انتقل إلى المحتوى

عودة المحارب ..

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

عودة المحارب ..

​عودة المحارب ..​ المؤلف علي محمود طه


اتدري الريح من ملكت زمامه
تشقّ الغرب و تطوي ظلامه؟
هفت للشرق فاختلجت جناحا
به، و استقبلت لثما غمامه!
و قيل دنا و حوّم، فاشرأبّت
ضفاف النيل تستهدي حيامه
و عانقه الصّباح على رباها
غضيض الطّرف لم ينفض منامه
يضيء بورده الأزليّ أفقا
تظلّله الرّعاية ة السّلامه
وواكبه على سيناء برق
بعين الملهمين رنا فشامه
تمثّل إذا تألّق ذكريات
و أمجادا مشهّرة مسامه
لمحترب من الأبطال فاد
يخاف الدّهر أن يلقي عرامه
حواريّ على كفيّه قلب
أبى غير الشّهامة و الكرامه
نحيف من شراه الخلد يحمي
تراث الشّرق أو يرعى ذمامه
كسته خشنة غير الليالي
و سلّت عزمه و جلت حسامه
أشدّ على قواضبها مراسا
و أنفذ من مضاربها همامه
أقام على الفلاة طريد ظلم
و ذيد، فما أطاق بها مقامه
و بايع في شبيبته المنايا
فعادت منه و ادّرأت حمامه!
أحلّوا قتله و تطلّبوه
دما حرا و روحا مستهامه
تنسّي الحرب كلّ فتى هواه
و لا ينسى الكميّ بها غرامه
زئير الليث يطرب مسمعيه
و تشجيه برنّتها الحمامه
و وثب الخيل أفراس الأماني
إلى خطر تعشّقه و رامه
يصفّ البيض و السّمر العوالي
و يرقب من فم الصّبح ابتسامه
و يفرك راحتيه دما و نارا
يغنّي حبّه و يدير جامه
كذاك رأى الحياة فما اجتواها
و لا عرف الملالة و السّآمه
مفازع للرّدى إن لاح فرّت
وراء خطاه و ارتدّت أمامه!
أخا الهيجاء كيف شهدت حربا
يذكّر هولها يوم القيامه
و كيف رأيت بعد الحرب سلما
تملأ بالضّغينة و اللآمه
و قالوا عالم قد جمّلوه
فلم يعد الشّناعة و الدّمامه
تناثرت الممالك فيه حتّى
لتعجز أن تبين لها حطامه
متاهات تضلّ بها الليالي
و لا يدري بها فلك نظامه
فلسطين الشهيدة في دجاه
مفزّعة الخواطر مستضامه
أقام المستبدّ على حماها
فعاث بها و أفرادها طغامه
و جاء بآبق لفظته دار
و أفّاق يحمّلها أثامه
أباح له على كيد جناها
و شاطره على خبث مدامه
و علّمه الرّماية و اجتباه
فسدّد في مقاتله سهامه!
نديم الأمس سقاه بكأس
أحسّ لهيبها و رأى ضرامه
رمى الشيطان عن فخّارتيها
و عضّ على نواجذه ندامه
ألا لا يمرح الباغون فيها
فلن ينسى لها الحقّ انتقامه
محال أن تطيب لهم حياة
عليها، أو تدوم لهم إقامه
عروبتها على الأدهر أبقى
و أثبت من رواسخها دعامه
أتهدأ و هي في الغمرات تأسو
جريحا؟ أو تشدّ له ضمامه؟
و مفتيها الأمين و مفتديها
وراء تخومها يشكو هيامه؟
فتى أحرارها ما عاب عنها
و لا منع الخيال بها لمامه
كأمس، كعهدها، لم بغف عينا
بليل أقسمت ألا تنامه
يؤلفها على الأحداث صفّا
جسور النفس جبّار العرامه
جهاد في العروبة و احتشاد
له التاريخ قد ألقى زمامه
أخا الصّبوات هل شفت الليالي
جراح القلب أو روّت أوامه؟
حللن بسوريا بعد اغتراب
و قد كاد الجلاء يتمّ عامه
فقلت تحيّة الزّمن المعادي
لمقتل أطال به صدامه
و أشرقت الكتائب عن لواء
يد الشهداء لم تترك عصامه
لأصهب من أسود الحرب يمشي
بأصهب تمسك الدنيا لجامه
حواك جلالة فحنيت رأسا
و لم تخفض لجبّارين هامه
طريق المجد كم أثر عليه
لأهوال لقيت و كم علامه!
و كم جبل هبطت برأس واد
يعزّ الجنّ أن ترقى سنامه
حميت الغاصبين خطى إليه
فصان عراقه و حمى شآمه
بجيش من بني عدنان فاد
ترى نسرا به و ترى أسامه
يروعك خالد فيه و تلقى
عبيدة و هو في سيف و لامه
كأنّ الفاتحين من الأوالي
على أسيافهم رفعوا خيامه!
حماة الشرق، كم الغرب باغ
عليه، أذاقه بطشا و سامه
و كم أيد عليه مجرّدات
مخالب كاسر يبغي التهامه
ذئاب حول جنّته تعاوى
كأنّ بكلّ معترك زحامه
هو السيف الأصمّ إذا تغنّى
صغا متجبر و وعى كلامه
أعدّوا حدّه لصراع دهر
صريع الوهم من يرجو سلامه!