صفحة:مصطلح التاريخ (الطبعة الثالثة).pdf/9

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.

العرب. وأقمت فيها مدة من الزمن أقلب في أثنائها مخطوطات المكتبة الظاهرية. وما إن بدأت بالعمل حتى أيقنت أني أمام أعظم مجموعة لكتب الحديث النبوي في العالم. ففي خزائن هذه المكتبة عدد لا يستهان به من أمهات المخطوطات في هذا العلم وقسم منها يحمل خطوط أعاظم رجال الحديث. ومن أهم ما وجدت فيها نسخة قديمة من رسالة القاضي عياض في علم المصطلح كتبها ابن أخيه سنة ٥٩٥ للهجرة. وكنت قد قرأت شيئاً عنها في بعض رسائل المصطلح. فاستنسختها بالفوتوستات وبدأت في درسها وتفهم معانيها. فإذا هي من أنفس ما صنف في موضوعها وقد سما بها القاضي عياض إلى أعلى درجات العلم والتدقيق في عصره. والواقع أنه ليس بإمكان أكابر رجال التاريخ اليوم أن يكتبوا أحسن منها في بعض نواحيها وذلك على الرغم من مرور سبعة قرون عليها. فإن ما جاء فيها من مظاهر الدقة في التفكير والاستنتاج تحت عنوان «تحري الرواية والمجيء باللفظ» يضاهي ما ورد في الموضوع نفسه في كتب الفرنجة في أوروبة وأميركة. وقد اقتطفنا من كلام القاضي عياض في هذا الموضوع شيئًا كثيراً أوردناه في باب تحري النص والمجيء باللفظ في كتابنا هذا.

والواقع أن المثودولوجية الغربية التي تظهر اليوم لأول مرة بثوب عربي ليست غريبة عن علم مصطلح الحديث بل تمت إليه بصلة قوية فالتاريخ دراية أولاً ثم رواية كما أن الحديث دراية ورواية. وبعض القواعد التي وضعها الأئمة منذ قرون عديدة للتوصل إلى الحقيقة في الحديث تتفق في جوهرها وبعض الأنظمة التي أقرَّها علماء أوروبة فيما بعد في بناء علم المثودولوجية. ولو أن مؤرخي أوروبة في العصور الحديثة اطلعوا على مصنفات الأئمة المحدثين لما تأخروا في تأسيس علم المثودولوجية حتى أواخر القرن الماضي.

وبإمكاننا أن نصارح زملاءنا في الغرب فنؤكد لهم بأن ما يفاخرون به من هذا القبيل نشأ وترعرع في بلادنا. ونحن أحق الناس بتعليمه والعمل بأسسه

- ز -