غيرته غير الدهر فشاب
المظهر
غَيَّرَتْهُ غِيَرُ الدَّهْرِ فشابْ
غَيَّرَتْهُ غِيَرُ الدَّهْرِ فشابْ
ورمته كلُّ خود باجتناب
فغدا عند الغواني ساقطاً
كسقوط الصفر من عد الحساب
وتولى عنه شيطانُ الصبا
إذا رماه الشيبُ رجماً بشهاب
وكأنَّ الشَّعَرَ منه سَعَفٌ
يلتظي فيه شواظٌ ذو التهاب
أيها المُغْرِى بِتأنِيبِ شجٍ
سُلّطَ الوجد عليه، هل أناب؟
هامَ، لا همتَ، من الغيد بمن
حبّها عذبٌ، وإن كان عذاب
لمتَ، لا لمتَ، عميداً قلبهُ
عن سماعِ اللوم فيها ذو انقلاب
والهوى باقٍ مع المرء إذا
كان من عصرِ الصِّبا عنه ذهاب
بأبي من أقبلتْ في صورةٍ
ليس للتّائب عنها مِنُ متاب
كُلُّ حُسْنٍ كامِلٍ في خَلقها
ليتها تنجو من العين بعاب
فالقوام الغصن، والردف النقا،
والأقاحُ الثَّغْرُ، والطَّلُّ الرُّضاب
ظبيةٌ في العقد إما التفتتْ
ومهاة حين ترنو في النقاب
ضاع قلبي فالتمسهُ عندها
تُلْفِهِ في النحر وُسْطَى بِسِخَاب
روضةٌ تعبقُ نشرا ما لها
غُمست في ماءِ وردٍ وملاب
عنّفت رسلي، وردّت تحفي
وأتت تقرع سمعي بالعتاب
ومحتْ أسطر شوقٍ كُتبتْ
بدموع، نِقْسها قلبٌ مذاب
ثمّ غطت بنقاب خدّها
مَنْ رأى الشمس توارت بالحجاب
بكلامٍ يسْتبي أهلَ النَّهى
ويحطّ العصم من شمّ الهضاب
حيث أخلاقي رواضٍ خَضَعَتْ
في الهوى منها لأخلاقٍ صعاب
كيفَ لا أبكي بهذا كلّه
وأنا الفاقد ريعان الشباب
صدّت البيضُ عن البيضِ أما
كان ما بين الشبيهين انجذاب
أفلا أبكي شباباً فقدهُ
قلبَ الماء لظمآنٍ سراب
أخطأ الشيبُ ظباءً، والصِّبا
لو رماها خَذَفَاتٍ لأصاب
خُذ برأيٍ في زماع واصلٍ
طرفَيْهِ: بسفين وركان
واغتربْ وارجُ المنى كم من فتًى
معدمٍ نال المنى بعد اغتراب
إنَّ أتراحَ النوى يعقُبُها
بجزيلِ الحظِّ أفراحُ الإياب
وإذا نابك خطبٌ فاقرهِ
بمهيبٍ فهو للإسلام ناب
إنَّ للقائد عزا، جارُهُ
في جوار النجم محميّ الجناب
أسَدُ الروع الذي حملاقهُ
يُرْسِلُ اللحظَةَ موتاً فَيُهاب
صارمٌ يُبْكي دُمَى الرومِ دَماً
إن تغنَّى منه في الهام ذُباب
في جهادٍ قَرَنَ الله به
عنده الزّلفى إلى حُسْن المآب
كم بأرضِ الشرك من معمورةٍ
أصبحت في غَزْوِهِ وهي يَبَاب
في أساطيلَ ترى أحشاءها
لبنات الرومِ فيهنّ انتحاب
ككناسٍ بغمتْ غزلانهُ
من زئيرٍ راعها منْ أُسْدِ غاب
كلّ مسودّ قراهُ خلقةً
لابساً من ذلك الليل إهاب
إنّ ثعبان سراه يقتدي
في نعيب منه بالبرّ غراب
شجراتٌ حَمْلُها البيضُ إذا
نوّرتْ بالمشرفيات العضاب
أثمرتْ بالعينِ في الماءِ وإن
ثوّرتْ منه عجاجات العباب
تقرأ الأعلاجُ منها للردى
فوْقَ طِرْسِ الماءِ أسطارَ كتاب
مَنْ صناديدهمُ إنْ ساوروا
أسُدَ البيد وحيّات الشعاب؟
لستُ أدري أقلوبٌ منهمُ
أمْ صخورٌ في الحيازيم صِلاب
بُهَمٌ إن ثَوّبَتْ حَرْبٌ بِهِمْ
أوجفوا البُزْلَ إليها والعِراب
أيها العزم الذي منه زكا
في المعالي عنصر المجد وطاب
هاكها بنتَ ضميرٍ أعْرَبَتْ
عن معاليك بألفاظٍ عِذاب
يا لها من حكمةٍ بالغةٍ
خاطبَ الفضلَ بها فصلُ الكتاب
وَصِلِ الغزوَ بتدميرِ العدى
واحيَ في العزِّ لتسهيل الصعاب