صفحة جديدة من تاريخ الثورة الدرزية 1834 - 1838

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صفحة جديدة من تاريخ الثورة الدرزية 1834 - 1838

صفحة جديدة


من تاريخ الثورة الدرزية
١٨٣٤ - ۱۸۳۸
كما تظهر في محفوظات سراي عابدين الملكية
للدكتور أسد رستم

إن لجلالة المغفور له، الملك فؤاد الأول، فضلاً على علم التاريخ وذويه يعترف به كل من رافق النهضة العلمية في مصر في طورها الأخير. فإنه ما كاد يرتقي العرش حتى وجه عنايته إلى تنشيط أعمال الجمعية الملكية الجغرافية، فأعانها بماله، وعضدها بسطوته وصولته، حتى تمكنت من جمع تقارير قناصل الدول في مصر، وفي بعض البلدان المجاورة لها، في النصف الأول من القرن التاسع عشر. ثم عهدت بنشر هذه التقارير إلى بعض رجال الاختصاص، فظهر منها أكثر من خمسة وعشرين مجلداً. وأصبحت هذه الحقبة من تاريخ القطر الشقيق غنية في مصادرها الأولية، تفوق من هذه الناحية جميع الحقبات في تاريخ مصر وفي تاريخ غيرها من الأقطار العربية.

وقد كانت مكتبة السراي الملكية في عابدين مهجورة في عهـد بعض أسلافه في الحكم، فاهتمَّ بإصلاحها، وعهد في ذلك إلى صديقي المرحوم الدكتور غريفيني، المستشرق الإيطالي، وطلب إليه أن يجملها مكتبة تاريخية يؤمها الباحثون في تاريخ مصر. فأصبحت، بفضل رعاية المليك الراحل وتنشيطه وتشجيعه، أكمل مجموعة في العالم لتاريخ مصر في عهد محمد علي باشا وبعض أحفاده. وقد وجدت فيها من الكتب الأوربية ما لم أجده في أكبر دور الكتب في أوربة وأميركة.

وقل الأمر نفسه عن أوراق الحكومة المصرية في عهد والده إسماعيل، وجـده إبراهيم، وجده الأكبر محمد علي باشا. فإني أذكر بوضوح تام إني لما زرت مصر، عام ١٩٢٥، لتمثيل جامعة بيروت الأميركية في المؤتمر الدولي الجغرافي، صعدت إلى القلعة لتفقد أحوال الدفترخانة المصرية - فوجدت أوراقها وسجلاتها مكدسة بعضها فوق بعض في أكياسٍ من «الجنفيص» لا يؤمها سوى الجراذين والثعابين. وقد أكد لي أحد ضباط القلعة من الإنكليز، الذي قادني إلى هذه الغرفة المهجورة، أنه لما دخلها قبل زيارتي بيومين أو ثلاثة مع أحد المستشرقين، لاحظ حركة مريبة في أحد أكياس الأوراق. فأمر بفتحه وما أن فتح هذا الكيس حتى انسل منه ثعبان طويل كان قد سئم المطالعة والتفتيش، لما عاناه من المشقة للوصول إلى ضالته، ولما اعترضه من الغبار المتراكم زهاء نصف قرن من الزمن.

وكان قد قيَّض الله لمصر أن ولي الأحكام فيها فؤاد الأول فأمر بجمع هذه الأوراق وتنظيفها وتنسيقها؛ ثم نقلها إلى سراي عابدين وأنشأ لها دائرة تختص بها. وهكذا فإني لما عدت بعد عشر سنوات إلى هذه الأوراق نفسها لدرس أخبار الحملة المصرية على الأقطار الشامية، في عهد محمد علي باشا، وجدتها مرتبة أحسن ترتيب، سهلة المنال. وقد قام من أبناء مصر، برعاية المليك الراحل ونشيطها عدد من الموظفين «الساكتين» لدرس محتويات هذه الأوراق وتنظيمها، ومن الوصول إليها، أخص بالذكر منهم يوسف جلاد بك، وجورج جندي أفندي، وجورج سمعان أفندي، ومحمد علي عوني أفندي، وغيرهم ممن يشتغل بهدوء لا يحدث ضجيجاً لما يقوم به من الأعمال، دأبه التنسيق والترتيب ودرس المحتويات وتسهيل أعمال الباحثين من طلاب التاريخ. هـذا وإني أعلم العلم اليقين أنه لو أطلعت أحد هؤلاء العاملين الأمناء على ما أدونه الآن لاعترضوا عليه وألحوا في عدم الإشارة إليه، لما طبعوا عليه من التواضع وحسن الأخلاق والانصراف إلى العمل الجدي. كثر الله من أمثالهم بين موظفي حكومات الشرق العربي جمعاء!

وجدت في سراي عابدين أكثر من خمسة عشر ألف وثيقة ترجع إلى عهد الحكومة المصرية في الأقطار الشامية. وقد نشرت تقريراً ضافياً رفعته إلى جلالة الملك الراحل عن أسباب الحملة المصرية على بر الشام كما تظهر في هذه الأوراق. وأنجزت منذ أسبوع تقريراً آخر سأرفعه إلى أعتاب حضرة صاحب الجلالة المليك المعظم فاروق الأول عنوانه «محفوظات عـابدين الملكية والثورة بفلسطين عام ١٨٣٤»، وفي أثناء إقامتي في مصر، في العام الفائت، وجدت عدداً لا يستهان به من الأوراق السرية التي تتعلق بأخبار الثورة الدرزية على إبراهيم باشا وحكومته في هذه البلاد. فأحببت أن أنشر بعضها على صفحات مجلة «المشرق»، وأعلق عليها تعميماً لفائدتها، وإظهاراً لبعض محتوياتها المجهولة، ولا سيما ما يتعلق منها ببعض أسباب الثورة المشار إليها.

ويجدر بنا، قبل أن ننشر نص هذه الأوراق السرية أن نأتي على ذكر أسباب الثورة الدرزية كما عرفها المؤرخون حتى هذه الساعة. قال صديقي المرحوم سليمان بك أبو عز الدين، وهو آخر من عني بالثورة الدرزية ما خلاصته:

«كثيرون من السوريين أملوا الخبر من وراء تغلب حملة إبراهيم باشا على بلادهم لأن من مزايا حكومة محمد علي العمل على إقرار الأمن في البلاد وإنقاذها من الفوضى التي جعلت أرواح العباد وأموالهم تحت رحمة الأقوياء والأشداء كما أن إبراهيم باشا كان قد وعد السوريين بأنه سيعفيهم من التجنيد ويخفض الضرائب ولا يكلفهم سوى دفع الأموال الأميرية. والأموال الأميرية لم تكن عبئًا ثقيلاً عليهم في عهد الحكومة العثمانية إلا لما كان يرافقها من سوء المعاملة في التحصيل وابتراز المبالغ الإضافية بحجج مختلفة. وكان إبراهيم باشا قد حقق بعض الآمال على إثر احتلال سوريا والشروع في إدارة أحكامها فخفف عنهم الأثقال المالية وأخـذ ينشط الزراعة والتجارة، فبدأ القوم يشعرون بالطمأنينة والرخاء وبالإخلاص للحكومة الجديدة غير أن زمن الغناء والرخاء لم يطل. فقد ذكرنا في فصل سابق أن من أهم الأسباب التي حملت محمد علي باشا على الطرح إلى الاستيلاء على سوريا هو رغبته بالانتفاع بما فيها من مال ورجال ولذلك لم ينقض زمن طويل على إمضاء معاهدة كوتاهية وعلى الخطة الحكيمة التي كان إبراهيم باشا قد انتهجها في إدارة البلاد السورية حتى وردت عليه أوامر والده قاضية على آمال السوريين موجبة عليهم الخضوع للسياسة العسكرية والاقتصادية التي جرى عليها في القطر المصري. فالأوامر التي أصدرها محمد علي إلى ولده إبراهيم باشا في أوائل سنة ١٨٣٦ أوجبت إجراء ما يلي:

١ - احتكار الحرير في البلاد السورية
٢ – تحصيل «الفردة» أي فريضة الرؤوس من جميع الرجال على اختلاف مذاهبهم
٣ - التجنيد في البلاد الساحلية
٤ - نزع السلاح من أيدي أهل البلاد

أما الذي حمل حكومة محمد علي على التشدد في أمر التجنيد في سوريا فهو أن الدولة العثمانية كانت تحشد جنودها على مقربة من حدود سوريا الشمالية بحجة مقاتلة ثوار الأكراد فاستعداداً للطوارئ بادر محمد علي إلى تقوية جيوشه في سوريا وأصدر أوامره بتعميم التجنيد فيها وبمقتضى ذلك النظام طلبت حكومة دمشق من دروز حوران ماية وسبعين مجنداً مع أنها لم تكلفهم التجند في سنة ١٨٣٧ لشعورها بحاجتهم إلى الرجال لدفع اعتداء العربان المحيطين بهم من كل جانب لأن الدروز أنفسهم كانوا يقومون في بلادهم بما هو من واجب جنود الحكومة ورجال شرطتها فيتولون حفظ الأمن في الداخل والدفاع عن حوزتهم عنـد وقوع اعتداء من الخارج، وحالتهم في سنة ١٨٣٧ لم تتغير عما كانت عليه في سنة ١٨٣٦ فتجنيدهم وتكليفهم الخدمة في أماكن بعيدة عن جبلهم بينما جيرانهم من عربان البادية يسرحون ويمرحون لا مبرر له من جانب الحكومة لأن عدم تجنيد ماية وسبعين رجلاً ليس له تأثير محسوس في قوة الجيش. فالذي يتبادر إلى ذهن الباحث هو أن حكومة محمد علي اتخذت مسألة التجنيد ذريعة للتحرش بدروز حوران توصلاً إلى أغراض أكثر أهمية من الحصول على ماية وسبعين مجنداً. فجبل حوران واللجاة كانا في ذلك الزمان ملجأ لكل خائف من جور الحكام أو ثائر على الحكومة ومعقلاً يعتصم به الفارون من التجنيد والمتملصون من حمل الضرائب الثقيل حتى أن قرى عديدة في جبل الكرمل خربت في ذلك الوقت وانتقل أهلها إلى جبل حوران لينجوا من الضرائب الثقيلة وشدة وطأة التجنيد وفي ذلك خسارة جسيمة على الحكومة في المال والرجال. فلذلك رأت الحكومة أن تدويخ دروز حوران يثبت قدمها في جبالهم وفي اللجاة ويمكنها من إيقاف تيار اللاجئين إليها ومن فرض التكاليف العسكرية والمالية عليهم وتمهيد السبيل لبسط سلطتها على ما ورائهم من العربان».

وإليك الآن ما وجدناه في عابدين مما يتعلق بالثورة الدرزية:

أولاً: محفظة ٢٠١ عابدين رقم ۱۲ بتاريخ ٥ محرم سنة ١٢٥١
الأمير بشير إلى إبراهيم باشا

ولي النعم أفندم سلطانم المعظم أدام الله تعالى دولته

غب لثم الأذيال يعرض عبد بابكم أنه قبل هذا أعرضنا لدولتكم أننا جميعنا عبيدكم أكابر الجبل الدروز من أمرا ومشايخ ووجوه واقفناهم على أوامر دولتكم بطلب أنفار للعسكرية ووزعنا أورطة ثمانماية نفر على جميع المحلات التي فيها دروز قرية قرية كما شرحنا ذلك بعرضحالنا المتقدم وأنهم توجهوا من عندنا على أنهم يبادروا لإتمام هذه المأمورية والذي نعرضه الآن أنه من بعـد توجههم بيومين ظهر بين طوائف الدروز مراسلات من مقاطعة إلى مقاطعة ومن قرية إلى قرية وكلام داير بينهم أنهم يسترحمون بتقديم الرجا برفع هذا المطلوب عنهم بدفع مالي بدلاً عـن ذلك أو أنهم يتعهدون ويوثقون على أنفسهم بأنهم يكونوا مستعدين لخدمة دولتكم بتقديم عساكر تتوجه إلى أي محل أمرتم من دون تقصير ولا تأخير وأنه إذا ما حصلت لهم الرحمة بذلك يتشتتون في جميع الأقطار ويهربون إلى غير ديار وحاصل منهم مشاورات واجتماعات سرية وكلامهم بالظاهر كما أعرضنا فهذا واقع الحال والذي نتج أنهم بالرضى لا يعطوا الأنفار المطلوبة ونحن إلى حد الآن ما علمنا كيفية أمر دولتكم فهل أنهم إذا قدموا الرجا والاسترحام بدفع مال بدلاً عن الأنفار أم إذا تعهدوا بتقديم عسكر متى طلب منهم يقبل ذلك منهم أم لا وإذا كان ذلك لا يقبل منهم وأبدوا المحاولة والمماطله هل نظهر لهم الشدة أم لا وحيث إني عبد رق لهذه الدولة السعيدة وليس لي مقصـد ولا مأرب إلا دوامي تحت ذيل الرضى وأكون ساعياً ومجتهداً بكلما فيه نفوذ أمر عنايتكم تجاسرت بتقديم هذا العرضحال لكي تأمروني بما يستحسن لدى دولتكم لأسعی به وحتى إذا سؤلت منهم أجاوبهم بما يوافق أمر سعادتكم وأيد الله تعالى أركان دولتكم أفندم في ٥ م ۲٥۱

بشير شهاب

وقد وجدنا في المحفظة نفسها، بتاريخ ٨ محرم من السنة نفسها، تعليقاً لإبراهيم باشا على كلام الأمير أهم ما ورد فيه أن الدروز رجال بأس ونشاط لا يتهربون من الحرب والقتال. لكنه يخشى أنه، إذا بقيت أسلحتهم في أيديهم تكون خطراً على الأمن في البلاد.

وفي رسالة أخرى من إبراهيم باشا إلى والده بتاريخ ۲۱ محرم من السنة نفسها نرى أن الباشا أوفد حنا بحري بك إلى الأمير بشير ليقنعه بوجوب التجنيد، وإليك نص التقرير الذي رفعه بجري بـك إلى دولة ولي النعم السرعسكر المعظم إبراهيم باشا:

ثانياً: محفظة ٢٥١ عابدين ترجمة الوثيقة ١٠٠ / ٢١ بتاريخ ٤ صفر سنة ٢٥١
من: يوحنا بحري
إلى: ولي النعم

يعرض عبدكم ما يلي: أنه على نحو ما جاء بعريضة عبدكم السابقة المفصلة، عندما شاهدت هـذه الحالة من الدروز سألت عبدكم الأمير بشيراً عما يرتئيه فيما إذا علم الدروز أن الجنود تتحرك من البقاع وبعلبك وما إليها، ولم يعمدوا إلى التسليم فكان جوابه: لا شبهة لدي في أن موقف التذبذب الذي يقفه الآن الدروز ليس معناه أنهم ينوون العصيان وإنما ذلك لمجرد تمسكهم بديانتهم، والذي يريد هذا الرأي هو ما يشاهد فيهم من الخوف، وإني لأذهب في الظن إلى درجة اليقين أنهم إذا ما سمعوا أن الجنود زاحفون وأنهم وصلوا إلى بعض الجهات سيعسدون إلى التوسل ويعرضون تقديم كل ما يطلب منهم وعلى فرض أنهم أصروا على رأيهم، وصدر الأمر بضربهم، فإني أسير بنفسي في طليعة الجند حيث نؤدبهم ونأخذ الرجال الذين نريد أخذهم منهم. وإذا كان هؤلاء الدروز قد عجزوا عن مقاومة عساكر الوزراء السالفين الذين جمعوا من هنا وهناك كيفها اتفق فكيف يقدمون الآن على المقاومة بينما النصارى ليسوا معهم. فأجبته: هل أنتم على يقين من أنه لا يوجد معهم أحد النصارى، وإذا ما انضم عند الضيق أتستطيعون إبعادهم عنهم، فرد علي يقول: عندما علمت أن الدروز يعملون للاتفاق مع النصارى كتبت إلى النصارى أقول لهم: لا علاقة لكم في هذا الموضوع فاحذروا التدخل فيه، وأكدت عليهم في ذلك وهم الآن في حالهم. وحتى - من قبيل فرض المحال - لو اندمج في الدروز بعض النصارى الذين لا يعرفون قـدر أنفسهم فإني أستطيع إقصاءهم.

هذا وبالنظر لما تحققه عبدكم ممن يعتمد عليهم من النصارى الذين حادثتهم في خلال مدة الأيام الثلاثة أو الأربعة التي مكثت فيها، فهمت يقيناً أن جميع النصارى عاملون بموجب تنبيه الأمير بشير وسوف لا يتدخلون في أمور الدروز، ولا يخالفون أمر الأمير الموما إليه، ولذا، تقدمت إلى عرض الموضوع.

عبدكم
(الختم) يوحنا بحري

إن الأمرين الخديويين الصادرين في هذا الموضوع قد أعيدا من طيه بدون أن يطلع عليها أحد وفقاً للارادة السنية.

ثالثاً: محفظة ٢٥١ عابدين ترجمة الوثيقة رقم ١٠٠ / ٢١ ٣ بتاريخ ٤ صفر سنة ٢٥١
من: يوحنا بحري
إلى: إبراهيم باشا

يعرض عبدكم ما يلي:

في مساء يوم السبت الموافق السابع والعشرين من شهر محرم سنة ٢٥١ تلقيت إرادة ولي النعم المؤرخة ٢٢ محرم سنة ٢٥١ القاضية بوجوب قيامي لمقابلة عطوفة الأمير بشير لتبليغه إرادتكم السرعسكرية بشأن العساكر المطلوبة مع إقناعه في ذلك الجبل، وتفهيمه كيفية الثقة التي منحها وتلقينه ما تقتضيه، مع إقناعه في ذلك، وفقاً لما جاء بالأوامر السنية الصادرة من قبل الخديوي الأعظم، ولما اطلع عبدكم على ما احتوته إرادتكم السامية. قمت في اليوم التالي الأحد ما كان بين يدي من الأعمال وقمت في صباح يوم الإثنين من الشام، وفي ضحى يوم الأربعاء وصلت إلى بيت الدين حيث يوجد الأمير المومأ إليه وعندما بلغته إرادتكم السرعسكرية بكمالها قام بإداء الشكر على نعمة الثقة وعبوديته ودعا إلى الله بدوام أيام عمر دولتكم والتي حتى آخر العمر في خدمة ولي النعم ثم قال: «من البديهي أننا، أنا وأولادي وأحفادي، قد وقفنا أنفسنا على تنفيذ وإجراء منطوق أوامر مولانا، وسنبذل الجهد في سبيل القيام بهذه الخدمة الموجبة للفخر، وإني لأرجو لطف الباري أن يوفقني إلى أداء هذه المهمة بانغطـاف قلب ولي النعم المبارك وحسن توجهاته، ولقد أقنعت شيوخ الدروز تارة بالشدة، وطوراً بالترغيب بوجوب تقديم أورطة مكونة من ثمانمائة رجل في الوقت الحاضر، من الألف وخمسمائة رجل الذين طلبوا منهم بالحسنى في المرة الأولى، وذلك وفقاً لما استأذنه ولدي الأمير أمين من أعتاب ولي النعم، ولن أظهر جهال الدروز أي رعاعهم في مبدأ الأمر تردداً أن يتملصوا بعد تعهد الشيوخ، إلا أني أرى من الواجب علي أن أعود فأجمع شيوخ العقل لدى الدروز وأقنعهم وأتوسل بجميع الطرق المؤدية إلى تسهيل أمر هذه المهمة عملاً بالإرادة السنية، على أن هذه المصاعب إنما تعاني من جراء تعلق الدروز بديانتهم، لأن المجزوم به أن شيوخهم وإن كانوا يظهرون بمظهر المقتنع ويتظاهرون بالامتثال إلا أنهم في الباطن لا يسمحون لأنفسهم - من الناحية الدينية - بجمع الأنفار وتقديمهم نظراً لاعتقادهم بأن هؤلاء الأنفار سيتخلون عن ديانتهم باندماجهم بين العساكر. ولما كان من المعلوم أنه لا يمكن أن يعهد النصراني بالقبض على الدرزي وحيث أن هنالك بين الدروز، عدا العوامل الدينية، ذاك التباعد والنفور المتأصلين في نفوس الأهالي عامة من النظام. فإنهم سيسلكون طريق المحاولة ما لم يروا الشدة والصلابة التي تخيفهم ويعمدون إلى التجمع والفرار وما إلى ذلك من الحالات التي من شأنها أن تشل حركة هذه المصلحة، وقد سبق لي أن استأذنت من أعتاب ولي النعم، في عريضتي التي أقدمت على رفعها، عما تقتضيه الإرادة فيا لو ظهرت منهم مثل هذه الحالة بسبب عدم قبول ملتهم ووجب الأمر معاملتهم بالشدة والخشونة أن الرغبة في إقناع شيوخ الدروز بوجوب تقديمهم الأنفار المطلوبة من تلقاء أنفسهم والسعي للحيلولة دون تدمير أهالي جبل الدروز بقوة مولانا القاهرة الباسلة وصدور إرادته السرعسكرية القاطعة بالالتجاء إلى أخذ هؤلاء الأنفار بالقوة والشدة، بحكم الاضطرار، فيا لو تقاعد الشيوخ عن تقديمهم بالحسنى، إنما منشأه مرحمته وشفقته الأكيدة على رعيته، وهبه الله عمراً لا يفنى، على أنه ما دام هذا المحذور الديني قائماً فلن يقبـلوا ذلك على ما كان ما لم يكن هناك الخوف من الموت، أما إذا أخيفوا وأرهبوا فقد يمكن أن يقبلوا». وبعد ذلك أرجئ الموضوع إلى تداول الرأي فيه، وقد تم تداول الرأي في ذلك ثلاث مرات ونوقش الموضوع من جميع نواحيه وأخيراً تقرر أن يستقدم الأمير بشير كبار شيوخ العقـل لدى الدروز وأن يقول لهم: إن أمر هـذا النظام قد اتبع في جميع العالم وقد أخذ [أي أخذ الضرائب وتجنيد العساكر وما إلى ذلك] من جميع الممالك الداخلة في الحكومة المصرية، وبما أن ترددكم في تقديم ذلك سيؤدي إلى تكدر ولي النعم وحيث أن مولانا قد تفضل وأمر أمراً قاطعاً بوجوب أخذ الأنفار المطلوبة منكم ومنحكم امتيازاً لم يمنحه سواكم حيث أمهل به الدروز مدة خمسة عشر عاماً لاستخدامهم في الجندية فإنكم إذا امتثلتم للأمر وقدمتم من تلقاء أنفسكم الأنفار المطلوبة منكم تكونوا قد فزتم برضاء مولانا عنكم ووفقهم إلى الإقامة في أوطانكم آمنين مطمئنين بالرفاهية، أما إذا عمدتم إلى التردد وأبديتم التمنع فإن قوة مولانا القاهرة معلومة لديكم إذ تؤخذ العساكر إذ ذاك من جبل الدروز كما أخذت من جيل القدس، ونابلس، والنصيريين. إلا أنه نظراً لخدمات الدروز السابقة قد أوفد مولانا، حنا، خصيصاً، لتدبر أمر أخذ العساكر المطلوبة بواسطة النصح والإرشاد ومن غير أن يقع في جبل الدروز مثل ما حدث في تلك الجبال من التأديب وخرق الحرمات، وإني نظراً لمحبتي العظيمة لكم منذ القدم، ورغبة في وقاية الجيل من أن يكون عرضة لنيران غضب ولي النعم – معاذ الله ثم معاذ الله - قد تعهدت بناء على تعهدكم بتقديم الأنفار المطلوبة، وقد التمسـت في العريضة التي أقدمها الآن عقر دولة مولانا ولي النعم عن التردد والامتناع الذي بدا منكم قبلاً مع ما قمتم به من تعهد. هذا ما استصوب أن يقوله الأمير المومأ إليه للشيوخ المذكورين على أن يطلب منهم في الوقت الحاضر أنفار أورطة واحدة مكونة من ثمانمائة رجل، على نحو ما تم توزيعهم عـلى الشيوخ قبلاً وأن يكتب الأمير إلى شيوخ المقاطعات نص ما سيقال لشيوخ العقل، وقد كتبت في يوم الخميس إلى شيوخ العقل بوجوب حضورهم. وقدموا في الجمعة وألقى عليهم الأمير المومأ إليه، بحضور عبدكم، البيان السالف الذكر فأبدوا ما هنالك من أعذار دينية وقالوا: إن الدروز يؤثرون أن يفنوا جميعهم في أوطانهم على أن يتخلوا عن دينهم، فلا يرضون الدخول في النظام. أما إذا شاء مولانا أن يستخدم الدروز [كنفر عام] (أي كعساكر غير نظامية) فإن العدد الذي يطلبه منهم بالغاً ما بلغ من أية جهة كانت، يقنون أنفسهم في سبيل خدمته. فأجيبوا: لو طلب من الدروز نحو خمسة أو ستة آلاف رجل [كنفر عام] وأرسلوا في مهمة مـا إلى إحدى الجهات فإن الذاهبين يتركون أعمالهم بينما الباقون يتكلفون مبالغ وافرة لمدهم بالزاد، على حين أن تقديم العساكر المطلوبة الآن يزيل هذين الضررين الجسيمين، وعدا ذلك فإن الحكومة ستقدم إلى الأنفار المطلوبة الرواتب والتعيينات والكساوي، وهذا من شأنه عمار الجبل واطمئنان الأهالي ورفاهيتهم، ولذا فإنكم لو قدمتم هؤلاء الأنفار لخدمتم مصالحكم. أما الأعذار الدينية فإن المرء عندما يرى خطر الموت والخراب يجوز له أن لا ينظر في العذر، فإذا ما قلتم في أنفسكم: نجاوب الآن على هـذا الوجه، ومـن ثم، عندما نرى ذاك الخطر نسلم فإن الوقت الحالي هو وقت الخطر تماماً فإذا أردتم دفع البلاء، فافعلوا من الآن لأن الندم في آخر الأمر لا يجدي نفعاً. أما إذ قلتم - كما يصور لكم الوهم - إذا زحفت العساكر على الجبل، ضربنا صفحاً عن محاذير الدين إذ ذاك وقدمنا الأنفار المطلوبة، فما من أحد يرضى في ذاك الحين بالاكتفاء بمثل هذا العدد من الأنفار، ففكروا ملياً في وخامة العاقبة. وهنا وعدوا الأمير بأن يجمعوا في هذا المساء جميع شيوخ العقل في جبل الشوف القريب منهم ويتشاوروا معهم في الأمر ثم يعودوا في الصباح بالجواب الشافي، ثم استأذنوا الأمير في الانصراف وانصرفوا. وفي يوم السبت عادوا إلى الأمير وقالوا: إن جميع شيوخ العقل ووجوه الدروز ممتثلون للأمر طائعون إلا أنه نظراً لعدم وجود رجال لدينا يصلحون لهذه المهمة يقصد مهمة القبض على الأنفار الطلوبة فإنهم أي الأنفار يؤثرون الموت على تسليم أنفسهم، فأجيبوا: لا يطلب منكم القبض على هؤلاء الأنفار وإحضارهم، إذ أن الحكومة هي التي ستولى أمر القبض عليهم لأن الرجال الذين يراد تجنيدهم في أية جهة من الجهات لا يتقدمون إلى الخدمة من تلقاء أنفسهم وإنما جرت العادة بأن يقبض عليهم من قبل الحكومة بساعي الشيوخ ودلالتهم. ولدى سؤالهم عما إذا كانوا سيسعون مثل شيوخ الجهات الأخرى عندما يشرع في أخذ الانقار المطلوبة من الجبل، على هذا الوجه، فقالوا في شدة نحن نسعى ونبذل النصح ولكننا لا نستطيع أن نتكفل غير ذلك. وإلى هنا كان الأمر قد اتضح، إلا أن الأمير الموما إليه أجابهم قائلاً: إنني لو أحطت الآن مولانا علماً بردكم لكانت النتيجة سيئة عليكم، وحيث أنكم قد تعهدتم على أنفسكم أن تسلكوا سبل الصدق والاستقامة، فانصرفوا وانصحوا الجميع، لأني سأشرع في طلب الأنفار المراد جمعها وأخذها وسأعرض على مولانا إني سأجمعها، ذلك لأني أرى أنه ليس ثمة من سلامة للجبل إلا في إعطاء هؤلاء الأنفار، وبعد ذلك سمح لهم بالانصراف. هذا وقد أوفد بعض الرجال لإحضار شيوخ بيت تلحوق وبيت عبد الملك الذين هم شيوخ المقاطعات لتداول الرأي معهم في هذا الموضوع والتنبيه عليهم بوجوب الشروع في طلب الأنفار المراد جمعهم، وفي يوم الأحد حضر هؤلاء الشيوخ، ولما أخذ الأمير الموما إليه يناقشهم في الموضوع، بحضور عبدكم أبانوا صعوبة الأمر كشيوخ العقل – مـن جراء تشتت الدروز في الجبال، وعدم بيتوتتهم في منازلهم منذ أن علموا بموضوع هذا [النظام] إلا أنهم قالوا: نحن عبيد مولانا ونتعهد بأن نخدمه بأرواحنا وأجسامنا، إلا أن القبض على هؤلاء الأنفار أمر لا طاقة لنا به، ذلك لأن النفور من هذا المشروع قد شمل الجميع إذ إنه ليس من المعلوم من هم الأنفار الذين سيجندون ومن هم الذين سيبقون، حتى أن أتباعنا انفسهم قد انضموا إلى النافرين فيمن والحالة هذه نستطيع أن نقبض على الرجال الذين تقلدوا سلاحهم ونفروا إلى الجبال. ولما أبدوا هذه الاعتذارات، أجيبوا أن هذه الأعذار لا تقبل منكم، لأنه في استطاعة كل رجل منكم أن يقدم بضعة أنفار ممن ربيتوهم، كما يمكنكم تقديهم بإرضانهم بالمال وإذا ما عمد بقية الشيوخ إلى مثل هذه الطريقة تكون السبيل قد مهدت لجميع الأنفار المطلوبة رهان الأمر، وما دمتم تقولون أن جميع الدروز قد نفروا من هـذا الأمر وكل منهم يقول سيجندونني، وذلك نظراً لعدم معرفة الأنفار المطلوبة، فعلى كل منكم أن ينظم كشفاً بأسماء الأنفار المطلوبة من مقاطعته وأن يعلن أهالي المقاطعة بما يحويه هذا الكشف من الأسماء، حتى يزول الالتباس، ومن البـداهة أنكم إذا فعلتم ذلك اطمأن غير المطلوبين وانفرطت جموع النافرين بطبيعة الحال حيث يتسنى لكم إذ ذاك القبض على الأشخاص الذين دونتم أساميهم وإحضارهم بسهولة. ولما أقنعوا بهذا القول أجابوا: سنستعمل هذه الطرق الثلاث ونبذل الجهد في سبيل هـذه المهمة فإذا لم نوفق فيها، قدمنا أنفسنا وأولادنا إلى أعتاب ولي النعم، وإذا ما طلبنا للنظام قبلنا حتى لا نلام. وفي نهاية مناقشتهم في هذا الموضوع تقرر الشروع في العمل على هذا المنوال، وعلى الرغم من أنه يكاد أن لا يكون ثمة فائدة من هذه الخطط، نظراً لما شوهد من مواقف الدروز، فقد استصوب ربط الموضوع بخيط من قطن، في الوقت الحاضر - على أمل أنهم قد يقومون بعمل - وإمرار الوقت على هذا النحو، ريثما يرد أمر ولي النعم، والمفهوم بالنظر لأقوال عبدكم الأمير الموما إليه ولما ابداه الدروز من المحاذير الدينية وما شوهد من أوضاعهم أنهم لا يقدمون عساكر بالاتفاق الودي، ولكنهم عندما يرون شبح البطش والدمار ماثلاً أمامهم يجوز لهم في ديانتهم أن لا يراعوا المحاذير الدينية فيجوز والحالة هذه أن يقدموا الأنفـار المطلوبة، بمجرد أن يروا حركات الجنود من بعيد، أي في بعلبك والبقاع لأن الخوف المشاهد فيهم منذ الآن جد شديد، ولإحاطة علم دولتكم قد أقدمت على عرض الموضوع بالتفصيل، والأمر والإرادة لحضرة مـن له الأمر.

العبد
(الختم) يوحنا بحري
رابعاً: محفظة ۲٥۱ عابدين ترجمة الوثيقة ١٠٠ / ٢١ بتاریخ ۱۰ صفر سنة ٢٥۱
من: إبراهيم
إلى: صاحب المرحمة ولي نعمتي الخ

سيدي صاحب المرحمة ولي نعمتي الذي لا يمن

كنت قد عرضت على أعتابكم العلية أنني، وفقاً لإرادتكم قد كتبت إلى عبدكم. حنا بك بصدد قيامه إلى حيث يوجد الأمير بشير، وقد توجه حنا بك إليه حيث أرسل إلى عبدكم خطابين في موضوع الحديث الذي أفضى به إلى الأمير كما بعث إلى الأمير بشير خطاباً في هذا المعنى، وقد قدمت هذه الخطابات إلى أعتابكم من طي عريضتي، ومتى اطلع ولي النعم عليها وقف على كفة الأمر إني على صغر شأني أود أن أستوضح مولاي بعض الأمور: أكانت فكرة عدم جمع السلاح من جبل الدررز قائمة على أن الدروز لا يعمدون إلى الخيـانة إذا دعت الحاجة وأنهم يخدمون مصالحنا، أم هي لأن جبل الدروز له شهرته منذ القدم فأردتم أن يظل على شهرته، وأن يحتفظ بسلاحه. فإذا كانت هذه الفكرة مبنية على أن الدروز يخدمون مصالحنا فإنه لمن البداهة أن أهالي الجبل، الدروز منهم والنصارى، أكثر الناس خبثاً وسيظهر خبثهم هذا بمجرد أن تطلب المدد، فإذا ما قيل أنهم قد يعمدون الآن إلى العصيان فإنهم لا يستطيعون أن يفعلوا أي شيء وإذا فعلوا لا تتعدى أفعالهم ما جاء بخطاب حنا بك. أما إذا كانت الفكرة منصرفة إلى أن يحتفظ الجبل بشهرته، فلا ينبغي أن يعتمد على مثل هـذه الشهرة الكاذبة، وأن يفرط في القبض على ناصية الحالة فإنه لمن الأمور المعلومة لدى ولي النعم أنه يجب معالجة الأمن حسبما تقتضيه الظروف المشاهدة، وعلى كل حال، فإن عبدكم جد قلق من جراء عدم وقوفي على عدم جمع السلاح من الجبل المذكور فتفضلوا ونجوني من هذا القلق، والأمر والإرادة لمولاي.

من أنطاكية (الختم) سلام على
إبراهيم

وهنالك رسالة من الأمير بشير إلى بحري بك، بتاريخ ۱۳ صفر من السنة نفسها، ترينا نموذجاً من أساليب الأمير في ميدان السياسة المحلية، وإليك نصها:

خامساً: محفظه ۲٥۱ عابدین رقم ۱۰٤ بتاریخ ۱٢ من سنه ۱٢٥۱

غب الأمنية والأشواق أنه لا نقدر نشرح كمية ما أصابنا من الوحشة بعد فراق كوكب أنكم نسأل كرمه تعالى أن يمن باللقاء على أحسن حال. ثم أنه بعد توجه الجناب بالسلامة والأمان ببرهة أربعة أيام حررنا للمشايخ بيت تلحوق وبيت عبد الملك سؤالاً أو استهاماً عما أمروا به وكيف جرى الحال ونحتهم ونحرضهم عـلى فتوح الباب بهذه المأمورية فورد من المذكورين الجوابات وهي واصلة ضمن نميقة الوداد لكي تطالعتها يصير معلوم الجناب فحواها وأما عـامة الـدروز فحالهم كما فارقتموه لا زاد ولا نقص وكلامهم لم يزل مثل الأول ولأجـل إفادة الجناب بذلك اقتضى ترقيم الوكة الوداد راجين الإفادة بما يحسن لدى رأيكم ودام بقاكم

۱۲ ص سنة ٢٥١
محبكم
بشير شهاب

أما فحوى الأجوبة التي وردت على الأمير من بني تلحوق وبني عبد الملك فإنها ما يلي، واللفظ للشيخ حسين تلحوق والشيخ حمد تلحوق: «كما لا يغرب شريف علم سعادتكم شراسة الأطباع وظعف البصيرة الذي تم معهم الآن أن جميعهم طايعين إلى أمر سعادتكم العالي مقدمين ذواتهم لكلما يصدر به أمرکم غير أن مترجين مراحمكم أن لا يكونوا بداية لسبب أمر الديانة فقط».1

ومما لا بد من الإشارة إليه بهذه المناسبة ما ورد من إبراهيم باشا إلى سامي بك، أحد كبار الموظفين في مصر، بتاريخ ٨ جمادى الأولى سنة ١٢٥١ إذ يقول: «مع أنه محتمل أن تكون القوى التركية التي أرسلت إلى الحدود السورية بقيادة محمد رشيد باشا قد أوفدت لتحريض الدروز فإني أعتقد أن القصد الرئيسي من تعزيز السلطة في تلك الجهات لأجل إخماد الثورة الكردية».

ثم يتبع هذا التقرير كلام لمحمد شريف باشا، حكمدار الإيالات السورية جمعاء، مؤرخ في ٩ جمادى الأولى من السنة التالية، نشره بكامله لعـلاقته بالثورة الدرزية. ولعله أرسل إلى سامي بك الوارد ذكره آنفاً. وننشر بعده رسالة للأمير في الموضوع نفسه.

سادساً: محفظة ٢٥٣ عابدين رقم ١٦٦ بتاريخ ٩ جا سنة ١٢٥٣

حضرة عزيزي الأخ السامي الهمم العالي الشيم صاحب العناية والعاطفة والمروءة.

بلغ مسامع جناب الخديوي أن بعضاً من طائفة الدروز ارتدوا عن دينهم «تنصروا» ولكن لم يعلم صحة هذا الخبر أو عدم صحته على أنه إن كان صحيحاً فإن ضرره على الدين والملك أمر مسلم فيلزم قبل كل شيء النظر في الحيلولة دون وقوعه وعليه فقد ورد لي أمر شريف خديوي بتاريخ ٣ ربيع الثاني سنة ١٢٥٢ بأن أكتب من طرفي لحضرة الأمير بشير ليحقق هذه المسألة خفية ويعرض نتيجة تحقيقه فبالحال كتبت إلى حضرة المير المومى إليه أستعلم منه عن مدى صحة ذلك فجاء منه الجواب عربياً مفصلاً وهاهو مرسل لطرفكم العـالي ضمن كتابنا هذا وبوصوله إن شاء الله تعالى تعرضونه على أعتاب جناب الخديوي وهذا ما هو منحنى من حسن همتكم ولطف مروءتكم

من اللاذقية (الختم) محمد شريف
سابعاً: محفظة ٢٥٣ عابدين رقم ١٦٦ بتاريخ ٢٠ ربيع الثاني ١٢٥٣

علي الهمم أفندم سلطانم المفخم أدام الله تعالى دولته

غب لثم الراحات الكريمة نعرض أنه بايمـن طالع تشرفنا بررود المرسوم الكريم المشير فحراه الوسيم أن دولتكم تشرفتم بورود أمر عالي خديوي يشير فحواه العالي الخطير أنه بلغ تلك المسامع الشريفة أن بعض طائفة الدروز الذين في الجبل صاروا مرتدين أي صاروا عيسويين وصدر أمر دولته السامي أن تستمر من عبدكم هذا خفية عن ذلك لأجل أعراض ما تحققه لهاتيك السدة العالية فقد صار ذلك قرين الإذعان فإما حقيقة هذه القضية هو الأشخاص وقليل جداً جداً أراد التداخل بالطريقة العيسوية فأظهرنا التنبيه والتشديد الكلي وأبدينا كمال التهديد بالسطوه الخديوية العليه فانقطع هـذا المبدى وخمدت نار هذه الشهوه لكن كما لا يغرب عن النيره الشفافة أنه موجود في الحبل طايفة أمرا يقال لهم بيت أبي اللمع فهذه الطايفة في الزمن القديم كانوا دروز وتداخلوا في الطريقة العيسوية رويداً رويداً إلى أن صاروا جميعهم عيسويين من مدة أربعين خمسين سنة ولم يبق منهم على طريقة الدروز أحد إلى عصرنا هذا سوى الأمير أحمد قايدبيه المقيم في قرية برمانا وأولاد الأمير نصر مراد المقيمين في المتين وهم الأمير سلمان والأمير موسى والأمير يوسف فالأمير أحمد لم يزل باقياً على طريقة الدروز وأما أولاد الأمير نصر الثلاث المذكورون كانوا بهذا الوقت أرادوا الدخول بالطريقه العيسوية لكنهم لما سمعوا بالتهديد والتشديد الذي حصل من عبدكم تركوا ما كانوا عزموا عليه والآن حينما صدر أمر دولتكم بالفحص عن هذه القضية فحصنا ودققنا وحققنا فوجدنا أن الأمرا الثلاثة أولاد الأمير نصر المذكورين قد دخلوا في الطريقه العيسوية سراً ولم يزالوا مصرين عليها وغيرهم من طايفة الدروز لم يدخل منهم أحد في العيسوية لا سراً ولا جهراً لا من الأكابر ولا من الأصاغر فهـذا ما تحققناه حال هذه القضية أعرضناه جلياً والأمر لولي الأمر وأدام الله تعالى دولتكم.

في ٢٥ ر سنة ٢٥٢
بشير شهاب

يتضح إذاً مما تقدم أن الدروز لم يمتنعوا عن الخدمة العسكرية الإجبارية لخوفهم من الحرب أو لقلة شجاعتهم، وأن الحكومة المصرية في ذلك الوقت، وإن شكت في نيات الآستـانة، فإنها لم تلمس حقيقة راهنة تستنتج منها أن السبب في قيام الدروز هو تحريض الباب العالي، ثم يظهر من كلام الأمير، وتقارير بحري بك ومحمد شريف باشا وإشارة الشيخ حسين تلحوق والشيخ حمد تلحوق، أن أمر الديانة كان من الأسباب الرئيسية لتعنت الدروز في أمر الخدمة العسكرية، ذلك أن عقلاءهم وشيوخهم رأوا في التجنيد الإجباري واختلاط «جهَّالهم» مع غيرهم من الشبان من سائر الفرق والأديان، رأوا في ذلك، بحق أو بغير حق خطراً على دينهم السري قد يؤدي مع مرور الزمن إلى ضعف في العقيدة وفتور في الدين.

وفي الختام لا بد لنا من رفع آيات الشكر إلى حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول لمتابعته سياسة والده العظيم في تنشيط العلم وتشجيع الأبحاث التاريخية.


  1. عابدين محفظه ۲٥۱ رقم ۱۰٤
Public domain هذا العمل في الملك العام في لبنان بموجب القانون رقم 75 لسنة 1999 الرامي إلى حماية الملكية الأدبية والفنية إما لأن مدة حماية حقوق المؤلف قد انقضت بموجب أحكام المواد 49–57 منه أو لأن العمل غير مشمول بالحماية بموجب المادة 4 منه.

  • مضت خمسون سنة على وفاة المؤلف.
  • مضت خمسون سنة على وفاة آخر المؤلفين المشتركين للأعمال المشتركة.
  • مضت خمسون سنة منذ أول نشر علني مجاز للعمل في حالة الأعمال الجماعية والأعمال السمعية والبصرية
  • نشرات الأخبار اليومية.
  • القوانين والمراسيم الاشتراعية والمراسيم والقرارات الصادرة عن كافة سلطات وأجهزة الدولة وترجماتها الرسمية.
  • الأحكام القضائية بكافة أنواعها وترجماتها الرسمية.
  • الخطب الملقاة في الاجتماعات العامة والجمعيات على أن الخطب والمرافعات التي تخص شخصاً واحداً لا يحق إلا لذلك الشخص جمعها ونشرها.
  • الأفكار والمعطيات والوقائع العلمية المجردة.
  • كافة الأعمال الفنية الفولكلورية التراثية، غير أن الأعمال التي تستلهم الفلكلور فهي مشمولة بالحماية.
لبنان
لبنان