صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/75

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۶۷ - والتسميط وما إليهما من النغمات التي تتطلبها الآذان في مواقعها ، ولو بعد فجوة وانقطاع . وربما زاد هذا التصرف في متعتنا الموسيقية بالقافية ولم ينقص منها إلى حد التوسط بين الطرب والإيذاء فالأذن تعمل النغمة الواحدة حين تتكرر عليها عشرات المرات في قصيدة واحدة فإذا تجددت القافية على نمط منسوق ذهبت بالملل من التكرار ونشطت بالسمع إلى الإصغاء الطويل ، ولو تمادي عدد الأبيات إلى المئات والألوف . لهذا لا نحسب أن السنين التي مضت منذ ابتداء التفكير في الشعر المرسل قد مضت على غير طائل لأننا عرفنا في هذه الفترة ما نسيغ ومالا نسيغ ، فعدل الشعراء عن الشعر المرسل الذي تختلف قافيته في كل بيت وجربوا التزام القافية في المقطوعات المتساوية أو في القصائد المزدوجة والمسمطة وما إليها ؛ فإذا هي سائغة وافية بالغرض الذي نقصد إليه من التفكير في الشعر المرسل ، لأنها تحفظ الموسيقية وتعين الشاعر على توسيع المعنى والانتقال بالموضوع حيث يشاء . ومن ثم يصح أن يقال إن مشكلة القافية في الشعر العربي قد حلت على الوجه الأمثـل ولم تبق لنا من حاجة إلى إطلاقها بعد هذا الإطلاق الذي جربناه وألفناه . ا ففي وسع الشاعر اليوم أن ينظم الملحمة من مئات الأبيات فصولا فصولا ومقطوعات مقطوعات ، وكلما انتهى من فصل دخل في بحر جديد يؤذن بتبديل الموضوع ، وكلما انتهى من مقطوعة بدأ في قافية جديدة تريح الأذن من ملالة التكرار . و يمضى القارىء بين هذه الفصول والمقطوعات كأنه يمضى في قراءة ديوان كامل لا يريبه منه اختلاف الأوزان والقوافى بل ينشط به إلى المتابعة والاطراد . و إذا كان الأوربيون يسيغون إرسال القافية على إطلاقها فليس اللازب أن نجاريهم نحن في توسيع ذلك على كره الطبائع والأسماع ، وبخاصة حين اللازم