صفحة:محاضرات في تاريخ الدولة العباسية.pdf/228

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
- ۲۲۸ -

مواضع عمله. يقول لندمائه: "املأ واسقني من القرن يكفيني" 1.

سقوط باغايـة وتفكير زيادة الله في اللجوء إلى مصر سنة ٢٩٤هـ / ٩٠٦م:


في سنة ٢٩٤هـ / ٩٠٦م كان لسقوط مدينة باغايـة واستسلامها لأبي عبد الله الشيعي، أثره في نفس زيادة الله الذي عظم غمـه، واستشار وزيره عبد الله بن الصالح، فنصحه بالرحيل إلى مصر سـراً، على أن يستخلف على إفريقية قائـداً يجعل إليه أمر العساكر ويترك له الأحوال، واستحسن الأمير النصيحة وأمر بشـــــــراء خمسمائة جمل لرحيله ثم ظهر له خطأ هذا الرأي وخاف من ثورة الناس ضـده، فتوقف عن تنفيذ النصيحة 2.

ونستبين من الرواية أن الذي بين له خطأ فكـرة الهروب هو قائد جيوشـه إبراهيم بن حبشي، الذي أدخله أجمل قصوره في رقادة، وهو قصر البحر، وجعله ينظر إلى ما فيه من الزخارف والصور وبين له إن مثل هذا القصر لا ينبغي أن يترك للأعداء. وأظهر له إبراهيم بن حبشي أن أهل البلاد معه، بينما عدوه الشيعـي شيخ مجهول لا يعرف مكانه في البربر، وأنه في حصن منيع، وأن الظفر معـه بإذن الله.

وهكذا تخلى زيادة الله عن الهرب. وجعل يرسل الرجال والأموال إلـى الأربس، التي أصبحت أقصى ثغوره، "فكانت خيل أبي عبد الله الشيعي تغير على الأربس من باغاية، وخيل زيادة الله تغير على باغايـة من الأربس" 3.


  1. ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١٤٣.
  2. ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١٤٣.
  3. ابن عذاري، البیان، ج ۱، ص ١٤٣ - ١٤٤.
    الأربس: ضبطها ياقوت الحموي في معجم البلدان بضم الهمزة والبـاء، وكتبها البكري في شكل "لربس" وهي مدينة بتونس بينها وبين القيروان مسيرة ثلاثـة أيام وهي مدينة مسورة لها ربض كبيـر، وبأرضها أطيب الزعفران، ولذلك تعرف ببلد "العنبر" (ياقوت، معجم البلدان، ج ۱، ص ١٣٦ ، البكـــــــــري، المغرب، ص ٤٩).