صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/63

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

10- التي لم تعهد في شعر غيره أمراً يرجع إلى خلائقه الشخصية ويرجع البحث فيـه إلى النفسيات التي لا انفصال بينها وبين الأدب ، لأن الأدب قبل كل شيء تعبير عن شعور ، وليس أولى من النفسيات بالبحث في كل شعور . فليست صيغة التصغير أداة لصيقة بالهجاء ، ولم نرها قط بهذه الكثرة في أشعار الهجائين المنقطعين لهذا الباب أو المشهورين به قبل سائر الأبواب والمتنبي لم يكن من شعراء الهجاء المشهورين به في اللغة العربية ، و إنما اشتهر به شعراء آخرون كالحطيئة وجرير والفرزدق ودعبل وابن الرومي على التخصيص . فلم لم يكثر التصغير في أشعار هؤلاء الهجائين ؟ ولم كان المتنبى منفرداً بهذا الإكثار ؟ مرجع الأمر إليه لا إلى الهجاء ، وأقرب شيء أن يخطر على البال أنه استصغر لأنه تكبر ، وأنه صبغ هجاءه بصبغته النفسية فاختلف من هذه الناحية ، لأنها هي ناحية الاختلاف بينه و بين غيره من الهجائين من اللغات . على أن الهجاء ضروب وليس بضرب واحد في اللغة العربيـة أو فيما عداها ومرجع الأمر في تعدد ضروبه إلى تعدد النفوس وتعدد الأمزجة وتعدد الشعور الذي يشعر به الماجي نحو من يهجوه . فهناك هجاء الرجل الوضيع المهين وهناك هجاء الرجل المتكبر العزيز وهناك هجاء الرجل المهذب الشريف وهناك هجاء المتوقح البذيء وهناك هجاء التهكم والسخرية ، وهجاء العنف واللدد ، وهجاء النقد ، وهجاء الإيذاء ومناط التفرقة بينها هو النفسيات وما تشمله من فوارق الحس والعاطفة ، وليس ا المرجع فيها إلى باب في علم النحو يتكلم على مواضع التصغير .