صفحة:غابة الحق.pdf/66

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

تهذيب السياسة، ثانيًا: تثقيف العقل، ثالثًا: تحسين العادات والأخلاق، رابعًا: إصلاح المدينة، خامسًا: المحبة.

الدعامة الأولى: تهذيب السياسة

إنه لما كان نظام العالم الإنساني لا يمكن قيامه محفوظًا من كل خلل إلا بسياسته، كانت هذه الشريعة تقتضي تمام الالتفات إلى تهذيبها وتحسينها لكونها محورًا يدور عليه عالم كبير يستحق كل الالتفات إلى نظامه، ولا يوجد لهذا التهذيب أساس آخر سوى توطيد الحق وتحسين الهيئة؛ لأنهما المركز الأول الذي يتوقف عليه مدار السياسة العامة. ومتى طرأ على الأساس خللٌ ما لحق ذلك الخلل بكل ما بُنِيَ عليه، ولا يمكن استمرار ذلك الأساس وطيدًا إلا تحت جملة أحوال وهي: أولًا: حالة الشخص الذي يتعاطى السياسة؛ فهو يجب أن يكون رجلًا من أصل كريم وموسر؛ لأنه متى كان هكذا يوجد ذا تربية حسنة وصالحة، فيكون ذا صفات حميدة وأخلاق راضية حسبما يستلزم حسن التربية ويقتضي صلاح الأحكام. ثم يجب أن يكون مروضًا بالعلوم الرياضية والأدبية ومثقفًا بمعرفة واجبات الشرائع والقوانين؛ لأنه إذا كان جاهلًا هذه الأمور لا يكون قادرًا على تتميم خدمته ويعود حينئذٍ مضطرًّا إلى الاسترشاد من الأجانب أو تحكُّمهم، وهم ربما يضلونه أو يخونونه لأغراض ذاتية لهم؛ فتصير كل أحكامه عبثًا ويقع في نتائج اشمئزاز الجمهور. ثم ينبغي أن يكون فطِنًا نبيهًا لأنه إذا كان خاملًا لا تجد دقائق السياسة محلًّا في عقله فيضيع الحق وتضطرب الأحكام،