وتبوأ السدة الرومانية في القرن التاسع عشر عدد من الباباوات البررة الأفاضل. فهالهم انتشار الكفر في الغرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ولمسوا لمس اليد أن نشر الكثلكة في الشرق لم يأت بالفائدة المطلوبة فعادوا إلى المفاوضة لأجل الاتحاد ووجهوا إلى إخوانهم البطاركة الشرقيين عدداً من الدعوات لهذه الغاية.
ولكن انفصال رومة عن شقيقاتها الشرقيات طوال القرون الحديثـة وانفرادها في الرأي كان قد شقة الخلاف في المفاهيم الكنسية والنظم واللاهوت. فرأي البابا غريغوريوس السابع في سلطة أسقف رومة وصلاحياته كان قد أصبح قاعدة أساسية للانتظام والتنظيم. والاكتفاء بالعقل دون الوحي في الأوساط الفكرية الأوروبية كان قد اضطر علماء الكنيسة الغربية إلى اعتماد الفلسفة المدرسية في أبحاثهم اللاهوتية النظرية فابتعدوا بذلك عن إخوانهم في الشرق الذين كانوا لا يزالون مستمسكين باللاهوت النسكي الصوفي مترفعين عن الفلسفة جاعلين من خبرة الله في حياتهم ومن النصوص الطاهرة وأقوال الآباء نبراساً يسترشدون به في كل تفكير لاهوتي. وكانت الفلسفة المدرسية قد أدت في الغرب إلى تقسيم الكنيسة إلى كنيستين كنيسة معلمة وكنيسة متعلمة. فرأى الآباء الشرقيون في هذا أيضاً خروجاً على التقليد وعلى النصوص المنزلة. فالكنيسة الأرثوذكسية كانت ولا تزال جمهرة المقدسين رعاة وشعباً لا رعاة معلمين وشعباً متعلماً. ولا يزال أفراد الشعب الأرثوذكسي حتى يومنا هذا يحافظون على هذا التقليد الأرثوذكسي ويعملون به بفخر واعتزاز إن في حقل النظم والقوانين الكنسية أو في حقل اللاهوت والتاريخ الكنسي.
وهكذا فإنه عندما وجَّه البابا بيوس التاسع رسالته In Suprema»