صفحة:محاضرات في تاريخ الدولة العباسية.pdf/66

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
- ٦٥ -

وحساب النفقات "قوم من ذوي الفضل والعدالة والفقه وذوي الأمانة والمعرفة بالهندسة". من هولاء الفقيه الشهير أبو حنيفة النعمان صاحب المذهب الحنفي1.

وقسمت المدينة إلى أربعة مناطق تسمى أرباع وذلك تحت إشراف أربعة مــــن القواد يسهرون على العمل الذي استمر طوال أربع سنوات. وخططت المدينة ورسمت حسب خطة جعلتها تتسع في شكل دائري، فالنص يقول: "وجعل المدينة مــدورة لئلا يكون بعض الناس أقرب إلى السلطان من بعض"2. وبدئ ببناء قصر الخليفـة في وسطها، وإلى جانب القصر بني المسجد الجامع. ويفهم من النصوص أن مدينــة المدائن القديمة مدّت بغداد بكثير من مواد البناء الكبيرة التي قامت عليها. وحــول نـواة المدينة أي حول القصر والجامع تجمعت بغداد في شكل دائري وقسمت إلـى أحياء منفصلة تخترق هذه الأحياء طرق عريضـة مستقيمة، كان يبلغ عرض الطريق منها ٤٠ ذراعاً. واتسعت المدينة وعملت فيها مجاري المياه، وأقيمت فوقهـــا القناطر وانشئت الصهاريج، وحصنت المدينة تحصيناً قوياً حتى تكون الإقامة فيهـا مأمونة. ثم أحيطت بسورين أحدهما من الداخل والآخر خارجي، وكان السور الداخلي أعلى من السور الخارجي، وكانت المنطقة بين السورين تسمى الفصيل. وجعل للمدينة أربعة أبواب المسافة بين كل باب من أبوابها والباب الذي يليه تقدر بميل. من هذه الأبواب باب خراسان، وكان يسمى باب الدولة لإقبال الدولة العباسيـة مـن خراسان3، وهو في الشرق، وباب الكوفة الذي يسمى أيضاً باب الكرخ، اتجاه الكوفة وفي اتجاه الحجاز، وفي الغرب باب الشام، وفي اتجاه الجنوب بـاب البصرة، وهو يوصل إلى منطقة الأهواز وفارس وخوزستان. ويقال أن المنصور لم يصنع للمدينة أبواباً جديدة ولكنه استجلب لها الأبواب من مدينة واسط، باستثناء باب الشام الذي صنعه المنصور. وشعر المنصور بضيق قصره وسط المدينة التي تموج


  1. انظر، ابن الأثير، الكامل، ج ٥، ص ١٥.
  2. نفس المصدر السابق، ص ٢١.
  3. المسعودي، مروج الذهب، ج ٤، ص ١٣٥.