انتقل إلى المحتوى

غشيت لليلى بالبرود مساكنا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

غشيتُ لليلى بالبَرودِ مساكناً

​غشيتُ لليلى بالبَرودِ مساكناً​ المؤلف كثير عزة


غشيتُ لليلى بالبَرودِ مساكناً
تَقَادَمْنَ فاستَنَّتْ عليها الأَعَاصِرُ
وأوْحَشْنَ بَعْدَ الحيِّ إلاّ مَسَاكِناً
يُرينَ حديثاتٍ وهنَّ دواثرُ
وكانتْ إذا أخلتْ وأمرعَ ربعُها
يكونُ عليها من صديقكَ حاضرُ
فَقَدْ خَفَّ منها الحيُّ بَعْدَ إقَامَةٍ
فَمَا إنْ بها إلاّ الرِّياحُ العَوائِرُ
كأَنْ لَم يُدَمِّنْهَا أنيسٌ وَلَمْ يَكُنْ
لها بَعْدَ أيَّامِ الهِدَمْلَةِ عَامِرُ
وَلَمْ يَعْتَلِجْ في حَاضِرٍ مُتَجَاورٍ
قفا الغَضْيِ مِنْ وَادِي العُشَيرَةِ سَامِرُ
سَقَى أُمَّ كُلثُومٍ على نأي دَارِها
وَنِسْوَتَها جَوْنُ الحَيَا ثُمَّ بَاكرُ
أحمُّ رجوفٌ مستهلٌّ ربابهُ
لَهُ فِرَقٌ مُسحَنْفراتٌ صَوَادِرُ
تَصَعَّدَ في الأَحْنَاءِ ذُو عَجْرَفِيَّةٍ
أحمُّ حبركى مُرجفٌ متماطرُ
وأعرضَ من ذَهبانَ مُعرورِفَ الذُّرى
تَرَيَّعُ منهُ بالنِّطافِ الحَوَاجِرُ
أقامَ على جُمدانَ يوماً وليلةً
فجمدانُ منهُ مائلٌ متقاصرُ
وَعَرَّسَ بالسَّكْرَانِ يَوْمَيْنِ وارتَكَى
يجرُّ كما جرَّ المكيثُ المسافرُ
بذي هيدبٍ جونٍ تنجِّزُهُ الصِّبا
وتدفعهُ دفع الطَّلا وهوَ حاسرُ
وَسُيّلَ أكنَافُ المَرَابِدِ غُدْوَةً
وسُيِّلَ منهُ ضاحكٌ والعواقرُ
ومنُه بصَخْرِ المَحْوِ وَدْقُ غمامةٍ
لهُ سَبَلٌ واقْوَرَّ مِنْهُ الغَفائِرُ
وطبَّقَ من نحوِ النَّجيل كأنّهُ
بأَلْيَلَ لمّا خَلَّفَ النّخْلَ ذَامِرُ
وَمَرَّ فأرْوَى يَنْبُعاً فَجُنُوبَهُ
وقد جِيدَ منهُ جَيْدَةٌ فَعَبَاثِرُ
لَهُ شُعَبٌ مِنْها يَمَانٍ وَرَيِّقٌ
شآمٍ وَنَجْدِيٌّ وآخَرُ غَائِرُ
فلمّا دنا للاَّبَتَيْنِ تَقُودُهُ
جَوافِلُ دُهْمٌ بالرَّبَابِ عَوَاجِرُ
رسا بينَ سلع والعقيقِ وفارعٍ
إلى أُحُدٍ للمزنِ فيهِ غشامرُ
بِأَسْحَمَ زَحَّافٍ كَأَنَّ ارتجَازَهُ
توعُّدُ أَجْمَالٍ لهُنَّ قَرَاقِرُ
فأمْسى يَسُحُّ الماءَ فَوْقَ وُعَيْرَةٍ
لهُ بالِلّوى والوَادِيَيْنِ حَوَائِرُ
فَأَقْلَعَ عَنْ عُشٍّ وأصْبَحَ مُزْنُهُ
أَفاءً وآفاقُ السَّماءِ حَواسِرُ
فكلُّ مسيلٍ من تهامةَ طيِّبٍ
تَسِيلُ بِهِ مُسلَنطَحَاتٌ دَعَائِرُ
تُقَلِّعُ عُمْرِيَّ العِضَاهِ كأَنَّها
بِأَجْوَازِهِ أُسْدٌ لهُنَّ تَزَاؤرُ
يُغادِرُ صَرْعَى من أَرَاكٍ وَتَنْضُبٍ
وزرقاً بأثباجِ البحارِ يُغادرُ
وكلُّ مسيلٍ غارتِ الشّمسُ فوقَهُ
سَقِيُّ الثُّرَيَا بَيْنَهُ مُتجاوِرُ
وما أُمُّ خِشْفٍ بالعَلاَيَةِ شادِنٍ
أصاعَ لها بانٌ من المردِ ناضرُ
تَرَعّى بهِ البَرْدَيْنِ ثُمَّ مَقِيلُها
ذُرَى سَلَمٍ تَأوِي إليها الجآذِرُ
بأَحْسَنَ مِنْ أُمّ الحُوَيرثِ سُنّةً
عَشِيَّةَ دَمْعي مُسبِلٌ مُتبادِرُ