صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/195

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

– ۱۸۷ – ولكنه كتب فيها لأنها تروفه ويحسنها . ومهما يكن من رواج الكتب في مصر ، فإن المحامي الذي يبلغ في عالم المحاماة مكانة الرافعي بك يكسب من قضاياه أضعاف ما يكسبه من كتبه ، ولا يحتاج في دراسة مائة قضية إلى الوقت الذي يشغله بمراجعة المصادر التاريخية لكتاب واحد . وكذلك نحن لم نؤلف « عبقرية محمد » لرواجه لأننا طبعنا منه في الطبعة الأولى أقل مما طبعناه من كتب أخرى ألفناها ، ولم يكن في وسعنا بداهة أن نعدل عن تأليفه إذا لم تنفد الطبعة الأولى بعد أسابيع معدودة ! وإننا لنعرف موضوعات شتى يقبل عليها عشرات الألوف من القراء وتستغنى عن الإعلانات والترويج . فرواية من الروايات المكشوفة تترجم أو تؤلف قد تطبع منها عشرات الألوف ، وقد تباع للصور المتحركة وقد تستهوى من القراء والقارئات من ليس يستهويهم تاريخ أمة أو سيرة عظيم . وهذه الروايات أسهل في تأليفها أو ترجمتها من الكتب التي تراجع من أجلها المصادر الكثيرة بين عربية وأوربية ولا تخلو من عنت في التمحيص والتحضير . ولكننا نعدل عنها إلى الموضوعات التي هي أصعب منها وأقل رواجاً بين قرائنا . بل نعـدل عنها ونحن نعلم أن المدجلين بالروايات المكشوفة يسوقونها مسـاق الفتوح العصرية والجرأة الفكرية ويعدونها من دلائل النزعة الحديثة والنهضة المقبلة والتحرر من التراث العتيق والطلاقة من القيود ، و إننا لا نسلم من اتهام هؤلاء الأدعياء لنا بالجمود أو مصانعة الجامدين إذ نكتب في سيرة الصديق والفاروق فلو كان الزواج مغرباً لنا لكانت الكتابة في هذه الأغراض المقبولة أولى وأجدى . ولو كان الرواج مغرياً لنا لما حار بنا المذاهب التي وراءها دول ضخام تكافىء من يدعو إليهـا و يبشر بأناجيلها . ولا نظن أن الكاتب النابه ينكر علينا أن تلك الدول تعرف قيم الأقلام التي تستخدمها في دعوتها وتحب أن تستخدم منها ما ينفعها .