صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/161

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- 153 - غير ذلك تتعـدد بعداد الرجال والنساء وعداد الأحيان والأعمار والمناسبات . اسمعهم يتغنون بهذه العاطفة الشاملة الداوية العميقة الرحيبة التي لا عداد لهـا بالألوان و إن عدت باللفظ في كلمة واحدة وقل لى ماذا تسمع غير نغمة واحدة معروضة في شتى أساليب ؟ ماذا تسمع غير أن حبيبة هاجرة أبدأ وحبيبا سيموت أبدأ وفوق ذلك قطرات هنا من دموع وشهقات هناك من أنين ؟ ودع هـذا واسمع المنشد أو المنشدة لا يكادان يفرغان من نغمة مبدوءة حتى يتبعها ضجيج وزعيق وقرع وخبط وتصفيق كله نشوز واختلاط ومنافاة أبعد المنافاة لسماع الألحان والأنغام . وقل لي : هل تصدق أن هؤلاء السامعين يستمعون إلى موسيقى ويصفون إلى فن وينعمون بتعبير جميل وتنسيق لا يطيق الاختلال ؟ . فأما الموسيقى والنشوز والخبط والزعيق فمحال أن يجتمع هواها في أذن واحدة في لحظة واحدة ؛ وأما الذي يجتمع مع النشوز والخبط والزعيق فهو تخبط الجسد المحموم حمی البهيمية ، لا تمييز فيه ولا ذوق ولا خيال. علم الله ما أصغيت إلى جمع من هؤلاء الناعةين الناهقين ولا توسمت ما يزهون به من «حساسة » وظرافة إلا تلمست في يدى موضع السوط ألهب به تلك « الحساسة » . وأطير به تلك «الظرافة» وأثبت لهم بالسوط وحده – ولا إثبات بغيره لأمثال هؤلاء- أنهم بلداء بلداء بلداء ، وأنهم ينثون النفوس من فرط كونهم بلداء غارقين في بلادة ، ، لا تفيق .

لا يا أساة الشرق الحزين والمشفقين عليه ! . داووه من نقص الإحساس لا من فرط الإحساس ؛ وداووه من ضفانة الخيـال لا من سرف الخيال . وعلموه أن يحس تعلموه أن يريد ؛ ومتى تعلم أن يريد فلا حاجة به وراء ذلك إلى تعليم .