صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/210

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

– ۲۰۶ - السريع ، فرد ذلك إلى جو الربيع الذي أنعشه ، ودب فيه نشاط حبيب إلى النفس ، وبلغ الطريق فامحها تغذ في السير ، وتصعد إلى الطوار خفيفة رشيقة ، وما تقطع في الطريق خطوات حتى تعود لتقفز إلى الطوار ثانية كأنها خيال يطير ، لا يبنى المكوث عن الأرض ولا يطيق اللصوق بها . ووجد نفسه يغذ في السير ، ولكن علام الإسراع ، وما هناك حاجة إلى الإسراع ، فما زال في الوقت متسع ؟ وأحس همساً خفيفا ينبعث من داخله يستفسر : ترى أنفذ في السير لتلحق بها وتتطلع إليها ؟ وما همس هذا الهاجس في نفسه حتى تفزع وجفل ، وضيق من خطوه ، وتعوذ وابتدأ في قراءة المعوذتين ! » ا ثم تتابع الحياة دورتها ، ويتابع المؤلف خطوات صلاح . وصراعه مع نفسه ، ومغالطته لها، وهواجسه وخطراته، وتناقض أحاسيسه، وإقدامه وإحجامه ، واقترابه في كل إقدام وكل إحجام من الهزيمة والاستسلام ، في أسلوب بارع فائق لا نستطيع مجاراته فية ولا نملك تلخيصه ، حتى نلتقى بالبطل في موقف الهزيمة الأول : « وانطلقا في الطريق الهاديء الساكن الممتد على النيل ، وسارا صامتين كأنما استعارا صمتهما من صمت المكان ، واقتربت « بديعة » منه حتى التصق كتفها بكتفه ، واصطدمت يدها بيده أكثر من مرة ، واستقرت يدها في يده أخيراً ، فراح يضغطها ضغطاً خفيفاً ، فكان يحس بنشوة لذيذة تسرى فيه ، ما كان يحسها لو أن اليد التي كانت في يده يد « سميرة » ، واستمر السكون محيها عليهما ، وكان سكونا خارجياً ، ولم تكن نفساها ساكنتين ، بل كانتا تعتلجان بشعور فوار ، فقد كان كل منهما يتمنى أن يضم صاحبه إلى صدره ليطفء ناره ! « وبلغا مقعداً خشبيا ، فجلسا يحدقان في النيل برهة ، ثم زحفت « بديعة » على المقعد بخفة التصقت به ، فملا عبيرها الشذي أنفه ، وحرك نفسه ، فتاق إلى أن يضمها إليه ، ويطوقها بذراعيه ، ويمطر وجهها قبلات ، ولكنه قمع . .