صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/280

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۳۷۲ – وما أصدق المعرى حين قال متسائلا : ما للناس ولى وقد تركت لهم دنياهم ! فإنه قد لمس الداء في أصوله حين حسب أن ترك الدنيا يتركه في أمان ، وقد تركه فعلا في أمان إلا من القيل والقال ، وهو أهون ما يمر بالرجال . تفلسف ياصاحبي كما تشاء ودع الناس يتفلسفون كما يشاءون فما دامت فلسفتك لا تصيب أحـداً في نياه ولا تفيد أحداً في دعواه ، فأنت ظافر برضوانهم وظافر عندهم برضوان . أما إذا أصبت دنياهم ونقضت دعواهم فياويلك إذا من الأرض والسماء ، و ياسوء ماتلقاه من العلمية والدهاء ، ولو زكاك النبيون وشهد لك الأولياء ، ولزمت الصلاة والدعاء في كل صباح ومساء . ومالك تذكر الخطر على الفلاسفة ولاتذكر الخطر على حماة الدين من الأنبياء والمرسلين ؟ فهم الذين علموا الناس الأديان وهم الذين يثار الناس باسمهم حين يثارون على الفلاسفة ومن يزعمونهم من أهل النكران والجحود ، ولو وزنت حظوظهم من البلاء والاستهزاء ووزنت معها حظوظ الفلاسفة والمتفلسفين ، لما حارت « شركات التأمين » بين أصحاب اليسار وأصحاب اليمين . هي الدنيا ياصاحبى تظلم الدين كما تظلم الفلسفة بما تدعيه عليه وعليها ، وأحسبنى قد باكرت هذا المعنى القديم حين قلت قبل نيف وثلاثين سنة : لو كان ما وعدوا من الجنات في هذي الحياة لسرهم من يكفر فدع دنياهم وتفلسف على بركة الله ، وأنت في أمان من الله ومن عباد الله .