عِظمٌ لَمْ تَسَعْهُ دَارُ الفَنَاءِ

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

عِظمٌ لَمْ تَسَعْهُ دَارُ الفَنَاءِ

​عِظمٌ لَمْ تَسَعْهُ دَارُ الفَنَاءِ​ المؤلف خليل مطران


عِظمٌ لَمْ تَسَعْهُ دَارُ الفَنَاءِ
فَلْتَسَعْهُ في اللهِ دَارُ الْبَقَاءِ
يا أَمِيراً إلىَ ذُرَى العِزَّةِ القَعْ
سَاءِ أعْلًى مَكَانَةَ الأُمَرَاءِ
لَمْ تَكْنْ بِالضَّعِيفِ يَوْمَ أُصِبْ
تَ الأَمْرَ وَالأَمْرُ مَطْمَعُ الأَقْوِيَاءِ
فَتَنَكَّبْتَ عَنْهُ أَقْدَرَ مَا كُنْ
تَ عَلَى الاضْطِلاَعِ بِالأَعْبَاءِ
إِنَّمَا آثَرَتْ لَكَ النَّفْسُ حالاً
هِيَ أَسْمَى مَنَازِلِ النُّزَهَاءِ
عُدْتَ عُطْلاً وَلَيْسَ في النَّاسِ أَحْ
لَى جَبْهَةً مِنْكَ بَعْدَ ذَاكَ الإِبَاءِ
فجِعتْ مِصْرُ فِيكَ فَجْعَةَ أُمٍّ
فِي الأَعَزِّ الأغْلَى مِنَ الأَبْنَاءِ
في جوَادٍ جَارَى أَبَاهُ وضما جَا
رَاهُ إِلاَّهُ بِالنَّدَى وَالسَّخَاءِ
أَوْرَدَ الفَضْل كُلَّ صَادٍ وَخَ
صَّ الجزْل مِنُه بِالعِلمِ وَالعُلَمَاءِ
أَرْيَحِيٌّ يَهْتزُّ لِلعَمَلِ الطَّيِّ
بِ مِنْ نَفْسِهِ بِلاَ إِغْرَاءِ
إِنَّمَا يَبْتَغِي رِضَاهَا وَمَايُعْنَ
ى بِشُكْرٍ مِنْ غَيْرِهَا وَثَنَاءِ
كَلِفٌ بِالجَمِيلِ يُسْدِيِهِ عَفْواً
مُتَجَافٍ مَوَاطِنَ الإِيذاءِ
لاَزَمٌ حَد رَبهِ غَيْرَ نَاسٍ
في مَقَامٍ مَا حُقَّ لِلْعَليَاءِ
كُلَّ شَأْنٍ يَسُوسُهُ يَبْلُغُ الغَا
يَةَ فِيهِ مِنْ هِمَّةٍ وَمَضَاءِ
ويَرَى الفَخْرَ أَنْ يَكُونَ طَلِيقاً
مِنْ قُيُودِ الظَّوَاهِرِ الْجَوْفَاءِ
كَانَ وَهْوَ الكَرِيمُ جِدَّ ضَنِينٍ
بِالإِذَاعَاتِ عَنْهُ وَالأَنْبَاءِ
فإِذَا مَا أُمِيطتِ الحُجْبُ عَنْ تِل
كَ المَسَاعِي الجِسَامِ وَالآلاَءِ
أَسْفَرَتْ بَيْنَ رُوْعَةٍ وَجَلاَلٍ
عَنْ كُنُوزٍ مَجْلُوَّةٍ مِنْ خَفَاءِ
كَانَ ذَاكَ الجَافِي العَبُوسُ المُحَيَّا
في المُعاطَاةِ أَسْمَحَ السُّمَحَاءِ
دونَ مَا تُنْكِرُ المَخَايِلُ فِيهِ
غُرَرٌ مِنْ شَمَائِلٍ حَسْنَاءِ
مِنْ حَياءٍ يُخَالُ كِبْراً وَمَا الكِبْ
رُ بِهِ غَيْرُ صُورَةٍ لِلحَيَاءِ
وَوفَاءٍ لِلآلِ وَالصَّحْبِ وَالأوْ
طَانِ في حِينِ عَزَّ أَهْلُ الوَفَاءِ
وَكَمَالٍ في الدِّينِ مِنْهُ وَفي الدُّنْ
يَا تَسَامَى بِهِ عَنِ النُّظَرَاءِ
يذْكُرُ الله في النَّعِيمِ وَلاَ يَنْ
سَاهُ إِنْ طَافَ طَائِفٌ مِنْ شَقَاءِ
فَهْوَ حَقُّ الصَّبُورِ في عَنَتِ الدَّهْ
رِ وَحَقُّ الشَّكُورِ في النَّعْمَاءِ
لمْ يَرَ النَّاسُ قَبْلَهُ في مُصَابٍ
مِثْلَ ذَاكَ الإِزْرَاءِ بِالأَرْزَاءِ
بُتِرتْ سَاقُهُ وَلَمْ يَسْمَعِ العُ
وَّادُ مِنْهُ تَنَفُّسَ الصُّعداءِ
جَلَدٌ لاَ يَكُونُ خَلَّةَ رِعْدِي
د وَلَمْ يُؤْتَهُ سِوَى البُؤَسَاءِ
كَيْفَ يَشْكُو ذَاكَ الَّذِي شَكَتِ الآسَا
دُ مِنْهُ في كُلِّ غِيلٍ نَاءِ
والذِي كَانَ بِاقْتِناصِ ضَوَارِي ال
غَابِ يُقْرِي الكِلاَب ذات الضَّرَاءِ
والَّذِي زَانَ قَصْرَهُ بِقِطَافٍ
مِنْ رُؤُوسِ الأيَائِلِ العَفْرَاءِ
أشْرفُ اللَّهْوِ لَهْوُهُ بِرِكُوبِ ال
هُوْلِ بَيْنَ المَجَاهِلِ الوَعْثَاءِ
بَاحِثاً عَنْ قَدِيمِهَا مُسْتَفِيداً
عِبَراً مِنْ تَبَدُّلِ الأَشْيَاءِ
سِيَرُ الأَوَّلِينَ كَانَتْ لَهُ شُغُ
لاً فَأَحْيَي دُرُوسَهَا مِنْ عَفَاءِ
وَتَوَلَّى تَنْقِيحَ مَا أَخْطَأَتْهُ
أُمَمٌ مِنْ حَقَائِقِ الصَّحْرَاءِ
فَإِذَا عُدَّ في بَلاَءٍ فَخَارٌ
لَمْ يُجَاوِزْ فخَارَ ذَاكَ البَلاَءِ
إنَّنِي آسِفٌ لِمِصْرَ وَمَا يَنْ
تَابُهَا في رِجَالِهَا العُظَمَاءِ
كَانَ مِمَّنْ بَنَوْا عُلاَهَا فَرِيعَتْ
بِانْقِضَاضِ البِنَاءِ بَعْدَ البِنَاءِ
لَمْ يُخَيِّبُ مَا دَامَ حَيّاً لَهَا سُؤْ
لاً وَكَائِنْ أَجَابَ قَبْلَ الدُّعَاءِ
فَإِذَا مَا بَكَى أَعِزَّتُهَا يَأْ
ساً فَمَنْ لِلعُفَاةِ بِالتَّأْسَاءِ
قَدْ حَسِبْنَا القَضَاءَ حِينَ عَفَا عَنْهُ
رَثَى لِلضِّعَافِ وَالفُقَراءِ
غَيْرَ أَنَّ الرَّجَاءَ مُدَّ لَهُمْ فِي
هِ قَلِيلاً قَبْلَ انْقِطَاعِ الرَّجَاءِ
وَيْحَهُمْ مَا مَصِيرُهُمْ فَهُمُ اليَوْ
مَ وَلاَ عُوْنَ غَيْرُ لُطْفِ القَضَاءِ
أَيُّهَا الرَّاجِلُ الجَلِيلُ الَّذِي أَقْ
ضِيهِ نَزْراً مِنْ حَقِّهِ بِرِثَائِي
لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا إلى أنْ دَعَاكَ اللَّ
هُ إِلاَّ تَعَارُفُ الأَسْمَاءِ
زَالَ بِالأَمْسِ مَا عَرَاكَ فأَبْدَيْ
تُ سُرُورِي مُهَنِّئاً بِالشِّفَاءِ
وَأَنَا اليَوْمَ جَازِعٌ جَزَعَ الأَدْ
نَيْنَ مِنْ أُسْرَةٍ وَمِنْ خُلَصَاءِ
ذَاكَ حَقٌّ لِكُلِّ مَنْ نَفَعَ النَّا
سَ عَلَى الأَقْرِبَاءِ وَالبُعَدَاءِ
رَضِيَ الله عَنْكَ فَاذْهَبْ حَمِيداً
وَالقَ خَيْراً وَفُزْ بِأَوْفَى جَزَاءِ
نَعْمَةَ اللهِ يَا سَلِيلَةَ بَيْتٍ
رَاسِخٍ فَوْقَ هَامَةٍ الْجَوْزَاءِ
لَكِ مِنْ عَقْلِكِ الكَبِيرِ وَمِنْ ذِكْ
رَى الفَقِيدِ الخَطِيرِ خَيْرُ عَزَاءِ
أَنْتِ مَنْ أَنْتِ في مَكَانِكِ مِنْ وَا
لٍ وَمِنْ إِخْوَةٍ وَمِنْ آبَاءِ
وَسَتَهْدِينَ هَدْيَ أُمِّكِ في أَقْ
وَمِ نَهْجٍ لِفُضْلَيَاتِ النِّسَاءِ
عَجَباً أَتُوحِشُنِي وَأَنْتَ إِزَائِي
وَضِيَاءُ وَجْهكَ مَالِئُ سَوْدَائِي
لَكِنَّهُ حَقٌّ وَإِنْ أَبَتِ المُنَى
أَنَّا تَفَرَّقْنَا لِغَيْرِ لِقَاءِ
جَرَحُوا صَمِيمَ القَلبِ حِينَ تَحَمَّلُوا
اللهَ فِي جُرْحٍ بِغَيْرِ شِفاءِ
أَلطَّيِّبُ المَحْمُودُ مِنْ عُمْرِي مَضَى
وَالْمُفْتَدَى بالروحِ مِنْ خُلَصَائِي
لاَ بَلْ هُمَا مِنِّي جَنَاحاً طَائِرٍ
رُمِيَا وَلَمْ يَكُ نَافِعِي إِخْطَائِي
أَلصَّاحِبَانِ الأَكْرَمَانِ تَوَلَّيَا
فَعَلاَمَ بَعْدَ الصَّاحِبَيْنَ ثَوَائِي
لَمْ يَتْرُكَا بِرَدَاهُمَا غَيْرَ الشجَى
لأَخِيهِمَا مَا دَامَ في الأَحْيَاءِ
وَحِيالِيَ الخُلْطَاءُ إِلاّ أَنَّنِي
مُتَغَرِبٌ بِالعَهْدِ في خُلَطَائِي
أَيُرَادُ لِي مِنْ فَضْلِ مَا مَجُدَا بِهِ
إِرْثٌ إِذَنْ جَهِلَ الزَّمَانُ وَفَائِي
إِنْ نَحْيَ بِالذِّكْرَى فَلاَ تَبْدِيلَ في
صِفَةٍ وَلاَ تَغْيِيرَ في الأَسْمَاءِ
يَا صَاحِبَيَّ غَدَوْتُ مُنْذُ نَأَيْتُمَا
أَجِدُ الحَيَاةُ ثَقِيلَةَ الأَعْبَاءِ
لا لَيلَ عَافِيَةٍ هَجِعْتُ بِهِ وَلاَ
يَوْمٌ نَشِطْتُ بِهِ مِنَ الإِعْيَاءِ
أَنَا وَاحِدٌ في الجَازِعِينَ عَلَيْكُمَا
وَكَأَنَّمَا ذَاكَ البَلاءُ بَلاَئِي
فَإِذا بَدَا لَكُمَا قُصُورِي فَاعْذِرَا
أَوْ شَفَّعَا لي مُسْلَفَاتِ وَلاَئِي
مَهْلاً أَمِيرَ الشِّعْرِ غَيْرَ مُدَافَعٍ
وَمُعَزِّ دَوْلَتِهِ بِغَيْرِ مِرَاءِ
كَمْ أُمَّةٍ كَانَتْ عَلَى قَدْرِ الهَوَى
تَرْجُوكَ مَا شَاءَتْ لِطُولِ بَقَاءِ
مُتَمَكِّناً مِنْ نَفْسِهَا إِيمَانُهَا
إِنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ حَيُوا لِفَنَاءِ
فَإِذا المَنَايَا لَمْ تَزَلْ حَرْبَ المُنَى
وَإِذَا الرَّزِيئَةُ فَوقَ كُلِّ عَزَاءِ
في مِصْرَ بَلْ في الشَّرْقِ مِنْهَا لَوْعَةٌ
سَدَّتْ عَلَى السُّلوَانِ كُلَّ فَضَاءِ
أَتَرَى مَوَيْجَاتِ الأَثِيرِ كَأَنَّهَا
حَسْرَى بِمَا تُزْجِي مِنَ الأَنْبَاءِ
بَعَثَ الشَّرَارُ بِهَا ثِقَالاً لَوْ بَدَا
مَا حُمِّلَتْ لَبَدَتْ نَطِافَ دِمَاءِ
جَزَعُ الكِنَانَةِ كَادَ لاَ يَعْدُو وَأَسَى
أُمِّ القُرَى وَمنَاحَةَ الفَيْحَاءِ
وَبِحَضْرَمَوْتَ عَلَى تَنَائِي دَارِهَا
شَكْوَى كَشَكْوَى تُونُسَ الخَضْرَاءِ
بِالأَمْسِ كَانَ هَوَاكَ يَجْمَعُ شَمْلَهَا
في فُرقَةِ النَّزَعَاتِ وَالأَهْوَاءِ
وَاليَوْمَ فَتَّ رَدَاكَ في أَعْضَادِهَا
مَا أَجْلَبَ البَأْسَاءَ لِلبَأْسَاءِ
أَفْدِحْ بِمَا يَلْقَاهُ آلُكَ إِنْ يَكُنْ
جَزَعُ الأَبَاعِدِ جَلَّ عَنْ تَأْسَاءِ
حُرِمُوا أَباً بَرًّا نَمَوْا وَتَرَعْرَعُوا
مِنْ جَاهِهِ في أَسْمَحِ الأَفْيَاءِ
وَكَفَقْدِهِمْ فَقْدَ الغَرانِيقُ العُلَى
عَلَمَ الهُدَى لِلفِتْيَةِ النُّجَبَاءِ
وَكَرُزْئِهِمْ رُزِئَ الرِّجَالُ مُرَحِّباً
عَفَّ اللِّسَانِ مُهَذَبَ الإِيمَاءِ
يَتَنَاوَلُونَ مِنَ الصَّحَائِفِ وَحْيَهُ
فَتَكُونُ كُلُّ صَحِيفَةٍ كَلِوَاءِ
مَا عِشْتَ فِيهِمْ ظَلْتَ بُلْبُلَ أَيْكِهِمْ
في الأَمْنِ وَالرِّئْبَالَ في الَّلأْوَاءِ
لَكَ جَوُّكَ الرَّحْبُ الَّذِي تَخْلُو بِهِ
مُتَفَرِّداً وَالنَّاسُ في أَجْوَاءِ
عَذَلُوكَ في ذَاكَ التَّعَزُّلِ ضِلَّةً
إنَّ التَّعَزُّلَ شِيمَة النُّزَهَاءِ
مَا كَانَ شُغْلُكَ لَوْ درَوْا إِلاَّ بِهِمْ
لَكِنْ كَرِهْتَ مَشَاغِلَ السُّفَهَاءِ
وَلَعَلَّ أعْطَفَهُمْ عَلَيْهِمْ مَنْ دَنَا
بِالنَّفْعِ مِنْهُمْ وَهْوَ عَنْهُمْ نَاءِ
أَحْلَلْتَ نَفْسَكَ عِنْدَ نَفْسَكَ ذُرْوَةً
تَأْبَى عَلَيْهَا الخَسْفَ كُلَّ إِبَاءِ
فَرَعَيْتَ نَعْمَتَكَ الَّتِي أَثَّلْتَهَا
وَرَعَيْتَ فِيهَا جَانِبَ الفُقَرَاءِ
تَقْنِي حَيَاءَكَ عَالِماً عَنْ خِبْرًةٍ
إِنَّ الخَصَاصَةَ آفَةُ الأُدَباءِ
وَتَرَى الزَّكَاةَ لِذِي الثَّرَاءِ مَبَرَّةً
مِنْهُ بِهِ وَوَسِيلَةً لِزَكاءِ
كَمْ مِنْ يَدٍ أَسْدَيْتَهَا وَكَسَوْتَهَا
مُتَأَنِّقاً لُطْفَ اليَدِّ البَيْضَاءِ
عَصْرٌ تَقَضَّى كُنْتَ مِلْءَ عُيُونِهِ
في أَرْبَعِينَ بِمَا أفَدْتَ مِلاءِ
يَجْلُو نُبُوغُكَ كُلَّ يُوْمِ آيَةً
عَذْرَاءَ مِنْ آيَاتِهِ الغَرَّاءِ
كَالشَّمْسِ مَا آبَتْ أَتَتْ بِمُجَدَّدٍ
مُتَنَوَّعٍ مِنْ زِينَةٍ وَضِيَاءِ
هِبَةٌ بِهَا ضَنَّ الزَّمَانُ فَلَمْ تُتَحْ
إِلاَّ لأَفْذَاذِ مِنَ النُّبَغَاءِ
يَأْتُونَ في الْفَتَرَاتِ بُوعِدَ بَيْنَهَا
لِتَهَيُّؤِ الأَسْبَابِ في الأَثْنَاءِ
كَالأَنْبِيَاءِ وَمَنْ تَأَثَّرَ إِثْرَهُمْ
مِنْ عِلْيَةِ العُلَمَاءِ وَالحُكَمَاءِ
رَفَعَتْكَ بِالذِّكْرَى إلى أَعْلَى الذُّرَى
في الخُلْدِ بَيْنَ أُولَئِكَ العُظَمَاءِ
مَنْ مُسْعِدِي في وَصْفِهَا أَوْ مُصْعِدِي
دَرَجَاتِ تِلْكَ العِزَّةِ القَعْسَاءِ
وَمُطَوِّعٌ لِي مِنْ بَيَانِيَ مَا عَصَى
فأَقُولَ فِيكَ كَمَا تُحِبُّ رِثَائِي
لي فِيكَ مِنْ غُرَرِ المَدِيحِ شَوَاردٌ
أَدَّتْ حُقُوقَ عُلاَكَ كُلَّ أَدَاءِ
وَوَفَتْ قَوَافِيهَا بِمَا أَمْلَى عَلَى
قَلَمِي خُلُوصُ تَجِلَّتِي وَإِخَائِي
مَاذَا دَهَانِي اليَوْمَ حَتَّى لاَ أَرَى
إِلاَّ مَكَانَ تَفَجُّعِي وَبُكَائِي
شَوقِي لاَ تَبْعَدْ وَإنْ تَكُ نِيَّةٌ
سَتَطُولُ وَحْشَتُهَا عَلَى الرُّقَبَاءِ
تَاللهِ شَمْسُكَ لَنْ تَغِيبَ وَإِنَّهَا
لَتُنِيرُ في الإِصْبَاحِ وَالإِمْسَاءِ
هِيَ في الخَوَاطِرِ وَالسَّرَائِرِ تَنْجَلي
أَبَداً وَتَغْمُرُهُنَّ بِالَّلأْلاَءِ
وَالذُّخْرُ أَبْقَى الذُّخْرِ مَا خَلَّفْتَهُ
مِنْ فَاخِرِ الآثَارِ لِلأَبْنَاءِ
هُوَ حَاجَةُ الأَوْطَانِ مَا دَالَتْ بِهَا
دُوَلٌ مِنَ السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
سَيُعَادُ ثُمَّ يُعَادُ مَا طَالَ المَدَى
وَيَظَلُّ خَيْرَ مَآثِرِ الآباءِ
يَكْفِي بَيَانَكَ أَنْ بَلَغْتَ مُوَفَّقاً
فِيهِ أَعَزَّ مَبَالِغِ القُدَمَاءِ
بَوَّأْتَ مِصْرَ بِهِ مَكَاناً نَافَسَتْ
فِيهِ مَكَانَ دِمَشقَ والزَّوْرَاءِ
وَرَدَدْتَ مَوْقِفَهَا الأخِيرَ مُقَدَّماً
في المَجْدِ بَيْنَ مَوَاقِفِ النُّظَرَاءِ
لَكَ في قَريضِكَ خُطَّةٌ آثَرْتَهَا
عَزَّتْ عَلَى الفُصَحَاءِ وَالبُلَغَاءِ
مِنْ أَيِّ بَحْرٍ دُرُّةُ مُتَصَيَّدٌ
وَسَنَاهُ مِنْ تَنْزِيلِ أَيِّ سَمِاءِ
ظَهَرَتْ شَمَائِلُ مِصْرُ فِيهِ بِمَا بِهَا
مِنْ رِقَّةٍ وَنُعُومَةٍ وَنَقَاءِ
ترْخِيمُهَا في لَحْنَهِ مُتَسَامَحٌ
وَنَعِيمُهَا في وَشْيِهِ مُتَرَاءِ
شِعْرٌ سَرَى مَسْرَى النَّسِيمِ بِلُطْفِهِ
وَصَفَا بِرَوْعَتِهِ صَفَاءَ المَاءِ
تَرِدُ العُيُونُ عُيُونَهُ مَشْتَفَّةً
وَيُصِيبُ فِيهِ السَّمْعُ رِيَّ ظِمَاءِ
وَيَكَادُ يُلمَسُ فِيهِ مَشْهُودُ الرُّؤى
وَيُحَسُّ هَمْسُ الظَّنِّ في الحَوْبَاءِ
في الجَوِّ يُؤْنِسُ مَنْ يُحَلِّقُ طَائِراً
وَالدَّوِّ يُؤْنِسُ رَاكِبَ الوَجْنَاءِ
عَجباً لِمَا صرَّفْتَ فِيهِ فُنُونَهُ
مِنْ فِطْنَةٍ خَلاَّبَةٍ وَذَكَاءِ
فَلِكُلِّ لَفْظٍ رَوْنَقٌ مُتَجَدِّدٌ
وَلِكُلِّ قَافِيَةٍ جَدِيدُ رُوَاءِ
يُجْلَى الْجَمَالُ بِهِ كَأَبْدَعِ مَا انْجَلَتْ
صُوَرٌ حِسَانٌ في حِسَانِ مَرَائِي
وَلَرُبَّمَا رَاعَ الحَقِيقَةَ رَسْمُهَا
فِيهِ فَمَا اعْتَصَمَتْ مِنَ الخُيَلاَءِ
حَيَّاكَ رَبُّكَ في الَّذِينَ سَمَوْا إلَى
أَمَلٍ فأَبْلَوْا فيهِ خَيْرَ بَلاَءِ
مِنْ مُلْهَمٍ أَدَّى أَمَانَةَ وَحْيِهِ
بِعَزِيمَةٍ غَلاَّبةٍ وَمَضَاءِ
مُتَجَشِّمٍ بِالصَّبْرِ دُونَ أَدَائِهَا
مَا سِيمَ مِنْ عَنَتٍ وَفَرطِ عَنَاءِ
لِلْعَبْقَرِيِّةِ قُوَّةٌ عُلوِيَّةٌ
في نَجْوَةٍ مِنْ نَفْسِهِ عَصْمَاءِ
كَمْ أخَرَجَتْ لأُولى البَصَائِرِ حِكْمَةً
مِمَّا أَلَمَّ بِهِ مِنَ الأَرْزَاءِ
حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَ المَشِيبُ بِرَأْسِهِ
مَا زَادَ جَذْوَتَهَا سِوَى إِذْكَاءِ
فَالدَّاءُ يُنْحِلُ جِسْمَهُ وَنَشَاطُهَا
بِسُطُوعِهِ يُخْفِي نَشَاطَ الدَّاءِ
جِسْمٌ يُقَوِّضُهُ السَّقَامُ وَهَمُّسهَا
مُتَعَلِّقٌ بِالخَلْقِ وَالإِنْشَاءِ
عَجَباً لِعَامَيْهِ اللذَيْنِ قَضَاهُمَا
في الكَدِّ قَبْلَ الضَّجْعَةِ النَّكْرَاءِ
عَامَا نِزَاعٍ لَمْ تُهَادِنُ فِيهِمَا
نُذُرُ الرَّدَى وَشَوَاغِلُ البُرَحَاءِ
حَفَلاَ بِمَا لَمْ يَتَّسِعْ عُمْرٌ لَهُ
مِنْ بَاهِرِ الإِبْدَاعِ وَالإِبْدَاءِ
فَتْحٌ يَلي فَتْحاً وَصَرْحٌ بَاذِخٌ
في إِثْرِهِ صَرْحٌ وَطِيدُ بِنَاءِ
هَذا إلى فِطَنٍ يُقَصِّرُ دُونَهَا
مَجْهُودُ طَائِفَةٍ مِنَ الفُطَنَاءِ
مِنْ تُحْفَةٍ مَنْظُومَةٍ لِفُكَاهَةٍ
أَوْ طُرْفَةٍ مَنْظُومَةٍ لِغِنَاءِ
أَوْ سِيرَةٍ سِيقَتْ مَسَاقَ رِوَايَةٍ
لِمَوَاقِفِ التَّمِثيلِ وَالإلقَاءِ
تَجْرِي وَقَائِعُهَا فَتَجْلُو لِلنُّهَى
مِنْهَا مَغَازِيَ كُنَّ طَيَّ خَفَاءِ
فَإِذا الحَيَاةُ عُهِيدُهَا وَعِتِيدُهَا
مَزْجٌ كمزج المَاءِ وَالصَّهْبَاءِ
تَطْفُو حَقَائِقُهَا عَلَى أَوْهَامِهَا
وَتَسُوغُ خَالِصَةً مِنَ الأَقْذاءِ
يَا مَنْ صَحِبْتُ العُمْرَ أَشْهَدُ مَا نحا
في الشِّعْرِ مِنْ مُتَبَايِنِ الأَنْحَاءِ
إِنِّي لَيَحْضُرُنِي بِجُمْلَةِ حَالِهِ
مَاضِيكَ فِيهِ كَأَنَّهُ تِلقَائِي
مِنْ بَدْئِهِ وَحَجَاكَ يِفْتَحُ فُتْحَهُ
لِلحِقبَةِ الأدَبِيَّةِ الزَّهْرَاءِ
حَتَّى الخِتَامِ وَمِنْ مَفَاخِرِ مَجْدِهِ
مَا لَمْ يُتَحْ لِسِوَاكَ في الشُّعَرَاءِ
فَأَرَى مِثَالاً رَائِعاً في صُوَرَةٍ
لِلنِّيل تُمْلأُ مِنْهُ عَيْنُ الرَّائِي
أَلنِّيلُ يَجْرِي في عَقِيقٍ دَافِقٍ
مِنْ حَيْثُ يَنْبُعُ في الرُّبَى الشَّمَّاءِ
يَسْقِي سُهُولَ الرِّيفِ بَعْدَ حُزُونِهِ
وَيُدِيلُ عُمْرَاناً مِنَ الإقْوَاءِ
مَا يَعْتَرِضْهُ مِنَ الحَوَاجِزِ يَعْدُهُ
وَيَعُدْ إلىَ الإِرْوَاءِ وَالإِحيَاءِ
حَتَّى إِذا رَدَّ الفَيَافِيَ جَنَّةً
فِيمَا عَلاَ وَدَنَا مِنَ الأَرْجَاءِ
أَوْفَى عَلَى السَّدِّ الأَخِيرِ وَدُونَهُ
قُرْبَ المَصِيرِ إلىَ مُحِيطِ عَفَاءِ
فَطَغَى وَشَارَفَ مِنْ خِلاَفِ زَاخِراً
كَالبَحْرِ ذِي الإِزْبَادِ وَالإِرْغَاءِ
ثُمَّ ارْتَمَى بِفُيُوضِهِ مِنْ حَالِقٍ
في المَهْبِطِ الصَّادِي مِنَ الْجَرْعَاءِ
فَتَحَدَّرَتْ وَكَأَنَّ مُنْهَمِرَاتِهَا
خُصَلٌ مِنَ الأَنُوَارِ وَالأَنْدَاءِ
مَسْمُوعَةُ الإِيقَاعِ في أَقْصَى مَدًى
جَذْلَى بِمَا تُهْدِي مِنَ الآلاَءِ
إِنْ أَخْطَأَتْ قُطْراً مَوَاقِعُ غَيْثِهَا
أَحْظَتْهُ بِاللَّمَحَاتِ وَالأَصْدَاءِ
للهِ دَرُّ قَرِيحةٍ كانَتْ لَهَا
هَذِي النِّهَايَةُ مِنْ سَنىً وَسَنَاءِ
رَفَعَتْكَ مِنْ عَلْيَاءَ فانِيَةٍ إلىَ
مَا لَيْسَ بِالفَانِي مِنَ العَلياءِ