وسرت عدوى هذا التدقيق في المراجع من ألمانية وفرنسة إلى بريطانية فقام سر فرنسيس بالغرايف (١٧٨٨–١٨٦١) وجون ميتشل كامبل (١٨٠٧–١٨٥٧) يعنيان بتاريخ الجزر البريطانية في العهدين السكسوني والنورماندي بالدقة المطلوبة ففتحا بذلك عصراً جديداً في التأريخ في الجزر البريطانية. وفي منتصف القرن التاسع عشر أمَّ مدارس ألمانية عدد من الطلاب الأميريكيين يدرسون التاريخ بالأسلوب الجديد وأشهر هؤلاء قدماً هنري آدمز الذي درس في جامعة هيدلبوغ ودرَّس في جامعة جونس هوبكنز وجون برجس الذي عاد من ألمانية فأسس في جامعة كولومبية مدرسة العلوم السياسية على طراز ما شاهد في برلين.
وعلى الرغم من العناية بالمصادر وجمعها ونشرها ونمو الروح البريء من الهوى وتقدم الطريقة العلمية في البحث وازدياد احترامها في جميع الأوساط في أوروبة الغربية وفي الولايات المتحدة ظل البعض من رجال التاريخ والفلسفة يندفع بالعاطفة فيضل ويضلل. ولا يزال رجال الفلسفة حتى يومنا هذا يتذرعون بالتاريخ لتأييد نظرياتهم دون تبصر فيما يقرأون أو تروٍ في الاستنتاج. وما أكثر الفلاسفة الذين يجهلون التاريخ ولا يكلفون أنفسهم مشقة الاستشارة فيجعلون التاريخ ينطق بما ليس فيه!
ولمس بعض أساتذة التاريخ هذا الضعف وهالهم أمر هذا الشطط فنبهوا إليه وردعوا عنه. وبين هؤلاء غبريال مونو فإنه ما فتئ منذ السنة ١٨٧٦ عندما ظهر العدد الأول من مجلته التاريخية الإفرنسية نقول ما فتئ يردع عن التعميم قبل الإحاطة وينذر بالخطر الذي ينجم عن تقبل مذهب معين من مذاهب الفلسفة وكتابة التاريخ على ضوءه قبل التثبت من الحقائق التاريخية تثبتاً مستقلاً عن كل رأي فلسفي وذلك حتى وفاته في السنة ١٩١٢. وقال غيره من المؤرخين الأساتذة بوجوب تربية المؤرخين المبتدئين الصغار تربية علمية واقعية تتفق في جوها