طبائع الاستبداد/09

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



الاستبداد والأخلاق[عدل]

الاستبداد يتصرَّف في أكثر الأميال الطبيعية والأخلاق الحسنة، فيُضعفها، أو يُفسدها، أو يمحوها، فيجعل الإنسان يكفر بنِعَم مولاه؛ لأنه لم يملكها حقّ الملك ليحمده عليها حقّ الحمد، ويجعله حاقداً على قومه؛ لأنهم عونٌ لبلاء الاستبداد عليه، وفاقداً حبّ وطنه؛ لأنَّه غير آمن على الاستقرار فيه، ويودُّ لو انتقل منه، وضعيف الحبِّ لعائلته؛ لأنه يعلم منهم أنَّهم مثله لا يملكون التكافؤ، وقد يُضطرّون لإضرار صديقهم، بل وقتله وهم باكون. أسيرُ الاستبداد لا يملك شيئاً ليحرص على حفظه؛ لأنَّه لا يملك مالاً غير معرَّض للسّلب ولا شرفاً غير معرَّض للإهانة. ولا يملك الجاهل منه آمالاً مستقبلة ليتبعها ويشقى كما يشقى العاقل في سبيلها.

وهذه الحال تجعل الأسير لا يذوق في الكون لذةً نعيم، غير بعض الملذّات البهيمية. بناءً عليه؛ يكون شديد الحرص على حياته الحيوانية وإنْ كانت تعيسة، وكيف لا يحرص عليها وهو لا يعرف غيرها؟! أين هو من الحياة الأدبية؟! أين هو من الحياة الاجتماعية؟! أمَّا الأحرار فتكون منزلة حياتهم الحيوانية عندهم بعد مراتب عديدة، ولا يعرف ذلك إلا من كان منهم، أو كشف عن بصيرته.

ومثال الأسراء في حرصهم على حياتهم الشيوخ، فإنَّهم عندما تمسي حياتهم كلُّها أسقاماً وآلاماً ويقربون من أبواب القبور، يحرصون على حياتهم أكثر من الشباب في مقتبل العمر، في مقتبل الملاذ، في مقتبل الآمال.

الاستبداد يسلب الرّاحة الفكرية، فيضني الأجسام فوق ضناها بالشقاء، فتمرض العقول، ويختلُّ الشعور على درجات متفاوتة في الناس. والعوام الذين هم قليلو المادة في الأصل قد يصل مرضهم العقلي إلى درجة قريبة من عدم التمييز بين الخير والشر، في كلِّ ما ليس من ضروريات حياتهم الحيوانية. ويصل تسفُّل إدراكهم إلى أنَّ مجرّد آثار الأبَّهة والعظمة التي يرونها على المستبدّ وأعوانه تبهر أبصارهم، ومجرّد سماع ألفاظ التفخيم في وصفه وحكايات قوته وصولته يزيغ أفكارهم، فيرون ويفكرون أنَّ الدواء في الداء، فينصاعون بين يدي الاستبداد انصياع الغنم بين أيدي الذئاب؛ حيث هي تجري على قدميها جاهدةً إلى مقرِّ حتفها.

ولهذا كان الاستبداد يستولي على تلك العقول الضعيفة فضلاً عن الأجسام فيفسدها كما يريد، ويتغلّب على تلك الأذهان الضئيلة، فيشوش فيها الحقائق، بل البديهيات كما يهوى، فيكون مَثَلُهم في انقيادهم الأعمى للاستبداد ومقاومتهم للرشد والإرشاد، مثل تلك الهوام التي تترامى على النار، وكم هي تغالب من يريد حجزها على الهلاك. ولا غرابة في تأثير ضعف الأجسام على الضعف في العقول، فإنَّ في المرضى وخفّة عقولهم، وذوي العاهات ونقص إدراكهم، شاهداً بيّناً كافياً يُقاس عليه نقص عقول الأُسراء البؤساء بالنسبة إلى الأحرار السعداء، كما يظهر الحال أيضاً بأقلّ فرق بين الفئتين، من الفرق البيّن في قوة الأجسام وغزارة الدّم واستحكام الصحة وجمال الهيئات.

ربما يستريب المطالع اللبيب الذي لم يُتعب فكره في درس طبيعة الاستبداد، من أنَّ الاستبداد المشؤوم كيف يقوم على قلب الحقائق، مع أنَّه إذا دقّق النظر يتجلى له أنَّ الاستبداد يقلب الحقائق في الأذهان. يرى أنَّه كم مكّن بعض القياصرة والملوك الأولين من التلاعب بالأديان تأييداً لاستبدادهم فاتَّبعهم الناس. ويرى أنَّ الناس وضعوا الحكومات لأجل خدمتهم، والاستبداد قلب الموضوع، فجعل الرعية خادمة للرعاة، فقبلوا وقنعوا. ويرى أنَّ الاستبداد ما ساقهم إليه من اعتقاد أنَّ طالب الحقِّ فاجرٌ، وتارك حقّه مطيع، والمشتكي المتظلِّم مفسد، والنّبيه المدقق ملحد، والخامل المسكين صالح أمين. وقد اتَّبع الناس الاستبداد في تسميته النصح فضولاً، والغيرة عداوة، والشّهامة عتوّاً، والحمية حماقة، والرحمة مرضاً، كما جاروه على اعتبار أنَّ النِّفاق سياسة، والتحيُّل كياسة، والدناءة لطف، والنذالة دماثة.

ولا غرابة في تحكُّم الاستبداد على الحقائق في أفكار البسطاء، إنما الغريب إغفاله كثيراً من العقلاء، ومنهم جمهور المؤرِّخين الذين يُسمّون الفاتحين الغالبين بالرِّجال العظام، وينظرون إليهم نظر الإجلال والاحترام لمجرّد أنَّهم كانوا أكثر في قتل الإنسان، وأسرفوا في تخريب العمران. ومن هذا القبيل في الغرابة إعلاء المؤرِّخين قدر من جاروا المستبدين، وحازوا القبول والوجاهة عند الظالمين. وكذلك افتخار الأخلاق بأسلافهم المجرمين الذين كانوا من هؤلاء الأعوان الأشرار.

وقد يظنُّ بعض الناس أنَّ للاستبداد حسناتٍ مفقودة في الإدارة الحرّة، فيقولون مثلاً: الاستبداد يليّن الطباع ويلطِّفها، والحقُّ أنَّ ذلك يحصل فيه عن فقد الشهامة لا عن فقد الشراسة. ويقولون: الاستبداد يُعلِّم الصغير الجاهل حسن الطاعة والانقياد للكبير الخبر، والحقُّ أنَّ هذا فيه عن خوف وجبانة لا عن اختيارٍ وإذعان. ويقولون: هو يربّي النفوس على الاعتدال والوقوف عند الحدود، والحقُّ أنْ ليس هناك غير انكماشٍ وتقهقر. ويقولون: الاستبداد يقلل الفسق والفجور، والحقُّ أنَّه عن فقر وعجر، لا عن عفّةٍ أو دين. ويقولون: هو يقلل التعديات والجرائم، والحقُّ أنَّه يمنع ظهورها ويخفيها، فيقلُّ تعديدها لا عدادها.

الأخلاق أثمار بذرها الوراثة، وتربتها التربية، وسُقياها العلم، والقائمون عليها هم رجال الحكومة، بناءً عليه؛ تفعل السياسة في أخلاق البشر ما تفعله العناية في إنماء الشجر.

نعم: الأقوام كالآجام، إن تُرِكت مهملة تزاحمت أشجارها وأفلاذها، وسقُم أكثرها، وتغلَّب قويّها على ضعيفها فأهلكه، وهذا مثل القبائل المتوحِّشة. وإن صادفت بستانياً يهمه بقاؤها وزهوها فدبّرها حسبما تطلبه طباعها، قويت وأينعت وحسُنت ثمارها، وهذا مثل الحكومة العادلة. وإذا بُليت ببستانيٍّ جدير بأن يسمّى حطّاباً لا يعنيه إلا عاجل الاكتساب، أفسدها وخرّبها، وهذا مثل الحكومة المستبدّة. ومتى كان الحطّاب غريباً لم يُخلق من تراب تلك الديار وليس له فيها فخار ولا يلحقه منها عار، إنّما همّه الحصول على الفائدة العاجلة ولو باقتلاع الأصول، فهناك الطّامة وهناك البوار. فبناءً على هذا المثال، يكون فِعلُ الاستبداد في أخلاق الأمم فِعل ذلك الحطّاب الذي لا يُرجى منه غير الإفساد.

لا تكون الأخلاق أخلاقاً ما لم تكن ملكة مُطردة على قانون فطري تقتضيه أولاً وظيفة الإنسان نحو نفسه؛ وثانياً وظيفته نحو عائلته؛ وثالثاً وظيفته نحو قومه؛ ورابعاً وظيفته نحو الإنسانية؛ وهذا القانون هو ما يسمّى عند الناس بالناموس.

ومن أين لأسير الاستبداد أن يكون صاحب ناموس، وهو كالحيوان المملوك العنان، يُقاد حيث يُراد، ويعيش كالريش، يهبُّ، حيث يهبُّ الريح، لا نظام ولا إرادة؟ وما هي الإرادة؟ هي أمُّ الأخلاق، هي ما قيل فيها تعظيماً لشأنها: لو جازت عبادة غير الله لاختار العقلاء عبادة الإرادة! هي تلك الصفة التي تفصل الحيوان عن النّبات في تعريفه بأنّه متحرك بالإرادة. فالأسير، إذن، دون الحيوان لأنّه يتحرّك بإرادة غيره لا بإرادة نفسه. ولهذا قال الفقهاء: لا نيّة للرقيق في كثير من أحواله، إنما هو تابع لنيّة مولاه. وقد يُعذر الأسير على فساد أخلاقه؛ لأنَّ فاقد الخيار غير مؤاخذ عقلاً وشرعاً.

أسير الاستبداد لا نظام في حياته، فلا نظام في أخلاقه، قد يصبح غنياً فيضحي شجاعاً كريماً، وقد يمسي فقيراً فيبيت جباناً خسيساً، وهكذا كلُّ شؤونه تشبه الفوضى لا ترتيب فيها، فهو يتبعها بلا وجهة. أليس الأسير قد يُرهق، ويسيء كثيراً فيُعفى، وقليلاً فيُشنق، ويجوع يوماً فيضوى، ويخصب يوماً فيتخم، يريد أشياء فيُمنَع، ويأبى شيئاً فيُرغم؟! وهكذا يعيش كما تقتضيه الصُّدف أن يعيش، ومن كانت هذه حاله كيف يكون له أخلاق، وإنْ وجد ابتداء يتعذر استمراره عليه؟! ولهذا لا تجوّز الحكمة الحُكمَ على الأسراء بخيرٍ أو شرّ.

أقلُّ ما يؤثّره الاستبداد في أخلاق الناس، أنَّه يرغم حتى الأخيار منهم على إلفة الرّياء والنفاق ولبئس السيّئتان، وإنه يعين الأشرار على إجراء غيّ نفوسهم آمنين من كلِّ تبعة ولو أدبية، فلا اعتراض ولا انتقاد ولا افتضاح، لأنَّ أكثر أعمال الأشرار تبقى مستورة، يلقي عليها الاستبداد رداء خوف الناس من تبعة الشهادة على ذي شرّ وعقبى ذكر الفاجر بما فيه. ولهذا، شاعت بين الأسراء قواعد كثيرة باطلة كقولهم: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، وقولهم: البلاء موكولٌ بالمنطق. وقد تغالى وعّاظهم في سدِّ أفواههم حتى جعلوا لهم أمثال هذه الأقوال من الحِكَم النبوية، وكم هجوا لهم الهجو والغيبة بلا قيد، فهم يقرؤون: «لا يحبُّ اللهُ الجهر بالسّوء من القول» ويغفلون بقية الآية، وهي: «إلاّ من ظُلِم».

أقوى ضابط للأخلاق النهي عن المنكر بالنصيحة والتوبيخ؛ أي بحرص الأفراد على حراسة نظام الاجتماع، وهذه الوظيفة غير مقدور عليها في عهد الاستبداد لغير ذوي المنعة وقليل ما هم، وقليلاً ما يفعلون، وقليلاً ما يفيد نهيهم؛ لأنه لا يمكنهم توجيهه لغير المستضعفين الذين لا يملكون ضرراً ولا نفعاً، بل ولا يملكون من أنفسهم شيئاً، ولأنَّه ينحصر موضوع نهيهم فيما لا تخفى قباحته على أحدٍ من الرّذائل النفسية الشخصية فقط، ومع ذلك فالجسور لا يرى بُدّاً من الاستثناء المخلِّ للقواعد العامة كقوله: السّرقة قبيحة إلا إذا كانت استرداداً منها، والكذب حرام إلا للمظلوم. والموظَّفون في عهد الاستبداد للوعظ والإرشاد يكونون – مطلقاً – ولا أقول غالباً، من المنافقين الذين نالوا الوظيفة بالتملّق، وما أبعد هؤلاء عن التأثير، لأنَّ النصح الذي لا إخلاص فيه هو بذر عقيم لا ينبت، وإنْ نبت كان رياءً كأصله، ثمَّ إنَّ النُّصح لا يفيد شيئاً إذا لم يصادف أذناً تتطلّب سماعه؛ لأنَّ النصيحة وإن كانت عن إخلاص فهي لا تتجاوز حُكْمَ البذر الحيّ: إنْ أُلقي في أرضٍ صالحة نبت، وإن أُلقي في أرضٍ قاحلة مات.

أمّا النهي عن المنكرات في الإدارة الحرة، فيمكن لكلِّ غيورٍ على نظام قومه أن يقوم به بأمانٍ وإخلاص، وأن يوجِّه سهام قوارصه على الضعفاء والأقوياء سواء، فلا يخصُّ بها الفقير المجروح الفؤاد، بل تستهدف أيضاً ذوي الشّوكة والعناد. وأنْ يخوض في كلِّ وادٍ حتى في مواضيع تخفيف الظُّلم ومؤاخذة الحُكّام، وهذا هو النصح الإنكاري الذي يُعدي ويُجدي، والذي أطلق عليه النّبي عليه السلام اسم «الدّين» تعظيماً لشأنه، فقال: «الدين النصيحة».

لمّا كان ضبطُ أخلاق الطبقات العليا من النّاس أهم الأمور، أطلقت الأمم الحرّة حرية الخطابة والتأليف والمطبوعات مستثنيةً القذف فقط، ورأت أن تحمل مضرَّة الفوضى في ذلك خير التحديد؛ لأنَّه لا مانع للحكّام أنْ يجعلوا الشّعرة من التقييد سلسلة من حديد، ويخنقون بها عدوّتهم الطبيعة، أي الحريّة. وقد حمى القرآن قاعدة الإطلاق بقوله الكريم: «ولا يُضارُّ كاتبٌ ولا شهيد».

الخصال تنقسم إلى ثلاثة أنواع:

الأول: الخصال الحسنة الطبيعية، كالصدق والأمانة والهمّة والمدافعة والرحمة، والقبيحة الطبيعية كالرياء والاعتداء والجبانة والقسوة، وهذا القسم تضافرت عليه كلُّ الطبائع والشرائع.

والنوع الثاني: الخصال الكمالية التي جاءت بها الشرائع الإلهامية، كتحسين الإيثار والعفو وتقبيح الزنّى والطمع؛ وهذا القسم يوجد فيه ما لا تدرك كلُّ العقول حكمته أو حكمة تعميمه، فيمثّله المنتسبون للدّين احتراماً أو خوفاً.

والنوع الثالث: الخصال الاعتيادية، وهي ما يكتسبه الإنسان بالوراثة أو بالتربية أو بالإلفة، فيستحسن أو يستقبح على حسب أمياله ما لم يُضطرّ إلى التحوّل عنها.

ثمَّ إنَّ التدقيق يفيد أنَّ الأقسام تشتبك وتشترك ويؤثر بعضها في بعض، فيصير مجموعها تحت تأثير الإلفة المديدة، بحيث كلُّ خصلة منها ترسخ أو تتزلزل، حسبما يصادفها من استمرار الإلفة أو انقطاعها، فالقاتل – مثلاً – لا يستنكر شنيعته في المرّة الثانية كما استقبحها في نفسه في الأولى، وهكذا يخفُّ الجرم في وهمه، حتى يصل إلى درجة التلذذ بالقتل، كأنّه حقٌّ طبيعي له، كما هي حالة الجبّارين وغالب السياسيين، الذين لا ترتجُّ في أفئدتهم عاطفة رحمة عند قتلهم أفراداً أو أمماً لغاياتهم السياسية، إهراقاً بالسيف أو إزهاقاً بالقلم، ولا فرق بين القتل بقطع الأوداج وبين الإماتة بإيراث الشقاء غير التسريع والإبطاء.

أسير الاستبداد العريق فيه يرث شرَّ الخصال، ويتربّى على أشرِّها، ولا بدَّ أن يصحبه بعضها مدى العمر. بناءً عليه؛ ما أبعده عن خصال الكمال! ويكفيه مفسدةً لكلِّ الخصال الطبيعية والشرعية والاعتيادية تلبسه بالرّياء اضطراراً حتى لا يألفه ويصير مَلَكةً فيه، فيفقد بسبب ثقته نفسه بنفسه، لأنَّه لا يجد خُلُقاً مستقرّاً فيه، فلا يمكنه، مثلاً، أن يجزم بأمانته، أو يضمن ثباته على أمرٍ من الأمور، فيعيش سيئ الظنّ في حقِّ ذاته متردداً في أعماله، لوّاماً نفسه على إهماله شؤونه، شاعراً بفتور همَّته ونقص مروءته، ويبقى طول عمره جاهلاً مورد هذا الخلل، فيتَّهم الخالق،والخالقُ – جلَّ شأنه – لم يُنقصه شيئاً. ويتَّهم تارةً دينه، وتارةً تربيته، وتارةً زمانه، وتارةً قومه، والحقيقة بعيدة عن كلِّ ذلك، وما الحقيقة غير أنّه خُلق حرّاً فأُسر.

أجمع الأخلاقيون على أنَّ المتلبِّس بشائبةٍ من أصول القبائح الخلقية لا يمكنه أن يقطع بسلامة غيره منها، وهذا معنى: «إذا ساءت فِعال المرء ساءت ظنونه». فالمرائي – مثلاً – ليس من شأنه أن يظنَّ البراءة في غيره من شائبة الرياء، إلاّ إذا بَعُدَ تشابه النشأة بينهما بُعداً كبيراً، كأن يكون بينهما مغايرة في الجنس أو الدّين أو تفاوت مهمٌّ في المنزلة كصعلوك وأمير كبير. ومثال ذلك الشرقيّ الخائن، يأمن الإفرنجي في معاملته، ويثق بوزنه وحسبانه، ولا يأمن ويثق بابن جلدته. وكذلك الإفرنجي الخائن قد يأمن الشرقي، ولا يأمن مطلقاً ابن جنسه. وهذا الحكم صادق على عكس القضية أيضاً؛ أي أنَّ الأمين يظنُّ الناس أمناء خصوصاً أشباهه في النشأة، وهذا معنى «الكريم يُخدَع»، وكم يذهل الأمين في نفسه عن اتِّباع حكمة الحزم في إساءة الظنِّ في مواقعه اللازمة.

إذا علمنا أنَّ من طبيعة الاستبداد ألفة الناس بعض الأخلاق الرديئة، وأنَّ منها ما يُضعف الثّقة بالنفس، علمنا سبب قلة أهل العمل وأهل العزائم في السّراء، وعلمنا أيضاً حكمة فقد الأُسراء ثقتهم بعضهم ببعض. فينتج من ذلك أنَّ الأُسراء محرومون – طبعاً – من ثمرة الاشتراك في أعمال الحياة،يعيشون مساكين بائسين متواكلين متخاذلين متقاعسين متفاشلين، والعاقل الحكيم لا يلومهم، بل يشفق عليهم، ويلتمس لهم مخرجاً. ويتبع أثر أحكم الحكماء القائل: «ربِّ ارحم قومي، فإنهم لا يعلمون»، «اللهم اهدِ قومي، فإنهم لا يعلمون.»

وهنا أستوقف المطالع وأستلفته إلى التأمّل في ما هي ثمرة الاشتراك التي يحرمها الأسراء، فأذكره بأنَّ الاشتراك هو أعظم سرٍّ في الكائنات، به قيام كلِّ شيء ما عدا الله وحده. به قيام الأجرام السماوية؛ به قيام كلِّ حياة؛ به قيام المواليد؛ به قيام الأجناس والأنواع؛ به قيام الأمم والقبائل؛ به قيام العائلات؛ به تعاون الأعضاء. نعم، الاشتراك فيه سرُّ تضاعف القوة بنسبة ناموس التربيع؛ فيه سرُّ الاستمرار على الأعمال التي لا تفي بها أعمار الأفراد. نعم؛ الاشتراك هو السرُّ كلُّ السرّ في نجاح الأمم المتمدنة. به أكملوا ناموس حياتهم القومية، به ضبطوا نظام حكوماتهم، به قاموا بعظائم الأمور، به نالوا كل ما يغبطهم عليه أُسراء الاستبداد الذين منهم العارفون بقدر الاشتراك ويتشوَّقون إليه، ولكن؛ كلٌّ منهم يُبطن لغبن شركائه باتِّكاله عليهم عملاً، واستبداده عليهم رأياً، حتى صار من أمثالهم قولهم: «ما من متَّفقين إلا واحدهما مغلوبٌ للآخر.»

ورُبَّ قائلٍ يقول إنَّ سرَّ الاشتراك ليس بالأمر الخفيّ، وقد طالما كتب اليابانيين والبوير، فما السبب؟ فأجيبه بأنَّ الكُتَّاب كتبوا وأكثروا وأحسنوا فيما فصّلوا وصوّروا، ولكنْ؛ قاتل الله الاستبداد وشؤمه، جعل الكتّاب يحصرون أقوالهم في الدعوة إلى الاشتراك، وما بمعناه من التعاون والاتحاد والتحابب والاتِّفاق، ومنعهم من التعرُّض لذكر أسباب التفرّق والانحلال كليّاً، أو اضطرهم إلى الاقتصار على بيان الأسباب الأخيرة فقط. فمن قائلٍ مثلاً: الشرق مريضٌ وسببه الجهل، ومن قائلٍ: الجهل بلاء وسببه قلّة المدارس، ومن قائلٍ: قلّة المدارس عارٌ وسببه عدم التعاون على إنشائها من قبل الأفراد أو من قبل ذوي الشأن.

وهذا أعمق ما يخطُّه قلم الكاتب الشرقي كأنّه وصل إلى السبب المانع الطبيعي أو الاختياري. والحقيقة، أنَّ هناك سلسلة أسباب أخرى حلقتها الأولى الاستبداد.

وكاتب آخر يقول: الشرق مريض وسببه فقد التمسّك بالدين، ثمَّ يقف، مع أنَّه لو تتبَّع الأسباب لبلغ إلى الحكم بأنَّ التهاون في الدين أولاً وآخراً ناشئ من الاستبداد. وآخر يقول: إنَّ السبب فساد الأخلاق، وغيره يرى أنّه فقد التربية، وسواء ظنَّ أنَّه الكسل، والحقيقة أنَّ المرجع الأول في الكلّ هو الاستبداد، الذي يمنع حتى أولئك الباحثين عن التصريح باسمه المهيب.

وقد اتَّفق الحكماء الذين أكرمهم الله تعالى بوظيفة الأخذ بيد الأمم في بحثهم عن المهلكات والمنجيات، على أنَّ فساد الأخلاق يُخرج الأمم عن أن تكون قابلة للخطاب، وأنَّ معاناة إصلاح الأخلاق من أصعب الأمور وأحوجها إلى الحكمة البالغة والعزم القوي، وذكروا أنَّ فساد الأخلاق يعمُّ المستبدَّ وأعوانه وعماله، ثمَّ يدخل بالعدوى إلى كلّ البيوت، ولا سيما بيوت الطبقات العليا التي تتمثَّل بها السفلى. وهكذا يغشو الفساد، وتمسي الأمة يبكيها المحبُّ ويشمت بها العدو، وتبيت وداؤها عياء يتعاصى على الدواء.

وقد سلك الأنبياء عليهم السلام، في إنقاذ الأمم من فساد الأخلاق، مسلك الابتداء أولاً بفكِّ العقول من تعظيم غير الله والإذعان لسواه. وذلك بتقوية حسن الإيمان المفطور عليه وجدان كلُّ إنسان، ثمَّ جهدوا في تنوير العقول بمبادئ الحكمة، وتعريف الإنسان كيف يملك إرادته؛ أي حريته في أفكاره، واختياره في أعماله، وبذلك هدموا حصون الاستبداد وسدّوا منابع الفساد.

ثمَّ بعد إطلاق زمام العقول، صاروا ينظرون إلى الإنسان بأنَّه مكلَّف بقانون الإنسانية، ومطالب بحسن الأخلاق، فيعلمونه ذلك بأساليب التعليم المقنع وبثّ التربية التهذيبية.

والحكماء السياسيون الأقدمون اتَّبعوا الأنبياء – عليهم السلام – في سلوك هذا الطريق وهذا الترتيب؛ أي بالابتداء من نقطة دينية فطرية تؤدي إلى تحرير الضمائر، ثمَّ باتِّباع طريق التربية والتهذيب بدون فتورٍ ولا انقطاع.

أما المتأخرون من قادة العقول في الغرب، فمنهم فئة سلكوا طريقة الخروج بأممهم من حظيرة الدين وآدابه النفسية، إلى فضاء الإطلاق وتربية الطبيعة، زاعمين أنَّ الفطرة في الإنسان أهدى سبيلاً، وحاجته إلى النظام تغنيه عن إعانة الدين، التي هي كالمخدرات سموم تعطِّل الحسَّ بالهموم، ثمّ تذهب بالحياة، فيكون ضررها أكبر من نفعها.

وقد ساعدهم على سلوك هذا المسلك، أنَّهم وجدوا أممهم قد فشا فيها نور العلم، ذلك العلم الذي كان منحصراً في خدمة الدين عند المصريين والآشوريين، ومحتَكَراً في أبناء الأشراف عند الغرناطيين والرومان، ومخصصاً في أعداد من الشّبان المنتخبين عند الهنديين واليونان، حتى جاء العرب بعد الإسلام، وأطلقوا حرية العلم، وأباحوا تناوله لكلِّ متعلم، فانتقل إلى أوربا حراً على رغم رجال الدين، فتنوَّرت به عقول الأمم على درجات، وفي نسبتها ترقَّت الأمم في النعيم، وانتشرت وتخالطت، وصار المتأخِّر منها يغبط المتقدِّم ويتنغَّص من حالته، ويتطلَّب اللحاق، ويبحث عن وسائله. فنشأ من ذلك حركة قوية في الأفكار، وحركة معرفة الخير والغيرة على نواله، حركة معرفة الشرّ والأنَفَة من الصبر عليه، حركة السير إلى الأمام رغم كلِّ معارض. اغتنم زعماء الحرية في الغرب قوة هذه الحركة وأضافوا إليها قوات أدبية شتّى، كاستبدالهم ثقالة وقار الدين بزهوة عروس الحرية، حتى إنَّهم لم يبالوا بتمثيل الحرية بحسناء خليعة تختلب النفوس. وكاستبدالهم رابطة الاشتراك في الطاعة للمستبدين برابطة الاشتراك في الشؤون العمومية، ذلك الاشتراك الذي يتولّد منه حبُّ الوطن. وهكذا جعلوا قوة حركة الأفكار تياراً سلّطوه على رؤوس الرؤوس من أهل السياسة والدين. ثمَّ إنَّ هؤلاء الزعماء استباحوا القساوة أيضاً، فأخذوا من مهجورات دينهم قاعدة «الغاية تبرر الواسطة»، كجواز السرقة إذا كانت الغاية من صرف المال في سبيل الخير، وقاعدة «تثقيل الذمة يبيح الفعل القبيح» كشهادة الزور على ذمّة الكاهن التي يتحمَّل عنها خطيئتها، ودفعوا الناس بهما إلى ارتكاب الجرائم الفظيعة التي تقشعرُّ منها الإنسانية، التي لا يستبيحها الحكيم الشرقي لما بين أبناء الغرب وأبناء الشرق من التباين في الغرائز والأخلاق.

الغربي: ماديُّ الحياة، قويُّ النفس، شديد المعاملة، حريصٌ على الانتقام، كأنَّه لم يبقَ عنده شيء من المبادئ العالية والعواطف الشريفة التي نقلتها له مسيحية الشرق. فالجرماني مثلاً: جاف الطبع، يرى أنَّ العضو الضعيف من البشر يستحق الموت، ويرى كلَّ فضيلة في القوة، وكلَّ القوة في المال، فهو يحبُّ العلم، ولكن، لأجل المال؛ ويحبُّ المجد، ولكن لأجل المال. وهذا اللاتيني مطبوع على العجب والطيش، يرى العقل في الإطلاق، والحياة في خلع الحياء، والشّرف في التّرف، والكياسة في الكسب، والعزّ في الغلبة، واللذَّة في المائدة والفراش.

أما أهل الشرق فهم أدبيون، ويغلب عليهم ضعف القلب وسلطان الحبِّ، والإصغاء للوجدان، والميل للرّحمة ولو في غير موقعها، واللُّطف ولو مع الخصم. ويرون العزَّ في الفتوة والمروءة، والغنى في القناعة والفضيلة، والراحة في الأنس والسّكينة، واللذة في الكرم والتحبب، وهم يغضبون، ولكن؛ للدين فقط، ويغارون، ولكن؛ على العِرْض فقط.

ليس من شأن الشرقي أن يسير مع الغربي في طريقٍ واحدة، فلا تطاوعه طباعه على استباحة ما يستحسنه الغربي، وإن تكلَّف تقليده في أمر فلا يُحسن التقليد، وإن أحسنه فلا يثبت، وإن ثبت فلا يعرف استثماره، حتى لو سقطت الثمرة في كفِّه تمنّى لو قفزت على فمه!.. فالشرقي مثلاً يهتمُّ في شأن ظالمه إلى أن يزول عنه ظلمه، ثمَّ لا يفكر فيمن يخلفه ولا يراقبه، فيقع في الظلم ثانيةً، فيعيد الكرّة ويعود الظلم إلى ما لا نهاية. وكأولئك الباطنة في الإسلام: فتكوا بمئات أمراء على غير طائل، كأنَّهم لم يسمعوا بالحكمة النبوية: «لا يُلدَغ المرء من جُحرٍ مرتين»، ولا بالحكمة القرآنية «إنَّ الله يحبُّ المتَّقين».أما الغربي إذا أخذ على يد ظالمه فلا يفلته حتى يشلَّها، بل حتى يقطعها ويكوي مقطعها.

وهكذا بين الشرقيين والغربيين فروقٍ كثيرة، قد يفضل في الإفراديات الشرقي على الغربي، وفي الاجتماعيات يفضل الغربي على الشرقي مطلقاً. مثال ذلك: الغربيون يستحلفون أميرهم على الصداقة في خدمته لهم والتزام القانون. والسلطان الشرقي يستحلف الرعية على الانقياد والطاعة! الغربيون يَمنّون على ملوكهم بما يرتزقون من فضلاتهم، والأمراء الشرقيون يتكرَّمون على من شاؤوا بإجراء أموالهم عليهم صدقات! الغربي يعتبر نفسه مالكاً لجزءٍ مشاع من وطنه، والشرقيّ يعتبر نفسه وأولاده وما في يديه ملكاً لأميره! الغربي له على أميره حقوق، وليس عليه حقوق؛ والشرقي عليه لأميره حقوق وليس له حقوق! الغربيون يضعون قانوناً لأميرهم يسري عليه، والشرقيون يسيرون على قانون مشيئة أمرائهم! الغربيون قضاؤهم وقدرهم من الله؛ والشرقيون قضاؤهم وقدرهم ما يصدر من بين شفتي المستعبدين! الشرقي سريع التصديق، والغربي ينفي ولا يثبت حتى يرى ويلمس. الشرقي أكثر ما يغار على الفروج كأنَّ شرفه كلّه مستودَعٌ فيها، والغربي أكثر ما يغار على حريته واستقلاله! الشرقي حريصٌ على الدين والرياء فيه، والغربي حريصٌ على القوة والعزّ والمزيد فيهما! والخلاصة: أنَّ الشرقي ابن الماضي والخيال، والغربي ابن المستقبل والجد!..

الحكماء المتأخرون الغربيون ساعدتهم ظروف الزمان والمكان، وخصوصية الأحوال، لاختصار الطريق فسلكوه، واستباحوا ما استباحوا، حتى إنَّهم استباحوا في التمهيد السياسي تشجيع أعوان المستبدَّ على تشديد وطأة الظلم والاعتساف بقصد تعميم الحقد عليه، وبمثل هذه التدابير القاسية نالوا المراد أو بعضه، من تحرير الأفكار وتهذيب الأخلاق وجعل الإنسان إنساناً.

وقد سبق هؤلاء الغُلاة فئة اتَّبعت أثر النبيين، ولم تحفل بطول الطريق وتعبه، فنجحت ورسخت، وأعني بتلك الفئة أولئك الحكماء الذين لم يأتوا بدينٍ جديد، ولا تمسّكوا بمعاداة كلِّ دين، كمؤسسي جمهورية الفرنسيس، بل رتقوا فُتوق الدّهر في دينهم بما نقَّحوا، وهذَّبوا، وسهَّلوا، وقرَّبوا، حتى جدَّدوه، وجعلوه صالحاً لتجديد خليق أخلاق الأمة.

وما أحوج الشرقيين أجمعين من بوذيين ومسلمين ومسيحيين وإسرائيليين وغيرهم، إلى حكماء لا يبالون بغوغاء العلماء المرائين الأغبياء، والرؤساء القساة الجهلاء. فيجددون النّظر في الدّين، نظر من لا يحفل بغير الحقِّ الصريح، نظر من لا يضيع النتائج بتشويش المقدمات، نظر من يقصد إظهار الحقيقة لا إظهار الفصاحة، نظر من يريد وجه ربِّه لا استمالة الناس إليه، وبذلك يعيدون النواقص المعطَّلة في الدين، ويهذِّبونه من الزوائد الباطلة مما يطرأ عادةً على كلِّ دينٍ يتقادم عهده، فيحتاج إلى مجددين يرجعون به إلى أصله المبين البريء من حيث تمليك الإرادة ورفع البلادة من كل ما يشين، المخفِّف شقاء الاستبداد والاستعباد، المبصِّر بطرائق التعليم والتعلّم الصحيحين، المهيّئ قيام التربية الحسنة واستقرار الأخلاق المنتظمة مما به يصير الإنسان إنساناً، وبه لا بالكفر يعيش الناس إخواناً.

والشرقيون ما داموا على حاضر حالهم بعيدين عن المجد والعزم، مرتاحين للهو والهزل تسكيناً لآلام إسارة النفس، وإخلاداً إلى الخمول والتسفُّل، طلباً لراحة الفكر المضغوط عليه من كلِّ جانب، يتألمون من تذكيرهم بالحقائق، ومطالبتهم بالوظائف، ينتظرون زوال العناد بالتواكل، أو مجرد التمنّي والدعاء. أو يتربصون صدفة مثل التي نالتها بعض الأمم، فليتوقّعوا إذن أن يفقدوا الدين كلياً، فيمسوا – وما مساؤهم ببعيد – دهريين، لا يدرون أي الحياتين أشقى، فلينظروا ما حاق بالآشوريين والفينيقيين وغيرهم من الأمم المنقرضة المندمجة في غيرها خدماً وخَوَلاً.

والأمر الغريب، أنَّ كلَّ الأمم المنحطّة من جميع الأديان تحصر بلية انحطاطها السياسي في تهاونها بأمور دينها، ولا ترجو تحسين حالتها الاجتماعية إلا بالتمسُّك بعروة الدين تمسكاً مكيناً، ويريدون بالدين العبادة، ولنِعم الاعتقاد لو كان يفيد شيئاً، لكنه لا يفيد أبداً؛ لأنه قولٌ لا يمكن أن يكون وراءه فعل، وذلك أنَّ الدين بذرٌ جيد لا شبهة فيه، فإذا صدقت مغرساً طيباً نبت ونما، وإن صادف أرضاً قاحلة مات وفات، أو أرضاً مغراقاً هاف الاستبداد بصرها وبصيرتها، وأفسد أخلاقها ودينها، حتى صارت لا تعرف للدين معنى غير العبادة والنسك اللذين زيادتهما عن حدِّهما المشروع أضرُّ على الأمة من نقصهما كما هو مشاهد في المتنسكين.

نعم! الدين يفيد الترقّي الاجتماعي إذا صادف أخلاقاً فطرية لم تفسد، فينهض بها كما نهضت الإسلامية بالعرب، تلك النهضة التي نتطلبها منذ ألف عام عبثاً.

وقد علَّمنا هذا الدهر الطويل – مع الأسف – أنَّ أكثر الناس لا يحفلون بالدين إلا إذا وافق أغراضهم، أو لهواً ورياءً، وعلمنا أنَّ الناس عبيد منافعهم وعبيد الزمان، وأنَّ العقل لا يفيد العزم عندهم، إنما العزم عندهم يتولّد من الضرورة أو يحصل بالسائق المجبر. ولا يستحي الناس من أن يُلزموا أنفسهم باليمين أو النذر. بناءً عليه؛ ما أجدر بالأمم المنحطّة أن تلتمس دواءها من طريق إحياء العلم وإحياء الهمة مع الاستعانة بالدين والاستفادة منه بمثل: «إنَّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر»، لا أن يتَّكِلوا على أنَّ الصلاة تمنع الناس عنهما بطبعها.