غمضت بغتة جفون الفناء

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

غمضت بغتة ً جفونُ الفناءِ

​غمضت بغتة ً جفونُ الفناءِ​ المؤلف حيدر بن سليمان الحلي


غمضت بغتةً جفونُ الفناءِ
فوق إنسانِ مقلة العلياءِ
وله نقبّت بغاشية الحزن
محيّا الدنيا يدُ النكباء
حمّلت وقر عبئها كاهلَ الدهـ
ـر فأمسى يرغو من الإعياء
نكبةٌ لم تدعْ جليداً على الوجـ
ـد ولا صابراً على اللأواء
ليت أمّ الخطوب تعقمُ ماذا
أنتجت بغتة من الأرزاء؟‍
ولدت حين عنَّست هرماً ما
لم تلدْ مثله بوقت الصباء
فأصابت يداه في حرم المجدِ
فؤادَ العليا بسهم القضاء
فقضت نحبها، وغيرُ عجيبٍ
قد اُصيبت بأرأس الأعضاء
يا صريعَ الحمام صلى عليك
الله من نازلِ بربع الفناء
وسقى منه تربةً ضمنت جسمَـ
ـك غيث الغفران والنعماء
فحقيرٌ نوءُ الجفون وما قد
رُ جفون السحاب والأنواء
أين عيس المنون فيك استقلت
بالحصيف المضفّر الآراء
ذهبت في معرس السفرِ جوداً
وروى حوَّم الأماني الظماء
نعم ربُّ النديِّ حلماً إذا النكـ
ـباءُ طارت بحوبة الحلماء
نعم ربُّ الحجى إذا أكل الطيـ
شُ حجى الحازمين في اللأواء
نعم ربُّ الندى إذا كسع الشولُ
بأغبارِها عيالَ الشتاء
نعم ربُّ القِرى إذا هبَّت الريـ
ـح شمالاً في الشتوة الغبراء
نعم ربُّ الجفان ليلةَ يُمسى
بضياهنَّ مقمرُ الظلماء
يا عفاء الأنام شرقاً وغرباً
دونكم فاحتبوا بثوب العفاء
واقصروا أعينَ الرجاء قنوطاً
مَن إليه تمتدُّ في البأساء؟؟
وانحبوا عن حريق وجدٍ لمن كا
ن عليكم أحنى من الآباء
"يستقلُ الحبا لكم إن وفدتم
ولو المشرقان بعضُ الحباء»
لو بكته عيونكم وأفضن الأ
بحرُ السبع والحيا في البكاء
لم تفوّه معشارَ ما قد أفاضت
لكم راحُ كفه البيضاء
رحّلوا العيسَ قاصدين ضريحا
فيه ما فيه من علىَ وسخاء
واعقروا عنده وجلَّ عن العقر
قلوباً مطلولة السوداء
جدثٌ ماء عيشكم غاض فيه
فانضحوا فوقه دمَ الأحشاء
حلَّ فيه من قد كفى آدماً في
غيث جدواه عيلة الأبناء
«ليت شعري أنّى دنا الموت منه
وهو في ربع عزّةٍ قعساء»
«هل أتاه مسترفداً حين أعطى
ما حوته يداه للفقراء»
ودَّت المكرماتُ أن تفتديه
ببينها الماجد الكرماء
هم مكانُ الجفون منها ولكن
هو في عينها مكان الضياء
وهم في الحياة موتى ولكن
هو ميتٌ يعدّ في الأحياء
فحبا نفسَه الردى إذ أتاه
مستميحاً يمشي على استحياء
بعد ما عاشت العفاة زماناً
من نداه في أسبغ النعماء
علمت فقرَها إليه ولم تعلم
إليه الردى من الفقراء
ياعقيدي على الجوى كبر الخطـ
ـبُ فاهون بالدمعة البيضاء
أجرِ من ذوب قلبك الدمعة الحمـ
ـراء حزناً في الوجنة الصفراء
عودُ صبري من اللحا قد تعرّى
فانبذ الصبرَ لوعةً في العراء
إن تلسني عن ظلمة الكون لمّا
حُلن أنوارَ أرضه والسماء
فهو أَثوابُ ليل حزن دجاه
طبّق الخافقين بالظلماء
قد خفقن النجوم منه بجنحٍ
سامَ أنوارَهن بالإطفاء
ولبدر الغبراء حال أخوه
بدرُ أهل الغباء والخضراء
وإلى الشمس قد نعوه فماتت
جزعاً من سماع صوت النعاء
وله غصَّ بالمصاب ولمّا
يتنفس حتى قضى ابن ذُكاء
وقف المجد ناشداً يومَ أودى
شاحبَ الوجه كاسف الأضواء
هل ترى صالحاً على الأرض لما
غاب فيها المهديُّ بدر العلاء
قلت خفّض عليك من عظم الأمـ
ـر ونهنه من لوعة البرحاء
ليس إلا محمدٌ صالحٌ يوجد
في الأرض من بني حواء
في التقى والصلاح والزهد والخشـ
ـية والنسك بل وحسن الرجاء
هي في العالمين أجزاء لكن
هو كلٌّ لهذه الأجزاء
وبيوم المعاد لو لقَى الخلـ
ـقَ بأعماله إلهُ السماء
كان حقاً أن يعدم النار إذ ليس
نصيبٌ للنار في الأتقياء
ليس ينفكّ للجميل قريباً
وبعيداً عن خطة الفحشاء
ومهاباً له على أعين الدهر
قضى الكبرياءَ بالإغضاء
وبليغاً قد انتظمن معانيـ
ـه بسلك الإعجاز للبلغاء
وفصيحاً بنطقه يخرس الدهـ
ـرَ فما قدرُ سار الفصحاء
فارسُ المشكلات إن ندبوه
لبيان المقالة العوصاء
فهو من غرِّ لفظه يطعن الثغـ
ـرةَ منه بالحجة البيضاء
واحدُ الفضل ماله فيه ثانِ
غير عبد الكريم غيث العطاء
بعقود الثناء فخراً تحلّى
وتحلَّت به عقودُ الثناء
الذكيُّ الذي إذا قمتَ أهلَ الـ
ـفضل فيه كانوا من الأغبياء
والمصلّى للمجد خلف أخيه
في سباق الأشباه والنظراء
ضربا في العُلى بعرقٍ كريمٍ
واحدٍ دون سائر الأكفاء
ينتمي كلُّ واحدٍ منهما عنـ
ـد انتساب الأبناء للآباء
للكرام الأكفِّ تحسب فيهنَّ
يذوب الغمامُ يوم السخاء
معشرُ المجد، شيعة الشرف البا
ذخ، بيضُ الوجوه خضر الفِناء
قد حباهم محمدٌ بجميل الـ
ـذكر إذ كان صالح الأنباء
يقظُ القلب في حياطة دين اللّـ
ـه حتى في حالة الإغفاء
ذو يمين بيضاء لم تتغيَّرْ
بأثام البيضاء والصفراء
يا عليماً يصيب شاكلة الغيـ
ـب بتسديد أسهم الآراء
وكظيماً للحزن يطوى حشاه
جلداً فوق زفرةٍ خرساء
لك ذلّت عرامة الدهر حتى
لك أمسى يُعدُّ في الوصفاء
ملكت رقّه يمينك فالعا
لم من رقّه من العتقاء
ولئن قد أساء فالعبدُ للمو
لى مسيءٌ جهلاً بغير اهتداء
أنتَ أطلقت أسر أعوامه الغبـ
ـر من الجدب بالندى والسخاء
فجنى ما جنى، وغير عجيبٍ
إنما السوء عادة الطلقاءِ
ولئن كان مسخطاً لك بالأمـ
ـسِ بهذي المصيبة الصّماء
فلك اليوم في محمدٍ الندب
الرضا عنه فهو أعلى الرضاء
ذو محيّاً كالبدر يقطر منه
مثل طلّ الأنداء ماءُ الحياء
وعلاءٍ هي السماءُ، مساعيـ
ـه نجومٌ لألاؤها بالضياء
ومزاياً لم أرض نظميَ فيها
ولو أنَّي نظمتُ شهبَ السماء
أو فمُ الدهر كنتُ فيه لساناً
ناطقاً ما بلغتُ بعض الثناء
دون أحصائها الكلامُ تناهى
فغدت مستحيلة الأحصاء
تيَّمت قلبه حسانُ المعالي
بهواهنَّ، لا حسانُ الظباء
وعلى الخلقَ خلقُه فاض بالبشـ
ـر فأزرى بالروضة الغنّاء
خُلقٌ شفَّ، فالهواء كثيفٌ
عنده إن قرنته بالهواء
أرضعته العلاءُ ثدياً وثدياً
رضِع المصطفى ابنُ أمِّ العلاء
فهما في الزمان يقتسمان الـ
ـفخرَ دون الورى بحظٍ سواء
ألفت نفسُه السماحَ فتيّاً
بُوركا من فتوةٍ وفتاء
وحوى الفضلَ يافعَ السنّ لمّا
فات شوطَ المشايخ العظماء
يا رحابَ الصدور في كل خطبٍ
وثقالَ الحلوم عند البلاء
لن تضلوا السبيلَ والبدرُ هادٍ
لكم في دجنَّة الغمّاء
وأخوه محمدٌ حلمكم فيه
حسينَ رأسٍ لدى النكباء
ولكم أوجهٌ بكل مهمٍّ
ليس منها يحول حسنُ الثناء
ونفوسٌ إذا التقت بالرزايا
غير مضعوفة القوى باللقاء
وكملس الصفا قلوبٌ لدى الخطـ
ـب بها رنَّ مقطعُ الأرزاء
إن أسمكم حسنَ الأسى ولأضعا
ف أساكم تضمَّنت أحشائي
فلكم بعضكم ببعضٍ عزاءٌ
ولنا فيكم جميل العزاء