غاداك من بحر الرواعد مسبل
المظهر
غَادَاكِ مِنْ بَحْرِ الرَّوَاعِدِ مُسْبِلُ
غَادَاكِ مِنْ بَحْرِ الرَّوَاعِدِ مُسْبِلُ
وَسَقَتْكِ أَخْلاَفُ الْغُيُومِ الْحُفَّلُ
وجرَتْ بلَيلِ الذَّيْلِ وانِيَةَ الخُطا
مِسْكِيّةَ النفَحاتِ فيكِ الشمْأَلُ
للهِ ما حُمِّلْتِ من ثِقلِ الهوى
يومَ استقلَّ قَطينُكِ المُتحَمِّلُ
وَلَطَالَمَا قَضَّى الشَّبَابُ مَآرِبِي
فيكِ اختِلاساً والحوادثُ غُفَّلُ
أيامَ لا تُعصى الغَوايةُ في هوى
الْغِيدِ الْحِسَانِ وَلاَ تُطَاعُ الْعُذَّلُ
والبِيضُ تَسْفِرُ لي فأصدِفُ مُعرِضاً
عَنْهَا وَتُنْجِزُنِي الْوُعُودَ فَأَمْطُلُ
مَا خِلْتُ أَنَّ جَدِيدَ أَيَّامِ الصِّبَى
يَبْلَى وَلاَ أَنَّ الشَّبِيبَةَ تَنْصُلُ
أَتَغَزُّلاً بَعْدَ الْمَشِيبِ وَصَبْوَةً
سَفَهاً لِرَأْيِكَ شَائِباً يَتَغَزَّلُ
هَيْهَاتَ مَا لِلْبِيضِ فِي وَدِّ کمْرِىءٍ
إرْبٌ وَقَدْ وَلَّى الشَّبَابُ الْمُقْبِلُ
أعرضْنَ لمّا أنْ رأَيْنَ بلِمَّتي
أمثالُهُنَّ وقُلنَ داءٌ مُعْضِلُ
وَلَرُبَّ مَعْسُولِ الْمَرَاشِفِ وَاللِّمَى
مِنْ دُونِهِ سُمْرُ الذَّوَابِلِ تَعْسِلُ
مُتقَلِّدٍ عَضْبَ المضاربِ خَصرُهُ
من حَدِّ مَضربِهِ أرَقُّ وأنحَلُ
كالظبْيِ يومَ السِّلمِ وهْوَ لفَتْكِهِ
يَوْمَ الْوَغَى لَيْثُ الْعَرِينِ الْمُشْبِلُ
نَادَمْتُهُ وَالصُّبْحُ مَا ذَعَرَ الدُّجَا
والليلُ في ثوبِ الشبيبةِ يَرفُلُ
وكأنَّ أَفرادَ النجومِ خَوامسٌ
تدنو لوِردٍ والمَجرَّةَ مَنهَلُ
فأَدارَ خمرَ مراشفٍ ما زلتُ بالصَّهباءِ عن رَشَفاتِها أَتعَلَّلُ
ـصَّهْبَاءِ عَنْ رَشَفَاتِهَا أَتَعَلَّلُ
مَشمولةً ما فَضَّ طينَ خِتامِها
ساقٍ ولا أَنحى عليها مِبْزَلُ
وَلَرُبَّ أَبْيَضَ صَارِمٍ مِنْ لَحْظِهِ
يُحْمَى بِهِ ثَغْرٌ لَهُ وَمُقَبَّلُ
يُذْكي على قلبِ المُحبِّ رُضابُهُ
جمرَ الغَضا وهْوَ البَرُودُ السَّلْسَلُ
لَقَدِ کسْتَرَقَّ لَهُ الْقُلُوبَ مُهَفْهَفٌ
من قَدِّهِ لَدْنٌ وطَرفٌ أكحَلُ
يَا شَاكِي اللَّحَظَاتِ شَكْوى مُغْرَمٍ
يَلقاكَ وهْوَ من التجَلُّدِ أعزَلُ
أَصْمَتْ لَوَاحِظُكَ الْمَقَاتِلَ رَامِياً
أَفَمَا يَدِقُّ عَلَى سِهَامِكَ مَقْتَلُ
أغنَتْكَ عن حملِ السلاحِ ونَقلِهِ
نَجْلاَءُ أَمْضَى مِنْ ظُبَاكَ وَأَقْتَلُ
لَوْلاَ نُصُولُ ذَوَائِبِي لَمْ تَلْقَنِي
مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ فِي الْهَوَى أَتَنَصَّلُ
أمسَتْ تَلومُ على القناعةِ جارةٌ
سَمعي بوَقعِ مَلامِها لا يَحفِلُ
عَابَتْ عَلَيَّ خَصَاصَتِي فَأَجَبْتُها
مِنَنُ الرِّجَالِ مِنَ الْخَصَاصَةِ أَثْقَلُ
قالتْ تنَقَّلْ في البلادِ فقَلّما
فَاتَ الْغِنَى وَالْحَظُّ مَنْ يَتَنَقَّلُ
فالمرءُ تَحْقُرُهُ العيونُ إذا بدا
إعْسَارُهُ وَيُهَابُ وَهْوَ مُمَوَّلُ
يا هذه إنَّ السؤالَ مَذَلّةٌ
وَوُلُوجُ أَبْوَابِ الْمُلُوكِ تَبَذُّلُ
كُفِّي المَلاَمَ فَكُلُّ حَظٍّ مُعْرِضٍ
عنّي بإقبالِ الخليفةِ مُقبِلُ
أَلمُستَضيءُ المُستَضاءُ بهَديِهِ
والساجِدُ المُتَهَجِّدُ المُتَبَتِّلُ
أَلْمُسْتَجَابُ دُعاؤُهُ فَالْغَيْثُ مَا
قَنِطَ الثَّرى بدُعائِهِ يَتنزَّلُ
أَلمُستَقِرُّ من الخلافةِ في ذُرىً
شَمّاءَ لا يَسْطِيعُها المُتَرَقِّلُ
قَرْمٌ إذَا غَشِيَ الْوَغَى فَعِتَادُهُ
مَدْروبةٌ زُرقٌ وسُمْرٌ ذُبَّلُ
ومُطَهَّمٌ في السَّرْجِ منهُ هضبةٌ
ومثهنّدٌ في الغِمدِ منهُ جدوَلُ
ما رَدَّ يوماً سائلاً ولهُ سُطا
بأسٍ يُرَدُّ بها الخَميسُ الجَحفَلُ
جَذلانُ يَكثُرُ في النَّدى عُذَّالُهُ
إنَّ الكريمَ على السَّماحِ مُعَذَّلُ
يَعْفُو عَنِ الْجَانِي فَيُوسِعُ ذَنْبَهُ
عَفْواً وَيُعْطِي سَائِلِيهِ فَيُجْزِلُ
جَارٍ عَلَى سُنَنِ النَّبِيِّ وَسُنَّةِ
الْخُلَفَاءِ مِنْ آبَائِهِ تُتَقَبَّلُ
عن جُودِهمْ رُوِيَتْ أحاديثُ النَّوى
وبفضلِهمْ نطقَ الكتابُ المُنزَلُ
لا يُرتَضى عملٌ بغيرِ وَلائهمْ
فيهمْ تَتِمُّ الصالحاتُ وتَكمَلُ
إنْ كُنْتَ تُنْكِرُ مَأْثُرَاتِ قَدِيمِهِمْ
فاسأَلْ بها "يا أيها المُزَّمِلُ"
شرَفاً بني العباسِ شادَ بناءَهُ
لَكُمُ فَأَعْلاَهُ النَّبِيُّ الْمُرْسَلُ
مَا طَاوَلَتْكُمُ فِي الْفِخَارِ قَبِيلَةٌ
إلاَّ وَمَجْدُكُمْ أَتَمُّ وَأَطْوَلُ
شَرَّفْتُمُ بَطْحَاءَ مَكَّةَ فَکغْتَدَتْ
بِكُمُ يُعَظَّمُ قَدْرُهَا وَيُبَجَّلُ
أنتمْ مصابيحُ الهُدى والناسُ في
طرُقِ الجهالةِ حائرُ ومُضَلَّلُ
فَکسْلَمْ أَمِيرَ الْمُسْلِمِينَ مُشَيِّداً
مَا شَيَّدُوا وَمُؤَثِّلاً مَا أَثَّلُوا
يَلْقَى الأَمَانَ عَلَى حِيَاضِكَ وَالأَمَا
ني في جَنابِكَ خائفٌ ومُؤَمِّلُ
إنْ فَاضَ سَيْبُكَ فَالْبُحُورُ جَدَاوِلٌ
أَوْ صَابَ غَيْثُكَ فَالْغَمَامُ مُبَخَّلُ
أو راعَنا جَدبٌ فجُودُكَ مَورِدٌ
أو غالَنا خَطبٌ فبأسُكَ مَعقِلُ
سُسْتَ الأنامَ بسِيرةٍ ما سارَها
فِي النَّاسِ إلاَّ جَدُّكَ الْمُتَوَكِّلُ
لا حُرمةُ الدينِ الحنيفِ مُضاعةٌ
كلاّ ولا حقُّ الرعايا مُهمَلُ
هذَّبْتَ أخلاقَ الزمانِ وطالما
كَانَتْ حَوَادِثُهُ تُسِيءُ وَتَجْهَلُ
وعمَمْتَ وغَمامُ جُودِكَ مُسْبِلٌ
أنْ لا يَصوبَ بها الغَمامُ المُسبِلُ
وبمدحِهِ مِيزانُ أعمالي إذا
خفَّتْ موازينُ القيامةِ تَثْقُلُ
كُنْ لي بطَرفِكَ راعياً يا من لهُ
طَرْفٌ بِرَعْيِ الْعَالَمِينَ مُوَكَّلُ
فَاللَّهُ نَاصِرُ مَنْ نَصَرْتَ وَذَائِدٌ
عمَّنْ تَذُودُ وخاذلٌ من تَخذُلُ
حَلَّلْتَنِي مِنْ جُودِ كَفِّكَ أَنْعُماً
تَضفو ملابِسُها عليَّ وتَفْضُلُ
وفتحْتَ بابَ مكارمٍ ألفَيْتُهُ
في عصرِ غيرِكَ وهْوَ دوني مُقفَلُ
وَوَقَفْتَ مِنْ شَرَفِ الْخِلاَفَةِ مَوْقِفاً
مِنْ دُونِهِ سِتْرُ النُّبُوَّةِ مُسْبَلُ
وَرَأَيْتُ مِنْ حُسْنِ کخْتِيَارِكَ مَنْظَراً
عجَباً تَحارُ لهُ العقولُ وتَذهَلُ
دَارَاً رَفَعْتَ بِنَاءَهَا وَوَضَعْتَهَا
لِلْجُودِ فَهْيَ لِكُلِّ رَاجٍ مَؤْئِلُ
دَاراً أَقَامَ بِهَا السُّرُورُ فَمَا لَهُ
عن أهلِها عمْرَ الزمانِ تَرَحُّلُ
يُغْضي لعِزَّتِها النواظرَ هَيبةً
فيَرُدُّ عنها طرفَهُ المُتَأَمِّلُ
حَسَدَتْ مَحَلَّتَهَا النُّجُومُ فَوَدَّ لَوْ
أَمسى يُجاوِرُها السِّماكُ الأعزَلُ
ورفَعْتَها عن أنْ تُقبِّلَ منْ بها
شَفَةٌ فَأَضْحَتْ بِالْجِبَاهِ تُقَبَّلُ
هيَ ملجَأٌ للخائفينَ وعِصمةٌ
ومُعَرَّسٌ للطالبينَ ومَنزِلُ
غَنِيَتْ عَنِ الأَنْوَاءِ أَنْ تَغْشَى لَهَا
رَبْعاً وَفِيهَا الْعَارِضُ الْمُتَهَلِّلُ
تُزهى على أخَواتِها فكأنّها
أَدْمَاءُ مِنْ ظَبَيَاتِ وَجْرَةَ مُغْزِلُ
فَاتَ الأَوَائِلَ شَأْوُهَا فَلَوِ کحْتَبَتْ
في آلِ حربٍ لادَّعاها الأخطَلُ
تَمْشِي وَلِلأَغْرَاضِ مِنْهَا صَارِمٌ
عَضْبٌ وللأحسابِ منها صَيْقَلُ
مِدَحاً يُخَيِّرُهَا لِعِزِّ جَلاَلِكُمْ
عَبْدٌ لَهُ حُرُّ الْكَلاَمِ مُذَلَّلُ
إنْ كانَ للشُّعراءِ من تَيّارِها
وَشَلٌ فَلِي مِنْهَا سَحَائِبُ هُطَّلُ