه لهذه الأمور . فإنها من المنكر العظيم الذي يجب النهي عنه والتغليظ فيه لكونه من أكبر الكبائر . وهذا من ابن عباس رضي الله عنهما تنبيه بالأدنى من الشرك على الأعلى .

من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر قوله : وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله قال : " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم . قوله : فقد كفر أو أشرك يحتمل لي أن يكون شكًا من الراوي ويحتمل أن تكون أو بمعنى الواو فيكون قد كفر وأشرك . ويكون الكفر الذي هو دون الكفر الأكبر . كما هو من الشرك الأصغر . وورد مثل هذا عن ابن مسعود بهذا اللفظ . قوله : وقال ابن مسعود : لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إلى من أن أحلف بغيره صادقًا . ومن المعلوم أن الحلف بالله كاذبًا كبيرة من الكبائر لكن الشرك أكبر من الكبائر . وإن كان أصغر كما تقدم بيان ذلك ، فإذا كان هذا حال الشرك الأصغر فكيف بالشرك الأكبر الموجب للخلود في النار ؟ كدعوة غير الله والاستغاثة به ، والرغبة إليه ، وإنزال حوائجه به ، كما هو حال الأكثر من هذه الأمة في هذه الأزمان وما قبلها : من تعظيم القبور ، واتخاذهها أوثانًا ، والبناء عليها ، واتخاذها مساجد ، وبناء المشاهد باسم الميت لعبادة من بنيت باسمه وتعظيمه ، والإقبال عليه بالقلوب والأقوال والأعمال . وقد عظمت البلوى بهذا الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله ، وتركوا ما دل عليه القرآن العظيم من النهي عن هذا الشرك وما يوصل إليه . قال الله تعالى : ' 7 : 37 ' " فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين " كفرهم الله تعالى بدعوتهم من كانوا يدعونه من دونه في دار الدنيا . وقد قال تعالى : ' 72 : 18 ' " وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا " وقال تعالى : ' 72 : 20 ـ 21 ' " قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا * قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا " وهؤلاء المشركون عكسوا الأمر فخالفوا ما بلغ به الأمة وأخبر به عن نفسه ، فعاملوه بما نهاهم عنه من الشرك بالله والتعلق على غير الله حتى قال قائلهم : يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم إن لم تكن في معادي آخذًا بيدي فضلًا ، وإلا فقل : يا زلة القدم فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم فانظر إلى هذا الجهل العظيم حيث اعتقد أنه لا نجاة له إلا بعياذه ولياذه بغير الله ، وانظر إلى هذا الإطراء العظيم الذي تجاوز الحد في الإطراء الذي نهي عنه بقوله : " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله " رواه مالك وغيره ، وقد قال تعالى : ' 6 : 50 ' " قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك " . فانظر إلى هذه المعارضة العظيمة للكتاب والسنة والمحادة لله ورسوله . وهذا الذي يقوله هذا الشاعر هو الذي في نفوس كثير خصوصًا ممن يدعون العلم والمعرفة . ورأوا قراءة هذه المنظومة ونحوها لذلك وتعظيمها من القربات فإن لله وإنا إليه راجعون . قوله : وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي قال : " لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ، ولكن قولوا ما شاء الله ، ثم شاء فلان " رواه أبو داود بسند صحيح . وذلك لأن المعطوف بالواو يكون مساويًا للمعطوف عليه ، لكونها إنما وضعت لمطلق الجمع . فلا تقتضي ترتيبًا ولا تعقيبًا . وتسوية المخلوق بالخالق شرك ، إن كان في الأصغر ـ مثل هذا ـ فهو أصغر ، وإن كان في الأكبر فهو أكبر . كما قال تعالى عنهم في الدار الآخرة :' 21 : 97 ، 98 ' " تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين " بخلاف المعطوف بثم . فإن المعطوف بها يكون متراخيًا عن المعطوف عليه بمهملة . فلا محذور لكونه صار تابعًا . قوله : وعن إبراهيم النخعي : أنه يكره أن يقول الرجل أعوذ بالله وبك . ويجوز أن يقول : بالله ثم بك . قال ويقول : لولا الله ثم فلان . لا تقولوا : لولا الله وفلان . وقد تقدم الفرق بين ما يجوز وما لا يجوز من ذلك . هذا إنما هو في الحي الحاضر الذي له قدرة وسبب في الشئ . وهو الذي يجري في حقه مثل ذلك . وأما في حق الأموات الذين لا إحساس لهم بمن يدعوهم ولا قدرة لهم على نفع ولا ضر . فلا يقال في حقهم شئ من ذلك . فلا يجوز التعلق عليه بشئ ما بوجه من الوجوه ، والقرآن يبين ذلك وينادي بأنه يجعلهم آلهة إذا سئلوا شيئًا من ذلك ، أو رغب إليهم أحد بقوله أو عمله الباطن أو الظاهر ، فمن تدبر القرآن ورزق فهمه صار على بصيرة من دينه وبالله التوفيق . والعلم لا يؤخذ قسرًا وإنما يؤخذ بأسباب ذكرها بعضهم في قوله : أخي ، لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان ذكاء وحرص ، واجتهاد وبلغة وإرشاد أستاذ ، وطول زمان وأعظم من هذه الستة من رزقه الله تعالى الفهم والحفظ ، وأتعب نفسه في تحصيله فهو الموفق لمن شاء من عباده . كما قال تعالى : ' 4 : 113 ' " وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما " . ولقد أحسن العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى من حيث قال : والجهل داء قاتل وشفاؤه أمران في التركيب متفقان نص من القرآن ، أو من سنة وطبيب ذاك العالم الرباني والعلم أقسام ثلاث ، ما لها من رابع ، والحق ذو تبيان علم بأوصاف الإله وفعله وكذلك الأسماء للرحمن والأمر والنهي الذي هو دينه وجزاؤه يوم المعاد الثاني والكل في القرآن والسنن التي جاءت عن المبعوث بالقرآن والله ما قال امرؤ متحذلق بسواهما إلا من الهذيان

باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله والنهي عن الحلف بالآباء قوله : باب ( ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله ) عن ابن عمر أن رسول الله قال : " لا تحلفوا بآبائكم . من حلف بالله فليصدق . ومن حلف له بالله فليرض . ومن لم يرض فليس من الله " رواه ابن ماجه بسند حسن . قوله : لا تحلفوا بآباكم تقدم النهي عن الحلف بغير الله عمومًا . قوله : من حلف بالله فليصدق هذا مما أوجبه الله على عباده وحضهم عليه في كتابه . قال تعالى : ' 9 : 119 ' " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " وقال : ' 33 : 35 ' " والصادقين والصادقات " وقال : ' 47 : 21 ' " فلو صدقوا الله لكان خيرًا لهم " وهو حال أهل البر ، كما قال تعالى : ' 2 : 177 ' " ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين " ـ إلى قوله ـ "أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون " . وقوله : من حلف فليرض ، ومن لم يرض فليس من الله أما إذا لم يكن له بحكم الشريعة على خصمه إلا اليمين فأحلفه فلا ريب أنه يجب عليه الرضا . وأما إذا كان فيما يجري بين الناس مما قد يقع في الاعتذارات من بعضهم لبعض ونحو ذلك . فهذا من حق المسلم على المسلم : أن يقبل منه إذا حلف له معتذرًا أو متبرئًا من تهمة ومن حقه عليه : أن يحسن به الظن إذا لم يتبين خلافه ، كما في الأثر عن عمر رضي الله عنه : ولا تظنن بكلمة خرجت من مسلم شرًا وأنت تجد لها في الخير محملًا . وفيه : من التواضع والألفة والمحبة وغير ذلك من المصالح التي يحبها الله ما لا يخفى على من له فهم . وذلك من أسباب اجتماع القلوب على طاعة الله ، ثم إنه يدخل في حسن الخلق الذي هو أثقل ما يوضع في ميزان العبد ، كما في الحديث وهو من مكارم الأخلاق . فتأمل أيها الناصح لنفسه ما يصلحك مع الله تعالى : من القيام بحقوقه وحقوق عباده ، وإدخال السرور على المسلمين ، وترك الانقباض عنهم والترفع عليهم . فإن فيه من الضرر ما لا يخطر بالبال ولا يدور بالخيال . وبسط هذه الأمور وذكر ما ورد فيها مذكور في كتب الأدب وغيرها . فمن رزق ذلك والعمل بما ينبغي العمل به من وترك ما يجب تركه من ذلك ، دل على وفور دينه ، وكمال عقله . والله الموفق لعبده الضعيف المسكين . والله أعلم .

باب : قول ما شاء الله وشئت باب قول : ( ما شاء الله وشئت ) عن قتيلة : " أن يهوديًا أتى النبي ، فقال : إنكم تشركون . تقولون : ما شاء الله وشئت ، وتقولون ، وتقولون : والكعبة . فأمرهم النبي إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا : ورب الكعبة . وأن يقولوا : ما شاء الله ثم شئت " رواه النسائي وصححه . قوله : عن قتيلة بمثناة مصغرة بنت صيفي الأنصارية صحابية مهاجرة ، لها حديث في سنن النسائي ، وهو المذكور في الباب . ورواه عنها عبد الله بن يسار الجعفي . وفيه : قبول الحق مما جاء به كائنًا من كان . وفيه : بيان النهي عن الحلف بالكعبة ، مع أنها بيت الله التي حجها وقصدها بالحج والعمرة فريضة . وهذا يبين أن النهي عن الشرك بالله عام لا يصلح منه شئ ، لا لملك مقرب ولا نبي مرسل . ولا للكعبة التي هي بيت الله في أرضه . وأنت ترى ما وقع من الناس اليوم من الحلف بالكعبة وسؤالها ما لا يقدر عليه إلا الله . ومن المعلوم أن الكعبة لا تضر ولا تنفع . وإنما شرع الله لعباده الطواف بها والعبادة عندها وجعلها للأمة قبلة : فالطواف بها مشروع والحف بها ودعاؤها ممنوع . فميز أيها المكلف بين ما يشرع وما يمنع ، وإن خالفك من خالفك من جهة الناس الذين هم كالأنعام ، بل هم أضل سبيلًا . قوله : إنكم تشركون . تقولون : ما شاء الله وشئت والعبد وإن كانت له مشيئة فمشيئته تابعة لمشيئة الله ، ولا قدرة له على أن يشأ شيئًا إلا إذا كان الله قد شاءه ، كما قال تعالى : ' 81 : 28 ، 29 ' " لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين " وقوله : ' 76 : 29 ، 30 ' " إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا * وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما " . وفي هذه الآيات والأحاديث : الرد على القدرية والمعتزلة ، نفاة القدر الذين يثبتون للعبد مشيئة تخالف ما أراده الله تعالى من العبد وشاءه ، وسيأتي ما يبطل قولهم في : باب ما جاء في منكري القدر إن شاء الله تعالى ، وأنهم مجوس هذه الأمة . وأما أهل السنة والجماعة فتمسكوا بالكتابة والسنة في هذا الباب وغيره . واعتقدوا أن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله تعالى في كل شئ مما يوافق ما شرعه الله وما يخالفه ، من أفعال العباد وأقوالهم . فالكل بمشيئة الله وإرادته . فما وافق ما شرعه رضيه وأحبه . وما خالفه كرهه من العبد ، كما قال تعالى : ' 39 : 7 ' " إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر " الآية . وفيه : بيان أن الحلف بالكعبة شرك . فإن النبي أقر اليهودي على قوله : إنكم تشركون . قوله : وله أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن رجلًا قال للنبي ما شاء الله وشئت ، قال : أجعلتني لله ندًا ؟ بل ما شاء الله وحده " . هذا يقرر ما تقدم من أن هذا شرك ، لوجود التسوية في العطف بالواو . وقوله : أجعلتني لله ندًا فيه بيان أن من سوى العبد بالله ولو في الشرك الأصغر فقد جعله ندًا لله شاء أم أبى ، خلافًا لما يقوله الجاهلون ، مما يختص بالله تعالى من عباده ، وما يجب النهي عنه من الشرك بنوعيه . ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين. قوله : ولابن ماجه : عن الطفيل أخي عائشة لأمها قال : رأيت فيما يرى النائم كأني أتيت على نفر من اليهود ، فقلت : من أنتم ؟ قالوا : نحن اليهود ، قلت : إنكم لأنتم القوم ، لولا أنكم تقولون عزير ابن الله. قالوا : وإنكم لأنتم القوم ، لولا أنكم تقولون : ما شاء الله وشاء محمد . ثم مررت بنفر من النصارى فقلت : من أنتم ؟ قالوا نحن النصارى . قلت إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون : المسيح ابن الله ، قالوا : وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون : ما شاء الله وشاء محمد ، فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت ثم أتيت النبي فأخبرته ، فقال : هل أخبرت بها أحدًا ؟ قلت: نعم. قال : فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال : أما بعد فإن طفيلًا رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم ، وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها . فلا تقولوا : ما شاء الله وشاء محمد ، ولكن قولوا : ما شاء الله وحده . قوله : عن الطفيل أخي عائشة لأمها هو الطفيل بن عبد الله بن سخبرة أخو عائشة لأمها ، صحابي له حديث عند ابن ماجه ، وهو ما ذكره المصنف في الباب . وهذه الرؤيا حق أقرها رسول الله وعمل بمقتضاها . فنهاهم أن يقولوا : ما شاء الله وشاء محمد ، وأمرهم أن يقولوا : ما شاء الله وحده . وهذا الحديث والذي قبله فيه أن يقولوا : ما شاء الله وحده ولا ريب أن هذا أكمل في الإخلاص وأبعد عن الشرك من أن يقولوا: ثم شاء فلان لأن فيه التصريح بالتوحيد المنافي للتنديد في كل وجه . فالبصير يختار لنفسه أعلى مراتب الكمال في مقام التوحيد والإخلاص . قوله : كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها ورد في بعض الطرق : أنه كان يمنعه الحياء منهم وبعد هذا الحديث الذي حدثه به الطفيل عن رؤياه خطبهم فنهى عن ذلك نهيًا بليغًا ، فما زال يبلغهم حتى أكمل الله له الدين وأتم له به النعمة ، وبلغ البلاغ المبين ، صلوات الله وسلامهم عليه وعلى آله وصبحه أجمعين . وفيه معنى قوله  : "الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة " . قلت : وإن كان رؤيا منام فهي وحي يثبت بها ما يثبت بالوحي أمرًا ونهيًا . والله أعلم .

باب من سب الدهر فقد آذى الله قوله : باب ( من سب الدهر فقد آذى الله ) وقول الله تعالى : ' 45 :24 ' " وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر " . قال العماد ابن كثير في تفسيره : يخبر تعالى عن دهرية الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد : " وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر " ما ثم إلا هذه الدار ، يموت قوم ويعيش آخرون ، وما ثم معاد ولا قيامة . وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون للمعاد ، ويقوله الفلاسفة الإلهيون منهم ، وهم ينكرون البدأة والرجعة . وتقول الفلاسفة الدهرية الدورية ، المنكرون للصانع ، المعتقدون أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شئ إلى ما كان عليه . وزعموا أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى ، فكابروا المعقول وكذبوا المنقول ، ولهذا قالوا : " وما يهلكنا إلا الدهر " قال الله تعالى : " وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون " أي يتوهمون ويتخيلون . فأما الحديث الذي أخرجه صاحب الصحيح وأبو داود والنسائي من رواية سفيان ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله  : " يقول الله تعالى : يؤذيني ابن آدم ، يسب الدهر وأنا الدهر ، بيدي الأمر ، أقلب الليل والنهار " وفي رواية : " لا تسبوا الدهر فإني أنا الدهر " وفي رواية : " لا يقل ابن آدم يا خيبة الدهر ، فإني أنا الدهر ، أرسل الليل والنهار ، فإذا شئت قبضتهما " ا هـ . قال في شرح السنة : حديث متفق على صحته أخرجاه من طريق معمر من أوجه عن أبي هريرة قال : ومعناه أن العرب كان من شأنها ذم الدهر أي سبه عند النوازل ، لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره فيقولون : أصابتهم قوارع الدهر وأبادهم الدهر ، فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد التي يصنعونها فنهوا عن سب الدهر . ا هـ باختصار . وقد أورده ابن جرير بسياق غريب جدًا بهذا الطريق . قال : كان أهل الجاهلية يقولون : إنما يهلكنا الليل والنهار وهو الذي يهلكنا ويميتنا ويحيينا ، فقال الله في كتابه : " وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر " . ويسبون الدهر . فقال الله عز وجل : يؤذيني ابن آدم ، يسب الدهر وأنا الدهر ، بيدي الأمر ، أقلب الليل والنهار . وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن منصور عن سريج بن النعمان عن ابن عيينة مثله . ثم روى عن يونس عن ابن وهب عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة : سمعت رسول الله يقول : " يقول الله تعالى : يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر ، بيدي الليل والنهار " وأخرجه صاحب الصحيح والنسائي من حديث يونس بن يزيد به . وقال محمد بن إسحاق عن العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله قال : " يقول الله عز وجل : استقرضت عبدي فلم يعطني ، ويسبني عبدي ، يقول : وادهراه ، وأنا الدهر " . قال الشافعي وأبو عبيد وغيرهما من الأئمة في تفسير قوله : ألا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا : يا خيبة الدهر فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه ، وإنما فاعلها هو الله تعالى . فكأنما إنما سبوا الله سبحانه ، لأنه فاعل ذلك في الحقيقة ، فلهذا نهى عن سب الدهر بهذا الإعتبار لأن الله هو الدهر الذي يعنونه ويسندون إليه تلك الأفعال . هذا أحسن ما قيل في تفسيره ـ وهو المراد ـ والله أعلم . وقد غلط ابن حزم ومن نحا نحوه من الظاهرة في عدهم الدهر من الأسماء الحسنى أخذًا من هذا الحديث . ا هـ . وقد بين معناه في الحديث بقوله : أقلب الليل والنهار وتقليبه تصرفه تعالى فيه بما يحبه الناس ويكرهونه . وفي هذا الحديث زيادة لم يذكرها المصنف رحمه الله تعالى ، وهي قوله : بيدي الأمر . قوله : وفي رواية : لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر . معنى هذه الرواية : هو ما صرح به في الحديث من قوله : وأنا الدهر ، أقلب الليل والنهار يعني ما يجري فيه من خير وشر بإرادة الله وتدبيره ، بعلم منه تعالى وحكمة ، لا يشاركه في ذلك غيره . ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، فالواجب عند ذلك حمده في الحالتين وحسن الظن به سبحانه وبحمده ، والرجوع إليه بالتوبة والإنابة . كما قال الله تعالى : ' 7 : 168 ' " وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون " وقال تعالى : ' 21 : 35 ' " ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون " ونسبة الفعل إلى الدهر ومسبته كثيرة ، كما في أشعار المولدين ، كابن المعتز والمتنبي وغيرهما . وليس منه وصف السنين بالشدة ونحو ذلك كقوله تعالى : ' 12 : 48 ' " ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد " الآية . وقال بعض الشعراء : إن الليالي من الزمان مهولة تطوى وتنشر بينها الأعمار فقصارهن مع الهموم طويلة وطوالهن مع السرور قصار وقال أبو تمام : أعوام وصل كاد ينسى طيبها ذكر النوى ، فكأنها أيام ثم انبرت أيام هجر أعقبت نحوى أسى ، فكأنها أعوام ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام

باب التسمى بقاضي القضاة قوله : باب ( التسمى بقاضي القضاة ونحوه ) ذكر المصنف رحمه الله هذه الترجمة إشارة إلى النهى عن التسمى بقاضي القضاة قياسًا على ما في حديث الباب . لكونه شبهه في المعنى فينهى عنه . قوله : في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال : " إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك ، لا مالك إلا الله " . لأن هذا اللفظ إنما يصدق على الله تعالى . فهو ملك الأملاك لا ملك أعظم ولا أكبر منه . مالك الملك ذو الجلال والإكرام . وكل ملك يؤتيه الله من يشاء من عباده فهو عارية يسرع ردها إلى المعير . وهو الله تعالى ، ينزع الملك من ملكه تارة وينزع الملك منه تارة فيصير لا حقيقة له سوى اسم زال مسماه . وأما رب العالمين فملكه دائم كامل لا انتهاء له بيده القسط يخفضه ويرفعه ، ويحفظ على عباده أعمالهم بعلمه سبحانه وتعالى ، وما تكتبه الحفظة عليهم . فيجازى كل عامل بعمله إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر . كما ورد في الحديث : " اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله . وإليك يرجع الأمر كله . أسألك من الخير كله ، وأعوذ بك من الشر كله " . قوله : قال سفيان يعني ابن عيينة مثل شاهنشاه عند العجم عبارة عن ملك الأملاك . ولهذا مثل به سفيان لأنه عبارة عنه بلغة العجم . قوله : وفي رواية : أغيظ رجل على الله وأخبثه . قوله : أغيظ من الغيظ وهو مثل الغضب والبغض . فيكون بغيضا إلى الله مغضوبًا عليه . والله أعلم . قوله : وأخبثه وهو يدل أيضًا على أن هذا خبيث عند الله فاجتمعت في حقه هذه الأمور لتعاظمه في نفسه وتعظيم الناس له بهذه الكلمة التي هي من أعظم التعظيم ، فتعظمه في نفسه وتعظيم الناس له بما ليس له بأهل ، وضعه عند الله يوم القيامة . فصار أخبث الخلق وأبغضهم إلى الله وأحقرهم ، لأن الخبيث البغيض عند الله يكون يوم القيامة أحقر الخلق وأخبثهم ، لتعاظمه في نفسه على خلق الله بنعم الله . قوله : أخنع : يعني أوضع هذا هو معنى أخنع فيفيد ما ذكرنا في معنى أغيظ أنه يكون حقيرًا بغيضًا عند الله . وفيه التحذير من كل ما فيه تعاظم . كما أخرج أبو داود عن أبي مجلذ قال : خرج معاوية رضي الله عنه على ابن الزبير وابن عامر . فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير . فقال معاوية لابن عامر : اجلس ، فإني سمعت رسول الله يقول : "من أحب أن يتمثل له الرجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار " وأخرجه الترمذي أيضًا ، وقال حسن . وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : " خرج علينا رسول الله متكئًا على عصا ، فقمنا إليه . فقال : لا تقوموا كما تقوم الأعاجم ، يعظم بعضهم بعضًا " رواه أبو داود . قوله : أغيظ رجل هذا من الصفات التي تمر كما جاءت ، وليس شئ مما ورد في الكتاب والسنة إلا ويجب اتباع الكتاب والسنة في ذلك وإثباته على وجه يليق بجلال الله وعظمته تعالى ، إثباتًا بلا تمثيل وتنزيهًا بلا تعطيل كما تقدم ، والباب كله واحد . وهذا هو قول أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الفرق الناجية من الثلاث والسبعين فرقة. وهذا التفرق والاختلاف إنما حدث في أواخر القرن الثالث وما بعده كما لا يخفى على من له معرفة بما وقع في الأمة من التفرق والاختلاف والخروج عن الصراط المستقيم ، والله المستعان .