وذلك لسببين أولهما أنه لا يمكننا أن نجزم بأن ما رجعنا إليه من المصادر هو جميع الموجود منها، وثانياً لأَنه من الممكن أن يكون خبر التخلي دوّن في أصل أَو أصول فقدت فيما بعد. وجل ما في إمكان المؤرخ أن يفعله في هذا الصدد هو السكوت عن التخلي لأَن المصادر ساكتة عنه.
وبواسطة الاجتهاد الإيجابي يحاول المؤرخ أن يستنتج أمراً معيناً عن الماضي من مجرد تثبته من أمر آخر تنص عليه الأصول. وذلك لأنه يرى ارتباطاً وثيقاً بين مثل هذين الأمرين في الحاضر الذي يعيش فيه. وكثيراً ما يلجأ مؤرخو العصور القديمة إلى مثل هذا الاجتهاد إما لقلة الأصول أو لجهلهم قواعد المصطلح. فترى الواحد منهم يجزم بأن بلدة من البلدان هي يونانية أو فينيقية لأن اسمها يوناني أو فينيقي. ويستند في ذلك إلى ارتباط الاسم بالمسمى في الوقت الحاضر.
والواقع أن هذا الاجتهاد لا يصح إلا في أحوال منطقية معينة. فلا بد من كلية معترف بصحتها. كأن نقول مثلاً أن اللغة التي ينتمي إليها اسم بلد من البلدان هي دائماً لغة الشعب الذي أسس هذا البلد. ولا بد من جزئية صحيحة أيضاً. كأن يقال إن البلد الفلاني كان يحمل اسماً يونانياً أو فينقياً. فتلزم النتيجة بطبيعة الحال. فكل ما صدق على حد صدق على كل ما يصدق عليه ذلك الحد إيجاباً أو سلباً.
وليس على المؤرخ في مثل هذه الظروف إلا أن يذكر القواعد التي وضعها منذ أكثر من ألفي سنة أرسطو الفيلسوف والتي يعرف بها القياس الصحيح. وهي ما يأتي: