من العلماء. وحكى بعض أصحاب الشافعي رضي الله عنه خلافاً بين أصحابه في قبول رواية المبتدع إذا لم يدع إلى بدعته. وقال أما إذا كان داعية فلا خلاف بينهم في عدم قبول روايته. وقال أبو حاتم بن حيان البستي أحد المصنفين من أئمة الحديث الداعية إلى البدع لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة لا أعلم بينهم فيه خلافاً. وهذا المذهب الثالث أعدلها وأولاها. والأول بعيد مباعد للشائع عن أئمة الحديث. فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة. وفي الصحيحين كثير من أحاديثهم في الشواهد والأصول والله أعلم
(العاشرة) التائب من الكذب في حديث الناس وغيره من أسباب الفسق تقبل روايته إلا التائب من الكذب متعمداً في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا تقبل روايته أبداً وإن حسنت توبته على ما ذكر غير واحد من أهل العلم. منهم أحمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي شيخ البخاري. وأطلق الإمام أبو بكر الصيرفي الشافعي فيما وجدت له في شرحه لرسالة الشافعي فقال كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نَعُد لقبوله بتوبة تظهر. ومن ضعفنا نقله لم نجعله قوياً بعد ذلك وذكر أن ذلك مما افترقت فيه الرواية والشهادة. وذكر الإمام أبو المظفر السمعاني المروزي أن من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه. وهذا يضاهي من حيث المعنى ما ذكره الصيرفي والله أعلم.
(الحادية عشرة) إذا روى ثقة عن ثقة حديثاً ورجع المروي عنه فنفاه فالمختار أنه إن كان جازماً بنفيه بأن قال ما رويته أو كذب علي أو نحو ذلك فقد تعارض الجزمان والجاحد هو الأصل. فوجب رد حديث فرعه ذلك. ثم لا يكون ذلك جرحاً له يوجب رد باقي حديثه لأنه مكذب لشيخه أيضاُ في ذلك. وليس قبول جرح شيخه له بأولى من قبول جرحه لشيخه فتساقطا. أما إذا قال المروي عنه لا أعرفه أو لا أذكره أو نحو ذلك. فلذلك لا يوجب رد رواية الراوي عنه. ومن روى حديثاً ثم نسيه لم يكن ذلك مسقطاً للعمل به عند جمهور أهل الحديث وجمهور الفقهاء والمتكلمين خلافاً لقوم من أصحابي أبي حنيفة صاروا إلى إسقاطه بذلك. وبنوا عليه ردهم حديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا نكحت المرأة بغير إذن وليها فنكاحها باطل) الحديث من أجل ابن جريج قال لقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه. وكذا حديث ربيعة الرأي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين. فإن عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال لقيت سهلاً فسألته عنه فلم يعرفه. والصحيح ما عليه الجمهور. لأن المروي عنه بصدد السهو والنسيان والراوي عنه ثقة جازم فلا يرد بالاحتمال روايته ولهذا كان سهيل بعد ذلك يقول حدثني ربيعة عني عن أبي ويسوق الحديث. وقد روى كثير من الأكابر أحاديث نسوها بعدما حدثوا بها عن من سمعها منهم فكان أحدهم يقول حدثني فلان عني وعن فلان بكذا وكذا. ولأجل أن الإنسان معرض للنسيان كره من كره من العلماء الرواية عن الأحياء، منهم الشافعي رضي الله عنه قال لابن عبد الحكم إياك والرواية عن الأحياء والله أعلم
(الثانية عشرة) من أخذ على التحديث أجراً منع ذلك من قبول روايته عند قوم من أئمة الحديث وروينا عن إسحق بن إبراهيم أنه سئل عن المحدِّث يحدث بالأجر. فقال لا يكتب عنه. وعن أحمد بن حنبل وأبي حاتم الرازي نحو ذلك. وترخص أبو نعيم الفضل بن دكين وعلي بن عبد العزيز المكي وآخرون في أخذ العوض على التحديث وذلك شبيه بأخذ الأجرة على تعليم القرآن