صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/49

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- {1- فلا يعنيهم في بلادهم أن يغلبوا الكلام المسف المبتذل على الكلام المهذب الفصيح . ومما يكشف عن سوء نية هؤلاء وهؤلاء أنهم يفضلون الكتب التي تؤلف بكلام العامة فيما يختارونه للترجمة إلى اللغات الأوربية ؛ مع أن الترجمة لا تظهر فرقاً بين أسلوب العوام وأسلوب الخواص ، ولا يدرى من يقرأها وهو لا يعرف الأصل أهي من الكلام الدارج منقولة أم هي منقولة من كلام تلتزم فيه الفصاحة وحركات الإعراب . فهو إذن تشجيع للعامية في وطنها وليس بتشجيع للعامية في اللغات الأخرى . ومن هنا ينكشف سوء النية الذي أومأنا إليه . فرأى فيها سأل عنـه الأديب أن تغليب لغة الجهل كارثة على الأمة العربيـة وعلى العقل الإنساني لا تقل عن كارثة الفقر وسوء العيش . وأن علاج مسألة الفقر لن يتوقف في وجه من وجوهه على ترك الكلام الفصيح وتقديم الجهالة الكلامية ، ولن يختلف الا ، الأمر هنا بين طب الأمراض البدنية وطب الأمراض الاجتماعية . فلا الطبيب مضطر إلى إهمال لغـة الطب وهو يعالج مريضه ، ولا المصلح الاجتماعي مضطر إلى إهمال لغـة المعرفة وهو يعالج الفقر أو الجهالة ، وليس ما يفهمه الفقير الجاهل من عبارات العامة بأكثر مما يفهمه من لغة الخاصة إذا كانت الصعوبة في الإدراك أو كانت الصعوبة في الموضوع . فلو نقلت أرسطو إلى أوضع اللهجات لمـا سهلت فهمه أقل تسهيل ، بل لعلك تزيد الصعوبة بإقحام المعاني الرفيعة في لغة لم تتهيأ لتمثيلها منذ زمن بعيد . ولنرحم الفقير الجاهل برفعه إلى طبقة اليسار والمعرفة . والتسوية بينه و بين من يفصحون ويفقهون . أما رحمتـه بإبقائه حيث هو في عمله وكلامه ومداركه فتلك هي القسوة التي لا يسيغها الرحماء .