صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/42

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–٣٤–

قريبة من الشعر؛ لأن بعض الشعراء ينظمون في وصف الطيارة، وأن تقول كذلك: إن علم الحيوان قريب من الشعر؛ لأن بعض الشعراء ينظمون في وصف الخيل أو وصف العصافير.

إلا أنها علاقة سطحية لا يرجع إليها في استكناه أسرار الشخصية الإنسانية، وروابط الملكات والطبائع الخفية، وغير هذه العلاقة أردنا حين قلنا: «إن التعبير عن النفس يجتمع فيه عندي تحقيق وجودها ومتعتها، واستكناه حقيقتها وحقيقة ما حولها.»

فالتعبير عن النفس هو الأدب في لبابه.

وما هو التعبير الذي عنيناه؟

التعبير الذي عنيناه هو كشف المكنون، وتوضيح الأسرار وتمثيل الخفايا في صورة تخرجها من عالم الخفاء إلى عالم النور.

وهنا العلاقة الوثيقة بين أعمق أعماق الدين وأعمق أعماق الأدب: هنا العلاقة بين استطلاع أسرار الوجود وبين معرفة النفس، ومعرفة الإفصاح عن معانيها والإبانة عن أشواقها بلسان الأدب، أو بلسان الفن على التعميم.

فكل تعبير ينطوي على سر موضح مكشوف.

وأي سر أعمق من سر الوجود، وأحوج منه إلى التعبير والتقريب والإلحاح بعد الإلحاح في الاستكناه والاستطلاع!

ذلك ما أردناه حين قلنا: إن الصومعة قريبة من الروضة الأدبية، وذلك هو التعبير عن النفس بمعنى إثبات حقيقتها، وإثبات العلاقة بينها وبين الحقائق الكبرى.

ولكل نفس تعبيرها على حسب ما تحسه وتتوق إليه، فليس من الضروري أن ينتهي التعبير بكل إنسان إلى التعمق في أسرار الدين، ولكنه إذا انتهى ببعض الناس إلى التعمق في تلك الأسرار فليس ذلك بغريب.

***